الشرح المختصر على موطأة الفصيح - الحلقة 11

أبو مالك العوضي

فريق إشراف الملتقى المفتوح
إنضم
12/08/2006
المشاركات
737
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
الرياض
الشرح المختصر على موطأة الفصيح لابن المرحل
[الحلقة 11]

نستكمل بعون الله ما سبق من الشرح على هذه الروابط:
http://vb.tafsir.net/tafsir32461/

[بَابُ فَعَلْتُ بِغَيْرِ أَلِفٍ]

مقصود ثعلب بهذا الباب: التنبيه على الأفعال التي يزيد فيها العامة الألف خطأ أو خلاف الأفصح، وليس مقصوده بـ(باب فعَلت) ما يكون مفتوح العين فقط، بل الباب يشمل كل الأوزان الثلاثية المجردة، فكأنه قال: باب الأفعال الثلاثية التي يزيد فيها العامة ألفا في أولها.
ومن المشهور جدا في هذا العصر قولهم (شيء مُلْفِت للنظر) وهذا خطأ والصواب (لافت) لأنه لا يوجد في كلام العرب (أَلْفَتَ) الرباعي، وإنما الموجود (لَفَتَ) الثلاثي، وكذلك يقولون (أكربني هذا الأمر) والصواب (كرَبني)، ويقولون (البضاعة المُباعة) من (أباع) الرباعي والصواب (المبيعة) من (باع) الثلاثي.
وفي عكس ذلك يقولون (الراسل) والصواب (المُرْسِل) لأن الفعل (أرسل) رباعي، لا (رَسَل) الثلاثي، ويقولون أيضا (مَسَك) والفصيح المعروف (أمْسَك)، ويقولون (قفَلت الباب) والصواب (أقفلت) الرباعي، وهكذا، وسيأتي باب آخر للأفعال المزيدة بالألف على وزن (أَفْعَلَ) إن شاء الله.

[109- تَقُولُ فِي الرِّيَاحِ مِنْ صِفَاتِهَا ..... إِذَا جَرَتْ يَا صَاحِ مِنْ جِهَاتِهَا]

هذا البيت ذكره الناظم تمهيدا لما سيأتي بعده من الأبيات؛ لأنها ستكون شرحا وبيانا للأفعال والصفات التي تستعمل للدلالة على جريان الرياح وإتيانها من الجهات المختلفة شرقا وغربا وشمالا وجنوبا؛ وهذه الطريقة في التمهيد من الوسائل الجيدة في التعليم، وقد ذكر ثعلب الأفعال دون تمهيد، ومن ثم قد يظن ظان أن لا علاقة بينها، فجاء الناظم بهذا البيت من باب الإجمال قبل التفصيل؛ كما تقول مثلا: (الصلاة فيها أركان وواجبات وسنن؛ فأما الأركان فكذا، وأما الواجبات فكذا، وأما السنن فكذا) فهذه الطريقة أفضل من أن تقول (الصلاة فيها أركان وهي كذا، وفيها واجبات وهي كذا، وفيها سنن وهي كذا).

[110- قَدْ شَمَلَتْ مِنَ الشَّمَالِ فَاعْلَمِ ..... وَجَنَبَتْ مِنَ الْجَنُوبِ فَافْهَمِ]

الجهات المتعلقة بالرياح أربع: شمالية وجنوبية وشرقية وغربية، فالريح الآتية من جهة الشمال تسمى (الشَّمَال)، والريح الآتية من جهة الجنوب تسمى (الجَنُوب)، وإذا أردت أن تقول (هبت ريحُ الشمال) فإنك تختصر ذلك في قولك (شمَلت) بفتح الميم في الماضي (تشمُل) بضم الميم في المضارع، وإذا أردت أن تقول (هبت ريحُ الجنوب) فإنك تختصر ذلك في قولك (جنَبت) بفتح النون في الماضي (تجنُب) بضم النون في المضارع.

[111- وَقِسْ عَلَى بَقِيَّةِ الرِّيَاحِ ..... إِذَا جَرَتْ مِنْ سَائِرِ النَّوَاحِي]

يقول الناظم: كما عرفتُك أيها القارئ أن (شملت) من الشمال، و(جنبت) من الجنوب، فكذلك قل في باقي الرياح الآتية من بقية الجهات.
وهذه الطريقة أيضا من الطرق النافعة في التعليم؛ أن تذكر مثالا أو مثالين؛ ثم تقول: (وعلى ذلك فقِسْ)، لتدريب الذهن على الانتقال من الجزئيات إلى الكليات، ومن المثال إلى القاعدة، وقديما قال بعض العلماء (الذكيُّ يفهم بالمثال الواحد ما لا يعرفه البليدُ بألف شاهد).

[112- مِثْلُ الْقَبُولِ وَهِيَ الشَّرْقِيَّةْ ..... أَوِ الدَّبُورِ وَهِيَ الْغَرْبِيَّةْ]

أراد الناظم -تتميما للفائدة- أن يذكر تفصيلا لما أجمله في قوله السابق (بقية الرياح)؛ فقال (مثل القبول) وهي التي تأتي من جهة الشرق؛ فإذا أردت أن تقول (هبت ريحُ القبول) فإنك تختصر ذلك بقولك (قبَلت) بفتح الباء في الماضي، (تقبُل) بضم الباء في المضارع، وإذا أردت أن تقول (هبت ريحُ الدبور) وهي التي تأتي من جهة الغرب، فإنك تختصر ذلك بقولك (دبَرت) بفتح الباء في الماضي (تدبُر) بضم الباء في المضارع. ولم يذكر ثعلب القبول في الفصيح اكتفاء بذكر (الصبا) وستأتي.
وقول الناظم (مثلُ) يجوز فيه الرفعُ والنصب، ويحتمل الجر أيضًا هنا، والكلام فيها كالكلام في قول العلماء (نَحْو)، وينظر تفصيله ومناقشته هنا:
ما إعراب كلمة (( نحو )) - ملتقى أهل الحديث

[113- وَقَدْ صَبَتْ مِنَ الصَّبَا كَذَاكَا ..... وَهْيَ الْقَبُولُ شَرْحُهَا أَتَاكَا]

من الرياح أيضا ريحُ (الصَّبا)، وتسمى كذلك (القَبول)، وهي الشرقية كما سبق بيانه وشرحه للناظم، فإذا أردت أن تقول (هبت ريحُ الصبا) فإنك تختصر ذلك في قولك (صبَت) بفتح الباء في الماضي (تصبُو) بضمها في المضارع.

[114- وَكُلُّهَا تَقُولُ فِيهِ: يَفْعُلُ ..... بِالضَّمِّ لَكِنْ فِي الصَّبَا يُحْتَمَلُ]

ذكر الناظم في الأبيات السابقة الفعل الماضي لكل نوع من أنواع الرياح، ولم يذكر المضارع، فاستدرك ذلك في هذا البيت إجمالا، وهذا أيضا من طرق التعليم النافعة؛ أن تُجمل القاعدة في عبارة مختصرة، بعد تفصيلها وشرحها لترسخ في الذهن وتثبت؛ لإن الإكثار مظنة النسيان.
وكما سبق ذكره: تقول في الشمال (شمَلت تشمُل) وفي الجنوب (جنَبت تجنُب) وفي القبول (قبَلت تقبُل) وفي الدبور (دبَرت تدبُر) وفي الصبا (صبَت تصبُو)، قال الناظم (لكن في الصبا يحتمل) يقصد أن الفعل من (الصبا) يحتمل (يصبُو) و(يصِبي)، وهذا الاحتمال مبني على أن (الصبا) تكتب بالألف وتكتب بالياء، ويقال في التثنية: صَبَوان وصَبَيان، إلا أني لم أقف على أحد من أهل العلم قال إنه يجوز في المضارع (يصبِي) بالكسر، فهذا الاحتمال الذي ذكره الناظم لا ينبغي الالتفات إليه؛ لأن اللغة لا تثبت بمجرد العقل.
وقول الناظم (يحتمل) يجوز فيه البناء للفاعل (يَحْتَمِل) والبناء للمفعول (يُحْتَمَلُ)، فعلى الأول يكون المعنى: (يحتمل هذا الفعل الوجهين) وعلى الثاني يكون المعنى (يحتمل الوجهان في هذا الفعل).

[115- إِلَّا النُّعَامَى فَتَقُولُ: أَنْعَمَتْ ..... وَهْيَ الَّتِي مِنَ الْجَنُوبِ يَمَّمَتْ]

من فوائد القواعد الكلية أنها تختصر على طالب العلم الوقت وتضبط العلم في الذهن، ولما كانت معظم القواعد أغلبية، كان من أهم الأشياء لطالب العلم: حفظ الاستثناءات ومعرفة الشواذ عن القاعدة، حتى يستطيع تطبيق القاعدة باطراد فيما سوى ذلك، والقاعدة التي معنا هي أن "جميع أفعال الرياح يقال فيها (فعَلت تفعُل)"، ويستثنى من ذلك ريح (النعامى) وهي من أسماء ريح (الجنوب)، فيقال فيها (أنْعَمت تُنعِم) بالألف في أولها على وزن (أَفْعَلَ)، فهو فعل رباعي، والأفعال الرباعية لا تفتقر إلى سماع في تصريفها؛ لأنها مطردة مقيسة لا يشذ عنها شيء؛ تقول فيها دائما (أَفْعَلَ يُفْعِلُ إِفْعَالًا فهو مُفْعِل).

[116- وَقَدْ خَسَأْتُ الْكَلْبَ أَيْ قُلْتُ: اخْسَأِ ..... لِيَبْعُدَ الْكَلْبُ، وَلِلْقِطِّ: اغْسَأِ]

تقول (خسَأتُ الكلبَ) بفتح السين في الماضي (أخسَؤه) بفتح السين في المضارع أيضا؛ لمكان حرف الحلق في آخره، وتقول أيضا (خسَأ الكلبُ يخسَأ)، فهذا الفعل من الأفعال التي يستوي فيها المتعدي واللازم من جهة التصريف؛ مثل (وقَفتُه فوقَف) و(رجَعتُه فرجَع) و(زِدتُه فزاد) و(نقَصته فنقَص)، وهي كثيرة جدا حتى أفردها بعض العلماء بالتصنيف، ويسمون هذا النوع (باب فعلت وأفعلت).
وكما تقول للكلب (اخسَأ) تقول للقط (اغسأ) بالغين، وهذا الفعل لم يذكره ثعلب، وذكره الناظم استطرادا لتمام الفائدة، بدلا من أن يحشو آخر البيت بزيادة لا تفيد.

[117- وَفَلَجَ الْإِنْسَانُ فِي خِصَامِهِ ..... عَلَيْكَ فُلْجًا نَالَ مِنْ مَرَامِهِ]

تقول (فلَج) بفتح اللام في الماضي (يفلُج) بضم اللام في المضارع، ومعناه الغلبة والظفر والإفحام في الجدال، ولم يذكر ثعلب مصدر هذا الفعل في الفصيح، وتبرع الناظم بذكره وهو (الفُلج) بضم الفاء، وقد وقع سهوا في المطبوع بفتح الفاء، وهي لغة، لكن المشهور هو الضم.
والمقصود من ذكره التنبيه على خطأ من يقول (أفلج) بزيادة الهمزة، مع أنها لغة لكن الأفصح ما ذكره ثعلب.

[118- وَقَدْ مَذَى يَمْذِي وَسَالَ الْمَذْيُ ..... بِفِكْرَةٍ أَوْ لَذَّةٍ وَالْوَدْيُ]

تقول (مذَى) بفتح الذال في الماضي (يمذِي) بكسر الذال في المضارع، ويجوز أن تقول (أمذى) بالألف في لغة قليلة، لكن اللغة الفصيحة المشهورة هي (مذَى) الثلاثي، ولما كان ذكرُ (المذي) و(الودي) يرد كثيرا في كلام أهل العلم وخاصة كتب الفقهاء، تبرع الناظم بذكر الفرق بينهما، مع أن ثعلبا لم يذكر إلا (مذى) فقط.

[119- لَكِنْ لِغَيْرِ لَذَّةٍ يَسِيلُ ..... وَيَعْتَرِي الإِنْسَانَ إِذْ يَبُولُ]

فرق الناظم بين (المذي) و(الودي) بأن الأول هو الذي ينزل عادة مع اللذة عند الملاعبة أو الفكرة، وأن الثاني هو الذي ينزل بغير لذة اعتيادًا بعد البول، وهذا الفرق مشهور كما تجده في كتب الفقهاء كثيرا.

[120- وَقَدْ رَعَبْتُ الْقِرْنَ يَوْمَ الْفَزَعِ ..... كَأَنَّمَا مَلَأْتُهُ مِنْ جَزَعِ]

تقول (رعَب) بفتح العين في الماضي (يرعَب) بفتح العين في المضارع أيضا؛ لمكان حرف الحلق في وسطه، وقول الناظم (رعبت القرن يوم الفزع) معناه (أخفتُ الشخصَ الذي يُقاتلني يومَ الحرب)، والمقصود من هذا التنبيه على خطأ من يقول (أرْعَبتُ)، وهي لغة قليلة، لكن الفصيح الكثير المشهور هو الثلاثي (رعَبتُ) كما ذكر ثعلب.

وإلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله.
أخوكم ومحبكم/ أبو مالك العوضي
 
أثابكم الله على هذه الفوائد الماتعة..
أرى أثناء قراءتي أن استعمال(أمذى-وأرعب) أشهر من استعمال الفصيح..فهل مراعاة الشهرة معتبرة عند علماء اللغة والبلاغة أم أنه يقدم الأفصح مطلقا وإن كان خلاف المشهور
 
آمين وإياكم ، وبورك فيكم
المقصود بـ(الشهرة) في السياق اللغوي: الشهرة من جهة استعمال العرب الفصحاء، فلا يرد على ذلك أن يشتهر خلافه عند متأخري الفقهاء.
والعلماء الذين صنفوا في الاصطلاحات الفقهية ولغة الفقهاء ينبهون كثيرا على ما يشيع في كلام الفقهاء من لحن أو خطأ، أو ما هو خلاف الأفصح، كما تراه في كلام الخطابي والنووي والفيومي وغيرهم.
 
عودة
أعلى