الظرافة والفكاهة عند العلماء

  • بادئ الموضوع بادئ الموضوع الجكني
  • تاريخ البدء تاريخ البدء

الجكني

مشارك نشيط
إنضم
02/04/2006
المشاركات
1,286
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
الإقامة
المدينة المنورة
بسم الله الرحمن الرحيم
الفكاهة والظرافة متعلقان بعلم النفس ،وليسا مجرد نكات عابرة تمر سريعاً ثم تهمل وتنسى ،وإنما هما في الواقع تعبير مكثف وسريع يخفي في طياته كثيراً من الحقائق النفسية والاجتماعية والفكرية المرتبطة بالإنسان ومجتمعه ولهذا قال علماء النفس : الابتسام والضحك مظهران من مظاهر الغريزة الإنسانية ؛لكن الفكاهة هي أثر من آثار الترقي الإجتماعي وهي على علاقة وثيقة بالقيم المنهارة في المجتمع وبالقيم المقدسة التي تحاط بالتقدير والاحترام في نفس الوقت0
وإذا دلت "الفكاهة " على الفرح والابتهاج أحياناً فإنها في أخرى تدل على آلام دفينة وتهكم مرير ،فكأن الفكاهة جهاز يعيد للنفس توازنها ويخرج الإنسان من دائرة الحرج فتتحول المأساة إلى ملهاة نتيجة لرؤية الحدث من زاوية نفسية معينة ،كما تنعكس فيها نفوس أناس تمتعوا بحس فكاهي ورغبوا في "التحرر" من الحياة "الجدية " عن طريق الهزل والتفكه والمزاح بإنكار الواقع والارتداد نحو مرحلة الطفولة المبكرة 0
والفكاهة وإن صدرت عن الفرد إلا أنها تعبير عن وجدان الجماعة ،كما أنها تقوم بدور البلسم الشافي في مآسي الحياة0
وقبل هذا كله فإن الفكاهة والظرافة مطلبان شرعيان يندرجان تحت مقصد من مقاصد الشريعة وهو مقصد "السماحة " التي هي ضد "الغلو "بطرفيه الممقوتين :الإفراط والتفريط ،وهي من باب "المزاح" الذي أحله الله تعالى وكان من صفات نبيه صلى الله عليه وسلم الذي "كان يمزح ولا يقول إلا حقاً " ،وكان من خلق صحابته الكرام الذين هم أعلم الأمة بالحلال والحرام وأتقى الأمة لله خوفاً ورجاء ،حتى قال سيدنا ابن عباس رضي الله عنه :"المزاح بما يحسن مباح وقد مزح رسول الله صلى الله عليه وسلم 0
وقال بعض العلماء : الإكثار من المزاح والخروج عن الحد "مخلّ" بالمروءة والوقار ، والتنزه عنه بالمرة والتقبض "مخلّ " بالسنة والسيرة النبوية المأمور اتباعها والاقتداء بها 0
والناظر في كتب العلماء ،سواء التفسيرية والحديثية واللغوية والأدبية يجد أمثلة كثيرة للفكاهة والظرافة والمزح عند العلماء ،الذين لهم "دعابة " و"حلاوة " في محاوراتهم ،وأجوبة بدهية مسكتة ،حتى وصف كثير منهم بأنه "حلو الجواب ،مليح التندير " يُضحك من حضر ،ولا يضحك هو إذا ندّر " 0
والفكاهة والظرافة من العلماء هي عندهم استراحة للقلب وتنشيط له وانتقال يطرد الملل ،و هي : نزهة النفس وربيع القلب ومرتع السمع ومجلب الراحة ومعدن السرور وسكن للروح ولقاح للعقل ،حتى إن بعضهم شبّه الانتقال من الجد إلى الهزل بانتقال من يسير في حر شديد إلى ظل يستريح فيه ،وانتقال من السير في أرض وعرة إلى السير في سهل ،ولهذا قالوا :" لا بد للنفوس أن تستريح ،وللنوادر أن تستباح"0
وكان العلماء والأدباء دائماَ ما يدعون إلى الابتعاد عن تلك الروح الجادة لما فيها من شدة وجفاء مما حدا بالإمام الشيخ أحمد بن ليون التجيبي أن يقول :
إسمح يزنك السماح إن السماح رباح
لا تلق إلا ببشر فالبشر فيه النجاح
تقطيبك الوجه جدّ أجلّ منه السماح
ويقول ابن خفاجة :
أما لديك حلاوه أما عليك طلاوه
طايب وداعب ولاعب ودع سجايا البداوه
فإنّ أوحش شيء جساوة في غباوه
ومنه قول عبد القاهر بن مفرح الفزاري اللغوي الأديب :
يا صاح لا تعرض لزوجية كل البلا من أجلها يعتري
الفقر والذل وطول الأسى لست بما أذكره مفتر
ما في فم امرأة سوى اشتر لي اشتر لي واشتر
( أنا ناقل الأبيات ولست قائلها )
ولأهمية الفكاهة والظرافة تجاذبها العلماء في كل فن بالتعريف والدراسة والتحليل من المناطقة والتربويين والنفسانيين وغيرهم لأن حالات الانشراح لأناس فكهين يرغبون في الدعابة والمزاح إنما هي صيغ لا واقعية فكأنهم يعيشون في عالم آخر بعيد عن الآلام والمسؤوليات ،إنهم في عالم الفكاهة والتوريات والألاعيب اللفظية 0
وقد ذهب بعض التربويين والنفسانيين إلى أن أبرز أسباب الضحك هو عدم الانسجام بين الفرد والمجتمع ،ومن هذا التباين والنشوز بينهما ينشأ الموقف الضاحك ،وكأن الضحك قصاص له لتصلبه وعدم تكيفه وانسجامه ،ويضربون لذلك مثالاً بأننا لو رأينا شخصاً ركض في الشارع فتعثر وسقط فإننا سنضحك ،لكن :ما سبب هذا الضحك ؟ إن مجرد وقوعه على الأرض ليس هو سبب الضحك ،بل لأن وقوعه كان لا إرادياً ،وكان عليه أن ينتبه ،أو أن سرعته أو أي سبب آخر كان العامل الذي أوقعه ،لإن عدم تكيفه دفعنا للضحك منه قصاصاً لفقدانه الروح الجماعية 0هكذا يقول بعض النفسانيين ،وقد لا نتفق معهم في هذا التحليل 0
عفواً على إطالة هذه المقدمة لهذا الموضوع الذي أحببت أن أثيره هنا لسب مهم عندي وهوأني :
لاحظت في كثير من الأحيان وفي عدة بلاد عربية وغير عربية نظرة تكاد تكون "سوداء " وإن لم تكن فهي قطعاً "حولاء " لطالب العلم الشرعي ،فهو عند غالبية الناس :رجل "مكفهرّ" "مقطّب " متشدّد" ،ولا أقول "متزمّت " لأن التزمت في اللغة يطلق على المعنيين المتضادين :التشدد و التساهل ،والثاني ليس هو مراد الناس في وصفهم لبعض طلاب العلم ) ومن نظرتهم أيضاً أنه :" لا يمرح "بالراء والزاي ولا "ينكت " وأن النكتة" عنده "حرام " وعلى أقل تقدير فهي " مكروهة" وإن تساهل فيها حكم عليها بأنها " غير مستحبة " إلى غير ذلك من الأوصاف التي أعرفها وغيرها كثير لا أعرفه ويعرفه غيري ممن يختلط مع الناس ويأكل معهم كما يأكلون ويشرب معهم أيضاً كما يشربون 0
وقبل أن أرمَى بسوء الظن الذي نحمد الله تعالى على خلوه من ملتقانا هذا المبارك إن شاء الله فإني أقول:
إن ما سأكتبه هنا هو في الغرض الأساس لبغية الاستفادة والتحليل وأخذ العبرة الخفية وليس للضحك فقط ،ولذا أرجو ممن يقرأ "ظرافة أو فكاهة " مما سيجده أن يعقب عليها بما يراه مناسباً وذلك لاعتقادي الجازم أن علماءنا رحمهم الله كان لهم غرض "تربوي وتعليمي " من هذه النكت والظرافة وأبدأ بذكر الموقف الأول :
1- قال الإمام ابن الجزري رحمه الله في كتابه "النشر في "القراءات" العشر " :
" بلغني عن شيخ شيوخنا الأستاذ بدر الدين محمد بن بصخان رحمه الله وكان كثير التندير (هذا الصواب كما في النسخ الخطية من النشر وليس كما في المطبوع :التدبير ) :أن شخصاً كان يجمع عليه فقرأ "تبت يدا أبي " ووقف وأخذ يعيدها حتى يستوفي مراتب المد ،فقال له :يستأهل الذي بزر (كذا الصواب كما في النسخ الخطية غير نسخة واحدة وهو تصحيف وليس كما في المطبوع "أبرز") مثلك 0انتهى :2/204
فهذا الموقف مع أنه ظريف وفيه عند من يعرف طريقة الجمع فكاهة ويدعو للضحك ،لكن في نفس الوقت فيه "فائدة " علمية وهي تنبيه الطالب على أن هذه الكلمة ليست محل وقف 0وهكذا 000
وسأحاول – إن شاء الله تسجيل كثير من ذلك بين الفينة والأخرى 0
 
أضحك الله سنك شيخنا المبارك ولقاك نضرة وسرورا
 
وقفة اليوم :
قبل أن أذكر ها أريد أن أنبه على أن المقدمة التي كتبتها لهذا الموضوع جلها "ملخًص " من مقدمة كتاب "الفكاهة في الأدب الأندلسي " للدكتور:رياض قزيحة ،لذا جرى التنويه أداء للأمانة العلمية 0
أما طرافة اليوم فهي نقل "موقفين ط لعالم قال عنه الإمام الذهبي رحمه الله :"هو أبو زكريا يحي معين ،شيخ المحدثين الحافظ الجهبذ أحد الأعلم روى عنه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود وغيرهم 0
الموقف الأول :
قال جعفر بن أبي عثمان : كنا عند يحي بن معين فجاءه رجل مستعجل فقال : يا أبا زكريا حدثني بشيء أذكرك به ،فقال يحي :اذكرني أنك سألتني أن أحدثك فلم أفعل 0
لعل الإمام أراد أن يشير إلى موقف تربوي وهو أن على السائل التريث وعدم الاستعجال عند سؤال العلماء 0
الموقف الثاني :
قال الحسين بن فهم :سمعت يحي يقول : كنت بمصر فرأيت جارية بيعت بألف دينار ،ما رأيت أحسن منها ،صلى الله عليها ،فقلت : يا أبا زكريا : مثلك يقول هذا ؟ قال :نعم ،صلى الله عليها وعلى كل مليح 0
علّق الذهبي على هذا بقوله :هذه الحكاية محمولة على (الدعابة) من أبي زكريا ،وتروى عنه بإسناد آخر 0
أترك التعليق للأخوة الأدباء الفضلاء 0
انظر :سير أعلام النبلاء:11/87
 
هذا القسم من الظرافة والفكاهة يسمى عند سلفنا الصالح، وخصوصا المحدثين منهم بـ" الإحماض " وقد وردت هذه الكلمة على لسان تلامذة ابن عباس رضي الله عنهم فقد ورد أنهم كانوا إذا أكثروا من مذاكرة القرآن وتفسيره، والحديث وكتابته قالوا : يا ابن عباس أحمض لنا قليلا. " فيسرد لهم من القصص ما فيه فكاهة وظرافة ليذهب عنهم الملل والضجر وفي كتب الحديث والتراجم والسير الكثير من هذا ، وقد اخترت هذه القصة لتكون عبرة لمن يطلبون علمهم من الكتب دون الجلوس إلى الشيوخ وثني الركب أمامهم
ذكرالإمام الخطيب البغدادي في كتابه " الجامع " نقلا عن الإمام الدارقطني في كتابه " التصحيف ّ أن رجلا حمل كتابا من كتب الحديث فقرأ على الحاضرين " حدثنا فلان عن فلان عن رسول الله صلى الله عليه و سلم عن جبريل عن رب العالمين عن رجل " فصاحوا به : " ويحك من ذا الذي يحق له أن يكون شيخا لله ؟!!! " فنظروا في كتابه فوجدوا أن : " عز وجل " تصحفت فصارت : " عن رجل " "
 
جزيت خيراً أخي علال ،وسيأتي في أوقات أخرى كثير من "الطرافة والظرافة والفكاهة والإحماض" في الغزل والنسيب والغفلة والسهو والتصحيف وغير ذلك إن شاء الله 0
 
لقد جبل الله بعض الخلق على البساطة ولين الجانب ‘ وما ذكره الأخ الفاضل الجكني من الفكاهة والدعابة عند بعض السلف أمر مشهور ، وقد جمعت ما أورده الذهبي في السير في تراجم العلماء ، وما أورده أبو نعيم في الحلية وخرجت بكم هائل من المواقف الجميلة المضحكة المربية .
 
قال شعبة : من طلب الحديث أفلس . بعت طست أمي بسبعة دنانير .
وسئل الأعمش لماذا لا يأتي الشعبي فقال : ويحك كيف كنت آتيه وهو إذا رآني سخر بي ويقول : هذه هيئة عالم ! ما هيئتك إلا هيئة حائك . وكنت إذا أتيت إبراهيم أكرمني وأدناني
لقي رجل مغفل الشعبي ومعه امرأة تمشي ، فقال : أيكما الشعبي ؟ قال هذه.
سأل رجل الشعبي فقال : ما اسم امرأه ابليس ؟ قال : ذاك عرس ما شهدته .
قال الأصبع بن زيد : كنت إذا سألت سعيد بن جبير عن حديث فلم يرد أن يحدثني قال : كيف تباع الحنطة .
قال الحسن بن عمرو : قال لي طلحة بن مصرف : لولا أني على وضوء لأخبرتك بما تقول الرافضة .
قال الأعمش : بلغني أن الرجل إذا نام حتى يصبح ولم يصل توركه الشيطان فبال في أذنيه ، وأنا أرى أنه قد سلح في حلقي الليلة ، وذلك أنه كان يسعل .
وحدث الأعمش بحديث (( ذاك بال الشيطان في أذنه )) فقال : ما أرى عيني عمشت إلا من كثرة ما يبول الشيطان في أذني
هذه نتف مما جاء عن القوم ولولا أنا في رمضان لأطلنا .
 
وعلى ذكر الأعمش رحمه الله الذي قال عنه هشام : ما رأيت بالكوفة أحداً أقرا لكتاب الله منه ،قال عنه ابن الجزري في "الغاية ": روينا عنه ملحاً ونوادر :خرج يوماً إلى الطلبة فقال : لولا أن في منزلي من هو أبغض إلي منكم ما خرجت إليكم 0
 
بين هشام و مالك
هشام هو هشام بن عمار الراوي عن الإمام ابن عامر من القراء السبعة ،وهوممن روى عنه البخاري في صحيحه ،ويحي بن معين وأبو داود وغيرهم 0
ومالك هو الإمام المشهور صاحب المذهب الفقهي ،أحد المذاهب الأربعة 0
قال محمد بن الفيض الغساني :سمعنا هشاماً يقول: باع أبي بيتاً بعشرين ديناراً وجهزني للحج ،فلما صرت إلى المدينة أتيت مجلس مالك ومعي مسائل ،فأتيته وهو جالس في هيئة الملوك وغلمان قيام ، والناس يسألونه وهو يجيبهم فقلت: ما تقول في كذا ؟فقال : حصّلنا على الصبيان ،يا غلام احمله ، فحملني كما يحمل الصبي وأنا يومئذ مدرك ،فضربني بدرة مثل درة المعلمين سبع عشرة درة ،فوقفت أبكي فقال : ما يبكيك أوجعتك هذه؟قلت:إن أبي باع منزله ووجه بي أتشرف بك وبالسماع منك،فضربتني،فقال :اكتب ،فحدثني سبعة عشر حديثاً وأجابني عن المسائل 0
وروى صالح جزرة هذه القصة بوجه أكثر (ظرافة) وهو أنه قال :سمعت هشام بن عمار يقول: دخلت على مالك فقلت: حدثني،فقال :اقرأ،فقلت :حدثني ،فقلت :لا ،بل حدثني،فقال:اقرأ ،فلما راددته قال للغلام :اضربه ،فضربني خمس عشرة درة،فقلت: ظلمتني ،لا أجعلك في حل،فقال :ما كفارته؟ قلت: أن تحدثني بخمسة عشر حديثاً ،فحدثني فقلت: زد من الضرب وزد في الحديث ،فضحك وقال :اذهب 0(معرفة القراء:1/399)
وفي المجلس القادم إن شاء الله :بين هشام وابن ذكوان
 
ما أجمل العِبَر

ما أجمل العِبَر

في هذا الخبر لنا عبرتان ، إحداهما من هشام والأخرى من الإمام مالك :
فأما عبرة موقف هشام أنه لقي في سبيل العلم الضرب والطرد من المجلس ، ولم تأخذه العزة بإثم الرجوع عن طلب العلم ، وظل يستزيد من الضرب إذا كانت ثمرته مزيدا من العلم ، وهذا يدل على صدق النية وصدق الرغبة - إن شاء الله -
وأما عبرة الإمام فهي ورعه وخوفه من المساءلة أمام ربه إذا سئل : بأي ذنب أمرت بضرب الغلام الذي سألك سؤال طالب علم ؟ فأراد مالك السماح من الغلام واسترضاه بأن حدثه أحاديث بعدد الضربات .
انظروا يا قوم كيف كان علماء الأمة يتعاملون مع العلم ، ثم يروون مواقفهم على أنها ظرافة وعِبَرٌ في آن واحد .
 
فتح الله عليك يا شيخنا منصور وهذا يعلم الله هو المقصد الأكبر والأول من كتابة هذه "الظرف والطرف والفكاهات " عند العلماء للتسلية بالحلال وأخذ الفوائد التربوية وغيرها منها0
 
بسم الله الرحمن الرحيم
كنت وعدت سابقاً أن هذا الحديث اليوم سيكون عن :ابن هشام وابن ذكوان ،لكن فضلت أن يكون بين
تاج الدين السبكي و جمال الدين ابن هشام:
قال السبكي رحمه الله في ترجمة الإمام المزي(طبقات الشافعية الكبرى:10/429:
"وقد قرأ عليه –المزي- شهاب الدين ابن المرحل النحوي ،أستاذ صاحبنا الشيخ جمال الدين عبد الله بن هشام في النحو ،كتاب "سيرة ابن هشام" فمرّت به لفظة (رشد) فجرى على لسانه:رشِد ،بكسر الشين،فرد عليه الشيخ :رشد،بالفتح، وقال له: قال الله تعالى"لعلهم يرشدون" بضم الشين ،ولم يزد،وكان من عادته الإشارة دون تطويل العبارة ،ومراده أن (يفعُل) إنما يكون مضارعاً ل (فعِل) ولا قائل به هنا ،أو لفعَل،وهو المدعّى ،قال له ابن المرحل: وكذا قال تعالى:" فأولئك تحروا رشدا" فسكت الشيخ ،وظن ابن المرحل ،كما نقلته من خط تلميذه ابن هشام عنه ،أن الشيخ لم يفهم توجيه السؤال في(رشداً) على (رشِد) 0
قلت – السبكي- :وشيخنا أيضاً عندنا أعظم من ذلك ،ولكن رأى ما ذكره (مختلاًّ) فسكت عليه ،وكان لا يرى توسيع العبارة ،وغالب مجالسه السكوت0
قال ابن هشام :ورأيت في "كتاب سيبويه" رشِد يرشَد رشداً ،مثل : سخط يسخط سخطاً ،وهذا عين ما ذكره شيخنا ابن المرحل ،فلله دره ،قد جاء السماع على وفق قياسه 0انتهى0
قلت –السبكي-: لا يغنيه هذا السماع الغريب ،ولا القياس في قراءة كتب الحديث ،فإنها إنما تقرأ على جادّة اللغة وكما وقعت الرواية به ، والرواية لم تقع إلا على ما قاله شيخنا وهو مشهور اللغة 0انتهت القصة 0
لا أعلم في هذه اللحظة تعليقاً على ذا الموقف بين هذين العالمين سوى ما قالته العرب :"كل فتاة بأبيها معجَبة"0
 
تثبت المحدّثين

تثبت المحدّثين

في خبر المِزي مع ابن المُرَحِّل شاهد لتثبت المحدثين وضبطهم للغة الحديث ، وبه يُرَدّ على الذين توقفوا عن الاستشهاد بالحديث في اللغة والنحو بأن المحدثين نقلوا الحديث بأمانة وضبط ، وليست إجازة رواية الحديث بالمعنى مطلقة بل جاءت في أضيق حدود .
 
قصة اليوم تدور حول شاهد نحوي مشهور وهو قول ثروان بن فزارة رضي الله عنه :
فإنك لا تبالي بعد حول000أظبي( كان )أمك أم حمار
والنحويون يستشهدون به على أن الضمير المستتر في كان "نكرة" لأنه عاد على نكرة غير مختصة بشيء وهو "ظبي" 0
والطرافة في البيت هي مخالفة أبي محمد الأسود الأعرابي الغندجاني جميع –إن لم يكن كل –الرواة في روايتهم للبيت واختياره رواية شيخه أبي الندى ،ولم أجد ممن نقل كلامه وعقب عليه غير البغدادي في "الخزانة" ولو لم يصرح أبو محمد ب"الطرافة" في روايته لما ذكرتها ،لاختلاف المقاييس في زمننا هذا عن زمنه في الحكم على بعض الأشياء هل هي في إطار " المجون " المقبول ،أو إطار "الفحش " المرفوض ،وعلى كل سأنقل كلامه وروايته والعهدة عليه ، وأحذف ما هو من قبيل "الفحش"في عصرنا ،وإن لم يكن كذلك عند الأقدمين بدليل تسطيرهم له في كتبهم ومناقشتهم له ،وهذه قضية قابلة للنقاش بين الأدباء بمفهوم ومقاييس "الأدب " لا بمقياس "قلة الأدب":
قال رحمه الله : كيف يكون الحمار والظبي أُمّين وهما أذكر الحيوان ،حتى إن المثل يضرب بالحمار 000قال :والصواب ما أنشده أبو الندى رحمه الله :أظبي (00) أمك أم حمار ،وإنما قلبت اللفظة "تحرجاً فيما أرى ،ثم استشهد به النحويون على ظاهره ،وهذه قطعة طريفة ،أكتبناها أبو الندى انتهى ،ثم ذكر أبيات القصيدة التي منها البيت 0:فرحة الأديب:53
والرواية التي عناها أبو الندى هي في كلمة (كان ) حيث إن صحة روايتها- عنده - أنها مقلوبة أي بالنون ثم الألف ثم الكاف 0
والعجب أن الشيخ محمد الأمير الأزهري رحمه الله في "حاشيته " على "مغني اللبيب " ذكر كلام الغندجاني ولم يتعقبه وكأنه رضي به وسلمه ،عكس ما كان عند الشيخ البغدادي في خزانته حيث اعترض على هذا التفسير بقوله:
"أقول: يدفع ما توقف فيه بأن "أم "هنا معناه "الأصل " وهذا معنى شائع لا ينبغي العدول عنه ،فإن الأم في اللغة تطلق على أصل كل شيء سواء كان في الحيوان أو في غيره وقال الأعلم :وصف في البيت تغير الزمان واطراح مراعاة الأنساب ،فيقول : لا تبالي بعد قيامك بنفسك واستغنائك عن أبويك ،من انتسبت إليه من شريف أو وضيع ،وضرب المثل بالظبي والحمار ،وجعلهما أُمّين ،وهما ذكران لأنه مثل لا حقيقة ،وقصد قصْد الجنسين ولم يحقق أبوة ،وذكر الحول لذِكر الظبي والحمار لأنهما يستغنيان بأنفسهما بعد الحول ،فضرب المثل بذِكره للإنسان لما أراد من استغنائه بنفسه0(الخزانة:7/193-194)
فيا ترى :أيهما المقدّم : الرواية أم الورع ؟؟؟
 
فكاهة أئمة العلم ظرافة لا فحش

فكاهة أئمة العلم ظرافة لا فحش

رحم اللهُ الشيخ الجليل ابنَ قتيبة - خطيبَ أهل السنة - لما أراد أن يعلم الناس فرق ما بين الظرف والفحش ، قال في مقدمة كتابه : ( عيون الأخبار ) ج 1 صفحة ل : ( وإذا مرّ حديث فيه إفصاح بذِكر عورة أو فرج أو وصف فاحشة فلا يحملنك الخشوع أو التخاشع على أن تُصَعِّرَ خدك وتُعرض بوجهك ؛ فإن أسماء الأعضاء لا تؤثم ، وإنما المأثم في شتم الأعراض وقول الزور والكذب وأكل لحوم الناس بالغيب ) .
ومقلوب لفظ (كان ) جاء منه شيء في الحديث الصحيح حيث قال صلى الله عليه وسلم في استجواب ماعز بن مالك : ( أنكتها ؟ ) قال الراوي بعدها : لا يَكْنِي .
فالتعفف السمج الذي يسمح لصاحبه بمهاجمة لفظ من هذا والعيب على قائله يسميه أهل العلم تنطعا ، وأين نحن من حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنهما الذي إذا أخذ في التفسير وترجمة القرآن بعض الوقت قال لمن حوله : دعونا نتحمض ، فينشد شعرا فيه ما لو سمعه أحد المتزمتين لهاج وماج وضعف الرواية كأنه ينزه ابن عباس ، وينسى أنه بشر وأنه صحابي وأنه أعف مما نتصور وأنه ترجمان القرآن ، وانه أنشد وهو مُحْرِم : ( وهن يمشين بنا هميسا.....) وكان بصدد التفرقة بين معنى الرفث المنهي عنه في الحج ، وبين القول في الجماع ونحوه . انظر تفسير القرطبي طبعة دار الكتب ج 2 ص 384 من الطبعة الأولى .
وأروي حادثة وقعت في سنوات الأربعينيات من القرن الشمسي الماضي أن لفظ الفرج للمؤنث المضاف إلى أم المخاطَب كان معدودا من السب العلني وهذا من الجرائم التي يعاقب عليها القانون آنذاك إذا قيلت بمسمع من الناس ، وحدث أن قالها أحدهم لآخر فأشهد عليه وقاضاه عليها ، ويوم جلسة المحاكمة حضر المحامي المعروف ( مكرم عبيد باشا ) وكيلاعن المتهم ومحاميا عنه ، وقال لهيئة القضاء : إن موكلي نطق بهذه الكلمة ( ... أمك ) فارغة من الوصف أوالإخبار ؛ وهذان هما المحددان للمراد من اللفظ المستكره مدحا له أو سبّا وحيث خلا اللفظ عنهما فقد برئ من تهمة السب العلني ، وبعد مناقشة طويلة نطق القاضي ببراءة المتهم قائلا للمحامي : عشان خاطرك يا باشا ( براءة يا ... أمك ) ، ثم ابتذلت الكلمة ولزمها الإسفاف وشاعت حتى في مخاطبة الجمادات .
على أن من الحكمة أن لا يجعل المرء هذا الترخص ديدنه ، كما قال ابن قتيبة : ( لم أترخص لك في إرسال اللسان بالرفث على أن تجعله هِجّيراك على كل حال وديدنك في كل مقال ، بل الترخص مني فيه عند حكاية تحكيها أو رواية ترويها تنقصها الكناية ويذهب بحلاوتها التعريض ) - عيون الأخبار ج 1 صفحة م _
هذا وبالله التوفيق .
 
حفظك الله شيخنا "منصور " ولو عرفتني لعرفت أن بيني وبين "التنطع" مفاوز ومفاوز ، ولكن صنت هذا الملتقى عن مثل هذه الكلمة ،ولعلك تتفق معي أن "التنطع " في كلمة واحدة لا يستحق الوصف العام به0
أما التعفف "السمج" فياليتني أتصف بتصحيفه "السمح"
 
والله ما عنيت قولك

والله ما عنيت قولك

أستاذنا الجليل الجكني

تحية طيبة ، وبعد ،

أتظنني ممن يتسرعون بالقول فتجد مني ما لا يليق بك وبالملتقى الكريم وبالسامع والقارئ ،

معاذ الله أن أكون من هذا الصنف ، وحاشاك أن تدرك في كلامي بعض ذاك .

إنني مثلك أهش وأبش للدعابة وأخفض جناحي لأهلها ، وكان كلامي في معرض التأييد للموضوع الذي نحن بصدده .

وما غلظ عندي لفظ أو لفظان إلا تلوما على التنطع وصنعته ، لا عليّ ولا عليك .

فلا تلمني فقد أخذتني حماسة الإيضاح ، وأنا براء من أي لفظ يجرح ( زيدا ) من الناس ، والله من وراء القصد .
 
شيخنا الكريم :منصور مهران :حفظه الله
آسف جداً إن كنت "كدّرت" خاطركم الكريم ،فأنتم عندي علم الله أعلى قدراً وأجلّ مكانة من أن أسيء بكم الظن ،وما عرفته عن فضيلتكم من خلال طرحكم ومداخلاتكم العلمية ينبئ عن مكانتكم التي بوأكم الله من العلم والتواضع والسماحة و"الأريحية"و"البسط" .
أما الكلمات التي كتبتها تعليقاً على مداخلتكم فهي من باب "تبرئة "نفسي من هذا الوصف "التنطع" ،وصدقني يا شيخنا جلُّ أوقاتنا خارج أوقات العبادة لله تعالى هي في "الفرفشة" و"التنكيت" وإضفاء المرح على من يجالسنا ،عادة أخذناها من مشايخنا ،حتى إن أحدهم أرشدنا إلى أن يكون مبدأنا في الحياة بعد طاعة الله:"اضحك تضحك لك الدنيا"
وعلى هذا أذكر لك قصة عن شيخنا المرصفي رحمه الله وكان يدرسنا مادة"رسم المصحف" وكان الدرس هو في كلمة"امرأة" وكيف ترسم في المصحف وخلاف العلماء فيها ،فلا أنسى ذلك اليوم الذي قال فيه : يا "أولاد" وهذه كان دائماً ما يلاطفنا بها-درس اليوم "حياخد"(5-10) دقائق ،وبعد كدا اعملوا اللي أنتو عايزين(عاوزين) الشك مني ،ثم ذكر نفس الكلام باللغة الفصحى وقال :قاعدة هذه الكلمة سهلة جداً :"امرأة" معها "رجل ":مفتوحة،،وليس معها :مقفولة"وافتحوا المصحف:"امرأت نوح" و"امرأت لوط"وهكذا ،أما "وامرأة إن وهبت " فهي "مقفولة .
وغير ذلك كثير مما هو في الذاكرة عن مشايخنا ،فهل هناك "تلميذ" تخرج تحت أيدي هؤلاء العلماء الربانيين –ولا أزكي على الله أحداً – يكون "متنطعاً" لا قدر الله ،أو يكون لا يُنزل "النكتة" محلها ،إلا إذا كان "جاف" الخلق والطبيعة نسأل الله السلامة .
وعذراً سيدي عن هذه الإطالة ،وأعيد ":مكانكم محفوظ في القلب قبل أن يكون في القلم واللسان .
 
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد :
فمن المسائل التي أضحكت سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم ، فهديه أكمل الهدي وأضحكتني وأنا أدرس منهج الإمام الدارقطني هذه القصة التي أوردها في سننه وأنا أرجو من الشيخ منصور مهران أن يستنبط منها ما بدا له من العبر والعظات.
رَوَى الدَّارَقُطني بِسَنَدِهِ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ : " كَانَ ابْنُ رَوَاحَةَ مُضْطَجِعاً إِلَى جَنْبِ امْرَأَتِهِ فَقَامَ إِلَى جَارِيَةٍ لَهُ فِى نَاحِيَةِ الْحُجْرَةِ فَوَقَعَ عَلَيْهَا وَفَزِعَتِ امْرَأَتُهُ فَلَمْ تَجِدْهُ فِى مَضْجَعِهِ فَقَامَتْ وَخَرَجَتْ فَرَأَتْهُ عَلَى جَارِيَتِهِ فَرَجَعَتْ إِلَى الْبَيْتِ فَأَخَذَتِ الشَّفْرَةَ ثُمَّ خَرَجَتْ وَفَرَغَ فَقَامَ فَلَقِيَهَا تَحْمِلُ الشَّفْرَةَ فَقَالَ مَهْيَمْ (1) فَقَالَتْ مَهْيَمْ لَوْ أَدْرَكْتُكَ حَيْثُ رَأَيْتُكَ لَوَجَأْتُ بَيْنَ كَتِفَيْكَ بِهَذِهِ الشَّفْرَةِ قَالَ وَأَيْنَ رَأَيْتِنِى قَالَتْ رَأَيْتُكَ عَلَى الْجَارِيَةِ فَقَالَ مَا رَأَيْتِنِى وَقَالَ :" قَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقْرَأَ أَحَدُنَا الْقُرْآنَ وَهُوَ جُنُبٌ قَالَتْ فَاقْرَأْ . فَقَالَ:
أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ يَتْلُو كِتَابَهُ كَمَا **** لاَحَ مَشْهُورٌ مِنَ الْفَجْرِ سَاطِعُ
أَتَى بِالهُدَى بَعْد الْعَمَى فَقُلُوبُنَا بِهِ **** مُوقِنَاتٌ أَنَّ مَا قَالَ وَاقِعُ
يَبِيتُ يُجَافِى جَنْبَهُ عَنْ فِرَاشِهِ **** إِذَا اسْتَثْقَلَتْ بِالْمُشْرِكِينَ الْمَضَاجِعُ
فَقَالَتْ آمَنْتُ بِاللَّهِ وَكَذَّبْتُ الْبَصَرَ ثُمَّ غَدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
فَأَخْبَرَهُ فَضَحِكَ حَتَّى رَأَيْتُ نَوَاجِذَهُ صلى الله عليه وسلم. " (2)
قال ابن القيم في كتابه القيم :" إجتماع الجيوش الإسلامية ":" قال محمد بن عثمان الحافظ: رويت هذه القصة من وجوه صحاح عن ابن رواحة رضي الله عنه ." (3)
ـــــــــ
(1) مَهِيم : كلمةٌ يمانيَّةٌ معناه : " ما أمْرُكُم وشَأنُكم "، أنظر النهاية في غريب الحديث (4/378)
(2) سنن الدارقطني (1/127) علق عليها وخرج أحاديثها : مجدي بن منصور بن سيد الشوري، دار الكتب العلمية ، بيروت –لبنان-(1417هـ-1996م)
(3) ص : 146
 
أضحك الله سِنك

أضحك الله سِنك

أخي الشيخ علال :

أضحك الله مَن رآك وسلمت يراعتك ويمناك ؛ إذ زدتنا رواية غير التي أضحكتنا بعد رسول الله صلوات الله عليه،


فالذي قرأته في ذلك أنه أنشدها :

[poem=font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
شهدت بأن وعد الله حق وأن النار مثوى الكافرينا

وأن العرش فوق الماء طافٍ وفوق العرش ربُّ العالمينا

وتحمله ملائكة كرام ملائكة الإله مقربينا[/poem]

[ انظر مصادر الأبيات في تخريجها بالديوان من جمع وتحقيق الدكتور وليد قصاب - دار العلوم - الرياض ]

أولا : يبدو أن امرأة عبد الله بن رواحة لم يكن لديها إلمام بقراءة القرآن وحفظه ، فلم تميز بين الشعر والقرآن .

ثانيا : انبهرت المرأة بالمعاني الإسلامية في شعر زوجها فظنتها قرآنا .

ثالثا : لم يكن ضحك الرسول صلى الله عليه وسلم من صنيع عبد الله بجاريته فقط فهي حِلّ له ، : بل من خديعته .

رابعا : هذه الخديعة لا تدخل في باب المحرم ؛ لأن عبد الله شهد في شعره بأشياء من أهم أركان الإيمان ،

وكلها صِدق وحق ، فابتعد جدا عن موطن الكذب .

خامسا : أن اعترافه بالأمر عند رسول الله فيه مظِنة استغفار رسول الله له ، أخذا من قول ربنا عز وجل :

( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما )

وفي خبر ذات النحيين مع خوات بن جبير - رغم وقوع الخبر في الجاهلية - وما كان يداعبه به رسول الله ،

صلى الله عليه وسلم ، بعد إسلام خوات ،

فيقول له : يا خوات ، كيف شراؤك ؟ ويتبسم له : فيه لفتة كريمة للدعابة السامية الحانية .


واللهِ ، ما زجرني أبي عن شيء بمثل ما زجرني عن الضحك ، فلما قرأت عليه يوما قول ربي عز وجل :

( وأنه هو أضحك وأبكى ) ، قلت له : إذا لم نضحك يا أبي فقد عطلنا صفة من صفات ربنا أثبتها لنفسه .

فضحك حتى استلقى وقال : إذن اضحك ولا تكن من المعطلة .
 
جاء في كتاب "كتاب المحاضرات والمحاورات" للإمام السيوطي رحمه الله بتحقيق د/ يحي الجبوري(ص:415) نقلاً عن كتاب "اللطائف واللطف" لأبي منصور الثعالبي رحمه الله :
1-كان ابن عباس رضي الله عنه كثيراً ما يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم :(الهدية مشتركة) فأهدي إليه من مصر ثياب ،فأمر بتسليمها إلى خادمه ،فقال له جلساؤه : ألم ترو لنا أن الهدية مشتركة؟فقال : تلك مما يؤكل ويشرب ،فأما ثياب مصر فلا .
2-قال بعض الهاشميين لأبي جعفر المنصور:إني صرورة (لم يحج أو لم يتزوج) قال أبوجعفر: فاحجج ،قال :ليس لي نفقة،قال: ليس عليك حج ، قال: يا أمير المؤمنين إنما جئتك مستمنحاً لا مستفتياً .
3-قال الأصمعي: دخلت على الفضل بن الربيع يوماً بارداً وعلي ثياب قطن ،فقال لي : يا أبا سعيد أين الوبر؟ فقلت : في خزانتك أصلحك الله ،فضحك وأمر لي بدواج سمور .
 
جزاك الله خيرا ، رجاءا لا تطل الغياب عن أحبابك في الملتقى
 
دُوَّاج سَمُّور

دُوَّاج سَمُّور

مما أتحفنا به العلامة الجليل الجكني - من مواقف الظرافة - تسمية الأصمعي لضرب من الثياب : ( دواج سمور ) ، ولم تحظ التسمية بالضبط الذي تُقرأ به ، ولا بالمعنى الذي يزيد الظرافة فائدة لغوية ، فأحببت أن أشارك أخي الجكني بقسط من ظرافة اللغة ليضحك مَن ضحك عن بينة ، فأقول :
الدُّوَّاج - بزنة رُمَّان - وقد تخفف الواو فيكون بزنة غراب ، هو ضرب من الثياب يُلتحف به ، قال ابن دريد : ( لا أحسبه عربيا صحيحا ) ولم يفسره .
قلت : لعلها العباءة التي يسمونها في أزماننا البِشت وجمعها البشوت .
و ( السَّمُّور ) - بزنة تنور - دابة معروفة تكون ببلاد الروس ، وراء بلاد الترك : تشبه النِّمْس ، ومنها أسود لامع ، وأشقر ، يتخذ من جلدها فِراء مُثْمِنَة ، أي : غالية الأثمان ، وقد ذكره أبو زبيد الطائي ، فقال يذكر الأسد :
حتى إذا ما رأى الأبصار قد غفلت
واجتاب من ظلمة جُوِّيَّ سَمُّورِ
أراد : جُبة سمورٍ . لسواد وبره ( تاج العروس د و ج ، س م ر )
قلت : هي بالإضافة ، ويجوز جبة من سمور كما قالوا : خاتمُ حديدٍ و خاتمٌ من حديد ، ولخفة هذا الفراء وإدفائه وحسنه صار مما يتخذه الأثرياء ثيابا ، وقد كانت الفراء للرجال ، وهي اليوم من ثياب النساء .
فلعل المراد بقوله ( دواج سمور ) جبة سمور .
قال الجاحظ في رسالة التبصر بالتجارة : وخير السمور الصيني ، ثم الخزري - نسبة إلى بلاد الخزر - : الشديد البياض مع شدة السواد الطويل الشعر .
قلت : وأهل العلم بالحيوان يقولون : إن فصيلة السموريات تشمل السمور والسُّرْعوب وابن عرس والقضاعة والقاقم والظربان والفيزون والراتل ، وكلها حيوانات مفترسة ذات فراء ثمين ، وبعضها يوشك أن ينقرض .
ومعذرة إليكم أيها الكرام فقد أذهبت كلماتي عنكم البسمة إلى الفكرة ، فالآن عودوا بالجمع بينهما راشدين .
 
هذه الطرفة هدية لشيخنا الجكني الطريف الظريف اللطيف

ومما يشبه حديث الدارقطني عن الجارية

ما حدثنا به الشيخ محمد علي مراد الحموي أن أحد شيوخ مكة واسمه عمر كان لديه جارية وكانت زوجته تغار منها وتمنعه من قربانها .....وانتظر فرصة ذهاب زوجته لحاجة ما فدخل على جاريته ونال منها ما أحله الله فإذا به يسمع قرقعة الباب واذا بزوجته تدخل ، فما كان منه إلا أن خر ساجدا على الأرض كما هو ....
ثم جلس كأنه يجلس للتشهد وسلم عن اليمين واليسار

فانهدشت زوجته وقالت على مثلي تضحك !!!!!!

قال ماذا ؟؟؟؟

قالت : ةفي مذهب من تصح الصلاة عاريا ؟؟؟

قال اذهبي سلي الشيخ المفتي في الحرم وكان الشيخ من أصدقاء الشيخ عمر
فلبست ثيابها وذهبت حتى وصلت حلقة الشيخ فأسرت للشيخ بالسؤال وشرحت له الواقعة وهي ترتجف ... فأدرك الشيخ بذكائه الموضوع
فقال انتظري يا أمة الله لأريك المسألة في الكتاب فتناول كتاباً قديماً بين يديه ونظر فيه وقرأ :
ثبت لدينا أن سيدنا عمر صلى عاريا ........

فصدقت المرأة ورجعت لزوجها ... وهي لا تكاد ترى الطريق أمامها
 
ومن ذلك ما ذكره الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله- في تفسيره( أضواء البيان جـ 5 / المؤمنون آية:7 ): (( وإنما قيل للاستمناء باليد: "جلد عميرة" لأنهم يكنون بـ "عميرة" عن الذكر.
لطيفة:
قد ذكر في "نوادر المغفلين": أن مغفلاً كانت أمه تملك جارية تسمى عميرة فضربتها مرة، فصاحت الجارية، فسمع قوم صياحها، فجاؤوا وقالوا: ما هذا الصياح؟
فقال لهم ذلك المغفل: لا بأس، تلك أمي كانت تجلد عميرة)).
انتهى من كتاب "أضواء البيان".
 
ليتك أيها الشيخ الجكني تكتب شيئا عن سيرة الشيخ المرصفي رحمه الله تعالى إحياء للنماذج المعاصرة
 
جزاكم الله خيراً ونفع بكم على هذه النوادر والطرائف .
وليتكم ترفعون عن بطن عُرَنة وفقكم الله​
 
نزولا عند رغبة الشيخ السلامي في ترجمة الشيخ المرصفي

وامتثالاً لإشارة الأخ الحبيب المشرف العام بأن نبقى في نمرة ونبتعد عن بطون عرنة فإليكم هذه الترجمة للشيخ المرصفي
وقبل الترجمة اسمحوا لي أن أقدم بين يديها هذا الموقف الطريف لشيخنا رحمه الله

رحم الله شيخنا الشيخ المرصفي

فلقد كأن آية في اتقان القراءات واستحضارها ومحبتها والدفاع عنها
وكان لا تأخذه في الله لومة لائم
وأخبرني أنه حفظ آلافا من أبيات منظومة في التجويد والقراءات وأنه نسخ بخطه الكثير من كتب القراءات النادرة
وأن من أحد مواقفه أنه كان يقرأ على أحد المشايخ وكان منزله بعيدا عن بلدته فكان ينطلق إليه على الدابة قبيل الفجر وأنه ذات يوم كان شديد النعاس وأصبحت الدابة تعرف الطريق من كثرة ترداده على الشيخ فأرخى لها العنان ونام على ظهرها وهكذا كان يفعل بعد ان يراجع ويحضر الدرس الذي سيجمعه على الشيخ
وذات مرة فوجئ بأن االدابة توقفت وإذا بها قد مالت عن الطريق في شدة الظلام وإذا بشي بارد يصحيه وإذا الماء قد وصل إلى رجلي الشيخ وغرقت الدابة في الماء حتى بطنها وههنا لا تستطيع لا تقدما ولا تأخراً
والموقف مخيف والظلام شديد والجو بارد

فما كان منه إلا أن اصبح يردد الشاطبية بصوت مرتفع ويقول :
جزى الله بالخيرات عنا أئمة ........لنا نقلوا القرآن عذبا وسلسلا

فما مضى وقت إلا وطربت الدابة وانتفضت وخرجت به من هذا المأزق
ولقد حدثنا بقصص كثيرة مرت به في طلب العلم فلله درهم

ولا زالت مصر مليئة بالدرر

العلامة الشيخ عبدالفتاح المرصفي


(1341 – 1409 هـ - 1923 – 1989م)

بقلم: إبراهيم بن عبدالعزيز الجوريشي

اسمه ولقبه:

هو المقرئ الشهير، والعلاّمة النّحرير، المحقق المدقق صاحب التصانيف المفيدة، والأسفار الفريدة، فضيلة الشيخ عبدالفتاح بن السيد عجمي بن السيد، العسس لقباً، المرصفي ولادة ونشأة، المصري موطناً، الشافعي مذهباً، الأزهري تربية، ثم المدني إقامة.

مولده ونشأته:

ولد الشيخ عبدالفتاح بمرصفا من أعمال محافظة القليوبية بمصر في يوم الثلاثاء الحادي عشر من شهر شوال لسنة إحدى وأربعين وثلاثمائة وألف هجرية الموافق لليوم الخامس من شهر حزيران لسنة ثلاث وعشرين وتسعمائة وألف ميلادية.

نشأ الشيخ عبدالفتاح في أسرة علمية صالحة من أهل القرآن، وكان والده حافظاً مقرئاً للقرآن الكريم في بلدة مرصفا، وتخرج على يده العلماء المراصفة في عصره، وكان والده – رحمه الله – يقرأ بقراءة أبي عمرو البصري.

طلبه للعلم ومشايخه:

التقى الشيخ عبدالفتاح المرصفي – رحمه الله – بالكثير من المشايخ والعلماء وأخذ عنهم، نذكر منهم:

1- الشيخ زكي بن محمد المرصفي.

2- الشيخ حامد بن علي السيد غندور.

3- الشيخ حسن المري.

4- الشيخ محمد السباعي عامر.

5- الشيخ قاسم الدجوي.

6- الشيخ أحمد بن عبدالعزيز الزيات.

كانت بداية الشيخ عبدالفتاح في طلب العلم في حفظه للقرآن الكريم، حيث حفظه على يد شيخه زكي بن محمد عفيفي نصر المرصفي ولم يتجاوز العاشرة من عمره، وقد قرأ الشيخ عبدالفتاح القرآن الكريم برواية حفص عن عاصم مرات من طريق الشاطبية على الشيخ زكي وأجازه بها.

بعد حفظه للقرآن، دخل المدرسة الأولية – أي الابتدائية – في عام (1352هـ - 1934م)، ثم تخرج من التعليم الأولي سنة (1357هـ - 1939م) وكان ترتيبه الأول على المحافظة في تلك الفترة. ثم أخذ التجويد عن الشيخ الرفاعي بن محمد بن أحمد المجولي، ثم قرأ بعدها ختمة كاملة لابن كثير على الشيخ المجولي، ثم ختمة لحمزة وأخرى للكسائي من طريق الشاطبية وأجازه بهن، ثم قرأ عليه أيضاً القراءات السبع من طريق الشاطبية وأجازه بها.

ثم التقى الشيخ عبدالفتاح بالأستاذ المقرئ حامد بن علي السيد غندور، وأخذ عنه القراءات الثلاث من طريق الدرّة لابن الجزري، وقراءة حمزة ويعقوب ورواية حفص عن عاصم ورواية الأصبهاني عن ورش من طريق طيبة النشر، وأجازه بذلك.

وفي عام (1353هـ - 1935م) التقى بالعلامة الشيخ محمد الأنور حسن شريف، وأخذ عنه القراءات الثلاث من الدرّة المضية، ثم قرأ عليه ختمة كاملة للقراءات العشر من طريق الشاطبية والدرة.

ثم ارتحل إلى المقرئ الشيخ محمد بن جمعة الباز، وقرأ عليه القراءات الثلاث من الدرة ولم يكملها عليه. وفي عام (1373هـ - 1954م) التحق الشيخ عبدالفتاح بالأزهر الشريف في قسم القراءات وحصل على إجازة في التجويد، وكان ترتيبه الأول في مصر. وبعد ذلك حصل على الشهادة العالية في القراءات وذلك في عام (1376هـ - 1957م)، وكان ترتيبه الثالث. حيث أدى الامتحان الشفوي في الشهادة العالية في القراءات على الشيخ محمد بن علي بسة مع آخرين، وكان ذلك في القرآن الكريم من طريق الشاطبية والدرة، والنحو والصرف والمتون في عام (1376هـ - 1957م).

ثم واصل الشيخ المرصفي دراسته في قسم تخصص القراءات بكلية اللغة العربية حتى حصل التخصص في القراءات، وكان ترتيبه الثاني في عام (1380هـ - 1961م). ثم أكرمه الله تعالى بعد ذلك بالحصول على (الإجازة العالية) من كلية الدراسات الإسلامية والعربية/ جامعة الأزهر في عام (1390هـ - 1970م).

وعندما كان المترجم له في الأزهر الشريف درس فيه علوماً عدة وفنوناً شتى، حيث درس الشاطبية والدرة والطيبة والعقيلة و(مورد الظمآن في علم رسم القرآن) و (ناظمة الزهر في علم الفواصل) وغيرها كالبلاغة والصرف والنحو والفقه والتفسير، وحفظ العديد من المتون في العلوم المتنوعة.

وفي فترة دراسته في الأزهر أيضاً قرأ على غير واحد من العلماء الأثبات، حيث قرأ على الشيخ حسن المرّي رواية حفص عن عاصم، وقد حضر عليه في السنة الأولى بتخصص القراءات وشرع في القراءة عليه ختمة للعشرة من طريق طيبة النشر، ولكن لظروف ألمـّت بالشيخ عبدالفتاح حالت دون إتمام الختمة عليه. كما أخذ أيضاً في تلك الفترة عن الشيخ عبدالله البطران رواية حفص عن عاصم وأخذ أيضاً عن العالم الفاضل العلامة المصري الشيخ محمد السباعي عامر، بقسم تخصص القراءات التابع لكلية اللغة العربية بالأزهر - يوم ذاك - علوم النحو والصرف والبلاغة والتفسير وناظمة الزهر. وقد أخذ المرصفي أيضاً عن الشيخ عبدالمحسن شطا، حيث حضر عليه في قسم تخصص القراءات مادة توجيه القراءات العشر من طريق طيبة النشر. وحضر أيضاً على الشيخ قاسم الدّجوي شرح طيبة النشر بالسنة الأولى.

وفي أوائل سنة (1381هـ - 1962م) سافر الشيخ عبدالفتاح إلى ليبيا مدرساً في جامعة الإمام محمد بن علي السنوسي الإسلامية، وظل مدرساً فيها ستة عشر عاماً (1381هـ-1397هـ - 1962م – 1977م)، وفي تلك الفترة انتسب إلى الأزهر الشريف، وحصل على الشهادة العالية " الليسانس ". وتلقى عنه خلق كثيرون في ليبيا، وأخذوا عنه التجويد والقراءات، حتى أفرد كتاباً خاصاًّ لهم برواية قالون عن نافع المدني، لأنهم يقرؤون بهذه الرواية. وفي عام (1392هـ 1972م) التقى المترجم له بأعلى القراء إسناداً في هذا العصر الشيخ أحمد بن عبد العزيز الزيّات، وقرأ عليه ختمة كاملة بالقراءات العشر من طريق الطيبة، حيث ختمها على الشيخ الزيّات في أربعة وأربعين يوماً وأجازه بذلك، بعدها قرأ ختمة كاملة بالقراءات العشر من طريق الشاطبية والدرة وأجازه بذلك في رمضان (1398هـ - 1978م)، وفي فترة وجوده في ليبيا عمل - رحمه الله - مدرساً لعلم التجويد في مدرسة مدينة تاجوراء وترهونة ... وغيرهما. كما قام أيضاً بإلقاء دروس الوعظ والإرشاد بالجامعة الإسلامية في ليبيا.

التقى المترجم له فترة وجوده في ليبيا بالشيخ علي الغرياني التاجوري المالكي، وهو من أجلّة علماء طرابلس الغرب، والتقى أيضاً بالشيخ محمد بن الشيخ علي الغرياني، حيث درس عليه بمدرسة أبي راوي بتاجوراء، وبمنزل شيخه محمد بن علي التاجوري الكثير من العلوم العربية والشرعية، منها الحديث الشريف ومصطلحه، والفقه المقارن والتوحيد والمنطق، وغير ذلك من العلوم.

بعد ذلك توجه الشيخ عبدالفتاح إلى المدينة النبوية في عام (1397هـ - 1977م)، حيث عيّن معيداً في كلية القرآن الكريم والدراسات الإسلامية في الجامعة الإسلامية، وانتفع منه خلق كثيرون.

وفي تلك الفترة أخرج الشيخ عبدالفتاح كتابه الموسوم بـ " هداية القارئ إلى تجويد كلام الباري " ونال هذا الكتاب النفيس القبول من أهل الاختصاص وأثنى عليه الكثير من العلماء، لما حوى من طيّب الكلام وأنفس الجواهر العلمية فيه. وتكريماً لجهود الشيخ في هذا الكتاب قررت إدارة مجلس الجامعة أن تكرّم الشيخ فرفع الكتاب إلى المجلس الأعلى للجامعات ثم صدرت الموافقة في الأمر الملكي بتاريخ (6 صفر 1406هـ الموافق 20 تشرين أول 1985م) بترقية الشيخ عبدالفتاح إلى درجة أستاذ في كلية القرآن الكريم والدراسات الإسلامية، وعيّن عضواً في اللجنة العلمية لمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف للإشراف على المصحف الشريف طباعة وتسجيلاً بأصوات أشهر القراّء في المملكة العربية السعودية.

مؤلفاته:

للشيخ المرصفي عدة مؤلفات منها:

1- الطريق المأمون على أصول رواية قالون (ط).

2- هداية القارئ إلى تجويد كلام الباري (ط).

3- شرح الدرّة في القراءات الثلاث المتمّمة للعشرة (خ).

4- الإدغام في القرآن الكريم ومذاهب الأئمة العشرة فيه من طريق طيبة النشر (خ).

تلاميذه:

لقد تلقى عن الشيخ المرصفي خلق كثيرون منهم:

1- الشيخ محمد تميم الزعبي، أخذ عنه القراءات العشر الكبرى، وقرأ عليه عقيلة أتراب القصائد وناظمة الزهر.

2- الشيخ إدريس عاصم من لاهور/ باكستان، أخذ عنه القراءات العشر الصغرى.

3- الشيخ محمد إبراهيم الباكستاني، أخذ عنه القراءات العشر الصغرى.

4- الشيخ عبدالرحيم محمد حافظ العلمي من المدينة المنورة، أخذ عنه رواية حفص عن عاصم من طريق الشاطبية، وقرأ عليه السبع من طريق الشاطبية.

5- الشيخ أحمد ميان التهانوي الباكستاني، أخذ عنه القراءات الثلاث من طريق الدرة.

6- الدكتور أحمد شكري شابسوغ من الأردن، قرأ عليه ختمة برواية حفص عن عاصم من طريق الشاطبية وأجازه بذلك.

7- الشيخ عبدالناصر يوسف سلطان، أخذ عنه رواية حفص عن عاصم من طريق المصباح.

8- الشيخ فتحي رمضان محمد محمود قرأ عليه القراءات العشر الصغرى.

9- الدكتور حازم سعيد حيدر الكرمي قرأ عليه ختمة كاملة برواية حفص من الشاطبية.

10- الشيخ عبدالرازق علي إبراهيم موسى أخذ عنه القراءات العشر من الطيبة.

11- الشيخ أحمد حسن قاضي وزير قرأ عليه حفصاً من الشاطبية.

وذكر الشيخ أحمد الزعبي الحسني في ترجمته لشيخه المرصفي، في مطلع كتاب (هداية القارئ) الطبعة الثانية، واصفاً حال الشيخ في الإقراء: " رأيت ذلك بعيني – حتى كان بعضهم يقرأ عليه أثناء تناوله الطعام. كان رحمه الله متضلّعاً في العلم وكأنما أُلين له العلم حتى استظهر متونه كلها، حتى أن بعض المدرسين في الجامعة كانوا يأخذون عنه. ورغم مرضه الشديد كان يقرئ الطلاب ولا يمنع أحداً".

أوصافه:

قال الشيخ أحمد الزعبي الحسني في وصف شيخه المرصفي: " كان أسمر اللون ذا لحية بيضاء طويلة، كان صاحب نكتة ودعابة، إذا جالسه أحد لا يملّ من حديثه، كان يمازح ضيفه وتلميذه رغم مرضه الشديد، ليّن العريكة، حلو الحديث، بسّاماً كريماً في بيته لأهل القرآن، شديد الخوف من الله، لا تأخذه في الله لومة لائم.

إذا جلس للإقراء كانت له هيبة، يعلوه الوقار والصمت، وإذا شرع في الحديث عن الروايات وطرقها كان بحراً دفّاقاً، غيوراً على أهل القرآن والقراءات وكان يرد على المخالفين للقراءات، كثير الترحم والتأدب مع العلماء السابقين، وكان يعجبني فيه حبه لمشايخه، وأدبه الرفيع معهم فكان لا يذكر عالماً إلا ترحم عليه.

كان كثير القراءة للقرآن، وكان رحمه الله يصلي كل يوم الوتر في بيته إحدى عشر ركعة يقرأ فيهن جزأين من القرآن، وأما في شهر رمضان فكان يترك الإقراء ويعتكف على صلاته وتهجده فكان يصلي التراويح في بيته ويقرأ خمسة أجزاء في كل يوم.

وفاته:

وفي يوم الأربعاء السابع عشر من شهر جمادى الثاني لعام ألف وأربعمائة وتسع من الهجرة النبوية الموافق لليوم الخامس والعشرين من شهر كانون الثاني لعام ألف وتسعمائة وتسع وثمانين ميلادية، وبعد صلاة العصر كان يقرأ على الشيخ طالب من الأردن يقيم في الإمارات المتحدة اسمه " بلال الصرايرة " فوصل إلى سورة الملك عند قوله تعالى: ( إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير).

وفجأة سكت قلب طالما خفق خاشعاً لربه، ووقف لسان طالما نطق ذاكراً ربه، وانتهت مسيرة شعلة كانت مضيئة، فانطفأت وتركت ظلالاً يافعة أسأل الله أن يبارك فيها.

وفي اليوم التالي صُلِّي على الشيخ في الحرم النبوي الشريف بعد صلاة الفجر، وسارت الجنازة حيث استقبل البقيع مقرئ العصر، ووري جثمانه بين قبر سيدنا عثمان وشهداء الحرة - رحمهم الله تعالى -.

أقوال العلماء فيه:

أثنى كثير من العلماء المعاصرين على الشيخ المرصفي ووصفوه بالمحقق والعلامة الجهبذ، وأقوالهم موجودة في تقريظ وتقديم كتابه: هداية القارئ، ومنهم: الشيخ حسنين محمد مخلوف مفتي مصر الأسبق، وحسين خطاب شيخ قراء الشام، وعامر السيد عثمان شيخ المقارئ المصرية.



* مصادر الترجمة:

1- هداية القارئ إلى تجويد كلام الباري، تأليف: عبدالفتاح المرصفي، الطبعة الثانية، مكتبة طيبة – المدينة المنورة.

2- تتمة الأعلام للزركلي، تأليف: محمد خير رمضان يوسف، المجلد الأول ص 307، الطبعة الأولى (1418هـ - 1998)، دار ابن حزم – بيروت.

3- مجلة المجتمع (الكويتية) العدد رقم (912) (6/9/1409 هـ) ص 57.

4- بعض النقاط الشفوية من الدكتور أحمد شكري شابسوغ تلميذ المترجم.

5- إمتاع الفضلاء بتراجم القراء فيما بعد القرن الثامن الهجري، تأليف: إلياس بن أحمد حسين البرماوي، الجزء الأول ص (180 – 188) الطبعة الأولى (1420هـ – 2000م)، دار الندوة العالمية للطباعة والنشر والتوزيع. المملكة العربية السعودية.
 
وجدت في أوراقي القديمة أيام الدراسة الجامعية ما نصه :
طريفة :
معروف عند النحويين أن (هل ) تختص في أصل استعماله بالدخول على الأفعال نحو قولك : هل كتب عمرو ،هل خرج زيد ،إلا أنها (أحياناً قد تخرج عن هذا الأصل فتدخل على مبتدأ خبره اسم نحو : هل عمرو كاتب ؟ وهل زيد خارج ؟ولكنها لا تدخل على مبتدأ خبره فعل نحو : عمرو كتب وزيد خرج 0
ومحل الطرفة :
أن بعض النحويين ذكر علة لدخولها على اسم خبره اسم ولِمَ لا تدخل على اسم خبره فعل فقال :
لأن "هل " إذا لم تر الفعل في حيزها تسلّت عنه ذاهلة ، وإن رأته في حيزها "حنّت " إليه لسابق الألفة ،فلم ترض حينئذ إلا ب "معانقته " 0انتهى
قال بعضهم – ولا أعرف من هو – وكلام هذا النحوي وهو يقرر حقيقة علمية لا يختلف عن قول الشاعر :
مليحة عشقت ظبياً حوى حوراً 00000فمذ رأته سعت فوراً لخدمته
ك"هل" إذا ما رأت فعلاً بحيزها00000حنًت إليه ولم ترض بفرقته
هذا ما وجدته وللأسف لم أسجل المصدر الذي نقلته منه ،فمن اطلع عليه فلا يبخل علي به ،فاشتياقي إلى معرفته أشد من اشتياق " هل " ل "الفعل" 0
 
عفواً لم أطلع على ترجمة شيخنا المرصفي رحمه الله إلا الآن ،ويا حبذا لو توضع في مكان خاص بها وتجعل تحت عنوان "تراجم القراء المعاصرين " فهو أليق بها وبه رحمه الله ،حيث إن هذه الزاوية ليست للجد ،بكسر الجيم 0
 
مداخلة تمشي على خجل واستحياء؛ فاعذروا أخاكم

مداخلة تمشي على خجل واستحياء؛ فاعذروا أخاكم

أرجو ألاّ أكدّر صفوكم، وألاّ أُفسد عليكم مُتعتكم بهاتيك الطرائف اللطائف.
لكن ما بُدٌّ من جِدٍّ يُخلَط بالإحماض أحيانًا.
ولي أسوة وقدوة ببعض من سبقني من المشايخ الفضلاء النبلاء.
فاعذروا أخاكم؛ فما مراده إلا الخير إن شاء الله.
وعسى ألاّ أُثقِل عليكم بما سأسطره.

علال بوربيق قال:
قال ابن القيم في كتابه القيم :" إجتماع الجيوش الإسلامية ":" قال محمد بن عثمان الحافظ: رويت هذه القصة من وجوه صحاح عن ابن رواحة رضي الله عنه ." (3)

محمد بن عثمان الحافظُ هذا هو ابن الذهبي، نسبه ابن القيم إلى جدّه على جاري عادته.
والظاهر أن ابن القيم قد تصرّف في كلامه واختصره، ولم يتقيّد بنصّه.
وهاكه بنصّه وفصّه من كتاب العرش ص107 له:
رُوي من وجوه صحاح مرسلة عن عبد الله بن رواحة.
وكلامه هذا أدق من كلام الحافظ أبي عمر النمري.
وقد قال في العلو للعلي العظيم ص438: رُوي من وجوه مرسلة ..... فهو منقطع.
وليس الغرض هنا استيفاء الكلام عن طُرُق القصة وإيعاب القول حول درجتها، ومن رام بعض تفصيل في ذلك؛ فلينظر التعليق على العلو ص437-440 وكتاب قصص لا تثبت للشيخ مشهور بن حسن.
 
بين قِرنين
غير خفي على المطّلع والمطالع لكتب التراجم ما حدث ويحدث بين "الأقران" من محاورات ومناظرات تصل في "الغالب " إلى "طرح " و"نبذ" أحدهما الآخر،بل تصل أحياناً إلى "الشتم " والتكفير والتبديع " والتضليل" وقليلاً ما نجد الحالة بين "الأقران " المتناظرين تسودها المحبة و"الأدب" واحترام أحدهما للآخر،بل وإظهار " أن ما يحدث بينهما إنما هو من باب "الأدب" وليس من باب "الحرب"0
والأمثلة على القسم الأول كثيرة جداً ،فمثلاً :
1-قول ابن أبي ذئب أن مالكاً رحمه الله يجب أن يستتاب وإلا 00
2-ما حدث بين أبي نعيم وبين ابن مندة –إن لم تخني الذاكرة-
3-ما كان بين الإمامين ابن حزم والداني رحمهما الله تعالى 0
4-ما كان بين الإمام تقي الدين السبكي والإمام ابن تيمية رحمهما الله تعالى 0
5-ما كان ين الإمام السيوطي والإمام السخاوي رحمهما الله تعالى 0
وغير ذلك كثير مبثوث في كتب التراجم حتى قال العلماء :كلام الأفران بعضهم في بعض يروى فيطوى " ولا شك أني لا أوافق على هذه العبارة في مطلقها0
ومن الأمثلة على القسم الثاني :أتذكر :
1-ما كان بين الإمامين ابن حزم والباجي رحمهما الله تعالى 0
2-ما كان بين ابن حزم أيضاً وابن عبد البر رحمهما الله تعالى 0
3-ما كان بين أبي بكر محمد بن داود-شيخ المذهب الظاهري- وابن سريج رحمهما الله تعالى وهو ما أحببت ذكره اليوم لطرافته وظرافته 0
لكن قبل ذلك أقول هذه الكلمة :
قد يقول قائل :إن سبب القسم الأول هو الاختلاف العقدي،فأقول :لا ،ليس ذلك ،وإلا لما اختلف السيوطي والسخاوي وغيرهما ممن يجمعهما المعتقد الواحد 0
إذن ما هو السبب يا ترى :
أجيب جواباً ولا أجزم بصحته مع اعتقادي بأن له وجهاً من الصواب وهو :المشرب الأدبي للمتناظرين ،فكل ما كانا ممن يتعاطى الأدب وروحه كانا أكثر "سماحة" و"سهولة" في التناظر وفي حكم أحدهما على الآخر،لأننا في "دين الأدب " لا نجد المصطلحات " الشرعية " "بدعة وضلالا وكفراً 000الخ والله أعلم 0
قال القاضي ابن خلكان رحمه الله :
"اجتمع يوماً هو – أبو بكر بن داود –وأبو العباس بن سريج في مجلس الوزير ابن الجراح فتناظرا في "الإيلاء" فقال ابن سريج :"أنت في بقولك :من كثرت لحظاته دامت حسراته ،أبصر منك بالكلام في "الإيلاء" ،فقال له أبو بكر: لئن قلت ذلك فإنني أقول :
أنزه في روض المحاسن مقلتي 0 0وأمنع نفسي أن تنــــال محــــرما
وأحمل من ثقل الهوى مـا لوانه 000يصَبّ على الصخر الأصم تهدما
وينطق طرفي عن مترجم خاطري 0فـلولا اختـلاسي رده لتكـــلــما
رأيت الهوى دعوى من الناس كلهم 000فما إن أرى حباً صحيحا مسلما
فقال له ابن سريج:وبم تفخر علي ولو شئت أنا لقلت:
ومساهر بالغنج من لحظاته 000قد بتّ أمنعـه لذيـذ سناتــــه
ضنا بحسن حديثه وعتابه 000وأكرر اللحظـات في وجناته
حتى إذا ما الصبح لاح عموده000ولى بخاتم ربه و براتـــــه
فقال أبو بكر: يحفظ الوزير عليه ذلك حتى يقيم شاهدي عدل أنه "ولى بخاتم ربه" ،فقال أبو العباس ابن سريج: يلزمني في ذلك ما يلزمك في قولك:
أنزه في روض المحاسن مقلتي 00وأمنع نفسي أن تنال محرما
فضحك الوزير وقال : لقد جمعتما "ظرفاً" و"لطفاً" و"فهماً" و"علماً"0
وفيات الأعيان :4/260
والقصة القادمة قصة القاضي عبد الوهاب رحمه الله ،وأقول من الآن :قد لا تصلح " للمتنطعين " الذين يقيسون الأدب والشعر بمقياس غير مقياسه ،ومنهم الذين يرون كما قال بعض المشايخ المعاصرين أن "الأسنان "عورة" 0
والله من وراء القصد0
 
جزاكم الله تعالى خيراً على هذه المشاركات الطيبة و الأخلاق الرفيعة .
 
قول الكاتب : ( امرأة" معها "رجل ":مفتوحة،،وليس معها :مقفولة"وافتحوا المصحف:"امرأت نوح" و"امرأت لوط"وهكذا ،أما "وامرأة إن وهبت " فهي "مقفولة )
هذا كلام غير لائق ممن ينتسب إلى العلم وكذلك غير لائق في هذا المقام ولا في غيره ولا يخفى على الكاتب العزيز بأن هذا الملتقى هو محل لقاء لأهل العلم وغيرهم وينزه عن مثل هذه العبارات التي لا تليق ، وهذه العبارات ليست من الطرائف والفكاهة التي تنقل للناس لأنها تنافي الحياء الشرعي ، فالواجب على المسلم أن يتقيد بالضوابط الشرعية في كل شيء سواء طرائف أو غير طرائف ولا ينقل للقراء إلا ما كان نافعاً أو لائقاً ،فكان الواجب عليه أيضاً أن يعرف التعريف الشرعي مثل القول بأن تاء امرأة يفتح إذا أضيفت المرأة نحو امرأت نوح ، امرأت لوط ، امرأت فرعون ونحو ذلك من العبارات اللائقة ، قال النووي قال العلماء : فينبغي أن يستعمل في هذا وما أشبهه من العبارات التي يستحيي من ذكرها بصريح اسمها الكنايات المفهمة فيكنى عن جماع المرأة بالإفضاء والدخول والمعاشرة والوقاع ونحوها ولا يصرح . الأذكار للنووي ص300 . ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا متفحشاً ، وقال : ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء ، وقال : إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت ، وقال :" ان الرجل ليتكلم بالكلمة يضحك بها جلساءه يهوي بها من أبعد من الثريا " وقال : " قال إن الرجل ليتكلم بالكلمة يضحك بها جلساءه ما ينقلب إلى أهله منها بشيء نزل بها أبعد من السماء إلى الأرض " وقال عبد الله بن مسعود : " والله ان الرجل ليتكلم بكلمة في الرفاهية يضحك بها جلساءه فترديه ابعد ما بين السماء والأرض" ولا شك أن المزاح منه ما هو مباح ولكن لا بد أن يكون منضبط بالضوابط الشرعية ، قال العلماء إن الاشتغال باللعب مباح ولكن المواظبة عليه مذمومة وأما الإفراط فيه فإنه يورث كثرة الضحك وكثرة الضحك تميت القلب وتورث الضغينة في بعض الأحوال وتسقط المهابة والوقار ، وقال ابن الجوزي إن نفوس العلماء تسرح في مباح اللهو الذي يكسبها نشاطاً للجد فكأنها من الجد لم تزل " قال أبو فراس : " أروح القلب ببعض الهزل تجاهلاً منى بغير جهل أمزح فيه مزح أهل الفضل والمزح أحيانا جلاء العقل " وقال عمر رضي الله عنه : " من كثر ضحكه قلت هيبته ومن مزج استخف به ومن أكثر من شيء عرف به ومن كثر كلامه كثر سقطه ومن كثر سقطه قل حياؤه ومن قل حياؤه قل ورعه ومن قل ورعه مات قلبه " وقال عمر بن عبد العزيز :" اتقوا الله وإياكم والمزاح فإنه يورث الضغينة ويجر إلى القبيح تحدثوا بالقرآن وتجالسوا به فإن ثقل عليكم فحديث حسن من حديث الرجال " وقال محمد بن المنكدر : قالت لي أمي يا بني لا تمازح الصبيان فتهون عندهم وقال سعيد بن العاص لابنه يا بني لا تمازح الشريف فيحقد عليك ولا الدنيء فيجترئ عليك " وقال عمر بن الخطاب : "أتدرون لما سمي المزاح مزاحاً قالوا لا قال لأنه أزاح صاحبه عن الحق وقيل لكل شيء بذور وبذور العداوة المزاح ويقال المزاح مسلبة للنهي مقطعة للأصدقاء " قال ابن قدامة من الأمور التي ترد بها الشهادة أن يتمسخر بما يضحك الناس به أو يخاطب امرأته أو جاريته أو غيرهما بحضرة الناس بالخطاب الفاحش أو يحدث الناس بمباضعته أهله ونحو هذا من الأفعال الدنيئة ففاعل هذا لا تقبل شهادته لأن هذا سخف ودناءة فمن رضيه لنفسه واستحسنه فليست له مروءة فلا تحصل الثقة بقوله لأن من فعل ذلك لا يمتنع غالباً من الكذب ونحوه .
. المغني لابن قدامة 10/ 170 ، وانظر : شرح الزركشي 3 / 400.
 
أما قولك :"غير لائق ممن ينتسب للعلم " ؟إذا وصل بك غضبك أو حالك أن تقول هذا الكلام في حق الشيخ المرصفي رحمه الله ،وهو صاحب هذه "الطريفة "و "الظريفة العلمية؟ فهذا الجنون بعينه 0
وأما الأحاديث النبوية الشريفة التي ذكرتها فأنصحك بأن تذهب وتتعلم معانيهاثم ترى هل هي واقعة علينا أم لا ""
وقلت دائماً : إن الأدب له مقاييسه الخاصة به ،ومن يحاول أن بقيسه مثلك بالمقاييس والضوبط الشرعية فليأتنا بالدليل 0
وما تلك الضوابط التي ادعيتها إلا "اجتهاد " بعض العلماء وليست إجماعاً منهم ،ولو كانت إجماعاً فلا أقدم فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته على "إجماع العلماء " ،وطر فرحاً بهذا الكلام الذي أعرف أنه لا يوافق هواك 0
ثم : ما هذا "التدليس "منك :الكلام على "تاء امرأت " فكيف تأخذ من السياق الفائدة العلمية والتي هي مناط "الظرافة" وتحذفها وتعلق بهذا الكلام الذي لو أخرجنا منه أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ،لعاد كلاماً "هراء" ولا غرابة عندي في صنيعك هذا فدأبك أصبح معروفاً :فمن يدلس "الكتب " وينسبها لغير أصحابها لا غرابة منه أن يدلس الفوائد العلمية التي لم يستوعبها 0
ثم أين تعليقك هذا منذ زمن ؟؟؟
 
فالظاهر بأن شر بيتك الذي ذكرت في تعليقك السابق هو منطبق عليك وإليك تكملة الأبيات حتى تكتمل الفائدة
ماذا بعشك يا حمامة فادرجي ** لا تعذر المشتاق في أشواقه
حتى تكون حشاك في أحشائه ** لا يعرف الشوق إلا من يكابده
ولا الصبابة إلا من يعانيها ** دع عنك تعنيفي وذق طعم الهوى
فإذا هويت فعند ذلك عنف ** فكن رجلا رجله في الثرى
وأما قولك تقول هذا الكلام في حق الشيخ المرصفي رحمه الله فاعلم أن تقديس الأشخاص لا طائر من ورائه ولتعلم بأن المرصفي من شيوخي ومع ذلك لا أقدسه بل كلامه رحمه الله يعرض على المعايير الشرعية مثل كلام غيره من العلماء لأنهم غير معصومين ، فأخطاؤهم لا تنقل للناس لأنهم قد يكونوا معذورين بعدم تعمدهم ذلك الخطأ فنحن نلتمس لهم العذر ولنكف عن اتباع أخطائهم ونقلها للناس ، وأما قولك ثم أين تعليقك هذا منذ زمن ؟؟ أفيدك علماً بأني لم أطلع على هذا المقال إلا هذا اليوم وهو من باب الفضول لأني كلما أجد كتاباتك لا أتشوق لها غالباً لأنك عودتني على الفائدة فيها وجزاك الله خيراً .
 
أخي (أبو) عبد الله :شكراً لك على مداخلتك هذه التي أخرجتنا بها من البحث العلمي في مسالة رسالة "إثبات الفوقية" وهو بحث "جدي لا هزل فيه وأرحت النفس قليلاً في هذا البحث "الهزلي" 0
أولاً قلت :بأن "شر" بيتك " :هكذا ولعلك تقصد "شطر" ،فانظر يا أخي كيف أدى بك الاستعجال إلى هذا التصحيف "الظريف" 0
ثانياً :قلت ايضاً :"تقديس الأشخاص لا (طائر)من ورائه " وهذا لا شك عندي أنه "تصحيف " أكثر "طرافة " و"ظرافة " فهل لنا أن نسأل: هل تقديس الأشخاص يوجد "طائر" من أمامه؟
صدقني يا أخي أبو عبد الله :لا أقصد من هذا التعليق إلا إظهار "طرفة" و"ظرفة " جاءت في عرض مداخلتك أحببت أن أسجلها هنا وكما يقول المثل عندنا وعندكم :"الدنيا بيظان " 0
أما بخصوص المثل :"ليس ذا بعشك يا حمامة فادرجي" أحفظه قديماً من خلال كتاب الإمام الشوكاني رحمه الله "السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار " في أول مقدمته ، ووالله لم أكن أعرف أنه "بيت " من الشعر حتى قرأت كلامك هنا فلا أحسدك وإنما أعترف لك بأني تعلمت هذه المعلومة منك ،ويا حبذا لو "توثق" لي الأبيات 0لأني "أشعر " أن فيها خللاً عندي " وأنها غير "منسجمة " مع بعضها البعض0
والآن رجعت إلى كتاب "مجمع الأمثال " للميداني رحمه الله فوجدته يقول:"ليس هذا بعشك فادرجي" بدون ذكر "حمامة" بلفظ "هذا " بدل "ذا "0
أما كلامك عن الشيخ المرصفي : فمن قال لك أن هذه من الأخطاء أو أنها مما يجب علينا أن نلتمس الأعذار للعلماء فيها ؟
يا أخي (أبو) عبد الله : ليس كل الأمور تؤخذ بالجد ،هناك شيء اسمه "الأدب" ليس هو "الفقه" ولا "الحديث" ولا "الزهد" ولا "العقيدة"وإنما هو "الأدب" وارجع فضلاً لا أمراً إلى مقدمة كتاب "عيون الأخبار " لابن قتيبة رحمه الله فقد يشرح لك القضية أحسن مني 00
 
جزاك الله خيراً على هذه الظرافة ولا شك أن الأخطاء الإملائية واردة وخارجة عن الإرادة ولعلها يستفاد منه وهوأنها تدخل في باب الطرافة وهو باب شيق ومفيد في بابه ، ومن باب الظرافة أيضاً أنك قلت في غير ما مناسبة بأنك تود بأن هذا الملتقى يقصر على التفسير وعلومه حتى لا تذهب نكهته فيا ترى هل الظرافة والفكاهة من التفسير وعلومه ؟؟ ولعل تذكر مداخلاتك التي طالبت فيها بذلك ، وأنا لا أعترض على الظرافة والفكاهة التي تنضبط بالضوابط الشرعية ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
 
بين إمامين
قال الشيخ المقرّي في "نفح الطيب"(2/82):
"مرّ ابن حزم يوماً هو وابن عبد البر بسكة الحطابين من مدينة إشبيلية فلقيهما شاب حسن الوجه ،فقال ابن حزم :هذه صورة حسنة ،فقال ابن عبد البر : لم تر إلا الوجه ،فلعل ما سترته الثياب ليس كذلك ،فقال ابن حزم ارتجالاً :
وذي عذل فيمن سباني حسنه يطيل ملامي في الهوى ويقول
أمن أجل وجه لاح لم تر غيره ولم تدر كيف الجسم أنت عليل
فقلت له أسرفت في اللوم فاتئد فعندي رد لو أشاء طويل
ألم تر أني ظاهري وأنني على ما أرى حتى يقوم دليل
 
[align=justify]السلام عليكم اسمحوا لي
بين أهل الظاهر وأهل القياس
ورد في المحلى لابن حزم في الخراج إن لم أكن من الواهمين تعقيب ابن حزم على أبي حنيفة حيث لم يرتضي ابن حزم القياس يقول أبو حنيفة فإذا أتينا بإنموذج من هذا وقسنا عليه فتعقب ابن حزم بعد النقل
وأي أنموذج أتانا به أبو حنيفة لنشرع به فعلى الأنموذج العفاء وصفع القفاء وعلى كل شريعة تشرع بهذا الأنموذج .
رحم الله ابن حزم وأبا حنيفة وسرائر الأئمة أجمعين اللهم آمين آمين آمين.
[/align]
 
أقترح "نقل" هذا التعليق إلى موضوع :"الظاهرية والنحو " لشدة تعلقه به وبعده عن هذا الموضوع ،مع شديد احترامي وتقديري لأخي أيمن صالح0
 
السلام عليكم مولانا الجنكي حفظه الله
ينقل ولك الشكر،غير أني لما رأيت التجديد في الموضوع اشتقت للقراءة فإذ هو تعقيب بالنقل فندمت على ما سطرت .
ولك تقديري استمر وسأطالع السير لأجاري في هذا الموضوع .
 
ومن النوادر ما حكاه الخطيب رحمة الله عليه عن أبي العيناء المتوفى سنة282هـ رحمه الله
عن أبي العيناء قال سبب تحولي من البصرة اني رأيت غلاما ينادى عليه ثلاثين دينار يساوي ثلاث مائة دينار فاشتريته وكنت ابني دارا فأعطيته عشرين دينارا لينفقها على الصناع فانفق عشرة واشترى بعشرة ملبوسا له فقلت ما هذا قال لا تعجل فان أهل المروءات لا يعتبون على غلمانهم هذا, فقلت في نفسي انا اشتريت الأصمعي ولم أدبر قال وأردت أن أتزوج امرأة سرا من بنت عمي فاستكتمته فدفعت اليه دينارا لشراء حوائج وسمك هازبي فاشترى غيره فغاظني فقال رأيت بقراط يذم الهازبي فقلت يا بن الفاعلة لم أعلم اني اشتريت جالينوس فضربته عشرة مقارع فاخذني وضربني سبعا وقال يا مولاي الأدب ثلاث وضربتك سبعا قصاصا فضربته فرميته فشججته فذهب الى ابنة عمي وقال الدين النصيحة ومن غشنا فليس منا ان مولاي قد تزوج واستكتمني فقلت لا بد من تعريف مولاتي الخبر فشجني وضربني فمنعتني بنت عمي من دخولي الدار وحالت بيني وبين ما فيها وما زالت كذلك حتى طلقت المراة وسمته بنت عمي الغلام الناصح فلم يمكن ان أكلمه فقلت اعتق هذا واستريح فلما اعتقته لزمني وقال الآن وجب حقك علي ثم انه أراد الحج فزودته فغاب عشرين يوما ورجع وقال قطع الطريق ورأيت حقك أوجب ثم أراد الغزو فجهزته فلما غاب بعت مالي بالبصرة وخرجت عنها خوفا من أن يرجع...
 
قبح الله من لا أدب له.

قبح الله من لا أدب له.

الحمد لله حمدا يوافي نعمه، ويكافيء مزيده.
والصلاة والسلام على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير صلوات ربي وسلامه عليه
" قال النضر بن شميل: كنت أدخل على المأمون في سمره، فدخلت عليه ذات ليلة، وعلي قميص مرقوع .
فقال: يانضر ما هذا القشف؟! -القشَف رثاثة الهيئة-
فقلت: يا أمير المؤمنين أنا شيخ ضعيف وحرَّ (مرو) شديد فأتبرد بهذه الخلقان -
قلت:- مرو أشهر مدن خراسان، يقال لها : مرو الشاهجان ، والخلقان جمع الخلق وهو الثوب البالي-
قال: ولكنك قشِف- . فأجرينا الحديث إلى أن أخذ المأمون في ذكر النساء فقال حدثنا هشيم عن مجالد عن الشعبي عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا تزوج الرجل المرأة لدينها وجمالها كان فيها سَداد من عوز -بفتح السين-
فقلت صدق يا أمير المؤمنين حدثنا هشيم . حدثنا عوف بن أبي جميلة عن الحسن عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إذا تزوج الرجل المرأة لدينها وجمالها كان فيها سِداد من عوز - بكسر السين- قلت العَوَز الحاجة-
قال: وكان المأمون متكئًا فاستوى جالسًا فقال: يا نضر كيف قلت سداد ؟
قلت: يا أمير المؤمنين السَداد هنا لحن. قال: ويحك أتلحنني ؟.
قلت: إنما لحن هشيم - راوي الخبر- وكان لحنة وتبع أمير المؤنين لفظه.
قال: فما الفرق بينهما؟
قلت: السَّداد القصد في الدين والسبيل، والسداد البلغة، وكلما سددت به شيئًا فهو سِداد.
قال: وتعرف العرب هذا؟
قلت: نعم، قال العرجى :
[align=center]أضاعوني وأي فتى أضاعوا .....ليوم كريهة وسِداد ثغر[/align]قال: قبح الله من لا أدب له." ( 1 )
ـــــــــــــــــــ
( 1 ) ديوان المعاني لأ بي هلال العسكري ( 1/12 )
 
بعد غياب طويل أعود لتفعيل هذه الصفحة مع الأمل في مشاركة الأخوة فيها ،فالنكت والظرافة والله العظيم ليست "حراماً " ولا تقدح في المروءة ،بل بالعكس لها فوائد صحية واجتماعية و......
قصة اليوم :
حكى ابن الإمام القاضي عياض رحمه الله قال :
قال بعض أصحابنا : صنعت أبياتاً تغزلت فيها ، والتفتّ إلى أبيك رضي الله عنه ،ثم اجتمع بي ،فاستنشدني إياها ،فوجمت ،فعزم علي فأنشدته :
أيا مكثراً صدّي ولم آت جفوة **** وما أنا عن فعل الجفاء براضي
سأشكو الذي توليه من سوء عشرة *** إلى حَكَم الدنيا وأعدل قاضي
ولا حكم بيني وبينك أرتضي **** قضاياه في الدنيا سوى ابن عياض ِ
قال : فلما فرغت حسّن وقال – أي الإمام القاضي - : ومتى عرفتني "قواداً " يا فلان ،على طريق المداعبة ،رحمه الله . اهـ
 
ومن أراد المزيد من أخبار الشيخ المرصفي العملية مع طلابه، وكيفية أخلاقه، وكيفية مجيئه إلى الجامعة الإسلامية بالمدينة ففيها قصص وحكايات سمعتها من شيخنا عبد الرحيم العلمي . فمن أرادها بسندٍ عالٍ مباشرة فليراجع شيخنا عبد الرحيم العلمي المقرئ بالمسجد النبوي والمدرس بكلية المعلمين بالمدينة النبوية بصفته أحد أبرز طلاب المرصفي .
 
عودة
أعلى