الجكني
مشارك نشيط
بسم الله الرحمن الرحيم
الفكاهة والظرافة متعلقان بعلم النفس ،وليسا مجرد نكات عابرة تمر سريعاً ثم تهمل وتنسى ،وإنما هما في الواقع تعبير مكثف وسريع يخفي في طياته كثيراً من الحقائق النفسية والاجتماعية والفكرية المرتبطة بالإنسان ومجتمعه ولهذا قال علماء النفس : الابتسام والضحك مظهران من مظاهر الغريزة الإنسانية ؛لكن الفكاهة هي أثر من آثار الترقي الإجتماعي وهي على علاقة وثيقة بالقيم المنهارة في المجتمع وبالقيم المقدسة التي تحاط بالتقدير والاحترام في نفس الوقت0
وإذا دلت "الفكاهة " على الفرح والابتهاج أحياناً فإنها في أخرى تدل على آلام دفينة وتهكم مرير ،فكأن الفكاهة جهاز يعيد للنفس توازنها ويخرج الإنسان من دائرة الحرج فتتحول المأساة إلى ملهاة نتيجة لرؤية الحدث من زاوية نفسية معينة ،كما تنعكس فيها نفوس أناس تمتعوا بحس فكاهي ورغبوا في "التحرر" من الحياة "الجدية " عن طريق الهزل والتفكه والمزاح بإنكار الواقع والارتداد نحو مرحلة الطفولة المبكرة 0
والفكاهة وإن صدرت عن الفرد إلا أنها تعبير عن وجدان الجماعة ،كما أنها تقوم بدور البلسم الشافي في مآسي الحياة0
وقبل هذا كله فإن الفكاهة والظرافة مطلبان شرعيان يندرجان تحت مقصد من مقاصد الشريعة وهو مقصد "السماحة " التي هي ضد "الغلو "بطرفيه الممقوتين :الإفراط والتفريط ،وهي من باب "المزاح" الذي أحله الله تعالى وكان من صفات نبيه صلى الله عليه وسلم الذي "كان يمزح ولا يقول إلا حقاً " ،وكان من خلق صحابته الكرام الذين هم أعلم الأمة بالحلال والحرام وأتقى الأمة لله خوفاً ورجاء ،حتى قال سيدنا ابن عباس رضي الله عنه :"المزاح بما يحسن مباح وقد مزح رسول الله صلى الله عليه وسلم 0
وقال بعض العلماء : الإكثار من المزاح والخروج عن الحد "مخلّ" بالمروءة والوقار ، والتنزه عنه بالمرة والتقبض "مخلّ " بالسنة والسيرة النبوية المأمور اتباعها والاقتداء بها 0
والناظر في كتب العلماء ،سواء التفسيرية والحديثية واللغوية والأدبية يجد أمثلة كثيرة للفكاهة والظرافة والمزح عند العلماء ،الذين لهم "دعابة " و"حلاوة " في محاوراتهم ،وأجوبة بدهية مسكتة ،حتى وصف كثير منهم بأنه "حلو الجواب ،مليح التندير " يُضحك من حضر ،ولا يضحك هو إذا ندّر " 0
والفكاهة والظرافة من العلماء هي عندهم استراحة للقلب وتنشيط له وانتقال يطرد الملل ،و هي : نزهة النفس وربيع القلب ومرتع السمع ومجلب الراحة ومعدن السرور وسكن للروح ولقاح للعقل ،حتى إن بعضهم شبّه الانتقال من الجد إلى الهزل بانتقال من يسير في حر شديد إلى ظل يستريح فيه ،وانتقال من السير في أرض وعرة إلى السير في سهل ،ولهذا قالوا :" لا بد للنفوس أن تستريح ،وللنوادر أن تستباح"0
وكان العلماء والأدباء دائماَ ما يدعون إلى الابتعاد عن تلك الروح الجادة لما فيها من شدة وجفاء مما حدا بالإمام الشيخ أحمد بن ليون التجيبي أن يقول :
إسمح يزنك السماح إن السماح رباح
لا تلق إلا ببشر فالبشر فيه النجاح
تقطيبك الوجه جدّ أجلّ منه السماح
ويقول ابن خفاجة :
أما لديك حلاوه أما عليك طلاوه
طايب وداعب ولاعب ودع سجايا البداوه
فإنّ أوحش شيء جساوة في غباوه
ومنه قول عبد القاهر بن مفرح الفزاري اللغوي الأديب :
يا صاح لا تعرض لزوجية كل البلا من أجلها يعتري
الفقر والذل وطول الأسى لست بما أذكره مفتر
ما في فم امرأة سوى اشتر لي اشتر لي واشتر
( أنا ناقل الأبيات ولست قائلها )
ولأهمية الفكاهة والظرافة تجاذبها العلماء في كل فن بالتعريف والدراسة والتحليل من المناطقة والتربويين والنفسانيين وغيرهم لأن حالات الانشراح لأناس فكهين يرغبون في الدعابة والمزاح إنما هي صيغ لا واقعية فكأنهم يعيشون في عالم آخر بعيد عن الآلام والمسؤوليات ،إنهم في عالم الفكاهة والتوريات والألاعيب اللفظية 0
وقد ذهب بعض التربويين والنفسانيين إلى أن أبرز أسباب الضحك هو عدم الانسجام بين الفرد والمجتمع ،ومن هذا التباين والنشوز بينهما ينشأ الموقف الضاحك ،وكأن الضحك قصاص له لتصلبه وعدم تكيفه وانسجامه ،ويضربون لذلك مثالاً بأننا لو رأينا شخصاً ركض في الشارع فتعثر وسقط فإننا سنضحك ،لكن :ما سبب هذا الضحك ؟ إن مجرد وقوعه على الأرض ليس هو سبب الضحك ،بل لأن وقوعه كان لا إرادياً ،وكان عليه أن ينتبه ،أو أن سرعته أو أي سبب آخر كان العامل الذي أوقعه ،لإن عدم تكيفه دفعنا للضحك منه قصاصاً لفقدانه الروح الجماعية 0هكذا يقول بعض النفسانيين ،وقد لا نتفق معهم في هذا التحليل 0
عفواً على إطالة هذه المقدمة لهذا الموضوع الذي أحببت أن أثيره هنا لسب مهم عندي وهوأني :
لاحظت في كثير من الأحيان وفي عدة بلاد عربية وغير عربية نظرة تكاد تكون "سوداء " وإن لم تكن فهي قطعاً "حولاء " لطالب العلم الشرعي ،فهو عند غالبية الناس :رجل "مكفهرّ" "مقطّب " متشدّد" ،ولا أقول "متزمّت " لأن التزمت في اللغة يطلق على المعنيين المتضادين :التشدد و التساهل ،والثاني ليس هو مراد الناس في وصفهم لبعض طلاب العلم ) ومن نظرتهم أيضاً أنه :" لا يمرح "بالراء والزاي ولا "ينكت " وأن النكتة" عنده "حرام " وعلى أقل تقدير فهي " مكروهة" وإن تساهل فيها حكم عليها بأنها " غير مستحبة " إلى غير ذلك من الأوصاف التي أعرفها وغيرها كثير لا أعرفه ويعرفه غيري ممن يختلط مع الناس ويأكل معهم كما يأكلون ويشرب معهم أيضاً كما يشربون 0
وقبل أن أرمَى بسوء الظن الذي نحمد الله تعالى على خلوه من ملتقانا هذا المبارك إن شاء الله فإني أقول:
إن ما سأكتبه هنا هو في الغرض الأساس لبغية الاستفادة والتحليل وأخذ العبرة الخفية وليس للضحك فقط ،ولذا أرجو ممن يقرأ "ظرافة أو فكاهة " مما سيجده أن يعقب عليها بما يراه مناسباً وذلك لاعتقادي الجازم أن علماءنا رحمهم الله كان لهم غرض "تربوي وتعليمي " من هذه النكت والظرافة وأبدأ بذكر الموقف الأول :
1- قال الإمام ابن الجزري رحمه الله في كتابه "النشر في "القراءات" العشر " :
" بلغني عن شيخ شيوخنا الأستاذ بدر الدين محمد بن بصخان رحمه الله وكان كثير التندير (هذا الصواب كما في النسخ الخطية من النشر وليس كما في المطبوع :التدبير ) :أن شخصاً كان يجمع عليه فقرأ "تبت يدا أبي " ووقف وأخذ يعيدها حتى يستوفي مراتب المد ،فقال له :يستأهل الذي بزر (كذا الصواب كما في النسخ الخطية غير نسخة واحدة وهو تصحيف وليس كما في المطبوع "أبرز") مثلك 0انتهى :2/204
فهذا الموقف مع أنه ظريف وفيه عند من يعرف طريقة الجمع فكاهة ويدعو للضحك ،لكن في نفس الوقت فيه "فائدة " علمية وهي تنبيه الطالب على أن هذه الكلمة ليست محل وقف 0وهكذا 000
وسأحاول – إن شاء الله تسجيل كثير من ذلك بين الفينة والأخرى 0
الفكاهة والظرافة متعلقان بعلم النفس ،وليسا مجرد نكات عابرة تمر سريعاً ثم تهمل وتنسى ،وإنما هما في الواقع تعبير مكثف وسريع يخفي في طياته كثيراً من الحقائق النفسية والاجتماعية والفكرية المرتبطة بالإنسان ومجتمعه ولهذا قال علماء النفس : الابتسام والضحك مظهران من مظاهر الغريزة الإنسانية ؛لكن الفكاهة هي أثر من آثار الترقي الإجتماعي وهي على علاقة وثيقة بالقيم المنهارة في المجتمع وبالقيم المقدسة التي تحاط بالتقدير والاحترام في نفس الوقت0
وإذا دلت "الفكاهة " على الفرح والابتهاج أحياناً فإنها في أخرى تدل على آلام دفينة وتهكم مرير ،فكأن الفكاهة جهاز يعيد للنفس توازنها ويخرج الإنسان من دائرة الحرج فتتحول المأساة إلى ملهاة نتيجة لرؤية الحدث من زاوية نفسية معينة ،كما تنعكس فيها نفوس أناس تمتعوا بحس فكاهي ورغبوا في "التحرر" من الحياة "الجدية " عن طريق الهزل والتفكه والمزاح بإنكار الواقع والارتداد نحو مرحلة الطفولة المبكرة 0
والفكاهة وإن صدرت عن الفرد إلا أنها تعبير عن وجدان الجماعة ،كما أنها تقوم بدور البلسم الشافي في مآسي الحياة0
وقبل هذا كله فإن الفكاهة والظرافة مطلبان شرعيان يندرجان تحت مقصد من مقاصد الشريعة وهو مقصد "السماحة " التي هي ضد "الغلو "بطرفيه الممقوتين :الإفراط والتفريط ،وهي من باب "المزاح" الذي أحله الله تعالى وكان من صفات نبيه صلى الله عليه وسلم الذي "كان يمزح ولا يقول إلا حقاً " ،وكان من خلق صحابته الكرام الذين هم أعلم الأمة بالحلال والحرام وأتقى الأمة لله خوفاً ورجاء ،حتى قال سيدنا ابن عباس رضي الله عنه :"المزاح بما يحسن مباح وقد مزح رسول الله صلى الله عليه وسلم 0
وقال بعض العلماء : الإكثار من المزاح والخروج عن الحد "مخلّ" بالمروءة والوقار ، والتنزه عنه بالمرة والتقبض "مخلّ " بالسنة والسيرة النبوية المأمور اتباعها والاقتداء بها 0
والناظر في كتب العلماء ،سواء التفسيرية والحديثية واللغوية والأدبية يجد أمثلة كثيرة للفكاهة والظرافة والمزح عند العلماء ،الذين لهم "دعابة " و"حلاوة " في محاوراتهم ،وأجوبة بدهية مسكتة ،حتى وصف كثير منهم بأنه "حلو الجواب ،مليح التندير " يُضحك من حضر ،ولا يضحك هو إذا ندّر " 0
والفكاهة والظرافة من العلماء هي عندهم استراحة للقلب وتنشيط له وانتقال يطرد الملل ،و هي : نزهة النفس وربيع القلب ومرتع السمع ومجلب الراحة ومعدن السرور وسكن للروح ولقاح للعقل ،حتى إن بعضهم شبّه الانتقال من الجد إلى الهزل بانتقال من يسير في حر شديد إلى ظل يستريح فيه ،وانتقال من السير في أرض وعرة إلى السير في سهل ،ولهذا قالوا :" لا بد للنفوس أن تستريح ،وللنوادر أن تستباح"0
وكان العلماء والأدباء دائماَ ما يدعون إلى الابتعاد عن تلك الروح الجادة لما فيها من شدة وجفاء مما حدا بالإمام الشيخ أحمد بن ليون التجيبي أن يقول :
إسمح يزنك السماح إن السماح رباح
لا تلق إلا ببشر فالبشر فيه النجاح
تقطيبك الوجه جدّ أجلّ منه السماح
ويقول ابن خفاجة :
أما لديك حلاوه أما عليك طلاوه
طايب وداعب ولاعب ودع سجايا البداوه
فإنّ أوحش شيء جساوة في غباوه
ومنه قول عبد القاهر بن مفرح الفزاري اللغوي الأديب :
يا صاح لا تعرض لزوجية كل البلا من أجلها يعتري
الفقر والذل وطول الأسى لست بما أذكره مفتر
ما في فم امرأة سوى اشتر لي اشتر لي واشتر
( أنا ناقل الأبيات ولست قائلها )
ولأهمية الفكاهة والظرافة تجاذبها العلماء في كل فن بالتعريف والدراسة والتحليل من المناطقة والتربويين والنفسانيين وغيرهم لأن حالات الانشراح لأناس فكهين يرغبون في الدعابة والمزاح إنما هي صيغ لا واقعية فكأنهم يعيشون في عالم آخر بعيد عن الآلام والمسؤوليات ،إنهم في عالم الفكاهة والتوريات والألاعيب اللفظية 0
وقد ذهب بعض التربويين والنفسانيين إلى أن أبرز أسباب الضحك هو عدم الانسجام بين الفرد والمجتمع ،ومن هذا التباين والنشوز بينهما ينشأ الموقف الضاحك ،وكأن الضحك قصاص له لتصلبه وعدم تكيفه وانسجامه ،ويضربون لذلك مثالاً بأننا لو رأينا شخصاً ركض في الشارع فتعثر وسقط فإننا سنضحك ،لكن :ما سبب هذا الضحك ؟ إن مجرد وقوعه على الأرض ليس هو سبب الضحك ،بل لأن وقوعه كان لا إرادياً ،وكان عليه أن ينتبه ،أو أن سرعته أو أي سبب آخر كان العامل الذي أوقعه ،لإن عدم تكيفه دفعنا للضحك منه قصاصاً لفقدانه الروح الجماعية 0هكذا يقول بعض النفسانيين ،وقد لا نتفق معهم في هذا التحليل 0
عفواً على إطالة هذه المقدمة لهذا الموضوع الذي أحببت أن أثيره هنا لسب مهم عندي وهوأني :
لاحظت في كثير من الأحيان وفي عدة بلاد عربية وغير عربية نظرة تكاد تكون "سوداء " وإن لم تكن فهي قطعاً "حولاء " لطالب العلم الشرعي ،فهو عند غالبية الناس :رجل "مكفهرّ" "مقطّب " متشدّد" ،ولا أقول "متزمّت " لأن التزمت في اللغة يطلق على المعنيين المتضادين :التشدد و التساهل ،والثاني ليس هو مراد الناس في وصفهم لبعض طلاب العلم ) ومن نظرتهم أيضاً أنه :" لا يمرح "بالراء والزاي ولا "ينكت " وأن النكتة" عنده "حرام " وعلى أقل تقدير فهي " مكروهة" وإن تساهل فيها حكم عليها بأنها " غير مستحبة " إلى غير ذلك من الأوصاف التي أعرفها وغيرها كثير لا أعرفه ويعرفه غيري ممن يختلط مع الناس ويأكل معهم كما يأكلون ويشرب معهم أيضاً كما يشربون 0
وقبل أن أرمَى بسوء الظن الذي نحمد الله تعالى على خلوه من ملتقانا هذا المبارك إن شاء الله فإني أقول:
إن ما سأكتبه هنا هو في الغرض الأساس لبغية الاستفادة والتحليل وأخذ العبرة الخفية وليس للضحك فقط ،ولذا أرجو ممن يقرأ "ظرافة أو فكاهة " مما سيجده أن يعقب عليها بما يراه مناسباً وذلك لاعتقادي الجازم أن علماءنا رحمهم الله كان لهم غرض "تربوي وتعليمي " من هذه النكت والظرافة وأبدأ بذكر الموقف الأول :
1- قال الإمام ابن الجزري رحمه الله في كتابه "النشر في "القراءات" العشر " :
" بلغني عن شيخ شيوخنا الأستاذ بدر الدين محمد بن بصخان رحمه الله وكان كثير التندير (هذا الصواب كما في النسخ الخطية من النشر وليس كما في المطبوع :التدبير ) :أن شخصاً كان يجمع عليه فقرأ "تبت يدا أبي " ووقف وأخذ يعيدها حتى يستوفي مراتب المد ،فقال له :يستأهل الذي بزر (كذا الصواب كما في النسخ الخطية غير نسخة واحدة وهو تصحيف وليس كما في المطبوع "أبرز") مثلك 0انتهى :2/204
فهذا الموقف مع أنه ظريف وفيه عند من يعرف طريقة الجمع فكاهة ويدعو للضحك ،لكن في نفس الوقت فيه "فائدة " علمية وهي تنبيه الطالب على أن هذه الكلمة ليست محل وقف 0وهكذا 000
وسأحاول – إن شاء الله تسجيل كثير من ذلك بين الفينة والأخرى 0