الفروق في الشرح الممتع للإمام محمد العثيمين رحمه الله تعالى

إنضم
23 أبريل 2003
المشاركات
805
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
الرياض
الفروق في الشرح الممتع للإمام محمد العثيمين رحمه الله تعالى

الحمد لله والصلاة على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا . أما بعد:

فإن معرفة الفروق من الأمور الهامة لطالب العلم ؛ لأنه يميز بها بين المتشابهات .. وقد اعتنى أهل العلم ببيان الفروق ـ عموما ـ ، وبعضهم أفردها بالتصنيف كالقرافي والسامري والزريراني والعسكري.. وغيرهم.
وبعضهم ذكرها في باب مستقل في كتب الأشباه والنظائر ، أوالقواعد الفقهية كالسيوطي والسعدي رحم الله الجميع.

ورأيت من أكثر العلماء عناية بالفروق الشيخ محمد العثيمين ـ رحمه الله وأعلى منزلته ـ وكنت حين قرأتي للشرح الممتع أسجل على طرة الكتاب أرقام الصفحات التي ذكر الشيخ فيها الفروق سواء في الفقهية أو اللغوية أو غيرها ..

ورأيت أن نشر مواضعها هنا فيه نفع ـ إن شاء الله ـ ولو أسعفني الوقت لنقلتها بتمامها ، لكن لعل الله أن ييسر من الإخوة من يسعفه الوقت فيحتسب وينلقها ليعظم النفع بها .

ولو تيسر لأحد الإخوة قراءة جميع كتب الشيخ ، وجمع الفروق منها وترتيبها على العلوم لجاءت في مجلد أو أكثر ، ولكان مشروعا نافعا وعملا طيبا .
كما فعل هذا الأخ يوسف الصالح ، وتبعه كذلك علي بن إسماعيل القاضي في كتب ابن القيم رحمه الله .
ولعلي أنهي هذه المقدمة بهذا النقل عن الشيخ رحمه الله :
قال في الشرح الممتع 11/133: وليعلم أن من أسباب تحصيل العلم أن يعرف الإنسان الفروق بين المسائل المشتبهة ، وقد ألف بعض العلماء في هذا كتبا ... ومن أسباب اتساع نظر الإنسان وتعمقه في العلم أن يحرص على تتبع الفروق ويقيدها .اهـ


تنبيه:
* الطبعة المعزو إليها من المجلد الأول إلى الثامن طبعة مؤسسة آسام .
ومن التاسع إلى الثاني عشر طبعة دار ابن الجوزي.
* مع العلم أن بعض المواضع مكررة.

مواضع الفروق في المجلد الأول :

ص17و21و79و136و147و150و159و192و204و211و314و338و341و350و388و452 .
 

مواضع الفروق في المجلد الثاني :

19و36و43و44و87و107و179و229.

مواضع الفروق في المجلد الثالث :

72و96و99و139و151و156و365و444.

مواضع الفروق في المجلد الرابع :

40و131و157و342و368و455و540و545.

مواضع الفروق في المجلد الخامس:

24و31و94و97و212و223و336و357و382و411.

مواضع الفروق في المجلد السادس :

24و33و198و211و297و300و409و411و422و424و425و509.

مواضع الفروق في المجلد السابع :

82و108و122و178و214و254و257و318و397و402و412و424و491و505و508و513و516و520و522و525و532و546.

مواضع الفروق في المجلد الثامن:

16و34و61و62و77و82و85و87و131و146و182و186و191و197و198و234و237و254و259و269و217و321و343و359و371و393و397و406.

مواضع الفروق في المجلد التاسع :

111و115و123و147وكرره في موضعين 197و391 . و180و202ويتبعه 208. و229و280و300و318و329و356و364و420وكرره 457. و421و435و461.

مواضع الفروق في المجلد العاشر :

17و46و54و74و76و85و120و136و198و20و234و274و287و344و355و380و390.

مواضع الفروق في المجلد الحادي عشر :

20و25و37و65و70و73و86و92و124-133و160و163و165و173و196و204و211و264و291و304و312و325و331و332و344.

مواضع الفروق في المجلد الثاني عشر :
23و41و48و54و59و61و66و103و153و158و162و166و167و195و205و206و214و273و302و345و365و435و454و494.

يتبعها ـ إن شاء الله ـ فروق المجلد الثالث عشر بعد طبعه .



 
للعلم يا شيخ عبد الرحمن ..
قد اعتنى الكاتب المسيطير في ملقتى أهل الحديث بذكر فروق القول المفيد وسماه ( الدر النضيد ) وبفروق شرح ثلاثة الأصول وسماه ( بلوغ المأمول ) او حول هذا الاسم وكلاهما للشيخ ابن عثيمين رحمه الله وهذه روابطها :
بلوغ المأمول
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=74521
الدر النضيد
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=33834
 
أخي الكريم : يتفق معك كل من قرأ في تراث هذا الامام رحمه الله , وقد عقدت في رسالتي جهود الشيخ ابن عثيمين رحمه الله مطلباً بعنوان : الفروق بين الكلمات القرآنية , وذلك في ص 263
 
بسم الله الرحمن الرحيم​

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:
فقد قام أحد الإخوة الفضلاء ـ جزاه الله خيرا ـ بنقل هذه الفروق من موقع الشيخ ، ومقابلتها على طبعة آسام ، ووجد حين المقابلة شيئا من الاختلاف في بعض المواضع ، فأُثبِت ما في موقع الشيخ ؛ لأنها الطبعة المتأخرة التي قرئ بعضها على الشيخ ـ رحمه الله ـ وهي أولى بالإثبات .
تنبيه : قد تجد أحيانا عبارات بين معكوفين [ ] هذه ليست من كلام الشيخ ، وإنما أضيفت لتسهيل معرفة المقصود من الكلام .
وهذا الأخ الفاضل عمل هذا العمل الكبير ، وراسلني به عبر البريد ، آثر ألا يخبرني من هو ، فأسأل الله أن يجزيه خير الجزاء على ما بذل ، و أن يبارك في وقته وعمره وماله .


-------------------------------

الفروق في المجلد الأول :

1- ص17:
الفرق بين زاد المستقنع ودليل الطالب:
[الزاد] أجمع من كتاب الشيخ مرعي ـ رحمه الله ـ دليل الطلب ، ودليل الطالب أحسن من هذا ترتيبا ؛ لأنه يذكر الشروط والواجبات والمستحبات على وجه مفصل.

2- ( ص 21 )
الطَّهور ، بفتح الطَّاء على وزن فَعول ، وفَعول: اسم لما يُفعَلُ به الشيءُ ، فالطَّهورُ ـ بالفتح ـ : اسم لما يُتطهَّر به ، والسَّحور ـ بالفتح ـ : اسم للطَّعام الذي يُتسحَّرُ به .
وأما طُهور ، وسُحور بالضمِّ ، فهو الفعل .

3- ( ص 79 )
وبهذه المناسبة : إذا قيل : " يتوجَّه كذا " فهو من عبارات صاحب " الفروع " ، وإذا قيل : " يتَّجه كذا " فهو من عبارات مرعي صاحب " الغاية " ، وهو من المتأخرين جمع في " الغاية " بين " المنتهى " و " الإقناع " .
لكن بين توجيهات صاحب " الفروع " واتجاهات صاحب " الغاية " من حيث القوَّةُ والتَّعليل والدَّليل فرق عظيم .
فتوجيهات صاحب " الفروع " غالباً تكون مبنيَّة على القواعد والأصول ، أما اتجاهات صاحب " الغاية " فهي دون مستوى تلك .

4- ( ص 136 )
قوله : " ومن سُنن الوُضُوء " السُّنَنَ : جمع سُنَّّة ، وتُطلق على الطَّريقة ، وهي أقوال الرَّسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وأفعاله وتقريراته ، ولا فرق في هذا بين الواجب والمستحبِّ ، فالواجب يُقال له : سُنَّة ، والمستحبُّ يُقال له : سُنَّة .
مثال الواجب : قول أنس من السُّنَّة : " إذا تزوَّجَ البكرَ على الثيِّب أقام عندها سبعاً " .
ومثال المستحبِّ : حديثُ ابن الزبير رضي الله عنه : " صَفُّ القدمين ، ووضْعُ اليد على اليد من السُّنَّة " .
وأمَّا عند الفقهاء والأصوليين ـ رحمهم الله تعالى ـ : فهي ما سوى الواجب ؛ أي : الذي أُمِرَ به لا على سبيل الإلزام .

5- ( ص 147 )
والفَرض في اللُّغة يدلُّ على معانٍ أصلها : الحَزُّ والقطع ، فالحزُّ قطعٌ بدون إبانة ، والقطعُ حزٌّ مع إبانة .
وفي الشرع عند أكثر العلماء : مرادفٌ للواجب ، أي بمعناه ، وهو ما أُمِرَ به على سبيل الإلزام أي بالفعل يعني : أَمَرَ اللهُ به ملزماً إيَّاناً بفعله .
حكمه : أن فاعله امتثالاً مُثابٌ ، وتاركَهُ مستحِقٌّ للعقاب .
وعند أبي حنيفة رحمه الله : الفرض ما كان ثابتاً بدليل قطعيِّ الثُّبوت والدَّلالة .
والواجبُ : ما ثبت بدليل ظَنِّيِّ الثُّبوت أو الدِّلالة .
ومثَّلوا لذلك : بقراءة شيء من القُرآن ؛ فإنه فُرضَ في الصَّلاة ، لقوله تعالى : { فاقرءوا ما تيسر من القرآن } ( المزمل : 20 ) .
وقراءة الفاتحة واجبٌ ولا يُسمَّى فرضاً ؛ لأن قراءتها من أخبار الآحاد ، وعند كثير من الأصوليين وغيرهم ، أن أخبار الآحاد لا تفيد إلا الظَّنَّ .
والمراد بفروض الوُضُوء هنا أركانُ الوُضُوء .
وبهذا نعرف أن العُلماءَ ـ رحمهم الله ـ قد ينوِّعون العبارات ، ويجعلون الفروضَ أركاناً والأركانَ فروضاً .

6- ( ص 150 )
الفرقُ بين المسح والغسل : أنَّ المسحَ لا يحتاج إلى جريان الماء ، بل يكفي أن يغمسَ يده في الماء ثم يمسح بها رأسَهُ مبلولة بالماء .

7- ص159: [الفرق بين العبادات كالصلاة والصيام وبين الحج في النية] :
وهل ينطِقُ بالنيَّة؟ على قولين للعلماء ، والصَّحيحُ أنَّه لا ينطق بها، وأن التعبُّد و بالنُّطق بها بدعة يُنهى عنها، ويدلُّ لذلك أن النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْـهِ وسَلَّـمَ وأصــحابه لم يكونوا ينطقون بالنيَّة إطلاقاً، ولم يُحفَظ عنهم ذلك، ولو كان مشروعاً لبيَّنه اللهُ على لسان رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الحالي أو المقالي.
فالنُّطق بها بدعةٌ سواءٌ في الصَّلاة، أو الزَّكاة، أو الصَّوم.
أما الحجُّ فلم يرد عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أنه قال: نويت أن أحُجَّ، أو نويت النُّسك الفلاني، وإنما يلبِّي بالحجِّ فيُظهر النِّيَّة، ويكون العقد بالنيَّةِ سابقاً على التلبية.
لكن إذا احتاج الإنسانُ إلى اشتراط في نُسُكه، فإنه لا يشترط أن ينطِقَ بالنية، فيقول: إني أريد كذا، بل له أن يقول: اللهم إن حَبَسَنِي حابس فَمَحِلِّي حيث حبستني دون النُّطقِ بالنيَّة.
والمشهور من المذهب: أنه يُسَنُّ النُّطق بها سرًّا في الحجِّ وغيره، وهذا ضعيف لما سبق.
وأمَّا القول: بأنه يُسَنُّ النُّطُق بها جهراً؛ فهذا أضعف وأضعف، وفيه من التَّشويش على النَّاس ولا سيما في الصَّلاة مع الجماعة ما هو ظاهرٌ، وليس هناك حاجة إلى التلفُّظ بالنيَّة لأنَّ الله يعلم بها.

8- ( ص 192 )
والخُفُّ : ما يكون من الجلد .
والجوارب : ما يكون من غير الجلد كالخِرق وشبهها .

9- ( ص 204 )
وأما اشتراط كمال الطَّهارة في الجبيرة ، فضعيفٌ لوجوه :
الأول : أنه لا دليل على ذلك ، ولا يصحُّ قياسُها على الخُفَّين لوجود الفروق بينهما .
الثَّاني : أنها تأتي مفاجأةً ، ليست كالخُفِّ متى شئت لبسته .
وعدم الاشتراط هو اختيار شيخ الإسلام ، ورواية قويَّةٌ عن أحمد اختارها كثيرٌ من الأصحاب .
ويكون هذا من الفروق بين الجبيرة والخُفِّ .
ومن الفروق أيضاً بين الجبيرة وبقيَّة الممسوحات .
1 ـ أن الجبيرة لا تختصُّ بعضوٍ معيَّن ، والخُفُّ يختصُّ بالرِّجْلِ ، وكذا العِمَامة والخِمَار يختصَّانِ بالرَّأسِ .
وبهذا نعرف خطأَ من أفتى أن المرأةَ يجوز لها وضع " المناكير " لمدَّة يوم وليلة ؛ لأن المسح إنَّما ورد فيما يُلبس على الرَّأس والرِّجْلِ فقط ، ولهذا لما كان النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ في تبوك عليه جُبَّةٌ شاميَّةٌ وأراد أن يُخرِجَ ذراعيْه من أكمامه ليتوضَّأ، فلم يستطعْ لضيق أكمامِه فأخرجَ يده من تحت الجُبَّةِ ، وأَلقَى الجُبَّةَ على منكبيه ، حتى صبَّ عليه المغيرةُ رضي الله عنه ، ولو كان المسح جائزاً على غير القدم والرَّأس ، لمسح النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ في مثل هذه الحال على كُمَّيْهِ .
2 - أن المسحَ على الجبيرة جائزٌ في الحَدَثين ، وباقي الممسوحات لا يجوز إلا في الحدث الأصغر .
3 - أن المسح على الجبيرة غيرُ مؤقَّت ، وباقي الممسوحات مؤقّتةٌ وسبقَ الخلافُ في العِمَامة .
4 ـ أنَّ الجبيرةَ لا تُشترَطُ لها الطَّهارةُ ـ على القول الرَّاجح ـ وبقيَّةُ الممسوحات لا تُلبسُ إلا على طهارة ، على خلاف بين أهلِ العلمِ في اشتراطِ الطهارة بالنسبة للعِمَامة والخِمارِ .

10- ( ص 211 ) [الفرق بين التيمم والمسح على الخف في المذهب ]
والأصحاب ـ رحمهم الله ـ نَصُّوا على أن المسح على الخُفَّين رافع للحدث ،
ليس كالتيمم مبيح فقط .

11- ( ص 314 – 315 )
[التيمم] هل هو رافع للحدث ، أو مبيح لما تجب له الطهارة ؟
اختلف في ذلك :
ويترتَّب على هذا الخلاف :
(أ) إذا قلنا : إنه مُبيح إذا نَوى التَّيمُّم عن عِبادة لم يَستبِحْ به ما فوقها .
فإذا تيمَّم لنافلة لم يُصلِّ به فريضة ؛ لأن الفريضة أعلى ، وإذا تيمَّم لِمَسِّ المصحف لم يُصلِّ به نافلة ، إذ الوُضُوء للنَّافلة أعلى فهو مُجْمع على اشتراطه بخلاف الوُضُوء لِمَسِّ المصحف ، وهكذا
وإذا قلنا : إنه رافع فإذا تيمَّمَ لنافلة جازَ أن يُصلِّيَ به فريضة ، وإذا تيمَّم لمسِّ مصحف جاز أن يُصلِّيَ به نافلة .
(ب) إذا قلنا : إنه مُبيح ، فإذا خرج الوقت بَطلَ ؛ لأن المبيح يُقتصر فيه على قَدْرِ الضَّرورة فإذا تيمَّم للظُّهر ـ مثلاً ـ ولم يُحْدِث حتى دخل وقت العصر فعليه أن يُعيدَ التَّيمُّم .
وعلى القول : بأنه رافع ، لا يجب عليه إعادة التيمُّم ، ولا يَبْطُل بخروج الوقت .
(جـ) إذا قلنا : إنه مبِيح ، أُشترط أن ينوِيَ ما يتيمَّم له ، فلو نَوَى رفْع الحَدَث فقط لم يرتفع .
وعلى القول بأنه رافع لا يُشترَط ذلك ، فإذا تيمَّم لرَفْع الحَدَث فقط جاز ذلك .

12- ( ص 337 ) [الفرق بين الشرط والسبب والمانع ]
الشَّرط في اللُّغة : العلامة ، ومنه قوله تعالى : { فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها } ( محمد: 18 ) أي : علاماتها .
وفي اصطلاح الأصوليين : ما يَلزَمُ من عَدَمِه العَدَم ، ولا يَلْزَم من وجوده الوُجود .
مثاله: الوُضُوء شرط لصحَّة الصَّلاة ، يلزم مِن عَدَمِه عَدَمُ الصِّحة ، ولا يلزم من وجوده صحة الصَّلاة ؛ لأنه قد يتوضَّأ ولا يُصلِّي .
والسَّبب : ما يَلزَم من وجوده الوُجود ، ويَلزَم من عَدَمِه العَدَم .
فالفرق بينه وبين الشَّرط : أن السبب يَلزَم من وجوده الوُجود بخِلاف الشَّرط .
والمانع : ما يَلزَم من وُجوده العَدَم ، ولا يَلزَم من عَدَمِه الوُجود ، عكس الشَّرط .

13- ص338: [الفرق بين طهارة الماء وطهارة التيمم في النية ]
فلا بُدَّ أن ينويَ نِيَّتَيْن:
الأولى: نِيَّة ما يتيمَّم له، لنعرف ما يستبيحه بهذا التَّيمُّم، وتعليل ذلك: أن التَّيمُّم مبيح لا رافع على المذهب، ولا يُستباح الأعلى بنيَّة الأدنى، فلو نَوَى بِتَيَمُّمِهِ صلاة نافلة الفَجْر لم يُصَلِّ به الفريضة، ولو نوى الفريضة صلَّى به النافلة؛ لأنَّ النَّافلة أدنى والأدنى يُستباح بنيَّة الأعلى.
الثَّانية: نيَّة ما يتيمَّم عنه من الحَدَثِ الأصغر أو الأكبر.
وقول المؤلِّف ـ رحمه الله ـ: "أو غيره" يعني به: النَّجاسة التي على البَدَنِ خاصَّة.
مثال ذلك: إذا أحْدَث حَدَثاً أصغر، وأراد صلاة الظُّهر يُقال له:انْوِ التَّيمُّم عن الحَدَثِ الأصغر، وانْوِهِ لصلاة الظُّهر.
وأما بالنسبة لطهارة الماء، فلو نَوى الصَّلاة، ولم يطْرأ على باله الحدث ارتفع حَدَثُه، وكذا لو نوى َرفْع الحَدَث، ولم يطرأ على باله الصَّلاة ارتفع حَدَثُه وصلَّى به الفريضة.

14- ( ص 341 )
إذا تيمم لعدم الماء بطل بوجوده ، وإذ تيمم لمرض لم يبطل بوجود الماء ، لأنه يجوز أن يتيمم مع وجود الماء ، ولكن يبطل بالبرء لزوال المبيح ، وهو المرض .

15- ( ص 350 )
لكنَّ اتَّباع الظَّاهر في العقائد أَوْكَد ، لأنها أمُور غيبيَّة ، لا مجال للعَقْل فيها ؛ بخلاف الأحكام فإنَّ العَقْل يدخل فيها أحياناً ، لكن الأَصْل أنَّنا مكلَّفون بالظَّاهر .

16- ( ص 388 )
المنِيُّ : هو الذي يَخْرج من الإنسان بالشَّهْوة ، وهو ماء غليظ ، وَصَفَهُ الله تعالى بقوله : { ألم نخلقكم من ماء مهين } ( المرسلات : 20 ) أي : غليظ لا يسيل من غلظه ، بخلاف الماء الذي يَسيل ، فهو ماء ليس بِمَهين ، بل مُتَحرِّك وهذا الماء خُلِقَ مِنْه بنو آدم عليه السَّلام قال تعالى : { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ( 12 ) ثم جعلناه نطفة في قرار مكين } ( المؤمنون : 12، 13 ) .

17- ( ص 452 – 453 )
قوله : " غيرَ العِدَّة " يعني : أن النِّفاس يفارق الحيض في العدَّة .
فالحيضُ يُحْسَبُ من العِدَّة ، والنِّفاس لا يُحْسَبُ من العدَّة .
مثاله : إذا طلَّق امرأته ، فإنها تعتدُّ بثلاث حِيَضٍ ، وكلُّ حيضةٍ تحسبُ من العدَّةِ .
والنِّفاس لا يُحسب ؛ لأنه إذا طلَّقِها قبلَ الوضعِ انتهتِ العِدَّةُ بالوضع ، وإن طلَّقها بعده انتظرتْ ثلاث حيض ، فالنِّفاسُ لا دخلَ له في العِدَّة إطلاقاً .
قوله : " والبلوُغ " يعني : أنه يفارقَ الحيضَ في البلوغِ ، أي : أن الحيضَ من علامات البلوغ .
أي إذا حاضت بلغت ، أما الحْملُ فليس من علامات البلوغ ؛ لأنَّها إذا حملت ، فقد علمنا أنَّها أنزلت ، وحصل البلوغُ بالإنزال السَّابق على الحمل .
ويُستثنى أيضاً مدَّة الإيلاء ،وهو أن يحلف عن ترك وطء زوجته إما مُطْلَقاً ،أو مدَّة تزيد على أربعة أشهر . مثل أن يقول : والله لا أَطَأُ زوجتي . أو يقول : والله لا أطأ زوجتي حتى يخرج الدجَّال .
فهذا يُحسب عليه أربعةُ أشهر ، فإن رجعَ وجامع كَفَّر عن يمينه ، وإنْ أَبَى ، فإن تمَّت المدَّةُ يُقال له : ارجعْ عن يمينك ، أو طلِّقْ .
فإن قال : إن امرأته تحيضُ في كلِّ شهر عشرةَ أيام ، فيبقى من مدَّة الإيـلاء أربعـون يومـاً وطلـب إسقاطها مـن مــدَّة الإيـلاء يُقـال لــه : لا تُسقِطْ عنك أيَّامُ الحيض ، بل تُحسَبُ عليك .
أما بالنِّسبة للنِّفاس فلا تُحسب مدَّتُه على المولي .
مثاله : حلف ألا يجامع زوجتَه وهي في الشَّهر التَّاسع من الحمل ، فيُضربُ له أربعُة أشهر ، فإذا وضعتْ زوجتَه ومضى أربعةُ أشهرٍ من الأجل الذي ضربناه له ، قلنا : طلِّقْ ، أو جامعْ ، فإن قال : إنَّ زوجته جلستْ أربعين يوماً في النِّفاس ، وأريد إسقاطها عنِّي ، فهذه نسقطها عنه ونزيدُه أربعين يوماً ، وإن جلستْ ستِّين يوماً زدناه ستِّين يوماً .
فهذا فرق بين الحيض والنِّفاس ، ووجهُ الفرق كما قال أهلُ العلم : أن الحيضَ أمر ٌمعتاٌد ، وقد جعل اللهُ تعالى لهذا الزوج أربعةَ أشهرٍ وعشراً ؛ وهو سبحانه وتعالى يعلم أن غالب النساء يحضن في كلِّ شهر مرَّة . وأما النِّفاس فهو أمرٌ نادرٌ وهو حالٌ تقتضي أن لا يميلَ المولي إلى زوجه حال النِّفاس والدم ، والمسألة مع ذلك لا تخلو من خلاف .
ومن الفروق أيضاً : أنَّ المرأةَ المعتادة التي عادتُها في الحيض ستَّةُ أيَّام ؛ إذا طَهُرَتْ لأربعة أيام طهراً كاملاً يوماً وليلة ، ثم عاد إليها الدَّم ؛ فيما بقي من مدَّة العادة وهو يومٌ وليلةٌ ، فهو حيضٌ وفي النِّفاس إذا عاد في المدَّة يكون مشكوكاً فيه ، وهذا على المذهب .
ومن الفروق أيضاً : وهو خلاف المذهب ، أن الطَّلاق في الحيض حرامٌ ، وهل يقعُ ؟ فيه خلافٌ
وفي النِّفاس ـ على المذهب ـ حرام أيضاً كما قال المؤلِّفُ " وهو كالحيض فيما يحلُّ ويحرمُ ". لأن النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قال لعمر : " مُرْهُ فليطلِّقها طاهراً ، أو حاملاً " والنُّفساء غير طاهر .
والصحيح : - وهو المذهب - أنُّه ليس بحرام .
والدليل على ذلك : أن الطَّلاق في الحيض حُرِّمَ لكونه طلاقاً لغير العدَّة قال الله تعالى : { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن } [ الطلاق : 1 ] فإذا طلَّق وهي حائضٌ فإن بقيَّة هذه الحيضة لا تحسب ، فلا بدَّ أن تأتيَ ثلاثُ حِيَضٍ جديدةِ ، فلا تدخل في العدَّة من حينِ الطَّلاقِ .
أما النِّفاس فلا دخل له في العِدَّة ، لأنه لا يُحسب منها ، فإذا طلقَّها فيه شرعت في العدَّة من حين الطَّلاق فيكون مطلِّقاً للعدة ، وإذا كان كذلك فإذا طلَّقها في النِّفاس أو بعده ، فهو على حدٍّ سواء ، لأنها ستشرع في العدة من حين الطلاق ، لأن عدتها متيقنة ، وهي الأقراء .
أما قولُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ " مُرْهُ فليطلِّقها طاهراً ، أو حاملاً " أي : طاهراً من الحيض بدليل ما جاء في الحديث : " أنه طـلَّق امرأته وهي حائضٌ " ولأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قرأ : { فطلقوهن لعدتهن } ( الطلاق : 1 ) وهذا الحكمُ يختصُّ بالطَّلاق في الحيض دون النِّفاس .
ومن الفروق : أنَّه يُكره وطءُ النُّفساء إذا طَهُرَتْ قبل الأربعين على المشهورِ من المذهبِ ، ولا يُكرهُ وطء الحائضِ ، إذا طَهُرَتْ قبلَ زمن العادة ِ.
ومن الفروق أنه لا حدَّ لأقل النِّفاس بخلاف الحيض .
فهذه سبعة ُفروقٍ بين الحيضِ والنِّفاس .
 
[align=center]الفروق في المجلد الثاني [/align]

18- ( ص 19 )
والفرق بين كونه مرتدًّا وبين كفره الأصليِّ : أنَّ كُفْرَ الرِّدَّة لا يُقَرُّ عليه، بخلاف الكفر الأصليِّ فيُقَرُّ عليه ، فالكافر بالرِّدَّة يُطَالَبُ بالإسلام ؛ فإن أسلم وإلَّا قتلناه .

19- ( ص 36 )
والفرق بينها وبين الأذان : أن الأذان إعلام بالصلاة للتهيُّؤ لها والإقامة إعلامٌ للدُّخول فيها والإحرام بها ، وكذلك في الصِّفة يختلفان .

20- ( ص 43 )
هناك فرق بين القتل والقتال ، فليس كلُّ مَنْ جاز قتاله جاز قتله ، ولهذا نقاتل إحدى الطَّائفتين المقتتلتين حتى تفيء إلى أمر الله ، مع أنها مؤمنة لا يحلُّ قتلها . أما القتل فليس يلزم منه مقاتلة الجميع ، فقد يكون واحدٌ من هؤلاء يستحقُّ القتل فنقتله ولا نقاتل الجميع ، فَتبيَّن بهذا أنَّه لا تَلازَم بين القتال والقتل ، وأن جواز القتال أوسع من جواز القتل ؛ لأنَّ القتل لا يكون إلا في أشياء معيَّنة .

21- ( ص 44 )
قوله : « لا رَزْقٍ من بيتِ المَالِ » ، الرَّزْق بفتح الراء : الإعطاء ، والرِّزْق بكسر الراء : المرزوق ، فلا يحرم أن يُعْطَى المؤذِّن والمُقيم عطاءً من بيت المال ، وهو ما يُعرفَ في وقتنا بالرَّاتب ؛ لأن بيت المال إنما وُضِعَ لمصالح المسلمين ، والأذان والإقامة من مصالح المسلمين .

22- ( ص 87 )
قوله : « شُرُوطُهَا قَبْلَها » ... ومعناها أن الشرُوط تقع قبلها ؛ لكن لا بُدَّ من استمرارها فيها والأركان توافق الشُّروط في أنَّ الصَّلاة لا تصحُّ إلا بها ، لكن تُخالفها فيما يلي :
أولاً : أنَّ الشُّروط قبلها ، والأركانَ فيها .
وثانياً: أنَّ الشُّروطَ مستمرَّة من قبل الدّخول في الصَّلاة إلى آخر الصَّلاة ، والأركان ينتقل من ركن إلى ركن : القيام ، فالرُّكوع ، فالرَّفع من الرُّكوع ، فالسُّجود ، فالقيام من السُّجود ، ونحو ذلك .
ثالثاً : الأركان تتركَّبُ منها ماهيَّةُ الصَّلاة بخلاف الشُّروط ، فَسَتْرُ العورة لا تتركَّبُ منه ماهيَّة الصَّلاة ؛ لكنه لا بُدَّ منه في الصَّلاة .

23- ( ص 107 )
والفجر الثاني : بيَّنه المؤلِّف بقوله : « وهو البياض المعترض » في الأُفق ، يعني : من الشَّمال إلى الجنوب .
وأفادنا المؤلِّف رحمه الله بقوله: « إلى طُلوع الفجر الثاني » أنَّ هناك فجراً أوّل وهو كذلك . والفجر الأوَّل يخرج قبل الثَّاني بنحو ساعة ، أو ساعة إلا ربعاً ، أو قريباً من ذلك .
وذكر العلماء أن بينه وبين الثاني ثلاثة فُروق :
الفرق الأول : أن الفجر الأوَّل ممتدٌّ لا معترض ، أي : ممتدٌّ طولاً من الشَّرق إلى الغرب ، والثاني معترض من الشّمال إلى الجنوب .
الفرق الثاني : أن الفجر الأوَّل يُظلم ، أي : يكون هذا النُّور لمدَّة قصيرة ثم يُظلم ، والفجر الثاني : لا يُظلم بل يزداد نوراً وإضاءة .
الفرق الثالث : أن الفجر الثَّاني متَّصل بالأُفق ، ليس بينه وبين الأُفق ظُلمة ، والفجر الأوَّل منقطع عن الأُفق ، بينه وبين الأُفق ظُلمة .
والفجر الأوَّل لا يترتَّب عليه شيء من الأمور الشرعيَّة أبداً ، لا إمساك في صوم ، ولا حِلُّ صلاة فجر ، فالأحكام مرتَّبة على الفجر الثَّاني .

24- ( ص 179 )
قوله : « لا مَنْ حُبِسَ في مَحَلٍّ نَجِسٍ » ، معطوف على قوله : « أعاد » ، أي : لا يُعيد من حُبِسَ في مَحَلٍّ نجسٍ ، ولم يتمكَّن من الخروج إلى مَحَلٍّ طاهرٍ ؛ لأنَّه مُكره على المُكْثِ في هذا المكان ، والإكراه حكمه مرفوع عن هذه الأمة ، كما قال النبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام : « إن الله تجاوز عن أُمَّتي الخطأ والنسيانَ وما استُكرِهُوا عليه » .
والفرق بينه وبين مَنْ صَلَّى في ثوبٍ نجس أنَّ مَنْ صَلَّى في ثوبٍ نجسٍ ليس مُكرهاً على الصَّلاة فيه ولذلك لو أُكره على الصَّلاة في ثوبٍ نجس ، فإنه يُصلِّي فيه ولا إعادة .

25- ( ص 229 )
[وَمَنْ رَأَى عَلَيه نَجَاسَةً بَعْدَ صَلَاتِهِ ، وَجَهِلَ كَوْنَهَا فيها لَمْ يُعدْ ، وإنْ عَلِمَ أنَّهَا كَانَتْ فِيهَا لَكِنْ نَسِيهَا أَوْ جَهِلها أَعَادَ ]
والرَّاجح في هذه المسائل كلِّها : أنه لا إعادة عليه سواء نسيها ، أم نسي أن يغسلها أم جهل أنها أصابته ، أم جهل أنها من النَّجاسات ، أم جهل حكمها أم جهل أنها قبل الصَّلاة ، أم بعد الصلاة.
والدَّليل على ذلك : القاعدة العظيمة العامة التي وضعها الله لعباده وهي قوله : { لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } ( البقرة : من الآية 286 ) ، وهذا الرَّجُل الفاعل لهذا المحرَّم كان جاهلاً أو ناسياً ، وقد رفع الله المؤاخذة به ، ولم يبقَ شيء يُطالب به .
وهناك دليل خاصٌّ في المسألة ، وهو أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صَلَّى في نعلين وفيهما قَذَرٌ ؛ وأعلمه بذلك جبريل لم يستأنف الصَّلاة وإذا لم يُبْطِل هذا أولَ الصَّلاة ، فإنه لا يُبْطِلُ بقيَّة الصَّلاة .
ولو قال قائل : ما الذي منع قياسها على ما إذا صَلَّى محدثاً وهو جاهل أو ناسٍ ؟
نقول : أنَّ ترك الوُضُوء من باب ترك المأمور ، فالوُضُوء شيء مأمور به ؛ يُطلب من الإنسان أن يقوم به ، والنجاسة شيء منهيٌّ عنه ؛ يُطلب من الإنسان أن يتخلَّى عنه ، فلا يمكن قياس فعل المحظور على ترك المأمور ؛ لأن فعل المحظور إذا عُفي عنه مع الجهل والنسيان كان فاعله كمن لم يفعله سَوَاء ؛ لعدم الإثم به . أمَّا ترك المأمور مع الجهل والنسيان فيُعفى عنه حال تركه ؛ فليس في الإثم كمن تركه عامداً ؛ لكنه يمكن تدارك مصلحته بإعادته على الوجه المأمور به ، فتنبَّه للفرق فإنه واضح .
وعلى هذا ؛ لو أن أحداً أكل لحم إبل ، وهو لم يعلم أنه لحم إبل ، أو أنه ناقض للُوضُوء ، أو علم بذلك لكن نسيَ أن يتوضَّأ ؛ أو نسيَ أنه أكله ؛ وقام وصلَّى بلا وُضُوء ثم علم ، فعليه الإعادة لأن هذا من باب ترك المأمور ؛ بخلاف النَّجاسة ، فهي من باب فعل المحظور ، هذا هو الصَّحيح في هذه المسألة ، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وهو رواية عن الإمام أحمد في هذه المسألة .
 
الفروق في المجلد الثالث :

26- ص ( 72 )
فما الفَرْق بين المعاذ والملاذ ؟
قال العلماء: الفَرْق بينهما : أن اللِّياذ لطلب الخير ، والعياذ للفرار من الشرِّ ، وأنشدوا على ذلك قول الشاعر :
يـا مَنْ ألُـوذُ بـه فيما أُؤَمِّلـُهُ *** ومـَنْ أعُـوذُ بـه مِمَّا أُحاذِرُهُ
لا يَجْبُرُ النَّاسُ عظماً أنت كاسِرُهُ *** ولا يَهيضُونَ عظماً أنت جَابِرُهُ

27- ص ( 96 )
« صَهْ » اُسمُ فِعْلٍ بمعنى اُصمُتْ . فأحياناً أقول « صَهٍ » ، وأحياناً أقول « صَهْ » ، وبينهما فَرْق فإن قلت : « صهٍ » فمعناها اُسكتْ عن كُلِّ شيء ، إن قلت : « صَهْ » فمعناها اُسكتْ عن كلام معيَّن .
28- الفرق بين « آمين » و « آمّين »
وقوله : «بآمين» : معناها : اللَّهُمَّ اُسْتجِبْ ، وعلى هذا ؛ فهي اُسمُ فِعْلِ دعاء ، ...
قال الفقهاء : فإن شدَّدَ الميمَ في « آمين » بطلت الصَّلاةُ ؛ لأنَّ معناها حينئذٍ « قاصدين » ؛ ولهذا قالوا : يحرم أن يُشدِّد الميم ، وتبطل الصَّلاةُ ؛ لأنه أتى بكلامٍ مِن جنسِ كلام المخلوقين .

29- ص ( 99 )
وجوب الفاتحة ثابتٌ ، فيلزم أن يتعلَّم هذه السُّورة ، فإن ضاق الوقتُ قرأ ما تيسَّرَ من القرآن من سواها ؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم « اقرأ ما تيسَّرَ معك من القرآن » فإن لم يكن معه قرآن فإنه يُسَبِّحُ ، فيقول : « سبحان الله ، والحمدُ لله ، ولا إله إلا الله ، واللَّهُ أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله » خمس كلمات .
فإذا قال قائل : كيف يجزئ الخمس عن السَّبع ؛ لأن الآيات في الفاتحة سَبْع ؟
فالجواب : أنه لا يلزمُ أن يكون البدلُ مساوياً للمُبدل منه ، أَلا ترى أنَّ كسوةَ العشرة في كفَّارة اليمين لا يساويها إطعامُهم في الغالب ، ولا تساوي عِتْقَ الرَّقَبة أيضاً ، فالبدلُ لا يلزم منه مساواة المُبدل منه ، لكن قال فقهاؤنا رحمهم الله : إذا كان عنده شيءٌ من القرآن سوى الفاتحة وجب عليه أن يقرأ منه بقَدْرِ الفاتحة ، وفرَّقوا بين هذا وبين الذِّكر ؛ بأن ما يُقدر عليه من جنس ما عُجز عنه ؛ فوجب أن يكون مساوياً له ، بخلاف البدل المحض فإنه لا يلزم .

30- ص ( 139 )
قال ابن القيم : وبهذا يُعرف الفَرْقُ بين الحَمْدِ والمدح ؛ فإنَّ المدحَ : وَصْفُ الممدوح بالكمال ، أو بالصِّفات الحميدة ، لكن لا يلزم منه أن يكون محبوباً معظَّماً، فقد يمدحُه مِن أجل أن ينالَ غَرَضاً له ، وقد يمدحُه مِن أجل أن يتَّقي شَرَّه ، لكن ؛ الحمدُ لا يكون إلا مع محبَّةٍ وتعظيمٍ .
وبهذا نعرف قوَّةَ سِرِّ اللغةِ العربيةِ ، حيث إن الحروف واحدة هنا « حمد » و « مدح » لكن لما اختلف ترتيب الحروف اختلف المعنى .
وأمَّا من عَرَّفَ « الحَمْدَ » بأنه : الثناء بالجميل الاختياري ، فهذا قاصر :
أولاً : لأن الثناء أخصُّ من المدح ؛ لأن الثناء هو مدحٌ مكرَّر كما جاء في الحديث القدسي الصحيح : « أن الإِنسان إذا قال : الحمد لله رَبِّ العالمين ، قال الله : حَمِدَني عبدي ، فإذا قال : الرحمن الرحيم ، قال الله : أثنى عَليَّ عبدي » ففرَّقَ اللهُ سبحانه وتعالى بين الحَمْدِ والثناء .
ثانيا ً: أنه بالجميل الاختياري يخرجُ الحَمْدُ على كمال الصِّفات اللازمة ؛ التي لا تتعدَّى كالعظمة والكبرياء ، وما أشبه ذلك ، والله تعالى محمود على صفات الكمال اللازمة ، وصفات الكمال المتعدية ، فهو محمودٌ على كمالِهِ ومحمودٌ على إحسانِهِ سبحانه وتعالى .

31- ص ( 151 )
وفَرْقُ بين النَّفْي المطلق ، وبين النَّفْي المقرون بالتفصيل ، فإن النَّفْيِ المقرون بالتفصيل دليلٌ على أن صاحبَه قد ضَبَطَ حتى وصل إلى هذه الحال ، عرف ما ثبت فيه الرَّفْعُ وما لم يثبت فيه الرَّفْعُ وعلى هذا فنقول: إن حديث ابن عُمرَ الثابتَ في « الصحيحين » مقدَّمٌ على ذلك الحديث الضَّعيف والوهم فيه قريب .

32- ص ( 156 )
قوله عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ : « إذا سَجَد أحدُكم فلا يَبْرُك كما يبرك البعير ُ» فإن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يَبْرُكَ الرَّجلُ كما يَبْرُك البعيرُ ، والبعيرُ إذا بَرَكَ يُقدِّم يديه ، فيقدِّم مقدمه على مؤخره كما هو مشاهد ، وقد ظَنَّ بعضُ أهل العِلم أن معنى قوله : « فلا يبرك كما يبرك البعير » يعني : فلا يبرك على ما يبرك عليه البعير ، وأنه نهى أن يبركَ الإِنسانُ على رُكبتيه ، وعلى هذا ؛ فيقدِّم يديه ، ولكن بين اللفظين فَرْقاً واضحاً ، فإنَّ النهيَ في قوله : « كما يبرك » نهيٌ عن الكيفية ؛ لأن الكاف للتشبيه ، ولو كان اللفظ : « فلا يبرك على ما يبرك » لكان نهياً على ما يسجد عليه ، وعلى هذا ؛ فلا يسجد على رُكبتيه ؛ لأن البعير يبرك على ركبتيه ، وعلى هذا فيقدِّم يديه .

33- ص ( 365 )
مسألة : لو فُرض أن المأموم سَبَّح ، ولكن الإمام لم ينتبه ، وسَبَّح ثانية ، ولم ينتبه ، وربما سَبَّح به فقام ؛ وسَبَّح به فجلس ؛ فماذا يصنع ؟
الجواب : قال بعض العلماء : يخبره بالخَلَلِ الذي في صلاته بالنُّطْقِ ، فيقول : اُركعْ ... اُجلسْ ... قُمْ ... ، ثم اُختلف القائلون بأنه يقول هذا ، هل تبطل الصَّلاةُ بذلك أم لا ؟
فقال بعضهم : لا تبطل ؛ لأن هذا كلام لمصلحة الصَّلاة ، وليس كلام آدميين ، يعني لم يقصد به التَّخاطب مع الآدميين ، بل قَصَدَ به إصلاح الصَّلاة .
واُستدلُّوا لذلك : بأن النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا قال له ذو اليدين : « بلى قد نسيتَ ... قال : أكما يقول ذو اليدين ؟ » وهذا كلامٌ يُخاطب به الآدميين ؛ لكنه كلام لمصلحة الصَّلاة .
القول الثاني : أن الصَّلاةَ تبطل إذا تكلَّم ؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : « إنَّ هذه الصَّلاةَ لا يصلحُ فيها شيءٌ مِن كلامِ النَّاسِ » ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بالتَّسبيحِ ولو كان الخطابُ لمصلحة الصَّلاةِ لا يضرُّ لكان يأمر به ؛ لأنه أقربُ إلى الفهم وحصول المقصود من التسبيح ، فلما عَدَلَ عنه عُلِمَ أن ذلك ليس بجائز ؛ لأن المصلحةَ تقتضيه لولا أنه ممتنع ، ولا شَكَّ أن هذا الدليل قويٌّ ، وأنَّ الصَّلاةَ تبطلُ إذا نبَّه بالكلام ، ولكن نحتاج إلى الجواب عما اُستدلَّ به القائلون بأن الصَّلاةَ لا تبطل ؛ لأن الكلام لمصلحة الصَّلاةِ .
والجواب عن ذلك : أن النبي صلى الله عليه وسلم حين تكلَّم لم يكن يعلم أنه في صلاة ، بل كان يظنُّ أنَّ الصَّلاةَ تمَّت ، ولهذا قال : « لم أنسَ ولم تُقصرْ » ولما قالوا : صدق ذو اليدين ، أو قالوا : نعم ، لم يتكلَّم بعدُ ، بل تقدَّم وصَلَّى ما تَرَكَ . وفَرْقٌ بين شخص يعلَمُ أنه في صلاة ، ولكن يتكلَّم لمصلحة الصَّلاةِ ، وشخص لم يتيقَّن أنه في صلاة ، بل كان ظنُّه أنه ليس في صلاة ، وأنَّ صلاتَه تمَّت ، وحينئذٍ فلا يتمُّ الاستدلال بهذا الحديث .

34- ص ( 444 )
وقوله : « والأركان » سبقت أيضاً ، والفَرْقُ بينها وبين الشرائط : أن الشرائط خارج الصلاة ، والأركان في نفس الصلاة ، فهي ماهيَّة الصلاة .
 

الفروق في المجلد الرابع :
35- ص ( 40 )
وفي قوله : « ما قضيتَ » إثباتُ القضاءِ لله .
وقضاءُ الله : شرعيٌّ ، وقَدَريٌّ .
فالشَّرعيُّ مثل قوله تعالى : { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ } ( الإسراء : من الآية 23 )
والقدريُّ مثل قوله تعالى : { وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً } ( الإسراء : 4 ) .
والفَرْقُ بينهما مِن وجهين :
الوجه الأول : أنَّ القضاءَ الكونيَّ لا بُدَّ مِن وقوعِهِ ، وأما القضاءُ الشَّرعيُّ فقد يقع مِن المقضيِّ عليه وقد لا يقعُ .
الوجه الثاني : أنَّ القضاءَ الشَّرعيَّ لا يكون إلا فيما أحبَّه الله ، سواءٌ أحبَّ فِعْلَه أو أحبَّ تَرْكَهُ وأما القضاءُ الكونيُّ فيكون فيما أحبَّ وفيما لم يحبّ .

36- ص ( 131 )
قوله : « والمستمع » دليله : حديثُ ابن عُمر وعن أبيه : حيث كانوا يسجدون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قوله : « دون السامع » أي : أنَّ السَّامع لا يُسَنُّ له أنْ يسجدَ ،
والفَرْقُ بين المستمع والسَّامع :
أنَّ المستمع : هو الذي يُنصِتُ للقارىء ويتابعه في الاستماع . والسَّامع : هو الذي يسمعُ الشَّيءَ دون أن يُنصِتَ إليه .

37- ص ( 157 )
والفجرُ الأوَّلُ يبدو قبلَ الفجرِ الثَّاني بنحو نصفِ ساعة ، ثم يضمحلُّ ، ويرجع الجوُّ مظلماً ، ثم يخرجُ الفجرُ الثاني ، قال أهلُ العِلْمِ : الفروق بينهما ثلاثة :
الأول : أنَّ الفجرَ الثاني مستطيرٌ ؛ أي : معترض ، والأولُ مستطيلٌ ؛ أي : ممتدٌّ نحو وسَطَ السَّماء .
الثاني : أنَّ الفجرَ الثاني لا ظُلمةَ بعدَه ، والأولُ يزولُ ويظلِمُ الجوُّ بعدَه .
الثالث : أنَّ الفجرَ الثاني متَّصِلٌ بالأُفقِ ، والفجرُ الأولُ غيرُ متَّصلٍ ، بمعنى : أنَّ الفجرَ الثاني تجدُه على وجه الأرض ، والفجرُ الأولُ بينه وبين أسفل السَّماء سواد .

38- ص ( 342 )
قوله : « ولا تصح خلف محدث ولا متنجس يعلم ذلك ... » .
هاتان مسألتان :
المسألة الأولى : الصلاةُ خلفَ المُحدثِ فتصحُّ بشرطِ أن يكونَ الإِمامُ والمأمومُ جاهلين بذلك حتى تتمَّ الصلاةُ ...
والصحيح في هذه المسألة : أنَّ صلاةَ المأمومينَ صحيحةٌ بكُلِّ حالٍ ، إلا مَن عَلِمَ أنَّ الإِمامَ مُحدِثٌ .
المسألة الثانية : الصلاةُ خلفَ المتنجِّس ، وقد جَعَلَ المؤلِّفُ حكمها كحكم الصَّلاةِ خلفَ المحدث ...
والقولُ الصَّحيحُ في هذه المسألة ِ: أنه إذا جَهِلَ الإِمامُ النجاسةَ هو والمأمومُ حتى انقضتِ الصَّلاةُ فصلاتُهم جميعاً صحيحةٌ ، والعذرُ للجميع الجهلُ ، والمصلِّي بالنَّجاسةِ جاهلاً بها على القولِ الرَّاجحِ ليس عليه إعادةٌ ، وكذلك لو عَلِمَ بها لكن نسيَ أن يغسِلَها فإن صلاتَه على القول الرَّاجحِ صحيحةٌ .
ومِن هنا يتَّضحُ الفرقُ بين هذه والتي قبلَها على القول الرَّاجحِ : أنه إذا جَهِلَ المصلِّي بالحدثَ أعادَ الصلاةَ ، ولا يعيدُ الصَّلاةَ إذا كان جاهلاً بالنجاسةِ . والفَرْقُ بينهما : أنَّ الوُضُوءَ مِن الحَدَثِ مِن بابِ فِعْلِ المأمورِ ، واجتنابَ النَّجاسةِ مِن بابِ تَرْكِ المحظورِ ، فإذا فَعَلَهُ جاهلاً فلا يلحقُه حكمُه .

39- ص ( 368 )
فإن قال قائلٌ : ما تقولون في رَجُلٍ مسافرٍ صَلَّى خلفَ إمامٍ يصلِّي أربعاً ، هل تُبيحونَ له إذا صَلَّى الركعتين أن ينفردَ ويُسلِّمَ ؛ لأنَّ المسافرَ يقصر الصَّلاةَ ؟
فنقول : لا نُبيحُ لك ذلك .
إذاً ؛ ما الفَرْقُ بين هذه المسألةِ ، ومسألة مَن يصلِّي المغربَ خلفَ مَن يصلِّي العشاءَ ؟
الجواب : الفَرْقُ بينهما ظاهرٌ ، لأن إتمامَ الرُّباعيةِ إتمامَ صِفةٍ مشروعةٍ في الحضر ، أما إتمام المغربِ أربعاً فليست صفةً مشروعةً إطلاقاً .

40- ص ( 455 )
أما الأعذارُ التي ذكرها المؤلِّفُ فهي أعذارٌ تُسوِّغُ للإِنسانِ أن يَدَعَ الجُمُعةَ والجماعةَ ؛ لأنَّه متَّصفٌ بما يُعذرُ به أمامَ الله ، أما مَن أكلَ بصلاً أو ثوماً فلا نقولُ إنَّه معذورٌ بتَرْكِ الجُمُعةِ والجماعة ، ولكن لا يحضُر دفعاً لأذيته ، فهنا فَرْقٌ بين هذا وهذا ، لأن هذا المعذورَ يُكتبُ له أجرُ الجماعةِ كاملاً إذا كان مِن عادتِه أن يصلِّي مع الجماعةِ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « إذا مَرِضَ العبدُ أو سافرَ كُتِبَ له مثلُ ما كان يعملُ صحيحاً مقيماً » أما آكلُ البصلِ والثُّومِ فلا يُكتب له أجرُ الجماعةِ ؛ لأننا إنما قلنا له لا تحضر دفعاً للأذية ؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : « إنَّ الملائكةَ تتأذَّى مما يتأذَّى منه بنو آدم » .

41- ص ( 540 )
فإذا قال قائل : هؤلاء الملاحون أو السائقون لسيارات الأجرة دائماً في سفر ، فإذا قلنا : أنتم مسافرون لكم الفطر فمتى يصومون ؟
نقول : يمكن أن يصوموا في سفرهم في أيام الشتاء ؛ لأنها أيام قصيرة وباردة ، فالصوم فيها لا يشق ، كذلك لو قدموا إلى بلدهم في رمضان فإنه يلزمهم الصوم ما داموا في بلدهم .
فإن قدموا في أثناء اليوم إلى بلدهم ففي لزوم الإِمساك عليهم قولان لأهل العلم ، هما روايتان عن الإِمام أحمد .
والصحيح : أنه لا يلزمهم الإِمساك ؛ لأنهم لا يستفيدون بهذا الإِمساك شيئاً ، وليس هذا اليوم في حقهم يوماً محترماً ؛ لأنهم يأكلون ويشربون في أوله وهم مباح لهم ذلك ، فهم لم ينتهكوا حرمة اليوم ، بخلاف من أفطر أول النهار لغير عذر فإنه يلزمه الإِمساك ولا يقول أفسدت صومي فآكل وأشرب ، بل نقول : أنت انتهكت حرمة اليوم فيلزمك الإِمساك .
ومثل ذلك أيضاً : لو أن الحائض طهرت في أثناء اليوم من رمضان فإنه لا يلزمها على القول الراجح أن تمسك ؛ لأن هذه المرأة يباح لها الفطر أول النهار إباحة مطلقة ، فاليوم في حقها ليس يوماً محترماً ، ولا تستفيد من إلزامها بالإِمساك إلا التعب .
مسألة : من أفطر لإنقاذ معصوم هل يلزمه الإِمساك بقية اليوم كمَن رأى شخصاً غرق في الماء ولا يستطيع أن ينجيه من الغرق إلا إذا أفطر بأكل أو شرب فأفطر ثم أنقذه وأنجاه ؟
الجواب : لا يلزمه على القول الراجح ؛ لأنه أفطر بسبب مباح .
بخلاف الرجل الذي بلغ في أثناء اليوم فإنه يلزمه الإِمساك .
والفرق بين هذه المسألة والمسائل التي قبلها : أن المسائل التي قبلها زال فيها المانع ، وهذه وجد سبب الوجوب ، فإذا وجد سبب الوجوب في أثناء النهار لزمه الإِمساك ، كالصغير يبلغ والمجنون يعقل والكافر يسلم ، وفي المسألة خلاف لكن الصحيح وجوب الإِمساك ولا يقضي اليوم .

42- ص ( 545 )
وهناك فرق بين شخص ينوي الإِقامة المطلقة وشخص آخر ينوي الإِقامة المقيدة ، فالذي ينوي الإِقامة المقيدة لا يعد مستوطناً ، والذي ينوي الإِقامة المطلقة يعد مستوطناً .
فالإِقامة المطلقة : أن ينوي أنه مقيم ما لم يوجد سبب يقتضي مغادرته ، ومن ذلك سفراء الدول فلا شك أن الأصل أن إقامتهم مطلقة لا يرتحلون إلا إذا أمروا بذلك ، وعلى هذا فيلزمهم الإِتمام ويلزمهم الصوم في رمضان ، ولا يزيدون عن يوم وليلة في مسح الخفين ؛ لأن إقامتهم مطلقة فهم في حكم المستوطنين ، وكذلك أيضاً الذين يسافرون إلى بلد يرتزقون فيها هؤلاء إقامتهم مطلقة ، لأنهم يقولون : سنبقى ما دام رزقنا مستمراً .
والإِقامة المقيدة : تارة تقيد بزمن ، وتارة تقيد بعمل .
فالمقيد بزمن سبق لنا أن المشهور من المذهب أنه إذا نوى أكثر من أربعة أيام يتم ودونها يقصر ، وكما سبق بيان الخلاف فيها أيضاً .
والمقيدة بعمل يقصر فيها أبداً ولو طالت المدة ، ومن ذلك لو سافر للعلاج ولا يدري متى ينتهي فإنه يقصر أبداً حتى لو غلب على ظنه أنه سيطول ، لأنه ينتظر هذه الحاجة ، وهذا هو عمدة من قال : إنه لا حد للإِقامة ؛ لأنهم يقولون : ما دام الحامل له على الإِقامة هي الحاجة ، فلا فرق في الحقيقة بين أن يحدد أو لا يحدد ، فهو مقيم لشيء ينتظره متى انتهى منه رجع إلى بلده .

 
42- ص ( 545 )
وهناك فرق بين شخص ينوي الإِقامة المطلقة وشخص آخر ينوي الإِقامة المقيدة ، فالذي ينوي الإِقامة المقيدة لا يعد مستوطناً ، والذي ينوي الإِقامة المطلقة يعد مستوطناً .
فالإِقامة المطلقة : أن ينوي أنه مقيم ما لم يوجد سبب يقتضي مغادرته ، ومن ذلك سفراء الدول فلا شك أن الأصل أن إقامتهم مطلقة لا يرتحلون إلا إذا أمروا بذلك ، وعلى هذا فيلزمهم الإِتمام ويلزمهم الصوم في رمضان ، ولا يزيدون عن يوم وليلة في مسح الخفين ؛ لأن إقامتهم مطلقة فهم في حكم المستوطنين ، وكذلك أيضاً الذين يسافرون إلى بلد يرتزقون فيها هؤلاء إقامتهم مطلقة ، لأنهم يقولون : سنبقى ما دام رزقنا مستمراً .
والإِقامة المقيدة : تارة تقيد بزمن ، وتارة تقيد بعمل .
فالمقيد بزمن سبق لنا أن المشهور من المذهب أنه إذا نوى أكثر من أربعة أيام يتم ودونها يقصر ، وكما سبق بيان الخلاف فيها أيضاً .
والمقيدة بعمل يقصر فيها أبداً ولو طالت المدة ، ومن ذلك لو سافر للعلاج ولا يدري متى ينتهي فإنه يقصر أبداً حتى لو غلب على ظنه أنه سيطول ، لأنه ينتظر هذه الحاجة ، وهذا هو عمدة من قال : إنه لا حد للإِقامة ؛ لأنهم يقولون : ما دام الحامل له على الإِقامة هي الحاجة ، فلا فرق في الحقيقة بين أن يحدد أو لا يحدد ، فهو مقيم لشيء ينتظره متى انتهى منه رجع إلى بلده .

الأخ عبد الرحمن ـ حفظه الله ـ أولاً : هل يَوافق على كلام الشيخ هذا في مسألة القصر أم لا علماً أن شيخ الإسلام قد سبقه إلى هذا القول؟ ثانياً: هل طبعة (آسام ) موجودة من المجلد التاسع إلى آخرالمجلدات لإن عندي من المجلد الأول إلى الثامن أشتريتها قبل ثمان سنوات ، وحاولت الحصول على البقية فلم أجدها.جزاكم الله خيراً.
 
سلطان الفقيه قال:
الأخ عبد الرحمن ـ حفظه الله ـ أولاً : هل يَوافق على كلام الشيخ هذا في مسألة القصر أم لا علماً أن شيخ الإسلام قد سبقه إلى هذا القول ؟ ثانياً: هل طبعة (آسام ) موجودة من المجلد التاسع إلى آخرالمجلدات لإن عندي من المجلد الأول إلى الثامن أشتريتها قبل ثمان سنوات ، وحاولت الحصول على البقية فلم أجدها.جزاكم الله خيراً.
حياك الله أخي سلطان القصد من الموضوع هو جمع الفروق من كلام الشيخ ، وأما مناقشة أدليتها ودلالتها فشيء آخر .
أما طبعة آسام فالذي أعرف أن آخر مجلد طبعته هو الثامن .
وفقكم الله .
 

الفروق في المجلد الخامس :
43- ص ( 24 )
قوله : " وجبت عليه وانعقدت به " ، يعني إذا حضرها وجبت عليه وانعقدت به ؛ لأنه من أهل الوجوب ، لكن سقط عنه الحضور للعذر ، فإذا حضر ثبت الوجوب .
مثال ذلك :
مريض سقطت عنه الجمعة من أجل المرض ، ولكنه تحمل المشقة وحضر إلى الجمعة ، فإنها تنعقد به، فيحسب من الأربعين ويصح أن يكون إماماً ، وأن يخطب فيها ؛ لأنه أهل للوجوب ، ولكن وجد فيه مانع الوجوب ؛ وفرق بين من فقد منه شرط الوجوب ، ومن وجد فيه مانع الوجوب لأن من فقد منه شرط الوجوب ليس أهلاً للعبادة أصلاً ، ومن وجد فيه مانع الوجوب فهو في الأصل أهل للوجوب ، فإذا وصل إلى محل الجمعة زال مانع الوجوب ؛ لأن مانع الوجوب مشقة الوصول إلى المسجد فصار الآن من أهل الوجوب فتلزمه ، وتنعقد به ، ويصح أن يؤم فيها .
وكذا الخائف : تسقط عنه الجمعة ، لكنه إذا حضرها تلزمه وتنعقد به ، ويصح أن يكون إماماً فيها .
فإذا قال قائل : ما الفرق بينه وبين المسافر والعبد ؟
فالجواب : أن المسافر والعبد لم يوجد فيهما شرط الوجوب ، فليسا من أهله ، وأما من سقطت عنه لعذر ففيه مانع الوجوب وهو من أهله ، فإذا حضر إلى مكانها زال المانع ، فصار كالذي ليس فيه مانع .

44- ص ( 31 )
وهنا يجب أن تعرف الفرق بين شروط الشيء والشروط في الشيء ، فمنها :
1 - شروط الشيء موضوعة من قبل الشرع ، فلا يمكن لأحد إسقاطها ، والشروط في الشيء موضوعة من قبل العبد فيجوز لمن هي له أن يسقطها .
2 - شروط الشيء ما يتوقف عليه الشيء صحة أو وجوباً أو إجزاء ، أو وجوداً في أمور العقليات ، والشروط في الشيء ما يتوقف عليه لزوم الشيء .
مثال ذلك : العلم بالمبيع شرط للصحة ، فلو باع مجهولاً لم يصح البيع ولو رضي الطرفان ؛ فلا يسقط ولو مع الرضا ؛ لأنه من وضع الشرع .
مثال آخر :
باع شخص بيتاً ، واشترط سكناه لمدة سنة ، فهذا شرط في البيع لو أسقطه من له الشرط جاز ولو لم يشترط البائع سكنى الدار لم يثبت له سكنى الدار ، فهو لم يثبت إلا من وضع البشر ، لمن له الحق أن يسقطه .
فشروط صحة الجمعة ما يتوقف عليها صحة الجمعة ، أي : إذا فقد واحد من الشروط لم تصح الجمعة .

45- ص ( 95 )
وقوله : " إلا لحاجة " ، والمراد بالحاجة هنا : ما يشبه الضرورة ؛ لأن هناك ضرورة وحاجة والفرق بين الحاجة والضرورة:
أن الحاجة : هي التي يكون بها الكمال.
والضرورة : هي التي يندفع بها الضرر ؛ ولهذا نقول : المحرَّم لا تبيحه إلا الضرورة ، قال الله تعالى : { وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْه } ( الأنعام : من الآية 119 ) والمكروه تبيحه الحاجة .
مثال الحاجة : إذا ضاق المسجد عن أهله ، ولم يمكن توسيعه ؛ لأن الناس لا يمكن أن يصلوا في الصيف في الشمس ، ولا في المطر في أيام الشتاء.

46- ص ( 97 )
قوله : " أو أذن فيها " ، أي : إن لم يباشرها ، مثل : أن يكون بلد الإمام في محل آخر وهذا البلد الذي فيه تعدد الجمعة لم يكن فيه الإمام حاضراً ، لكنه قال : أذنت لكم أن تقيموا جمعتين فأكثر وهذه المسألة ليست مبنية على ما سبق في قول المؤلف : " لا يشترط لها إذن الإمام " ؛ لأن إذن الإمام هناك لا يشترط في إقامة الجمعة الواحدة ، أما في التعدد فلا بد من إذن الإمام ، والفرق بينهما ظاهر ، فالأولى لو قلنا : إنه يشترط لإقامة الجمعة إذن الإمام لكانت الفرائض باختيار الأئمة ، أما تعدد الجمعة فلا بد من إذن الإمام ؛ لئلا يفتات عليه وتتفرق الأمة ، وهذا أمر يرجع إلى الدين من جهة ، وإلى نظام الدولة من جهة أخرى .
فرجوعه إلى الدين ؛ لأن الدين ينهانا عن التفرق في دين الله قال تعالى : { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا } ( آل عمران : من الآية 103) ، وقال تعالى : { أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ } ( الشورى : من الآية 13 ) .
وأما رجوعه إلى نظام الدولة فإن ولي الأمر هو الذي له الكلمة فيكون في إقامة الجمعة الثانية افتيات على الإمام ، فتكون كل طائفة من الناس تود أن تتزعم البلد فتجعل في محلها جمعة .

47- ص ( 212 )
أما مناسبة عيد الفطر ، فلأن الناس أدوا فريضة من فرائض الإسلام ، وهي الصيام ، فجعل لهم الله - عز وجل - هذا اليومَ يومَ عيدٍ يفرحون فيه ، ويفعلون فيه من السرور واللعب المباح ما يكون فيه إظهار لهذا العيد ، وشكر لله - عز وجل - لهذه النعمة ، لكنهم لا يفرحون بأنهم تخلصوا من الصوم ، وإنما يفرحون بأنهم تخلصوا بالصوم ، والفرق أن من نوى التخلص من الصوم يشعر أن الصوم ثقيل عليه ، وأنه فرح أنه تخلص منه ، وأما من نوى التخلص به فيفرح بأنه تخلص به من الذنوب ؛ لأن من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه ، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه . فالموفق يفرح بعيد الفطر ؛ لأنه تخلص به من الذنوب حيث قد يغفر له ما تقدم من ذنبه ، والغافل يفرح بعيد الفطر ؛ لأنه تخلص من الصوم الذي يجد فيه العناء والمشقة وفرق بين الفرحين .

48- ص ( 223 )
قوله : " وإن نسيه قضاه ما لم يحدث أو يخرج من المسجد " أي : أو يطل الفصل ، وقوله : " نسيه " أي التكبير المقيد ، فالضمير هنا يعود على بعض مرجعه ؛ لأن مرجعه يعود على التكبير لكن المراد بعض التكبير وهو المقيد ، أي: إن نسي التكبير المقيد بعد الصلاة قضاه ، فلو أنه لما سلم من صلاته استغفر ، وقال : " اللهم أنت السلام ومنك السلام " وسبّح ناسياً التكبير فنقول : يقضيه إلا في ثلاث أحوال :
1 - ما لم يحدث .
2 - أن يخرج من المسجد.
3 - أن يطول الفصل.
فإذا أحدث لا يقضيه ، فلو سلم ثم أحدث بعد السلام مباشرة ثم ذكر التكبير فلا يقضيه الآن لأن الحدث يمنع من بناء الصلاة بعضها على بعض ، فيمنع من بناء ما كان تابعاً لها عليها .
والصحيح أنه لا يسقط بالحدث ، والفرق بينه وبين الصلاة أن الصلاة يشترط لها الطهارة ، وأما الذكر فلا تشترط له الطهارة ، بل نقول : اقضه ولو أحدثت ، إلا إذا طال الفصل ، فإن لم يطل الفصل فاقضه .
وكذا إذا خرج من المسجد ، فإنه لا يقضيه ، وعللوا ذلك بأنه سنّة فات محلها ، وهذا أيضاً فيه نظر .
والصحيح أنه إذا خرج من المسجد ، فإن كان بعد طول مكث ، فإنه يسقط لا بخروجه ، ولكن بطول المكث ، وإن خرج سريعاً فإنه لا يسقط فيكبر ؛ لأنه إذا كانت الصلاة لو سلم منها ناسياً وخرج من المسجد وذكر قريباً رجع وأتم صلاته فبنى بعضها على بعض مع الخروج من المسجد فهذا من باب أولى .
فالقول الراجح أن هذا التكبير المقيد يسقط بطول الفصل لا بخروجه من المسجد ، ولا بحدثه لأنها سنّة مشروعة عقب الصلاة ، وقد فاتت بفوات وقتها ، ولأنه إذا طال الفصل لم يكن مقيداً بالصلاة .

49- ص ( 357 )
طهارة الحي تخالف طهارة الميت من عدة وجوه:
منها : أن طهارة الحي لا تزيد عن ثلاث ، وهذه تزيد إلى سبع أو أكثر .
ومنها : أن الأفضل في طهارة الميت التنشيف ، وأما طهارة الحي فقيل : الأفضل عدم التنشيف وقيل : إن التنشيف وعدمه سواء ، وإنه مباح إن شاء فعل ، وإن شاء لم يفعل .

50- ص ( 382 )
قوله: " يجب تكفينه " الوجوب هنا كفائي ، والفرق بين الكفائي والعيني :
أن الكفائي يقصد به حصول الفعل بقطع النظر عن الفاعل .
والعيني يطلب الفعل من الفاعل ، أي : يراعى فيه الفعل والفاعل.
وفرض العين أفضل من فرض الكفاية ؛ لأنه أوكد بدليل أن الله أمر به جميع الخلق .
ونحوه في ص ( 336 ) .

51- ص ( 410 )
قوله : " وأوسع مدخله " ، يقال : مَدخل ، ومُدخل ، بالفتح وبالضم ، فبالفتح : اسم مكان أي : مكان الدخول ، وبالضم : الإدخال ، وعلى هذا فالفتح أحسن ، أي : أوسع مكان دخوله والمراد به القبر ، أي : أن الله يوسعه له ؛ لأن القبر إما أن يضيق على الميت حتى تختلف أضلاعه - والعياذ بالله - وإما أن يوسع له مد البصر ، فأنت تسأل الله أن يوسع مدخله .

52- ص ( 411 )
وقوله : " الثًّلْجِ وَالبَرَد " الفرق بينهما : أن الثلج ما يتساقط من غير سحاب ، فيتساقط من الجو مثل الرذاذ ويتجمد .
والبَرَد : يتساقط من السحاب ويسمى عند بعض أهل اللغة : حب الغمام ؛لأنه ينزل مثل الحب .


 

تنبيه : الأخ الفاضل الذي نقل الفروق من موقع الشيخ وجد في النسخة الجديدة فروقا آخر لم أشر إليها منها ما ليس في الطبعة القديمة ، وتمت إضافتها هنا فجزاه الله خيرا .

الفروق في المجلد السادس :
53- ص : ( 24 )
قوله : " ولو لم يبلغ نصاباً ، فإن حولهما حول أصلهما إن كان نصاباً ، وإلا فمن كماله " فإذا كان عنده ( 35 ) شاة فليس فيها زكاة ؛ لأن أقل النصاب ( 40 ) وفي أثناء الحول نتجت كل واحدة منها سخلة ، فنحسب الحول من تمام النصاب ؛ ولهذا قال : " وإلا فمن كماله " .
مثال آخر : لو كان عنده نصف نصاب ثم بعد مضي ستة أشهر كَمُلَ نصاباً ، ثم بعد ثلاثة أشهر ربح نصاباً آخر ، فالحول يبتدئ من حين كمل نصاباً ، والربح يتبع الأصل .
مثال آخر : لو أن رجلاً اتجر بـ ( 100.000 ) ريال ، وفي أثناء الحول ربحت ( 50.000 ) ريال فنزكي الخمسين إذا تم حول المائة .
مثال آخر : رجل عنده ( 100.000 ) ريال ، وفي أثناء الحول ورث من قريب له ( 50.000 ) ريال فنزكي الخمسين إذا تم حولها ، ولا تضم إلى ( 100.000 ) في الحول .
فإذا قال قائل : فما الفرق بين المثالين ؟
فالجواب : أن الربح فرع عن رأس المال فتبعه في الحول ، كما في المثال الأول ، وأما الإرث فهو ابتداء ملك ، فاعتبر حوله بنفسه ، كما في المثال الثاني .
فالمال المستفاد عند الربح لا يضم إلى ما عنده في الحول ويضم إلى ما عنده في النصاب .
فالمستفاد بغير الربح كالرجل يرث مالاً ، أو يوهب له ، أو المرأة تملك الصداق ، وما أشبه ذلك فهذا لا يضم إلى ما عنده من المال في الحول ؛ لأنه مستقل وليس فرعاً له ، ولكنه يضم في تكميل النصاب .
مثال ذلك : إذا كان شخص عنده من الدراهم أقل من النصاب ، وفي أثناء الحول مات له قريب فورث منه خمسين ألفاً فيبتدئ الحول من وقت ملك الخمسين ألفاً ؛ في الخمسين ، وفي الدراهم السابقة ، ولا يبتدئ الحول في الدراهم السابقة من حين ملكها ، وفي الخمسين من حين ملكها لأن الدراهم الأولى أقل من النصاب فليس فيها زكاة ، لكن لما تم النصاب بإرث الخمسين ضممنا الأولى إلى الثانية ، وصار الحول واحداً من حين تمام النصاب بملك الخمسين .
وبعض الناس تشكل عليه فيظن أنه إذا أتممنا النصاب بنينا على حول ما دون النصاب وليس كذلك ، وإنما يبدأ الحول من كمال النصاب في الجميع .
مثال آخر : ملك في شهر محرم نصاباً ، ثم ملك بالإرث في شهر جمادى الثانية أقل من النصاب مائة درهم ففيها زكاة - وإن كان أقل من النصاب - لأن عنده مالاً يبلغ النصاب ، لكن حول المائة درهم يكون في جمادى الثانية ، وليس في محرم ؛ لأنها تضم إلى ما عنده في النصاب ، لا في الحول .
-------------------------------
54- ص ( 33 )
مسألة مهمة كَثُر السؤال عنها وذلك حين كسدت الأراضي :
مثاله : اشترى إنسانٌ أرضاً وقت الغلاء ثم كسدت ، ولم يجد من يشتريها لا بقليل ولا بكثير فهل عليه زكاة في مدة الكساد أو لا ؟
الجواب : يرى بعض العلماء : أنه لا شيء عليه في هذه الحال ؛ لأن هذا يشبه الدين على المعسر في عدم التصرف فيه ، حتى يتمكن من بيعها ، فإذا باعها حينئذ قلنا له : زك لسنة البيع فقط .
وهذا في الحقيقة فيه تيسير على الأمة ، وفيه موافقة للقواعد ؛ لأن هذا الرجل يقول : أنا لا أنتظر الزيادة أنا أنتظر من يقول : بع علي .
والأرض نفسها ليست مالاً زكوياً في ذاتها حتى نقول : تجب عليك الزكاة في عينه .
أما الدراهم المبقاة في البنك ، أو في الصندوق من أجل أن يشتري بها داراً للسكنى أو يجعلها صداقاً ، فهي لا تزيد لكن لا شك أن فيها زكاة .
والفرق بينها وبين الأرض الكاسدة : أن الزكاة واجبة في عين الدراهم ، وأما الزكاة في العروض فهي في قيمتها ، وقيمتها حين الكساد غير مقدور عليها ، فهي بمنزلة الدين على معسر .
-------------------------------
55- ص ( 198 )
قوله : " أو بخلاً " أي منع الزكاة بخلاً ، والبخل منع ما يجب ، والشح الطمع فيما ليس عنده .
فالبخيل ممسك ، والشحيح مقتطع ، يريد أن تكون أموال الناس جميعاً عنده .
-------------------------------
56- ص ( 211 )
قوله : " فإن فعل أجزأت " أي : إن نقلها إلى مسافة القصر فأكثر أجزأت ، ولكنه يأثم .
فإذا قال قائل : القاعدة عندنا أن المحرم لا يجزئ .
فنقول : التحريم هنا ليس عائداً على الدفع ، بل عائد على النقل وإلا فقد دفعت إلى أهلها فتجزئ ، ويكون آثماً للنقل .
والتحريم الذي يقتضي الفساد هو ما عاد على عين الشيء مثل قوله صلّى الله عليه وسلّم : " لا صلاة بعد العصر " فإن صلى فلا تصح صلاته إلا ما استثني ، فهناك فرق بين أن يتعلق التحريم بنفس العبادة ، وأن يتعلق بأمر خارج عنها .
-------------------------------
57- ص ( 297 )
فإن قيل : ما الفرق بين الحلي المباح وبين الثياب المباحة إذا قلنا : بوجوب الزكاة في الأول دون الثاني ؟
فالجواب : إن الشارع فرق بينهما حيث أوجبها في الذهب والفضة من غير استثناء بل وردت نصوص خاصة في وجوبها في الحلي المباح المستعمل كما سبق ، وأما الثياب فهي بمنزلة الفرس وعبد الخدمة الذين قال فيهما رسول الله صلي الله عليه وسلم : ( ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة ) فإذا كانت الثياب للبس فلا زكاة فيها وإن كانت للتجارة ففيها زكاة التجارة .
-------------------------------
58- ص ( 300 )
فإن قيل : هل يصح قياس الحلي المباح المعد للاستعمال على الثياب المباحة المعدة للاستعمال كما قاله من لا يوجبون الزكاة في الحلي ؟
فالجواب لا يصح القياس لوجوه :
الأول : . . .
..
الرابع : أن الثياب والحلي افترقت عند مسقطي الزكاة في الحلي في كثير من المسائل فمن الفروق بينهما :
1. إذا أعد الحلي للنفقة ، وأعد الثياب للنفقة بمعنى أنه إذا احتاج للنفقة باع منهما ، واشترى نفقة ، قالوا : في هذه الحال تجب الزكاة في الحلي ولا تجب في الثياب ، ومن الغريب أن يقال امرأة غنية يأتيها المال من كل مكان ، وكلما ذكر لها حلي معتاد اللبس أشترته برفيع الأثمان للتحلي به غير فرار من الزكاة ، ولما افتقرت هذه المرأة نفسها أبقت حليها للنفقة وضرورة العيش ، فقلنا لها : في الحال الأولى لا زكاة عليك في هذا الحلي ، وقلنا لها في الحال الأخيرة عليك زكاة فيه ، وهذا هو مقتضي قول مسقطي الزكاة في الحلي المباح .
2. إن الحنابلة قالوا : أنه إذا اعد الحلي للكراء وجبت فيه الزكاة ، وإذا أعدت الثياب للكراء لم تجب الزكاة فيها .
3. إنه إذا كان الحلي محرماً وجبت الزكاة فيه ، وإذا كانت الثياب محرمة لم تجب فيها الزكاة .
4. لو كان عنده حلي للقنية ثم نواه للتجارة صار للتجارة ، ولو كان عنده ثياب للقنية ثم نواها للتجارة لم تصر للتجارة .
وعللوا ذلك : بأن الأصل في الحلي الزكاة فقويت النية بذلك ، بخلاف الثياب ، وهذا اعتراف منهم بأن الأصل في الحلي وجوب الزكاة فنقول لهم : وما الذي هدم هذا الأصل بدون دليل ؟
5. قالوا : لو نوى الفرار من الزكاة باتخاذ الحلي لم تسقط الزكاة ، وظاهر كلام أكثر أصحاب الإمام أحمد : أنه لو أكثر من شراء العقار فراراً من الزكاة سقطت الزكاة ، وقياس ذلك لو أكثر من شراء الثياب فراراً من الزكاة سقطت الزكاة ؛ إذ لا فرق بين الثياب والعقار ، فإذا كان الحلي المباح مفارقاً للثياب المعدة للبس في هذه الأحكام ، فكيف نوجب أو نجوز إلحاقه بها في حكم دل النص على افتراقهما فيه ؟ . إذا تبين ذلك فإن الزكاة لا تجب في الحلي حتى يبلغ نصاباً لحديث - أم سلمة رضي الله عنها – السابق : ( ما بلغ أن تؤدي زكاته فزكي فليس بكنز ) فنصاب الذهب عشرون ديناراً ونصاب الفضة مائتا درهم .
-------------------------------
59 - ص ( 409 )
قوله : " ومن أكل شاكاً في طلوع الفجر صح صومه " أي : من أتى مفطراً ، وهو شاك في طلوع الفجر فصومه صحيح .
...
قوله : " لا إن أكل شاكاً في غروب الشمس " أي : فلا يصح صومه ؛ لأن الله يقول : { ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ } فلا بد أن يتم إلى الليل ، ولقول النبي صلّى الله عليه وسلّم : " إذا أقبل الليل من هاهنا وأشار بيده إلى الشرق وأدبر النهار من هاهنا وأشار إلى المغرب وغربت الشمس " فلا بد أن تغرب الشمس " فقد أفطر الصائم " .
والفرق بين من أكل شاكاً في طلوع الفجر ، ومن أكل شاكاً في غروب الشمس : أن الأول بانٍ على أصل وهو بقاء الليل ، والثاني أيضاً بان على أصل وهو بقاء النهار ، فلا يجوز أن يأكل مع الشك في غروب الشمس ، وعليه القضاء ما لم نعلم أنه أكل بعد غروب الشمس ، فإن علمنا أن أكله كان بعد الغروب ، فلا قضاء عليه .
-------------------------------
60- ص ( 411 )
قوله : " أو معتقداً أنه ليل فبان نهاراً " أي : لو أكل يعتقد أنه في ليل ، فبان نهاراً لم يصح صومه سواء من أول النهار أو آخره ، أكل يعتقد أنه ليل بناءً على ظنه ، أو بناءً على الأصل فبان نهاراً فعليه القضاء ، فالفقهاء - رحمهم الله - لا يعذرون بالجهل ويقولون العبرة بالواقع .
مثاله : أكل السحور يعتقد أن الفجر لم يطلع ، فتبين أنه طالع فالمذهب يجب عليه القضاء ، وهذا يقع كثيراً ، يقوم الإنسان من فراشه ويقرب سحوره ويأكل ويشرب ، وإذا بالصلاة تقام فيكون قد أكل في النهار ، فعليه القضاء على المذهب .
والقول الراجح : أنه لا قضاء عليه وسبق دليله .
وكذلك إذا أكل يعتقد أن الشمس غربت ، ثم تبين أنها لم تغرب فهو أكل يعتقد أنه في ليل فبان أنه في نهار ، فيلزمه على المذهب القضاء ، وعلى القول الراجح لا يلزمه .
ودليله حديث أسماء السابق ، حيث لم يأمرهم النبي صلّى الله عليه وسلّم بالقضاء ، وهذا دليل خاص ، ومن الأدلة العامة قوله تعالى : { رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } [ البقرة : 286] .
إذاً الفرق بين أول النهار وآخره ، أنه يجوز في أول النهار الأكل مع الشك ، وفي آخر النهار لا يجوز الأكل مع الشك .
-------------------------------
61- ص ( 422 )
قوله : " ومن جامع وهو معافى ، ثم مرض ، أو جن ، أو سافر لم تسقط " .
هذه عكس المسألة السابقة ، أي : أنه جامع وهو معافى صائم ، ثم مرض في أثناء النهار بمرض يبيح له الفطر فتلزمه الكفارة ، مع أنه في آخر النهار يباح له أن يفطر ، لكن هو حين الجماع كان ممن لم يؤذن له بالفطر فلزمته الكفارة .
وكذلك أيضاً من جامع وهو عاقل ، ثم جن في أثناء النهار ، فالصوم يبطل بالجنون وعليه الكفارة لأنه حين الجماع من أهل الوجوب .
وكذلك من جامع في أول النهار ، ثم سافر في أثنائه ، فإنه يباح له الفطر ، وتلزمه الكفارة .
فإذا قال : قد أذن لي بالفطر آخر النهار فلا كفارة علي ، كالذي أذن له بالفطر أول النهار وجامع في آخره ورجحتم أنه لا كفارة عليه فما الفرق ؟
فالجواب : أن الفرق ظاهر جداً ، فأنت حينما جامعت لم يؤذن لك بالفطر ، بل أنت ملزم بالصوم ، وما طرأ من العذر فهو طارئ بعد انتهاكك لحرمة الزمن ، فظهر الفرق .
-------------------------------
62- قوله : " فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً " أي : فعليه إطعام ستين مسكيناً ، والمسكين هنا يشمل الفقير والمسكين ؛ لأن الفقير والمسكين إذا ذكرا جميعاً كان الفقير أشد حاجة ، وإذا أفرد أحدهما عن الآخر صارا بمعنى واحد ، فإذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا .
-------------------------------
63- وقوله : " صيام شهرين متتابعين " هل المعتبر الأهلّة ، أو المعتبر الأهلّة في شهر كامل ، والأيام في الشهر المجَزَّأ ؟
في هذا قولان للعلماء، والصحيح أن المعتبر الأهلّة ؛سواء في الشهر الكامل ، أو في الشهر المجَزَّأ .
فإن قيل : ما الفرق بين القولين ؟
فالجواب : يظهر ذلك بالمثال ، فإذا ابتدأ الإنسان هذين الشهرين من أول ليلة ثبت فيها الشهر - ولنقل إنّه شهر جُمادى الأولى - ابتدأه من أول يوم منه فيختمه في آخر يوم من شهر جمادى الآخرة ، ولنفرض أن جُمادى الأولى تسعة وعشرون يوماً ، وكذلك جمادى الآخرة - فيكون صومه ثمانية وخمسين يوماً ، وهذا لا شك أنّه يعتبر بالهلال .
لكن إذا ابتدأ الصوم من نصف شهر جمادى الأولى فجمادى الآخرة معتبرة بالهلال لأنّه سوف يدرك أوّل الشهر وآخر الشهر فيعتبر بالهلال يقيناً .
أما الشهر الثاني الذي ابتدأهُ بالخامس عشر من جُمادى الأولى فيكمله ثلاثين يوماً ، ويكون آخر صومه اليوم الخامس عشر من رجب على القول الثاني الذي يعتبر الشهر المجزأ ثلاثين يوماً ، أمّا على القول الراجح الذي يعتبر الأهلّة مطلقاً : فإنّ آخر أيام صومه هو الرابع عشر من شهر رجب، إذا كان شهر جمادى الأولى تسعة وعشرين يوماً ؛ فإذا قدرنا أن شهر جمادى الأولى ناقص وكذلك شهر جمادى الثانية فيكون صومه ثمانية وخمسين يوماً .
-------------------------------
64- ص ( 424 )
قوله : " باب ما يكره ويستحب وحكم القضاء " هذه ثلاثة عناوين جمعها المؤلف في باب واحد .
فقوله : " ما يكره " أي : في الصيام ، " ويستحب " أي : في الصيام ، " وحكم القضاء " أي : قضاء رمضان .
والمكروه عند الفقهاء : هو الذي نهى عنه الشرع لا على وجه الإلزام بالترك ؛ لأنه إن نهى عنه على وجه الإلزام بالترك صار حراماً ، وأمثلته كثيرة ، ففي الصلاة مكروهات ، وفي الوضوء مكروهات ، وفي الصيام مكروهات ، وفي الحج وفي البيع وغيرها .
أما حكمه فإنه يثاب تاركه امتثالاً ، ولا يعاقب فاعله ، وبهذا ظهر الفرق بينه وبين الحرام فالحرام إذا فعله الإنسان استحق العقوبة ، أما هذا فلا .
وأما في لسان الشرع : فإن المكروه يطلق على المحرم ، بل قد يكون من أعظم المحرمات ، قال الله تبارك وتعالى في سورة الإسراء حين نهى عن منهيات عظيمة قال : { كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً } [ الإسراء : 28 ] ، وفي الحديث عن النبي صلّى الله عليه وسلّم : " إن الله كره لكم قيل وقال ، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال " .
-------------------------------
65- ص ( 425 )
وقوله : " ويستحب " المستحب هو المسنون وهو ما أمر به لا على وجه الإلزام بالفعل ، فإن أمر به على وجه الإلزام كان واجباً .
وحكم المستحب أن يثاب فاعله امتثالاً ولا يعاقب تاركه ، ولكنَّ ثوابَ المستحب أو المسنون أقل من ثواب الواجب ، بالدليل الأثرى والنظري .
أما الدليل الأثري فقوله تعالى في الحديث القدسي : " ما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضت عليه " فصلاة ركعتين فريضة ، أحب إلى الله من صلاة ركعتين نافلة .
وأما الدليل النظري فإن إيجاب الله للواجب يدل على أنه أوكد ، وأنَّ المكلف محتاج إليه أكثر من احتياجه إلى النوافل .
وهل يفرَّق بين المستحب والمسنون ؟
الجواب : فرق بعض العلماء بينهما بأن المستحب ما ثبت بقياس ، والمسنون ما ثبت بسنة ، أي بدليل .
ولكن الصحيح أنه لا فرق ، والمسألة اصطلاحية ، فعند الحنابلة لا فرق بينهما ، فلا فرق بين أن نقول : يستحب أن يتوضأ ثلاثاً بثلاث ، وأن نقول : يسن أن يتوضأ ثلاثاً بثلاث ، وهذا مجرد اصطلاح ؛ أي : لو أن أحداً قال في مؤلف له : أنا إن عبَّرت بيسن فإنما أعبِّر عن ثابت بسنة وإن عبرت بيستحب فإنما عبرت عن ثابت بقياس ، ثم مشى على هذا الاصطلاح لم ينكر عليه .
-------------------------------
66- ص ( 509 )
قوله : " ويلزمان بالنذر " أي : الصوم والاعتكاف يلزمان بالنذر ، فمن نذر أن يصوم يوماً لزمه ومن نذر أن يعتكف يوماً لزمه ، ومن نذر أن يصوم معتكفاً لزمه ، ومن نذر أن يعتكف صائماً لزمه .
ولكن هناك فرق بين الصورتين الأخيرتين :
الأولى : من نذر أن يصوم معتكفاً لزمه أن يعتكف من قبل الفجر إلى الغروب ، لأنه نذر أن يصوم معتكفاً فلا بد أن يستغرق الاعتكاف كل اليوم .
الثانية : من نذر أن يعتكف صائماً فإنه يعتكف ، ولو في أثناء النهار ولو ساعة من النهار ؛ لأنه يصدق عليه أنه اعتكف صائماً ، ولهذا قد لا يعرف الفرق كثير من الطلبة في هذه المسألة .

 
الفروق في المجلد السابع :
67- ص ( 82 ) :
قوله : " وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني " ، أي : إن منعني مانع من إتمام نسكي فإني أحل من إحرامي ، حيث وجد المانع ، وظاهر كلام المؤلف أن هذا القول عام يشمل من كان خائفاً ، ومن لم يكن خائفاً ...
وهنا عبارتان:
العبارة الأولى : أن يقول : إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني ، " محلي " أي : مكان إحلالي من النسك ، أو قت إحلالي منه .
العبارة الثانية : أن يقول : إن حبسني حابس فلي أن أحل.
والفرق بينهما : إذا قال : فمحلي حيث حبستني ، حل بمجرد وجود المانع ؛ لأنه علق الحل على شرط فوجد الشرط ، فإذا وجد الشرط وجد المشروط ، وأما إذا قال : إن حبسني حابس فلي أن أحل ، فإنه إذا وجد المانع فهو بالخيار إن شاء أحل ، وإن شاء استمر .

68 - ص ( 108 ) :
مسألة : إذا أحرم الإنسان بالحج ، ووصل إلى مكة فإنه يسن له أن يجعل الحج عمرة ليصير متمتعاً فلو جعل الحج عمرة ليتخلص بالعمرة منه ، فإن ذلك لا يصح ؛ لأن ذلك احتيال على إسقاط وجوب الحج عليه.
فإن قال قائل : ما الفرق بين من فسخ الحج ليصير متمتعاً ومن فسخ الحج بالعمرة ليتخلص منه ؟
فالجواب : الفرق ظاهر : من فسخ الحج إلى عمرة ليتخلص بها منه ، فهو متحيل على سقوط وجوب المضي في الحج ، ومن فسخ الحج إلى عمرة ليصير متمتعاً ، فإنه منتقل من الأدنى إلى الأعلى ؛ لأن المتمتع أفضل من القارن والمفرد ، وهذا هو الذي أمر به النبي صلّى الله عليه وسلّم أصحابه أن يفسخوا الحج ويجعلوه عمرة ، ليصيروا متمتعين ، لا ليتخلصوا بالعمرة من الحج .
مثاله : رجل سافر إلى مكة في أشهر الحج وأحرم به ، وكأنه تطاول المدة الباقية على الحج ففسخ الحج إلى عمرة من أجل أن يطوف ويسعى ويقصر ويرجع إلى بلده.
فهذا لا يجوز ؛ لأنه لما شرع في الحج وجب عليه إتمامه ، فإذا حوله إلى عمرة ليتخلص منه ، صار متحيلاً على إسقاط واجب عليه ، وهذا لا يجوز .

69- ص ( 122 ) :
قوله : " إن الحمد والنعمة لك " بكسر همزة إن ، ورويت بالفتح ، فعلى رواية فتح الهمزة " أن الحمد لك " : تكون الجملة تعليلية ، أي: لبيك ؛ لأن الحمد لك ، فصارت التلبية مقيدة بهذه العلة ، أي : بسببها والتقدير لبيك لأن الحمد لك.
أما على رواية الكسر : " إن الحمد لك " ، فالجملة استئنافية وتكون التلبية غير مقيدة بالعلة ؛ بل تكون تلبية مطلقة بكل حال ، ولهذا قالوا : إن رواية الكسر أعم وأشمل ، فتكون أولى ، أي : أن تقول : إن الحمد والنعمة لك ، ولا تقل : أن الحمد والنعمة لك ، ولو قلت ذلك لكان جائزاً .
والحمد والمدح يتفقان في الاشتقاق الأكبر ، أي في الحروف دون الترتيب ح - م – د . موجودة في الكلمتين ، فهل الحمد هو المدح ، أو بينهما فرق ؟
الجواب : الصحيح أن بينهما فرقاً عظيماً ؛ لأن الحمد مبني على المحبة والتعظيم .
والمدح لا يستلزم ذلك فقد يبنى على ذلك وقد لا يبنى ، قد أمدح رجلاً لا محبة له في قلبي ولا تعظيم ، ولكن رغبة في نواله فيما يعطيني ، مع أن قلبي لا يحبه ولا يعظمه.
أما الحمد فإنه لا بد أن يكون مبنياً على المحبة والتعظيم ،ولهذا نقول في تعريف الحمد : هو وصف المحمود بالكمال محبة وتعظيماً ، ولا يمكن لأحد أن يستحق هذا الحمد على وجه الكمال إلا الله - عزّ وجل - .
وقول بعضهم : الحمد هو الثناء بالجميل الاختياري ، أي : أن يثني على المحمود بالجميل الاختياري ، أي الذي يفعله اختياراً من نفسه ، تعريف غير صحيح .
يبطله الحديث الصحيح : " أن الله قال: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، فإذا قال : الحمد لله رب العالمين ، قال : حمدني عبدي ، وإذا قال : الرحمن الرحيم ، قال : أثنى علي عبدي " فجعل الله تعالى الثناء غير الحمد ؛ لأن الثناء تكرار الصفات الحميدة .
و" أل " في الحمد للاستغراق ، أي : جميع أنواع المحامد لله وحده ، المحامد على جلب النفع وعلى دفع الضرر ، وعلى حصول الخير الخاص والعام ، كلها لله على الكمال كله .
وقد ذكر ابن القيم في كتابه ( بدائع الفوائد ) بحثاً مستفيضاً حول الفروق بين الحمد والمدح وكلمات أخرى في اللغة العربية تخفى على كثير من الناس ، وبحث فيها بحثاً مسهباً ، قال : كان شيخنا - ابن تيمية - إذا تكلم في هذا أتى بالعجب العجاب ، مع أن شيخ الإسلام ليس نحوياً بل من علماء العقائد والفقه ، وما أشبه ذلك ، ولكن فتح الله عليه . ولكنه كما قيل:
تألق البرق نجدياً فقلت له إليك عني فإني عنك مشغول
أي أن شيخ الإسلام - رحمه الله - مشغول بما هو أهم من البحث في كلمة في اللغة العربية وأسرار اللغة العربية .

70- ص ( 178 ) :
قوله : " وتصح الرجعة " ، أي : أن يراجع الإنسان مطلقته التي له الرجعة عليها.
مثال ذلك : رجل أحرم بعمرة أو حج ، وكان قد طلق زوجته طلاقاً رجعياً ، فأراد أن يراجعها فلا حرج ، وتصح الرجعة ، وتباح أيضاً .
فهنا فرقنا بين ابتداء النكاح ، وبين استدامة النكاح ؛ لأن الرجعة لا تسمى عقداً ، وإنما هي رجوع ؛ ولأن الاستدامة أقوى من الابتداء ، أرأيتم الطيب ، يجوز للمحرم بل يسن عند عقد الإحرام أن يتطيب فَيُحْرم ، والطيب في مفارقه ، لكن لو أراد أن يبتدئ الطيب فلا يجوز ؛ لأن الاستدامة أقوى من الابتداء ، وهنا حصل لنا فرعان على هذه القاعدة في محظورات الإحرام:
الأول : الطيب ، يستديمه ولا يبتدئُهُ .
الثاني : النكاح ، يستديمه ولا يبتدئُهُ .

71- ص ( 214 ) :
مسالة : إذا لم يجد المحصر هدياً ماذا يصنع ؟
قال المؤلف : " صام عشرة ثم حل " يقتضي وجوب الصوم وأنه لا يحل حتى يصوم العشرة ثم يحل ودليلهم في ذلك القياس على التمتع ؛ لأن كلًّا منهما ترفه بالتحلل من الإحرام.
لكن هذا القياس قياس مع الفارق ومخالف لظاهر النص .
ووجه ذلك أن الحكمين في آية واحدة ، حكم الإحصار وحكم التمتع ، ومنزل الآية واحد وعالم بالأحكام - جل وعلا - ، قال في التمتع : { فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ } [ البقرة : 196 ] ، وقال في الإحصار : { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ } [ البقرة : 196 ] فانتقل إلى حكم آخر ولم يذكر الصوم .
ولو كان الحكم واحداً ، فهل يذكر الله - عزّ وجل - البدل في التمتع ولا يذكره في الإحصار ؟ !
الجواب : لا يمكن ؛ لأنه لما سكت الله - عزّ وجل - عن الصيام في الإحصار ، وأوجبه في التمتع لمن عدم الهدي ، دل على أن من لم يجد الهدي من المحصرين ،فليس عليه شيء فيحل بدون شيء .
ثم إن الظاهر من حال كثير من الصحابة - رضي الله عنهم - أنهم فقراء ، ولم ينقل أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمرهم بالصيام ، والأصل براءة الذمة ، وفي كفارة القتل أوجب الله عتق الرقبة وقال : { فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ } [ النساء : 92 ] ذكر خصلتين فقط ، وفي كفارة الظهار أوجب الله - عزّ وجل - عتق الرقبة فقال : { فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً } [ المجادلة : 4 ] ، فذكر ثلاث خصال ولم يقيسوا كفارة القتل على كفارة الظهار ، في وجوب الإطعام على من لم يستطع الصوم مع أنهما في آيتين متباينتين متباعدتين ، وقالوا : لو كان الإطعام واجباً إذا لم يستطع الصوم لذكره الله كما ذكره في آية الظهار .
فنقول هنا : لو كان الصيام واجباً على من عدم الهدي في الإحصار لذكره الله ، وهذا وجه كونه مخالفاً للنص .
أما كونه مخالفاً للقياس ، فنقول : بينهما فرق عظيم ، فالمتمتع ترفه بالتحلل من العمرة ، لكن حصل له مقصوده بالحج ، والمحصر لم يحصل له مقصوده [ ولا بالعمرة ] ، فكيف يقاس من حصل له مقصوده على وجه التمام ، بمن لم يحصل له مقصوده [ ولا بعض مقصوده ] ، فالمتمتع وجب عليه الهدي ، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع لكمال النعمة ، بخلاف المحصر فإن منزلته منزلة العفو .
فظهر بذلك الفرق بينهما ، وأنه لا يصح قياس أحدهما على الآخر .
وعلى هذا نقول : المحصر يلزمه الهدي إن قدر ، وإلا فلا شيء عليه .

72- ص ( 254 ) :
مسائل : -
الأولى : . . .

الثانية [ مسألة ] : سكت المؤلف - رحمه الله - عن جزاء هذه الأشجار أو الحشيش ، فهل أسقطها اختصاراً أو اقتصاراً ؟
الجواب : بما أن المؤلف من أصحاب الإمام أحمد - رحمه الله - من الحنابلة ، فالظاهر أنه أسقطها اختصاراً ، لا اقتصاراً.
لكن يحتمل أنه أسقطها اقتصاراً ، أي : أن التحريم مقصور على القطع والحش ، وليس فيه جزاء .
وهذه المسألة فيها خلاف بين العلماء:
فقال بعض العلماء : إن هذه الأشجار أو الحشائش ليس فيها جزاء ، وهذا مذهب مالك ، وابن المنذر ، وجماعة من أهل العلم .
وهو الحق ؛ لأنه ليس في السنة دليل صحيح يدل على وجوب الجزاء فيها ، وما ورد عن بعض الصحابة - رضي الله عنهم - ، فيحتمل أنه من باب التعزير ، فرأوا أنه يعزر من قطع هذه الأشجار ، بناءً على جواز التعزير بالمال ، ولو كان الجزاء واجباً لبينه النبي صلّى الله عليه وسلّم إذ لا يمكن أن يدع أمته بلا بيان ما يجب عليهم ، وبوفاة النبي صلّى الله عليه وسلّم انقطع التشريع ، وليس هذا من باب القياس حتى يقال لعله يقاس على الصيد ؛ لأن هنا فرقاً بين الصيد والأشجار ، فالأشجار نامية ، لكن ليس فيها الحياة التي في الصيود ، فإذا قطع الإنسان شجرة أو غصناً منها ، أو حش حشيشاً فإنه يأثم ، ولكن لا جزاء عليه لا قليلاً ولا كثيرا ً.

73- ص ( 257 ) :
قوله : " وحرمها ما بين عير إلى ثور " ، أي : حرم المدينة مسافة بريد في بريد والبريد أربعة فراسخ ، والفرسخ ثلاثة أميال . فهو مربع ما بين عير إلى ثور ، وثور جبل صغير خلف أحد من الناحية الشمالية .
وعير جبل كبير من الناحية الجنوبية الغربية عن المدينة جنوب ذي الحليفة .
وأما من الشرق إلى الغرب فما بين لابتيها فهو حرام ، وحرم المدينة معروف عند أهل المدينة .
الفروق بين حرم مكة وحرم المدينة:
الأول : أن حرم مكة ثابت بالنص والإجماع ، وحرم المدينة مختلف فيه .
الثاني : أن صيد حرم مكة فيه الإثم والجزاء ، وصيد حرم المدينة فيه الإثم ، ولا جزاء فيه .
الثالث : أن الإثم المترتب على صيد حرم مكة أعظم من الإثم المترتب على صيد المدينة.
الرابع : أن حرم مكة أفضل من حرم المدينة ؛ لأن مضاعفة الحسنات في مكة أكثر من المدينة وعظم السيئات في مكة أعظم من المدينة فصار تحريم الصيد فيها أشد .
الخامس : أن من أدخلها ، أي : المدينة صيداً من خارج الحرم فله إمساكه ، ولا يلزمه إزالة يده المشاهدة ، وعلى هذا تحمل قصة أبي عمير الذي كان معه طائر صغير يلعب به ، يقال له : النغير فمات هذا الطير ، فحزن الصبي لموته فكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول لهذا الصبي من باب الممازحة : " يا أبا عمير ما فعل النغير " . وسبق حكم الصيد إذا دخل به مكة .
وهذا الحديث استدل به من يرى أنه لا يحرم صيد حرم المدينة ؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أقر هذا الصبي.
والذين حرموه - وهم الجمهور – قالوا : إن هذا يحمل على أن هذا النغير جلب إلى الحرم وليس من صيد الحرم .
السادس : أن حرم مكة يحرم فيه قطع الأشجار بأي حال من الأحوال إلا عند الضرورة ، وأما حرم المدينة فيجوز ما دعت الحاجة إليه ، كالعلف، وآلة الحرث ، وما أشبه ذلك .
السابع : أن حشيش وشجر حرم مكة فيه الجزاء على المشهور من المذهب ، والصحيح أنه لا جزاء فيه وعلى هذا فلا فرق ، وأما حرم المدينة فلا جزاء فيه .
قال رحمه الله تعالى في الروض : " وتستحب المجاورة بمكة وهي أفضل من المدينة " ، أي : مكة أفضل من المدينة بلا شك ، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم حين أخرج منها : " إنك لأحب البقاع إلى الله ، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما خرجت " .
وذهب بعض العلماء إلى أن المجاورة في المدينة أفضل من المجاورة في مكة ؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم حث على سكنى المدينة أكثر من حثه على سكنى مكة ، وقال : " المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون " .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : المجاورة في أي بلاد يقوى فيها إيمانه وتقواه أفضل من غيرها ؛ لأن ما يتعلق بالعبادات والعلوم والإيمان أحق بالمراعاة مما يتعلق بالمكان .
وما ذهب إليه الشيخ - رحمه الله - هو الصواب ، ولهذا نزح كثير من الصحابة - رضي الله عنهم - إلى الشام والعراق واليمن ومصر ؛ لأن إفادتهم فيها أكثر من بقائهم في المدينة .
 

74 - ص ( 318 ) :
قوله : " ويجزئ من بقية الحرم " ، أي : ويجزئ الإحرام بالحج من بقية الحرم ، وهل هنا فرق بين مكة والحرم ؟
الجواب : نعم هناك فرق بينهما ، فمكة القرية أي : البيوت ، والحرم كل ما دخل في حدود الحرم فهو حرم ، لكن في وقتنا الآن صار بعض مكة خارج الحرم حيث امتدت البيوت من جهة التنعيم إلى الحل ، وعلى هذا فعندنا جاران في هذا المكان ، أحدهما يحل له أن يقطع الشجر الذي في بيته والثاني لا يحل ؛ لأن الثاني داخل حدود الحرم ، والأول خارج حدود الحرم .

75- ص ( 397 ) :
قوله : " فإن شق أو لم يرجع فعليه دم " ، أي : إن شق الرجوع ولم يرجع فعليه دم ، وكذلك إذا لم يرجع بلا مشقة فعليه دم ، لكن الفرق أنه إذا تركه للمشقة لزمه الدم ولا إثم ، وإذا تركه لغير مشقة لزمه الدم مع الإثم ؛ لأنه تعمد ترك واجب .

76- ص ( 402 ) :
مسألة : جمع طواف الإفاضة وطواف الوداع لا يخلو من ثلاث حالات :
الأولى : أن ينوي طواف الإفاضة فقط.
الثانية : أن ينويهما جميعاً.
الثالثة : أن ينوي طواف الوداع فقط .
والصورة التي ذكرها المؤلف هي الصورة الأولى فقط [ وهي : أن يؤخر طواف الإفاضة فيجزئ عن طواف الوداع بلا نية ] .
فعلى هذا نقول : الصورة الأولى . . .

والصورة الثالثة : إذا نوى طواف الوداع فقط ولم ينو طواف الإفاضة ، فإنه لا يجزئه عن طواف الإفاضة ولا عن طواف الوداع .
وهذه مسألة يجب أن ينبه الناس عليها ؛ لأن أكثرهم إذا أخر طواف الإفاضة فطافه عند الخروج نوى الوداع فقط ، ولا طرأ على باله طواف الإفاضة ، فنقول في هذه الحال : إنه لا يجزئه ؛ لأن طواف الإفاضة ركن وطواف الوداع واجب فهو أعلى منه ، ولا يجزئ الأدنى عن الأعلى ولأنه لم ينو طواف الإفاضة ، ولا يجزئه عن طواف الوداع ، لأن من شرط طواف الوداع أن يكون بعد استكمال النسك ، والنسك لم يتم .
لكن لو قال قائل : ألستم تقولون إن الرجل إذا حج عن نفسه قبل الفريضة ونواها نافلة فإنها تقع عن الفريضة ؟
فالجواب : بلى نقول ذلك ، وكذلك لو حج عن غيره ولم يحج عن نفسه مع وجوب الحج عليه فإن الحج يقع عن نفسه ، والفرق أن مسألتنا جزء من حج بخلاف الحج كاملاً ، فالحج كاملاً تكون الذمة فيه مشغولة بالفريضة ، فإذا أدى ما دون الفريضة صار للفريضة ، وأما هذا فهو جزء من عبادة ، فإن طواف الوداع إن قلنا إنه من الحج فهو جزء منه ، وإن قلنا : إنه مستقل فإنه لا يمكن أن يجزئ واجب عن ركن.

77- ص ( 412 ) :
قوله : " الإحرام " هذا هو الركن الأول ، سبق لنا أن الإحرام هو نية النسك ، وليس لبس ثوب الإحرام ؛ لأن الإنسان قد ينوي النسك فيكون محرماً ولو كان عليه قميصه وإزاره ، ولا يكون محرماً ولو لبس الإزار والرداء إذا لم ينو .
والنية محلها القلب فيكون داخلاً في النسك إذا نوى أنه داخل فيه ، لكن يجب أن تعرف الفرق بين من نوى أن يحج ، ومن نوى الدخول في الحج ، فالثاني هو الركن ، أما من نوى أن يحج فلم يحرم ، فلا صلة له بالركن ولهذا ينوي الإنسان الحج من رمضان ومن رجب ومن قبل ذلك ، ولا نقول إن الرجل تلبس بالنسك أو دخل في النسك أو أحرم .

78- ص ( 424 ) :
وقوله : " لغير أهل السقاية والرعاية " .
يفهم منه أن أهل السقاية والرعاية يجوز لهم ترك المبيت بالمزدلفة ، ولا أعلم لهذا دليلاً من السنة أن الناس يسقون ليلة المزدلفة ، ولا أن الرعاة يذهبون بالإبل ليلة المزدلفة . . .

ولكن قد يقول قائل : ما رأيكم في جنود المرور ، وجنود الإطفاء ، والأطباء ، والممرضين ، هل ترخصون لهم ؟
الجواب نقول : لا نرخص لهم ؛ لأن المبيت في المزدلفة أوكد من المبيت في منى بكثير ، فإن منى لم يقل أحد من العلماء إن المبيت بها ركن من أركان الحج ، والمزدلفة قال به بعض العلماء ، وهو قول قوي كما سبق ، إلا أن الأقوى منه أنه واجب وليس بركن ، وعلى هذا فلا بد من المبيت في المزدلفة ، ثم يفرق أيضاً بينه وبين ليالي منى أنه ليلة واحدة ، أو بعض ليلة للإنسان الذي يريد أن يدفع مبكراً في آخر الليل ، أي : لا يقضي ليله كله ، فلا يصح قياسه على ليالي منى .

79- ص ( 491 ) :
شروط الذكاة:
الأول : . . .

الشرط الخامس : أن لا يكون الحيوان محرماً لحق الله ، كالصيد في الحرم ، أو الصيد في الإحرام .
فلو ذبح الإنسان أو صاد صيداً في الحرم فإنه حرام حتى لو سمى وأنهر الدم ، ولو صاد صيداً أو ذبحه وهو محرم فهو حرام ، ولو سمى وأنهر الدم ؛ لأنه محرَّم لحق الله ، ولهذا قال النبي صلّى الله عليه وسلّم للصعب بن جثامة - رضي الله عنه – قال : " إنا لم نرده عليك إلا أنا حُرم " ، وهذا يتبين بالتعبير القرآني : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } [ المائدة : 95 ] ، ولم يقل لا تصيدوا الصيد ، فدل هذا على أن صيد الصيد والإنسان محرم يعتبر قتلاً ، لا صيداً والقتل لا تحل به المقتولة.
فإن كان مُحرَّماً لحق الغير كالمغصوب مثلاً ، فهل يكون كالمحرم لحق الله ويحرم أو لا يحرم ؟
الصحيح أنه لا يحرم ، وهو المشهور من مذهب الحنابلة - رحمهم الله - ، وفرقوا بينهما بأن الغير حقه يمكن ضمانه ، أو إرضاؤه ، ويمكن أن يسمح ، بخلاف حق الله - عزّ وجل - .
وفيه رواية أخرى في المذهب أن المحرَّم لحق الغير كالمحرَّم لحق الله لا تصح تذكيته.
فلو رأينا من باب التأديب والتعزير والتوجيه أن نقول لمن غصب شاة وذبحها : لا يحل لك أكلها ولا لغيرك ، وعليك ضمانها ، لو رأينا أن هذا من باب التعزير بحرمانه هذا المال الذي تعجله على وجه محرم لكان هذا متوجهاً .

80- ص ( 505 ) :
قوله : " ويتعينان بقوله : هذا هدي أو أضحية لا بالنية " ، أي : الهدي والأضحية بقوله : هذا هدي بالنسبة للهدي ، أو أضحية بالنسبة للأضحية ، فيتعينان بالقول ، ولا يتعينان بالنية ، ولا بالشراء ، فلو اشترى شاة بنية أن يضحي بها فإنها لا تتعين ما دامت في ملكه ، إن شاء باعها وإن شاء فسخ النية ، وإن شاء تصدق بها ، وإن شاء أهداها .
وكذلك لو اشترى شاة يريد أن تكون هدياً كهدي متعة - مثلاً - ، وفي أثناء الطريق قبل أن يقول : هي هدي ، أراد أن يبيعها فلا بأس ، وهنا فرق بين أن يقول : هذا هدي ، أو هذه أضحية على سبيل الإخبار ، وبين أن يقول : هذا هدي أو أضحية على سبيل الإنشاء ، ويظهر الفرق بينهما بالمثال :
رجل يجر شاة فقال له من رآه : ما هذه ؟ قال : هذه شاة للأضحية ، يعني أنها شاة يريد أن يضحي بها ، فهذا خبر وليس بإنشاء ، بخلاف ما إذا قال : هذه أضحية لله ، وأنشأ أن تكون أضحية فإنها حينئذ تتعين .

81- ص ( 508 ) :
قوله : " ولا هبته ا" ، أي : لا يجوز أن يهبها لأحد ، والفرق بين البيع والهبة أن البيع بعوض والهبة تبرع بلا عوض .

82- ص ( 513 ) :
قوله : " ولا يعطي جازرها أجرته منها ، ولا يبيع جلدها ولا شيئاً منها بل ينتفع به " .
الجازر : الذابح والناحر ، فالناحر للإبل ، والذابح لغيرها ، وقوله : " لا يعطي جازرها أجرته منها " ؛ لحديث علي - رضي الله عنه - أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمره أن يقوم على بدنه وأن يقسم بدنه كلها ، لحومها وجلودها وجلالها ولا يعطي في جزارتها شيئاً ؛ ولأن هذا الجازر نائب عنه ، وهو ملزم بأن يذبحها هو بنفسه ، فإذا كان ملزماً بأن يذبحها ؛ من أجل أن تكون قربة فإنه لا يمكن أن يعطي الجازر منها أجرته ، وهو وكيل عنه.
وقد يقول قائل : ألستم تجيزون أن يعطى العامل على الزكاة من الزكاة ، فلماذا لا يجوز أن نعطي جازر الأضحية والهدي من الهدي كما نعطي العامل على الزكاة ؟
قلنا : الفرق ظاهر ؛ لأن هذا الجازر وكيل عن المالك ، ولهذا لو وكل الإنسان شخصاً يفرق زكاته ، فإنه لا يجوز أن يعطيه من سهم العاملين عليها.
فمثلاً لو أن إنساناً أرسل إلى شخص عشرة آلاف ريال ، وقال له : خذ هذه وزعها زكاة ، فهذا الذي أخذ العشرة آلاف لا يجوز أن يأخذ منها شيئاً ؛ لأن العامل عليها هو الذي يتولاها من قبل ولي الأمر .

83- ص ( 516 ) :
وقوله : " إلا أن تكون واجبة في ذمته قبل التعيين " ، فيجب عليه البدل .
مثال ذلك : رجل عليه هدي تمتع ، وهدي التمتع واجب في ذمته وليس واجباً بالتعيين ، لكن هدي التطوع لا يجب عليه إلا إذا عينه فيجب عليه ذبحه ، والفرق أن الواجب في الذمة قبل التعيين يطالب به الإنسان كاملاً ، والواجب بالتعيين وأصله تطوع فيه هذا التفصيل الذي سبق وهو أنه لا ضمان عليه إلا أن يكون ذلك بفعله أو تفريطه .
مثال الواجب في الذمة قبل التعيين : اشترى رجل هدي تمتع وعينه ، ثم بعد ذلك عثر هذا الهدي وانكسر ، فلا يجزئه أن يذبحه لما كان منكسراً ؛ لأنه قد وجب في ذمته قبل التعيين أن يذبح هدياً لا عيب فيه ، وهذا الهدي فيه عيب فليزمه أن يبدله بمثله.

84- ص ( 520 ) :
ولكن لمن تسن للأحياء أم للأموات ؟
الجواب : أنها سنة للأحياء ، وليست سنة للأموات ، ولذلك لم يضح النبي صلّى الله عليه وسلّم عن أحد ممن مات له ، لا عن زوجته خديجة - رضي الله عنها - وهي من أحب النساء إليه ، ولا عن عمه حمزة - رضي الله عنه - وهو من أحب أعمامه إليه ، ولا عن أحد من أولاده - رضي الله عنهم - الذين كانوا في حياته ، وأولاده بضعة منه ، وإنما ضحى عنه وعن أهل بيته ، ومن أراد أن يدخل الأموات في العموم فإن قوله قد يكون وجيهاً ، ولكن تكون التضحية عن الأموات هنا تبعاً لا استقلالاً ؛ ولهذا لا يشرع أن يضحى عن الإنسان الميت استقلالاً ؛ لعدم ورود ذلك عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ، فإن ضُحي عنه :
قيل : تكون أضحية .
وقيل : تكون صدقة.
والفرق بينهما ظاهر ، فإن الأضحية أجرها أكثر من أجر الصدقة .

85- ص ( 522 ) :
قوله : " ويسن أن يأكل ويهدي ويتصدق أثلاثاً " ، أي : يشرع ، لا على وجه الوجوب ، بل على وجه الاستحباب أن يقسمها أثلاثاً ، فيأكل الثلث ، ويهدي بالثلث ، ويتصدق بالثلث .
والفرق بين الهدية والصدقة : أن ما قصد به التودد والألفة فهو هدية ؛ لما جاء في الحديث : " تهادوا تحابوا " ، وما قصد به التقرب إلى الله فهو صدقة ، وعلى هذا فتكون الصدقة للمحتاج والهدية للغني.

86- ص ( 525 ) :
وقوله : " ويسن أن يأكل ويهدي ويتصدق " ، ظاهر كلام المؤلف أن هذا الحكم في كل أضحية حتى الواجب بالنذر فإنه يأكل منها ، ويهدي ويتصدق ، وهو صحيح ، بخلاف الواجب في الهدي فإنه لا يأكل منه إذا كان جبراناً ، ويأكل منه إذا كان شكراناً ، فدم هدي التمتع والقران يأكل منه ، والدم الواجب لترك الواجب أو فعل المحظور لا يأكل منه ، والفرق أن الثاني كفارة والأول شكر ، فلذلك أكل النبي صلّى الله عليه وسلّم من هديه ، وهو واجب بالقران .
إذاً الأضحية يأكل منها ، سواء كانت واجبة بالنذر أو غير واجبة ، وأما الهدي ففيه تفصيل كما يلي :
أولاً : ما وجب لفعل محظور أو ترك واجب فإنه لا يأكل منه ؛ لأنه يقع موقع الكفارة .
ثانياً : ما وجب لشكر النعمة كهدي التمتع والقران ، فإنه يأكل منه ، كما جاءت بذلك السنة أما التطوع فلا إشكال أنه يأكل منه ويتصدق ويهدي .

87- ص ( 532 ) :
مسألة : سكت المؤلف عن شيء جاء به الحديث وهو " الظفر " ، ولا أعلم أن أحداً من العلماء أهمل حكمه ، ولعل المؤلف - رحمه الله - تركه اقتصاراً أي ذكر شيئين مما جاء به الحديث وأسقط الثالث ، ولكن الحكم واحد فلا يأخذن من ظفره شيئاً ، لكن لو أنه انكسر الظفر وتأذى به فيجوز أن يزيل الجزء الذي يحصل به الأذية ولا شيء عليه ، وكذلك لو سقط في عينه شعرة ، أو نبت في داخل الجفن شعر تتأذى به العين ، فأخذه بالمنقاش جائز ؛ لأنه لدفع أذاه.
وفهم من كلام المؤلف أنه إذا أخذ شيئاً من ذلك فلا فدية عليه وهو كذلك ، ولا يصح أن يقاس على المحرم ؛ لأن الاختلاف ظاهر لما يلي :
أولاً : المحرم لا يحرم عليه إلا أخذ الرأس ، وما سواه فإنه بالقياس ، وهذا الحديث عام للرأس وغير الرأس.
ثانياً : المحرم لا يحرم عليه أخذ شيء من بشرته ، وهذا يحرم .
ثالثاً : المحرم عليه محظورات أخرى غير هذا ، فالإحرام أشد وأوكد فلذلك وجبت الفدية فيه أما هذا فإنه لا فدية فيه .

88- ص ( 546 ) :
قوله : " وحكمها كالأضحية " ، أي : حكم العقيقة حكم الأضحية في أكثر الأحكام ومنها :
أولاً : أنه لا بد أن تكون من بهيمة الأنعام ، فلو عق الإنسان بفرس لم تقبل ؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم : " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " ، وقد قال : " عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة " .
ثانياً : أنه لا بد أن تبلغ السن المعتبرة ، وهو ستة أشهر في الضأن ، وسنة في المعز ، وسنتان في البقر ، وخمس سنين في الإبل .
ثالثاً : أن تكون سليمة من العيوب المانعة من الإجزاء كالعور البيِّن ، والمرض البيِّن ، والعرج البيِّن ، وما أشبه ذلك .
وتخالف الأضحية في مسائل منها :
أولاً : أن طبخها أفضل من توزيعها نِيَّة ؛ لأن ذلك أسهل لمن أطعمت له .
ثانياً : ما سبق أنه لا يكسر عظمها ، وهذا خاص بها .
ثالثاً : ما ذكره المؤلف أنه لا يجزئ فيها شرك في دم بقوله:
" إلا أنه لا يجزئ فيها شرك في دم " ، أي العقيقة لا يجزئ فيها شرك دم ، فلا تجزئ البعير عن اثنين ، ولا البقرة عن اثنين ، ولا تجزئ عن ثلاثة ولا عن أربعة من باب أولى . . .
 

الفروق في المجلد الثامن :
89- ص ( 16 )
قوله : " وإذا كان أبواه مسلمين لم يجاهد تطوعاً إلا بإذنهما "
أي : أبوا الشخص يعني أمه وأباه ، وأُطْلِق عليهما الأبوان من باب التغليب ، كما يقال : القمران للشمس والقمر ، ويقال العمران لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، فإذا كان الإنسان له أبوان مسلمان ، وأراد الجهاد تطوعاً فإنه لابد من إذنهما ، فإن أذنا له وإلا حرم عليه الجهاد .
فإن قال قائل : هل يلزم استئذان الأب والأم لكل تطوع قياساً على الجهاد ، بمعنى أنه إذا أراد أن يقوم الليل هل يشترط إذن الأبوين ؟ وإذا أراد أن يصلي الراتبة أو أراد أن يطلب العلم هل يستأذن الأبوين ؟
نقول : لا يشترط ، والفرق : أن الجهاد فيه خطر على النفس ، وسوف تتعلق أنفس الأبوين بولدهما الذاهب إلى الجهاد ويحصل لهما قلق بخلاف ما إذا سافر لطلب العلم في بلد آمن ، أو إذا تطوع في بلده بشيء من التطوع ، فإن ذلك لا ضرر على الأبوين فيه ، وفيه منفعة له ، ولهذا نقول : ما فيه منفعة للإنسان ولا ضرر على الأبوين فيه فإنه لا طاعة للوالدين فيه منعاً أو إذناً لأنه ليس فيه ضرر وفيه مصلحة ، وأي والد يمنع ولده من شيء فيه مصلحة له ، وليس على الوالد فيه ضرر فإنه مخطئ فيه وقاطع للرحم ؛ لأن الذي ينبغي للأب أن يشجع أولاده من بنين وبنات على فعل كل خير ، ونظير هذا أن بعض النساء يمنعن بناتهن من صوم أيام البيض ، أو من صوم يومي الاثنين والخميس بحجة أن في ذلك مشقة ، وكلفة عليهن ، مع أن الذي يحس بالكلفة والمشقة هن البنات الصائمات ، ولا يحق للوالد أن يمنع ولده من فعل طاعة ، سواء أكان ذكراً أو أنثى ، إلا إذا كان على أحد الأبوين في ذلك ضرر ، كما لو كان الأب أو الأم يحتاج أحدهما إلى تمريض مثلاً ، وإذا اشتغل الابن أو البنت بهذه الطاعة ضَرَّ الأب أو الأم فحينئذٍ لهما أن يمنعاه ويجب عليه هو أن يمتنع ؛ لأن بر الوالدين واجب والتطوع ليس واجب .

90- ص ( 34 ) :
قوله : " فيخرج الخمس "
الضمير يعود على الإمام أو نائبه أي : يخرج الإمام الذي هو الرئيس الأعلى في الدولة أو من ينوب عنه كقائد الجيش مثلاً الخمس أي : خمس الغنيمة ؛ لقول الله تعالى : { وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ } [ سورة الأنفال : 41 ] ، فيخرج الخمس ويصرف على ما ذكر الله في القرآن { فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ } فهؤلاء خمسة ، إذاً الخمس يقسم خمسة أسهم . . .
وهل هو كالزكاة بمعنى أنه يجوز الاقتصار على واحد من هؤلاء أم يجب التعميم ؟
المشهور من المذهب : أنه يجب التعميم ؛ أي : أننا نعمم بحسب القدرة والطاقة ، فمثلاً اليتامى في البلد لا نقول : أنه يجزئ أن نعطي ثلاثة منهم ، أي : أقل الجمع ، بل نبحث عن كل يتيم في البلد ونعطيه من هذا الذي هو خمس الخمس ، أما مستحق الزكاة فقد سبق أنه يجوز الاقتصار على واحد .
فإن قال قائل : ما الفرق ؟ قلنا : الفرق هو : أنه ثبت في السنة جواز الاقتصار على واحد كما في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه (( أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم )) ، ولم يذكر بقية الأصناف مع أن هذا بعد نزول الآية ، وأما هنا فقال الله تعالى : { فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ } ، فكل من كان فيه هذا الوصف استحق .

91- ص ( 61 ) :
قوله : " باب عقد الذمة وأحكامها "
هذا الباب اشتمل على مسألتين :
الأولى : عقد الذمة ، وتتضمن : معنى عقد الذمة ، ومن تعقد له .
الثانية : أحكام أهل الذمة ، أي : ما يلزم المسلمين نحو أهل الذمة ، وما يلزم أهل الذمة نحو المسلمين .
الذمة لغة هي : العهد ، ودليل ذلك قوله تعالى : { لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً } [ سورة التوبة : 10 ] ، والإل بمعنى القرابة والذمة بمعنى العهد ؛ لأن الأصل أن الإنسان يحتمي بأمرين إما بالقرابة ، وإما بالعهد قال تعالى : { وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً } [ سورة الإسراء : 34 ] . وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث بريدة بن الحصيب : (( إذا حاصرت أهل حصن فأرادوا أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه ، فلا تجعل لهم ذمة الله ولا ذمة نبيه ، ولكن أجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك ، فإنكم إن تخفروا ذممكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله )) وعلى هذا فالذمة معناها : العهد .
ولكن ما معنى الذمة هنا هل هي العهد السابق ؟
نقول : لا ، بينهما فرق ، العهد السابق هو الهدنة ، فنعاهد الكفار ، وهم في أرضهم مستقلون عن المسلمين ليس لنا من شأنهم شيء إلا وضع القتال ، أما هؤلاء فإنهم يقرون على كفرهم في بلادهم بشرط إعطاء الجزية والتزام أحكام الملة .

92- ص ( 62 ) :
قوله : " لا يعقد لغير المجوس وأهل الكتابين ومن تبعهم " ....
وأما عقده لأهل الكتاب ، فهو ثابت هذا في القرآن الكريم قال تعالى : { قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } [ سورة التوبة : 29 ] (( حتى )) غائية لا تعليلية ، والفرق بينهما : إذا كانت بمعنى إلى فهي غائية ، وإذا كانت بمعنى اللام فهي تعليلية فمثال التعليلية قوله تعالى : { لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا } [ سورة المنافقون : 7 ] ، أما قوله تعالى : { حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ } ، فالمعنى إلى أن يعطوا ، إذاً فهي غائية . . .

93- ص ( 77 ) :
وقوله : " دون ما يعتقدون حله " مثل الخمر . فالخمر يعتقد أهل الكتاب أنه حلال ، فإذا جيء إلينا بسكران من أهل الذمة فإننا لا نقيم عليه حد الخمر حتى وإن قلنا إن عقوبة شارب الخمر حد ؛ لأنه يعتقد حله ، والذي يعتقد حل الشيء كيف يعاقب عليه ؟ لكن سيأتي أنهم يمنعون من إظهار شرب الخمر ، فإن أظهروا ذلك فإننا نعزرهم بما يردعهم ، ويؤخذ من هذا الحكم الذي أقره الفقهاء رحمهم الله : أن من اعتقد حل شيء مختلف فيه وإن كان كافراً فإنه لا يلزم بحكم من يرى تحريمه ، وإذا كان هذا في حق الكفار ففي حق المسلمين من باب أولى فيما ذهبوا إليه بتأويل سائغ ، مثل : الدخان ، فالدخان ليس مجمعاً على تحريمه ، فمن العلماء من خالف فيه لا سيما أول ما ظهر ، فإذا رأينا شخصاً يشرب الدخان وهو يرى أنه حلال فإننا لا نعزره ؛ وإن كان يعتقد أنه حرام فإننا نعزره ؛ لأن التعزير واجب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة .
وهل نقره ؟ بمعنى هل يجوز أن أجلس إلى جنب واحد يدخن ويعتقد حل الدخان ؟
الجواب : لا .
ولو رأيت أحداً أكل إبل ولم يتوضأ وقام يصلي وهو لا يرى وجوب الوضوء من أكل لحم الإبل هل تنكر عليه ؟
الجواب : لا ، وهل تصلي معه ؟
الجواب : نعم ، وهذا إقرار وليس بإنكار .
إذاً ما الفرق بين ترك الواجب وفعل المحرم ؟
الجواب : لا فرق ، لكن ينبغي لذوي المروءة أن لا يجلسوا مع الذين يشربون الدخان ولو كانوا يعتقدون حله ؛ لأن هذا دناءة وفي ظني أن الذين يعتقدون حله من العلماء لا يرون أنه من فعل ذوي المروءة ، كما أننا مثلاً نرى أن أكل الفصفص لا بأس به ، لكن لو أتى معلم يعلم الطلبة وعنده كيس فصفص يأخذ منه ويأكل فهذا يعتبر مخالفاً للمروءة وإن كان ليس حراماً لكن الإنسان يجب أم يكون عنده أدب أما من عاند كإنسان مسلم يأكل الخنزير ، ويقول : أنا أعتقد أنه حلال فلا نقره ؛ لأنه مجمع عليه ، ولا يمكن لأي إنسان أن يحلل لحم الخنزير بأي مسوغ ، ففرق بين هذا وهذا .

94- ص ( 82 ) :
قوله " ولا القيام لهم " أي : إذا أقبلوا فلا تقم لهم ؛ لأن ذلك إكرام لهم ، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ((إذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه )) ، فإن القيام لهم ينافي ذلك تمام المنافاة ؛ لأنه إكرام لهم ، وعُلِمَ من قول المؤلف : " ولا القيام لهم " أنه يجوز القيام للمسلمين ، فإذا دخَل إنسان ذو شرف وجاه فإنه لا بأس بالقيام له ، لكن هو نفسه لا يحب ولا يتمنى أن يقوم الناس له ، إنما إذا قاموا له فإنه لا حرج عليهم ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم : (( يكره أن يُقام له )) فتركه الصحابة استجابة لرغبة النبي صلى الله عليه وسلم ، لكنه لا بأس أن يقوم الإنسان لذي الشرف والجاه إكراماً لهم .
وليعلم أن القيام ينقسم إلى ثلاثة أقسام : قيام للشخص ، وقيام عليه ، وقيام إليه .
فالقيام له : أي : أنه إذا دخل قمت إجلالاً وإكراماً له ، ثم إن شئت فقل : اجلس في مكاني وإن شئت جلست .
والقيام إليه : أن يتقدم الإنسان إلى القادم ويخطو خطوات وهذا جائز قال النبي صلى الله عليه وسلم لما أقبل سعد بن معاذ رضي الله عنه للتحكيم : (( قوموا إلى سيدكم )) فأمر بالقيام إليه إكراماً له .
وأما القيام على الشخص : فإنه لا يجوز إلا إذا كان في ذلك إغاظة للمشركين ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم (( نهى أن نقوم على غيرنا كما تقوم الأعاجم على ملوكها )) بل في الصلاة (( لما صلى جالساً وصلوا خلفه قياماً أمرهم أن يجلسوا )) ؛ لئلا تظهر صورة المشابهة حتى في الصلاة فإن كان في ذلك إغاظة للمشركين فإنه لا بأس به ، بل قد يكون محموداً ومأموراً به كما فعل المغيرة بن شعبة حين قام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقريش تراسله في صلح الحديبية فهذا لا شك أنه محمود ؛ ليتبين لهؤلاء الكفار أن المسلمين يعظمون زعماءهم وعظماءهم .
إذاً القيام لأهل الذمة حرام ، ولا يجوز ولو كان كبيراً ، بأن كان وزيراً ، أو كان رئيساً ، لكن إذا لم يكن من أهل الذمة وقدم إلى بلد الإسلام فهل يقام له ؛ لأنه من ذوي الشرف والجاه في قومه ، ولأن ذلك مما جرت به العادة بين الناس ورؤساء الدول أو لا يقام له ؟
الجواب : هذا محل نظر ، وفرق بين هذه المسألة وبين مسألة أهل الذمة ؛ لأن أهل الذمة تحت ولايتنا ، ونحن لنا الولاية عليهم فلا يمكن أن نكرمهم بالقيام لهم .

95- ص ( 85 ) :
قوله " ولا بداءتهم بالسلام " ...
مسألة : هل يجوز أن نهنئهم ، أو نعزيهم ، أو نعود مرضاهم أو نشهد جنائزهم ؟
الجواب : أما التهنئة : بالأعياد فهذه حرام بلا شك ، وربما لا يسلم الإنسان من الكفر ؛ لأن تهنئتهم بأعياد الكفر رضا بها ، والرضا بالكفر كفر ، ومن ذلك تهنئتهم بما يسمى بعيد الكرسمس أو عيد الفُصْح أو ما أشبه ذلك ، فهذا لا يجوز إطلاقاً ، حتى وإن كانوا يهنئونا بأعيادنا فإننا لا نهنئهم بأعيادهم ، والفرق أن تهنئتهم إيانا بأعيادنا تهنئة بحق ، وأن تهنئتنا إياهم بأعيادهم تهنئة بباطل ، فلا نقول إننا نعاملهم بالمثل إذا هنؤونا بأعيادنا فإننا نهنئهم بأعيادهم للفرق الذي علمتم ...

96- ص ( 87 ) :
قوله : " ويمنعون من إحداث كنائس ، وبيع ، وبناء ما انهدم منها ولو ظلماً "
يمنعون : الضمير يعود على أهل الذمة الذين في بلادنا – فيمنعون من الأمور الآتية :
أولاً : إحداث كنائس . . .
ثانياً : إحداث بيع : يمنعون من إحداثها وهي متعبد اليهود ، كما يمنعون من إحداث الكنائس .
فإن قال قائل : إذا كانوا لا يمنعوننا من إحداث المساجد في بلادهم فهل لنا أن نمنعهم من إحداث الكنائس في بلادنا ؟ .
الجواب : نعم ، وليس هذا من باب المكافأة أو المماثلة ؛ لأن الكنائس دور الكفر والشرك والمساجد دور الإيمان والإخلاص ، فنحن إذا بنينا المسجد في أرض الله فقد بنيناه بحق ، فالأرض لله ، والمساجد لله ، والعبادة التي تقام فيها كلها إخلاص لله ، واتباع لرسوله صلى الله عليه وسلم بخلاف الكنائس والبيع .
ومن سفه بعض الناس أنه يقول : لماذا لم نمكنهم من بناء الكنائس في بلادنا كما يمكنونا من بناء المساجد في بلادهم ؟
الجواب : نقول هذا من السفه ، ليست المسألة من باب المكافأة ، إذ ليست مسائل دنيوية ، فهي مسائل دينية ، فالكنائس بيوت الكفر والشرك ، والمساجد بيوت الإيمان والإخلاص فبينهما فرق والأرض لله ، فنحن إذا بنينا مسجداً في أي مكان من الأرض فقد بنينا بيوت الله في أرض الله بخلافهم .
ثالثا : بناء ما انهدم منها : ...

 

97- ص ( 131 ) :
قوله " إلا الكلب " فإنه لا يجوز بيعه ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم (( نهى عن بيعه )) مع أن الكلب يصلح للصيد ، أليس (( قد أباح النبي صلى الله عليه وسلم إقتناءه لثلاثة أمور ، الحرث والماشية ، والصيد )) ومع ذلك لا يجوز بيعه ، حتى لو باعه لهذا الغرض ، أي للصيد فإنه لا يجوز .
فإن قال قائل : كيف مُنع بيع الكلب مع ما فيه من المنافع ولم تمنع سباع البهائم التي تصلح للصيد ؟
قلنا : التفريق بالنص ، فالنبي صلى الله عليه وسلم : (( نهى عن ثمن الكلب )) ، ولا يصح أن تقاس سباع البهائم التي تصلح للصيد عليه ، لدخولها في عموم قوله تعالى : { وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ } [ سورة البقرة : 275 ] ؛ ولأنها أخف ضرراً من الكلب ، إذ أن الكلب إذا ولغ في إناء يجب أن يغسل سبعاً إحداها بالتراب ، وغيره من السباع لا يجب التسبيع فيه ولا التتريب ، فظهر الفرق وامتنع القياس .

98- ص ( 146 ) :
قوله " أو ممن يقوم مقامه " يعني من يقوم مقام المالك وهم أربعة أصناف : الوكيل ، والوصي والولي ، والناظر ، هؤلاء هم الذين يقومون مقام المالك .

وعلى هذا فإذا وكل إنسان إنساناً في بيع شيء فباعه صح ، مع أن الوكيل ليس بمالك ، ولكنه قائم مقام المالك ، لكن يجب على الوكيل أن يتصرف بما يراه أصلح ، فإذا كانت السلعة تزيد فإنه لا يبيعها حتى تنتهي الزيادة ، بخلاف الذي يتصرف لنفسه فإنه يجوز أن يبيع السلعة بما هو دون ، والفرق بينهما : أن المتصرف لغيره يجب أن يتصرف بالأحظ ، والمتصرف لنفسه يتصرف بما شاء ، فمثلاً : لو أعطيت هذا الرجل مسجلاً يبيعه فصار الناس يزيدون في المسجل حتى بلغ مائة أو مائتين فلا يجوز له أن يبيعه والناس يزيدون فيه حتى يقف السعر ، لكن لو باعه مالكه بمائة ريال وهو يساوي مائتين جاز ؛ لأن المالك يتصرف لنفسه ، وذلك يتصرف لغيره .
وانظر إلى هذه المسألة وهي التصرف للغير بالأحظ حتى في العبادات : فالإمام يجب أن يصلي بالناس حسب السنة ، وغيره يصلي ما شاء ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف ، وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء )) .

99- ص ( 182 ) :
قوله : " والحمل " فاستثناء الحمل أيضاً لا يصح ، مثل : أن يبيع عليه شاة حاملاً ، وقال : بعتك هذه الشاة الحامل إلا حملها ؛ لأن البائع يعرف أنها شاة طيبة ، وسيكون نتاجها طيباً فلا يصح الاستثناء ؛ لأن الحمل مجهول ، وهذا هو المذهب ، وهو أحد القولين في المسألة .
والقول الثاني : صحة استثناء الحمل ؛ لأن الحمل جزء منفصل ، وإذا استثنيت الحمل فكأنني بعت عليك شاة حائلاً ليس فيها حمل .
فإن قال قائل : هذا يضاد نهي الرسول صلى لله عليه وسلم (( عن بيع الحمل )) قلنا : لا لا يضاد وحاشا لله أن نقول قولاً يضاد قول الرسول صلى الله عليه وسلم مع علمنا بذلك ولكن الفرق : أن بيع الحمل بيع معاوضة كل يشاح الآخر فيه ، أما الاستثناء فهو استبقاء ؛ لأن البائع لم يبع شيئاً ، والمشتري لم يشتر شيئاً ، غاية ما فيه أن البائع استبقى الحمل ، والاستبقاء معناه عدم نقل الملك في الحمل وهذا لا يضر المشتري شيئاً .
فالصواب : جواز استثناء الحمل .

100- ص ( 186 ) :
قوله : " وأن يكون الثمن معلوماً " وهذا هو الشرط السابع : أن يكون الثمن معلوماً .
فما هو الفرق بين المبيع وبين الثمن ؟
قيل : الثمن : ما كان من النقدين ، فإذا قلت بعت عليك هذا الثوب بدرهم فالثمن درهم .
وإذا قال : بعت عليك هذا الدرهم بثوب فالثمن الدرهم .
وقال بعض العلماء : الثمن ما دخلت عليه الباء ، فإذا قلت بعت عليك ثوباً بدرهم فالثمن الدرهم ، وإذا قال : بعت عليك درهماً بثوب فالثمن الثوب ، وبعت عليك قلماً بساعة فالثمن الساعة ، وبعت عليك ساعة بقلم فالثمن القلم ، وهذا هو الأصل حتى في عرف الناس أن الثمن ما دخلت عليه الباء .
فيشترط أن يكون الثمن معلوماً كما يشترط أن يكون المبيع معلوماً والدليل : حديث أبي هريرة رضي الله عنه : (( أن النبي صل الله عليه وسلم : (( نهى عن بيع الغرر )) ولأنه أحد العوضين فاشترط فيه العلم كالعوض الآخر وإنما قلت بهذا القياس ؛ لأن العوض الآخر قد وردت أحاديث في عين المبيع المجهول كبيع الحوامل مثلاً .

101- ص ( 191 ) :
قوله : " كل ذراع أو قفيز أو شاة بدرهم صح " وإن لم يعلما القدر ؛ لأنه باع الجملة ، وجعل هذا التحديد تقديراً للثمن أما المبيع فمعلوم .
مثاله : إنسان عنده قطيع من الغنم ، فقال : بعتك هذا القطيع كله كل شاة بدرهم ، صح ؛ لأن المبيع معلوم ، وتقديره بالشاة أي بالواحدة من أجل معرفة قدر الثمن فيصح ، وهذا القطيع ربما يكون فيه مائة رأس ، أو مائتان ، فلا يضر هذا ؛ لأنه معلوم بالمشاهدة ، وكوني أحدد الثمن على كل رأس إنما هو لتقدير الثمن فقط .
ومثل ذلك أيضاً : إذا باع عليه الصبرة كلها كل قفيز ، وإن شئت فقل كل صاع بدرهم فلا باس .
وكذلك لو باعه الثوب المتر بكذا وكذا ، فهذا جائز ، لكن إن باع من الصبرة كل قفيز بدرهم أو من الثوب كل ذراع بدرهم ، أو من القطيع كل شاة بدرهم فهنا لا يصح البيع .
فإذا باع عليه من القطيع كل شاة بدرهم فلا يصح البيع ؛ لأن من للتبعيض فلا ندري هل يأخذ من هذا القطيع شيئاً كثيراً أو شيئاً قليلاً ، فعاد الأمر إلى جهالة المبيع ؛ لأنه قد يأخذ من القطيع مثلاً خمسين رأساً أو عشرين رأساً أو كل القطيع ، فهو مجهول فلهذا لا يصح .
والفرق بين المسألتين : أنه في الأولى وقع البيع على الجميع ، وكون كل واحد بكذا إنما هو لمعرفة قدر الثمن ، فالمبيع الآن معلوم .
وفي المسألة الثانية يقول : (( من القطيع كل شاة بدرهم )) (( من )) هذه للتبعيض ، فلو أخذ من القطيع الذي عدده ألف ثلاثاً لم نلزمه بأكثر من ثلاث ؛ لأنه قال : (( من )) ، ومن تأتي للتبعيض والحكم كذلك فيما لو أخذ أكثر ، فلا أدري ماذا يأخذ من القطيع فهو مجهول لي ، هذا هو الفرق .
والقول الثاني في المسألة الثانية : أن هذا صحيح ؛ وذلك لأن البائع قد اطمأن على أنه ربما يأخذ المشتري جميع القطيع ، وأنه أتى بـ(( من )) للتبعيض لأجل أن يكون المشتري بالخيار ، إن شاء أخذ كثيراً ، وإن شاء أخذ قليلاً ، ثم إن المسألة ستعلم ، فإذا قال أنا أريد عشرة من القطيع عُلم فيصح ، وهذا القول هو القول الراجح في هذه المسألة : أنه إذا باعه من القطيع كل شاة بدرهم أو من الثوب كل ذراع بدرهم ، أو من الصبرة كل قفيز بدرهم فإن البيع صحيح كما لو باعه الكل ، وقد ذكرنا سابقاً أن الناس جرت عادتهم أن المشتري إذا جاء إلى القطيع وقال له صاحب القطيع : خذ ما شئت مثلاً : شاتين أو ثلاثاً أو أربعاً تخير ، فيأخذ واحدة أو ثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً ويمشي ، والناس يتبايعون بهذا ، وعليه العمل ، فالصواب إذاً صحة ذلك في هذا وفي هذا .

102- ص ( 197 ) :
قوله : " ولو باع مشاعاً بينه وبين غيره " هذه المسألة الثانية (( مشاعاً )) أي يكون مشتركاً بينه وبين غيره .
قوله : " كعبد " وكسيارة ، أو أرض ، أو أي شيء يكون مشتركاً مشاعاً باعه جميعاً .
فمثلاً هذه السيارة بيني وبين أخي فبعتها على إنسان كلها ، فالآن بعت مشاعاً بيني وبين غيري فبيعي لملكي صحيح ، لأنه من مالك ، وبيعي لملك أخي لا يصح ، لأني لست وكيلاً ، إذاً فرقنا الصفقة ، فنقول للمشتري : لك الآن نصف السيارة ، لأنه صح فيه البيع ، أما بيع نصيب أخي فلا يصح .
لو قال المشتري : أنا سأذهب بالسيارة إلى مكة والمدينة ، وقال الشريك الثاني : إذا سافرت عليها فيكون ذلك بنصف الأجرة ، فهل يكون للمشتري الخيار في هذه الحال لتفريق الصفقة عليه ؟
نقول : نعم له الخيار ، لأن تفريق الصفقة يضره .
قوله : " أو ما ينقسم عليه الثمن بالأجزاء " أي ليس مشاعاً لكن ينقسم عليه الثمن بالأجزاء كصاعين من بر ، أحدهما لي ، والثاني للآخر .
خلطتهما ثم بعتهما ، فهل يصح البيع في الصاعين ، أو في الصاع الذي لي فقط ؟
الجواب : في الصاع الذي لي فقط ، ولا يصح في الصاع الآخر ، والفرق بين هذه المسألة والأولى : أن الأولى الشركة فيها مشاعة ، والثانية الشركة فيها بالأجزاء ، لأن الحب الآن حبة لي وحبة للآخر ، ولكن المشاع أي ذرة في المملوك فهي مشتركة .
فإذا باع ما ينقسم عليه الثمن بالأجزاء بعضه له ، وبعضه للآخر صح البيع فيما هو له ، ولم يصح البيع للآخر ؛ لأن الآخر لا يملكه ولم يوكل فيه ، وهذه المسألة الثانية من مسائل تفريق الصفقة .

103- ص ( 198 ) :
قوله : " وإن باع عبده وعبد غيره بغير إذنه " أي : باع عينين قائمتين كل واحدة قائمة بنفسها عبده وعبد غيره ، أخذ عبد غيره من بيته وذهب به معه إلى السوق ومعه عبده فنادى عليهما جميعاً وباعهما ، فالآن وقع العقد على ما يملك بيعه وما لا يملك فنقول : يصح في عبده ، ولا يصح في عبد غيره ، والفرق بين هذه وبين التي قبلها واضح ، فهذه ليس فيها اختلاط ، فكل عين متميزة ، باع سيارته وسيارة غيره يصح في سيارته ، ولا يصح في سيارة غيره .


 

104 - ص ( 234 ) :
باب الشروط في البيع
...
الشروط في البيع غير شروط البيع :
الشروط في البيع : هي إلزام أحد المتعاقدين الآخر مالا يلزمه بمقتضى العقد ، وكذلك في غيره .
وأما ما يلزمه بمقتضى العقد فإنه إن شرط فهو من باب التوكيد .
والفرق بينهما – أي الشروط في البيع – وبين شروط البيع من وجوه أربعة :
الأول : أن شروط البيع من وضع الشارع ، والشروط في البيع من وضع أحد المتعاقدين .
الثاني : شروط البيع يتوقف عليها صحة البيع ، والشروط في البيع يتوقف عليها لزوم البيع فهو صحيح ، لكن ليس بلازم ؛ لأن من له الشرط إذا لم يوف له به فله الخيار .
الثالث : أن شروط البيع لا يمكن إسقاطها ، والشروط في البيع يمكن إسقاطها ممن له الشرط .
الرابع : أن شروط البيع كلها صحيحة معتبرة ؛ لأنها من وضع الشرع ، والشروط في البيع منها ما هو صحيح معتبر ، ومنها ما ليس بصحيح ولا معتبر ؛ لأنه من وضع البشر ، والبشر قد يخطئ وقد يصيب ، فهذه أربعة فروق بين الشروط في البيع وشروط البيع ، وهل تكون هذه الفروق بين شروط النكاح والشروط في النكاح ؟ نعم تكون كذلك ، فهذه الشروط تكون في البيع أو في غيره من العقود .

105- ص ( 237 ) :
قوله : " منها صحيح " وضابط الصحيح : مالا ينافي مقتضى العقد ، فإن نافى مقتضى العقد فليس بصحيح ، ولا نقول : مالا ينافي مطلق العقد ؛ لأن كل شرط في البيع ينافي مطلق العقد .
فمثلاً : إذا بعت عليك شيئاً فمقتضى العقد أنني أتصرف فيه بالبيع والرهن والتأجير والتوقيف وكل التصرفات التي أملكها شرعاً ، فإذا شرط عليَّ البائع ألا أبيعه على أحد فهذا ينافي مقتضى العقد ، فمقتضى العقد أنني أتصرف فيه ، فكيف يحبسني ؟!
أما ما ينافي مطلق العقد : فمثلاً إذا بعتك هذا الشيء واشترطت عليَّ أن يكون الثمن مؤجلاً فهذا ينافي مطلق العقد ، لكن لا ينافي مقتضى العقد ؛ لأن العقد تم الآن ، لكن يخالف مطلق العقد ؛ لأن مطلق العقد أن تسلم الثمن نقداً ، وأسلم المبيع كذلك حاضراً ، ففرق بين قولنا ما ينافي مقتضى العقد وما ينافي مطلق العقد ؛ لأننا نقول كل شروط في عقد فإنها تنافي مطلقه ، لأن مطلقه ألاَّ يكون هناك شروط .

106- ص ( 254 ) :
قوله : " ولا يهبه " فإنه لا يصح الشرط .
مثاله : أن يقول : أبيعك هذا المتاع بشرط ألا تهبه لأحد ، أو ألا تتصدق به على أحد ، فلا يصح لأن هذا ليس فيه مصلحة للبائع وإنما هو مجرد تحجير على المشتري ، فلا يصح ؛ لأنه يخالف مقتضى العقد .
فإن قيل : ما الفرق بين الهبة وبين البيع ، إذا شرط ألا يبيع فهو صحيح ، وإذا شرط ألا يهبه فهو غير صحيح ؟ .
قلنا لا فرق ، ولهذا نقول : القول الصحيح : أنه إذا شرط عليه ألا يهبه فيه تفصيل :
فإذا كان له غرض مقصود فلا بأس ، وإن لم يكن له غرض مقصود فإنه لا يصح هذا الشرط لأنه تحجير على المشتري .
فإذا قال قائل : هو تحجير على المشتري بكل حال ؛ لأنه إذا لم يهبه والتزم بالشرط أمكنه أن يخرجه عن ملكه بالبيع مثلاً .
قلنا : وكذلك نقول في البيع ، مادمنا نعرف أن البائع قصد باشتراط ألا يهبه ألا يخرجه من ملكه فسواء جاء بلفظ الهبة أو جاء بلفظ البيع أو بغير ذلك ؛ لأن الأمور بمقاصدها .

107- ص ( 259 ) :
قوله : " وبعتك إن جئتني بكذا أو رضي زيد " قال : بع علي هذا البيت فقلت بعتك إن أحضرت لي كذا وكذا غير الثمن فهنا لا يصح ؛ لأنه بيع معلق ، ومن شرط البيع التنجيز فالبيع المعلق لا يصح .
وكذلك إذا قال : إن رضي زيد فإنه لا يصح .
مثاله : قال : بعتك هذه السيارة إن رضي أبي ، فقال : اشتريت فالبيع هنا ليس بصحيح ؛ لأنه بيع معلق والبيع من شرطه أن يكون منجزاً .
إذاً ماذا نصنع لو وقع العقد على هذه الصفة ؟
نقول : لو وقع على الصفة فإنه يعاد بعد رضا زيد ، فإذا رضي زيد فنقول : أعد العقد ، لكن هل يترتب على هذا شيء ؟
الجواب : نعم يترتب فلو قلنا : بصحة العقد الأول لكان النماء والكسب فيما بين العقد والرضا للمشتري .
وإذا قلنا : لا بد من عقد جديد فالنماء فيما بين العقد والرضا للبائع ، إذاً فبينهما فرق .

108- ص ( 269 ) :
قوله : " ولمن جهله وفات غرضه الخيار " أي جهل المقدار ، وفات غرضه له الخيار ، فاشترط المؤلف : شرطين في ثبوت الخيار للمغبون .

فإذاً شَرْطُ ملك الفسخ اثنان :
الأول : الجهل . الثاني : فوات الغرض .
فإن قال المشتري الذي اشتراها على أنها مائة متر فبانت تسعون متراً : أنا أسمح بالعشرة ، وقال البائع : أنا أريد أن أفسخ ؛ لأنه تبين أن التقدير خطأ ، فلا يملك البائع الفسخ ؛ لأنه ليس له غرض الآن ؛ لأنه باعها على أنها مائة متر ، وتبين أنها أقل ، وسومح بالناقص ، فليس له غرض إلا أنه أحياناً ربما تكون الأراضي قد زادت في هذه المدة ، وأنها تساوي أكثر من مائة ألف ، وهي تسعون ، فنقول : ليس لك أن تفسخ ؛ لأنه لا ضرر عليك الآن فأنت بعت عليه الأرض ؛ أما لو بعت عليه مائة متر من الأرض فهذا شيء آخر .
مثال آخر : اشتراها على أنها مائة متر فتبين أنها مائة وعشرون ، فقال المشتري : أنا أريد أن أفسخ ؛ لأنها تغيرت عما قُدِّرت به ، فقال البائع : لك العشرون مجاناً لا تعطني إلا الثمن الذي اتفقنا عليه ، فلا خيار للمشتري ؛ لأنه لا ضرر عليه ، فإذا قال المشتري : أنا قد قدرت أن أبني فلة قدرها مائة متر ، والآن صارت مائة وعشرين فتزيد عليّ المواد ، وقيمة البناء ؛ لأنه يلزم أن أوسع الحجر والغرف فنقول له : اجعلها فسحة ، فإذا قال : حتى لو جعلتها فسحة فيزيد على الجدار ( السور ) ، نقول : أجعل الزائد مواقف أو شارعاً ، فإذاً ليس عليه ضرر .
والمؤلف اشترط أن يفوت غرضه ، وهنا لا يفوت الغرض ، ولو تراضيا على النقص أو الزيادة جاز ؛ لأن الحق لهما ، فإذا تصالحا على إسقاطه ، مثل : أن يقول بعتها على أنها مائة متر فتبين أنها تسعون متراً وتصالحوا بحيث قالا : يسقط من الثمن كذا وكذا ، واتفقا على ذلك فلا بأس .
وفي الشرح صورة قد تكون مشابهة لها ، ولكنها مخالفة لها في الحكم ، قال : (( وإن كان المبيع نحو صبرة ( أي : كومة طعام ) على أنها عشرة أقفزة فبانت أقل أو أكثر صح البيع ولا خيار والزيادة للبائع والنقص عليه )) .
أي : عنده كومة طعام فقال : بعتك هذه الصبرة على أنها مائة كيلو فتبينت أقل من مائة ، وأنها تسعون كيلو . فنقول : البيع صحيح ، وهذا كالأرض ، لكن لا خيار للمشتري ، ويجبر البائع على التكميل ، وإن بانت أكثر قال بعتك هذه الكومة من الطعام على أنها مائة كيلو فتبينت أنها مائة وعشرون كيلو فالبيع صحيح والزيادة للبائع .
فإذا قال المشتري : إذا أخذ الزيادة فأنا لي الخيار يقول المؤلف : " إنه لا خيار له " .
ولو قال البائع : أنا لي الخيار بين أخذ الزيادة وبين فسخ البيع ، نقول : ليس لك الخيار أصلاً الزيادة لك فخذها .
لكن ما هو الفرق ؟ نقول : الفرق أن الأرض لا يمكن الزيادة فيها ولا النقص أي : لو باعها على أنها مائة متر فتبين أنها تسعون متراً فلا يمكن أن يأتي بمتر يضيفه إلى هذه التسعين ، لكن الصبرة من الطعام يمكن أن يأتي بطعام آخر من جنس هذا الطعام ويكمل الناقص ، وكذلك فيما إذا زاد .
لكن ينبغي أن يقال : إذا تبين أنها زائدة عن المقدار ، وكان للمشتري غرض في نفس الصبرة أي : هو مقدر أن هذه الصبرة تكفي الضيوف الذين عنده ، فإذا كان البائع يريد أن يأخذ الزيادة ، فهي قي نظره لا تكفي الضيوف .
فنقول : إن هذا قد فات غرضه فله الخيار ، ومقتضى القاعدة السابقة أن من فات غرضه فله الخيار ؛ لأنها نقصت ، إلا إذا قال البائع للمشتري أنا أكمل لك مائة الكيلو من جنس هذا الطعام فهنا لا خيار للمشتري ؛ لأن غرضه لم يفت .

109 - ص ( 317 ) :
قوله : " بأرشه " والأرش فسره المؤلف : الفرق ما بين قيمة الصحة والعيب ، وقال (( قيمة )) ولم يقل ثمن ، والفرق بين القيمة والثمن : أن القيمة هي ثمنه عند عامة الناس ، والثمن هو الذي وقع عليه العقد ، فإذا اشتريت ما يساوي ثمانية بستة ، فالقيمة ثمانية والثمن الستة ، ولهذا انتبهوا عند كتابة العقود لا تقل باعه عليه بقيمة قدرها كذا وكذا ، قل بثمن قدره كذا وكذا ، وما أكثر الكتاب الذين يخطئون في هذا ، أو يقول باعه بثمن قدره كذا وكذا والقيمة واصلة بدلاً من أن تقول القيمة ، قل : الثمن واصل .

110- ص ( 321 ) :
قوله : " وإن كان كبيض دجاج رجع بكل الثمن " لأن بيض الدجاج لا ينتفع الناس بقشره ، بل يرمى في الزبالة ، فإذا كسر بيض الدجاج فوجده فاسداً لا يصلح للأكل ، فإن المشتري يرجع بكل الثمن ، لأنه تبين أن العقد عليه فاسد ، إذ من شرط العقد أن يكون على عين ينتفع بها وهذا لا نفع فيه .
وإذا كان بطيخة (( حبحبة )) فلما شقها وجدها فاسدة ، فهل يرجع بكل الثمن ؟ .
الجواب : لا يرجع بكل الثمن ؛ لأن هذه البطيخة يمكن أن تكون علفاً للدواب ، فيقال له : لك أن تردها ، ولكن ترد أرش الشق الذي حصل منك ، والفرق بينها وبين البيض : أن البيض لا ينتفع بقشره بخلاف البطيخة .
وفي مسألة بيض الدجاج لو قال البائع : أعطني القشور إذا كنت تقول : إن العقد فاسد فإنه لا يلزمه ؛ لأنه لا قيمة لها عادة ، وترمى في الزبالة .

111- ص ( 343 ) :
قوله : " السابع : خيار لاختلاف المتبايعين " والخلاف بين المتبايعين من قديم الزمان ، فيختلفان في الجنس أو في القدر أو في الصفة أو في العين ، والاختلافات لا حصر لها .
والعلماء رحمهم الله ذكروا ما يشبه القواعد في هذا الباب ، إذ إن جزئيات المسائل لا يمكن الإحاطة بها ، وليس كل اختلاف يوجب الخيار ، بل الاختلاف الذي دلت السنة على ثبوت الخيار في مثله ، ولهذا يقول في الشرح : (( في الجملة )) والفقهاء إذا قالوا في الجملة فالمعنى أكثر الصور ، وإذا قالوا ( بالجملة ) فالمعنى جميع الصور ، هذا مصطلح عندهم ، والفرق أن (( في )) للظرفية و((الباء)) للاستيعاب .

112- ص ( 359 ) :
قوله : " وإن أبى كل منهما تسليم ما بيده حتى يقبض العوض " هذه أيضاً من مسائل الخلاف بين المتبايعين ، فإذا اختلفا أيهما يسلم أولاً ، فقال البائع : لا أسلمك حتى تسلمني الثمن ، وقال المشتري : لا أسلمك حتى تسلمني المبيع .
قوله : " والثمن عين " أي معين .
قوله : " نصب عدل يقبض منهما ويسلم المبيع ثم الثمن " (( نُصب )) مبني لما لم يسم فاعله والناصب هو الحاكم هو الحاكم الشرعي يعني أن هذين المتبايعين يختصمان إلى الحاكم ، ثم ينصب الحاكم رجلاً يستلم منهما ثم يسلم المبيع أولاً ثم الثمن ثانياً .
مثاله : اشترى رجل من آخر ساعة ، فقال المشتري أعطني الساعة وأعطيك الثمن ، فقال البائع : أعطني الثمن وأعطيك الساعة تنازعا ، فنقول : اذهبا إلى الحاكم في المحكمة الشرعية ، ثم الحاكم يجب عليه أن ينصب رجلاً عدلاً موثوقاً ، فيأخذ الساعة من البائع ، ويأخذ الثمن من المشتري ثم يسلم الساعة للمشتري ، ويسلم الثمن للبائع ، هذا هو الذي مشى عليه المؤلف .
قوله : " وإن كان ديناً حالاً أجبر بائع ، ثم مشتر إن كان الثمن في المجلس " الضمير يعود على الثمن ؛ لأنه قال في الأول : (( والثمن عين )) فإذا كان ديناً حالاً أجبر بائع ، ثم مشتر إن كان الثمن في المجلس .
وقوله : " إذا كان الثمن ديناً " أي : لم يقع العقد على عينه ؛ لأن الثمن المعين هو الذي وقع العقد على عينه ، والثمن الذي لم يقع العقد على عينه يسمى ديناً ، فإذا قلت : بعني هذه الساعة بهذه الدراهم فالثمن معين . وإذا قلت : بعنيها بعشرة ، فقال : بعتكها بعشرة ، فالثمن هنا دين لأنه غير معين ، والدين عند الفقهاء ليس هو الدين الذي يعرفه العامة ، فكل ما لم يعين من ثمن فهو دين .
وقوله : " أجبر " مبني لما لم يسم فاعله والمجبر القاضي ( الحاكم ) ، وعلى هذا نقول : إذا أبى كل واحد منهما أن يسلم ما بيده ، والثمن غير معين يذهبان إلى الحاكم ، فيقول للبائع : سلم المبيع ويقال للمشتري : سلم الثمن ، ولا حاجة إلى نصب عدل يقبض منهما ، وهذا هو الفرق بين هذه المسألة والمسالة الأولى .
ووجه الفرق بينهما : أن الثمن في الثانية تعلق بذمة المشتري ، وأما في الأولى فحق البائع تعلق بعين الثمن ؛ لأنه قد عين له ، ولهذا قلنا في الأولى : يُنْصَبُ عدل يقبض منهما ، ثم يسلم المبيع ثم الثمن ، أما هنا فقلنا يجبر البائع .
فإذا قال : كيف تجبرونني ؟ انصبوا عدلاً أنا الآن إذا سلمت المبيع أخشى أن يهرب المشتري فلماذا تجبرونني ولا تنصبوا عدلاً يقبض مني ومنه ، ثم يسلم المشتري ويسلمني ؟
الجواب : عندنا حقان ، الحق في المسألة الأولى تعلق بعين العوض ، أما الآن فحقك في المسألة الثانية تعلق بذمته فلا حاجة أن ننصب عدلاً ، فسلمه المبيع الآن وهو يسلمك الثمن ، فإذا قال : أخشى إذا سلمته المبيع أن يهرب ، قلنا : إذا هرب ، فهو مدرك إن شاء الله .

113 - ص ( 371 ) :
قوله : " وإن أتلفه آدمي - معين يمكن تضمينه - خير مشترٍ بين فسخ ، وإمضاء ، ومطالبة متلفه ببدله " فهذه ثلاثة أشياء ، وإذا أمضى طالب متلفه ، وعلى هذا فقوله :" ومطالبة متلفه " ليست داخلة في التخيير ، لكنها مفرعة على الإمضاء ، يعني فإذا أمضى طالب متلفه ببدله ، إذاً :
إذا تلف المكيل ونحوه فعلى أربعة أنواع :
أولاً : أن يتلفه البائع .
ثانياً : أن يتلف بآفة سماوية .
ثالثاً : أن يتلفه ما لا يمكن تضمينه .
رابعاً : أن يتلفه آدمي يمكن تضمينه .
وكل قسم من هذه الأقسام له حكم .
وإذا أتلفه البائع : انفسخ البيع .
وقيل : إن أتلفه البائع ضمنه .
والفرق بين القولين : أننا إذا قلنا انفسخ البيع لم يرجع عليه المشتري بشيء ، إن كان المشتري قد سلم الثمن فيأخذه ، وإن كان لم يسلمه فهو عنده ، وإذا قلنا : إنه يضمنه فإنه ربما تكون القيمة قد زادت بين الشراء والإتلاف ، فالمشتري يرجع على البائع بما زاد على الثمن إن زادت القيمة وهذا القول هو الراجح ؛ وذلك لأن البائع الآن أصبح ظالماً غاصباً .

114- ص ( 393 ) :
قوله : " ولا يباع مكيل بجنسه إلا كيلاً ، ولا موزون بجنسه إلا وزناً "
...
بينه بقوله : " ولا يباع مكيل بجنسه إلا كيلاً ، ولا موزون بجنسه إلا وزناً " وعلى هذا فالتساوي في المكيل عن طريق الكيل ، وفي الموزون عن طريق الوزن ، والفرق بينهما : أن المكيل تقدير الشيء بالحجم ، والوزن تقديره بالثقل والخفة ، فالبر مكيل إذا بيع ببر ، فلا بد من أن يكون طريق التساوي هو الكيل ، فلو بيع بجنسه وزناً فإنه لا يصح ولا يعتبر ذلك تساوياً حتى فيما لا يختلف بالوزن والكيل كالأدهان والألبان فإنهما من قسم المكيل ؛ لأن كل مائع يجري فيه الربا فهو مكيل ، فعلى هذا تكون الألبان من المكيلات ، ولا يختلف فيها الوزن والكيل ، ومع ذلك لو بيعت وزناً فإنها على كلام المؤلف لا يصح ، فلو بعت لبناً بلبن من جنسه وزناً فإنه لا يصح مع أنه لو كيل لكان متساوياً .

115- ص (397 ) :
قوله : " والجنس ما له اسم خاص يشمل أنواعاً كبر ونحوه " الجنس ضابطه هو : الشيء الذي يشمل أشياء مختلفة بأنواعها .
والنوع : ما يشمل أشياءً مختلفة بأشخاصها ، هذا هو الفرق ، فمثلاً البر جنس ؛ لأنه يشمل أشياءً مختلفة بأنواعها ، والبر فيه ما يسمى بالحنطة ، وما يسمى بالمعية ، وما يسمى بالجريباء ، وما يسمى بالقيمي هذه أربعة أنواع ، إذاً فالبر جنس شمل أنواعاً .
والنوع : شيء يشمل أشياء مختلفة بأشخاصها كالحنطة مثلاً تشمل أشياء مختلفة بأشخاصها ، تشمل الحنطة التي عندي والتي عندك ، وما أشبه ذلك .

116- ص ( 406 ) :
قوله : " ولا يجوز بيع حب بدقيقه ولا سويقه " الفرق بين الدقيق والسويق : أن الدقيق يطحن الحب بدون أن يحمص على النار ، والسويق : يحمص أي : يشوى على النار ثم يطحن ، فإذا امتنع أن يباع الحب بالدقيق غير المحمص فمنع بيعه بالدقيق المحمص من باب أولى لأن فيه شيئين :
الأول : تفرق الأجزاء بالطحن .
الثاني : وجود التحميص ، فهو أشد من بيع الحب بالدقيق .
فلا يباع الجنس الربوي بجنسه إذا كان مخلوطاً .
مثال ذلك : باع صاعاً من البر لكن فيه شعيراً ، فهذا لا يجوز لعدم التساوي ؛ لأن المشوب ليس كالمخلوط إلا إذا كان الخلط يسيراً غير مقصود كما لو كان ملحاً في طعام ، فإن ذلك لا يضر ولا يؤثر ؛ لأن هذا الخلط يسير تابع يقصد به إصلاح المخلوط به .
 

الفروق في المجلد التاسع :​

117- ص ( 111 )
قوله : " أو أعطاه أجود " بلا شرط .
قوله : " أو هدية بعد الوفاء جاز " يعني بلا شرط ، هذه صور ثلاث .
مثال ذلك : رجل أقرض شخصاً مائة ألف ثم أوفاه ، ثم أعطى المقترض سيارته للمقرض ليتمتع بها عشرة أيام ، مكأفاة له على إحسانه ، فهذا لا بأس به ؛ لأن هذا من باب المكأفاة ، والمسألة ليست مشروطة حتى نقول إن هذا شرط جر نفعاً .
وكذلك إذا أعطاه أجود فإنه لا بأس به ، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم رد خياراً رباعيّا بدلاً عن بكر وقال : (( خيركم أحسنكم قضاء )) .
وكذلك إذا أعطاه هدية بعد الوفاء ، بأن أهدى إليه هدية قليلة أو كثيرة ، لكن بعد الوفاء فإن ذلك جائز ؛ لأنه في هذه الحال لم يكن معاوضة ، أي : القرض ، بل كان باقياً على الإرفاق ولكن المقترض أراد أن يكافئ هذا المقرض بما أعطاه ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( من صنع إليكم معروفاً فكافئوه )) .
وعُلم من قول المؤلف : " أو أعطاه أجود " أنه لو أعطاه أكثر بلا شرط فإنه على المذهب لا يجوز والفرق أن الأجود في الصفة ، والأكثر في الكمية فلا يجوز .
والصحيح أنه جائز بشرط ألا يكون مشروطاً ، بأن يقترض منه عشرة ثم عند الوفاء يعطيه أحد عشر فإنه لا بأس ؛ لأنه إذا جازت الزيادة في الصفة جازت في العدد ؛ إذ لا فرق ، بل قد تكون الصفة أحياناً أكثر من العدد ، كما لو كان جيداً جدّاً فإنه قد يكون أكثرَ من العدد فائدةً للمقرض .
لكن قد يقول قائل : إذا جوزنا هذا لزم أن نجوِّز الفوائد البنكية ، لأنك تعطي البنك مائة ألف ويعطيك بعد سنة مائة وعشرة .
فالجواب على هذا أن البنك زيادته تعتبر مشروطة شرطاً عرفياً ، والشرط العرفي كالشرط اللفظي ؛ لأن هذا معلوم من تعاملهم ، لكن من أخذ من حروف أقوال أهل العلم قال : إنه يجوز أخذ الفوائد البنكية ؛ لأن الإنسان حينما أعطاهم الدراهم لم يشترط عليهم أن يوفوه أكثر ، مع أن المذهب يرون أنه لا يجوز قبول الأكثر ، بل يجوز الأجود دون الأكثر ، لكن على القول بالجواز لا ترد علينا مسألة البنوك ؛ لأنها مشروطة شرطاً عرفياً ، فموظف البنك إذا قال : ماذا تريد ؟ قال : أريد حساباً بنكياً ، وهذا معناه أن يريد الفوائد .


118- ص ( 115 )
قوله : " وإن أقرضه " أي : أقرض شخصاً .
قوله : " أثماناً " وهي : الدراهم والدنانير .
قوله : " فطالبه بها ببلد آخر لزمته " أي : لزمت المقترض .
مثاله : أقرضه دنانير في مكة وطالبه بها في المدينة ، فيلزمه الوفاء ، إذا كان معه الدنانير ، لأنه لا ضرر عليه ، القيمة واحدة في مكة أو في المدينة ؛ لأن النقد كله نقد واحد ، ولا يختلف بين بلد وآخر فله الحق أن يلزمه ، بخلاف ما سبق في باب السلم فيكون الوفاء في موضع العقد ، والفرق بينهما أن السلم من باب المعاوضات ، وهذا من باب الإحسان ولا ضرر عليه أن يعطيه الدنانير في البلد الآخر .
أما إذا كان في بلد يختلف عن البلد الذي أقرضه فيه ، فهنا قد يلحقه ضرر ، فقد تكون قيمته أغلى ، وحينئذٍ نقول : لا يلزمه الموافقة ، إن وافق فذلك المطلوب وإن لم يوافق فلا يلزمه .


119- ص ( 123 )
قوله : " يصح في كل عين يجوز بيعها " بيَّن المؤلف ما الذي يصح رهنه ، وربما نأخذ من ذلك - أيضاً - حكم الرهن ...
إذا ؛ً القاعدة : (( كل عين يجوز بيعها يجوز رهنها وما لا فلا )) ...
وإذا قال : رهنتك ما في بطن هذه الشاة فلا يجوز ؛ لأنه لا يجوز بيعها ، والصحيح أنه يصح رهنها ؛ لأن الرهن ليس عقد معاوضة حتى نقول : لا بد من تحريره وعلمه ، فهذا الحمل الذي في البطن لا يخلو من أربع حالات : إما أنه أكثر من قيمة الدين أو يكون أقل أو يكون مساوياً أو يموت ، فإذا مات أو خرج معيباً بحيث لا يساوي قيمة الدين فلم يَضِع الحق ، وغاية ما هنالك أن الوثيقة التي كان يؤمل عليها نقصت أو عدمت ولكن حقه باق ، فإذا خرج الحمل أكثر من الحق فقد زاد على الحق ، ويجوز أن أرهن عيناً أكثر من الدين ، فما دامت المسألة توثقة فقط والحق باق لن يضيع ، فالصحيح أنه جائز ، والرسول صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن بيع الغرر وفرق بين البيع الذي يقصد فيه التحري في مقابلة العوض بالعوض ، وبين شيء لا يقصد منه إلا التوثقة ، إن حصلت فهي كمال وإن لم تحصل فالحق باق .



120- ص ( 147 ، 197 ، 391 )
والفرق بين التعدي والتفريط :
أن التعدي : فعل ما لا يجوز .
والتفريط : ترك ما يجب .
مثاله : لو أن شخصاً ارتهن ناقة من آخر ، ثم لم يحطها بعناية فقضى عليها البرد ، فإننا نقول : هذا تفريط ؛ لأن الواجب عليه أن يجعلها في مكان دافئ ؛ لئلا تموت .
مثال آخر : رجل رهن بعيراً ، ثم إن المرتهن صار يحمل عليه ويكده فإننا نسمي ذلك تعدياً .
يتبع=
 

121- ص ( 180 )
قوله : " ودواب مستأجرة هرب ربها " مثاله : إنسان عنده ناقة أجرها شخصاً يسافر عليها إلى مكة ، وهرب المالك من أجل أن يورطه وينفق عليها ، والدواب تحتاج إلى نفقة فهي تريد علفاً وشراباً ، فهذا الرجل الذي استأجر الدواب قد أذن له ربها بأن ينفق عليها ، فأنفق عليها فصار يشتري لها علفاً وماءً ويقوم برعايتها ، فيرجع على ربها ؛ لأنه أذن له فيكون وكيلاً عنه ، وأما لو لم يأذن له ربها وتعذر استئذانه ؛ والحاجة ملحة في الإنفاق عليها عاجلاً فيرجع عليه ، فإن كان موجوداً وتسهل مراجعته وأنفق عليها بدون إذنه ، فإنه يضمن ، بمعنى أنه لا يرجع بما أنفق على صاحب هذه الدواب ....
قوله : " ولو خرب الرهن فعمَّره بلا إذن رجع بآلته فقط " لو خرب الرهن كالدار - مثلاً - (( فعمَّره )) المرتهن (( رجع بآلته فقط )) والآلة عندهم أي : مادة الشيء ، يعني مواد البناء أي : بما جعل فيه فقط ، كاللَّبِن والحديد والأبواب وما أشبهها ، فيرجع بهذه فقط دون أجرة العمال ، والماء ، وما أشبه ذلك ، والفرق بين هذا وبين الحيوان ، أن الحيوان يحتاج إلى نفقة أما هذا فلا .
مثال ذلك : إنسان ارتهن داراً وسقط جزء منها ، فقام بإصلاحه وأحضر اللَّبِن والمواد والأبواب وبناها ، فمادة البناء بعشرة آلاف ريال وأجرة العمال وجلب الماء بعشرة آلاف ريال ، فبماذا يرجع ؟
الجواب : بعشرة آلاف ريال التي هي الآلة فقط ، وأما الباقي فلا يرجع به ، هذا إذا كان لم يستأذن من رب البيت الذي هو الراهن ، أما لو استأذن فإنه يرجع بالجميع ؛ لأنه وكيل .
وقال بعض العلماء : بل يرجع بالجميع ؛ لأنه ليس كالإنفاق على الحيوان ، فالإنفاق على الحيوان إذا أكله الحيوان ذهب ، ولم ينتفع به الراهن لكن هذا ينتفع به الراهن ؛ لأن أثر العمل باق والمصلحة للجميع ، للراهن ؛ لأنه ملكه عُمّر ، وللمرتهن ؛ لأن وثيقته بقيت ، لأنه لو خرب ما بقي له شيء .
وفصَّل بعضهم فقال : إن عمّره بما يكفي لتوثيق دينه فقط يرجع ، وإن كان بأزيد لم يرجع ؛ لأنه ليس في ضرورة إلى أن يعمّره بأكثر مما يوثق الدين ، فلو فرضنا أن الذي خرب غرفتان ولو أصلح واحدة كفى لتوثقته في دينه ولكنه عمَّر الاثنتين جميعاً ، فهو يرجع بالأولى ولا يرجع بالثانية إلا بالآلة فقط ، وهذا القول قول وسط بين القولين ، أي : أن يقال : إن المرتهن يرجع يقدر ما يتوثق به دينه فقط ؛ ووجهه أن ما زاد لم يعمّره لحفظ حقه بل زاد على ذلك .
وبعض العلماء يقول : إذا كان لو تركه - أي التعمير - لتداعى بقية البيت ، وهذا وارد ، يعني لو ترك عمارة المنهدم لانهدم البيت كله فهنا يرجع بالجميع ؛ لأن هذا لحفظ البيت كله ، وأما إذا كان ما بقي من البيت لا يتأثر بما انهدم فعلى التفصيل الذي سبق .

122- ص ( 202 )
قوله : " فصل : وتصح الكفالة " الكفالة هي العقد الثالث من عقود التوثقة ؛ لأن عقود التوثقة رهن وضمان وكفالة .
والكفالة التزام جائز التصرف إحضار بدن من عليه الحق ، وإن شئت فقل : إحضار من يصح ضمانه ؛ حتى تدخل الأعيان المضمونة كالعواري على القول بأنها مضمونة بكل حال ، والمغصوب وعهدة المبيع ، وضمان التعدي في الأمانات .
وبهذا التعريف نعرف الفرق بينها وبين الضمان ، فالضمان أن يلتزم إحضار الدين ، وهذا إحضار البدن ، فإذا أحضر الكافل المكفول وسلمه لصاحب الحق برئ منه ، سواء أوفاه أو لم يوفه وهذا فرق واضح وحينئذٍ تكون الكفالة أدنى توثقة من الضمان ؛ لأن الضمان يضمن الدين وهذا يضمن من عليه الدين ، فإذا أحضره برئ منه ، وإذا مات المكفول برئ ، وإذا مات في الضمان لا يبرأ .

123- ص ( 208 )
قوله : " فإن مات " الضمير يعود على المكفول ، أي : إن مات برئ الكفيل حتى من الدين لأنه لما مات المكفول فلا يمكن إحضاره ، فإن طالب من له الحق بإحضاره ، قال له الكفيل : تعال وأوقفه عند المقبرة ، وقال له : خذ حقك منه !! وهذا لا يمكن ، ولو قيل هذا القول له ، لقال : إنها سخرية بي ، فيقال : إذا مات المكفول برئ الكفيل ، وهذا من الفروق بين الكفالة والضمان فالضمان إذا مات المضمون لم يبرأ الضامن ، أما الكفالة فإذا مات المكفول برئ الكفيل .

124- ص ( 229 )
قوله : " وممن لا يصح تبرعه " هذه الجملة معطوفة على قوله : (( شرطاه )) يعني وإن لم يكن ممن لا يصح تبرعه ، أي : ويشترط - أيضاً - ألا يكون ممن لا يصح تبرعه ، أي : بذله المال مجاناً وهناك فرق بين من يصح تبرعه ومن يصح تصرفه ، فالذي يصح تصرفه أوسع من الذي يصح تبرعه ، فمثلاً ولي اليتيم يصح تصرفه ولا يصح تبرعه ، وكذلك الوكيل .
إذاً يشترط أن يكون الإسقاط أو الهبة ممن يصح تبرعه ، فإن كان ممن لا يصح تبرعه لم يصح الإسقاط ولا الهبة لفوات الشرط .

125- ص ( 280 )
قوله : " ولا ينفذ تصرفه في ماله بعد الحجر " يعني بعد أن نحجر عليه لا ينفذ تصرفه في ماله ... والخلاصة الآن : يحجر على المدين إذا كان ماله أقل من دينه ، لكن بشرط سؤال الغرماء أو بعضهم ، فإن لم يسألوا فلا حرج إذا لم يحجر عليه ، لكن الصحيح أنه محجور عليه شرعاً ، لا حكماً ، والدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( مطل الغني ظلم )) ، والتبرع بماله يؤدي إلى المطل ، وعدم الوفاء ، فيكون ذلك ظلماً ، لكن يفترق عن المحجور عليه حكماً ، بأن هذا يصح أن يتصرف في ماله بغير التبرع ، فيجوز أن يتصرف لكن لا يتبرع فيبيع ويشتري - مثلاً - ولا حرج ، فهذا هو الفرق .
ولهذا نقول للمدين الذي ماله أقل من دينه ولم يحجر عليه : بع واشتر ليس ثمة مانع ، لكن لا تتصدق ولا تتبرع ، وإذا جاءه صاحب له وأراد لأن يبيع عليه ما يساوي عشرة بثمانية فهذا لا يجوز ؛ لأن هذا تبرع في الواقع .

 

126- ص ( 300 )
قوله : " زال حجرهم بلا قضاء " أي : بلا قضاء حاكم ، أي : بمجرد ما يحصل البلوغ مع الرشد أو العقل مع الرشد أو الرشد بعد السفه ، ينفك الحجر عنه ولا حاجة أن نذهب للقاضي فلو أن يتيماً بلغ بالسن مع رشده في نصف النهار ، فله أن يطالب وليه بماله الذي عنده في آخر النهار ، ولو قال الولي : لا نعطيك حتى نذهب إلى القاضي ، ويحكم بأن الحجر زال فإنه لا يطاع لأن الحجر يزول بزوال سببه ، ودائماً يمر علينا الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً .
فإن قال قائل : ما الفرق بين هذا وبين من حجر عليه لفلس ؟ لأنه قال هناك : " ولا يفك حجره إلا حاكم " .
الجواب : أن هذا الحجر ثبت بدون القاضي فزال بدونه ، بخلاف الحجر على المفلس لحظ غيره فإنه لا يثبت إلا بحكم القاضي ، ولا يزول إلا بحكم القاضي .
وقال بعض العلماء : أنه إذا وزع ماله وقسم انفك الحجر .
لكن المذهب أقرب إلى الصواب ، أنه من حجر عليه لحظ الغير ، فلابد من حاكم ينقض الحجر أما من حجر عليه لحظ نفسه ، وهم الثلاثة الصغير والمجنون والسفيه ، فإنه بمجرد زوال العلة التي أوجبت الحجر ينفك الحجر .

127- ص ( 318 )
قوله : " وما استدان العبد لزم سيده إن أذن له " ...
قوله : " وإلا " يعني وإلا يأذن له .
قوله : " ففي رقبته " أي : يتعلق برقبة العبد ، والفرق بين تعلقه برقبة العبد وتعلقه بذمة السيد أنه إذا تعلق بذمة السيد لزمه وفاؤه مهما بلغ ، حتى لو كان أكثر من قيمة العبد عشر مرات .
أما إذا تعلق برقبة العبد ، فإنه يخير السيد بين أمور ثلاثة ، إما أن يبيعه ويعطي ثمنه من استدان منه العبد ، وإما أن يسلمه لمن استدان منه عوضاً عن الدين ، وإما أن يفديه السيد بما استدان .
مثال ذلك : استدان العبد ألف ريال بغير إذن سيده ، فإنه يتعلق برقبته ، فنقول للسيد : أنت مخير إن شئت أعطِ صاحب الدين العبد ، وقل : لك العبد بالدين الذي استدانه منك ، أو يبيع العبد ويأخذ قيمته ويعطيها صاحب الدين ، أو يفديه بقدر دَيْنِهِ ، فيقول : الدين كذا وكذا وأنا لا أريد أن أبيع العبد ، ولا أريد أن أعطيك إياه ، ولكن هذا دينك الذي ديَّنته ، أيهما الذي يختار ؟ سوف يختار السيد الأقل ؛ لأنه من مصلحته ، والفرق بين كونه يبيعه ويسلم ثمنه لصاحب الدين ، وبين أنه يسلمه إلى صاحب الدين ، أنه قد يلاحظ مصلحة العبد .

128- ص ( 329 )
قوله: " والفسوخ " وتَرِدُ على كل عقد ...
ويجوز التوكيل في الإقالة ، وهي فسخ عقد البيع أو الإجارة أو غيره ، مثاله : اشتريت من فلان سيارة ثم لم تعجبني السيارة ، فرجعت إليه وقلت : أريد أن تقيلني البيع ، فقال : نعم ، فلو وكلت إنساناً في الإقالة يجوز سواء من البائع أو من المشتري ، وهذا نسميه فسخاً ، والفرق بين العقد والفسخ ، أن العقد إيجاد العقد ، والفسخ إزالة العقد .

129- ص ( 356 )
قوله : " وموته " أي : إذا مات الوكيل بطلت الوكالة ، وإذا مات الموكل بطلت الوكالة ...
وهنا يجب أن ننبه إلى مسألة يكتبها إخواننا الكُتَّاب الذين يكتبون وصايا للناس ، إذا كانت الوصية وقال : أوصيت بثلث مالي يُتصدق به على الفقراء ، كثير من الكتَّاب يكتب : والوكيل على ذلك فلان ، والصواب أن يقول : الوصي على ذلك فلان ؛ لأن هناك فرقاً بين الوكيل والوصي ، الوصي من أذن له بالتصرف بعد الموت ، والوكيل من أذن له بالتصرف في حال الحياة وإذا قال : الوكيل على ثلثي فلان ، فلو أخذنا باللفظ لقلنا : إذا مات هذا الرجل انفسخت الوكالة ، لكن الحكام - القضاة - يفتون بأن هذا اللفظ من العامة بمعنى الوصية ، ون كان بلفظ الوكالة ، ولكننا نقول للكتاب : ينبغي أن تحرروا الكتابة ، وإذا ذكرتم وصية فلان بشيء لا تقولوا : والوكيل فلان ، قولوا : الوصي .
لكن لو قال : (( الوكيل بعد موتي )) ، ارتفع الإشكال ؛ لأنه لو قيد الوكالة بعد الموت فإننا نعلم علم اليقين أنه أراد الوصية .

130- ص ( 364 )
قوله : " ولا يبيع بعرض " ...
قوله " ولا نَسَاء " أي : بثمن مؤخر ، سواء كان مؤجلاً أم غير مؤجل ، فلا بد أن يكون نقداً يداً بيد ، فعلى كلام المؤلف إذا باع شيئاً أذنت له في بيعه ، ولم يقبض الثمن فإنه يكون ضامناً ، لكن كلام المؤلف هنا ينبغي أن يقيد بما إذا لم يدل العرف على التأخير ، والآن عند الناس لو بعت عليك شيئاً اليوم ، يمكن أن تذهب به ولا آخذ الثمن منك إلا بعد يوم أو يومين ، حسب كثرة الثمن وقلته ، وحسب حال المشتري ، إلا إذا كان المشتري لا يُعرف ، فإنه إذا لم يبعه نقداً يداً بيد فهو ضامن ؛ لأنه مفرِّط .
مثاله : إنسان عرض سيارة للمزايدة ، فجاء أجنبي لا يعرفه وقال : السيارة تساوي عشرة ، وأنا آخذها منك بأحد عشر ألفاً ، فأخذها وذهب ، فلا يمكن للوكيل أن يدعه يذهب بدون نقد ولو فعل لكان ضامناً ؛ لأنه مفرط .
وهل يبيع مؤجلاً ؟ المؤجل غير النسأ ، والنسأ هو تأخير القبض ولو كان غير مؤجل ، والمؤجل تأخير الوفاء .
مثال ذلك : قلت : بعتك هذا الشيء بثمن يحل بعد شهر فهذا مؤجل ، وبعتك هذا الشيء ولم أقبض الثمن فهذا نسأ ؛ لأن فيه تأخيراً ، وبعتك هذا الشيء بعشرة وأعطيتني إياها وأخذته فهذا يداً بيد .
فإن باع مؤجلاً فإن ذلك لا يصح ولو كان الثمن المؤجل أكثر .

132- ص ( 420 )
قوله : " وكذا مساقاة ومزارعة ومضاربة " يعني اختلف المُسَاقي والمزارع ، وعرفنا أن المساقاة هي أن يدفع الإنسان أرضه ونخله لشخص يقوم عليها بجزء من الثمرة ، والمزارعة أن يدفع إنسان أرضه البيضاء التي ليس فيها زرع إلى فلاح يزرعها وله نصف الزرع - مثلاً - ، والفرق بينهما المساقاة على أشجار ، والمزارعة على أرض تزرع .

133- ص ( 421 )
قوله : " وكذا مساقاة ومزارعة ومضاربة "...
فإذا اختلفا لمن المشروط في المساقاة والمزارعة فللعامل على المذهب ، وعلى الراجح ينظر إلى القرائن فيعمل بها ، وإن اختلفا في قدره فالقول قول صاحب الأرض في المزارعة ، وصاحب النخل في المساقاة .
مثال ذلك : أعطيتُ فلاحاً هذا البستان بما فيه من نخيل وعنب ورمان ليقوم عليه بثلث ما يخرج منه ، يعني ولي الثلثان ، فنسميها مساقاة .
ومثال المزارعة : عندي أرض بور ليس فيها شيء أعطيتها شخصاً يزرعها شعيراً ، أو بُرّاً ، أو أرزاً ، أو ما أشبه ذلك بالنصف أو بالربع أو بالثلث ، فهذه نسميها مزارعة ، فالمساقي يقول في الصورة الأولى : خذ هذا النخل والأشجار ، واتفقوا على أن المشروط الثلثان ، وعند جذ النخيل وجمع العنب وما أشبه ذلك اختلفوا ، فقال العامل : المشروط لي ، وقال صاحب النخيل : هو مشروط لي ، فالقول هنا قول العامل على المذهب .
وإن اختلفا في قدر المشروط ، قال العامل : إنك قد شرطت لي ثلاثة أرباع ، وقال صاحب الأصل : قد شرطت لك النصف ، فهما الآن متفقان على أن المشروط له هو العامل ، لكن اختلفا في قدر المشروط ، فالقول هنا قول صاحب الأرض ، وكذلك يقال في المزارعة .
فهنا فرق بين الاختلاف في تعيين المشروط له ، وبين الاختلاف في تعيين المشروط ، إن كان الاختلاف في تعيين المشروط له ، فالقول قول العامل ، وإن كان في قدر المشروط مع الاتفاق على تعيين المشروط له فالقول قول رب المال .
والتعليل أن العامل استحق السهم في عمله بالعمل فكان القول قوله ، وهذا على المذهب والقول الثاني : أنه للعامل إن كانت دعواه مقاربة ، أما إن كانت بعيدة عن الواقع فالقول قول صاحب الأرض .

134- ص ( 435 )
قوله : " الرابع : شركة الأبدان أن يشتركا فيما يكتسبان بأبدانهما " . . .
قوله : " فما تقبله أحدهما من عمل يلزمهما فعله " . . .
قوله : " وتصح في الاحتشاش والاحتطاب " ...
وهذه ليس فيها مال وإنما هو عمل ، والفرق بينها وبين شركة الوجوه ، أن شركة الوجوه يأخذان المال من ثالث ويعملان بأبدانهما ، أما هذه فلا يأخذان من أحد مالاً ولا يأتي أحدهما بمال وإنما يشتركان في العمل .

135- ص ( 457 )
" فصل : وتصح المزارعة بجزء معلوم النسبة " المزارعة هي أن يدفع أرضاً لمن يزرعها بجزء من الزرع .
والفرق بينها وبين المساقاة أن المساقاة على الشجر ، والمزارعة على الزرع ، والفرق بين الشجر والزرع أن ما له ثمر وساق وأغصان يسمى شجراً ، وما ليس كذلك فإنه يسمى زرعا ً .
مثال الزرع : القمح ، والذرة ، والشعير ، والأرز ، وما أشبه ذلك .

136- ص ( 461 )
وقوله : " والغراس " إشارة إلى المغارسة ، والمؤلف لم يذكرها ، فهناك عقد ثالث غير المساقاة والمزارعة ، ويسمى المغارسة ، ويسمى المناصبة ، وهي أن يدفع الإنسان الأرض لشخص يغرسها بأشجار ويعمل عليها بجزء من الأشجار ، ليس بجزء من الثمرة ، بل بجزء من الغرس والثمرة تتبع الأصل ، والفرق بينها وبين المساقاة ، أن المساقاة بجزء من الثمرة ، والأصل - أي : الشجر - لرب الأرض ، وهذه بجزء من الأصل نفسه ، أي : من الغرس ، وهي جائزة ، وإذا تمت كان للعامل نصف الشجر ، أو ربعه ، حسب الشرط ، والمساقاة إذا تمت كان للعامل نصف الثمرة أو ربعها حسب الشرط ، إذن بينهما فرق.
 

الفروق في المجلد العاشر :

137- ص ( 17 )
قوله : " والغناء " بالمد ، وليس بالقصر ؛ لأن (( الغنى )) بالقصر ضد الفقر ، و(( الغناء )) بالمد هو تلحين القصائد ، والشعر ، وما أشبه ذلك .

138- ص ( 46 )
قوله : " مدة ولو طويلة يغلب على الظن بقاء العين فيها صح " سواء ظن بقاء العاقد أم لم يظن مثل أن يؤجر هذا البيت لمدة ستين سنة ، فالإجارة صحيحة ؛ لأن ستين سنة يغلب على الظن أن يبقى البيت إليها ، ولا سيما إذا كان من الإسمنت ، وكان جديداً ، فإن الغالب أنه يبقى ، فإذا أجرها هذه المدة صح ، لكن لو انهدمت قبل تمام المدة انفسخت الإجارة لتلف العين المعقود عليها وللمستأجر حصته من الأجرة فيما لم يستوف منفعته .
وقوله : " مدة ولو طويلة يغلب على الظن بقاء العين فيها " لو أجرها مدة طويلة يغلب على الظن أنها لا تبقى فيها ، فظاهر كلام المؤلف أن الإجارة لا تصح .
ولكن يجب أن نعرف الفرق بين الأجرة التي يكون فيها العقد على نفس الدار ، وبين الحِكر أو الحُكُورة التي يكون العقد فيها على منفعة الأرض ، وهذا أظنه موجوداً في كثير من البلدان مثل الحجاز ونجد ومصر ، تكون الأجرة على الأرض وليست على نفس البيت ، ولهذا يملك المستأجر أن يهدم هذا البيت وأن يغيره وأن يتصرف فيه كما شاء ،لكن في الإجارة المحضة لا يملك أن يتصرف في البيت .
ففرق بين أن آتي إلى رجل وأنا أريد أن أبقى في هذا البلد سنتين أو ثلاثاً وأقول : أجرني بيتك فيؤجرني إياه فالبيت لصاحبه ، فالمستأجر لا يملك إلا الانتفاع ، حتى إنه لا يملك أن يعدِّل باباً من الأبواب ولا أن يفتح فرجة في جدار ؛ لأنه إنما استأجر المنفعة فقط أما العين فلا يتصرف فيها .
وفي مسألة ( الحُكورة ) وتسمى عندنا ( الصُّبْرَة ) من الصبر وهو الحبس ، المعقود عليه ليس العين بل المعقود عليه منفعة الأرض ، ولهذا يجوز لمن عقد عقد ( حكورة ) أن يهدم البيت وينشئه من جديد ، وصاحب الأرض لا يقول له شيئاً ؛ لأنه يعرف أنه إنما أجره مدة بدراهم معينة ، وليس له رغبة في نفس البيت أو في نفس الدكان ، وهذا هو الذي عليه العمل الآن ، ولهذا في بلدنا هذه يؤجرون الحكرة إلى مدة خمسمائة سنة وستمائة سنة وألف سنة .
على كل حال أقول : إن هناك فرقاً بين الأجرة المحضة وبين الحِكر ؛ لأن الحكر إنما يقع العقد على الأرض ولا يلتفت الآخذ بهذا العقد إلى مسألة العين ، لكن إذا كانت العين ، يقول المؤلف : لا بد أن يكون إلى مدة يغلب على الظن بقاء العين فيها .
لو أجره البعير لمدة خمسين سنة فإنه لا يصح ؛ لأن البعير لا يبقى إلى خمسين سنة ، أو أجره سيارة لمدة مائة سنة فلا يصح ؛ لأن الغالب أنها لا تبقى إلا أن توقف ولا تستعمل فهذا شيء آخر لكن إذا استعملت فلا تبقى إلى هذه المدة .

138- ص ( 54 )
قوله : " ولا تصح على عمل يختص أن يكون فاعله من أهل القربة " هذه العبارة تداولها العلماء - رحمهم الله - وتلقوها ناشئاً عن سابق ، ومعنى هذه العبارة أن كل عمل لا يقع إلا قربة فأنه لا يصح أن يؤخذ عليه أجرة ؛ ووجه ذلك أن ما كان لا يقع إلا قربة فإنه لا يجوز للإنسان أن يعتاض عن ثواب الآخرة شيئاً من ثواب الدنيا ، قال الله تعالى : { مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ (15) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (16) } [ سورة هود ] فحذَّر الله - عزَّ وجلَّ - أن يريد الإنسان بعبادته شيئاً من الدنيا ، وقال تعالى : { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ (20) } [ سورة الشورى ] فما كان لا يقع إلا قربة فإنه لا يصح أن تؤخذ الأجرة عليه .
مثال ذلك : الصلاة ، لو قال رجل لابنه : صلِ يا بني ، فقال الابن : لا أصلي إلا كل فرض بعشرة ريالات ، ليستحق كل يوم خمسين ريالاً ، فاستأجره على أن يعطيه كل فرض عشرة ريالات فالأجرة هذه لا تصح ؛ لأن الصلاة لا تقع إلا قربة .
وكذلك الأذان : لو أن إنساناً قيل له : أذن ، فقال : ليس عندي مانع ولكن كل أذان بخمسة ريالات ، فإنه لا يصح ، ولو قيل لشخص : اقرأ القرآن ليكون ثوابه للميت ، فقال : لا بأس لكن لا اقرأ إلا الجزء بعشرة ريالات فهذا لا يصح .
فكل شيء لا يقع إلا قربة فإنه لا يصح أن يقع عليه عقد الإجارة ؛ والتعليل لأن هذا عمل يقصد به ثواب الآخرة ولا ينبغي أن يكون عمل الآخرة يراد به عمل الدنيا ، ولهذا قال شيخ الإسلام فيمن حج ليأخذ : ( ليس له في الآخرة من خلاق ) أي ليس له نصيب ، وأما من أخذ ليحج فقال : لا بأس به ؛ لأنه استعان بالمال على طاعة الله ، والاستعانة بالمال على طاعة الله أمر جائز ولا بأس به .
سئل الإمام احمد - رحمه الله - عن رجل قيل له : أقم بنا في رمضان ، يعني صل بنا القيام فقال : لا أصلي بكم إلا بكذا وكذا ، فقال الإمام أحمد - رحمه الله - : نعوذ بالله ومن يصلي خلف هذا ؟! وهذا من الإمام أحمد يدل على أنه أبطل عبادته وبناءً على بطلان عبادته لا تصح الصلاة خلفه ، وقد استعاذ الإمام أحمد - رحمه الله - من هذا الشرط ، ولكن ما يقع قربة بالقصد وينتفع به الغير فلا بأس أن يأخذ الإنسان عليه أجرة من أجل نفع الغير ، كالتعليم إنسان قال لآخر : أريد أن تعلمني باب شروط الصلاة ، فقال : ليس عندي مانع ، لكن بشرط أن تعطيني أجرة ، فنقول : هذا لا بأس به ؛ لأن العوض هنا ليس عن التعبد بالعمل ولكن على انتفاع الغير به .
لو أن شخصاً طُلب منه أن يعلم آخر سورة البقرة فقال : لا أعلمه إلا بأجرة فإنه يجوز ؛ لأن هذا للتعليم لا للتلاوة ، وفرق بين أن يكون للتعليم الذي يتعدى نفعه للغير وبين التلاوة .
ولو أن إنساناً قال لمريض : أنا لا أرقيك إلا بأجرة ، وهو يريد أن يرقيه بالقرآن ، فهذا يجوز ولهذا لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية ، فنزلوا على قوم ضيوفاً ، فأبى القوم أن يضيفوهم بعث الله على سيدهم عقرباً فلدغته - وكانت والله أعلم شديدة - فطلبوا من يعالجه ، قالوا : لعل هؤلاء القوم فيهم من يرقي ، يعنون بذلك الصحابة - رضي الله عنهم - الذين تنحوا عنهم لمَّا لم يضيفوهم ، فجاؤوا إلى الصحابة - رضي الله عنهم - وقالوا : إن سيدهم قد لُدغ ، فهل منكم من راقٍ ؟ قالوا : نعم ، منا من يرقيه ، ولكن لا نرقيه إلا بطائفة من الغنم ؛ لأنكم ما أكرمتمونا ، ولا ضيفتمونا ، فقالوا : لا بأس ، فقرأ عليه القارئ ، فقام كأنما نشط من عقال بإذن الله ، ولم يقرأ عليه إلا سورة الفاتحة فقط ، التي يقرأها بعض الناس اليوم ألف مرة ولا يستفيد المريض ، فقرأ عليه سورة الفاتحة وبرأ بإذن الله ، فأعطوهم الطائفة من الغنم ولكن أشكل عليهم الأمر ، فقالوا : لا نأكل حتى نسأل النبي صلى الله عليه وسلم فلما قدموا المدينة وأخبروا الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا قال : (( نعم : كلوا واضربوا لي معكم بسهم )) - عليه الصلاة والسلام - ، فأفتاهم بالقول وبالفعل من أجل أن تطمئن قلوبهم ، وإلا فالفتوى القولية تكفي وهو - عليه الصلاة والسلام - لا يسأل أحداً لكنه سأل هذا لمصلحتهم لا لمصلحته هو ، فهو ليس بحاجة ولا ضرورة إلى لحمهم ، لكنه فعل ذلك لمصلحتهم لتطيب قلوبهم قال : (( خذوا واضربوا لي معكم بسهم فإن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله )) فدل هذا على أنه لا بأس إذا كانت العبادة ذات نفع متعدٍّ ، وأراد الإنسان النفع المتعدي فلا بأس أن يأخذ عليه أجراً ، ولو كانت من جنس الأشياء التي لا تقع إلا قربة ؛ لأن هذا القارئ ما قصد التعبد لله بالقراءة بل قصد نفع الغير ، إما التعليم أو الاستشفاء أو غير ذلك فهذا لا باس به .


 

139- ص ( 74 )
قوله : " وإن اكترى داراً فانهدمت أو أرضاً لزرع فانقطع ماؤها ، أو غرقت انفسخت الإجارة في الباقي " ...
فإن قال قائل : ألا يؤيد هذا ما سبق - وقلنا : إنه الصحيح - فيما إذا استأجر دكاناً لبيع سلعة ثم تلفت فإن الإجارة تنفسخ ؟
الجواب : إن هذا يؤيد ذلك من بعض الوجوه ، ولكن الفرق أن هذا لخلل في المعقود عليه لا في المعقود له ، في المسألة الأولى تعذر الانتفاع في المعقود له ، وهنا تعذر الانتفاع في المعقود عليه وهو الأرض أو الدار ، ومع ذلك فقد نقول : إن هذا الفرق غير مؤثر ؛ لأن الانتفاع قد تعذر في هذا وفي هذا بغير إرادة الإنسان .

140- ص ( 76 )
قوله : " ولا يضمن أجير خاص ما جنت يده خطأ " أفادنا المؤلف - رحمه الله - أن الأجراء نوعان ، أجير خاص ، وأجير مشترك .
فما الفرق بينهما ؟
ما كان مستأجراً بالزمن فهو أجير خاص ، وما كان مستأجراً على عمل فهو أجير مشترك ويظهر ذلك بالمثال :
استأجرت عاملاً يعمل عندك في البيت ، أو في الدكان ، أو في المزرعة ، فهذا أجير خاص ؛ لأن عمله مقدر بالزمن ، فالشهر بكذا وكذا ، والأسبوع بكذا وكذا ، واليوم بكذا وكذا .
استأجرت خياطاً يخيط لك ثوباً ، فهذا مشترك ؛ لأن نفعه مقدَّر بالعمل ، وإنما سُمِّي الأول خاصاً لأن زمنه خاص بالمستأجر ، لا يملك الأجير أن يتصرف فيه ، فهو لا يملك أن يعمل عند رجل آخر في هذه المدة ؛ لأن المدة خاصة بالمستأجر ، والمشترك ليس خاصاً بالمستأجر ، فقد فتح بابه لكل أحد ، فتجد الخياط - مثلاً - يأتيه فلان وفلان وفلان ، كل واحد منهم يريد أن يخيط له ثوباً .
إذاً الفرق بين الخاص والمشترك :
أن ما قدَّر نفعه بالزمن فهو خاص ، وما قدَّر بالعمل فهو مشترك .
فرق آخر : أن الأجير الخاص منفعته مملوكة مدة الأجرة ، والأجير المشترك منفعته غير مملوكة .
هل يمكن أن يجتمعا ، بمعنى أن أستخدم هذا الرجل عندي على عمل معين ، أقول له مثلاً : أنا أريد أن أستأجرك لمدة خمسة أيام تخيط لي كذا وكذا ثوباً ؟
الجواب : لا ؛ لأن الخاص يقضي على العام ، مادمت قد قدَّرت مدته بالزمن فهو خاص ، وإن كنت قد عيَّنت له عملاً معيناً ، وتكون الإجارة فاسدة ، هذا هو المذهب .
والصواب : أنه يجوز الجمع بين مدة العمل والعمل ؛ لأن فيه مصلحة ، ويستعمل هذا بعض الناس في المقاولات فيقول : تنفذ هذا البيت في خلال سنة ، فإن تمت السنة فعليك لكل يوم خصم كذا وكذا ، فالصحيح أنه جائز بشرط أن تكون المدة المقدرة معقولة ، بحيث إن هذا البيت يبنى في هذه المدة ، أما إذا كان يبنى في سنة وقال : في ستة أشهر فإن هذا لا يجوز ؛ لأنه غرر .
وانتبه للفرق بينهما من حيث الحكم ، فقوله " ولا يضمن أجير خاص ما جنت يده خطأ " وذلك لأن الأجير الخاص يعمل كالوكيل عن المستأجر .
مثال ذلك : استأجرت عاملاً عندك شهراً بكذا وكذا ليعمل ، وفي يوم من الأيام أخطأ في العمل وصار في هذا الخطأ ضرر عليك ؟ يقول المؤلف : لا يضمن ، لأنه يشتغل عندك بالوكالة عنك والوكيل لا يضمن ما تلف من فعله بلا تعدًّ ولا تفريط .
مثال آخر : استأجرت خياطاً عندك ، وقلت له : أنا أريد أن أستأجرك لمدة شهر للخياطة ولم تعين له ثوباً معيناً ولا شيئاً ، فأعطيته ثوباً أو أي شيء يخيطه ، وأخطأ في التفصيل ، فلا يضمن ؛ لأنه لم يتعد ، وهو يتصرف بالوكالة عنك ، والوكيل لا يضمن ما لم يتعد أو يفرط .

141- ص ( 85 )
قوله : " ويضمن المشترك " يعني الأجير المشترك وهو الذي قدر نفعه بالعمل ، ويتقبل العمل من كل أحد كالغسال والخياط ونحوهما .
قوله : " ما تلف بفعله " ولو خطأ ...
قوله : " ولا يضمن ما تلف من حرزه أو بغير فعله " ... وذلك لأنه لم يتعد ولم يفرط ، لكن يقول :
" ولا أجرة له " يعني ما تلف بفعله يضمنه ولا أجرة له ، وما تلف بغير فعله أو من حرزه فلا يضمنه ولا أجرة له ...
مسألة : إذا كان القماش من الخياط وتلف عنده ، فليس له شيء لا قيمة ولا أجرة ، فصار الفرق بين الأجير الخاص والمشترك من حيث التعريف ، ومن حيث الضمان ، ومن حيث الأجرة .

142- ص ( 120 )
وقوله : " وتضمن العارية " الضامن هو المستعير .
قوله : "بقيمتها " يعني إن كانت متقوِّمة ، وبمثلها إن كانت مِثْلِيَّة ...
والفرق بين المتقوم وبين المثلي :
أن المثلي ضابطه عند الفقهاء ( كل مكيل أو موزون ليس فيه صناعة مباحة ، يصح السَّلَم فيه ) وهذا الضابط يضيِّق المثليات تضيقاً بالغاً .
فقولهم : ( كل مكيل أو موزون ) يخرج به ما سواهما ، مع أن الحيوان يمكن أن يكون مثلياً والمعدود يمكن أن يكون مثلياً ، والمذروع يمكن أن يكون مثلياً ، وما أشبه ذلك ، لكن هم يخصونه بالمكيل والموزون .
وقولهم : ( ليس فيه صناعة مباحة ) فإن كان فيه صناعة مباحة فإنه يخرج عن كونه مثلياً ، فالبر إذا طُبِخ وكان طعاماً خرج عن كونه مثلياً ، مع أن أصله مكيل ، وكذلك - أيضاً - الأواني ليست مثلية مع أن أصلها موزون .
وأما قولهم : ( مباحة ) فاحترازاً من الصناعة المحرمة ؛ لأن الصناعة المحرمة وجودها كالعدم .
وأما قولهم : ( يصح السلم فيه ) فهذا - أيضاً - شدد التضييق ، فهو احتراز مما كان مكيلاً أو موزوناً ، لكنه يختلف ولا ينضبط بالصفة فإنه لا يكون مثلياً .
والصحيح أن المثلي ما كان له مثيل مطابق أو مقارب تقارباً كثيراً ، ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لزوجته التي كسرت الإناء ، وأفسدت الطعام : (( إناء بإناء ، وطعام بطعام )) ولم يضمنها بالقيمة ، ثم إننا نقول : الصناعة الآن تتقدم ، ومن المعلوم أن الفناجيل - مثلاً - من الزجاج مصنوعة ، وهي مثلية قطعاً ، فمماثلة الفنجال للفنجال أشد من مماثلة صاع البر لصاع البر ، وهذا أمر معلوم والحلي - مثلاً - والأقلام ، والساعات ، كل هذه مثلية ، وهي على حد الفقهاء ليست مثلية .
فالصواب إذاً : أن المثلي ما كان له مماثل أو مقارب مقاربة تامة ، فإذا استعار إناء ثم انكسر الإناء - فعلى ما اخترناه - يُضمن بإناء مثله ، وعلى كلام الفقهاء يضمن بقيمته ، والأقرب إلى العدل أن يُضمن بمثله .

 

143- ص ( 136 )
قوله : " أو اختلفا في رد فقول المالك "
( اختلفا ) يعني المعير والمستعير في رد العارية فالقول قول المالك ، مثاله : أعار إناء لشخص ، ثم جاء يطلبه منه ، فقال المستعير : رددته ، وقال المعير : لم ترده ، فالقول قول المالك ؛ لأن الأصل عدم الرد ، وبناء على القاعدة المعروفة عند الفقهاء : أن من قبض العين لمصلحة نفسه لم يُقبل قوله في الرد ، والمستعيرُ العينُ في يده لمصلحته ، فإذا قال : رددتها عليك ، قلنا : لا نقبل قولك إلا إذا أتيت ببيِّنة بأنك رددتها ، فلو أتى المستعير ببينة أنه رد العارية فإنه يقبل قوله بالبينة ، وكل كلام المؤلف في هذه الخلافات فيما إذا لم يكن هناك بينة ، أما إذا كان هناك بينة فالبينة قاضية على كل شيء .
وهل هذه هي مسألة المخزومية ؟
لا ، المخزومية تجحد ، تقول : ما أعرتني ،وهذا يقول : أعرتني ولكن رددتها عليك ، وبينهما فرق ؛ فإذا ثبت أن هذا لم يردها فأننا لا نقطع يده ، لكن الجحد يقتضي أن لا يُطالَب هذا الذي ادُّعِي عليه العارية إلا إذا ثبت أنه مستعير ، فبينهما فرق واضح .

144- ص ( 198 )
وقوله : " ومن أتلف محترماً " يعم الصغير والكبير ، والحيوان وغير الحيوان ، ويعم - أيضاً - ما كان عن عمد وما كان عن غير عمد ، إلا أن الفرق بين العامد وغير العامد هو أن العامد آثم وغير العامد ليس بآثم ، لكن حق الآدمي لا يسقط ، فيجب عليه ضمانه .

145- ص ( 200 )
قوله : " أو رباطاً " يعني وجد حيواناً مربوطاً – مثلاً – فحل رباطه فذهب ، فعليه الضمان .
قوله : " أو قيداً فذهب ما فيه " القيد لحيوان مقيد ، والفرق بين القيد والرباط ، أن الرباط يثبت في الأرض وتربط به البهيمة ، والقيد تقيد به اليد والرجل أو اليدان والبهيمة تمشي .
وهذا الذي ذكره المؤلف – رحمه الله – أمثلة وصور وليست قواعد ، لكن القاعدة أن كل من أتلف شيئاً فعليه الضمان .

146- ص ( 234 )
وقوله : " بثمنه " الباء حرف جر ، وكل مجرور فلا بد له من متعلق ؛ لأن المجرور معمول لعامل والمعمول لا بد له من عامل ، كما أن المفعول به لا بد له من فعل ينصبه ، فالمجرور - أيضاً - لا بد له من فعل يتعلق به ، ولهذا قال ناظم القواعد :
لا بد للجار من التعلق بفعل أو معناه نحو مرتقي
على كل حال ( الباء ) في قوله : " بثمنه " متعلقها قوله : ( انتزاع ) فهي استحقاق انتزاع بالثمن ، يعني أن الشريك يأخذ الشقص المبيع بالثمن لا بالقيمة .
واعلم أن هناك فرقاً بين القيمة والثمن عند أهل العلم ، فالثمن هو ما وقع عليه العقد ، والقيمة ما يساوي بين الناس ، فمثلاً اشترى رجل بيتاً بعشرة آلاف ، فالثمن عشرة آلاف ، لكن هذا البيت يساوي بين الناس خمسة آلاف ، فالقيمة إذاً خمسة آلاف ، أو يساوي عشرين فالقيمة عشرون ، فالثمن قد يساوي القيمة ، وقد يكون أقل وقد يكون أكثر .

147- ص ( 287 )
قوله : " وإذا تلفت من بين ماله ولم يتعد ولم يفرط لم يضمن "
... والفرق بين التعدي والتفريط من حيث العموم ، أن التعدي فعل ما لا يجوز ، والتفريط ترك ما يجب ، فإذا كان المودَع طعاماً فأكله المودَع عنده ، فهذا تعدٍّ ، وإذا كان طعاماً وأبقاه في ليالي الشتاء في الخارج فتلف ، فهذا تفريط ؛ لأنه ترك ما يجب .

148- ص ( 344 )
قوله : الجعالة " فَعَالة من الجَعْل ، والجَعْل معناه وضع الشيء وفسرها المؤلف بقوله :
" وهي أن يجعل شيئاً معلوماً لمن يعمل له عملاً معلوماً ، أو مجهولاً ، مدة معلومة أو مجهولة " فالجعالة عقد لا يشترط فيه العلم بأحد العوضين ، وهو - أي عقد الجعالة - فيه عوض مدفوع وعوض معمول ، فالعوض المدفوع لا بد فيه من العلم ، والمعمول لا يشترط فيه العلم ، المدفوع يكون من الجاعل ، والمعمول يكون من العامل .
والفرق بين عقد الجعالة والإجارة ، أن الإجارة مع معين بخلاف الجعالة فهو يطلق فيقول : من فعل كذا فله كذا ؛ ولهذا صارت عقداً جائزاً ...

149- ص ( 355 )
قوله : " أو ضالة " وهي الضائع من الحيوان ، والفرق بين اللقطة وبين الضالة ، أن الضالة لها إرادة وتعرف ولكن تضل ، واللقطة ليس لها إرادة .

150- ص ( 380 )
وقوله : " أو عجز ربه عنه " يعني أن الحيوان لم ينقطع ، بل هو نشيط ، لكن عجز عنه ، كبعير تمرد على صاحبه وأبى أن يذهب ، فإنه يملكه آخذه ؛ لأن صاحبه تركه عجزاً عنه .
والقول الثاني في هذه المسألة : أن واجده لا يملكه ، بل يبقى على ملك صاحبه ؛ لأنه لم يتركه ولكن للآخذ أجرة المثل ، وهذا مبني على ما سبق أن من أنقذ مال شخص من هلكة فله أجرة المثل .
والقول الثالث وهو الراجح : أنه يفرق بين من تركه عجزاً ومن تركه لانقطاعه ، فمن تركه لانقطاعه ملكه آخذه ، ومن تركه عجزاً لم يملكه آخذه وله أجرة المثل ؛ لأنه أنقذه من هلكة.

أما المتاع فإنه لمالكه ، فإن تركه في بالفلاة فإن من أحضره إليه ليس له أجرة المثل ، إلا إذا أحضره إليه إنقاذاً له من الضياع فله أجرة المثل ، والفرق بين المتاع والحيوان ، أن الحيان يهلك وهذا لا يهلك .
بقي العبد الآبق إذا عجز عنه سيده فهل يكون للواجد ؟
لا ، ولكن له أجرة المثل ، والفرق بينه وبين الحيوان أن العبد يمكنه أن يخلص نفسه ، فصاحبه إذا تركه لم يتركه يأساً بالكلية ؛ لأنه يستطيع أن يخلص نفسه فليس كالحيوان ،فمن وجده فهو لمالكه ولكن له أجرة المثل .

151- ص ( 390 )
قوله : " وهو مسلم " أي : اللقيط ( مسلم ) ...
وإذا حكمنا بإسلامه ترتب عليه أحكام ، وكان له ما للمسلمين وعليه ما على المسلمين ، فلو مات هذا الطفل قبل أن يبلغ فإننا نغسله ونكفنه ونصلي عليه وندفنه في مقابر المسلمين ، وسيأتي لمن يكون ميراثه ، وإذا مَيَّزَ وأراد أن يكون كافراً اعتبرناه مرتداً ، ومعلوم أن هناك فرقاً بين الكافر المرتد والكافر الأصلي ، فالكافر الأصلي يبقى على دينه ولا نجبره على الإسلام ، أما الكافر المرتد نجبره أن يسلم وإلا قتلناه .
 

[align=center]الفروق في المجلد الحادي عشر [/align]
152- ص ( 20 )
قوله : " وأن يكون على بِرٍّ " هذا هو الشرط الثاني أن يكون على بِرٍّ ، قال الإمام أحمد : لا أعرف الوقف إلا ما أريد به وجه الله ، ولأن عمر - رضي الله عنه - أراد بوقفه التقرب إلى الله .
وهذا الشرط فيه تفصيل ، فإن كان على جهة عامة فإنه يشترط أن يكون على بر ، وإن كان على معين فإنه لا يشترط أن يكون على بِرٍّ ، لكن يشترط ألا يكون على إثم ، والفرق بين هذا وهذا يظهر بالمثال ، فمثال الجهة العامة :
قوله : " كالمساجد " فلو عَمَرَ الإنسان مسجداً وأوقفه ، فهذا على بِرٍّ ، إلا إذا عمر مسجداً على قبر فهنا يحرم ولا يصح ؛ لأن هذا ليس ببر ، بل هو إثم .
أو بنى مسجداً من أجل أن تقام فيه البدع ، فهذا - أيضاً - لا يصح ؛ لأنه ليس على بر فمراده بالمساجد ، أي : التي على بر وتقوى .
فإن كان الوقف على مسجد معيَّن تعين فيه ، ولا يجوز صرفه على غيره ، وإن كان على المساجد عموماً وجب على الناظر أن يبدأ بالأحق فالأحق ، سواء كانت هذه الأحقية عائدة إلى ذات المسجد أو إلى المصلين فيه ...
الخلاصة : أنه إذا كان الوقف على جهة فلا بد أن يكون على بر ، وإذا كان على معين فلا يشترط أن يكون على بر ؛ لأنه قد يقصد منفعة هذا المعين بعينه ، لا التقرب إلى الله عزَّ وجلَّ لكن يشترط ألا يكون فيه إثم ، فإذا كان على إثم فلا يصح ، ولنضرب لهذا أمثلة :
وقف على المساكين يصح ؛ لأنه بر .
وقف على الأغنياء لا يصح ؛ لأن هذه جهة ، والجهة لا بد أن يكون الوقف فيها على بر والأغنياء ليسوا أهلاً للصدقة .
وقف على ضارب الدفوف ، فيه تفصيل : إذا كان على ضاربات الدفوف في العرس ، فهذا يجوز ؛ لأنه قربة ، ويسن إعلان النكاح والدف فيه للنساء .
وإذا كان على لاعبي الكرة ، فهذا لا يصح ، لأن هذه جهة ، ولا بد أن تكون على بر ، وهذا ليس ببر .
ولو وقف على فلان اليهودي فهذا يصح ؛ لأنه على معين .
ولو وقف على نصراني معين ، فهذا يصح ، لأن هذا مما لم ننه عن بره ، والوقف بر وليس فيه نهي ، فالواقف لم يرتكب ما نهى الله عنه ، ولم يصدق عليه أنه عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ؛ لأن الله قد أذن في ذلك .
ولو وقف على داعية للنصرانية ؛ فهذا لا يصح ؛ لأن هذا معناه تشجيع هذا الرجل على باطله ومن باب أولى أن يوقف على الكنائس والصوامع والبيع ، وما أشبه ذلك .

153- ص ( 25 )
قوله : " وكذا الوصية " يعني أن الوصية لا تصح على جهة عامة إلا أن تكون على بر ، أما إذا كانت على جهة معينة كشخص معين ، فلا بأس ألا تكون على بر ، لكن لا يجوز أن تكون على إثم .
والفرق بين الوصية والوقف :
أولاً : أن الوقف عقد ناجز ، فإذا قال الرجل : وقفت بيتي ، أو وقفت سيارتي ، أو وقفت كتبي فيكون وقفاً في الحال .
والوصية تكون بعد الموت ، فيقول مثلاً : أوصيت بداري للفقراء .
ثانياً : أن الوقف ينفذ من جميع المال ، فلو وقف جميع ماله نفذ ، إلا أن يكون في مرض موته المخوف .
والوصية لا تكون إلا من الثلث فأقل ، ولغير وارث ، وما زاد على ذلك ، أو كان لوارث فلا بد من موافقة الورثة على هذه الوصية .
فلو قال : أوصيت ببيتي لفلان ، ثم توفي ، وحصرنا تركته بعد موته فوجدنا أن هذا البيت أكثر من الثلث ، فالذي ينفذ من البيت ما يقابل الثلث فقط ، فإذا كان هذا البيت النصف فإنه ينفذ منه ثلثاه ؛ لأن ثلثي النصف بالنسبة للكل ثلث .
لكن لو أجاز الورثة وقالوا : ليس عندنا مانع ، فإن ذلك لا بأس به ، وهذه هي قاعدة المذهب وسيأتي - إن شاء الله - الكلام عليها ، وتحريرها .

154- ص ( 37 )
قوله : " وتقديم " ، يعني إذا شرط تقديم من يتصف بوصف معين ، مثل أن يقول : هذا وقف على أولادي ، ويقدم طالب العلم .
ومعنى كونه يقدم : أنه يعطى كفايته من الوقف ، والباقي للآخرين ، ففي التقديم لا يُحرَم المؤخر لأن هذا ليس ترتيباً بل هو تقديم وتأخير ، فيستحقه الجميع ، لكن يقدم من قدمه الواقف ...
قوله : " وترتيب " الترتيب أن يأتي بما يدل على الترتيب ، مثل أن يقول : هذا وقف على أولادي ثم أولادهم ، أو وقف على أولادي بطناً بعد بطن ، أو وقف على أولادي فإذا عدم البطن الأول فللثاني ، فهذا نسميه ترتيباً ، ولا يختص بـ ( ثم ) ، فكل ما دل على الترتيب نعمل به .
لكن إذا قال قائل : ما الفرق بين الترتيب والتقديم ؟
فالجواب : أنه في الترتيب لا يستحق البطن الثاني شيئاً مع البطن الأول ، وفي التقديم يستحق البطن الثاني مع الأول ما فضل عن الأول ، فالبطن الأول والثاني كلاهما مستحق لكن يقدم البطن الأول ، فيمكن أن يشترك البطن الأول والثاني في مسألة التقديم ، مثل أن يقول : هذا وقف على أولادي يُقدم الأحوج ، فإذا أعطينا الأحوج ما يكفيه - لأن الريع كثير - وبقي بقية أعطينا البطن الثاني ما يحتاجه منها ، لكن لو قال : وقف على أولادي ، ثم أولادهم وكان الريع كثيراً وأعطينا الأولاد حاجتهم وزاد أضعافاً ، فهل نعطي البطن الثاني شيئاً ؟ لا ، لأنه قال : ( ثم ) وما بعد ( ثم ) لا يشارك ما قبلها لوجود الترتيب ، ولو قال : بطناً بعد بطن ، فكذلك هو ترتيب .
 
155- ص ( 65 )
قوله : " الهبة والعطية " ، الهبة مصدر وَهَبَ يَهَبُ هِبَةً ، وأصلها وِهْبَةٌ من وهب الشيء إذا أعطاه مثل وعد يَعِدُ عِدة واصلها وِعدة .
واعلم أن خروج المال بالتبرع يكون هبة ، ويكون هدية ، ويكون صدقة ، فما قصد به ثواب الآخرة بذاته فهو صدقة ، وما قصد به التودد والتأليف فهو هدية ، وما قصد به نفع المعطَى فهو هبة ، فهذا هو الفرق بينها ، والتودد والتأليف من الأمور المقصودة شرعاً ويقصد بها ثواب الآخرة ، لكن ثواب الآخرة لم يقصد فيها قصداً أولياً ، ولهذا يخصها بشخص معين ، أما الصدقة فلا يخصها بشخص معين ، بل أي فقير يواجهه يعطيه ، وكلها تتفق في أنها تبرع محض لا يطلب الباذل عليها شيئاً .

156- ص ( 70 )
قوله : " وتلزم بالقبض بإذن واهب " إذا تمت الهبة بالإيجاب والقبول فليس فيها خيار مجلس لكن فيها خيار مطلقاً حتى تقبض ؛ لأنها لا تلزم إلا بالقبض ، فلو قال : وهبتك كتابي الفلاني فقال : قبلت ، ولم يسلمه له ، ثم رجع ، فرجوعه جائز ؛ لأن الهبة لا تلزم إلا بالقبض ، فإذا قبضها فليس فيها خيار مجلس ؛ لأن هذا عقد تبرع ، والذي فيه خيار المجلس هو عقد المعاوضة .
والفرق بينهما ظاهر ، ففي عقد المعاوضة أعطى الشارع المتعاقدين مهلة ما داما في المجلس ؛ لأن الإنسان قد يرغب في السلعة ، وإذا بيعت عليه نزلت من عينه ، وهذا شيء مشاهد ، فجعل له النبي صلى الله عليه وسلم الخيار إذا أحب أن يردها .
لكن الهبة ليس فيها معاوضة ، فهو أعطيها مجاناً ، حتى لو كان في الأول يحبها ثم أعطيها ونزلت من عينه ، فهذا لا يضر شيء ...

157- ص ( 73 )
قوله : " ووارث الواهب يقوم مقامه " يعني في الإقباض وعدمه ، فإذا مات الواهب بعد الإيجاب والقبول قبل أن يسلمها ، فلورثته الحق في أن يمنعوا التسليم ولهم أن ينفذوها ويسلموها .
وعلم من قوله " ووارث الواهب " أن وارث المتَّهب لا يقوم مقامه ، وعلى هذا فلو وهب شيئاً لشخص ثم مات الموهوب له قبل القبض ، بطلت الهبة ؛ لأنه تعذر قبضه بعد أن مات .
فإن قال قائل : ما الفرق بين هذا وهذا ؟
نقول : لأنه في مسألة الواهب عقد يؤول إلى اللزوم فلم ينفسخ بالموت ، أما المتهب إذا مات ولم يقبض شيئاً فليس هنا شيء حتى يرجع إلى ورثته ، ولذلك فرَّقوا - رحمهم الله - بين موت الواهب فقالوا : لا تبطل الهبة به ويقوم وارثه مقامه ، وبين موت المتهب فقالوا : إن الهبة تبطل لتعذر القبض حينئذٍ .

158- ص ( 86 )
قوله : " فإن مات قبله " أي قبل التسوية .
قوله : " ثبتت " أي ثبتت العطية ، يعني إذا مات الأب الذي فضل بعض الأولاد قبل أن يسوي ثبتت العطية ، فإذا أعطى أحدهم - مثلاً - عشرة آلاف ريال تبرعاً لا نفقة ثم مات ، فهذا العطاء يعتبر ملكاً للآخذ ويثبت ؛ لأنه لم يتمكن من الرجوع أو تمكن ولكنه فرط ، فالمطالب بالرجوع هو الأب وقد مات ، فسقط عنه التكليف بموته ، والابن الذي فُضِّل مَلَكه ملكاً تاماً هذا المذهب وهو قول ضعيف ؛ لأنه لا يجوز أن نمكن هذا الابن من أَخْذِ مالٍ لا يجوز له أخذه .
والصواب : أنه إذا مات وجب على المفضَّل أن يرد ما فضِّل به في التركة ، فإن لم يفعل خصم من نصيبه إن كان له نصيب ؛ لأنه لما وجب على الأب الذي مات أن يسوي ، فمات قبل أن يفعل صار كالمدين ، والدين يجب أن يؤدى ، وعلى هذا نقول للمفضَّل : إن كنت تريد بر والدك فرد ما أعطاك في التركة .
ولكن هل للورثة الرجوع ، أو الهبة لم تصح من الأصل ؟
فيها قولان : قيل : إن العطية لم تصح من الأصل .
وقيل : إنها صحت ، لكن إذا مات وهو لم يسوِ فللورثة الرجوع ، ويجب على المفضل أن يردها في التركة .
والفرق بين القولين : أننا إذا قلنا : إنها لم تصح من الأصل ، فإن ما حصل من نماء بين العطية والموت يكون للورثة ؛ لأن العطية لم تصح أصلاً ، وإذا قلنا بالصحة ولكن لهم الرجوع ، فما حصل من نماء منفصل فهو للموهوب له .
لكن على كل حال القول بأنها تثبت قول ضعيف ، والصواب أنه يجب على المفَضَّل أن يرد الزيادة في التركة ، أو تخصم من نصيبه .

159- ص ( 92 )
وقوله : " وله أن يأخذ ويتملك " الفرق بينهما : يأخذ على سبيل الاستعمال ، ويتملك على سبيل الضم إلى ملكه ، فله أن يأخذ سيارة الابن يسافر بها إلى مكة ، إلى الرياض ، إلى المدينة إلى أي بلد وإن لم يتملكها ، وله أن يتملك وإن لم يأخذ ، فيأتي إلى كاتب العدل ، مثلاً ، ويقول : إني تملكت سيارة ابني فلان ويكتب كاتب العدل ، لكن بشروط ستذكر .
 

160- ص ( 124- 133)
قوله : " ويسوِّي بين المتقدم والمتأخر في الوصية ، ويبدأ بالأول فالأول في العطية " بدأ المؤلف ببيان الفروق بين العطية والوصية وهما تتفقان في أكثر الأحكام ، ويجب أن نعلم الفرق بين العطية والوصية قبل كل شيء ، فالوصية إيصاء بالمال بعد الموت ، بأن يقول : إذا مِت فأعطوا فلاناً كذا والعطية تبرع بالمال في مرض الموت .
فتشتركان في أنه لا يجوز أن يوصي لوارث ، ولا لغير وارث بما فوق الثلث ، ولا يجوز أن يعطي وارثاً ولا غير وارث ما فوق الثلث .
وتشتركان أيضاً في أنهما أدنى أجراً وثواباً من العطية في الصحة ؛ لأن المراتب ثلاث :
الأولى : عطية في الصحة .
الثانية : عطية في مرض الموت .
الثالثة : وصية .
أفضلها العطية في الصحة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « أفضل الصدقة أن تصدق وأنت صحيح شحيح تأمل البقاء وتخشى الفقر ، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت : لفلان كذا ولفلان كذا ، وقد كان لفلان » .
يلي ذلك العطية في مرض الموت ، ويلي ذلك الوصية ، فالوصية متأخرة .
فإذا قال قائل : لماذا تجعلون العطية وهي في مرض الموت أفضل من الوصية ؟
فالجواب : أن المُعْطِي يأمل أن يشفى من هذا المرض ، والوصية لا تكون إلا بعد الموت .
أما المرض غير المخوف فهذا حكمه حكم الصحة ؛ لأن الرجل لا يتوقع الهلاك .
وقوله : " ويسوي بين المتقدم ولمتأخر في الوصية ، ويُبْدَأُ بالأول فالأول في العطية " ، هذا هو الفرق الأول بينهما ، يعني إذا تزاحمت الوصايا والعطايا وضاق الثلث عنها ، فإنه في العطية يبدأ بالأول فالأول ، وفي الوصية يتساوى الجميع ، أما إذا لم تتزاحم وكان الثلث متسعاً فإنه يعطى الجميع ، سواء في الوصية أو العطية .
مثال ذلك : رجل أعطى شخصاً ألف ريال ، وأعطى آخر ألفي ريال ، وأعطى ثالثاً ثلاثة آلاف ريال ، فيكون المجموع ستة آلاف ريال ، ثم توفي ووجدنا تركته تسعة آلاف ريال ، ومن المعلوم أن هذه العطايا زادت على الثلث ، فماذا نصنع ؟
نقول : نعطي الأول فالأول ، فنعطي الأول ألف ريال ، والثاني ألفي ريال ، والثالث لا شيء له لأن التركة تسعة آلاف ثلثها ثلاثة ، والثلاثة استوعبتها عطية الأول والثاني ، فلا يكون للثالث شيء .
ووجه ذلك أن العطية تلزم بالقبض ويملكها المعطَى بالقبض ، فإذ ا أعطينا الأول ألفاً وأعطينا الثاني ألفين استقر ملكهما على ما أُعطياه ، ويأتي الثالث زائداً على الثلث فلا يعطى .
ومثال الوصية : رجل أوصى لشخص بألف ريال ، ولآخر بألفي ريال ، ولثالث بثلاثة آلاف ريال ، ثم مات ووجدنا تركته تسعة آلاف ريال ، فهنا الوصايا زادت على الثلث ، فالثلث ثلاثة والوصايا تبلغ ستة آلاف ريال ، إذاً لا بد أن نرد الوصايا إلى الثلث وندخل النقص على الجميع لكن لا نقدم الأول على الثاني كما فعلنا في العطية ، بل نسوي ونقول : لهم ستة آلاف ولا يستحقون إلا ثلاثة ، فننسب الثلاثة إلى الستة فتكون نصفها ، فيعطى كل واحد نصف ما أوصي له به ؛ لأن نسبة الثلث إلى مجموع الوصايا النصف ، فنعطي صاحب الألف خمسمائة وصاحب الألفين ألفاً ، وصاحب الثلاثة ألفاًُ وخمسمائة ، فالجميع ثلاثة آلاف ، وهي الثلث .
ووجه ذلك أن هؤلاء الموصى لهم إنما يملكون الوصية بعد موت الموصي ، وموت الموصي يقع مرة واحدة ، ليس فيه تقديم وتأخير ، فهم ملكوا المال الموصى لهم به في آن واحد وهو وقت موت الموصي .
ولو قال قائل : لماذا لا تقولون : إن الوصية الثانية تنسخ الأولى ، والثالثة تنسخ الثانية ، وحينئذ يُحْرَم الأول والثاني من الوصية ، ويعطى الثالث ما أوصي له به ، وهو ثلاثة آلاف ؟
نقول : هذا لا يصح ؛ لأن الجميع تزاحموا في الاستحقاق فلا نقدم بعضهم على بعض ، نعم إن قال الموصي : ووصيتي الثالثة ناسخة لما سبق من الوصايا ، فحينئذٍ يعمل بها ؛ لأن للموصي أن يرجع في وصيته .
ولهذا تقع مشكلة الآن في وصايا الناس ، تجد الرجل يوصي بوصية وتكون عنده في الدفتر وينساها ، ثم يوصي وصية أخرى لو جمعت إلى الأولى لضاق الثلث ، وإن عمل بإحداهما نفذت كذلك - أيضاً - تختلف الشروط التي اشترط فيها ، مثلاً يقول : هذه على الفقراء ، وهذه على طلبة العلم ، وهذه على المساجد ، وهذه لإصلاح الطرق ، فيشكل على الورثة .
ومن ثَمَّ نقول : ينبغي لطلاب العلم أن يرشدوا الناس إلى أنهم إذا أراد أحدهم أن يوصي وصية يقول : وهذه الوصية ناسخة لما سبقها ، فيؤخذ بقوله هذا ؛ لأن الرجوع في الوصية جائز فكلما كتب الإنسان وصية ينبغي أن ينتبه لهذا ؛ حتى لا يوقع الموصى لهم والورثة في حيرة فيما بعد ، فيستريح ويريح .
قوله : " ولا يملك الرجوع فيها " أي : لا يملك الرجوع في العطية ؛ لأنها لزمت ؛ لأن العطية نوع من الهبة ، فلو أعطى رجلاً ألف ريال وقبضها ، صار ملك الألف للمعْطَى ، ولا يمكن أن يرجع ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ليس لنا مثل السوء ، العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه » .
والوصية يملك الموصي الرجوع فيها ، فلو أوصى ببيته لفلان ، وقال : هذا البيت بعد موتي يُعْطَى فلاناً ملكاً له ، ثم رجع فإنه يجوز ؛ لأن الوصية لا تلزم إلا بعد الموت فله أن يرجع .
هذا هو الفرق الثاني : أن العطية اللازمة - وهي المقبوضة - لا يملك الرجوع فيها ، والوصية ولو قبضها الموصى له فإن الموصي يملك الرجوع فيها ؛ لأنها لا تلزم إلا بعد موته .
الفرق الثالث :
قوله : " ويعتبر القبول لها " أي : للعطية .
قوله : " عند وجودها " لأنها هبة ، فيعتبر أن يقبل المعطى العطية عند وجودها قبل موت المعطي فإذا أعطاه العطية فإنه يقبل في الحال ، والوصية لا يصح قبولها إلا بعد الموت ، حتى لو قال الموصي : إني أوصيت لك بهذا البيت بعد موتي ملكاً لك ، فقال الموصى له : قبلت وشكر الله سعيك وجزاك الله خيراً ، وذهب إلى كاتب العدل وقال : إني أوصيت ببيتي لفلان بعد موتي ، فله أن يرجع ؛ لأنها وصية .
الفرق الرابع : أنه لا يثبت الملك للموصَى له من حين تم عقد الوصية ، بل الملك للموصي بخلاف العطية فإنه يثبت الملك فيها حين وجودها وقبولها ؛ ولهذا قال :
" ويثبت الملك إذاً " أي عند وجودها وقبولها ، ويتفرع على هذا أنه لو زادت العطية زيادة متصلة ، أو منفصلة فهي للمُعْطى ، بخلاف الوصية ، فالنماء للورثة ؛ لأن الملك في الوصية لا يثبت إلا بعد الموت ، ولهذا قال : " والوصية بخلاف ذلك " .
هذه أربعة فروق ذكرها المؤلف ، وهناك فروق أخرى كنت قد كتبتها زيادة على ما ذكر فمنها :
الفرق الخامس : اشتراط التنجيز في العطية ، وهذا ربما يؤخذ من قوله : " ويعتبر القبول لها عند وجودها " ، وأما الوصية فلا تصح منجزة ؛ لأنها لا تكون إلا بعد الموت ، فهي مؤجلة على كل حال .
الفرق السادس : الوصية تصح من المحجور عليه ، ولا تصح العطية .
مثلاً : رجل عليه ديون أكثر من ماله ، مثلاً عليه عشرة آلاف ريال ، وماله ثمانية آلاف ريال وحجر عليه ، فلا يمكن لأن يعطي أحداً من هذه الثمانية ، لأنه محجور عليه ، فهذه العطية تبرع يتضمن إسقاط واجب ، والتبرع الذي يتضمن إسقاط واجب غير صحيح ، لكن لو أوصى بعد موته بألفي ريال فإنه يجوز ، والفرق أن الوصية لا تنفذ إلا بعد قضاء الدين ، وليس على أهل الدَّين ضرر إذا أوصى بشيء من ماله ؛ لأنه إذا مات الميت ، نبدأ أولاً بتجهيزه ثم بالديون التي عليه ثم بعد ذلك بالوصية .
إذاً الوصية تصح من المحجور عليه والعطية لا تصح ، والفرق أن العطية فيها إضرار بالغرماء والوصية ليس فيها إضرار ؛ لأنها لن تنفذ إلا بعد قضاء الدين .
وهل تصح من المحجور عليه لسفه ؟
المحجور عليه لسفه إما أن يكون صغيراً ، وإما أن يكون مجنوناً ، وإما أن يكون بالغاً عاقلاً لكنه سفيه لا يحسن التصرف ، أما الأول والثاني فلا تصح وصيتهما ولا عطيتهما ؛ لأنهما لا قصد لهما ولا يعرفان الوصية والعطية .
وأما الثالث ففيه قولان : قال بعض أهل العلم : تصح وصيته ؛ لأنه إنما حجر عليه لمصلحة نفسه وبعد موته لا يضره ما ذهب من ماله إلى ثواب الآخرة مثلاً ، لكن في النفس من هذا شيء ؛ لأن السفيه لا يحسن التصرف ، فأنا أتوقف في هذا .
الفرق السابع : الوصية تصح بالمعجوز عنه ، والعطية لا تصح ، فلو أعطى شيئاً معجوزاً عنه كجمل شارد وعبد آبق وما أشبه ذلك ، فإنها لا تصح العطية على المشهور من المذهب ، والقول الراجح أنها تصح ؛ لأن المعطَى إما أن يغنم وإما أن يسلم وليس فيه مراهنة ، لكن على المذهب لا تصح العطية بالمعجوز عنه ، وتصح الوصية ، والفرق أن الوصية لا يشترط تملكها في الحال فربما يقدر عليها فيما بين الوصية والموت .
والصحيح في هذا أن كلتيهما تصح بالمعجوز عنه .
الفرق الثامن : الوصية لها شيء معين ينبغي أن يُوصى فيه والعطية لا ، والشيء المعين الذي ينبغي أن يوصي فيه هو الخُمس ، فالإنسان إذا أراد أن يوصي بتبرع فليوصِ بالخمس ، فلدينا خمس وربع وثلث ونصف وأجزاء أخرى .
فالوصية بالنصف حرام ، والوصية بالثلث جائزة ، والوصية بالربع جائزة ولكنها أحسن من الثلث ، والوصية بالخمس أفضل منهما ، أي من الثلث والربع ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم حين استأذنه سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - في أن يوصي بأكثر من الثلث قال : « الثلث والثلث كثير » وقول نبينا صلى الله عليه وسلم « الثلث كثير » يوحي بأن الأولى النقص عنه .
وابن عباس - رضي الله عنهما - مع ما أعطاه الله - تعالى - من الفهم يقول : ( لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « الثلث والثلث كثير » ) ، يعني لكان أحسن .
أما أبو بكر - رضي الله عنه - فقد سلك مسلكاً آخر واستنبط استنباطاً آخر ، وفهم فهماً عميقاً ، فأوصى بالخمس ، وقال : أوصي بما رضيه الله لنفسه ، ثم تلا : { وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ } الآية [ سورة الأنفال : 41 ] ، ولذلك اعتمد الفقهاء - رحمهم الله - أن الجزء الذي ينبغي أن يوصى به هو الخمس .
وهذه - أيضاً - مسألة أحب من طلبة العلم أن ينبهوا الناس عليها ، فالآن الوصايا كلها - إلا ما شاء الله - بالثلث ، يقول الموصي : أوصيت بثلثي - سبحان الله !! - الرسول صلى الله عليه وسلم ماكسه سعد - رضي الله عنه - من الثلثين إلى النصف إلى الثلث فقال : (( الثلث كثير )) فلماذا لا نرشد العامة - لا سيما إذا كان ورثتهم فقراء - أن يوصوا بالربع فأقل ؟ لكن هذا قليل مع الأسف ، والكتَّاب يُرضون من حضر إليهم للوصية ، يقول الكاتب : بكم تريد أن توصي ؟ فيقول : بالثلث ، فلا يقول الكاتب له : بل بالربع أو بالخمس ، وهذا غلط .
وأنا أرى أنه إذا طُلِب من إنسان أن يكتب وصية بالثلث ، أن يقول : يا أخي تريد الأفضل ؟ فإذا قال : نعم ، يقول له : الأفضل الخمس ، فإذا قال : أنا أريد أكثر فإننا ننقله إلى الربع ونقول : هذا هو الأفضل ، وأنت لو أردت التقرب إلى الله حقاً لتصدقت وأنت صحيح شحيح تأمل البقاء وتخشى الفقر ، أما الآن إذا فارقت المال تذهب تحرمه ممن جعله الله له ! فهذا لا ينبغي .
على كل حال الوصية لها جزء معين ينبغي أن تكون به والعطية لا ، فلا نقول : يسن أن يعطي الخمس أو الربع .
الفرق التاسع : يقول الفقهاء : الوصية تصح للحمل ، والعطية لا تصح ؛ ووجه ذلك أن الحمل لا يملك ، فإذا أعطيته لم يملك ، ولا يصح أن يتملك له والداه ؛ لأن الحمل ليس أهلاً للتملك والعطية لا بد أن يكون التملك فيها ناجزاً .
الفرق العاشر : أن العبد المدبَّر يصح أن يوصَى له ، ولا تصح له العطية ، مثلاً : رجل عنده عبد مدبَّر - وهو الذي علق عتقه بموت سيده - فقال له : إذا مت فأنت حر ، فهذا مدبَّر ؛ لأن عتقه يكون دبر حياة سيده ، فيصح أن يوصي لعبده المدبر ؛ لأن الوصية تصادف العبد وقد عتق ، إذا عتق صح أن يتملك ، ولا يصح أن يعطي عبده بناءً على أن العبد لا يملك بالتمليك ، والعطية لا بد أن يتملكها في حينها .
الفرق الحادي عشر : العطية خاصة بالمال ، والوصية تكون بالمال والحقوق ، ولذلك يصح أن يوصي شخصاً ليكون ناظراً على وقفه ، ويصح على قول ٍ ضعيف أن يوصي شخصاً بتزويج بناته ولكن العطية خاصة بالمال .
وليعلم أن من أسباب تحصيل العلم أن يعرف الإنسان الفروق بين المسائل المشتبهة ، وقد ألف بعض العلماء في هذا كتباً ، كالفروق بين البيع والإجارة ، وبين الإجارة والجعالة ، بين العطية والوصية ، وكل المسائل المشتبهة ، فمن أسباب اتساع نظر الإنسان وتعمقه في العلم أن يحرص على تتبع الفروق ويقيدها .
هذا ما تيسر لنا ، وقد يكون عند التأمل فروق أخرى .
وقد ذكرنا أنه يصح على قول أن يوصي الإنسان بتزويج بناته وهذا هو المذهب ، والصحيح أنه لا تصح وصيته بتزويج بناته ؛ لأنه ولي على بناته ما دام حياً ، وترتيب الولاية ليست إلى الولي بل هي إلى ولي الولي وهو الله - عزَّ وجلَّ - وعلى هذا فإذا مات الإنسان انقطعت ولايته في تزويج بناته ، كما تنقطع ولاية بقية الأولياء .
فلو قال شخص عند موته : أوصيت إلى فلان أن يتولى تزويج بناتي ثم مات ولهن عم ، فالقول الراجح أن يزوجهن العم ، والقول الثاني : يزوجهن الوصي .


 
[align=center]مواضع الفروق في المجلد الثالث عشر : [/align]
[align=right]ص(7و15)و14و32و36و73و77و79و84و86و88و122و124و130و187و209و233و262و269و315و347و380و382و389و391و435و437و465و479و484و498و521.[/align]
 
[align=center]مواضع الفروق في المجلد الرابع عشر :[/align]
18و22و28و53و93و124و126و139و150و154و159و172و232و256و266و280و284و291و297و329و331و351و401و404و421و445.
 
مواضع الفروق في المجلد الخامس عشر «الأخير»

40و44و59و135و141و220و228و236و238و246و258و264و285و304و332و338و391و432و494و524 .
 
جزاك الله خيرا وبارك في علمك على هذه الهدية الثمينة

وليت الباقي يكتمل على ملف وورد
 
عودة
أعلى