الدرس الخامس
بابُ زكاةِ العروض
العُروض –بضم العين- جمع عَرْض –بفتح فسكون- وهو ما يُعَدُّ للبيع والشراء لأجل الربح.
ويقصدون بذلك كل ما عدا الأثمان من الأموال المعدة للبيع أو الشراء، فلو كان عنده أنعام، أو مواد غذائية، أو عقار، أو سيارات، أو ثياب، أو أواني، أو أسهُم، أو أي مال عدا النقدين، معد للبيع والشراء فهي عروض تجارة.
مثال توضيحي: لو كان يملك محلاً لبيع المواد الغذائية فالزكاة واجبة في قيمة البضائع المتحركة المعدة للبيع –فلا تجب في ديكور المحل ولا الرفوف ولا الموازين ولا سيارات نقل البضائع-
فإذا حال الحول فعليه أن يجرد المحل ويقومها بسعر ذلك اليوم ويخرج الزكاة من قيمتها.
والعُروض من الأموال التي تجب فيها الزكاة، وقد غلط من نازع في وجوب الزكاة فيها، وقد حكى المجد ابن تيمية –جد شيخ الإسلام- في وجوبها إجماعاً قديماً، ومما يؤيد القول بالوجوب قول الله تعالى: ((
يا أيها الذين ءامنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ))، وقد صح عن السائب بن يزيد أنه كان يقوِّم خيله ويدفع صدقتها من أثمانها إلى عمر رضي الله عنه.
قال المؤلف (
إذا ملكَها بفعلِهِ بنيّة التجارة، وبلغتْ قيمتُها نصابًا: زكى قيمتَها):
أي: إذا ملك العروض بفعله بمعاوضة خالصة كبيع أو إجارة، أو مَلَكها بمعاوضة غير خالصة كنكاح أو خلع، أو ملكها بغير معاوضة كهِبَة أو غنيمة أو اصطياد..
فإنه تجب عليه زكاة قيمة هذه العروض بشرطين:
الأول: أن ينوي بها التكسُّب –التجارة- عند التملك جازماً بذلك عازماً عليه.
الثاني: أن تبلغ قيمتها نصاباً من أحد النقدين: الذهب أو الفضة.
والمذهب أنه لا يجزئ إخراج الزكاة من أعيان العروض، بل لا بد من إخراجها من قِيَمِها؛ لأن القيمة هي محل الوجوب.
والقول الأظهر –والله أعلم- جواز إخراجها من أعيان العروض إذا كانت مصلحةٌ راجحة.
وأما مقدار زكاتها فمثل زكاة النقدين: ربع العشر، وهو هنا: ربع عشر القيمة.
مثال ذلك: لو اشترى أرضاً بنية التجارة بأربعمائة ألف ريال، فلما حال الحول قوَّمها فإذا هي تساوي ثمانمائة ألف ريال، فتكون زكاتها: (ثمانمائة ألف "قسمة" أربعين= عشرون ألفاً).
قال المؤلف
(فإن ملكها بإرث، أو بفعله بغير نيّة التجارة ثم نواها: لم تَصِرْ لها):
فإذا ملك العروض بغير فعله كأن تدخل إلى ملكه قهراً بإرث مثلاً فإنها لا تكون للتجارة حتى يبيعها ويحول الحول على ثمنها.
وكذلك لو ملكها بفعله ولكن بغير نية التجارة فلا تكون للتجارة؛ لأن الأصل في العروض أن لا تكون للتجارة.
فالمعتمد في المذهب أنه لو ملكها بفعله بغير نية التجارة ثم نوى بها التجارة فلا تصير للتجارة؛ لأن العبرة بالنية عند التملك، ومثله لو كان عنده عروض نواها للقُنْيَة ثم نواها للتجارة.
والمراد بالقنية: ادخارها لوقت الحاجة أو اتخاذها لزينة أو نحوها.
والقول الأظهر –والله أعلم- أنها تصير للتجارة بالنية مطلقاً؛ لأنه لو نوى القنية بعد أن ملكها بنية التجارة انقطع حكم التجارة وصارت للقنية، فينبغي أن يكون ذلك كذلك هنا.
قال المؤلف (
وتقوّم عند الحول بالأحظّ للفقراء، من عينٍ أو أو ورِق):
فإذا تم حول العروض فإنها تقوَّم بما هو أنفع لمستحق الزكاة من ذهب أو فضة.
فلو حال الحول وقيمتها بالفضة نصابٌ ولكنها لم تبلغ نصاباً بالذهب فإننا نقومها بالفضة وجوباً ونخرج الزكاة.
قال المؤلف (
ولا يُعتبرُ ما اشتُريَتْ به):
فلا يقوّمها بالذي اشتراها به من ذهب أو فضة، بل بما هو أنفع للمساكين كما تقدم.
قال المؤلف (
وإن اشترى عرْضًا بنصابٍ من أثمانٍ أو عروضٍ: بنى على حوله):
أي: لو اشترى شيئاً مما يعَد للبيع والشراء بذهب يبلغ النصاب أو فضة تبلغه أو عروض أخرى تبلغ النصاب .. فإنه لا يستأنف حولاً جديداً بل يبني على حولها الأول.
وهذا مثل الذين يتاجرون في الذهب ثم في أثناء الحول يشترون به عروضاً كسيارات للبيع فهنا لا ينقطع الحول، بل تخرَج الزكاة إذا تم الحول ابتداء من ملكه للذهب بنية التجارة.
فمن أبدل نصاباً بآخر من جنسه أو ما يأخذ حكمه فإنه يبني ولا يستأنف حولاً جديداً.
أما لو كان من جنس آخر كما مثّل الماتن: (
فإن اشتراهُ بسائمةٍ: لم يَبْنِ) أي: إن اشترى شيئاً مما يعَد للبيع والشراء بسائمةِ أنعامٍ فإنه يبتدئ حولاً جديداً، كأن يشتري بغنم سائمة ثياباً للتجارة فهنا ينقطع الحول.
بابُ زكاةِ الفطر
زكاة: نكرة، والفطر: معرفة، فاكتسبت النكرة التعريفَ بالإضافة، وهذا من باب إضافة الشيء إلى سببه، أي: الزكاة التي سببها الفطر من رمضان، وحكمتها : طهرة للصائم من اللغو والرفث وطُعمة للمساكين؛ لقول ابن عباس رضي الله عنهما: «
فرضَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر طُهْرَة للصائم من اللَّغْوِ والرَّفَثِ، وطُعْمَة للمساكين ». رواه أبو داود وابن ماجه.
قال المؤلف (
تجبُ على كل مسلم، فضَل له يومَ العيد وليلتَه = صاعٌ عن قوته، وقوتِ عياله، وحوائجه الأصلية):
زكاةُ الفطرِ واجبةٌ مفروضة عند جمهور العلماء، وقد قالَ ابنُ عمر: (فرض رسول الله صدقة الفطر صاعا من طعام على الحر والعبد والصغير والكبير والذكر والاُنثى من المسلمين).
قوله (
على كل مسلم) أي: لا تجب على الكافر، ولو أداها ما أجزأته، وعوقب على تركها.
قوله (
فضلَ له) أي : عنده زيادة عن قوتِه، وقوتِ عياله، فلو لم يكن عنده إلا ما يكفيه وعيالَه، فلا تجبُ عليه زكاةُ الفطرِ، ومقدارُها : (
صاعٌ) من طعامٍ، أي: أربعة أمداد، والمُدُّ الواحد: رطل عراقي وثلث الرطل، والصاع بوحدات الحجوم المعاصرة: ما يسع –تقريباً- ثلاثة لترات ومائة مليلتراً من الماء الصالح للشرب، أي: 2كيلو وستمائة جرام تقريباً من الرز على الشخص الواحد، ويجوز أن تعطي صاعًا لجماعةٍ، أو عدة آصُع لفرد واحد.
وزاد عن (
حوائجه الأصلية) مثل الثياب التي تُلبس، فلو كان عنده مال لا يكفيه إلا لحوائجه وحوائج من تلزمه نفقته فلا تجب عليه زكاة الفطر.
ولو كان الزائد بعض صاع لزمه أن يخرجه.
قال المؤلف:
(ولا يمنعُها الدينُ إلا بطلبِه):
أي: الدَّينُ لا يمنعُ زكاةَ الفطرِ، ليس مثل الزكاة العادية، من أننا نخصم الدين الذي علينا من المال (إلا) أن يطلب المَدين من الدائن، وقضاءُ الحق الذي للعباد يقدَّم على الحق الذي لله تعالى، لأن الله جعل حقوق العباد مبنية على المُشاحَّة أما حقوق الله تعالى فمبنية على المسامحة.
قال المؤلف
(فيُخرج عن نفسه ومسلمٍ يمونُه، ولو في شهرِ رمضان):
يمونه، أي: ينفق عليه، مثل الزوجة، لما روي عنه صلى الله عليه وسلم:
(أدوا صدقة الفطر عمن تمونون) وهو حديث ضعيف.
وهذا في النفقة الواجبة،
(ولو) لم ينفق عليه إلا
(في شهر رمضان) فقط كأن أقول: أنا أتبرع بنفقتك طيلة شهر رمضان، فيجب عليّ أن أخرِج عنك الزكاة، خلافاً الشافعية.
قال المؤلف
(فإن عجز عن البعض فبنفسِه، فامرأته، فرقيقه، فأمّه، فأبيه، فولدِه، فأقرب في ميراثٍ):
لو كان لا يستطيع أن يخرج إلا صاعاً واحداً، فيخرجه عن نفسه، أما إن زاد شيء عنده بعد ذلك أخرجه عن امرأته، وهكذا على الترتيب المذكور.. وتقديم الأم هنا لأنها مقدمة على الأب في البِر، ثم الأقرب فالأقرب كما في الميراث.
قال المؤلف
( والعبد بين شركاء: عليهم صاعٌ):
لو كان عندنا عبد فيه ثلاثة شركاء، فيُخرج كل واحد ثلث صاع، ولو كان بين شريكين فيُخرج كلّ منهما نصف صاع، ولو عجز أحدهما عن ذلك فلا يلزم الآخر إلا قسطه.
قال المؤلف
(ويُستحبُّ عن الجنين):
لأن عثمان رضي الله عنه أخرجها عن الجنين، كما في مصنف ابنِ أبي شيبة، وهذا الاستحباب بغروب الشمس من آخر أيام رمضان، أما لو ولد قبل الغروب وجب إخراج الفطرة عنه.
قال المؤلف
(ولا تجبُ لناشزٍ):
المرأة الناشز التي تعالت على زوجها عصياناً في المعروف، فلا تجبُ لها النفقة، وعليه فلا يجب إخراج الزكاة عنها.
قال المؤلف
(ومن لزمت غيره فطرته فأخرج عن نفسه بغير إذنه: أجزأت):
مثاله: امرأةٌ لا تريد أن يُخرج زوجها عنها، فيجوزُ ويجزئُ أن تخرج عن نفسها، حتى لو كان ذلك بغير إذنه؛ لأن الزكاة تجب عليها أصالة وإنما هو متحمِّل.
قال المؤلف
(وتجبُ بغروب الشمس ليلة الفطر):
أي: أن وقت وجوب زكاة الفطر من رمضان هو غروب شمس آخر أيام رمضان.
قال المؤلف
(فمن أسلمَ بعدَه، أو ملَك عبدًا، أو زوجةً، أو وُلدَ له ولدٌ: لم تلزمْه فطرتُه، وقبلَه: تلزم):
أي: لو غربت الشمس ليلة الفطر وهو كافرٌ فلا زكاةَ عليهِ، أما لو أسلم قبل الغروب فتجب عليه؛ لأنها غربت وهو مسلم من أهل الوجوب، وكذا لو ملك عبدا وزوجةً أو ولد له بعد الغروب فلا يلزمه إخراج زكاة الفطر عنهم، وأما قبله فيلزمه.
قال المؤلف
(ويجوزُ إخراجُها قبلَ العيدِ بيومين فقط):
لقولِ ابن عمر –رضي الله عنهما- (كانوا يُعطون قبل الفطر بيوم أو يومين) وهو في صحيح البخاري، وهذا هو القول الصحيح من أقوال أهل العلم: أن إخراجها قبل العيد بأكثر من يومين لا يجزئ، ولو أخرجها يوم العيد قبل صلاة العيد فهو الأفضل.
قال المؤلف
( ويُكره في باقيه، ويقضيها بعدَ يومِها آثمًا):
أي: يكره تأخيرها إلى ما بعد صلاة العيد إلى ما قبل غروب شمس ذلك اليوم، وبعضُ المحققين يرى أنها لا تُقبل، بل هي بعد صلاة العيد صدقة من الصدقات؛ لقول ابن عباس: من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات.
ويقضيها بعد يومِها، كمن أخرَ الزكاة فإنه يقضيها، ويأثم للتأخير لغير عذر.
ما حكمُ إخراجها مالًا؟
الجواب: جمهورُ الفقهاءِ أنها لا تُجزئ، وهو المذهب، وذهب بعضُ أهلِ العلم إلى أنه يجوز، وقول ثالث أنه إذا دعتِ الحاجة لذلك أجزأ، وهو قول له وجاهة وقوّة بل هو الأقرب إن شاء الله.
فصلٌ (في قدرِ الواجب ونوعه ومستحقه وما يتعلق بذلك):
قال المؤلف
(ويجب صاعٌ من: برٍّ، أو شعيرٍ، أو دقيقهِما، أو سويقِهما، أو تمرٍ، أو زبيب، أو أقِط).
هذه الخمسة وردت في الأحاديث: البر، والشعير، والتمر، والزبيب، والأقط وهو لبن يجمد حتى يستحجر.
والسَّوِيق: بُر أو شعير يحمص ثم يُطحَن.
ويخرج زكاة السويق والدقيق بوزن الحَب ولا يكيله كيلاً؛ فلو كان وزن صاع البُر الحب قبل الطحن يعادل ثلاثة كيلو جرامات فمقدار زكاة سويق ذلك البر هو ثلاثة كيلو جرامات.
قال المؤلف
(فإن عُدم الخمسة: أجزأ كل حبّ وثمَرٍ يُقتاتُ لا معيبٍ، ولا خبز):
فإن لم يجد الخمسة أجزأ أي حب وأي ثمرٍ يُقتات، ولا يجوز إخراج غير أحد الأصناف الخمسة إلا إذا عدم الجميع
على الصحيح من المذهب، ويرى بعض المحققين أنها تُخرج من غالبِ قوتِ البلد.
قال المؤلف
(ويجوز أن يُعطي الجماعةَ ما يلزمُ الواحد، وعكسُه):
يجوز أن يعطيَ الجماعة ما يلزم الواحد، أو الواحد ما يلزم الجماعة.