الشرح المختصر لـ / زاد المستنقع في اختصار المقنع، للشيخ أبي بكر باجنيـد.

إنضم
20/02/2012
المشاركات
102
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
محافظة / اربد .. قرية/ بيت راس
السلامُ عليكم ورحمة الله..
فما زالَ لفضيلة الشيخ أبي بكر باجنيد دروسٌ ألقاها في برنامج البالتوك، بشرح مختصر لمتن " زاد المستقنع في اختصار المقنع " وهو شرحٌ مذهبي في مقصوده، مما يفيدُ الحنابلة إن شاء الله تعالى.
فأحببت أن أسمع هذه الدروس؛ لضبط مذهبِ الحنابلة ثم تفريغها لنفع طلبة العلم، وسأضع هنا تباعًا : شرح كتاب الزكاة، ثم الصوم.
تنبيه: التفريغُ ليس حرفيًّا، وقد اطلع الشيخ عليه قبل نشرِه، وتنزيل الدروس سيكون أسبوعيًّا - بإذن الله -.
 
(الدرسُ الأول)

الحمدُ لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
هذا الدرس ليس جديدًا على البالتوك، فقد بدأ منذ أكثر من سنتين، وأسأل الله عز وجل أن يعيننا على التمام، وقد منّ الله علينا أن أتممنا كتاب الطهارة وكتاب الصلاة وكتاب الجنائز من هذا الكتاب: " زاد المستقنع في اختصار المقنع " للإمام موسى بن أحمد الحجاوي – رحمه الله – وهو اختصار كتاب – المقنع – للإمام الموفق ابن قدامة الذي عني فيه بذكر الروايتين أو الوجهين في المذهب، وقد صرح صاحب الزاد أنه لا يذكر فيه إلا قولاً واحداً هو المعتمد في المذهب، إلا أنه قد أُخِذ عليه مسائل خالف فيها المعتمد.
وسنشرع هذه الليلة في الكلام على أحكام الزكاة:
قال المؤلف (كتاب الزكاة) مأخوذة من الكَتْب، وهو : الجمع والضم على نسق معيَّن، والعرب تقول: كتيبة؛ لأنها مجتمعة ومنضمة، وسمي الكتاب كتابًا؛ لأنه جمعت فيه الحروف والكلمات، حتى كوّنت جملًا ومسائل.
وأما الزكاة لغةً: النماءُ والزيادةُ، وقيل: من التطهيرِ، أي: من التزكية، ولا شكّ أنها تنمّي المال وتطهّره، ((خُذ من أموالهم صدقةً تطهرهم وتزكيهم بها وصلّ عليهم إنّ صلاتك سكنٌ لهم))
وفي الشرع: حقّ ماليّ واجبٌ في مالٍ مخصوص، لطائفةٍ مخصوصةٍ، في وقتٍ مخصوصٍ.
والزكاة ركن من أركان الإسلام، وكثيراً ما تجيء مقرونة بالصلاة في كتاب الله، ومن جحدَ وجوبها كفر ما لم يكن ممن يعذر بجهله كحديث عهد بإسلام، أو من نشأ ببادية بعيداً عن طلبة العلم.
وأما من تهاون في أمر الزكاة فلم يخرجها بخلاً أو كسلاً فالصحيحُ أنّه لا يكفر، ولكنه فعلَ كبيرةً من كبائر الذنوب، والدليل على عدمِ كفره حديث: (ما من صاحب ذهبٍ ولا فضة ٍ لا يؤدي حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نارٍ فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره .. إلى قوله .. كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولَاهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِفيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار).
فهذا دليلٌ على عدمِ كفرِهِ مع دلالته على عظم ما فعل وكبير ما ارتكب، وقد قال الله تعالى: (( والذين يكنزون الذهبَ والفضّة ولا ينفقونها في سبيل ِ الله فبشّرهم بعذابٍ أليم * يوم يحمى عليها في نارِ جهنّم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزْتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون))، وفي الحديث: (من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مُثِّل له يوم القيامة شجاعاً أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة بلهزمتيه - يعنى شدقيه - ثم يقول أنا مالك أنا كنزك ثم تلا ( ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم) وهو أخبثُ أنواع الحيّات، وقيل إنه: ليس على رأسِه شيءٌ من الشعر؛ لشدّة سمّه، فيُمثّل مالُه على هذه الصورة ويقول له: (أنا مالُك أنا كنزُك).
ولا شكّ أن فرضية الزكاة ثبتت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة.
قال المؤلف (تجبُ بشروطٍ خمسة):
شروطٌ وجوبِ الزكاةِ خمسةٌ، والزكاةُ تجب في أموالٍ معيّنة، وهي:
(1) السائمةُ من بهيمةِ الأنعام، أي: التي ترعى أكثر الحول.
(2) الخارجُ من الأرض؛ سواء كان من الحبوب والثمار، أو من المعدن والركاز.
(3) الأثمان من الذهب والفضة والأوراق النقدية التي نتعامل بها.
(4) عروضُ التجارة، وهي ما أعدّ للبيع.
قال المؤلف (حريةٌ ) :
وهو الشرط الأول من شروط وجوب الزكاة؛ فلا تجبُ الزكاة على العبد الرقيق؛ لأنّ مالَه مالُ سيّده، وتجب الزكاة على العبدِ المعتَق بعضُه بقدرِ ملكه، فلو كان قد أُعتِق ثلثُه فإنه يؤدّي عن ثلث مالِه؛ فلو كان عنده اثنا عشر ألفًا، فيزكي عن أربعة آلاف، والباقي لا زكاةَ فيه.
قال المؤلف ( وإسلامٌ ):
سواء كان كافرًا أصليًّا، أو كافرًا مرتدًّا، فلا تجبُ عليه، ولكن هل يعاقب الكافر بعدم أداء الزكاة؟ هذه المسألة يُعَنْوِن الأصوليّون بـقولهم: " هل الكفار مخاطبون بفروع الشريعة؟ " وثمرةُ الخلافِ متعلّق بالآخرة، والصحيح أنّه يعاقَبُ؛ لآيات المدثر: ((ما سلككم في سقر * قالوا لم نك من المصلين * ولم نك نطعم المسكين * وكنا نخوضُ مع الخائضين * وكنا نكذِّب بيومِ الدين * حتى أتانا اليقين)).
مسألة: إذا أسلمَ الكافرُ فهل يقضي الزكاة؟ الجواب: لا، لا يقضيها، والإسلام يجُبُّ ما قبله.
قال المؤلف ( وملكُ نصابٍ ):
النصاب: هو الحد الذي إذا بلغه المال وجبت فيه الزكاة، وما لم يبلغ هذا الحد فلا تجب فيه الزكاة، فالإبل –مثلاً- لا تجب الزكاة فيها حتى تبلغَ خَمسًا، والذهب لا تجب فيه الزكاة حتى يكون عشرين ديناراً، إلا إذا كان النقص يسيرا في الذهب والفضة وعروض التجارة فإنّ هذا لا يؤثر، فيجب أن يخرج زكاته؛ وعليه: فاشتراط ملك النصاب في الأثمان والعروض تقريب، وأما في السائمة والخارج من الأرض فهو تحديد، ففرقوا هنا بينهما في هذا.
تنبيه: لا يشترط ملك النّصاب في " الركاز ".
قال الفقهاء: لا يشترط في الركاز بلوغ النصاب، وهو: ما وجدناهُ من دِفنِ الجاهليّة، فهذا لا يشترط فيه بلوغ النصاب؛ لأنه أشبه بالغنيمة، فتخرج الزكاة من قليله كما تخرج من كثيره، كما أنّه لا يشترط أن يحولَ عليهِ الحول، بل يخرجه واجده فور استخراجه.
مسألة: هل تجبُ الزكاة في مالِ الصبيّ والمجنون؟
الجواب: الجمهور أنّ الزكاةَ تجب في ماليهما، والذي يخرجُها عنهما وليُّهما، وهو الأظهر لعمومِ النصوص، فليس من شروط وجوب الزكاة البلوغُ، ولا العقلُ.
قال المؤلف (واستقرارُه)
أي: تمامُ الملك، فالمالُ الذي ليس مملوكًا ملكًا تامّا لا تجبُ فيه الزكاة، فلو كان عندنا مالٌ موقوفٌ على المساجد، فمن مالكُ هذا المال؟ إن كان موقوفًا على غيرِ معيّن فلا زكاةَ فيه، وإن كان موقوفًا على معيّن ففيه زكاة.
وكذلكَ دينُ المكاتَب، دينٌ غيرُ مستقر، لأنه إذا عجزَ عن السّداد سيعودُ إلى الرّق ويصير المال الذي بيده ملكاً لسيده، فهو مالٌ غير مستقرٍّ ملكُه.
ومثله المهر قبل الدخول إذ هو عُرضةٌ للسقوط بالطلاق، فلا تزكيه المرأة حتى تملكه ويستقر الملك.
قال المؤلف (ومضيُ الحولِ) :
وعليهِ عامّة العلماء والفقهاء، أنه إذا استفاد مالاً فلا زكاة فيه حتى يتم حوله، وعند الحنابلة: (يُعفى عن نصفِ يومٍ)؛ فلو حالَ عليه الحولُ كاملًا إلا نصفَ يوم أو أقل فقد وجبتْ فيه الزّكاة؛ لأنّ نقص نصف اليوم نقصٌ غيرُ مؤثر، ولا يسمّى نقصًا في العرفِ.
قال المؤلف (ومضيّ الحول في غيرِ المعشّر) :
أي: الخارج من الأرضِ، فالحبوبُ والثمار إما أن نخرج منها العشر أو نصف العشر عند الحصاد، لكن هذا على وجهِ الإجمال، فإذا قالوا " المعشّرات " فلا ننتظر تمام الحول، ويلحق بها (المعادن والركاز) لأن الله تعالى قال: ((وآتوا حقَّه يومَ حصادِهِ)).
قال المؤلف (إلا نتاج السائمة):
أي: ولدِ السائمة من بهيمةِ الأنعام، فإذا كانت بهيمة الأنعام ترعى وكان ولدٌ أثناء الحول.
مثال: لو أنّ مالِكَ إبل في شهر محرم (عام 1432هـ) اشترى خمسًا من الإبل، ولكنّه في شهر محرم (عام 1433هـ) أصبحت الخمس عشرًا، بتوالدِها، فالخمسُ المستفادة هي (الأمّاتَ) أي: الأمهات، ولكن الخمس الجديدة لم يحل عليها الحول، فلربما كانت الولادة في رمضان أو رجب، فلم يحلْ عليها الحول، ولكن قالوا: يتبع حولُ النتاج حولَ أمهاتِه، فيزكي عنها.
قال المؤلف: (وربحَ التجارة):
أي: كان رجل عنده خمسون ألف جنيه في أول (1430هـ) فدخل بالمال كله في تجارة، وفي رمضان (1430هـ) نظرنا إلى المال فإذا هو مئةُ ألف، فمن أين أتت الخمسون ألفاً الجديدة؟ من ربح أصل التجارة، فيضم إلى أصله ويخرج عن جميعه؛ لأنّ ربحَ الزيادة ناتج من الأصل.
مثال آخر: أخونا (حبر العيون) وهبهُ إنسانٌ عشرةَ آلاف في شهر ذي الحجة (1429هـ) ثم جاءهُ إرثٌ في شهر رجب (1430هـ) فإذا أتى شهرُ ذي الحجّة، فإنه يخرجُ عن زكاةِ الأول دون الثاني؛ لأن الثاني –الإرث- ليس مستفادًا من الأوَّل –الهبة-.
هناكَ شرطٌ في الأصل، قال المؤلف (فإنّ حولهما حولُ أصلهما إن كان نصابًا) فيشترط في الإبل المذكورة أن تكون خمسًا، وهي النصاب، فلو ماتت واحدةٌ من الأمّاتِ، فنتجت سخلة، انقطعَ الحولُ بموتِ إحدى الأمات، بخلاف ما لو نتجت ثم ماتت إحداهن، فالولادة حصلت والنصابُ تام.
قال المؤلف (وإلا فمن كمالِه):
أي: فإن لم يكن الأصل نصابًا، فحولُ الجميعِ يكون من كمالِه نصابًا، مثالُ ذلك: لو أنّ إنساناً عنده تسع وثلاثون من الغنمِ، فليس فيهن زكاة؛ لأن نصاب الغنم أربعون، فلو نتجتِ التسع والثلاثون فبلغت أربعين في شهرِ رجب، فالحولُ يحسب من حين يبلغ النصاب.
قال المؤلف (ومن كان له دين .. على مليءٍ):
إذا كان للإنسانِ دينٌ على مليء، أدّى زكاتَه إذا قبضَه لما مضى، فلو أعطى أخونا مصطفى رجلا أربعينَ ألفًا عام (1430) ثم قبض مصطفى هذا الدين عام (1433هـ) فماذا يفعل ؟ على مذهبِ الحنابلة فإنه يخرج الزكاة عن ثلاث سنين.
هذا هو المذهب، ومذهبُ الإمامِ مالك أنه يزكي عن سنة واحدة، والقول الثالث: لا زكاةَ فيما مضى، فإذا قبضه استأنفَ به حولًا جديدًا.
قال المؤلف (ولا زكاةَ في مالِ مَن عليه دَينٌ ينقِصُ النّصاب، ولو كان المالُ ظاهرًا):
هذه المسألة تعرف عند الفقهاء بـ : "هل الدين يمنع الزكاة؟ أم لا؟"
فلو كان على رجل دَينٌ، فهل الدين ينقص النصاب، فلو قلنا: إن نصاب الفلوس (1900 ريال)، وعند زيد (5000 ريال) وعليه دينٌ بـ (4000 ريال) فبقيَ -بعد خصم مقدار الدين الذي عليه- ألفٌ واحد، فهل الدين أنقص النصاب؟ نقول: نعم، فهذا ليس في مالِه زكاة، لأن ماله المتبقي بعد حسمِ الدين أقل من النصاب، وهذا مذهبُ كثيرٍ من أهل العلم، وهو الأظهر عندي، وخالف فيه الإمام الشافعي؛ لأن الدين لا يمنع الزكاة عنده.
مثال : لو كنت أخرج زكاة مالي في كل سنة في شهر رمضان، فالقولُ الأظهر أنني أرى ما معي من المال، فلو كان ستة آلاف ريال، ولي دين حالٌّ على عمرو –وهو مليء باذل- ومقدراه ألفُ ريال، فبقي خمسة آلاف ريال، فأزكّي عن الآلاف الخمسة فقط.
ولو كان المالُ عند جاحد أو غاصب، فلا زكاة فيه؛ لأنّه في حكم المفقود.
قال المؤلف (ولو كان المال ظاهرًا) :
يقسّم الحنابلة المالَ قسمين : مالٌ ظاهر، وهو بهيمةُ الأنعامِ والخارجُ من الأرض، ومالٌ باطن، وهو الذهبُ والفضة وعروض التجارة، وقوله (ولو) إشارة للخلاف؛ لأنّ من أهل العلم من فرّق بين الظاهر والباطن، والمعتمد في المذهب: أن لا تفريق، فيمنع الدَّين الزكاةَ في كل ذلك.
قال المؤلف (وكفارةٌ كدينٍ) :
فلو كان عليه كفارة، وهي دينٌ للهِ تعالى، فالكفارة كالدين في حقّ الآدمي، كرجل عنده ثمانيةُ آلاف جنيه، وعليه كفارةٌ قدرُها ألفا جنيه، فتُحسم من الثمانية، وتبقى ستة آلاف جنيه، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (فدينُ الله أحقّ أن يُقضى).
سؤال: هل في الأصنام زكاة؟
الجواب: الأصنام ليست دفنًا، ولكن بيعُ هذه الأصنام محرمٌ، وكثير من الناس يسمون الخارج من الأصنامِ (آثارًا) لكن يشترط في الزكاة كونها من دفن الجاهلية بالعلامة، أي: قبل الإسلام، وإلا كان حكمها حكم اللقطة.
 
كتابُ الزكاة

كتابُ الزكاة

(الدرسُ الثاني)

قال المؤلف (إن ملكَ نصابًا صغارا: انعقدَ حولُه حين ملكَه):
يبدأ الحولُ من حين مُلكِ المال.
قال المؤلف (وإن نقصَ النصابُ في بعض الحولِ) :
فلو أنّه ملك ماشيةً في شهر رجب، ولما جاء شهر شوال نقصت الماشية عن النصاب، فصارت ثلاثين من الغنم بعد أربعين، فالحولُ انقطع، لنقصان النصاب، وهذا في السائمة والخارج من الأرض فقط، والمشهور عند الحنابلة –كما أسلفنا- أنه إذا كان النقص يسيراً في الذهب والفضة وعروض التجارة فيجب أن يخرج زكاته.
قال المؤلف (أو باعه) :
فباعَ شيئا من النصاب بشيء آخر فنقص، فإن الحول ينقطع.
قال المؤلف (أو أبدله بغير جنسه):
أي: ماشية استبدلها بشيء آخر، أو بمال زكويّ أو غير زكويٍّ، فإن الحول ينقطعُ، ومفهوم قول المؤلف (بغير جنسِه) أنه لو أبدل الذهب بالفضة –مثلاً- بنى على الحول الأول، لأنهما نقدان كالجنس الواحد، أما لو اشترى بالغنم إبلًا فقد انقطع لأنه من غير جنسه.
مثال: رجل باع أربعين غنما بثلاثٍ من الإبل، فلا زكاة؛ لأن الجنس الثاني لم يبلغ النصاب.
قال المؤلف (وإن أبدله بجنسه: بنى على الحول) :
كما لو أبدل ذهبًا بفضةٍ، فكأنهما جنس واحد، وكذا لو اشترى عروض التجارةِ بنقدٍ، فيبني على الحول الأول، ولا ينقطع؛ لأن عروض التجارة والنقد من جنسٍ واحد، فمقصود بيع المواد الغذائية –مثلاً- هو النقد وتقوّم بالنقد، وإنما تجب الزكاة في قِيَمها وهي من جنس النقد.
مسألة: لو أبدل شيئاً مما بلغ نصاباً أو باعه بقصد الفرار من الزكاة لم تسقط؛ معاملة له بنقيض قصده.
قال المؤلف (وتجب الزكاة في: عين المال، ولها تعلق بالذمة):
الزكاة واجبة في ذاتِ المال، وهذا الوجوبُ له تعلق بالذمة، فلو تلف المال بعد أن وجبتْ فيه الزكاةُ، وكان المال مستقرا في الملك، فهل تسقط الزكاة؟ لا تسقط، وعليه أن يزكي، إلا إن كان المال غير مستقر في ملكه كالتمر على رؤوس النخل فلا تجب.
قال المؤلف (ولا يعتبر في وجوبها: إمكان الأداء):
هذه المسألة محل خلاف بين الفقهاء، والحنابلة -رحمهم الله- ذكروا أنّه لا يعتبر في وجوبِ الزكاة إمكان الأداء.
الصومُ هل يجب على الحائض أم لا؟ نعم، يجب في ذمتِها، ولكنها ليست متمكنة من الأداء، وليس معنى هذا إسقاط الصوم، فمن لم يكن متمكّنا من أداء الزكاة فإنها لا تسقطُ عنه.
مثال: لو أنّ مالي الذي حال عليه الحول دينٌ عند مليءٍ، أو كان عندَ جاحدٍ، أو عند معسِرٍ، فهل تجب الزكاة عند الحنابلة؟ نعم تجبُ فيه الزكاة، لكن لا يلزمه إخراج ذلك قبل قبض المال، فالوجوب لم يسقط، ولكن الإخراج لا يلزمه إلى أن يقبض ماله، فصار إمكان الأداء شرطاً لوجوب إخراج الزكاة، لا شرطاً لوجوب الزكاة.
قال المؤلف (ولا بقاء المال):
فلو تلفَ المالُ بعدَ حلول الحول، فإن الزكاةَ واجبةٌ فيه، لأن الحكم متعلق بالذمة.
قال المؤلف (والزكاة كالدين في التركة):
أي من وجبت عليه الزكاة ومات قبل أن يؤديها، فالحكم أنّ حكمَها كحكمِ الدّين، وتُخرج قبل الوصيّة وقبل قسمة الإرث؛ ودينُ الله أحق أن يُقضى.
فصارت شروط وجوب الزكاة هي:
1-الإسلام. 2-الحرية. 3-ملك النصاب. 4-استقرار الملك. 5- مضي الحول.
(بابُ زكاة بهيمةِ الأنعام)
قال المؤلف (تجب في إبل وبقر وغنمِ : إذا كانت سائمةً الحولَ أو أكثرَه):
فسر بهيمةَ الأنعام بالإبل والبقر والغنم، فلا تجب في سائمةٍ غيرها، إلا أن يكون غيرهن من عروضِ التجارة، ومن شروط زكاة بهيمة الأنعام أن تكون متخذةً للتوالد أو الدَّرّ، لا للحرث والعمل، عند الجمهور.
فأما الإبل فتجب الزكاة في البخاتي والعِراب منها،
والإبل العراب: صاحبة السنام الواحد، والبخات: السنامان. والمقصود بالبقرِ غير الوحشي، أما الوحشي فجمهور أهل العلم أن لا زكاةَ فيه خلافًا لأحمد –رحمه الله-، فإيجابها في البقر الوحشي من مفردات المذهب.
ويدخل في البقر (الجواميس).
قال ابنُ هبيرة في (الإفصاح): واتفقوا على أن الجواميس والبقر في ذلك سواءٌ.
قلتُ في المنظومة المتعلقة بزكاة بهيمة الأنعام:
مستثنياً وحشيَّها على الأصحّْ ** ** والخُلف لابن حنبلٍ فيها وضحْ
و(غنم) سواء كانت ضأنًا ذوات الصوف، أو معزًا ذاوت الشعر، فتجب الزكاة في كلٍّ.
قال المؤلف (إذا كانت سائمة الحول أو أكثره):
أي: لو كانت ترعى في حولها أكثر من ستة أشهر فإن الزكاة تجب فيها، أما لو كان يشتري لها ما تأكله أو يجمعه لها فليست سائمة، ولا زكاة فيها إلا إذا كانت معدة للتجارة فتكون زكاتها زكاة العُروض.
قال المؤلف (ويجب في خمسٍ وعشرين من الإبل: بنتُ مخاض):
خمسٌ من الإبل: فيها شاةٌ واحدة، وأقل من خمس لا شيء فيه؛ لأنه لم يبلغ النصاب في الإبل؛ فنصابها خمسٌ إجماعاً.
عشرٌ من الإبل: شاتان.
مسألة: سبعٌ من الإبل: فيها شاةٌ واحدة، وما بين الفريضتين –كالزائد عن خَمس هنا ولم يبلغ عَشراً- يسمى (وَقْصاً)، ولا شيءَ فيها، وهكذا.
خمس عشرة من الإبل: ثلاثُ شياه.
عشرون من الإبل: أربع شياه.
خمسٌ وعشرون: بنتُ مخاض، وهي التي لها سنة واحدة، أو: ابن لبون إن لم نجد مخاضًا، وهو الذكر من الإبل له سنتان.
ستٌّ وثلاثون: بنتُ لبون، وهي التي لها سنتان.
ست وأربعون: حِقّة، وهي التي بلغت ثلاث سنين.
إحدى وستون: جذعة، وهي التي بلغت أربع سنين، ودخلت في الخامسة.
ست وسبعون: بنتا لبون.
إحدى وتسعون: حقّتان.
مائة وعشرون: ثلاثُ بنات لبون.
ثمّ في كلّ أربعين: بنت لبون.
وفي كلّ خمسين: حقّة.
مثال: مائة وخمسون: زكاتها ثلاث حِقاق (خمسون+ خمسون+ خمسون).
مائة وستون: أربع بنات لبون (أربعون+ أربعون+ أربعون+ أربعون).
مائتان: إما = خمس بنات لبون، أو أربع حقاق.
(زكاة البقر)
ثلاثون من البقر: تبيع أو تبيعة، وهو ما كان له سنة، وأقل من ثلاثين لا شيء فيه؛ لأنه لم يبلغ النصاب في البقر.
أربعون: مسنة، وهي ما كان لها سنتان.
ستون: تبيعان،
في كلّ ثلاثين: تبيع،
في كل أربعين: مسنّة،
قال المؤلف (ويجزئ الذكر: هنا، وابنُ لبون مكانَ بنتِ مخاض، وإذا كان النصاب كله ذكورًا):
أي: يجزئ في التبيع، فالأصل في الزكاة أن لا يُخرج الذكر، إلا في هذا المقام، وإذا لم نجد الأثنى فنذهب إلى الذكر، وكذلك لو كانت بهيمة الأنعام كله ذكورًا خرج إخراج الذكر.
(زكاةُ الغنم)
أربعون من الغنم: شاة، وأما أقل من أربعين فلا شيءَ فيه.
مائة وإحدى وعشرين: شاتان،
مائتان وواحدة: ثلاثُ شياه،
ثم في كل مائة شاةٍ، شاةٌ: فلو كان عندي أربع مائة من الغنم ففيها أربعُ شياه.
قال المؤلف (والخُلطة: تصيّر المالين، كالواحد) :
هذه فقط في بهيمة الأنعام:
وخلطةٌ تصيِّـر المالين إن ** تَكَامَلا حولًا كواحدٍ زُكِن.

والجمعُ والتفريقُ لا يؤثرُ ** ** في غير الَانعام حكاهُ الأكثرُ.
ومعنى قول الماتن (والخُلطة: تصيّر المالين، كالواحد): أن الخلطة تؤثر تغليظًا وتخفيفاً، فلو كان عند كل واحد من ثلاثة رجال: أربعون شاة سائمة، فالمجموع: مائةٌ وعشرون، وفيها كلها: (شاةٌ واحدةٌ)، ولو كانت واحداً وعشرين ومائة فـ (شاتان)، فهؤلاء خلطوا مواشيهم، ولو كان كل من هؤلاء مستقلاً، لأخرج شاةً واحدة، فالمجموع (ثلاث شياه)، فتنبه إلى أن الخلطة خففت الزكاة هنا.
وأيضا في التلغيظ: فلو كان ثلاثة رجال كلٌّ منهم يملك خمس عشرة شاة، فكل واحد بمفرده لا شيء عليه، وبمجموعهم عليهم شاةٌ واحدة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا يجمع بين مفترق ولا يفرّق بين مجتمع خشيةَ الصدقة) وهذا إن كان مرعاها ومكان حلبها ومحل بياتها ومأواها وفحلها واحداً.
ولكنَّ الخلطة والتفريق لا أثر لهما في غير سائمةِ بهيمة الأنعام من الأموال الزكوية كما تقدم في البيت السابق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
 
كتابُ الزكاة

كتابُ الزكاة

(الدرسُ الثالث)

(زكاةُ الحبوبِ والثمارِ)
((يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض))
قال المؤلف (تجب في الحبوبِ كلها ولو لم تكن قوتًا):
كلّ أنواع الحبوب تجبُ فيها الزكاة، ولو لم تكن قوتًا، أي: حتى لو كان الحب مما لا يقتات، مثل الأبازِير والبزور، التي ليست لتؤكل ولا لتقتات، والمراد أبازير القدور، ومنها: الكراويا، والكمّون، والبزور وهي الحبوب الصغار مثل حبّ الرشاد والسمسم، فتجب الزكاة فيها على المذهب.
قال المؤلف (وفي كلّ ثمرٍ: يكال ويدّخر، كتمرٍ وزبيبٍ):
نعم، في الحبوب تجب الزكاة في كل شيء منها، ومن ذلك القمح والشعير والعدس والأرز والدُّخن والكزبرة وحب الرشاد والكمون، أما الثمار ففيما يُكال ويدخر فقط، كالتمر والزبيب والفستق والبندق.
والفرق بين الكيل والوزن، أن الكيل معيار لتقدير الحجم، ومن المكاييل: الصاع والمد، كأن نملأ وعاء يسع 780 مليلترا من الماء بثمرٍ، وهو حجم المد النبوي تقريباً، فهذا الثمر يكون مكيلاً، بخلاف الوزن.
وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ليس فيما دون خمسة أوسقٍ صدقة)، فعلم منه أنّ ما كان دون خمسة أوسق فليس فيه زكاة، واعتمد عليه الحنابلة في أن غير المكيل لا زكاة فيه؛ لأنّ التوسيق لا يدخل إلا فيما كان يُكال، والوسق مكيال معروف، أما ما لا يكال كالخضراوات والفواكه فإنه لا تجب فيها الزكاة، لأنها لا تكال، وإن كانت توزن، كما أنها لا تصلح للادخار.
وقالوا: ما لا يدخر ينتفع به في الحال لا في المآل، فقالوا باشتراط أن يكون الثمر مما يكال ويدخر، والله سبحانه وتعالى يقول (وآتوا حقّه يوم حصاده) والحبوب والثمار لا يجب لها اشتراط أن يحولَ عليها الحول، بل حين حصادها.
وقوله (كتمر وزبيب) هذان من الثمار، وأما الحنطة وما شابهها فهي من الحبوب.
قال المؤلف (ويُعتبر بلوغ نصابٍ قدره ألفٌ وستمائة رطل عراقي):
إذا بلغ الحب أو الثمر المكال أو المدخر بعد تصفيته أو جفافه: ألفاً وستمائة رطلٍ عراقي التي هي قدر خمسة أوسق -750 كيلو جراماً تقريباً من العدس أو الأرز - فقد بلغ النصاب ووجبت فيه الزكاة، وما كان أقل من ذلك فلا زكاةَ فيه. وسيأتي بيان مقدار الزكاة التي تخرَج منه.
قال المؤلف (وتضم ثمرة العام الواحد بعضها إلى بعض في تكميل النصاب):
إذا كان عندنا أنواع من جنسٍ واحد، فقد يكون التمر أنواعًا، فيضم بعضها لبعض حتى يكمل النصاب، فإذا كان عنده خمس مائة رطل عراقي من التمر السكّري، وعنده سبع مائة رطل عراقي من التمر الـبرحي وعنده خمس مائة رطل من تمر العجوة، فالمجموع ألفٌ وسبع مائة رطل، فهل يخرج الزكاة عن هذا التمر كله؟ نعم، وإن اختلفت الأنواع ما دامت داخلةً تحت جنسٍ واحد.
قال المؤلف (لا جنس إلى آخر):
أي: لا يصلح أن نضمّ البرّ إلى الشعير لتكميل النصاب على معتمد المذهب؛ لأن البر جنسٌ غير جنس الشعير، ولا التمر للزبيب؛ فلو كان عنده سبعمائة رطل من التمر، وألف رطل من الزبيب، فإنه لا زكاة عليه فيهما؛ لأن كلاً منهما بمفرده لم يبلغ النصاب(=ألف وستمائة رطل)، كما أنهما من جنسين مختلفين فلا يضمان إلى بعضهما لتكميله.

قال المؤلف (ويعتبر أن يكون النصاب مملوكا له وقتَ وجوبِ الزكاة ولا تجب فيما يكتسبه اللقاط):

فيعتبر لوجوب الزكاة في الحبوب والثمار شرطان:
أولهما: بلوغ النصاب بعد تصفية الحب أو جفاف الثمر، وقد تقدم.
والثاني: أن يكون النصاب مملوكاً له وقت وجوب الزكاة.
وإذا اشتدّ الحب بأن يمكن كسر الحبة، وصلحت الثمرة بأن تحمارَّ أو تصفارّ، فهذا هو وقتُ الوجوبِ، فلا بد أن يكون هذا المال في هذا الوقت مملوكا لمريد الزكاة، أما لو ملكه بعد أن بدا صلاح الثمرة أو بعد أن اشتد الحب فليست الزكاةُ عليه حينها في ذلك الحب أو الثمر.
مثال: لو اشترى الأخ أحمد أرضاً زراعيّة للقمح، لكن بعد أن اشتدّ الحب، فلا تجبُ عليه الزكاة؛ لأنّه ملكها بعد أن وجبت الزكاة فيها.
مثال آخر: لو كان لزيد أرض زراعية ورثها بعد أن بدا صلاح ثمرها، فلا تجب عليه الزكاة؛ لأن ملكه إياها كان بعد بدو الصلاح.
قال المؤلف (ولا تجب فيما يكتسبه اللقاط):
إذا تم الحصاد وسقط بعض السنابل وجاء عمرو والتقطَ منها حباً قد اشتد، فمتى ملك عمرو هذه الثمار؟ ملكها بعد الصلاح، وعليه فقد كان ذلك بعد الوجوب، فلا زكاةَ عليهِ إذًا، فالمالك لها في وقت وجوب الزكاة حين الاشتداد أو الاحمرار والاصفرار هو من تجب عليه الزكاة.
قال المؤلف (أو يأخذه بحصاده):
أي: أجرة على الحصاد؛ بأن يكون له من الحبوب أو الثمار نصيب يدفَع إليه على أنه أجرة لحصادها، فلا زكاة فيه؛ لأنه ملكه بعد الوجوب.
قال المؤلف (ولا فيما يجتـنيهِ من المباح: كالبُطم، والزعْبل، وبَزرِ قطُونا):
لو ذهبَ مثلًا وجمعَ بعض الثمارِ من البريّة، فهذه الثمار مباحة، فهل تجبُ فيها الزكاة؟ لا تجب، لأنّه ليس مما حصدَه، ((وآتوا حقّه يوم حصادِه)).
أما (البُطْم) فهي نوعٌ من أنواع الحبوب الخضراء تنبت في الأراضي الجبلية.
وأما (الزَّعْبل) فهي شجرةُ القطن.
وأما (بزر قطونا) بزرٌ ينبتُ بالعراق.
وهذا كله لا زكاة فيه (ولو نبت في أرضه)؛ لأنه ينبت بنفسه، لا بإنبات آدمي.
(قدر الواجب في الحبوب والثمار)
قال المؤلف (يجب عشر ما سُقي بلا مؤنة ونصفُه معها، وثلاثة أرباع بها):
فما سُقي بلا كلفة -بماء السماء مثلاً- فيه العُشر، وما سقيَ مع المؤونة –أي بكلفة وأدوات- ففيه نصفُ العشر، بأن نَقْسِم على عشرين، فإن كان يسقى بماء السماء نصف عام، ونصفه الآخر بمؤنته فيه ثلاثة أرباعِ العشر بأن نقسم على خمسة عشر، والدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( فيما سقت السماء أو كان عَثرِيّاً العُشر، وفيما سُقِي بالنَّضْح نصف العشر ) وهو في صحيح البخاري. والعَثري: الذي يشرب الماء بعروقه.
قال المؤلف (فإن تفاوتا فبأكثرهما نفعا):
إذا كان أكثر انتفاع الزرع بالكلفة فالحكم لها، وإن كان أكثره بعدم الكلفة فالحكم لها، فنعتبرُ الأكثر منهما؛ فإن كان أكثر انتفاع الزرع ونموه بلا كلفة أخرجَ العشر، وإلا أخرج نصفه.
قال المؤلف (ومع الجهل العشر):
لو جهل إن كان الأكثر سَقْيُها بكلفة، أو بدون كلفة، فيخرج العشر احتياطاً وإبراءً للذمة بيقين.
قال المؤلف (وإذا اشتد الحب وبدا صلاح الثمر: وجبت الزكاة):
هذا ما ذكرناه سابقًا، وإذا تموّه العنب للحلاوة وجبت، ولو أنّ المال تلف قبل أن يشتد حبّه ويبدوَ صلاحه، فإنّ الزكاةَ لا تجب كما لو أصابته جائحة؛ لأنه تلف قبل الوجوب، وكذا لو حصده قبل أن يأتي وقت الوجوب، لا فراراً من الزكاة، فلا زكاة.
قال المؤلف (ولا يستقر الوجوب إلا بجعلها في البيدر):
يعني لا يطالب الإنسان بالزكاة حتى يأخذ هذا الحب أو الثمر ويضعه في مكانٍ يسمى البَيْدَر –وهو الموضع الذي تجمع فيه الثمار لتجف- ولو أصابته آفةٌ سماوية قبل أن يجعله فيه فلا تجب عليه الزكاة.
قال المؤلف (فإن تلفت قبلَه بغير تعدّ منه : سقطت ):
لأنّه لم يستقر الوجوب، أما لو كان بعد الوجوب بتفريط فيجب. ولو بقي بعد التلف شيء يبلغ نصاباً فتجب الزكاة في الباقي.
قال المؤلف (ويجب العشر: على مستأجر الأرض):
أي:على الزارعِ، وأما صاحبُ الأرض الذي يملكها فلا تجبُ عليه الزكاة؛ فلو أني استأجرت أرضا وحصدت الزرع فعليّ الزكاة، لا على صاحب الأرض؛ لأن الزكاة إنما وجبت في الزروع، والمستأجر هو مالك الزرع.
قال المؤلف: (وإذا أخذ من ملكه أو مَواتِه من العسل مائة وستين رطلا عراقيا ففيه عشرُه):
لو أخذ من ملكٍ له، أو من أرض مَوات كرؤوس الجبال، عسلًا بلغَ النّصاب، فهنا تجبُ الزكاة على المذهب، وإن كان الإمام الشافعي ومالك يريان أن لا زكاة في العسل، وأبو حنيفة يوجب الزكاة في كل الخارج بما في ذلك العسل، واحتجّ الإمام أحمد على وجوب زكاة العسل أن عمر رضي الله عنه أخذ زكاة العسل من أهل اليمن والطائف، وهو في مصنف ابن أبي شيبة وعبد الرزاق، ولكن الأحاديث المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الباب متكلمٌ فيها من جهةِ الإسناد.
ونصاب العسل في المذهب: عشرة أفراق، وعليه العمل في زمان عمر رضي الله عنه، والفرَق الواحد ستة عشر رطلاً؛ فصار النصاب مائةً وستين رطلاً عراقياً.
قال المؤلف (والركاز: ما وُجد من دفنِ الجاهلية فيه : الخمس في قليله وكثيره) :
الركاز: ما كان من دفن الجاهلية، برؤية علامات كالتاريخ، فنقسم على خمسة ونخرج الخُمس، والباقي لمن وجدَه، ولو كان عليه علامات المسلمين فحكمُه حكمُ اللقطة.
وبعض أهل العلم يفرّق بين ما وجدناه من أموال المسلمين القدامى فيرد إلى بيت المال، أما المعاصر فهو لقَطة.
وأما المعدِن: فهل هو ذهب وفضة؟ أم أنّه غيرهما؟ فإن كان الأول فنخرج ربع العشر من عينه، وإن كان الثاني فمن قيمتِه بأن نقسم على أربعين، وعند الحنابلة لا فرق بين أن يكون سائلاً أو جامدًا؛ بل كل ما يسمى معدناً تجب فيه الزكاة، كالنفط والنحاس وغيره.
وعند الحنابلة لا تجب الزكاة فيما أخرجَ من البحرِ، فلا تجب في العنبر ولا المسك، معتمدين على قول ابن عباس (ليس في العنبر زكاة، إنما هو شيء دَسَره البحر) أي: دَفَعَه ولَفَظَهُ.
الخلاصة:
إما أن يكون المعدن ذهبًا أو فضة فنخرج من ذاتها.
وإن لم يكن ذهبًا أو فضة فنخرج ربع عشر القيمة.
فلو كان المعدن حديدا 80 كيلو غرام تساوي قيمته تسعة آلاف ريال، والنصاب المعتبر أن يجاوز أقل النصاب من الذهبِ أو الفضة، فإذا بلغت ما يساوي نصاب الفضة أخرجنا الزكاة.
 
الدرسُ الرابع
(زكاةُ النقدين)
المراد بـ " النقدين " الذهب والفضة: ((والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم))، والنصابُ المذكور للذهبِ والفضة –عشرون دينارا ذهبا ومائتا درهم فضة- مجمعٌ عليه عند العلماء، إلا شيئًا يُذكر عن الإمام الحسن البصري – رحمه الله – أنه خالف في نصاب الذهب، لكن لا يعرف لأحد بعد ذلك خلاف.
قال المؤلف (ويجب في الذهب: إذا بلغ عشرين مثقالا):
المقصود بـ (الذهب) سواء كان مضروبًا أو تبرًا، فإذا بلغ عشرون مثقالا، وهي: خمس وثمانون جراماً من الذهب الخالص، ففيه الزكاة.
قال المؤلف (وفي الفضة إذا بلغت مائتي درهم: ربع العشر منهما):
الدرهم الإسلامي: معروف، فإذا بلغت الفضة مائتي درهم وجبت الزكاة، وهي بالغرامات: خمس مائة وخمس وتسعون جراما من الفضة، ونقسم على أربعين، فيكون خارج القسمة هو مقدار الزكاة الواجبة.
وفي الحديث كان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ من كل عشرين مثقالًا نصفَ مثقال، أي: اثنين ونصف من كل مائة، وهذا الحديث وإن كان ضعيفًا لكنه مجمع على معناه، وجاء في الفضة من حديث أنس بن مالك عند البخاري –رحمه الله-(في الرقّة ربع العشر) أي: الفضة، سواء كانت دراهم أو لم تكن.
قال المؤلف (ويضم الذهب إلى القضة في تكميل النصاب وتضم قيمة العروض إلى كل منهما):
أي: لو أن إنسانا كان عندَه سبعون جراما من الذهب، فهل بلغ النصاب؟ لم يبلغ، ولكن عنده أيضًا مائتان وخمسون جراما من الفضة، بضمها إلى الذهب هل تبلغ النصاب؟ نعم لا شك.
قال المؤلف (ويباح للذكر : من الفضة = الخاتم، وقبيعة السيف، وحِليَة المنطقة، ونحوه):
أي: يجوز للذكرِ أن يلبس الخاتم، وقد لبسه النبي صلى الله عليه وسلم، كما في حديث أنس: في يمينه فيه فصّ حبشي، كان يجعل فصّه مما يلي كفّه، وهل يجوز للرجل أن يتخذ خاتمًا من ذهب؟ صح نهيُ النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
أما (قبيعة السيف) فهي أن يجعل شيئًا من الفضة على مقبَض السيف، فلا بأس بذلك، وقد جاء عن أنس رضي الله عنه أن قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت فضة.
أما (حلية المنطقة) فهو ما يشدّ به وسطُ البدن، فإذا حلى المنطقة بالفضة فلا بأس بذلك، واستدل الحنابلة بأن الصحابة اتخذوا مناطقَ محلاةً بالفضة.
أما (ونحوه) فلو جعل في الخوذة التي توضع على الرأس –مثلاً- جاز.
قال المؤلف (ومن الذهب: قبيعة السيف، وما دعت إليه الضرورة كأنفٍ ونحوِه):
أي: يباح للذكرِ قبيعةُ السيف من الذهب، ودليل ذلك بعضُ الآثار عن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، (وما دعت إليه ضرورة) كأنفٍ من ذهب إذا قُطِع أنفه، كما حصل لعرفجة بن أسعد رضي الله عنه، لأنهم يذكرون أن غير الذهب للأنفِ يسبب شيئاً من النتن والعفونة.
وجاء عن بعض السلفِ أنّهم شدّوا أسنانهم بالذهب، وظاهر كلام المؤلف أنه لا يباح للذكر إلا بعض أنواع الفضة بدليل حصره بـ(إلا)، وهذا هو القولُ الراجح -والله أعلم- أنه لا يباح للرجل الفضة بإطلاق، وأما ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه مرفوعًا(عليكم بالفضة فالعبوا بها لعبًا) فعلى فرض صحّته فالذهب كان حرامًا على النساء في أول الأمر، وقال للرجال: عليكم بالفضة، أي: حَلُّوهن بها، ثم جاء الإذن للنساء في لُبس الذهب.
قال المؤلف (ويباح للنساء من الذهب والفضة: ما جرتْ عادتهن بلُبسه ولو كثر):
حكي الإجماع على هذا، ولو كان الذهب ذهبًا محلّقا، أي: على شكل حلقة.
وقال في الروض (كالطوقِ والخلخال والسوار والقُرط وما في المخانق والمقالد والتاج وما أشبه ذلك) لقوله صلى الله عليه سلم (أحلّ الذهب والحرير للإناث من أمتي وحرم على ذكورها).
وهل يجوز أن تتختم المرأة بالحديد أو النحاس؟ الصحيح من المذهب أنه مكروهٌ، وجاء في بعض الروايات أن خاتم الحديد حليةُ أهلِ النار، لكن الأظهر –والله أعلم- أنه لا بأس بلُبس خاتم الحديد والنحاس، والنبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه في الصحيحين أنه قال للرجل (التمس ولو خاتمًا من حديد) وجاء عند النسائي – رحمه الله – أن رجلًا أقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليه، وكان في يده خاتم ذهب وجبة حرير فألقاهما ثم سلم عليه فرد السلام، ثم سأل النبي صلى الله عليه وسلم: فماذا أتختم؟ قال: (حلقة من حديد أو صفر أو ورق)، وضعفه الشيخ الألباني.
قال المؤلف (ولا زكاةَ في حليّهما : المعدّ للاستعمال، أو العارية):
هذا قول جمهور الفقهاء، وهو المشهور عن خمسة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسانيد جياد صحاح، وإن كان قد قيل عن ابن مسعود أنه كان يرى الوجوب، لكنه معارض بقول آخرين أنه لم يكن يرى الوجوب، وقيل: لا يثبت قوله بالوجوب.
وأما ما ورد في بعض الأحاديث، كحديث (عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : أن امرأة من أهل اليمن أتت رسول الله صلى الله عليه و سلم وبنت لها في يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب فقال أتؤدين زكاة هذا قالت لا قال أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار قال فخلعتهما فألقتهما إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت هما لله ولرسوله) والحديث الآخر (عن أم سلمة قالت كنت ألبس أوضاحا من ذهب فقلت يا رسول الله أكنز هو فقال « ما بلغ أن تؤدى زكاته فزكى فليس بكنز ».) وحديث عائشة (عن عبد الله بن شداد بن الهاد أنه قال دخلنا على عائشة زوج النبى -صلى الله عليه وسلم- فقالت دخل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرأى فى يدى فتخات من ورق فقال « ما هذا يا عائشة ». فقلت صنعتهن أتزين لك يا رسول الله.
قال « أتؤدين زكاتهن ». قلت لا أو ما شاء الله. قال « هو حسبك من النار ».).
فهذه الأدلة التي اعتمد عليها القائلون بوجوب زكاة الحلي، أما حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أخرجَ مسندًا ومرسلًا، وذكر المنذري أن الإرسال أولى بالصواب، وإن صح فإنه محمول على حرمة الذهب ابتداءً للنساء، وأما حديث أم سلمة ففيه علتان، وأما حديث عائشة رضي الله عنها فضعفه ابنُ حزم، وإن صحّ فقد ثبت أنها لم تكن ترى وجوب إخراج زكاة الحليّ، وقد كانت ترى وجوب الزكاة في أموال اليتامى!.
قد يقول قائل: لماذا أخرجتم هذا عن العموم؟ فالجواب: أنه قد انتقل عن معنى النقديّة، مثل الأثاث المستعمل فلا تجب فيه الزكاة، ومن أراد الاحتياط في الحلي فله ذلك.
وكذلك لا تجب الزكاة في العاريّة؛ لأنه خارج عن معنى الزكاة.
قال المؤلف (وإن أعدّ للكِرَى أو النفقة، أو كان محرما: ففيه زكاة):
الكرى: الإجارة، فلو أن امرأة كانت عندها آنية من الذهب، وهي محرمة، فتجبُ فيها الزكاة، وكذا لو كان معدا للنفقة فتجب فيه الزكاة إن كان قد بلغ النصاب، والمذهب أن النصاب من جهة الوزن، وإن كان الذهب معدا للتجارة فتجب الزكاة في قيمته، كعروض التجارة.
وأما الفلوس كالدينار الأردني والليرة السورية والجنيه المصري: فتُخرج الزكاة من أقل الأمرين، أي: نصاب الذهب ونصاب الفضة، أي: الأحظ للفقراء، والزكاة طهرٌ ونماء للمال، وهي يسيرة جداً في مقابل أصل المال المزكى، خاصة أنها نماء وصيانة له.
 
الدرس الخامس
بابُ زكاةِ العروض
العُروض –بضم العين- جمع عَرْض –بفتح فسكون- وهو ما يُعَدُّ للبيع والشراء لأجل الربح.
ويقصدون بذلك كل ما عدا الأثمان من الأموال المعدة للبيع أو الشراء، فلو كان عنده أنعام، أو مواد غذائية، أو عقار، أو سيارات، أو ثياب، أو أواني، أو أسهُم، أو أي مال عدا النقدين، معد للبيع والشراء فهي عروض تجارة.
مثال توضيحي: لو كان يملك محلاً لبيع المواد الغذائية فالزكاة واجبة في قيمة البضائع المتحركة المعدة للبيع –فلا تجب في ديكور المحل ولا الرفوف ولا الموازين ولا سيارات نقل البضائع-
فإذا حال الحول فعليه أن يجرد المحل ويقومها بسعر ذلك اليوم ويخرج الزكاة من قيمتها.
والعُروض من الأموال التي تجب فيها الزكاة، وقد غلط من نازع في وجوب الزكاة فيها، وقد حكى المجد ابن تيمية –جد شيخ الإسلام- في وجوبها إجماعاً قديماً، ومما يؤيد القول بالوجوب قول الله تعالى: (( يا أيها الذين ءامنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ))، وقد صح عن السائب بن يزيد أنه كان يقوِّم خيله ويدفع صدقتها من أثمانها إلى عمر رضي الله عنه.
قال المؤلف (إذا ملكَها بفعلِهِ بنيّة التجارة، وبلغتْ قيمتُها نصابًا: زكى قيمتَها):
أي: إذا ملك العروض بفعله بمعاوضة خالصة كبيع أو إجارة، أو مَلَكها بمعاوضة غير خالصة كنكاح أو خلع، أو ملكها بغير معاوضة كهِبَة أو غنيمة أو اصطياد.. فإنه تجب عليه زكاة قيمة هذه العروض بشرطين:
الأول: أن ينوي بها التكسُّب –التجارة- عند التملك جازماً بذلك عازماً عليه.
الثاني: أن تبلغ قيمتها نصاباً من أحد النقدين: الذهب أو الفضة.
والمذهب أنه لا يجزئ إخراج الزكاة من أعيان العروض، بل لا بد من إخراجها من قِيَمِها؛ لأن القيمة هي محل الوجوب. والقول الأظهر –والله أعلم- جواز إخراجها من أعيان العروض إذا كانت مصلحةٌ راجحة.
وأما مقدار زكاتها فمثل زكاة النقدين: ربع العشر، وهو هنا: ربع عشر القيمة.
مثال ذلك: لو اشترى أرضاً بنية التجارة بأربعمائة ألف ريال، فلما حال الحول قوَّمها فإذا هي تساوي ثمانمائة ألف ريال، فتكون زكاتها: (ثمانمائة ألف "قسمة" أربعين= عشرون ألفاً).
قال المؤلف (فإن ملكها بإرث، أو بفعله بغير نيّة التجارة ثم نواها: لم تَصِرْ لها):
فإذا ملك العروض بغير فعله كأن تدخل إلى ملكه قهراً بإرث مثلاً فإنها لا تكون للتجارة حتى يبيعها ويحول الحول على ثمنها.
وكذلك لو ملكها بفعله ولكن بغير نية التجارة فلا تكون للتجارة؛ لأن الأصل في العروض أن لا تكون للتجارة.
فالمعتمد في المذهب أنه لو ملكها بفعله بغير نية التجارة ثم نوى بها التجارة فلا تصير للتجارة؛ لأن العبرة بالنية عند التملك، ومثله لو كان عنده عروض نواها للقُنْيَة ثم نواها للتجارة.
والمراد بالقنية: ادخارها لوقت الحاجة أو اتخاذها لزينة أو نحوها.
والقول الأظهر –والله أعلم- أنها تصير للتجارة بالنية مطلقاً؛ لأنه لو نوى القنية بعد أن ملكها بنية التجارة انقطع حكم التجارة وصارت للقنية، فينبغي أن يكون ذلك كذلك هنا.
قال المؤلف (وتقوّم عند الحول بالأحظّ للفقراء، من عينٍ أو أو ورِق):
فإذا تم حول العروض فإنها تقوَّم بما هو أنفع لمستحق الزكاة من ذهب أو فضة.
فلو حال الحول وقيمتها بالفضة نصابٌ ولكنها لم تبلغ نصاباً بالذهب فإننا نقومها بالفضة وجوباً ونخرج الزكاة.
قال المؤلف (ولا يُعتبرُ ما اشتُريَتْ به):
فلا يقوّمها بالذي اشتراها به من ذهب أو فضة، بل بما هو أنفع للمساكين كما تقدم.
قال المؤلف (وإن اشترى عرْضًا بنصابٍ من أثمانٍ أو عروضٍ: بنى على حوله):
أي: لو اشترى شيئاً مما يعَد للبيع والشراء بذهب يبلغ النصاب أو فضة تبلغه أو عروض أخرى تبلغ النصاب .. فإنه لا يستأنف حولاً جديداً بل يبني على حولها الأول.
وهذا مثل الذين يتاجرون في الذهب ثم في أثناء الحول يشترون به عروضاً كسيارات للبيع فهنا لا ينقطع الحول، بل تخرَج الزكاة إذا تم الحول ابتداء من ملكه للذهب بنية التجارة.
فمن أبدل نصاباً بآخر من جنسه أو ما يأخذ حكمه فإنه يبني ولا يستأنف حولاً جديداً.
أما لو كان من جنس آخر كما مثّل الماتن: (فإن اشتراهُ بسائمةٍ: لم يَبْنِ) أي: إن اشترى شيئاً مما يعَد للبيع والشراء بسائمةِ أنعامٍ فإنه يبتدئ حولاً جديداً، كأن يشتري بغنم سائمة ثياباً للتجارة فهنا ينقطع الحول.
بابُ زكاةِ الفطر
زكاة: نكرة، والفطر: معرفة، فاكتسبت النكرة التعريفَ بالإضافة، وهذا من باب إضافة الشيء إلى سببه، أي: الزكاة التي سببها الفطر من رمضان، وحكمتها : طهرة للصائم من اللغو والرفث وطُعمة للمساكين؛ لقول ابن عباس رضي الله عنهما: « فرضَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر طُهْرَة للصائم من اللَّغْوِ والرَّفَثِ، وطُعْمَة للمساكين ». رواه أبو داود وابن ماجه.
قال المؤلف (تجبُ على كل مسلم، فضَل له يومَ العيد وليلتَه = صاعٌ عن قوته، وقوتِ عياله، وحوائجه الأصلية):
زكاةُ الفطرِ واجبةٌ مفروضة عند جمهور العلماء، وقد قالَ ابنُ عمر: (فرض رسول الله صدقة الفطر صاعا من طعام على الحر والعبد والصغير والكبير والذكر والاُنثى من المسلمين).
قوله (على كل مسلم) أي: لا تجب على الكافر، ولو أداها ما أجزأته، وعوقب على تركها.
قوله (فضلَ له) أي : عنده زيادة عن قوتِه، وقوتِ عياله، فلو لم يكن عنده إلا ما يكفيه وعيالَه، فلا تجبُ عليه زكاةُ الفطرِ، ومقدارُها : (صاعٌ) من طعامٍ، أي: أربعة أمداد، والمُدُّ الواحد: رطل عراقي وثلث الرطل، والصاع بوحدات الحجوم المعاصرة: ما يسع –تقريباً- ثلاثة لترات ومائة مليلتراً من الماء الصالح للشرب، أي: 2كيلو وستمائة جرام تقريباً من الرز على الشخص الواحد، ويجوز أن تعطي صاعًا لجماعةٍ، أو عدة آصُع لفرد واحد.
وزاد عن (حوائجه الأصلية) مثل الثياب التي تُلبس، فلو كان عنده مال لا يكفيه إلا لحوائجه وحوائج من تلزمه نفقته فلا تجب عليه زكاة الفطر.
ولو كان الزائد بعض صاع لزمه أن يخرجه.
قال المؤلف: (ولا يمنعُها الدينُ إلا بطلبِه):
أي: الدَّينُ لا يمنعُ زكاةَ الفطرِ، ليس مثل الزكاة العادية، من أننا نخصم الدين الذي علينا من المال (إلا) أن يطلب المَدين من الدائن، وقضاءُ الحق الذي للعباد يقدَّم على الحق الذي لله تعالى، لأن الله جعل حقوق العباد مبنية على المُشاحَّة أما حقوق الله تعالى فمبنية على المسامحة.
قال المؤلف (فيُخرج عن نفسه ومسلمٍ يمونُه، ولو في شهرِ رمضان):
يمونه، أي: ينفق عليه، مثل الزوجة، لما روي عنه صلى الله عليه وسلم: (أدوا صدقة الفطر عمن تمونون) وهو حديث ضعيف.
وهذا في النفقة الواجبة، (ولو) لم ينفق عليه إلا (في شهر رمضان) فقط كأن أقول: أنا أتبرع بنفقتك طيلة شهر رمضان، فيجب عليّ أن أخرِج عنك الزكاة، خلافاً الشافعية.
قال المؤلف (فإن عجز عن البعض فبنفسِه، فامرأته، فرقيقه، فأمّه، فأبيه، فولدِه، فأقرب في ميراثٍ):
لو كان لا يستطيع أن يخرج إلا صاعاً واحداً، فيخرجه عن نفسه، أما إن زاد شيء عنده بعد ذلك أخرجه عن امرأته، وهكذا على الترتيب المذكور.. وتقديم الأم هنا لأنها مقدمة على الأب في البِر، ثم الأقرب فالأقرب كما في الميراث.
قال المؤلف ( والعبد بين شركاء: عليهم صاعٌ):
لو كان عندنا عبد فيه ثلاثة شركاء، فيُخرج كل واحد ثلث صاع، ولو كان بين شريكين فيُخرج كلّ منهما نصف صاع، ولو عجز أحدهما عن ذلك فلا يلزم الآخر إلا قسطه.
قال المؤلف (ويُستحبُّ عن الجنين):
لأن عثمان رضي الله عنه أخرجها عن الجنين، كما في مصنف ابنِ أبي شيبة، وهذا الاستحباب بغروب الشمس من آخر أيام رمضان، أما لو ولد قبل الغروب وجب إخراج الفطرة عنه.
قال المؤلف (ولا تجبُ لناشزٍ):
المرأة الناشز التي تعالت على زوجها عصياناً في المعروف، فلا تجبُ لها النفقة، وعليه فلا يجب إخراج الزكاة عنها.
قال المؤلف (ومن لزمت غيره فطرته فأخرج عن نفسه بغير إذنه: أجزأت):
مثاله: امرأةٌ لا تريد أن يُخرج زوجها عنها، فيجوزُ ويجزئُ أن تخرج عن نفسها، حتى لو كان ذلك بغير إذنه؛ لأن الزكاة تجب عليها أصالة وإنما هو متحمِّل.
قال المؤلف (وتجبُ بغروب الشمس ليلة الفطر):
أي: أن وقت وجوب زكاة الفطر من رمضان هو غروب شمس آخر أيام رمضان.
قال المؤلف (فمن أسلمَ بعدَه، أو ملَك عبدًا، أو زوجةً، أو وُلدَ له ولدٌ: لم تلزمْه فطرتُه، وقبلَه: تلزم):
أي: لو غربت الشمس ليلة الفطر وهو كافرٌ فلا زكاةَ عليهِ، أما لو أسلم قبل الغروب فتجب عليه؛ لأنها غربت وهو مسلم من أهل الوجوب، وكذا لو ملك عبدا وزوجةً أو ولد له بعد الغروب فلا يلزمه إخراج زكاة الفطر عنهم، وأما قبله فيلزمه.
قال المؤلف (ويجوزُ إخراجُها قبلَ العيدِ بيومين فقط):
لقولِ ابن عمر –رضي الله عنهما- (كانوا يُعطون قبل الفطر بيوم أو يومين) وهو في صحيح البخاري، وهذا هو القول الصحيح من أقوال أهل العلم: أن إخراجها قبل العيد بأكثر من يومين لا يجزئ، ولو أخرجها يوم العيد قبل صلاة العيد فهو الأفضل.
قال المؤلف ( ويُكره في باقيه، ويقضيها بعدَ يومِها آثمًا):
أي: يكره تأخيرها إلى ما بعد صلاة العيد إلى ما قبل غروب شمس ذلك اليوم، وبعضُ المحققين يرى أنها لا تُقبل، بل هي بعد صلاة العيد صدقة من الصدقات؛ لقول ابن عباس: من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات.
ويقضيها بعد يومِها، كمن أخرَ الزكاة فإنه يقضيها، ويأثم للتأخير لغير عذر.
ما حكمُ إخراجها مالًا؟
الجواب: جمهورُ الفقهاءِ أنها لا تُجزئ، وهو المذهب، وذهب بعضُ أهلِ العلم إلى أنه يجوز، وقول ثالث أنه إذا دعتِ الحاجة لذلك أجزأ، وهو قول له وجاهة وقوّة بل هو الأقرب إن شاء الله.
فصلٌ (في قدرِ الواجب ونوعه ومستحقه وما يتعلق بذلك):
قال المؤلف (ويجب صاعٌ من: برٍّ، أو شعيرٍ، أو دقيقهِما، أو سويقِهما، أو تمرٍ، أو زبيب، أو أقِط).
هذه الخمسة وردت في الأحاديث: البر، والشعير، والتمر، والزبيب، والأقط وهو لبن يجمد حتى يستحجر.
والسَّوِيق: بُر أو شعير يحمص ثم يُطحَن.
ويخرج زكاة السويق والدقيق بوزن الحَب ولا يكيله كيلاً؛ فلو كان وزن صاع البُر الحب قبل الطحن يعادل ثلاثة كيلو جرامات فمقدار زكاة سويق ذلك البر هو ثلاثة كيلو جرامات.
قال المؤلف (فإن عُدم الخمسة: أجزأ كل حبّ وثمَرٍ يُقتاتُ لا معيبٍ، ولا خبز):
فإن لم يجد الخمسة أجزأ أي حب وأي ثمرٍ يُقتات، ولا يجوز إخراج غير أحد الأصناف الخمسة إلا إذا عدم الجميع على الصحيح من المذهب، ويرى بعض المحققين أنها تُخرج من غالبِ قوتِ البلد.
قال المؤلف (ويجوز أن يُعطي الجماعةَ ما يلزمُ الواحد، وعكسُه):
يجوز أن يعطيَ الجماعة ما يلزم الواحد، أو الواحد ما يلزم الجماعة.


 
بارك الله فيك ..
هل تم تنزيل كتاب الطهارة والصلاة ..؟؟
 
عودة
أعلى