الفرق بين لفظ نزل وأنزل في القرآن الكريم

محمد شاهر

New member
إنضم
15 فبراير 2011
المشاركات
21
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
الفرق بين لفظ نزل وأنزل في القرآن الكريم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد النبيين والمرسلين وبعد:
القرآن الكريم كلام الله تعالى المعجز وما من كلمة فيه إلا ولها دلالتها ومعناها المختلف عن مشابهاتها من الألفاظ ومن هنا أنكر بعض العلماء الترادف في ألفاظ القرآن لأن الله تعالى لم يضع لفظا في كتاب هكذا بدون سبب وإنما كل لفظ له دلالته ومعناه واختيار مناسب في المكان المناسب.
وهنا سأذكر الفرق بين لفظين من كتاب الله ذُكرا في مواضع متفرقة ولكن في سياق واحد وقد يظن القارئ أنها بمعنى واحد وهما (أنزل) و (نزًّل).
بداية لا بد أن تعود الألفاظ إلى دلالاتها اللغوية فلفظ (أنزل يعود إلى صيغة أفعل) و(نزًّل تعود إلى صيغة فعًّل) ويُلحظ هنا أن في صيغة أفعل زيادة على صيغة نزّل والزيادة في المبنى زيادة في المعنى كما قرر ذلك علماء اللغة والبلاغة فكلا اللفظين يدل على معنى النزول ولكن لكل دلالته في المعنى وسأذكر في الباية المعنى اللغوي لـ (نزل) وفيها معاني متعددة :
انحطاط من علو. يقال: نزل عن دابته: قال تعالى:"إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ" {سورة لقمان 34}
الخلق: قال تعالى: "خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ" {سورةالزمر 6}
القول: قال تعالى: " وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ" {سورة الأنعام 93}
البسط: قال تعالى: " وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ" {سورة الشورى 27}
وقد وردت كلا الصيغتين في القرآن في مواضع متعددة أذكر بعضها كلا على حدة:
ما ورد في القرآن بصيغة (أنزل):
قال الله سبحانه وتعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) {البقرة : 185}
(قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) {البقرة : 136}
وقال سبحانه: (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) {المائدة 44}
وقال الله تبارك تعالى: (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) {المائدة 47}
وبين في آية أخرى أنه أنزله في ليلة مباركة من ليالي رمضان فقال: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ) {الدخان 3}، وبين في سورة القدر أنها ليلة القدر فقال عز شانه: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) {القدر1}
وأما ما جاء بصيغة (نزًّل):
قال الله تعالى: (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ) {آل عمران 3}
وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا) {النساء 136}
وقال تعالى: (إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) {الأعراف 176}
وقال تعالى: (وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6) لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (7) مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ (8) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) {الحجر 1-6}
وقال تعالى: (بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) {النحل 44}
وقال تعالى: (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (105) وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلا ً) {الإسراء 105- 106}
وقال سبحانه: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا) {الفرقان 32}
وقال سبحانه: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) {الزمر23}
وقال سبحانه: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ) {محمد 2}
وقال سبحانه: (قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ) {الملك 9}
وبعد ذكر جمع من الآيات القرآنية التي وردت فيها صيغتي (أنزل) و (نزَّل) نشرع في ذكر الفرق بينهما في الدلالة والمعنى.
المتأمل في الآيات التي جاءت فيها صيغة (أنزل) يجد أنها جاءت بذكر النزول المطلق للقرآن وبنفس الصيغة جاءت الآيات التي تذكر نزول الكتب السماوية الأخرى كالزبور وصحف إبراهيم والتوراة والإنجيل ومعلوم أن هذه الكتب لما نزلت نزلت كاملة غير منجمة وأن القرآن نزل في ليلة القدر جملة واحدة كما هو واضح في الآيات وكما ورد في السنة الصحيحة، ويكون هنا المعنى فيها أن أنزل تكون لدلالة نزول القرآن جملة واحدة إلى السماء الأولى.
وأما صيغة (نزَّل) جاءت في نزوله بين الناس وكلام المشركين عنه وتكذيبهم له ومعلوم أن القرآن لم يكن بينهم كاملا وإنما كان ينزل منجما حسب الوقائع والأحداث ولعل قوله تعالى: (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ) {آل عمران 3} من أبرز الأدلة التي تعطي هذا المعنى حيث لما ذكر القرآن قال (نزَّل) ولما ذكر التوراة والإنجيل قال (أنزل) حيث أن القرآن نزل في الدعوة منجما وأما التوراة والإنجيل جملة واحدة وقوله تعالى: (ونزلناه تنزيلا) يؤيد هذا المعنى.
قال الراغب الأصفهاني –رحمه الله-: "وإنما خص لفظ الإنزال دون التنزيل، لما روي: (أن القرآن نزل دفعة واحدة إلى سماء الدنيا، ثم نزل نجم فنجما) (أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله تعالى: "إنا أنزلناه في ليلة مباركة" قال: أنزل القرآن في ليلة القدر، ثم نزل به جبريل على رسول الله نجوما بجواب كلام الناس"
وقال القرطبي –رحمه الله-: "والقرآن نزل نجوما: شيئا بعد شئ، فلذلك قال " نزل " والتنزيل مرة بعد مرة.
والتوراة والانجيل نزلا دفعة واحدة فلذلك قال " أنزل."
ومما يدل على هذا التفريق إنكار المشركين نزل القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم مفرقا وطلبوا لماذا لم ينزل جملة واحد كما أنزلت التوراة والإنجيل (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا) {الفرقان 32}
قال ابن كثير –رحمه الله- في تفسيرها: "يقول تعالى مخبرا عن كثرة اعتراض الكفار وتعنتهم وكلامهم فيما لا يعنيهم حيث قالوا (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ).أي هلا أنزل عليه هذا الكتاب الذي أوحى إليه جملة واحدة كما نزلت الكتب قبله جملة واحدة كالتوراة والإنجيل والزبور وغيرها من الكتب الإلهية فأجابهم الله تعالى عن ذلك بأنه إنما نزل منجما في ثلاث وعشرين سنة بحسب الوقائع والحوادث وما يحتاج إليه من الأحكام ليثبت قلوب المؤمنين به"
وقال السعدي –رحمه الله-: "هذا من جملة مقترحات الكفار الذي توحيه إليهم أنفسهم فقالوا: { لَوْلا نزلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً } أي: كما أنزلت الكتب قبله، وأي محذور من نزوله على هذا الوجه؟ بل نزوله على هذا الوجه أكمل وأحسن، ولهذا قال: { كَذَلِكَ } أنزلناه متفرقا { لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ } لأنه كلما نزل عليه شيء من القرآن ازداد طمأنينة وثباتا وخصوصا عند ورود أسباب القلق فإن نزول القرآن عند حدوث السبب يكون له موقع عظيم وتثبيت كثير أبلغ مما لو كان نازلا قبل ذلك ثم تذكره عند حلول سببه.
{ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا } أي: مهلناه ودرجناك فيه تدريجا. وهذا كله يدل على اعتناء الله بكتابه القرآن وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم حيث جعل إنزال كتابه جاريا على أحوال الرسول ومصالحه الدينية."
ومما يدل على هذا المعنى من الروايات ما صح عن ابن عباس ساله عطية بن الأسود : انه وقع في قلبي الشك قوله شهر رمضان الذي انزل فيه القران وقوله انا انزلناه في ليلة القدر وقال إنا أنزلناه في ليلة مباركة وقد انزل لشوال وذي القعدة وذي الحجة والمحرم وشهر ربيع ، فقال ابن عباس : إنما نزل في رمضان وفي ليلة القدر وفي ليلة مباركة جملة واحدة ثم أنزل على مواقع النجوم من الشهور والايام"
ومما يؤيد هذا الفهم ما قاله الآلوسي –رحمه الله- : ( وقوله تعالى (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ )، وذكر بعض المحققين لهذا المقام أن التدريج ليس هو التكثير بل الفعل شيئا فشيئا كما في تسلسل والألفاظ لابد فيها من ذلك فصيغة ( نَزَّلَ ) تدل عليه والإنزال مطلق لكنه إذا قامت القرينة يراد بالتدريج التنجيم وبالإنزال الذي قد قوبل به خلافه أو المطلق بحسب ما يقتضيه المقام )
وقَالَ الرَّاغِب : (الفرق بين الإنزال والتنزيل في وصف القرآن والملائكة أن التنزيل يختص بالموضع الذي يشير إليه إنزاله مفرقا، ومرة بعد أخرى، والإنزال عام)
فالفعل تنزَّل يفيد التدرُّج والتكرار وأيضاً التكثير والمبالغة ومن مقتضيات التكثير والمبالغة في الحدث استقراق وقت أطول وأنه يفيد تلبثاً ومكثاً.
ومما سبق يتبين أن صيغة (أنزل) تعني نزول القرآن جملة واحدة وصيغة (نزَّل) تعني نزوله منجما مفرقا على الوقائع والأحداث أو ما تقتضيه حكمة الله في تنزيل الأحكام.
وقد يعترض معترض على هذا التفريق أن من القراءات ما يخالف ذلك لأن لفظة أنزل قد تكون في قراءة أخرى نزل لنفس الآية والكلمة والجواب على ذلك أن مثل هذا هذا التفريق لا يكون على الإطلاق وإنما لكل قاعدة شواذ وكذلك أن هذه الآيات تكون محتملة للمعنيين فيكون بهذا تفسير بعضها لبعض.
والحمد لله رب العالمين.
------------------------
1- فمن هؤلاء ابن الأعرابي (ت:233هـ)، إذ يرى «كل حرفين أوقعتهما العرب على معنى واحد ، في كل واحد منهما معنى ليس في صاحبه ، ربما عرفناه فأخبرنا به، وربما غمض علينا فلم نلزم العرب جهله». وتابعه في ذلك تلميذه أبو العباس ثعلب (ت:291هـ)، والأنباري (ت:328هـ)، وابن درستويه (ت:347هـ)، وأبو علي الفارسي (ت:377هـ)، وأحمد بن فارس (ت:395هـ)، وأبو هلال العسكري (توفي في أوائل القرن الخامس)، والراغب الأصفهاني (توفي في حدود الخمسمائة، وغيرهم.
2- ولهذه القاعدة شروط ذكرها الإمام الشربيني:
هذه القاعدة مشروطة بشروط ثلاثة:
أ- أن يكون ذلك في غير الصفات الجبلّيّة، فخرج نحو شرهٍ ونهمٍ لأنّ الصفات الجبلّيّة لا تتفاوت.
ب- وأن يتّحد اللفظان في النوع، فخرج حذر وحاذر.
ج- وأن يتّحدا في الاشتقاق، فخرج زمن وزمان إذ لا اشتقاق فيهما.
"الإقناع في حلّ ألفاظ أبي شجاع" الخطيب الشربينيّ وتحقيق علي معوّض وعادل عبد الموجود.
3- مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني 617-618 والترجمان والدليل لآيات التنزيل 342-343 وأسرار لغوية ودلالات لفظية من الآيات القرآنية لهاني غنيم 97
4- مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني 618
5- تفسير ابن كثير 6/109
6- تفسير السعدي 582
7- تفسير ابن أبى حاتم 1/290
8- روح المعاني 3/76
9- مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني 618
10- وممن اعترض بهذا الاعتراض وغيره الإمام أبو حيان في تفسيره 1/ 82 والألوسي 1/216
 
نظرة في الفرق بين (أنزل) و (نزّل)

نظرة في الفرق بين (أنزل) و (نزّل)

صيغة (أنزل) بحد ذاتها – أي دون قرائن أخرى - لا تعني أن القرآن كله نزل مرة واحدة ، كما أن صيغة (نزّل) لا تعني أن القرآن نزل بالتدريج .
نعم ، قد قال غير واحد من المفسرين بأن صيغة "أنزل" تدل على أن القرآن نزل جملة واحدة ، وأن صيغة "نزّل" تدل على أن القرآن نزل بالتدريج ، وانظر على سبيل المثال : مادة "نزل" في (مفردات ألفاظ القرآن ـ 2/ 420)

ولكن هذا القول قد يكون مقبولاً في تفسير قوله تعالى (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ) ، وكذلك في تفسير قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ ...) (النساء : 136) ؛ وذلك لورود (نزّل) و(أنزل) في آية واحدة ، أو سياق واحد ، بينما لا يكون مقبولاً في كل آيات القرآن ؛ لقوله تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا) (الفرقان : 32) فالكفار طلبوا أن ينزل القرآن جملة واحدة بفعل مضعَّف (نُزِّلَ) ، وهذا يردُّ على أن التضعيف يعني نزول القرآن منجماً ؛ لأنهم طلبوا نزوله جملة واحدة بفعل مضعَّف (نُزِّلَ) ، فكيف نجمع بين طلبهم أن ينزل مفرقاً وبين طلبهم أن يكون نزوله جملة واحدة !!إذن ؛ صيغة (أنزل) لا تعني أن القرآن كله نزل مرة واحدة ، كما أن صيغة (نزّل) لا تعني أن القرآن نزل بالتدريج ، ولكن إن وجدت قرائن في الآية تدل على التفريق فهمنا الفرق وفق القرائن . هذا الله تعالى أعلم وعلمه الأحكم .
 
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
يقول البيضاوي (ت:685ه) في تفسيره : " { وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن } أي أنزل عليه ك " خبّر " بمعنى " أخبر " لئلا يناقض قوله : { جملة واحدة }"
الفعل (نُزِّل) يعود على {جملة واحدة } كما يعود على { كذلك }.
فكيف نوفق بين الجملتين ؟
المعنى والله أعلم قد يكون : لولا هذا التنزيل للقرآن نجما منجما كان جملة واحدة .
فيكون الرد : { كذلك } أي : التنزيل نجما منجما {لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ}.
وإذا كان التأويل يستقيم بهذا المعنى لم يبق التناقض بين {جملة واحدة } والفعل {نُزِّل} ، كما أن الفعل ( أُنزل) ليس هو الفعل (نُزِّل) .
والله أعلم وأحكم
 
بارك الله فيك

بارك الله فيك

نعم ، وأنا أقول مثلك : إن استقام التأويل بهذا .
ولكن أستاذي العزيز هل تظنه يستقيم دون تكلّف ؟!!
حفظك الله !
 
يقول الطبري (ت:310ه) : "يقول تعالى ذكره: { وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا } بـالله { لَوْلا نُزّلَ عَلَـيْهِ القُرآنُ } يقول: هلا نزّل علـى مـحمد صلى الله عليه وسلم القرآن { جُمْلَةً وَاحِدَةً } كما أنزلت التوراة علـى موسى جملة واحدة؟، قال الله: { كَذلكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ } تنزيـله علـيك الآية بعد الآية، والشيء بعد الشيء، لنثبت به فؤادك نزلناه "
 
قصدي

قصدي

أقصد من كلامي أن الفعل (نزّل) قد يأتي بمعنى الإنزال جملة واحدة ، ولذا فالقاعدة بأن الفعل (نزّل) يدل على التدرُّج لا تصح في كل المواطن ، لأن الكفار طلبوا نزوله مرة واحدة بالفعل (نزّل) ، ولو كان الفعل المضعّف يعني التدرُّج فقط ، لجاء النص " لولا أُنزل" وليس " نُزّل " .
 
يقول الطباطبائي (ت:1412ه) : " وقوله { لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة } قد تقدم أن الإنزال والتنزيل إنما يفترقان في أن الإنزال يفيد الدفعة ، والتنزيل يفيد التدريج ، لكن ذكر بعضهم أن التنزيل في هذه الآية منسلخ عن معنى التدريج لأدائه إلى التدافع إذ يكون المعنى على تقدير إرادة التدريج : لولا فرق القرآن جملة واحدة ، والتفريق ينافي الجُمْلية ، بل المعنى هلا أنزل القرآن عليه دفعة غير مفرق كما أنزل التوراة والإنجيل والزبور .
لكن ينبغي أن يعلم أن نزول التوراة مثلا كما هو الظاهر المستفاد من القرآن كانت دفعة في كتاب مكتوب في ألواح والقرآن إنما كان ينزل عليه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالتلقي من عند الله بتوسط الروح الأمين كما يتلقى السامع الكلام من المتكلم ، والدفعة في إيتاء كتاب مكتوب وتلقيه تستلزم المعية بين أوله وآخره لكنه إذا كان بقراءة وسماع لم يناف التدريج بين أجزائه وأبعاضه بل من الضروري أن يؤتاه القارىء ويتلقاه السامع آخذا من أوله إلى آخره شيئا فشيئا .
وهؤلاء إنما كانوا يقترحون نزول القرآن جملة واحدة على ما كانوا يشاهدون أو يسمعون من كيفية نزول الوحي على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو تلقي الآيات بألفاظها من لسان ملك الوحي ، فكان اقتراحهم أن الذي يتلوه ملك الوحي على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) سورة بعد سورة وآية بعد آية ، ويتلقاه هو كذلك فليقرأ جميع ذلك مرة واحدة وليتلقه هو مرة واحدة ، ولو دامت القراءة والتلقي مدة من الزمان ، وهذا المعنى أوفق بالتنزيل الدال على التدريج .
وأما كون مرادهم من اقتراح نزوله جملة واحدة أن ينزل كتابا مكتوبا دفعة كما نزلت التوراة وكذا الإنجيل والزبور على ما هو المعروف عندهم ، فلا دلالة في الكلام المنقول عنهم على ذلك ."
 
لن أقول إلا بارك الله فيك أخي الغالي فقد كنت كتبت في هذا الموضوع وساعة أن هممت بنشره وجدت بحثكم هذا فلم أجد فرقا بين ما وفقني الله إليه وبين ما كتبته ، وإني فقط أريد أن أوضح أن الله جمع بين اللفظين في سياق واحد في مطلع سورة آل عمران "الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان " وهذه الآية من أقوى الأدلة على صحة ماتوصلت إليه ...جزاك الله خيرا
 
جزاك الله خيرا على هذه الصورة المعبرة .
فطلبهم كان أن يتنزل القرآن هكذا ـ كما تعبر الصورة ـ في جلسة واحدة . لكن طريقة التنزيل المعهودة لم تكن في جلسة واحدة ، بل كان الأمر تنزيلا نجما منجما مدة زمنية طويلة لتثبيت قلب النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، وتكفَّل الله بترتيله ، حيث رتبه ونسقه مبتدئا من سورة الفاتحة إلى سورة الناس ، مصداقا لقوله تعالى : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر:9] .

والله أعلم وأحكم
 
عودة
أعلى