الشرح المختصر على موطأة الفصيح - الحلقة 12

أبو مالك العوضي

فريق إشراف الملتقى المفتوح
إنضم
12/08/2006
المشاركات
737
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
الرياض
الشرح المختصر على موطأة الفصيح لابن المرحل
[الحلقة 12]

نستكمل بعون الله ما سبق من الشرح على هذه الروابط:
http://vb.tafsir.net/tafsir32461/

[121- وَرَعَدَتْ سَمَاؤُنَا وَبَرَقَتْ ..... كَأَنَّمَا قَدْ بَسَمَتْ وَنَطَقَتْ]

يقال (رعَدت السماء) بفتح العين في الماضي، و(برَقت) بفتح الراء في الماضي، أي صدر منها الرعد والبرق، ولم يذكر الناظم المضارع في هذين الفعلين، وكذلك لم يذكره ثعلب في الفصيح؛ لأن المقصود أن الفعل ثلاثي يقال بغير ألف في الكلام الفصيح.
والمضارع يرعُد بضم العين ويبرُق بضم الراء، وحكى بعض العلماء الفتح في يرعَد.
ونص ثعلب هو (رعدت السماء من الرَّعْد، وبرقت من البَرْق)، ولعله أوضح من كلام الناظم؛ لأن قوله (كأنما –وفي نسخة كأنها- قد بسمت ونطقت) لا يفهم إلا بمزيد تأمل؛ فقوله (بسمت) أي ضحكت يفسر به البرق؛ لأن المبتسم يضيء وجهه ويستنير، فشبه به ضوء البرق؛ كما في حديث كعب بن مالك في البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سُرَّ استنار وجهه كأنه قطعة قمر، وكنا نعرف ذلك منه. وقوله (نطقت) يفسر به الرعد؛ لأن كليهما له صوت؛ وفي القرآن {ويسبح الرعد بحمده}، وفي البرق {يكاد البرق يخطف أبصارهم}.
وقد يفهم من كلام الناظم أن (رعدت) السماء و(برقت) مأخوذ من تشبيه السماء بالإنسان في نطقه وابتسامه، وهذا خلاف ما يفهم من كلام أهل العلم؛ أن رعد الإنسان وبرق هو المأخوذ من رعد السماء وبرقها.
ولعل الناظم استأنس في كلامه بما ورد في المسند وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن الله ينشئ السحاب؛ فينطق أحسن المنطق، ويضحك أحسن الضحك).

[122- كَذَلِكَ الإِنْسَانُ فِي الْوَعِيدِ ..... وَفِي الْجَخِيفِ مِنْهُ وَالتَّهْدِيدِ]

يقصد الناظم أن هذين الفعلين (رعد) و(برق) يستعملان في الإنسان أيضا؛ فيقال (رعَد) الإنسان و(برَق) إذا أوعد غيره وهدده، ونص ثعلب في الفصيح (وكذلك رعد الرجل وبرق: إذا أوعد وتهدد).
وكلمة (الخجيف) التي استعملها الناظم لم يذكرها ثعلب، واستعمالها في هذا الموضع زيادة لا حاجة لها؛ لأنها أولا: من الغريب الذي لا يعرفه أكثر الناس، وهي أخفى من (رعد وبرق)، ومن المقرر أنه لا يصح تعريف الواضح بالخفي أو الخفي بالأخفى.
وثانيا: لأنها تحتمل عدة معان؛ فالجخيف يرد بمعنى الكبر والافتخار، ويرد بمعنى غطيط النائم، ويرد بمعنى الصوت عموما، وهو المقصود هنا.

[123- وَقَدْ يُقَالُ فِي الْوَعِيدِ: أَرْعَدَا ..... وَأَبْرَقَ الإِنْسَانُ؛ أَيْ تَهَدَّدَا]

يعني أنه يجوز استعمال الفعل المزيد بالألف في أوله بهذا المعنى؛ فيقال: (أرعد) و(أبرق) بمعنى (رعد) و(برق)، ولكن الأول أفصح ولذلك قدَّمه، وإن كان الثاني فصيحًا أيضًا لكنه دون الأول ولذلك أخَّره، وأيضا لأن بعض العلماء كالأصمعي أنكر استعماله، ولذلك ذكر ثعلب بعد ذلك شاهدا يدل على صحته؛ كما في بعض نسخ الفصيح، وهو قول الكميت كما سيأتي.

[124- قَالَ الْكُمَيْتُ عِنْدَ كَسْرِ السِّجْنِ ..... وَهَرَبٍ صَارَ بِهِ فِي أَمْنِ:]

يمهد الناظم بهذا البيت لذكر الشاهد؛ فيقول (قال الكميت) الشاعر المشهور (عند كسر السجن) أي قال الكميت هذا الشعر الذي سيأتي في البيت القادم عندما كسر سجنه (وهرب صار به في أمن) أي فر من سجنه فأصبح آمنا، وذلك بحيلة احتالها مع زوجه (أم المستهل) إذ كانت تزوره في سجنه حتى عرف أهل السجن هيئتها وثيابها، فلبس ثيابها وخرج!
وأما الكميت فهو ابن زيد الأسدي المشهور بقصائده (الهاشميات)، وهو متوفى سنة 126هـ أي في عصر الاحتجاج، ولم يخالف في الاحتجاج بشعره إلا الأصمعي، ثم استقر بعده الاتفاق على الاحتجاج بقوله.
وقد كان الأصمعي متشددا في انتقاء فصيح الكلام، ولذلك لم يحتج ببعض الشعراء الذين احتج بهم باقي العلماء؛ فكان لا يحتج بالكميت ويقول: هذا جرمقاني من أهل الموصل ليس بحجة، ولا يحتج بربيعة الرقي، ويقول: ليس بفصيح يحتج به، ولا يحتج بذي الرمة، ويقول: قد أكل البقل والمملوح في حوانيت البقالين حتى بشم، ولا يحتج بعديّ بن زيد ولا بأبي دواد الإيادي ويقول: إن العرب لا تروي أشعارهما لأن ألفاظهما ليست بنجدية.
وقول بعض الشراح (إن الأصمعي انحرف عن الكميت لمذهبه لا لأدبه) يعني لأنه كان شيعيا، فيه نظر واضح، وليس الأصمعي بهذه السطحية في التفكير؛ وقد رأى الأئمة من قبله يحتجون بشعر الكفرة والفجرة والخوارج بغير خلاف.
ومع الأسف هذه الطريقة شائعة عند المعاصرين كلما رأوا في كلام أهل العلم شيئا لا يعجبهم تراهم يتفننون في افتراض الأسباب المزعومة لأقوال أهل العلم؛ فيقولون (الشافعي تغير مذهبه لتأثره بالبيئة المحيطة) (وابن تيمية تكلم بحسب ما كان شائعا في عصره) و(ابن باز قال هذا القول لأنه كان أعمى لا يرى) .. إلى آخر هذه الترهات الباطلة.
وهذا لا يعني تقديس العلماء ولا أنهم معصومون من الخطأ، ولكن المقصود أن تحترم عقول الناس وتخالفهم بأدب، فلا مانع أن تقول: أخطأ الشافعي أو ابن تيمية أو ابن باز، لكن لماذا تحجر على عقولهم وتزعم أنهم تأثروا في ذلك بالبيئة؟ ألا يمكن أن يكون قولهم عن نظر واجتهاد وفكر؟

[125- أَبْرِقْ وَأَرْعِدْ يَا يَزِيدُ إِنَّنِي ..... لَيْسَ الْوَعِيدُ ضَائِرِي فَأَمْعِنِ]

هذا البيت تتمة للبيت السابق؛ فهو مقول القول، وقد حكى به الناظم معنى بيت (الكميت) على طريقته في التعبير عن معاني الأبيات، وأصل بيت الكميت هو:
أَبرِق وأَرعِد يا يَزيـ ............ ـدُ فما وعيدُك لي بضائِرْ​
وبعده:
هل أنت إلا الفقع فقـ ............ ـع القاع للحجل النوافر
أنشأت تنطق في الأمو ............ ر كوافد الرخم المداور
إن قيل يا رخم انطقي ............ في الطير إنك شر طائر

[126- هَذَا يَزِيدُ وَأَبُوهُ يُشْهَرُ ..... بِخَالِدِ الْقَسْرِيِّ لَيْسَ يُنْكَرُ]

هذا البيت أيضا تبرع وشرح من الناظم لزيادة البيان في معنى بيت الكميت وما يرتبط به من أحوال وقرائن؛ ومعناه أن (يزيد) المذكور في البيت هو (يزيد بن خالد بن عبد الله القسري) وهو مشهور معروف، ولذلك قال الناظم (ليس ينكر).
ومن العجيب أن (خالدا القسري) هذا قد توفي مقتولا في السنة التي توفي فيها (الكميت) 126هـ

[127- وَقَدْ هَرَقْتُ أُهَرِيقَ مَائِي ..... بِأَلِفٍ ضُمَّتْ وَفَتْحِ هَاءِ]

يقال (هَرَقت الماء) بفتح الهاء والراء، وأصله (أَرَقْت) مِن (أَرَاقَ) فهو فعلٌ رباعي مزيد بالألف في أوله، ولكن العرب خففته لكثرة الاستعمال بقلب الهمزة هاء فقال (هَرَاقَ)؛ كما قالوا (أرحت الدابة) و(هرحتها)، وقالوا (هنرت الثوب) أي أعلمته و(أنرته)، وقالوا: (هردت أن أفعل) و(أردت).
ومضارع (هراق) هو (يُهَرِيق) بضم الياء وفتح الهاء، وبعضهم يسكن الهاء لكن الأفصح فتحها، وفي الصحيحين عن أبي هريرة في حديث الرجل الذي بال في المسجد (دعوه وهريقوا على بوله سجلا من ماء)، وفي حديث أنس في الصحيحين أيضا: أمر النبي بذنوب من ماء فأهريق عليه، وفي حديث عائشة (هريقوا عليّ من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن).
وقد انتُقد ثعلب بإدخاله هذا الفعل في هذا الباب؛ لأن الفعل رباعي والباب ثلاثي، وقد تقدم معنا فيما سبق أن مثل هذا مغتفرٌ ولا سيما عند المتقدمين؛ لأن مرادهم التقريب والتسهيل على المتعلم، ولما كان (هرقت الماء) قد يشتبه على المبتدئ بالثلاثي ذكره فيه ولم يبال، وقد يقال إن مقصود ثعلب بـ(باب فعلت بغير ألف) أي الأفعال الواردة بغير ألف عموما لا خصوص الثلاثي، فذكر (هرقت) في هذا الباب ليبين بذلك أن (أَهْرَقْتُ) لغة ضعيفة.

[128- وَإِنْ أَمَرْتَ قُلْتَ مِنْ هَذَا: هَرِقْ ..... كَمَا تَقُولُ مِنْ أَرَقْتَهُ: أَرِقْ]

هذا الكلام تابع لما قبله في إيضاح تصريف الفعل، وقد ذكره الناظم تبعا لثعلب، ومنه يتضح أن مراد ثعلب التقريب على المتعلم كما سبق ذكره؛ وذلك لأن تصريف الفعل الرباعي (أَفْعَلَ) معلوم مقيس لا يتخلف في كلام العرب؛ فتقول: أَرَاقَ يُرِيقُ إِرَاقَةً واسم الفاعل مُرِيقٌ واسم المفعول مُراق والأمر منه أَرِقْ؛ كل هذا مقيس كما تقول أدار يُدير إدارة فهو مُدير والمفعول مُدار والأمر أَدِرْ، فكذلك تقول في الأمر من هراق: (هَرِقْ).

[129- وَالأَصْلُ هَذَا يَا فَتَى فَلْتَعْرِفِ ..... وَالْهَاءُ فِيهِ بَدَلٌ مِنْ أَلِفِ]

هذا تمام البيان للمقصود من شرح الفعل (هراق)؛ ببيان أن أصل (هراق) هو (أراق)، ومن ثم فالهاء فيه مبدلة من الهمزة، وقول الناظم (يا فتى فلتعرف) فيه إشارة إلى ما سبق ذكره من أن كتاب الفصيح ونظمه موضوعان للمبتدئين، فنسأل الله أن يرحم حالنا ويوفقنا لتعلم هذه اللغة الشريفة، ونشر تعلمها في هذا الزمان الذي مات فيه هذا العلم (علم اللغة) أو كاد، فلا تجد في معظم بلاد الإسلام من يدرس هذا العلم، حتى في بلاد شنقيط المعروفة بالحفظ والتأصيل، سألت بعض مشايخهم الكبار عما يدرسون في المحاضر من كتب اللغة غير موطأة الفصيح، فقال: (لا يوجد)!.

والله تعالى أعلى وأعلم، وإلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله.
أخوكم ومحبكم/ أبو مالك العوضي
 
( لتنشيط التفاعل ) سوف أكتب إن شاء الله في كل مرة سطرا واحدا لكي يضبطه ويشكله من أراد من الإخوة الكرام:
وإليكم هذا السطر:
(اذكر حكم لبس الرجال الثوب المنسوج منه قدر أربع أصابع فأقل من الذهب)
يرجى ضبط جميع الحروف بالشكل.
 
شكر الله لك أستاذ أبا مالك ووفقك وسدد خطاك .
هذه محاولتي :
(اُذْكُرْ حُكْمَ لُبْسِ الرِّجَالِ الثَّوْبَ الْمَنْسُوْجَ مِنْهُ قَدْرُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ فَأقَلَّ "أو أقلُّ "مِنَ الذَّهَبِ )
 
بوركت وبورك قلمك يا أستاذنا الفاضل
والوجه (فأقلَّ) بالجر، فما توجيهكم للرفع فيه؟
 
بوركت وبورك قلمك يا أستاذنا الفاضل
والوجه (فأقلَّ) بالجر، فما توجيهكم للرفع فيه؟

شكرا لك أستاذ : أما توجيه الرفع ففيه تكلف على حسب علمي ؛ لأني قدرت الفاء استئنافيةً وما بعدها جملة اسمية جديدة .
وإن كان المعنى بعيداً بعض الشيء عن ذلك . لأن العطف أظهر .
والله أعلم
 
أثابكم الله أستاذنا الكريم..

لكن لماذا تحجر على عقولهم وتزعم أنهم تأثروا في ذلك بالبيئة؟ ألا يمكن أن يكون قولهم عن نظر واجتهاد وفكر؟
أشكل علي أن : ما يستجد في البيئات يدعو إلى تجديد النظر وربما الاجتهاد..

[127- وَقَدْ هَرَقْتُ أُهَرِيقَ مَائِي ..... بِأَلِفٍ ضُمَّتْ وَفَتْحِ هَاءِ]

بقلب الهمزة هاء فقال (هَرَاقَ)؛ كما قالوا (أرحت الدابة) و(هرحتها)، وقالوا (هنرت الثوب) أي أعلمته و(أنرته)، وقالوا: (هردت أن أفعل) و(أردت).
هناك من يقلب الهمزة عينا في بعض الكلمات كالهيئة..فهل هذا صحيح وهل له ضابط

[/COLOR][/CENTER]

شكر الله لك أستاذ أبا مالك ووفقك وسدد خطاك .
هذه محاولتي :
(اُذْكُرْ حُكْمَ لُبْسِ الرِّجَالِ الثَّوْبَ الْمَنْسُوْجَ مِنْهُ قَدْرُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ فَأقَلَّ "أو أقلُّ "مِنَ الذَّهَبِ )
لو قلنا:(المنسوجُ) هل يصح..وإن صح فهل هو بقوة (المنسوجَ)

وجزاكم الله خيرا..
 
أما إبدال العين هاء؛ فاعلم يا أخي الفاضل أن تعاقب الحروف موجود كثيرا في كلام العرب، وهناك كتب مفردة مصنفة فيه، ولكنه مقصور على السماع، ولذلك اعتنى العلماء ببيان كل حرف من حروفه.

وأما المنسوجُ، فلا أتبين وجها للرفع، فلعلك توضحه مشكورا.
 
أردت أن يكون مبتدأ..المنسوجُ قدر أربع إصابع منه
 
لعل هذا يصح لو كان (الثوب) نكرة (ثوبا المنسوج منه .. إلخ)، وتكون الجملة بعده في محل نصب صفة.
 
السلام عليكم
أستاذنا الفاضل : هلا تفضلت علينا بإتمام الشرح .
 
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
حاضر يا أستاذنا الكريم، وأرجو المعذرة فقد جاءني ما يشغلني الجمعة السابقة
 
( لتنشيط التفاعل ) سوف أكتب إن شاء الله في كل مرة سطرا واحدا لكي يضبطه ويشكله من أراد من الإخوة الكرام:
وإليكم هذا السطر:
(اذكر حكم لبس الرجال الثوب المنسوج منه قدر أربع أصابع فأقل من الذهب)
يرجى ضبط جميع الحروف بالشكل.
شيخنا الكريم لعلك تجدد التنشيط في الحلقات اللاحقة
 
عودة
أعلى