الفرق بين الرأي المذموم والاستنباط المحمود

إنضم
28/02/2009
المشاركات
767
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
لا حظت جراءة كثير من الناس في هذا العصر على كتاب الله تعالى وقولهم فيه بالرأي المحض .
ولحسن الظن بهم فإني على يقين من أن بعضهم التبس عليه الرأي بالاستنباط .
فالقول في القرآن الكريم بالرأي مذموم معلوم ذمه لطلبة العلم ، وأقوال الصحابة في ذمه أكثر من أن تحصى .
واستنباط المعاني من كتاب الله تعالى ، والأمر بتدبره ، ومحاولة فهم معانيه ، أمر محمود ممدوح ، درج السلف الصالح على دعوة الناس إليه .
فما هو الفرق بين الإثنين ؟
وما هي الحدود الفاصلة بينهما ؟
 
الأخ الكريم إبراهيم الحسني وفقه الله..
الاستنباط جزء من الرأي، وقد يكون كل واحد منهما محموداً أو مذموماً، والعبرة بتوفر شروط الصحة في الاثنين، فالرأي إن التزم بالشروط الصحيحة في كتاب الله تعالى فهو رأي محمود، وكذلك الاستنباط..
وحتى يتضح المقصود أقول:
إن العلماء قد قسموا التفسير بالرأي إلى قسمين :
أ ـ تفسير بالرأي المذموم : وهو تفسير القرآن تفسيراً غير جارٍ على قوانين العربية ولا موافقاً للأدلة الشرعية(1)، وهو التفسير بمجرد الهوى وبلا استكمال لأدوات التفسير وشروطه . وجميع ما ورد من الأحاديث والآثار التي فيها النهي عن التفسير بالرأي إنما قصد بها هذا النوع من التفسير .
ومن تلك الأدلة الدالة على تحريم هذا النوع من الرأي:
1- قوله تعالى : ( وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره ) [ الأنعام : 68 ] .
2- نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التفسير بالرأي : كقوله صلى الله عليه وسلم : " من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ "(2) ، وكالحديث الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يخشى على أمته من ثلاث وذكر منهم : " رجال يتأولون القرآن على غير تأويله"(3).
3- نهي الصحابة رضي الله عنهم وامتناعهم من تفسير القرآن بمجرد الرأي :
كما ورد عن أبي بكر رضي الله عنه قوله : " أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا قلت في كتاب الله ما لم أعلم "(4) . وكوقوف عمر رضي الله عن تفسير الأب في قوله تعالى : ( وفاكهة وأبّاً ) حيث قال : " عرفنا الفاكهة فما الأب ؟ فقال : لعمرك يا ابن الخطاب إن هذا لهو التكلف "(5).
4- تحذير السلف من التفسير بالرأي : كقول سعيد بن جبير ـ رحمه الله ـ (ت:95هـ) قال لرجل طلب إليه تفسير بعض آيات القرآن فقال : " لأن تقع جوانبي خير لك من ذلك".

وإنما قلنا بحملها على هذا النوع من الرأي لوجود أدلة أخرى تدل على جواز التفسير بالرأي المحمود وعلى وقوعه عند السلف رحمهم الله تعالى وعلى رأسهم الصحابة الكرام كما سيأتي .
ب ـ تفسير بالرأي المحمود : وهو تفسير القرآن بموافقة كلام العرب مع موافقة الكتاب والسنة ومراعاة شروط التفسير(6).
وهذا النوع من التفسير لا يمكن إنكاره عن السلف بل إن السلف رحمهم الله تعالى قد وضحوا معاني كلام الله تعالى بأقوال لم يسندوها إلى من سبقهم وإنما فهموها من كلام الله تعالى ومما يدل على ذلك اختلافهم رحمهم الله تعالى في تفسير كثير من الآيات .
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الآثار الدالة على تحرج السلف عن التفسير بالرأي: ( فهذه الآثار الصحيحة وما شاكلها عن أئمة السلف محمولة على تحرجهم عن الكلام في التفسير بما لا علم لهم به ، فأما من تكلم بما يعلم من ذلك لغة وشرعاً فلا حرج عليه ، ولهذا روي عن هؤلاء وغيرهم أقوال في التفسير و لا منافاة لأنهم تكلموا فيما علموه وسكتوا عما جهلوه ، وهذا هو الواجب على كل أحد ، فإنه كما يجب السكوت عما لا علم له به فكذلك يجب القول فيما سئل عنه مما يعلمه لقوله تعالى : ( لتبيينه للناس ولا تكتمونه ) [ آل عمران : 187 ] .ولما جاء في الحديث المروي من طرق : " من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار "(7) )(8) أ.هـ.
ومما يدل على جواز هذا النوع من التفسير :
أ ـ الأدلة الكثيرة الواردة في كتاب الله تعالى والتي تحث على الاعتبار والاتعاظ بالقرآن الكريم : من مثل قوله تعالى : ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ) [ محمد : 24 ] وقوله : ( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب ) [ ص : 29 ] وقوله : ( ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ) [ النساء : 83 ] . وقد دلت الآية الأخيرة على أن في القرآن ما يستنبطه أولوا الألباب باجتهادهم .
ب ـ اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في تفسير القرآن على وجوه ومعلوم أنهم لم يسمعوا كل ما قالوه من النبي صلى الله عليه وسلم .
ج ـ دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما بقوله : ( اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل )(9) ، فلو كان التفسير مقصوراً على السماع ، لما كان هناك فائدة من تخصيصه رضي الله عنه بهذا الدعاء(10).
د ـ أن من نُقل عنهم التحرج من التفسير فقد نقل عنهم تفسير آيات من كتاب الله تعالى برأيهم ـ المحمود ـ فقد جاء عن أبي بكر رضي الله عنه أنه فسر " الكلالة " برأيه ووافقه عليها عمر رضي الله عنه حيث قال : " أقول فيها برأيي فإن كان صواباً فمن الله وإن كان غير ذلك فمني ومن الشيطان ... )(11) فيحمل توقفهم في بعض الآيات على أنه من باب الورع أو لوجود من يكفي في الجواب عنهم أو لعدم اتضاح المعنى لديهم .
وأما الاستنباط فهو كذلك ينقسم إلى قسمين: استنباط صحيح، واستنباط باطل.
وصحة الاستنباط متوقفة على أمرين:
الأول: صحة دلالة الآية على هذا المعنى المُسْتَنْبَط.
الثاني: صحة المعنى المستَنْبَط في ذاته. ويكون ذلك بعدم وجود معارض شرعي راجح.
فالأول تُعرف به صحة ارتباط هذا المعنى بالآية، فإن صح هذا الارتباط؛ نُظر بعد ذلك في المعنى المستنبط هل هو صحيح في العلم الذي استنبط فيه أم لا، لأن الآية قد تدل على حكم وتنفيه أدلة أخرى فتبين أنه غير مراد.
وعند تأمّل حالات الصحة وعدمها يتبين أنها أربع حالات:
الأولى: صحة الدلالة والمعنى المستنبط.
الثانية: بطلانهما.
الثالثة: صحة الدلالة وبطلان المستنبط.
الرابعة: بطلان الدلالة وصحة المستنبط.
ولا يحكم على الاستنباط بأنه صحيح إلا في الحالة الأولى، أما في الثانية والثالثة فالحكم بالبطلان فيها ظاهر، وأما في الرابعة فلأن المقصود هو الحكم على صحة استنباط هذا المعنى من هذه الآية، وليس المقصود الحكم على صحة المعنى فقط، ولو لم نقيد الأمر بذلك لكان كل معنى صحيح يصح استنباطه من كل نصٍّ قرآني ولو لم يدل عليه ولا يقول بهذا أحد. كما أننا حين نحكم ببطلان هذا الاستنباط من هذه الآية فلا يعني ذلك دائماً عدم صحة المعنى المستنبط لكننا ننفي دلالة الآية عليه.
[align=center]والله تعالى أعلم[/align]

ــــــ
(1) انظر في تعريف التفسير بالرأي المذموم : التفسير والمفسرون : ( 1 / 175 ) .
(2) ضعفه الألباني في ضعيف الترمذي برقم ( 571 ) وفي ضعيف الجامع الصغير برقم ( 5736 ) .كما ضعف حديث : " من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار " .
(3) انظر السلسلة الصحيحة برقم : ( 2778 ) .
(4) انظر هذا الأثر في تفسير الطبري : 1 / 58 برقم : ( 78 ) و ( 79 ) .
(5) انظر هذا الأثر في تفسير ابن كثير : ( 1962 ) قال ابن كثير : إسناد صحيح . ثم قال : وهذا محمول على أنه أراد أن يعرف شكله وجنسه وعينه وإلا فهو وكل من قرأ هذه الآية يعلم أنه نبات من نبات الأرض .
(6) السابق : الجزء والصفحة . بتصرف .
(7) رواه أبو داود ( 3658 ) والترمذي ( 2649 ) وابن ماجة ( 261 ) وغيرهم وقال الترمذي : حسن صحيح . وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب : 1 / 124 برقم ( 115 ) .
(8) انظر مقدمة التفسير لشيخ الإسلام ابن تيمية : ( 149 – 150 ) .
(9) رواه الإمام أحمد والطبراني والبيهقي وصححه الألباني وهو في مسلم بلفظ مختصر ( اللهم فقه ) وعند البخاري : ( اللهم علمه الحكمة ) وفي لفظ له : ( الكتاب ) بدل الحكمة . انظر تخريج شرح الطحاوية ص : 214 رقم ( 180 ) .
(10) انظر هذا الأدلة الثلاثة وغيرها في : التفسير والمفسرون : ( 1 / 174 ) . ولابن جرير كلام مهم في ذلك انظره في مقدمة تفسيره : ( 1 / 58 – 66 ) .
(11) تفسير ابن كثير : ( 449 ) .
 
جزاكم الله خيراً أستاذنا الفاضل الدكتور فهد.. بارك الله بك لقد بينت وأصبت وأجدت أصاب الله بك وجعل بيانك بُلغةً للسائلين وعِصمةً للسالكين مدارج العلماء الأمناء الصادقين وشفاءً للصدور ونوراً للعقول ومنهاجاً لطلاب الحق المبين..
نفع الله بك ورفع مقامك في الدارين
 
جزاك الله خيرا على هذه الفائدة وليست بكرا من فوائدك .
ولكن في أي خانة نجعل الأنواع التالية :
1 - حمل آيات القرآن الكريم على معان عقدية ضعيفة قد بين أهل العلم بطلانها وضعف مستندها العلمي.
2 - تفسير كتاب الله تعالى بإشارات علمية لا يدل عليها ظاهر القرآن لغة ، ولم يقل بها أحد من السلف .
3 - تفسير بعض الناس القرآن الكريم دون أدنى مستوى علمي في اللغة .
فينصب ويخفض ويصرف ما لا ينصرف ويمنع من الصرف بلا مانع ...
ومع ذلك يضعف أقوال أهل العلم المشهورين بالعلم والمعرفة والتقوى بدون دليل إلا فكرة ظهرت له فهمها من وحل لغوي مهين.
 
جزاك الله خيرا على هذه الفائدة وليست بكرا من فوائدك .
ولكن في أي خانة نجعل الأنواع التالية :
1 - حمل آيات القرآن الكريم على معان عقدية ضعيفة قد بين أهل العلم بطلانها وضعف مستندها العلمي.
2 - تفسير كتاب الله تعالى بإشارات علمية لا يدل عليها ظاهر القرآن لغة ، ولم يقل بها أحد من السلف .
3 - تفسير بعض الناس القرآن الكريم دون أدنى مستوى علمي في اللغة .
فينصب ويخفض ويصرف ما لا ينصرف ويمنع من الصرف بلا مانع ...
ومع ذلك يضعف أقوال أهل العلم المشهورين بالعلم والمعرفة والتقوى بدون دليل إلا فكرة ظهرت له فهمها من وحل لغوي مهين.

الأخ الفاضل الشيخ إبراهيم الحسني وفقه الله:
1- أما حمل آيات القرآن الكريم على معانٍ عقدية ضعيفه، فهو خطأ ولا شك، فإن كان تفسيراً فهو خطأ في التفسير، وإن كان استنباطاً فهو خطأ في الاستدلال.
2- أما تفسير القرآن الكريم بالإشارات العلمية المعاصرة، فله ضوابط بينها العلماء، والحديث فيها طويل.
3- وأما التفسير بلا علم، فأمرٌ خطير ولا شك، وقد ورد النهي عن القول في كتاب الله بمجرد الرأي، ولا شك أن قلة العلم سبب كبير في الخطأ في التفسير.
فإذا انضمَّ إلى ذلك داء التعالي، والتطاول على العلماء المعروفين بالعلم والمعرفة، فهو مرض قلبي وابتلاء، نسأل الله السلامة والعافية...
 
جزاك الله خيرا على الإفادة .
ولكن هذه الضوابط لما يسمى بالتفسير العلمي لبعض الآيات القرآنية لم أجدها رغم بحثي عنها كثيرا ..
وقد طلبتها من بعض الأخوة في مواضيع متعلقة بالإعجاز في هذا الملتقى ؛ فلم أجد إلا نعتها بهذه اللفظة : ضوابط التفسير العلمي .
فإن استطعت أن تنقلها هنا للفائدة فجزاك الله خيرا ..
وإتماما للفائدة حبذا لو جعلت على شكل نقاط مختصرة .
والله من وراء القصد.
 
الأستاذ الفاضل الدكتور فهد الوهبي جزاكم الله خيرا على البيان والوضوح
وأريد أن أستفسر على مثل هذا الاستنباط الذي نجده عند السلف . يقول ابن كثير في تفسيره :

*وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي عن إسحاق بن سليمان عن أبي سنان عن عمرو بن مرة عن مصعب بن سعد عن سعد (( يضل به كثيرا )) يعني الخوارج . وقال شعبة عن عمرو بن مرة عن مصعب بن سعد قال : سألت أبي فقلت : قوله تعالى : (( الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه )) إلى آخر الآية ، فقال : هم الحرورية . وهذا الإسناد وإن صح عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فهو تفسير على المعنى لأن الآية أريد منها التنصيص على الخوارج الذين خرجوا على علي بالنهروان . فإن أولئك لم يكونوا حال نزول الآية وإنما داخلون بوصفهم فيها مع من دخل لأنهم سموا خوارج لخروجهم على طاعة الإمام والقيام بشرائع الإسلام *

فماذا نقول عن هذا الاستنباط من حيث الصحة ؟

وتقبلوا فائق التقدير والاحترام
 
لا زلت أنتظر ما ذكر لي في مرات عديدة من طرف باحثين أنه يسمى ضوابط التفسير العلمي .
فهل هو اسم على مسمى أم من الأسماء المهملة ؟
 
لا زلت أنتظر ما ذكر لي في مرات عديدة من طرف باحثين أنه يسمى ضوابط التفسير العلمي .
فهل هو اسم على مسمى أم من الأسماء المهملة ؟

وبعد عودة الملتقى لا زلت أنتظر يا أستاذنا فهد الوهبي الإجابة عن هذا السؤال للفائدة .
 
حيا الله أخانا الفاضل إبراهيم الحسني
وحيا الله جميع الإخوة الأعضاء والزائرين جميعا
في هذا الملتقى الرائع


أخي الفاضل إبراهيم تعلم أني أختلف معك في هذا الموضوع وكل واحد منا قد علم مشربه ، ومع هذا لا بأس من مواصلة الحوار ، ولهذا أقدم لك ما كتبه الدكتور زغلول النجار حول هذا الموضوع ، ولعلك تضع أصابعك على مواطن الاعتراض مع احترامي مقدما لوجهة نظرك.

يقول الدكتور زغلول النجار أحسن الله لنا وله الختام:

"أما ضوابط التفسير العلمي فتتلخص فيما يأتي:
1. الالتزام بحدود ما تعطيه الألفاظ القرآنية في استعمالاتها العربية، وعدم تحميل الألفاظ فوق ما يمكن أن تحتمل بحسب وضعها اللغوي، والاستعانة على التفسير بعلوم النحو، والصرف، والبلاغة، وغيرها مما يدخل في علوم العربية، وخاصة علم أسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، بالإضافة إلى فهم الفرق بين العام والخاص، والمطلق والمقيد، والمجمل والمفصل من آيات الكتاب الحكيم، والأخذ بمعنى النص كاملاً دون اجتزائه، ومعرفة أن العبرة في القرآن الكريم بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
فأنا إذا لم أفهم اللغة فهماً صحيحاً ـ وكذلك كل ما سبق ذكره ـ فلن أستطيع فهم الإعجاز العلمي، فإذا لم أفهم من اللغة ما معنى نطفة، أو مضغة، أو علقة، أو عظام، أو كسوة العظام لحماً، فلن أفهم ما هي دلالات الآية، فاللغة شرط أساسي لفهم دلالات الآيات، لكن أنا لا أقف عند حدود اللغة وحدها؛ لأننا إذا وقفنا عند حدود اللغة وحدها فلن نصل إلى الفهم الصحيح للآية، فأنا لا أستطيع أن أقف عند فهم الأقدمين.

2. جمع القراءات الصحيحة المتعلقة بالآية القرآنية إن وجدت، ولابد عند تفسيرها من فهم التفسير المأثور عن المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ والرجوع إلى أقوال المفسرين من الصحابة والتابعين وتابعيهم إلى الزمن الحاضر، بالإضافة إلى جمع النصوص القرآنية المتعلقة بالموضوع الواحد وردِّ بعضها إلى بعض، بمعنى فهم دلالة كلٍ منها في ضوء الآخر؛ وذلك لأن القرآن يفسر بعضه بعضاً، كما يفسره الصحيح من أقوال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم.

3. عدم الاعتماد على النظريات والفروض العلمية في (الإعجاز العلمي) مع إمكانية تغليب أحد النظريات أو الفروض العلمية في (التفسير العلمي)، والارتقاء بها في حالة موافقتها لوجه تحتمله آية قرآنية أو حديث شريف، وذلك في قضية لم يتم اكتشافها بعد، وهذا التفسير كما ذكرنا يعتبر جهداً بشرياً يحتمل الصواب أو الخطأ، واحتمال خطئه لا ينال من جلال القرآن في شيء، والمفسر في هذه الحالة كالمجتهد، إن أصاب فله أجران، وإن أخطاً فله أجر واحد.
ففي جانب الإعجاز نحن لا نوظف إلا القضايا التي حسمها العلم، والتي انتهى منها، والتي لا رجعة فيها، وبما أن العلم لم يحسم كل قضية، وهناك قضايا كثيرة لم تحسم بعدُ، وقضايا ذكرها القرآن الكريم لا نستطيع أن نتحدث فيها بإعجاز، ولكن نتحدث فيها بتفسيرٍ علمي. والتفسير العلميُّ يجوز استخدام النظرية فيه حتى لو تغيرت، لا توجد حقيقة متاحة لنا، ولكن توجد أربع أو خمس نظريات، فأنا أرجح إحداها بتفسير دلالة الآية، ولا حرج في ذلك ـ إن شاء الله ـ إلا أني كما أشرت أن الذين فسروا باللغة أصابوا وأخطأوا، والخطأ في التفسير لا يُحسبُ على دلالة القرآن، وإنما يحسب على جُهد المفسر وفهمه.

4. عدم الخوض في أمر غيبية غيبة مطلقة كالذات الإلهية، والروح، والملائكة، والجن، وحياة البرزخ، وحساب القبر، وقيام الساعة، والبعث والحساب، والميزان والصراط، والجنة والنار وغيرها، والتسليم بالنصوص الواردة فيها تسليماً كاملاً، انطلاقاً من الإيمان الكامل بكتاب الله ـ تعالى ـ وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقيناً راسخاً بعجز الإنسان عن الوصول إلى مثل هذه الغيبيات المطلقة.

5. الحرص على عدم الدخول في التفاصيل العلمية الدقيقة التي لا تخدم قضية الإعجاز العلمي للآية أو الآيات القرآنية الكريمة ـ مثل المعادلات الرياضية المعقدة، والرموز الكيميائية الدقيقة ـ إلا في أضيق الحدود اللازمة لإثبات وجه الإعجاز.

6. مع التزام المفسر بما سبق ، فإنه يجب عليه أن يقدم ما يعن له من تفسير ـ وليس إعجاز ـ مستوفٍ للشروط السابقة على أنه معنى محتمل في الآية، لا على أنه التفسير القطعي الذي أراده الله ـ تعالى ـ بها يقيناً، إنما يجب أن يضع في اعتباره ـ وأن يؤكد ذلك بالتصريح الواضح ـ أن الله وحده هو العليم بمراده علماً كاملاً يقينياً محيطاً، لا يتيسر مثله ـ أو ما يقاربه ـ لمخلوق.

بعدما عرضنا لحضراتكم باختصار ضوابط التفسير العلمي نقول أنه لا ذنب للإسلام أن يجهل ذلك قلة من أبنائه، فيكرسون الشعور بالنقص والتبعية، ثم يتعجبون في نفس الوقت من بعض العلماء المعاصرين الذين يعمقون الاعتزاز بالدين والإيمان والعلم من خلال محاولة تفسير علمي لبعض آيات القرآن الكريم تستهدف توظيف معطيات العلم لحسن فهم دلالة تلك الآيات، أو من خلال تناول حقائق علمية يقينية كشف عنها العلم الحديث، ثم تبين أن هناك آيات قرآنية نزلت منذ أكثر من أربعة عشر قرناً تتناول تلك الحقائق، ويتسع الفهم والتفسير لها ومن دون تعسف للإفصاح عن تلك الحقائق، فيثبت لكل صاحب عقل حر ونزيه أن خالق تلك الحقيقة أو الحقائق هو منزل القرآن الكريم على قلب هذا النبي الأمين ـ عليه الصلاة والسلام ـ لافتاً إلى أن الآيات الكونية في كتاب الله ـ عز وجل ـ والتي يزيد عددها على الألف آية صريحة بالإضافة إلى آيات أخرى عديدة تقترب دلالتها من الصراحة، والتي تشكل في مجموعها حوالي سدس آيات القرآن الكريم مجتمعة، هذه الآيات لا يمكن فهمها فهماً عميقاً في إطارها اللغوي فقط، بل لابد من توظيف المعارف العلمية الحديثة من أجل ذلك؛ لأن فيها من الألفاظ والمعاني ما لا يقف على دلالتها إلا الراسخون في العلم، كلٌ في حقل تخصصه، ومن هنا كانت الآيات القرآنية العديدة التي تشير إلى مستقبلية الفهم لبعض الآيات القرآنية، مثل قوله ـ تعالى ـ: " لِّكُلِّ نَبَأٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ " (الأنعام:67)."

المصدر:
http://www.elnaggarzr.com/print.php?l=ar&id=878&cat=29
 
أخي الكريم أبا سعد : قد كان ما قلت .
أما ما نقلته من كلام النجار ؛ فأول اعتراض عليه هو قوله : فأنا لا أستطيع أن أقف عند فهم الأقدمين .
لأن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح في هذه المواضيع ، ولم أجد إجابة عنه حتى الآن ولكني لا زلت أطمع بها كما وقع لي مع الضوابط هو :
إذا اتفق الأقدمون على تفسير لهذه الآية ثم لم يستطع النجار الوقوف عنده بسبب مستجدات "علمية" ظن أو تيقن أنها حقائق علمية ؛ فكيف يمكننا الترجيح بين الفهمين ، فهم الأقدمين وفهم النجار والإعجازيين ؟
ثم هناك سؤال هامشي آخر وهو : إذا رجحنا فهم أهل الإعجاز المعارض لفهم الأقدمين ؛ فكيف يمكننا أن نعترض على تفسير واحد من الحروفيين - كالصوفيين والبهائيين ومن تبعهم من أهل الإعجاز العددي - وهو يأتينا بتوافقات عددية تتحملها اللغة ويقبلها العقل ؛ بل قد تكون معقولة لدرجة كبيرة ؟
وفق الله الجميع .
 
عودة
أعلى