الشرح المختصر على موطأة الفصيح - الحلقة 14

أبو مالك العوضي

فريق إشراف الملتقى المفتوح
إنضم
12/08/2006
المشاركات
737
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
الرياض
الشرح المختصر على موطأة الفصيح لابن المرحل
[الحلقة 14]

نستكمل بعون الله ما سبق من الشرح على هذه الروابط:
http://vb.tafsir.net/tafsir32461/

[141- وَحُشْ عَلَيَّ الصَّيْدَ أَيْ ضُمَّ إِلَيْ ..... وَاجْمَعْ لِكَيْ يَحْصُلَ بِالْحَوْشِ لَدَيْ]

تقول: (حاشَ يَحوشُ حَوْشًا) كما تقول (قال يقول قولا - عاد يعود عودا - جار يجور جورا - إلخ)، والأمر منه (حُش) كما تقول (قُل – عُد – جُر – إلخ)، وفسَّر معناه الناظمُ بالضمِّ والجمع، وأوضحُ من هذا أن يُقال (حُشتُ الصيدَ: أي جِئتُه من حوالَيه وجهاته لكي أصرفَه إلى الشِّباك).
ولم يرد هذا الفعلُ في القرآن، ولا في مشهور السنة، ويقرب من معناه قولُ أنس رضي الله عنه كما في البخاري (أنفَجْنا أرنبًا)، أي أثرتُها، وبمعناه أيضا (أنفَرَ).
ومرادُ ثعلب بذكر هذا الفعل التنبيهُ على أنه أفصح من (أحوَشَ) الرباعي المزيد بالهمزة في أوله، على ما فيه من شذوذ.

[142- وَنَبَذَ النَّبِيذَ يَعْنِي صَنَعَهْ ..... وَقِيلَ: يَعْنِي أَنَّهُ قَدْ قَطَعَهْ]

تقول (نبَذ) بفتح الباء في الماضي (ينبِذ) بكسر الباء في المضارع، وفسر معناه الناظم بقولين:
- الأول: بمعنى الصناعة وهذا هو المعروف، وأوضحُ منه أن يقال (نبذتُ النبيذَ أي ألقيتُ التمرَ ونحوَه في الجرةِ أو الوعاءِ ونحوه وتركتُه حتى صار نبيذا)
- الثاني: بمعنى القطع؛ هذا ما قاله الناظم، ولم يتضح لي فيه معنى مفهوم إلا بتكلف؛ وقد قال الشارحُ في هذا الموضع:
(يُحتمل أنه أراد بقطعه تركَه ورفضَه ونبذَ شربه وطرحه، ويحتمل أنه مأخوذ من قولهم قطَع الحوضَ أي ملأه إلى نصفه ثم قطعَ عنه الماءَ، فكأنه نبذ النبيذ في إناء مثلا وملأه إلى نصفه وقطع الماء عنه، فيرجع للأول على ما فيه من بعض البعد، والله أعلم).
و(نبذ) له معنى آخر في اللغة؛ لكنَّ ثعلبًا تركه ربما لشهرته وعدم الحاجة إلى النص عليه، وهو الترك؛ كما في قوله تعالى في الماضي: {فنبَذوه وراء ظهورهم}، وفي الأمر {فانبِذ إليهم على سواء}.

[143- وَرَهَنَ الرَّهْنَ لَدَيَّ يَرْهَنُ ..... بِالْفَتْحِ أَيْضًا فَأَنَا مُرْتَهِنُ]

تقول: (رهَن) بفتح الهاء في الماضي، (يرهَن) بفتح الهاء أيضا في المضارع، وهذا موافق لقاعدة حرف الحلق؛ لمكان حرف الهاء في عين الكلمة، كما سبق بيانه.
وقول الناظم (فأنا مرتهِن) هذا اسم فاعل من الفعل (ارتهن)، وعادة العلماء في التصاريف أن يذكروا اسم الفاعل من الفعل السابق ذكره؛ فيقال (ضرب يضرب فهو ضارب، ونصر ينصر فهو ناصر) وهكذا، ولا يقال مثلا (كسَب فهو مكتسب) ولا (سرق فهو مسترق)، ولكن الناظم ذكر اسم الفاعل من فعل آخر ليفيد أن الفعل (ارتهن) يأتي مطاوع (رهَن)، ومهَّد لذلك بقوله في الشطر الأول (لديَّ)، وقد وقع في مطبوعة النظم (فأنا مرتهَن) بفتح الهاء، واستدركها المحققُ جزاه الله خيرا في جدول الخطأ والصواب بأنها بالكسر، وهذا هو الصواب لأنها اسم فاعل؛ إذ الفعل (ارتهن) مبني للفاعل لا للمفعول.
والفقهاء يفرقون في الاصطلاح بين (الراهن) و(المرتهن)؛ فيجعلون الأول لمن يدفع الرهن والثاني لمن يأخذ الرهن، وهو تفريق صحيح موافق للغة، ومن أجل هذه الفائدة زاد الناظم هذا الفعل.
ومراد ثعلب بذكر هذا الفعل أنه لا يقال (أرهنَ)، أو أنه لغة قليلة والفصيح (رهنَ).
وفي بعض النسخ (بالفتح فاعلم).

[144- وَقَدْ خَصَيْتُ الْفَحْلَ، وَالْخِصَاءُ ..... أَنْ يُنْزَعَ الْخُصْيَانِ، وَالْوِجَاءُ]

تقول: (خصَى) بفتح الصاد في الماضي، (يخصِي) بكسر الصاد في المضارع؛ مثل (رمَى يرمِي).
ومصدره الخِصاء بكسر الخاء، وفسره الناظم بنزع الخُصيين وهما الأُنثيانِ، ووقع في المطبوع (الخِصيان) بكسر الصاد والصواب ضم الخاء، و(الخُصيانِ) مثنى (خُصية) بحذف التاء على غير قياس، ونظيره (الأَليان) مثنى (أَلية) بحذف التاء أيضا على غير قياس، و(الأَلية) بهمزة مفتوحة والعامة تكسرها.
فإن قيل (لعله يقصد الخِصْيانُ) بكسر الخاء وهو جمع (خصية)، فالجواب: أن هذا بعيد؛ لأنه قال في البيت بعده (أن يُتركا) بألف المثنى.
وقول الناظم (والوجاء) هو ابتداء كلام جديد وتكملته في البيت الآتي، والناظم يريد بذلك أن يفسر هذه الكلمة (الوجاء) مع أن ثعلبا لم يذكرها؛ إلا أنه لما كان الناس يخلطون بين (الخصاء) و(الوجاء) أراد الناظم إفادة القارئ بالفرق بينهما.
وكل ما ذكره ثعلب هو قولهم (وبرئتُ إليك من الخِصاء والوِجاء) وهو شاهد من كلام العرب على كلمة الخصاء؛ ومعناه: إن مات بسبب هذا الخصاء أو الوجاء فلا شيء عليَّ.

[145- أَنْ يُتْرَكَا هُنَاكَ بَعْدَ رَضِّ ..... يَنُوبُ عَنْ نَزْعِهِمَا وَعَضِّ]

في هذا البيت تفسير كلمة (الوجاء) وبه يظهر الفرق بينها وبين (الخصاء)؛ فالخِصاء هو نزع الخُصيين، أما (الوِجاء) فهو دقُّهما في محلِّهما، وهذا الدقُّ يُزيل منفعتَهما، ومن ثم ينوبُ عن نزعِهما، وكل هذا من زوائد الناظم على الفصيح.
فقوله (أن يُتركا) أي الخُصيانِ (هناك) أي في موضعِهما دون نزع (بعد رض) أي دقٍّ (ينوبُ) أي هذا الدقُّ (عن نزعِهما) لأنَّ المرادَ بالنزع إزالةُ المنافع، والرضُّ يقوم مقامَ هذا.
وقول الناظم (وعض) لا يظهر له معنى مفيدٌ للسياق، وينظر هنا للفائدة:
أسئلة وإشكالات في (موطأة الفصيح)..

[146- وَقَدْ نَعَشْتُ صَاحِبِي رَفَعْتُهُ ..... أَقَلْتُهُ أَفَدْتُهُ نَفَعْتُهُ]

تقول: (نعَش) بفتح العين في الماضي، (ينعَش) بفتح العين في المضارع أيضا، وهذا موافق لقاعدة حرف الحلق التي سبق ذكرها مرارا، وفسره الناظم بأربعة أفعال تبين معناه؛ فقال (رفعته أقلته أفدته نفعته)، وحاصل المعنى (أخرجتُه من عثرته ووَرْطته)، أو (رفعتُه من صرعته إذا وقع على الأرض مغشيا عليه)، والمعنيان متقاربان.
ومراد ثعلب بهذا الفعل أنه أفصح من (أنعَشَ) الرباعي المزيد بالألف، لأنه هو المشهور في كلام العامة.

[147- وَقَدْ حَرَمْتُ الرَّجُلَ الْعَطَاءَا ..... أَحْرِمُهُ؛ إِذْ كَانَ قَدْ أَسَاءَا]

تقول (حرَم) بفتح الراء في الماضي، (يحرِم) بكسر الراء في المضارع، ومعناه (المنع) وهو ضد العطاء، وفي بعض نسخ الفصيح استشهاد على هذا المعنى بقول الشاعر:
مَن يَسألِ الناسَ يحرِموه .......... وسائلُ اللهِ لا يُرَدُّ​
وهذا البيت لا يعرفه قائله، وإنما يُعرف بيت يشبهه من قول عَبِيد بن الأبرص:
من يسأل الناس يحرِموه .......... وسائل الله لا يخيبُ​
والقافية بائية، ويبعد جدا أن يخطئ ثعلب في مثل هذا؛ فإما أن يكون بيتا لشاعر آخر، وإما أن يكون زيادة من غير ثعلب.
ومراد ثعلب بهذا الفعل أنه لا يقال (أحرمتُه) أو أنها لغة ضعيفة.

[148- وَقَدْ حَلَلْتُ أَنَا مِنْ إِحْرَامِي ..... أَكْمَلْتُهُ فِي الْبَلَدِ الْحَرَامِ]

تقول (حَلَّ من إحرامه يَحِلُّ) بكسر الحاء في المضارع؛ مثل (جَلَّ يجِلُّ - تَمَّ يتِمُّ)، وهو قياس مطرد في الفعل المضعف اللازم؛ أما المتعدي فيكون بضم عينه في المضارع؛ مثل (شد يشُد – رد يرُد – إلخ)، وبهذا نفرق بين (حل يحِل) و(حل يحُل)؛ فالأول من الإحرام مثلا، والثاني بمعنى الفك.
وتقول (أَحرَم الرجل للحج يُحرِم إحرامًا فهو مُحرِم) وهذا فعلٌ رباعي تصريفُه مُطردٌ لا يتخلف؛ مثل (أكرَم يُكرِم إكرامًا فهو مُكرِم) (أَخرَج يُخرِج إخراجًا فهو مُخرِج) (أَدبَر يُدبِر إدبارًا فهو مُدبِر) (أَسرَف يُسرِف إسرافًا فهو مُسرِف) إلخ.
ومراد ثعلب بهذا الفعل (حللت) أنه أفصح من (أحللتُ من إحرامي) وإن كان لغة صحيحة.

[149- وَحَزَنَ الأَمْرُ، وَأَمْرٌ شَغَلاَ، ..... وَقَدْ شَفَى الرَّحْمَنُ هَذَا الرَّجُلاَ]

ذكر الناظم في ثلاثة أفعال في بيت واحد، وقليلا ما يفعل هذا؛ وذلك لأنها أفعال واضحة لا تحتاج لتفسير؛ وهي:
- الأول: (حزَن) بفتح الزاي في الماضي (يحزُن) بضم الزاي في المضارع، وهو الفعل المتعدي للفعل اللازم (حزِن) بكسر الزاي؛ فتقول (حزَنتُ الرجلَ فحزِن الرجلُ) أي جعلته يحزَن فأصابه الحُزن، قال تعالى: {لا يحزُنهم الفزع الأكبر}، هذا في المتعدي، وقال: {ولا هم يحزَنون} هذا في اللازم، ولم يرد الفعل الماضي في القرآن، لا من هذا ولا من هذا.
والمصدر (حُزْن) و(حَزَن) كما قال تعالى: {وابيضت عيناه من الحُزْن}، وقال: {الحمد لله الذي أذهب عنا الحَزَن}، وهذان الوزنان (فُعْل) و(فَعَل) يتعاقبان كثيرا في كلام العرب؛ مثل (شغل وشغل) (عرب وعرب) (عجم وعجم)، وقد سبقت الإشارة إلى هذا.
ومراد ثعلب بذكر هذا الفعل أنه أفصح من الرباعي (أحزَنَ)؛ فتقول (يَحزُنني) أفصح من أن تقول (يُحزِنني)، والثاني هو المشهور بين العامة.
- الثاني: (شغَل) بفتح الغين في الماضي (يشغَل) بفتح الغين في المضارع، كما هي قاعدة حرف الحلق السابق ذكرها مرارا.
ومراد ثعلب بذكر هذا الفعل أنه أفصح من الرباعي (أَشغَلَ)، وقد أُولِع الناس بالرباعي فلا يكادون يقولون الثلاثي، مع أنه أفصح وأشهر بلا نزاع.
- الثالث: (شفَى) بفتح الفاء في الماضي، (يشفِي) بكسر الفاء في المضارع، من باب (رمَى يرمِي) كما سبق ذكره في (خصى يخصي).
وقد ذكر ثعلب المضارع (يشفي) وأغفله الناظم، ربما لوضوحه.

[150- وَغَاظَنِي الأَمْرُ وَأَنْتَ غِظْتَنِي ..... تَقُولُ فِي مَعْنَاهُ: قَدْ أَحْفَظْتَنِي]

تقول (غاظ) مثل (باع) في الماضي، (يَغِيظ) في المضارع مثل (يَبِيع)، والأمر (غِظْ) مثل (بِع)، وفسره الناظم بقوله (أَحفَظَ) وهو تفسيرٌ بالأخفى أو المساوي؛ وعادة العلماء في تفسير الألفاظ الواضحة أن يقولوا (معروف) أو يفسروها بالمساوي وأحيانا بالأخفى؛ لأنه لا يمكن تفسير جميع الألفاظ بما هو أوضح منها.
وقد ذكر ثعلب المضارع (يغيظ) ولم يذكره الناظم؛ لأنه استغنى بذكر الأمر عنه.
فالحاصل أن (غاظ) معناه (أحفظ) أي أغضب، وهي ألفاظ متقاربة؛ جمعها ابن نبهان الحضرمي في منظومة المترادف بقوله:
كالغيظ سُخْط حَنَق وغضَبُ .......... كذا احتدامٌ حَرَدٌ تلهُّبُ
ولم يرد الفعل الماضي في القرآن؛ وورد المضارع كما في قوله {ولا يطؤون موطئا يغيظ الكفار}، والمصدر كما في قوله: {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس}.

والله تعالى أعلى وأعلم، وإلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله.
أخوكم ومحبكم/ أبو مالك العوضي
 
شكرالله لك ووفقك وسدد خطاك
هل كلمة الخصيتين غير صحيحة أم أن الخصيان أفصح منها ؟
 
عودة
أعلى