محمود عبدالله إبراهيم نجا
Member
الرد على من أنكر جواز تسمية الأرض بالكوكب.

زعم البعض أن الأرض ليست كوكباً بحجة أن القرآن والسنة لم يُطلقا عليها هذا الوصف، وأن الكواكب لا توجد إلا في السماء الدنيا، وأنها رجوم للشياطين بنص آية (إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب، وحفظا من كل شيطان مارد)، وللرد على هذا الزعم الخطأ، فأقول وبالله التوفيق؛
1. سكوت القرآن والسنة عن تسمية الأرض بالكوكب لا يستلزم نفياً للمسكوت عنه، فهذا السكوت ليس نفيًا أو إنكاراً للواقع العلمي، وإنما لعدم أهمية التسمية في الخطاب الإلهي الذي يخاطب الإنسان الراصد على سطح الأرض، ولا يوجد عندنا نص من قرآن أو سنة يصف لنا الأرض من قبل الراصد على سطح القمر أو من الفضاء، ولا يوجد نص صريح يقول الأرض ليست كوكباً.
فإذا جاء الإجماع العلمي بكروية الأرض، وأن رصدها من على القمر أو المريخ أو أي نقطة أخرى في الفضاء، يثبت أن الأرض تظهر لهذه الأجرام ككوكب، مثلما نرى نحن القمر والمريخ وغيرها من على الأرض ككواكب، فهذا الإجماع العلمي له اعتباره، ولا يُرد إلا بنص صريح يناقضه، وهو ما لا وجود له، فوجب أن نأخذ بالوصف العلمي المجمع عليه من قبل كل وكلات الفضاء الدولية.
2. وصف الأرض بأنها "كوكب" يُعد تصنيف اصطلاحي علمي حديث مبني على تعريفات فلكية (مثل الدوران حول نجم، وجود جاذبية كافية، جسم معتم لا يكون ضوء وحرارة)، وهذه أمور لم يتطرق لها القرآن بمثل هذا التفصيل العلمي، فالقرآن ليس كتاب تصنيف علمي، بل يصف الأشياء بما يحقق الغرض من هداية البشر. ولذا فعدم وصف الأرض بـ"كوكب" لا يدل على نفي كونها كوكبًا، وإنما يعني أن هذا التصنيف ليس مقصودًا شرعًا ولا نافعًا تعبديًا.
مع ملاحظة أن الله أشار في قرآنه لسباحة الليل والنهار في فلك مثل الشمس والقمر، وهذا يعني أن الأرض تدور مثل الشمس والقمر في فلك، قال تعالى (لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ۚ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)، ومعلوم أن الليل والنهار لا يسبحان بذاتهما في الفلك لأنهما زمانان، وانما السابح هو كرة الأرض التي يُقلب عليها، ويكور عليها الليل والنهار كما نص على ذلك القرآن، في آية (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ)، وآية (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۖ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْل).
وكما أن كروية وسباحة الأرض بليلها ونهارها في فلك، من الأمور التي لا ندركها بالأبصار، وتحتاج للرصد من خارج الأرض، فبالمثل لا يمكن الحكم على الأرض هل هي كوكب أو لا، إلا بدراسة منظرها من خارجها من على سطح كوكب آخر، فإذا ظهرت كزينة في سماء الكوكب الآخر، فهي كوكب، وهو الأمر الذي رصده العلم بالإجماع.
3. وينبغي أن نلاحظ أيضاً أن القرآن فرق بين الشمس والقمر من حيث كيفية الإضاءة، فالشمس بذاتها سراج يولد ضوء وحرارة، بينما القمر مُنير، فليس هو مصدر الضوء، وإنما يعكس ضوء الشمس، وإذا كان القمر الذي هو جسم معتم، يعد من زينة السماء لكونه يعكس ضوء الشمس، فنراه لامعا في السماء الدنيا، فينبغي على العاقل أن يتفكر في مظهر الأرض عند رصدها من جهة السماء الدنيا، فلابد أنها تعكس ضوء الشمس مثلها مثل القمر، وحتماً ستبدو زينة مضيئة عند رصدها من على سطح القمر مثلا، فيتحقق فيها تعريف الكوكب اللغوي عند العرب، فالعرب تطلق لفظة الكوكب على كل ما هو مضيء في سماء الأرض، ولو شاهد الأعرابي الأرض لامعة من على سطح القمر، لوصفها بنفس الوصف الذي يُطلقه على الكواكب اللامعة التي ينظر لها من الأرض.
4. وأما زعمهم أن الأرض لو كانت كوكباً لشاركت في رجم الشياطين، فقولهم هذا مردود لا قيمة له، لأن رجم الشياطين ينبغي ان يكون من السماء الدنيا بنص القرآن وليس من الأرض، فالشياطين من سكان الأرض، ويصعدون للسماء الدنيا للإستماع، وخطف الخطفة من عند مقاعد السماء الدنيا، وليس من على الأرض، فتتبعهم رجوم مصابيح السماء، أو الشهب، عند عودتهم بإتجاه الأرض، ولن يُسمى حجر الرجم شهاب الا ما جاء من خارج الارض فيخترق غلافها الجوي فيحترق فيه نتيجة الإحتكاك، ذلك أن لفظة الشهاب في المفهوم العلمي ترتبط بحدوث احتكاك جرم فضائي بالغلاف الجوي، لا بمجرد اندفاع حجر من الأرض للفضاء.
وعليه فالقول بأن الأرض ليست كوكباً، هو قول في غاية الضعف، وينقصه الدليل، ويعكس خللًا في فهم النصوص والمفاهيم العلمية، ولا يصح أن يصدر من باحث يُفترض فيه التثبت والعقل، فلا ينبغي أن يُحمّل النص الشرعي ما لا يحتمله من دلالات علمية مصطلحية، كما لا ينبغي ردّ الحقائق العلمية الثابتة لمجرد غياب الاصطلاح عنها في النص، فالعقل والنقل متكاملان لا متعارضان، وصدق الله إذ يقول (بَلۡ كَذَّبُواْ بِمَا لَمۡ يُحِيطُواْ بِعِلۡمِهِۦ وَلَمَّا يَأۡتِهِمۡ تَأۡوِيلُهُ)، ويقول (وَمَا يَتَّبِعُ أَكۡثَرُهُمۡ إِلَّا ظَنًّاۚ إِنَّ ٱلظَّنَّ لَا يُغۡنِي مِنَ ٱلۡحَقِّ شَيۡـًٔاۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا يَفۡعَلُونَ).
اللهم ما كان من توفيق فمنك وحدك وما كان من ظن أو خطأ أو سهو أو نسيان فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه براء.
د. محمود عبدالله نجا
عضو هيئة تدريس، كلية طب المنصورة، مصر

زعم البعض أن الأرض ليست كوكباً بحجة أن القرآن والسنة لم يُطلقا عليها هذا الوصف، وأن الكواكب لا توجد إلا في السماء الدنيا، وأنها رجوم للشياطين بنص آية (إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب، وحفظا من كل شيطان مارد)، وللرد على هذا الزعم الخطأ، فأقول وبالله التوفيق؛
1. سكوت القرآن والسنة عن تسمية الأرض بالكوكب لا يستلزم نفياً للمسكوت عنه، فهذا السكوت ليس نفيًا أو إنكاراً للواقع العلمي، وإنما لعدم أهمية التسمية في الخطاب الإلهي الذي يخاطب الإنسان الراصد على سطح الأرض، ولا يوجد عندنا نص من قرآن أو سنة يصف لنا الأرض من قبل الراصد على سطح القمر أو من الفضاء، ولا يوجد نص صريح يقول الأرض ليست كوكباً.
فإذا جاء الإجماع العلمي بكروية الأرض، وأن رصدها من على القمر أو المريخ أو أي نقطة أخرى في الفضاء، يثبت أن الأرض تظهر لهذه الأجرام ككوكب، مثلما نرى نحن القمر والمريخ وغيرها من على الأرض ككواكب، فهذا الإجماع العلمي له اعتباره، ولا يُرد إلا بنص صريح يناقضه، وهو ما لا وجود له، فوجب أن نأخذ بالوصف العلمي المجمع عليه من قبل كل وكلات الفضاء الدولية.
2. وصف الأرض بأنها "كوكب" يُعد تصنيف اصطلاحي علمي حديث مبني على تعريفات فلكية (مثل الدوران حول نجم، وجود جاذبية كافية، جسم معتم لا يكون ضوء وحرارة)، وهذه أمور لم يتطرق لها القرآن بمثل هذا التفصيل العلمي، فالقرآن ليس كتاب تصنيف علمي، بل يصف الأشياء بما يحقق الغرض من هداية البشر. ولذا فعدم وصف الأرض بـ"كوكب" لا يدل على نفي كونها كوكبًا، وإنما يعني أن هذا التصنيف ليس مقصودًا شرعًا ولا نافعًا تعبديًا.
مع ملاحظة أن الله أشار في قرآنه لسباحة الليل والنهار في فلك مثل الشمس والقمر، وهذا يعني أن الأرض تدور مثل الشمس والقمر في فلك، قال تعالى (لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ۚ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)، ومعلوم أن الليل والنهار لا يسبحان بذاتهما في الفلك لأنهما زمانان، وانما السابح هو كرة الأرض التي يُقلب عليها، ويكور عليها الليل والنهار كما نص على ذلك القرآن، في آية (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ)، وآية (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۖ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْل).
وكما أن كروية وسباحة الأرض بليلها ونهارها في فلك، من الأمور التي لا ندركها بالأبصار، وتحتاج للرصد من خارج الأرض، فبالمثل لا يمكن الحكم على الأرض هل هي كوكب أو لا، إلا بدراسة منظرها من خارجها من على سطح كوكب آخر، فإذا ظهرت كزينة في سماء الكوكب الآخر، فهي كوكب، وهو الأمر الذي رصده العلم بالإجماع.
3. وينبغي أن نلاحظ أيضاً أن القرآن فرق بين الشمس والقمر من حيث كيفية الإضاءة، فالشمس بذاتها سراج يولد ضوء وحرارة، بينما القمر مُنير، فليس هو مصدر الضوء، وإنما يعكس ضوء الشمس، وإذا كان القمر الذي هو جسم معتم، يعد من زينة السماء لكونه يعكس ضوء الشمس، فنراه لامعا في السماء الدنيا، فينبغي على العاقل أن يتفكر في مظهر الأرض عند رصدها من جهة السماء الدنيا، فلابد أنها تعكس ضوء الشمس مثلها مثل القمر، وحتماً ستبدو زينة مضيئة عند رصدها من على سطح القمر مثلا، فيتحقق فيها تعريف الكوكب اللغوي عند العرب، فالعرب تطلق لفظة الكوكب على كل ما هو مضيء في سماء الأرض، ولو شاهد الأعرابي الأرض لامعة من على سطح القمر، لوصفها بنفس الوصف الذي يُطلقه على الكواكب اللامعة التي ينظر لها من الأرض.
4. وأما زعمهم أن الأرض لو كانت كوكباً لشاركت في رجم الشياطين، فقولهم هذا مردود لا قيمة له، لأن رجم الشياطين ينبغي ان يكون من السماء الدنيا بنص القرآن وليس من الأرض، فالشياطين من سكان الأرض، ويصعدون للسماء الدنيا للإستماع، وخطف الخطفة من عند مقاعد السماء الدنيا، وليس من على الأرض، فتتبعهم رجوم مصابيح السماء، أو الشهب، عند عودتهم بإتجاه الأرض، ولن يُسمى حجر الرجم شهاب الا ما جاء من خارج الارض فيخترق غلافها الجوي فيحترق فيه نتيجة الإحتكاك، ذلك أن لفظة الشهاب في المفهوم العلمي ترتبط بحدوث احتكاك جرم فضائي بالغلاف الجوي، لا بمجرد اندفاع حجر من الأرض للفضاء.
وعليه فالقول بأن الأرض ليست كوكباً، هو قول في غاية الضعف، وينقصه الدليل، ويعكس خللًا في فهم النصوص والمفاهيم العلمية، ولا يصح أن يصدر من باحث يُفترض فيه التثبت والعقل، فلا ينبغي أن يُحمّل النص الشرعي ما لا يحتمله من دلالات علمية مصطلحية، كما لا ينبغي ردّ الحقائق العلمية الثابتة لمجرد غياب الاصطلاح عنها في النص، فالعقل والنقل متكاملان لا متعارضان، وصدق الله إذ يقول (بَلۡ كَذَّبُواْ بِمَا لَمۡ يُحِيطُواْ بِعِلۡمِهِۦ وَلَمَّا يَأۡتِهِمۡ تَأۡوِيلُهُ)، ويقول (وَمَا يَتَّبِعُ أَكۡثَرُهُمۡ إِلَّا ظَنًّاۚ إِنَّ ٱلظَّنَّ لَا يُغۡنِي مِنَ ٱلۡحَقِّ شَيۡـًٔاۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا يَفۡعَلُونَ).
اللهم ما كان من توفيق فمنك وحدك وما كان من ظن أو خطأ أو سهو أو نسيان فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه براء.
د. محمود عبدالله نجا
عضو هيئة تدريس، كلية طب المنصورة، مصر