بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وسلم تسليما
د. عمارة (حفظك الله ورعاك) شكرا لهذا الطرح الماتع, وكأني بك تود إثارته لتعطينا تصوراً ما يجول بخاطرك... ونحن في انتظار وجهة نظرك.
بارك الله فيكم جميعا ونفع بكم.
رعاك الله وبارك فيك..
أما الذكر فهو تنبيه القلب إلى صحيح القول وإلى كونه من مخلوقات الله.. ويكون ذلك إما مباشرة بالوحي بمعنى الالهام، وهذه لا تكون إلا للمؤمنين، أو بالجوارح أو بالعقل وهذه يشترك فيها الناس..
عن وابصة بن معبد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : (جِئْتَ تَسْأَلُنِي عَنْ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ فَقَالَ نَعَمْ فَجَمَعَ أَنَامِلَهُ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهِنَّ فِي صَدْرِي وَيَقُولُ يَا وَابِصَةُ اسْتَفْتِ قَلْبَكَ وَاسْتَفْتِ نَفْسَكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ). وعن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْبِرُّ مَا سَكَنَتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ ، وَالْإِثْمُ مَا لَمْ تَسْكُنْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَلَمْ يَطْمَئِنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ ، وَإِنْ أَفْتَاكَ الْمُفْتُونَ).
فاستفتاء القلب هنا لا استفتاء الفؤاد.. لإن القلب هو مركز الحق والفؤاد موطن الهوى والميل.. فلا يطمئن القلب لغير الحق..
والطمانينة في القلب إما أن تكون بجهل الإنسان بالشيء والعلم يملؤ ذلك الفراغ الذي يحدثه الجهل فيثبته حتى يطمئن.. فتكون كل الطرق المؤدية للعلم طريقا لطمانينة القلب.. ومن ذلك المشاهدة والسماع والتفكر والتعقل.. فتكون هذه الطرق كلها أبوابا من ابواب الذكر.. لأنها تنبه القلب وتذكره.. لذلك نجد أن الله تعالى لما بين لابراهيم عليه السلام كيفية الخلق عيانا دعانا إلى أن ننظر فيها عيانا كذلك..
فقال تعالى : فلينظر الانسان مم خلق..
وقال : يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا..
وغيرها من الآيات الدالة على أطوار الخلق سواء خلق الانسان أو الكون في عمومه.. والدعوة لمشاهدتها عيانا ثم الوقوف على ما ينبه القلب من تلك المشاهدة بالتفكر والتدبر..
ونجده تعالى قد أمر سيدنا موسى عليه السلام بالنظر إلى الجبل فقال : انظر إلى الجبل.. وأمرنا بالنظر إلى الجبال.. فقال : وإلى الجبال كيف نصبت..
وحدثنا عن عصاه.. فإذا هي تفجر الحجر عيونا وتجعل في البحر طريقا يبسا.. فإذا الماء والصخر كالتوأمين يحمل أحدهما الآخر.. وإذا القلوب إما أن تكون قاسية فهي كالحجارة أو أشد قسوة أو فارغة لا تثبت على شيء كما الماء لا يشد بعضه أو مطمئنة إذا عرفت ربها وسكن بها الحق إليه..
ولعلك تنظر في قصة صالح عليه السلام وقومه مع الناقة حين امتحنهم بها.. وأرشدنا إلى النظر للإبل جميعا.. فقال تعالى : أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ؟
أو تنظر في قصة من قال فيهم الله تعالى : أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا.. ليسأل أهل القرآن النظر في السماء.. قال تعالى : وإلى السماء كيف رفعت..
فإنه في كل ذلك يرشدنا الله تعالى إلى طلب العلم الموصل إلى تنبيه القلب الدافع إلى الطمأنينة..
وتكون الطمأنينة في القلب أيضا بالالهام المباشر والوحي إليه إذا فرغ الفؤاد لاشتغال منه بشيء من الدنيا..
ومنه قوله تعالى : وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين..
والله تعالى أعلم
يغفر الله لي ولكم
عمارة سعد شندول