الرد على كتاب د. أسما بارلس: "النساء فى الإسلام - نسخ التفسير البطرياركى للقرآن" (2-2)

إنضم
18 مارس 2005
المشاركات
203
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الرد على كتاب د. أسما بارلس: "النساء فى الإسلام - نسخ التفسير البطرياركى للقرآن" (2-2)

كتابى الجديد:

الرد على كتاب د. أسما بارلس: "النساء فى الإسلام- نسخ التفسير البطرياركى للقرآن" (2-2)

د. إبراهيم عوض


1432هـ -2011م

ولنقرأ فى ذلك ما كتبه كريس نوريس (Chris Nouris) فى مقال له بموقع "marieclaire.com" تحت عنوان "Women Who Hit Men"، إذ قال: "According to a Penn professor who studies these things, every American man has about a 28 percent chance of being struck by a woman at some point in his life (in related news, the number of girls ages 10 to 17 arrested for aggravated assault has doubled in the last 20 years). And yet no one seems to take the phenomenon that seriously. Maybe it's because men, generally speaking, are bigger and stronger, and we assume there's a real limit to the physical damage women could actually inflict. We don't picture these scuffles resulting in bloody noses and black eyes or a trip to the station house. Furthermore, pop culture has made the idea of a pretty girl whaling on a guy a wacky comedy staple- Angelina Jolie smashing wine bottles over Brad Pitt's head in Mr. & Mrs. Smith and Cameron Diaz coldcocking Edward Burns in The Holiday were both played for laughs. But the reality of getting hit by your girlfriend isn't so sexy or hilarious… Maybe it's a postfeminist thing. Dressing to kill, bringing home the bacon, kicking ass in the workplace — the nascent alpha female may have a dark side, a culturally abetted idea that it's more or less okay to hit the less physically vulnerable member of the relationship. "I remember [my girlfriend] talking about hitting her ex," Tom recalls. "And she seemed almost proud of it — talking about how it drew blood" ".
وإلى القراء الآن هذا النص الذى وجدته فى أحد المواقع المشباكية عن ترجمة لالة بختيار للقرآن الكريم والطريقة التى نقلت بها إلى الإنجليزية قوله تعالى: "واضربوهن":
"In translating the Quran, she began with individual words. With the help of Edward William Lane's Arabic-English Lexicon and three years' study of Quranic Arabic grammar, she tried to find a distinctive English term for each of the more than 90,000 words in the sacred text. This way, she hoped, the translation would be easier for non-Arabic speakers. But when she came to a controversial verse long interpreted as meaning husbands could beat their wives if they strayed, it became personal. Bakhtiar had counseled Muslim women beaten by husbands who said this verse gave them that right. She thoroughly researched the word "daraba," speaking to 45 Islamic scholars. The Lane lexicon provided the alternate meaning of "go away." Another verse in the Quran that said Muslim women seeking a divorce cannot be harmed also appeared to contradict the traditional interpretation. "To me, the God I love would not say husbands can beat wives or even have a threat that husbands can beat their wives," she said. "From the life of the prophet, I knew he didn't do that, so where is this misunderstanding coming from?" In tackling that verse, she joined a wave of women intellectuals challenging traditional interpretations of Muslim texts. Daisy Khan, executive director of the Asma Society, which gathered Muslim women from around the world last year, said the criticism is to be expected. "Anytime you have a change like this coming from within the community, especially coming from a woman, you're undoubtedly going to ruffle some feathers," Khan said. Critics, meanwhile, have assailed the idea that Bakhtiar, who has studied classical Arabic but does not speak the modern language, is able to translate the Quran. "Arabic is not her first language and it shows," says a posting on Algeria.com. "How can you translate something if you are not literate in the language?" asks another posting on Sunnisisters.com. Islamic law professor Khaled Abou El Fadl of the University of California-Los Angeles said Bakhtiar has a reputation as an editor, not an Islamic scholar. Three years of classical Arabic is not enough, he said. Abou El Fadl also is troubled by a method of translating that relies on dictionaries and other English translations. He said problems arose when the Bible was translated from Aramaic to Hebrew and then to English. But Bakhtiar notes that other well-known translators were not considered Islamic scholars. Still others, she says, didn't know Arabic. "The criticism is [there] because I'm a woman," Bakhtiar said.
A first printing of 5,000 copies is expected at stores such as Borders and Barnes & Noble next week, and on Amazon.com. In three months, a second edition including the Arabic will be published, and Bakhtiar is recording an audio version. And someday soon she hopes to add a Web page where other women also record themselves reciting the Quran -- another break from tradition, but one she feels is crucial to bringing new voices".
وإلى القراء أيضا هذا الخبر الذى قرأته منذ فترة على المشباك، وهو يدور فى نفس المدار: "نيويورك- رويترز 23/3/2007: يطعن تفسير جديد للقرآن الكريم باللغة الانجليزية في استخدام كلمات يقول مؤيدو المساواة بين الرجل والمرأة إنها استُخْدِمَتْ لتبرير الانتهاكات بحق المرأة المسلمة. وتأتي بعدما تجمع مسلمون مؤيدون للمساواة بين الرجل والمرأة من أنحاء العالم في نيويورك في نوفمبر- تشرين الثاني الماضي وتعهدوا بتشكيل أول مجلس من النساء لتفسير القرآن وجعل الدين أكثر ودا تجاه المرأة. وفي الكتاب الجديد تتحدى الدكتورة لالة بختيار المحاضِرةُ السابقةُ في الإسلام بجامعة شيكاجو ترجمة كلمة "اضرب" العربية التي تترجَم عادة بمعني "الضرب"، والتي يقول مؤيدو المساواة بين الرجل والمرأة إنها استُخْدِمَتْ لتبرير الانتهاكات بحق النساء. وكتبت في مقدمة الكتاب الجديد تتساءل عن سبب اختيار المعنى الظاهري للكلمة، وهو "الضرب"، بينما يمكن أيضا أن تعني "امض بعيدا". وكانت بختيار تشير إلى كلمة "واضربوهن" في الآية من القرآن التي تقول: "واللاتي تخافون نشوزهن فعِظُوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن. فإن أطعنكم فلا تَبْغُوا عليهن سبيلا. إن الله كان عليًّا كبيرًا". وتقترح بختيار تفسيرا يقول: ينبغي للأزواج الذين يصلون إلى تلك المرحلة الخضوع لله وترك الأمر له. امضوا بعيدا عنهن ودعوا الله ينفذ مشيئته بدلا من أن يصيب إنسان انسانا آخر بألم باسم الله.
وقال بعض المسلمين إن الترجمة الجديدة انحرفت عن الأصل. وشكك عمر أبو ناموس، وهو إمام بمسجد المركز الثقافي الاسلامي في نيويورك، في ترجمة بختيار وقال: "لا يوجد ما يمنع امرأة من ترجمة القرآن الكريم. لكن ينبغي للمترجم أن يجيد اللغة العربية حتى يمكن أن يجاريها وترجمتها إلى لغات أخرى. لا أعلم ما إذا كانت الدكتورة لالة تجيد العربية أم لا". وأضاف: "ربما تكون تعتمد على تراجم أخرى، وليس على الأصل". ودافعت بختيار عن ترجمتها وقالت لرويترز إنها ترجمت عن النص العربي وإنها "تقرأ وتعرف العربية القديمة". وقال أبو ناموس أيضا إن الآية التي تطعن في ترجمتها تتحدث عندما ترغب امرأة في الطلاق وتسمح للرجل فقط بضرب زوجته، كما يقول النبي محمد، بسواك أو غُصَيْن في مثل طول القلم الرصاص على يدها. وقالت أستاذة اللغة العربية بالجامعة الأمريكية في القاهرة سهام سري إن تفسيرها لكلمة "اضرب" هو "ادفع جانبا"، وإنه مختلف بعض الشيء عن تفسير بختيار. واتفقت مع أبو ناموس على أن كلمة"سواك" تعني غُصَيْنًا، وعلى أن القرآن لا يشجع على إلحاق الضرر بالنساء. غير أنها تقول أيضا إن الرجال يمكنهم تفسير الآية لتبرير سلوكهم الخاص. وتساءلت في تعليق عبر الهاتف من القاهرة قائلة: "كيف يمكنك الإضرار بشخص ما بضربه بمثل هذا الشيء الصغير القصير والضعيف؟ لكن تفسير القرآن في بعض الأحيان يكون متماشيا مع الرجال، وأحيانا يحاولون إذلال المرأة". وتقول بختيار في الكتاب إنها اكتشفت افتقارا إلى التماسك الداخلي في التراجم الانجليزية السابقة، وإن وجهة نظر المرأة لم تُمْنَح انتباها يُذْكَر".
هذا ما قالته بختيار، لكن من أغرب البلايا أن يقترح أستاذ أزهرى متخصص فى العقيدة عبارة "اشتدوا عليهن" تفسيرا لقوله سبحانه: "واضربوهن". وكأن خبطة واحدة من لالة بختيار فى الرأس لا تكفى، فهو يريد أن يخبطنا فى رأسنا خبطة أخرى (انظر مقال "مصر: تبايُن آراء علماء الأزهر تجاه تفسير أميركي بالإنجليرية للقرآن بشأن المرأة" فى جريدة "الشرق الأوسط" بتاريخ 5 ربيـع الاول 1428هـ- 24 مارس 2007م).
وعلى كل حال إذا كانت لالة بختيار تترجم "الضرب" بمعنى ابتعاد الرجل عن البيت فإن تقرير مؤسسة "Rand: راند" الأمريكية عن الإسلام المسلمين فى أرجاء العالم لعام 2003م (وعنوانه: "Civil democratic Islam: partners, resources, and strategies") يشتط أكثر من ذلك كثيرا فينسب إلى بعض المسلمين، وإن لم يُسَمِّهم، القول بأن سورة "النساء" كلها محل شك. وهكذا ينبغى أن يكون تفسير القرآن، وإلا فلا. وهذا كلام التقرير، أورده أولا بالعربية من ترجمتى، ثم أُقَفِّى عليه بإيراد النص الإنجليزى كعادتى فى مثل تلك المواقف كى يكون القارئ على بينة من أن ما أنقله خالٍ من التدليس. أما إذا اكتشف خطأ فى الترجمة فعندئذ سوف يعرف أن المشكلة عندى أنا لا عند الكاتب الأصلى. وقد ورد النص الذى سأنقله تحت عنوان جانبى هو: "Husbands Allowed to Beat Wives: السماح للأزواج بضرب زوجاتهن".
يقول التقرير: "لا يرى أصحاب التيار الأصولي أنه توجد مشكلة هنا. وفي حالة الأصوليين المتطرفين فإن هذا الأمر يتسق ورؤيتهم الهرمية للمجتمع والصورة المثالية فى نظرهم عن تبعية المرأة. أما الأصوليون النصيون فيَرَوْنَ هذه القضية تتمشى مع نهجهم الشامل نحو السلوك الإنساني، الذي يتضمن مؤسسات كالشرطة الدينية المسلحة بالسياط والعصي والتي تجوب الشوارع لتراقب طول شعر الرجال والمواظبة على الصلوات وعدم وجود طلاء على أظافر النساء وغير ذلك. وأما التقليديون المحافظون فإنهم يقبلون أيضًا هذه الممارسة مع التفريق بين الوعظ، الذي نادرًا ما يلجأ إليه الزوج تصحيحا للسلوك الخاطئ للزوجة من أجل "مصلحتها"، وهو سلوك مقبول، وبين الممارسة السيئة للعنف في البيت، وهو مرفوض عندهم. أما التقليديون الإصلاحيون فإنهم لا يوافقون عادة على هذه الممارسة، لكنهم يبحثون عن مبررات وتفسيرات بديلة.
وهذا هو النص القرآني: "واللاتي تخافون نشوزهن فعِظُوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن. فإن أَطَعْنَكم فلا تَبْغُوا عليهن سبيلاً" (النساء/ 34). وهذه الآية القرآنية تحتوي على غموض في موضعين: في اللفظ المتعلق بتحديد نوع المسألة التي تسوّغ مثل هذا الفعل. وفي اللفظ الآخر الذي يتعلق بوصف هذا الفعل. ويريد البعض رفع الحرج عن حالة الغموض الأولى مدعيا أن هذه الآية لا تنطبق إلا على حالات الإساءة الشديدة. ورغم بقاء هاتين النقطتين غير محددتين في النص القرآني فإن أصحاب محمد بلا ريب كانوا يفهمون ما تعنيه الآية. وهم يقولون إن اللفظ العربي المستخدم في وصف حالة الإساءة من طرف المرأة أقرب إلى "النشوز" منه إلى "العصيان"، وإنها يمكن أن تكون إشارة إلى الردة أو النشاط السياسى الهدام من جانب الزوجة.
ويركز بعض الكتاب على اللفظ الثاني الغامض. ويستطيع العلماء التقليديون أن يكتبوا الكثير من الصفحات لمناقشة المعنى الصحيح للَّفْظ ويستنتجوا أن النص القرآني لم يقصد "الضرب" ولا حتى "الصفع"، بل ينبغى فهمه على أن معناه: "الضرب برفق" (رؤوف/ 2002). ويرى القرضاوي أن الزوجات يجوز ضربهن، لكن ليس على الوجه. وقد نشرت مجلة "Islamic Horizons: إسلاميك هورايزونز" الإسلامية الأمريكية في عددها الخاص بقضية العنف الأسري رأيًا صارمًا بخصوص التطبيق الأمثل لهذه الآية، إذ ترى أن من حق الأزواج إعطاء زوجاتهن الناشزات بضع "ضربات خفيفة" بـ"السواك". وينهي الكاتب كلامه قائلاً إن هذا تصرف "معقول محترم ولا غبار عليه، إذ إن صيانة كرامة كل من الزوجين أمر مطلوب" (أبو سليمان/ 2003/ ص22). ولن نجد شاهدا أفضل على عجز التقليديين المسلمين، بما فيهم الجناح الإصلاحي في مواجهة التحديات العصرية، من النص السابق الذى يقترح بكل جِدِّيةٍ فَضَّ الرجل خلافه مع زوجته بضربها بالسواك كمثال على العلاقة المحترمة بينهما.
وبالنسبة للحداثيين لا تعد هذه القضية معضلة. فكما هو الحال في العهد القديم فإن بالقرآن أشياء لا تناسب مجتمعاتنا اليوم، ولا توجد حاجة إلى الدخول في صراع معها. وفوق ذلك فإنهم يشكّون في صحة هذه السورة كلها، إذ تتعارض مع المأثور عن مواقف النبي وسلوكه وآيات القرآن الأخرى ومجموعة الأحاديث التي تدور حول العلاقات الزوجية والسلوك اللائق من طرف الزوج تجاه زوجته. وكثير من الأحاديث تتعارض مع العنف الزوجي، لكنها لا تجد طريقها إلى مواقع الأصوليين والتقليديين المحافظين الإلكترونية. وهناك حديث يقول إنه من غير اللائق ضرب شخص ينوى الواحد منا فى المستقبل أن يكون حميما معه مرة أخرى (المترجم: لعل التقرير يشير إلى قوله صلى الله عليه وسلم: "يعمد أحدكم فيجلد امرأته جَلْد العبد، ولعله يضاجعها في آخر يومه"). ومن المشهور عن النبي لحظةَ وفاته أَمْرُه للرجال أَنِ "اتقوا الله في النساء". ولأن الصحابة كانوا يهتمون اهتماما شديدا بحياة الرسول الخاصة فإن لدينا الكثير من الروايات التى تدور حول الخلافات بين النبي وأزواجه. ومن هذه الروايات نعرف أن النبي عندما يغضب كان يتلفظ بعبارات تهكمية ويعبس ويشكو إلى والد زوجته. وفى إحدى المرات انقطع عن زوجاته شهرا كاملا فى طابق منعزل.
والواقع أن القرآن لم يسجَّل كتابة إلى ما بعد وفاة النبى بزمن، وتم تجميعه حينئذ من شذرات لحاء الشجر أو العظام التي كَتَب عليها مشاهدو الوحي نصوصَه، وكذلك عن طريق الأفراد الذين حفظوا بعض السور القرآنية فأَمْلَوْها على أحسن ما يستطيعون التذكر، وهو ما نتج عنه كتابة عدة نسخ من القرآن كل منها مختلفة عن الأخرى. وفي النهاية، وسَدًّا لأبواب الخلاف، تم التخلص من جميع النسخ ما عدا واحدة (انظر برويز/ 2002). ومن المعروف على نطاق واسع أنه في خلال هذا قد ضاعت على الأقل سورتان. كما يشير الحداثيون إلى أنه من المحتمل أن تكون بعض السور قد أضيفت خطأً إلى النص القرآنى أو سُجِّلَتْ على نحو غير دقيق. أما التقليديون الذين يُجِلّون القرآن، بل الورق المطبوع عليه أيضا، ويؤمنون بعصمته وإلهيته حرفا حرفا، فهذه الفكرة عندهم فكرة بغيضة ومرفوضة تماما".
والآن إلى الأصل الإنجليزى:
"Fundamentalists have no problem with this. In the case of radical fundamentalists, it fits their hierarchical view of society and their ideal of female subordination. Scriptural fundamentalists find it to be in accord with their overall disciplinary approach to human conduct, which includes such institutions as a religious police armed with whips and sticks, patrolling the streets to monitor the length of men’s hair, the observance of prayers, the absence of polish on women’s fingernails, and the like. Conservative traditionalists also accept the practice12 but try to make a distinction between a “benevolent” didactic intervention, employed rarely and intended to correct the wife’s wrongful behavior “for her own good,” which is acceptable, and an abusive exercise of domestic violence, which is not. Reformist traditionalists usually do not support the practice but search for justifications and alternative interpretations.
This is the text: As for those [women] from whom you fear disobedience, admonish them and send them to beds apart and beat them. Then if they obey you, take no further action against them. (4:34) This Quranic passage offers potential ambiguity in two places: in the termying what kind of cause might justify such a response and in the term describing the response itself. Some latch onto the first ambiguity and argue that this passage applies only to very major offenses. While they remain unspecified in the text, Muhammad’s contemporaries undoubtedly knew what was meant. They argue that the Arabic term used to describe the wife’s offense is closer to “rebellion” than to “disobedience” and suggest that it perhaps was meant to refer to apostasy or to subversive political activity on the part of the wife.
Some authors focus on the second ambiguous term. Traditionalist authorities can spend many paragraphs discussing the exact terminology and concluding “beat” or even to “strike,” but should be interpreted as meaning to “lightly tap” (Rauf, 2002). Qaradawi instructs that wives may be hit, but not on the face. The American Muslim publication Islamic Horizons, in a special issue dedicated to the topic of domestic violence, proposes in all seriousness that the correct application of this Quranic verse is for the husband to give an errant wife “a few taps” with a “siwak,” a kind of toothbrush. This, the author concludes, is “reasonable, dignified, and fairly flawless, for each spouse’s human dignity is respected” (Abusulayman, 2003, p. 22). We would be hard-pressed to invent a better illustration for the inability of Islamic traditionalists, even reformist traditionalists, to manage the challenges of modernity than a text like the one above, which earnestly proposes the spectacle of a man resolving disputes by hitting his wife with a toothbrush as an
example of a dignified relationship.
For modernists, again, this issue is not a problem. Like the Old Testament, the Quran includes content no longer relevant today, and there is no need to struggle with it. Further, they doubt the authenticity of that sura altogether, since it contradicts what one knows about the Prophet’s attitudes and behavior, other passages in the Quran, and the bulk of hadiths concerning marital relations and the appropriate conduct of a husband toward a wife. Numerous hadiths disapprove of marital violence, but these do not make their way to fun24 Civil Democratic Islam: Partners, Resources, and Strategies damentalist or to conservative traditionalist Web sites. In one such hadith, the Prophet makes the point that it is inappropriate and primitive to hit a person with whom one intends in the future again to be intimate. Famously, the Prophet’s final deathbed comment warned men to “fear God in your treatment of women.” And finally, due to the intense scrutiny paid to the Prophet’s private life by his contemporaries, we have a large number of anecdotes related to disputes he had with his wives. From these stories we know that when he became angry he made sarcastic remarks, sulked, complained to his father-in-law, and at least once withdrew to a different floor of the house for an entire month.
The Quran was not recorded in writing until well after the Prophet’s death. It was then assembled by collecting various scraps of bark or bone upon which witnesses to the revelations had recorded them and by locating individuals who had memorized certain suras and having them dictate the text as best they recalled it. This project eventually resulted in the production of several versions of the Quran, which differed from each other. Eventually, to prevent discord, all versions but one were destroyed (see Parwez, 2002). It is widely accepted that at least two suras were lost in that process. Modernists point out that some may also have been falsely or inaccurately recorded. To traditionalists, however, who revere as infallible and divine each letter of the Quran and even the paper it is printed on, that notion is anathema".
كذلك تؤكد السيدة بارلس أن الإسلام يسوى بين الرجل والمرأة تمام التسوية ولا يرى أى فارق بين الجنسين (ص93 وما بعدها). ونحن معها فى أن الرجل والمرأة متساويان فى الإنسانية وأمام الشريعة وأمام الله يوم القيامة، ويكمّل أحدهما الآخر، ولا غنى لأى منهما عن صاحبه، إذ لا يمكن أن تسير الحياة بقدم واحدة بل لا بد لها من القدمين، وإلا سقطت وتوقفت، وهو ما لا يمكن أحدا المشاحّة فيه. قال تعالى: "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ" (البقرة/ 228)، "فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ" (آل عمران/ 195)، "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً" (النساء/ 1)، "الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ *... وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" (التوبة/ 67- 72)، "وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (الروم/ 21)، "إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا" (الأحزاب/ 35).
ليس هذا فحسب، بل يأمر القرآن الرجال بإعطاء المرأة صداقا وإحسان معاملتها، وينهاهم أشد النهى عن الجور عليها: "وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً" (النساء/ 4)، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آَتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا * وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا" (النساء/ 19- 21). بل إن المرأة لتحظى فى بعض الأحيان بنصيب من تسليط الضوء عليها أكثر مما يحظى به الرجل: "وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ" (لقمان/ 14). وحين يتحدث القرآن عن نتيجة الخطإ الذى أهبط آدم وحواء من الجنة نجده لا يذكر حواء فى هذا السياق، وكأن آدم وحده هو المخطئ، وإن كنت أرى فى ذلك إشارة إلى الجنس البشرى بنوعيه لا إلى نوع الرجال وحده: "وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا * وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى * فَقُلْنَا يَا آَدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى * إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى * فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى * فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى * قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا..." (طه/ 115- 122). وهذا عكس ما يقوله العهد القديم فى هذا الموضوع، إذ يحمّل المسؤولية كلها على رأس المرأة.
إلا أن هذا كله، وغيره كثير، لا يعنى ألا يكون هناك رئيس للأسرة. ولقد أعطى الإسلام للرجل هذه الرئاسة (أو فلنقل: القوامة) رغم التسوية التى ذكرناها بين الجنسين. وليست هناك مؤسسة فى الدنيا قديما أو حديثا إلا ولها رئيس: بدءا من جمع القمامة، ومرورا باللصوصية والشحاذين، وارتفاعا إلى المدرسة وقسم الشرطة، ووصولا إلى حكم الدولة وأمانة الأمم المتحدة. ولدينا الكون نفسه، وله خالقه الذى يسيطر عليه ويوجهه ويحاسب المخطئ ويثيب المحسن... إلخ. ولقد قال القرآن: "وللرجال عليهن درجة" (البقرة/ 228)، وهذا ما نؤمن به، وإن لم يعن هذا أن كلا من الجنسين ينتمى إلى عالم مختلف عن عالم الآخر، بل هما كلاهما من نفس واحدة، مع إسناد القوامة للرجل.
قد يقال إن الرجل والمرأة متساويان، فلم إذن تكون القوامة للرجل دون المرأة؟ لكن هل يمكن أن نتجاهل ما يتفوق به الرجل على شريكة حياته ونصفها الحلو من الناحية العضلية على الأقل، إضافة إلى ما تتعرض له المرأة على الضِّفَّة الأخرى من متاعب الحيض والحمل والولادة والرضاعة مما يرهقها ويستنزف طاقتها فى الوقت الذى لا يقاسى الرجل شيئا من ذلك البَتَّة؟ أم هناك من يجادل فى هذا؟ فإذا افترضنا أن الرجل والمرأة متشابهان تمام التشابه بحيث لا يوجد أدنى فرق بينهما من ناحية المواهب التى وهبهما الله إياها، اللهم إلا فى الناحية العضلية كما قلنا، أفلا ينبغى أن يُعَدّ هذا اعتبارا مرجِّحًا لقوامة الرجل على المرأة؟ أما ما تزعمه د. نوال السعداوى فى كتابها: "الأنثى هى الأصل" (ضمن مجلد "دراسات عن المرأة والرجل فى المجتمع العربى"/ ط2/ المؤسسة العربية للدراسات والنشر/ بيروت/ 1990م/ 153) من أنه ليس هناك أى دليل علمى على أن المرأة أقل من الرجل عقليا ولا فسيولوجيا، وأن القول بغير ذلك هو من تأثير السلطة الأبوية التى تملك الزوجة والأولاد كما تملك قطعة أرض، فمن أين لها يا ترى بهذا الكلام؟ وقبل ذلك لماذا استطاع الرجل أن يسيطر على المرأة فى الماضى ولم تستطع هى أن تسيطر عليه؟ أليس هذا دليلا على أنه يتفوق عليها بشىء أعانه على فرض تلك السيادة أيا كان هذا الشىء؟ على أن ذلك الشىء لا يمكن أن ينحصر فى القوة العضلية وحدها، وإلا فهناك مثلا زملاءُ وأصدقاءُ ذكورٌ كُثْرٌ لا يسيطر الطرف الأقوى عضليا منهم على الآخرين، بل ربما خضع هو لمن هو أقل منه فى القوة العضلية لما يمتاز به من حكمة وسداد رأى أو جاذبية شخصية أو وفرة فى الاتصالات العامة أو تفوق علمى أو إدارى مثلا. كذلك فزعم السعداوى أن العلم فى النصف الثانى من القرن العشرين قد كذّب الافتراضات والنظريات التى كانت تفرق بين الرجل والمرأة جسدا وعقلا وشعورا (المرجع السابق/ 158) هو زعم متهافت. أليس الرجل والمرأة مختلفين فى كثير من النواحى الجسمية؟ أليست المرأة بوجه عام أكثر عاطفية من الرجل؟ أليست أسرع إلى البكاء؟ أليست تحب الاحتماء بالرجل؟ ثم أين الفيلسوفات والرياضيات والعالمات فى كل مجالات العلوم بتلك الكثرة التى نعرفها فى عالم الرجال فى العصر الحديث الذى أخذت المرأة فيه نفس فرصة الرجل؟ وأين فِرَق النساء التى يمكنها منافسة فرق الرجال فى الكرة أو المصارعة أو الملاكمة أو الجرى والوثب... إلخ؟ وهل تُسَامِتُ المرأةُ الرجلَ فى العزيمة والصلابة النفسية؟ بل إن العقاد ليرى عن حق أن الرجل يمتاز على المرأة حتى فى الأعمال التى تمارسها منذ أدهار كالتطريز والطهى... وما إلى ذلك (انظر كتابه: "المرأة فى القرآن"/ منشورات المكتبة العصرية/ صيدا وبيروت/ 7).
ثم لو كانت المرأة مظلومة ولا يوجد أدنى فرق بينها وبين الرجل، كما تدعى د. نوال السعداوى (السابق/ 41- 242)، أكانت تظل كل تلك الأحقاب المتطاولة ساكتة دون تمرد وثورة؟ ألم تشعر المرأة بالظلم كل تلك المدة المتطاولة؟ فلماذا يا ترى؟ وما دلالة هذا؟ولنفترض أن الرجل ضللها، فَلِمَ عجزت هى عن تضليله، بل حتى عن فتح عينيه على الحقيقة التى تتعلق بها، وهى أنها مثله، وليست أقل منه؟ ولماذا انخدعت بما لقنه لها من أنه ليس من حقها الغضب بل عليها الابتسام دائما كما تقول السعداوى؟ ولا تقتصر دعاوى الدكتورة نوال عند هذا المدى، بل نراها ترجع تفوق الرجل على المرأة إلى القهر الذكورى لها لا إلى أنها بطبيعتها أدنى من الرجل فى بعض القدرات العقلية والنفسية... مشبهة إياها بالعبيد، الذين يبدون أقل من الأحرار قدراتٍ ومواهبَ رغم أنهم رجال مثلهم، وذلك بسبب القهر الواقع عليهم كالمرأة (ص250- 251، 253)، ناسية أن العبيد كثيرا ما قاموا بثورات تحررية، أما النساء فلا، فضلا عن أن الرجل هو فى الغالب الذى كان وما زال ينادى بإعطائهن حقوقهن، ولَسْنَ هُنَّ. كما تؤكد أن المرأة لا تضحى بنفسها وراحتها من تلقاء نفسها بل بالقهر الذى يمارسه عليها الرجل وفَرْضه خدمته هو وأفراد الأسرة عليها وشَغْله لها بأعمال البيت اليدوية، وإلا فهى لا تقل عنه طموحا وذكاء وقدرات عقلية.
من هنا نقول إن الرجل والمرأة متساويان فى أصل الإنسانية وفى أن الله قد وهب كلا منهما من عطاياه الإلهية المباركة، وأعطى كلا منهما عقلا وشعورا... إلخ، إلا أن ثم فروقا بين هذه المواهب هنا وبينها هناك هى التى تؤهل الرجل بوجه عام لقوامة الأسرة. والرجل بهذه القوامة لا يصير سيدا على أَمَةٍ، بل زوجًا مع زوجة يخدمها هى والأبناء ويسعى على معاشهم ومطالبهم، ولا يرى فى ذلك أدنى غضاضة، ولا يرفع راية العصيان قائلا إنه لن يشتغل خادما لهم بعد اليوم كما هو شعار النسويات اللاتى يردن أن يزرعن فى رُوع المرأة أن عملها فى المنزل هو سخرة وعبودية بلا أجر، بل ينهض بهذا العبء سعيدًا، ويجد فيه تحقيقًا لذاتيته الكاملة.
فإذا انتقلنا إلى مقام الألوهية نجد أسما بارلس تقول إن وحدانية الإسلام تعنى فيما تعنيه أنه سبحانه ليس ذكرا، إذ "الواحد الأحد" لا ينقسم ولا يكون من ثم أبا أو زوجا أو ابنا أو ذكرا ("Believing women" in Islam, P. 95) لأن كل واحد من هؤلاء يستلزم أن يكون هناك اثنان من نفس الجنس أو النوع أحدهما موجب، بينما الآخر سالب، والألوهية إنما تقوم على التوحيد والتفرد. ولست أخالفها فيما قالته من أنه سبحانه ليس ذكرا، كما أنه ليس أنثى، ولكنى رغم هذا أرى مغزى واضحا فى استخدام القرآن والحديث للضمير والاسم والنعت والفعل لله بصيغة التذكير، رغم أن الله سبحانه فوق الذكورة والأنوثة كما قلنا، بل خالقهما، وأتصور ذلك بابًا من الإيماء إلى تفوق الرجل على المرأة. لكن بارلس تنكر استخدام ضمير التذكير له سبحانه وتراه شيئا يدعو إلى السخرية، إذ كيف يرفض المسلمون تذكير الله، وفى ذات الوقت يستمرون فى استخدام صيغة التذكير له جل وعلا ويَرَوْن فى ذلك الاستخدامِ إشارةً إلى تفوق الذكر على الأنثى؟ ناسية أننا لسنا الذين نقول بهذا التفوق بل الله سبحانه وتعالى حين أشار إلى أن للرجال على النساء درجة وأن من حقهم القوامة على البيت والأسرة وأنه لا ينبغى أن تتمنى النساء ما فَضَّل هو ذاته الرجالَ به عليهن كما جاء فى سورتى "البقرة" و"النساء": "وللرجال عليهن درجة" (البقرة/ 228)، "وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا *... الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ" (النساء/ 32- 34)، وأننا لسنا الذين نستخدم لله سبحانه وتعالى صيغة التذكير حين نتحدث عنه، بل القرآن والحديث ذاتهما. أم تراها تريد المجادلة فى ذلك أيضا؟
تقول بارلس فى الموضع المذكور آنفا من كتابها الذى نحن بصدده: "Ironically, while Muslims reject misrepresentations of God as father/ male, most see no problem in continuing to masculinize God linguistically and to propagate, on the basis of this view, theories of male rule/privilege over women. One needs therefore to inquire into the paradox of masculinist conceptions of God and the idea of a symbolic continuum between God’s Rule and man’s in the absence of the Qur’ānic view of God as Father/male. This paradox, I believe, is a function of the Creator models in Ian Netton’s (1989) words and of a semiotic collapse in Muslim theology between the signifier (the word ‘God’) and the Signified (God), and I examine each in turn".
لكن ليس فى القرآن آية واحدة تصف الله سبحانه وتعالى بصفات نسوية على عكس ما تحاول بارلس أن توهمنا لكى تصل من ذلك إلى القول بأنه سبحانه وتعالى يجمع فى كينونته بين الثنائيات والمتضادات، وإن كان اجتماع تكامل لا تناقض كما تقول ("Believing women" in Islam, P. 100- 101). ونحن أيضا نؤمن بطبيعة الحال أنه سبحانه وتعالى إله لا إنسان، ومن ثم فهو فوق الذكورة والأنوثة. إلا أننا لا نقول بما تقول هى به عن الصفات الإلهية النسوية التى يستعملها القرآن له عز وجل كالحب أو الصبر أو تقديم الطعام مثلا، إذ من قال إن أيا من هذه المعانى هو صفة نسائية فقط؟ هل الحب مثلا مقصور على المرأة؟ فهل تطيق المرأة، بناء على هذا، أن يقال لها إن الرجل لا يحبها، بل لا يستطيع أن يحبها، لأنه لا يتصف بصفة الحب؟ ألا يحب الرجل المرأة زوجة وأما وأختا وبنتا؟ وهل الرجال لا يحبون أبناءهم كما تحب الأم أبناءها؟ فمن يسعى إذن على المعاش ويبذل كل ما لديه من جهد من أجل إشباع حاجات أولاده؟ أليس هو الرجل غالبا؟ فما الدافع له فى ذلك يا ترى؟ أليس هو الحب؟ ثم ألا يحب الرجال أوطانهم وأصدقاءهم وعظماء تاريخهم ودينهم وأعمالهم وهواياتهم... إلخ؟ فكيف تزعم بارلس أو غير بارلس أن الحب هو صفة نسوية بامتياز، وأنه ما دام الله يوصف فى القرآن بأنه يحب عباده فمعنى هذا أنه يوصف بصفات نسوية؟ فمن نظم قصائد الحب يا ترى؟ هل هو شخص آخر سوى الرجل فى الغالب، ثم المرأة إلى حد ما من بعده؟ ومن أجج الحروب فى بعض أطوار التاريخ بسبب المرأة وحبه لها؟ أليس هو الرجل أيضا؟ وهل الصبر صفة نسوية فقط؟ فمن يصنع الحضارة إذن، وصناعة الحضارة تقوم فى كل خطوة منها على الصبر والتحمل وطول البال؟ أهن النساء فقط؟ فمن يحارب ويعلّم ويزرع ويبنى ويرعى ويصنع ويحكم البلاد والعباد؟ أليس هو الرجل فى الغالب؟ وهل يمكن أن يتم شىء من هذا دون صبر وعرق ودموع؟ أم الصبر هو فى السهر على تمريض الطفل الرضيع فقط مما تقوم به المرأة عادة؟ ألا يصبر كثير من الرجال على مناكفات زوجاتهن؟ الواقع أنه لولا هذا الصبر لانهدمت البيوت، وبخاصة أن كثيرا من النساء كلما نشب خلاف بينهن وبين أزواجهن سارعن إلى طلب الطلاق واستخدمن فى هذا الطلب عبارات تستفز الجبال. ولولا استعصام الرجال بالصبر فى مثل ذلك الموقف لتحطمت البيوت وتشردت الأسر. ثم هل النساء هن اللاتى يوفرن الطعام لمن حولهن؟ نعم، إنهن يطبخن ويُعْدِدْن المائدة، لكن الرجل عادة هو الذى يسعى على المعاش ويحضر المال ويشترى الطعام لأفراد الأسرة كى تعده المرأة لهم.
وأخيرا فقد ينبغى أن نعلم أن بارلس إنما تقلب بكلامها هذا الأوضاع رأسا على عقب، إذ تجعل البشر هم الأساس، والله سبحانه يجرى فى ركابهم. أليست تجعل الحب والصبر والإطعام صفات بشرية فى الأساس، فإذا تحققت فى الله عز وجل كان ذلك دليلا على تحققه بالصفات البشرية ذكورية كانت أو نسوية؟ إنها بهذا تغفل غفلة شديدة وشنيعة عن أن الله هو منبع كل وجود وموجود، وأننا نحن البشر، ومعنا سائر المخلوقات، إنما نستمد منه وجودنا وصفاتنا لا العكس. كما أن صفاته سبحانه وتعالى هى صفات مطلقة لا نسبية. فالكرم مثلا عنده لا أول له ولا آخر، بخلاف الكرم البشرى، فهو كرم محدود له بداية، وله نهاية. فكيف نقلب المسألة ونجعل الصفات الإلهية مأخوذة عن البشر؟ أى أن كل ما قالته السيدة أسماء بارلس هو كلام لا يصمد للتحليل والمنطق. ومن هذا يتبين سذاجة الأفكار التى تسوقها تلك السيدة ومدى ما فيها من تهافت.
وبالمناسبة تؤكد نوال السعداوى، فى كتابها: "الأنثى هى الأصل" (ضمن مجلد "دراسات عن المرأة والرجل فى المجتمع العربى"/ 154- 155)، أن المجتمع الأمومى استمر آلاف السنين، وإن كنا لا ندرى كم ألفا منها لأن علم التاريخ لم يكن قد ظهر بعد كما تقول، وأن المجتمع كان أموميا، وأن الناس كانوا يضعون المرأة فى مكانة أعلى من مكانة الرجل، وأن الإله كان أنثى. ونحن نتساءل: إذا كان علم التاريخ لم يكن قد ظهر بعد، إذن فكيف عرفتْ نوال السعداوى أو غيرها أن المجتمع كان أموميا، وأن الناس كانوا يضعون المرأة فى مكانة أعلى من مكانة الرجل، وأن الإله كان أنثى؟ هل شمت على ظهر يدها؟ وقد يظن بعض الناس أن تلك التقليعة الفكرية هى من بنات عقلها، إلا أن الواقع يقول إنها وأمثالها لا يمكنهم إبداع شىء يختلف عما لدى الغرب، إذ هناك مفكرون غربيون يدَّعون هذه الدعوى ردا على ما يظنونه من أن استخدام ضمائر المذكر فى الكتب المقدسة وعلى ألسنة المؤمنين عند الحديث عنه سبحانه معناه أنه ذكر.
والطريف أن نوال السعداوى سرعان ما تطامن من تلك المزاعم بعد قليل (ص155)، فتقول إن المرأة فى مصر القديمة كانت متساوية والرجل، فقد كانت هناك آلهة نسائية، لكن الإله الأكبر كان ذكوريا دائما، وهو ما يدل على أن المجتمعات البشرية تنظر إلى الرجل على أنه أفضل من المرأة ولو بدرجة كما فى الإسلام. وهذا الكلام من د. نوال معناه أن الأمر ليست كما زعمت آنفا من أن النساء هن اللاتى كن يحكمن المجتمعات وأن الإله كان دائما أنثى.
وبالمناسبة كذلك فقد قرأت فى "شرح نهج البلاغة" لابن أبى الحديد النص التالى الذى يتصل بما نحن فيه أوثق الاتصال، وقد ورد فى سياق الحديث عن كلمة "ذات" ومدى جواز استعمالها فى حق الله عز شأنه: "ولفظة "ذات" لفظة قد طال فيها كلام كثير من أهل العربية، فأنكر قوم إطلاقها على الله تعالى وإضافتها إليه: أما إطلاقها فلأنها لفظة تأنيث، والبارىء سبحانه مُنَزَّهٌ عن الأسماء والصفات المؤنثة. وأما إضافتها فلأنها عين الشيء، والشيء لا يضاف إلى نفسه. وأجاز آخرون إطلاقها في البارئ تعالى وإضافتها إليه. أما استعمالها فلوجهين: أحدهما أنها قد جاءت في الشعر القديم. قال خُبَيْبٌ الصحابي عند صَلْبه:
وذلك في ذات الإله، وإن يشأ * يبارِكْ على أوصال شِلْوٍ مُوَزَّعِ
ويروى "مُمَزَّع". وقال النابغة:
مَحَبَّتُهُـــــمْ ذاتُ الإلــه، ودينـــــهم * قديم، فما يخشَوْنَ غير العواقبِ
والوجه الثاني أنها لفظة اصطلاحية، فجاز استعمالها لا على أنها مُؤَنَّثُ "ذو"، بل تستعمل ارتجالاً في مسماها الذي عبر عنه بها أرباب النظر الإلهي، كما استعملوا لفظ "الجوهر" و"العَرَض" وغيرهما في غير ما كان أهل العربية واللغة يستعملونهما فيه. وأما منعهم إضافتها إليه تعالى وأنه لا يقال: "ذاته" لأن الشيء لا يضاف إلى نفسه فباطلٌ بقولهم: "أخذتُه نفسه، وأخذتُه عينه"، فإنه بالإتفاق جائز، وفيه إضافة الشيء إلى نفسه". ولا شك أن ما كتبه ابن أبى الحديد هنا إنما يقوم على ما لاحظه هو وغيره من علمائنا القدامى من أن القرآن لا يُطْلِق على الله جل وعلا لفظًا أُنُوثِيًّا أبدا.
أما قول بارلس إنه لو كان هناك فرق بين الرجل والمرأة فى التفكير والحس الأخلاقى فكيف يحمّل الله المرأة المسؤولية ويحاسبها يوم القيامة كما يحاسب الرجل؟ (انظر ص102 من كتابها: ""Believing women" in Islam") فردنا عليه بسيط جدا، وهو أننا لا نقول بحرمان المرأة من العقل والتفكير والحس الخلقى، بل كل ما نقوله أن هناك فروقا بين هذه الهبات الإلهية عندها عنها عند الرجل. ومعروف أن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها بما يعنى أن الحساب الإلهى حساب عادل يراعى ظروف كل شخص وكل نوع، ولا يأخذ البشر جميعا مأخذا واحدا دون مراعاة للفروق الفردية والنوعية التى تميز شخصا عن شخص، ونوعا عن نوع. فأما القول بأن اختلاف عقلية المرأة مثلا فى بعض الجوانب عن عقلية الرجل مدعاة للقول بإعفائها من الحساب فهو ما لم يقل به أحد، إذ لم يقل أحد إن المرأة محرومة من العقل والتمييز، بل كل ما قيل إنّ ثَمَّ لمساتٍ خاصةً تميزها عن الرجل وتميز الرجل عنها فيما هو مشترك بينهما، وما أكثر ذلك المشترك! وإذا كان الطلاب مثلا لا يُعْفَوْن من الحساب الإلهى يوم القيامة ولا من الحساب القانونى هنا على الأرض رغم أنهم لا يتساوَوْنَ مع أساتذتهم فى العقل ولا فى العلم، فكيف تقول بارلس إن تفوق الرجل على المرأة يستلزم أن تُعْفَى المرأة من المسؤولية والمحاسبة؟ علينا إذن طبقا لهذا المنطق العجيب أن نُعْفِىَ العوامّ جميعا لأنهم أقلّ فى الفهم والعقل والحساسية من المثقفين. لكن هذا كلام لا يقوله أى شخص فى ذهنه مُسْكَة من عقل!
كذلك لسنا معها فى نفيها أن يكون القرآن قد تحدث عن الرجل والمرأة بوصفهما كائنين متقابلين لا متطابقين (ص103)، إذ الواقع أن القرآن يتحدث عنهما بوصفهما كائنين متقابلين فى بعض الصفات، لكنْ فى ذات الوقت متكاملين، وإلا فلم سماهما: ذكرا وأنثى؟ ولم قال إنه خلق لنا نحن البشر من أنفسنا أزواجا،أى ذكورا وإناثا، بما يدل على أن هؤلاء غير أولئك رغم الأرضية الكبيرة المشتركة بينهما؟ أليس شكل الجسم عند الرجل يختلف فى كثير من الأشياء عن شكله فى المرأة؟ ألا يكفى هذا حتى نقول بأن هناك فروقا بين النوعين وأنهما فعلا يمثلان طرفين متقابلين؟ أم ترى التاريخ كله حتى عصرنا الحالىّ كان كاذبًا أومضلَّلاً فلم يعرف حقيقة الأمر؟ وإذا لم يكونا طرفين متقابلين فلم يا ترى كان الزواج، الذى يكمّل به كل منهما الآخر؟ لو أنهما كانا متطابقين لاكتفى كل منهما بنفسه فى عملية التكاثر مثلا كما هو الحال فى النباتات، إذ تجمع بين أعضاء الذكورة والأنوثة فى ذات الوقت. أليس كذلك؟ ترى هل الرجل يحيض ويَنْفَس ويحمل ويلد ويُرْضِع مثلا كالمرأة؟ هل يُدِرّ ثدياه لبنا كما هو الحال بالنسبة لثديى المرأة؟ وهل تظل المرأة طول عمرها قادرة على الإنجاب كالرجل؟ هل الجهاز التكاثرى واحد عند الاثنين؟ هل المرأة خشنة الصوت كالرجل، أو هو رقيقه كالمرأة؟ هل هو ضعيف الجسم أملسه كالمرأة؟ أم هل هى قوية الجسم خشنته كالرجل؟ هل له شعر طويل كشعرها؟ هل ردفه أو صدره بارز كردفها وصدرها؟ هل هو حيى مثلها؟ أم هل هى مقتحمة مثله؟ هل تقوم هى بطلبه خاطبةً وزوجةً كما يطلبها هو خاطبًا وزوجًا؟ هل هو عاطفى مثلها، أو هى عقلانية مثله؟ هل يخاف هو مثلما تخاف هى من أقل الأشياء؟ أم هل هو قريب الدمعة كما تسارع هى إلى البكاء لأهون سبب؟ فكما يرى القارئ هناك أشياء يتميز بها كل منهما ويكمل بها الآخر مما لا يجهله أحد، وهذا ما يجعلهما طرفين متقابلين متكاملين، على عكس ما تحاول السيدة بارلس هى وأمثالها إقناعنا عبثا.
وتمضى الكاتبة فتقول، نقلا عن كاتب آخر نقل الموافق، إن المسلمين القدماء قد أخطأوا فى تفسير القرآن خطأ كبيرا من ناحية الذكورة والأنوثة، وذلك حين قالوا مثلا إن لفظة "الإنسان" فيه تعنى "man"، أى "الرجل"، وإنه لو كان تفسيرهم هذا صحيحا لكانت المرأة معفاة من جميع أوامر القرآن ونواهيه (ص104- 105). وهى فى هذا مخطئة لا المسلمون القدامى، إذ لم يحدث أن فسروا "الإنسان" بـ"الرجل" قصرا على الذكور وحدهم. كيف؟ معروف أن البشر، ومن ثم اللغة أيضا، يميلون إلى الاختصار والإيجاز توفيرا للوقت والجهد من جهة، وكسلا ومللا من جهة أخرى، وتجنبا لمظنة اتهام السامع أو القارئ فى ذكائه من جهة ثالثة. وبالتالى فما أكثر ما يقدّرون فى اللغة حين يتحدثون وحين يكتبون، وإلا لكانت عملية الكلام من الإرهاق بمكان. ومفسرونا القدماء حين يقولون فى بعض السياقات: "الرجل" فهم يقصدون النوع الإنسانى كله رجالا ونساء وصبيانا وبنات، ولا يقصرون كلامهم على الذكور ولا البالغين من الذكور وحدهم. ولا أدرى لم فاتها أن تخطّئهم أيضا فى استعمالهم تلك الكلمة للصبيان أو الشبان كذلك رغم أنهم لم يبلغوا مبلغ الرجال.
أما إذا أصرت الكاتبة على تخطئتهم فما هى فاعلة يا ترى مع القرآن المجيد، الذى كثيرا ما يستخدم صيغة التذكير فى خطابه للمؤمنين والمؤمنات، والمنافقين والمنافقات، والكافرين والكافرات، فيقول: "المؤمنون" و"الكافرون" و"المنافقون" فقط للنوعين جميعا، ونادرًا ما يقول: "المؤمنون والمؤمنات" و"المنافقون والمنافقات"؟ أتراها تقول إن القرآن قد أخطأ، أستغفر الله العظيم؟ لكن هذا ملحوظ فى اللغات الأخرى التى تميز بين الذكور والإناث بصيغ لغوية كما هو الحال فى الفرنسية، إذ حين يكون هناك جمع من الرجال والنساء فإنها تستخدم لهم جميعا الضمير: "ils" المخصص لجماعة الذكور رغم وجود إناث معهم أيضا. على أن كلمة "رَجُل" فى العربية إذا أضيفت إليها تاء فى آخرها دلت على الأنثى، فيقال حينئذ: "رَجُلة"، وليست، كما تظن السيدة بارلس فيما يبدو، على الرجل وحده قياسا منها على وضع هذه الكلمة فى اللغة الإنجليزية، إذ ليس لها هناك مؤنث من لفظها.
وهناك فى الكتابات الأوربية هذه الأيام اتجاه متنطع بعض الشىء، إذ نرى الكاتب (أو الكاتبة) يحرص (أو تحرص) على أن يذكر (أو تذكر) الضمير المذكر والمؤنث جميعا مع الفصل بينهما بشرطة مائلة أو بواو العطف أو بـ"أو" كلما أعاد (أو أعادت) الحديث عن كلمة تشمل الذكر والأنثى ككلمة "الإنسان" فيقول (أو تقول) مثلا: "كلما كان الإنسان صبورا استطاع (أو استطاعت) أن يحرز (أو تحرز) أشياء عظيمة لا يستطيع غيره (أو غيرها) أن يحرزها (أو تحرزها). ولعل السبب فى ذلك هو تجنب حساسية النساء حتى لا يشعرن بالغضاضة من استعمال ضمير المذكر دائما كلما كان الحديث شاملا للجنسين معا.
وها هى ذى آيات كريمة ورد فيها كلمة "الإنسان"، ولم يقل أحد من المفسرين، ولا يمكن أن يقول، إن المقصود بها هو جنس الذكور ليس إلا، بل هو عام فى الرجال والنساء جميعا. قال عز من قائل: "وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" (يونس/ 12)، "وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ" (هود/ 9)، "وَيَدْعُ الإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولاً" (الإسراء/ 11)، "قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنْفَاقِ وَكَانَ الإِنْسَانُ قَتُورًا" (الإسراء/ 100)، "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ" (العَلَق/ 1-5)، "إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الإِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا" (الزلزلة/ 1- 5)، "إِنَّ الإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ * وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ * وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ" (العاديات/ 6- 8)، "وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ" (العصر/ 1- 3).
ليس ذلك فقط، بل نضيف إليها من الأحاديث الشريفة الشواهد التالية: "للشهيد عند الله ست خصال: يُغْفَر له في أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويُجَار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويُحَلَّى حُلَّة الإيمان، ويُزَوَّج من الحور العين، ويشفع في سبعين إنسانا من أقاربه"، و"عن جابر أن نفرا أَتَوُا النبي صلى الله عليه وسلم، فوجد منهم ريح الكُرَّاث، فقال: ألم أكن نهيتكم عن أكل هذه الشجرة؟ إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنسان؟"، و"عن مالك عن بن شهاب أن عائشة أم المؤمنين وسعد بن أبي وقاص كانا لا يريان بشرب الإنسان وهو قائم بأسا"، "الرؤيا ثلاث: فالرؤيا الحسنة بشرى من الله، والرؤيا تحزين من الشيطان، والرؤيا مما يحدث به الإنسان نفسه"، و"عن عبد الله قال: خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا مربعا، ثم خط وسطه خطا، ثم خط حوله خطوطا، وخط خطا خارجا من الخط، فقال: هذا الإنسان (للخط الأوسط)، وهذا الأجل محيط به، وهذه الأعراض (للخطوط). فإذا أخطأه واحد نهشه الآخر. وهذا الأمل (للخط الخارج)"، "إن الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم"، "كل إنسان تلده أمه على الفطرة. وأبواه بَعْدُ يهوِّدانه وينصِّرانه ويمجِّسانه. فإن كانا مسلمين فمسلم"
أما قول د. أسما بارلس إن التفكير فى الله سبحانه من خلال الضمائر التى نستخدمها للبشر مثل الضمير: "هو"، بما يضفى عليه شبهة الذكورة، يؤدى إلى أن يضع الرجل المسلم نفسه بين الله وبين المرأة: أى تحته وفوقها، بما يفيد أنه حاكم على المرأة مثلما أنه سبحانه حاكم عليه هو (ص105- 106)، فلسنا نوافقها عليه، إذ المسلم إنما ينظر لنفسه بالنسبة لله على أنه عبد مخلوق له، فلا يمكن من ثم أن يضع نفسه هذا الموضع الذى تحدده بارلس. وهو ما ينظر به إلى المرأة كذلك. أى أنه لا يمكن أن يفكر فيما تزعمه بارلس. وكل ما يعتقده الرجال المسلمون فى هذا الصدد هو أن للرجل على المرأة درجة وأن القوامة فى البيت من حقه. أما الله سبحانه فهو فى أفق مختلف، فهو الخالق الرازق المحيى المميت، ومن ثم فهو سبحانه لا يخضع لمثل ذلك التراتب الذى ذكرته بارلس. صحيح أن اللغة البشرية تشير إليه بألفاظ الذكورة، لكن هذا لا يعنى عند أحد من المسلمين أنه عز شأنه ذَكَرٌ مثلما أنه ليس أنثى. وكل ما يمكن أن يُسْتَشَفّ من استعمال الألفاظ المذكَّرة له جل وعلا أنها إشارة إلى تفوق الرجل على المرأة فى بعض الأشياء حسبما سبق التوضيح. وهذا فهم شخصى لى لا ألزم به أحدا. إنما هو مجرد اجتهاد لا أزعم له أكثر من ذلك. ثم إن الرجل والمرأة كليهما عبدان لله سبحانه يخضعان لحكمه: حكمه الوجودى وحكمه التشريعى على السواء.
وقضية أخرى لم تحسن تناولها أسماء بارلس، ألا وهى قضية الآباء فى القرآن، تلك القضية التى تريد أن تستثمرها من أجل الانتصار للنسوية، لكن عبثا ودون طائل كما سوف ينجلى الأمر بعد قليل. يقول المولى جل جلاله مثلا عن مشركى العرب: "أَمْ آَتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ * بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ * وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آَبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ" (الزخرف/ 21- 24). وفى الوحى المدنى نقرأ قوله عز شأنه: "وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ" (المائدة/ 104). وتقول الكاتبة تعليقا على أشباه هذه الآيات إن الإسلام، شأنه شأن الأديان السماوية الأخرى، يدعو إلى اعتناق دين الله ونبذ دين الآباء (انظر ص119 وما بعدها). نعم تقول هذا وكأن جميع الآباء دائما ما يعادون دين الله. فهل هذا صحيح؟ وهل "الأبوية" هنا هى المقابل لـ"الأمومية" كما تريد أن تقول الكاتبة بين السطور بغية إيهامنا أن الآباء هم سر البلاء؟ الواقع أن "الآباء" هنا ليسوا الآباء الحقيقيين فقط ولا الآباء الحقيقيين بالضرورة، بل المقصود الأجيال الماضية التى درجت على العادات والتقاليد والعقائد الكافرة والشعائر الفاسدة المنحرفة، ولا تريد أن ترجع عنها مهما سطعت فى الآفاق أنوار الحقيقة باهرة. والأجيال الماضية، مثلها مثل الأجيال الحاضرة والمستقبلة، ليست آباء فحسب، بل آباء وأمهات وأعماما وعمات وأخوالا وخالات وإخوة وأخوات وجدودا وجدات. أى أنها تضم الرجال والنساء ومن هم آباء ومن ليسوا بآباء. ومن هذا الوادى تسمية القرآن الخليل إبراهيم عليه السلام بـ"أبيكم"، أى أبى العرب، مع أنه ليس أباهم بالمعنى الذى تقصده السيدة أسما بارلس. كما تكرر وصف القرآن المجيد لـ"الآباء" بـ"الأولين"، مما يدل على أن المقصود هم الأسلاف، وليس الآباء المباشرين كما تريدنا بارلس أن نفهم. وفى الحديث الشريف يوصف كل من آدم وإبراهيم عليهما السلام بـ"أبيكم". ومن ذلك الوادى أيضا ما قاله صاحب "شرح صحيح البخارى" تفسيرا لتسمية أبى سفيان للنبى صلى الله عليو سلم بـ"ابن أبى كبشة" بقوله: "وابن أبي كبشة: أراد به النبي صلى الله عليه وسلم لأن أبا كبشة أحد أجداده. وعادةُ العربِ إذا انتقصتْ نسبتْ إلى جد غامض. قال أبو الحسن النسابة الجرجاني: هو جَدُّ وهبٍ جَدِّ النبي صلى الله عليه وسلم لأمه. وهذا فيه نظر لأن وَهْبًا جَدَّ النبي صلى الله عليه وسلم اسمُ أمه عاتكةُ بنت الأوقص بن مرة بن هلال، ولم يقل أحد من أهل النسب إن الأوقص يُكْنَى: أبا كبشة. وقيل: هو جد عبد المطلب لأمه. وفيه نظر أيضا لأن أم عبد المطلب سلمى بنت عمرو بن زيد الخزرجي، ولم يقل أحد من أهل النسب إن عمرو بن زيد يكنى: أبا كبشة. ولكنْ ذَكَر ابن حبيب في "المجتبَى" جماعة من أجداد النبي صلى الله عليه وسلم مِنْ قِبَل أبيه ومن قِبَل أمه كل واحد منهم يكنى: أبا كبشة. وقيل: هو أبوه من الرضاعة، واسمه الحارث بن عبد العزي. قاله أبو الفتح الأزدي وابن ماكولا. وذكر يونس بن بكير عن ابن إسحاق عن أبيه عن رجال من قومه أنه أسلم، وكانت له بنت تسمى: "كبشة" يُكَنَّى بها. وقال ابن قتيبة والخطابي والدارقطني: هو رجل من خزاعة خالف قريشا في عبادة الأوثان فعبد الشِّعْرَى، فنسبوه إليه للاشتراك في مطلق المخالفة". والمهم فى كل ذلك أن أبا كبشة ليس أبا النبى عليه السلام كما يعرف الجميع. أما لو أردنا أن نَقْصِر كلمة "الآباء" على معناها الضيق جدا لوجدناها تقابل "parents"، وليس "fathers" كما تحاول الكاتبة أن تغرس فى رُوعِنا: عَمْدًا فيما أتصور، إذ ليس مثلها بالذى يجهل ذلك الفرق الواضح. وهذا مثل ترجمتنا لكلمة "أبناء" بـ"childern" (أى أولاد الشخص وبناته جميعا) لا "sons" فقط. كما أن كثيرا من أفراد تلك الأجيال مؤمنون مستقيمون.
وفى معجم "محيط المحيط" لبطرس البستانى نقرأ فى مادة "أبو" أن "الأب: الذى يتولد منه شخص آخر من نوعه، ومن كان سببا لإيجاد شىء أو إصلاحه أو ظهوره. والمربِّى والوصىّ والعَمّ، وذلك مع القرينة. ولقبُ اعتبارٍ من حيث السن أو المنزلة. والأب: الأول... وأبو المرأة: زوجها... والأَبَوان: الأب والأم. وجمعه: آباءٌ وأَبُون". هل أتيت بشىء من عندى؟ اللهم لا. اللهم فاشهد! وفى الآية الحادية عشرة من سورة "النساء"، وهى تتحدث عن الميراث ونصيب الذكور والإناث من الأبناء والآباء منه، نجد كلمة "آباء" بهذا المعنى الذى ذكرته هنا، أى الآباء والأمهات جميعا، وهو ما لا يمكن المشاحَّة فيه بأى حال لأن الكلام فى الآية عن الجنسين كليهما لا عن الآباء الرجال وحدهم: "يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا". كذلك ففى قوله جل جلاله فى الآيات التالية لا يمكن أن يكون الآباء هم الآباء الرجال وحدهم، إذ الكلام عن الأنبياء ودعوتهم، وأنبياء الله لا يأتون بدعوتهم للرجال فقط بل للجميع ذكرانا وإناثا كما هو معلوم: "يس * وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آَبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ" (يس/ 1- 6).
وعلى هذا فلو استبدلنا بالمجتمع العربى الوثنى فى عصر الرسالة المجتمع الأمريكى اليوم لدخل فى "الآباء" فى قوله عز شأنه: "إنا وجدنا آباءنا على أمة، وإنا على آثارهم مقتدون/ مهتدون" النساء اللاتى يصددن عن اعتناق الإسلام وينفّرن منه من صحفيات ومذيعات وروائيات (مثل شيرى جونز مؤلفة رواية "The Jewel of Medina"، التى تهدف إلى النيل من عِرْض الشريفة بنت الشريف السيدة عائشة أم المؤمنين) وراهبات ومبشّرات، ومومسات يوقعن المسلمين فى أحابيلهن ويجندنهم لمحاربة الإسلام، ونساء كونجرس ووزيرات (كهيلارى كلنتون) وأستاذات جامعيات، بما فى ذلك المسلمات أو الآتيات من خلفية إسلامية والتحقن بالآلة الشيطانية للتنفير من الإسلام، سواء على نحو مباشر، وهذا مفهوم (كما هو الوضع فى حالة وفاء سلطان السورية وإيان هرسى على الصومالية، وكذلك نوال السعداوى أيام كانت تعيش فى أمريكا وتحاضر فى بعض جامعاتها وتهاجم الإسلام والمسلمين)، أو على نحو غير مباشر كما هو الحال فى تقديم إسلام مدجَّن يمشى فى ركاب الحضارة الغربية ولا يحيد عنها قيد أنملة كما تفعل بعض الكاتبات المسلمات فى الولايات المتحدة من تفسير الإسلام بما يخدم أهداف الغطرسة الأمريكية وخططها لنهب الشعوب الإسلامية وتمزيق بلادها واحتلال أراضيها...
ثم إن الأجيال الماضية لا تمثل دائما الانحراف والكفر والفساد، بل تكون كذلك فى ظل أوضاع معينة فقط، وإلا فهل الأجيال الأولى فى تاريخ الإسلام مثلا ينطبق عليها هذا الوصف؟ إننا كلنا نتمنى أن نكون عشر معشارها فى الجد والاستقامة وصلابة الإيمان والطموح العقيدى والثقة بالنفس والتقوى وعظمة الإنجاز... إلخ. أما الأجيال القريبة منا، تلك التى تأثرنا بها فى الفساد والانحراف وما أشبه، فيصدق عليها على نحو أو على آخر ما قاله القرآن عن الآباء على لسان الكفار الذين رفضوا دعوة الرسل والأنبياء بحجة أنها تخالف ما درج عليه المجتمع منذ عدة أجيال هى عمر الفساد والانحراف فى ذلك المجتمع. أرجو أن تكون الصورة الآن قد وضحت. وأزيدك أيها القارئ من الشعر بيتا فأقول لك إن أبا بكر الصديق مثلا كان أبا، ومع هذا فقد سارع إلى الإسلام، بينما ظل أحد أبنائه على كفره ردحا من الزمن قبل أن يسلم، فى الوقت الذى أسلم فيه أبوه قحافة دون تلجلج. كما أن الآباء فى الإسلام مأمورون بأن ينشّئوا أولادهم على الدين والخلق الفاضل القويم وعلى الصلاة وقول الصدق وما إلى هذا. فهل يا ترى يدخلون تحت عنوان "الآباء" بالمعنى الذى تقصده الكاتبة؟ بكل يقين: لا. وعلى هذا فليست المعركة هنا بين التوحيد والبطرياركية (الأبوية) كما تقول الكاتبة: "conflict between monotheism and patriarchy" (ص121)، بل بين التوحيد والوثنية.
وفى القرآن نسمع كثيرا من الأنبياء والمؤمنين العاديين يدعون لآبائهم أن يباركهم الله ويرضى عنهم بما يفيد أنهم آباء طيبون وأن الدعاء لهم أمر مرغوب ومأجور: فسليمان عليه السلام حين يسمع النملة تقول ماتقول ويفهم عنها نراه يهتف: "رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ" (النمل/ 19). ثم ها هو ذا أحد الأبناء يصر على الكفر، بينما أبواه يدعوانه بكل إلحاح أن يلتحق معهما بطائفة المؤمنين: "وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آَمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ" (الأحقاف/ 17). كذلك نسمع نوحا عليه السلام يبتهل إلى الله قائلا: "رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَارًا" (نوح/ 28). ولا ننس أنه إذا كان أبو إبراهيم الخليل كافرا فإن أبا إسماعيل وإسحاق (أى إبراهيم نفسه) كان مؤمنا، بل رسولا من عظماء الرسل، مثلما كان إسحاق والد يعقوب رسولا، وكان يعقوب أبو يوسف رسولا. فهؤلاء ثلاثة أجيال من الآباء كانوا يمثلون معسكر الإيمان، وأى إيمان؟ وبالمثل كان زكريا أبو يحيى عليهما السلام، وهو ما يصدق على كل نبى ورسول ومصلح وداعية وكل رجل صالح له أبناء. أليس كذلك؟
وعلى الضفة الأخرى هناك من النساء والأمهات من لا يقصّرن عن الرجال والآباء فى التنفير من دين الله ومحاربته: فلدينا مثلا زوجتا نوح ولوط، اللتان خانتا زوجيهما ولم تؤمنا بدعوتهما. وجاء فى "البداية والنهاية" لابن كثير عن سعد بن أبى وقاص: "أنزل الله فِيَّ "وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ". وذلك أنه لما أسلم امتنعت أمه من الطعام والشراب أيامًا، فقال لها: تعلمين والله لو كانت لكِ مائة نفس فخرجتْ نَفْسًا نَفْسًا ما تركتُ ديني هذا لشيء. إن شئتِ فكُلِي، وإن شئت فلا تأكلي". وكانت أم جميل زوجة أبى لهب من ألدّ الناس كراهية للرسول ودينه، وكان لها تأثير على ولديها، اللذين كانا خاطبين رقية وأم كلثوم قبل أن يتزوجهما عثمان رضى الله عنه واحدة بعد الأخرى. ومثل أم جميل فى لدد الخصومة مع الإسلام وأتباعه كانت زوجة أخيها هند بنت عتبة أم معاوية بن أبى سفيان قبل أن يكتب الله لها اعتناق الإسلام يوم الفتح. ولدينا أيضا اليهودية التى وضعت السم فى كتف الشاة لتقتل به الرسول عليه السلام لولا أن الله نجاه من تلك المؤامرة. وعندنا سَجَاح، وإن كانت أسلمت بعد حربها المستطيرة للإسلام، لكن بعدما سَوَّت الهوائل! وسَجَاح كاهنة، إلا أنها لم تكن الكاهنة الوثنية الوحيدة عند العرب، بل كان هناك مثلها كاهنات كثيرات يصددن عن دين الله، إن لم يكن من أجل شىء فمن أجل الحفاظ على مكانتهن ومكاسبهن من وراء مهنة الكهانة. وهناك كذلك سارة مولاة أبى عمرو بن صيفى بن هاشم بن عبد مناف، التى كانت تحمل رسالة حاطب بن أبى بلتعة إلى المشركين المكيين قبل الفتح بقليل يخبرهم فيها بأنه صلى الله عليه وسلم ينوى غزوهم، إلا أن الله لم يمكنها من إيصال الرسالة، إذ وقعت فى أيدى المسلمين قبل أن تصل إلى مكة. ومن النساء المحاربات للإسلام قينتا عبد الله بن خطل، اللتان كانتا تغنّيان بهجاء الرسول عليه السلام تحريضا على دينه وتبغيضا للناس فيه وصدا لهم عن اعتناقه. فهل نقول: "فَتِّش عن المطرياركية" كما تقول الدكتورة بارلس: "فَتِّش عن البطرياركية" كلما عَنَّ لها أن تفسّر شرًّا أو أذًى؟ لا، لا نقول هذا لأن الأمهات فى ذلك لسن بِدْعًا، بل تصرُّفهن على هذا النحو أمر طبيعى يفعله الرجال والنساء على السواء. والإنسان، ذكرا كان أو أنثى، هو ابن بيئته إلى حد غير قليل، ويحتاج إلى وقت حتى يمكنه التخلص من آثار البيئة، وبخاصة فى مجال الدين، اللهم إلا إذا كان من طراز نادر، أو تعرّض لرجة عنيفة طيرت النوم من عينيه وأيقظته من غفوته سريعا، أو كانت له مصلحة قوية فى الوضع الجديد.
كذلك ليست الوثنية هى وحدها العقيدة التى تقوم على متابعة الآباء (أى الأجيال الماضية) على ما كانوا عليه، بل ذلك شأن كل دين أو مذهب أو فلسفة أو اتجاه أو تيار أو تقليد يتعرض لدعوة جديدة تنادى بنبذه، سواء فى ذلك البدو والفلاحون والصناع والمثقفون وكل طوائف البشر وطبقاتهم، وكذلك الأدباء والنقاد لدن ظهور أى مذهب أدبى أو نقدى لم تكن للساحة الكتابية به عهد، إذ سرعان ما تنشب المعارك بين القديم والجديد إلى أن يُكْتَب لأحدهما النصر وينزوى الآخر بعيدا عن الأنظار. ومن هذا ما أتت به أمينة ودود وإسراء النعمانى زميلتا كاتبتنا فى الاتجاه النسوى "الإسلامى" من إمامتهما للرجال والنساء فى صلاة الجمعة مما أنكره عليهما كل المسلمين ما عدا أقلية جد ضئيلة. اللهم إلا إذا اتهمت كاتبتنا من أنكر عليهما من المسلمين بأنهم وثنيون، وهو ما لا أظنه، إذ أقصى ما يمكن أن تنبذهم به هو أنهم مغلقو الذهن متعصبون للقديم. ذلك أن السيدة بارلس تدعى أن البطرياركية سمة مقصورة على المجتمعات الوثنية: " The basis of the polytheists’ faith as they themselves declare it is adherence to patriarchal traditions" (ص112). وفى النص التالى نسمع يوسف عليه السلام يقول إنه اتبع مِلَّة "آبائه" رغم أنها بطبيعة الحال ملة التوحيد لا الوثنية: "إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ * وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ" (يوسف/ 37- 38).
على أن القرآن لا يدعو المسلم إلى مقاطعة أبيه (أو أمه) لو ظل على كفره، بل أمره بإحسان صحبته رغم ذلك، على عكس ما تقول أسما بارلس فى كلامها عن إبراهيم الخليل وأبيه الكافر الذى لم يُصِخْ لدعوة فلذة كبده التوحيدية وظل يعبد الأصنام مع قومه (انظر ص109 وما بعدها). ولا يستطيع المسلم أن يغفل الوصية التالية التى توجب عليه معاملة الأبوين الكافرين معاملة طيبة مع التمسك بالحق الذى يمثله التوحيد: "وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ" (لقمان/ 14- 15) "وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ" (العنكبوت/ 8). أما الآية التالية فنزلت بشأن أُمٍّ مشركة أتت من مكة لزيارة ابنتها المسلمة فى بيت زوجها بالمدينة المنورة، فرفضت الابنة أن تستقبلها أو أن تقبل منها هداياها. يقول تعالى: "لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ" (الممتحنة/8- 9). وسبب نزول هذه الآيات أن قُتَيْلَة بنت عبد العُزَّى قَدِمَتْ على ابنتها أسماءَ بنت أبي بكر بهدايا: ضِبابٍ وسمنٍ وأَقِطٍ، فلم تَقْبَل هداياها، ولم تُدْخِلْها منزلها. فسألت عنها عائشةُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: "لا يَنْهَاكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ"... الآية. فأدخلتها منزلها، وقبلتْ منها هداياها. وهناك حديث آخر فى هذا الموضوع تقول فيه أسماء: "قَدِمَتْ عليَّ أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: إن أمي قدمت وهي راغبة، أفأصل أمي؟ قال: نعم، صِلِي أمك".
ومُضِيًّا مع هجوم السيدة بارلس على البطرياركية نراها تفسر قوله تعالى عن رسوله محمد عليه الصلاة والسلام: "مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا" (الأحزاب/40) بأن المراد هو أنه لا يصح أن يمارس النبى مع أمته دور الأب، بمعنى أنهم لا ينبغى لهم أن يتبعوا خطواته كما كان الجاهليون يتبعون خطوات آبائهم (ص121 وما بعدها). وفاتها أن الآية لا علاقة لها بشىء من هذا، بل نزلت فى سياق مختلف تماما، وهو سياق زواجه عليه السلام بزينب بنت جحش ابنة عمه، التى كانت على ذمة ربيبه زيد بن ثابت. فلما طلق زيدٌ زينبَ بعد أن صارت العشرة بينهما مستحيلة وتزوجها الرسول بعد تردد وشعور بالحرج عاتبه الله عليهما أخذ الناس يتساءلون مستغربين، إن لم يكن مستنكرين: كيف له أن يتزوج امرأة ابنه؟ فنزل القرآن يحكى ما وقع معقبا على الدهشة التى أثارها الزواج بأنها دهشة لا معنى لها، إذ إن زيدا ليس ابنا للرسول، بل هو عبد سابق له أعتقه ثم تبناه، ولكن بعدما نزلت الآية الخامسة من نفس السورة بتحريم التبنى وتم القضاء على هذا النظام لم يعد زيد له ابنا، ومن ثم لم يكن للدهشة ولا الاستنكار أى مكان فى الموضوع. هذا هو معنى الآية، أما ما قالته بارلس فلا معنى له، ولا يمكن أن يستقيم أبدا.
ولقد فات المؤلفةَ شىءٌ فى الغاية من الأهمية، وهو أن الرسول، وإن لم يكن أبا لأحد من رجال العرب، لقد كان أبا لعدد من نسائهم، وهن زينب وأم كلثوم ورقية وفاطمة، علاوة على إبراهيم، الذى سيولد له بعد ذلك بقليل وسيكون من ثم بسببه أبا لأحد من العرب، ولكن لفترة جد قصيرة للأسف الشديد، إذ سرعان ما صَوَّحَتْ تلك الزهرةُ الغضةُ النديةُ وهى فى رَيْعَان نضارتها وزُهَائها. وتجاه المرأة تتحقق بطرياركية الرجل أوضح وأقوى من تحققها تجاه أمثاله من الرجال، إذ البطرياركية هى تحكم الرجال فى النساء بالدرجة الأولى قبل أن تكون تحكما فى بنى جنسهم الخشن. أى أن الآية لا يمكن أن تعنى ما تزعمه السيدة بارلس.
بل لقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم أب للأمة كلها. ففى "الإشراف فى منازل الأشراف" مثلا: "حدثنا سليمان بن أبي شيخ قال: حدثنا الحكم بن ظهير عن السدى: في قوله تبارك وتعالى: "هَؤلاءِ بَناتي هُنّ أََطهَرُ لَكُم" قال: عرض عليهم نساء أمته. كل نبي فهو أبو أمته. وفي قراءة عبد الله: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وهو أب لهم، وأزواجه أمهاتهم". ولست أقول بصحة هذه القراءة، بل ألفت النظر فقط إلى دلالتها على أن المسلمين كانوا ينظرون إليه صلى الله عليه وسلم بوصفه أبًا لهم: على سبيل التعظيم والتبجيل من جهتهم، وعلى سبيل القيام بأمورهم من جهته هو. وهذا هو الذى يهمنا فى هذه المسألة. وقد أرود أيضا الجاحظ فى "رسائله" والراغب الأصفهانى فى "محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء" تلك القراءة. وفى باب "ذِكْر ما نَعَتَ الله عز وجل به نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم في كتابه من الشرف العظيم مما تَقَرُّ به أعين المؤمنين" من كتاب الآجرى: "فهرس الشريعة" يقول المؤلف: "أعلمنا مولانا الكريم أن النبي صلى الله عليه وسلم أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وأنه إذا أمر فيهم بأمر فعليهم قبول ما أمر به، ولا اختيار لهم إلا ما اختار رسولهم لهم: في أهليهم، وفي أموالهم وفي أولادهم، فقال جل ذكره: النبيُّ أَوْلَى بالمؤمنين من أنفسهم، وأزواجُه أمهاتهم".
"وفى تفسير الطبرى للآية السادسة من سورة"الأحزاب" نقرأ ما يلى: "عن أبـي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما مِنْ مُؤْمِنٍ إلاّ وأنا أوْلَـى النّاسِ بِهِ فِـي الدّنْـيا والاَخِرَةِ. اقْرَءُوا إنْ شِئْتُـمْ: "النّبِـيّ أوْلَـى بـالـمُؤْمِنِـينَ مِنْ أنْفُسِهِمْ". وأيّـمَا مُؤْمِنٍ تَرَكَ مالاً فَلِوَرَثَتِهِ وَعَصَبَتِهِ مَنْ كانُوا، وَإنْ تَرَكَ دَيْنا أوْ ضِياعا فَلْـيأْتِنـي وأنا مَوْلاهُ... عن أبـي موسى إسرائيـل بن موسى، قال: قرأ الـحسن هذه الاَية النّبِـيّ أوْلَـى بـالـمُؤْمِنِـينَ مِنْ أنْفُسِهمْ، وأزْوَاجُهُ أمّهاتُهُمْ قال: قال الـحسن: قال النبـيّ صلى الله عليه وسلم: أنا أوْلَـى بكُلّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِه. قال الـحسن: وفـي القراءة الأولـى: "أوْلَـى بـالـمُؤْمنـينَ مِنْ أنْفُسِهِمْ، وَهُوَ أبٌ لَهُمْ"... عن قتادة، قال فـي بعض القراءة: "النّبِـيّ أوْلَـى بـالـمُؤْمِنِـينَ مِنْ أنْفُسِهمْ وَهُوَ أبٌ لَهُمْ". وذُكر لنا أن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم قال: أيّـمَا رَجُلٍ تَرَكَ ضِياعا فَأنا أوْلَـى بِهِ، وَإنْ تَرَكَ مالاً فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ".
ثم كيف فات الكاتبة قوله سبحانه وتعالى عن الرسول فى الآية السادسة والثلاثين من سورة "الأحزاب": "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِينًا"؟ أم كيف فاتها قوله عز شأنه فى الآيتين 62- 63 من سورة "النور": "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"؟ أليس يدل هذا على أن للرسول سلطانا على المؤمنين فى بعض الأمور لا يصح أن ينفكوا عنه؟ فماذا تقول السيدة الكاتبة فى كل هذا؟
وعلى كل حال فهأنذا أورد كلامها فى الفقرة التالية:
"It is in the context of the history of this conflict between monotheism and patriarchy that we need to interpret the Qur’ān’s categorical assertion that even though he is ‘closer To the Believers than Their own selves’ (33:6; in Ali, 1104), ‘Muhammad is not The father of any Of your men, but (he is) The Apostle of God, And the seal of the Prophets’ (33:40; in Ali, 1119).While this Āyah meant to clarify the Prophet’s relationship to his adopted son, its assertion that he does not stand in the symbolic relationship of father to his own community returns us once again to the role of fathers, and it does so by refusing to consecrate them! From the denial of symbolic fatherhood to the Prophet, which exegetes pass over in silence, I derive the lesson that, in Islam, God’s Rule displaces rule by the father, whether or not the father is a believer. At the same time, the concept of imām (which does not give the sense of rule/sovereignty and is not sex/gender specific) displaces the imaginary of the father altogether. In other words, the Qur’ān views fathers in a fundamentally different way than patriarchies do (see Chapter 6 as well)".
وواضح أن الكاتبة قد أخطأت خطأ كبيرا حين فسرت الآية الآنفة الذكر فى ضوء ما تقول إنه صراع بين التوحيد والبطرياركية، خالعة إياها بكل قسوة من سياقها الطبيعى الذى لا علاقة له بهذا الصراع، بل بزواج النبى من زينب بنت جحش فحسب. والأمران، كما نرى، مختلفان تمام الاختلاف. وهو ما أعجب له أشد العجب ولا أفهمه منها هى بالذات، إذ هى تلح فى الكتاب الذى فى أيدينا إلحاحا شديدا على أهمية السياق بالنسبة لدارس القرآن حتى لتقول (ص168- 169) بالحرف ناعية على من يفسرون القرآن قِطَعًا منفصلةً أو مقطوعةً عن سياقها: "My argument so far has been not that we cannot read the Qur’ān in patriarchal or oppressive modes, but that such readings result from reading the text in a piecemeal and decontextualized way, for instance, by privileging one word, or phrase, or line, or Āyah, over its teachings as a whole, and/or by focusing on its less clear Āyāt at the expense of those of fundamental meaning"
وفوق ذلك فإن آيات القرآن تصرّ رغم هذا على وجوب طاعة النبى عليه السلام وتقرن كثيرا بين طاعته وطاعة الله سبحانه، لا لشىء إلا لأنه ينطق باسم السماء باعتباره نبيا يُوحَى إليه ولا يأتى بشىء من عنده. أى أن المسلمين مأمورون باتباع ما يأتى به النبى أشد مما كان الكفار يتبعون آباءهم ويجرون على آثارهم. وهو ما عادت السيدة بارلس فقالته على نحو أو على آخر فى الصفحة الثانية والعشرين بعد المائة. إلا أن ما لاحظتْه على بعض صفات رسول الله عليه السلام من أنها صفات "نسوية" (ص122) هو أمر يبعث على الضحك، فقد ذكرتْ بين تلك الصفات "النسوية" نزارة الكلام. ذلك أن هذه الصفة هى أبعد ما تكون عن شخصية النساء، إذ المرأة بوجه عام تحب الثرثرة حتى لتُضْرَب بها الأمثال فى تلك الصفة. وعلى أية حال فطاعة المسلم لأبيه وأمه واجبة، وعقوقه لهما إثم كبير: "أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا رسول الله، علمني عملا إذا أنا عملته دخلت الجنة. قال: لا تشرك بالله شيئا وإن عُذِّبْتَ وحُرِّقْتَ، وأطع والديك وإن أخرجاك من مالك ومن كل شيء هو لك"، "لا تشرك بالله شيئا وإن قُتِلْتَ وحُرِّقْتَ، ولا تَعُقَّنَّ والديك وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك". ستقول السيدة بارلس: هل يطيعه فى الشرك والإثم؟ فنجيب بأنه "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"، وأنه "إن جاهداك على أن تشرك بى ما ليس لك به عِلْمٌ فلا تطعهما"، ولكنْ "صَاحِبْهما فى الدنيا معروفا" رغم هذا.
كذلك فالقرآن يوجب احترام الكبار بإطلاق. أفليس أحرى بالأبناء إذن أن يحترموا آباءهم، على الأقل لكبر سنهم، وتأدية لواجبهم نحوهم لقاء عطفهم عليهم وتنشئتهم إياهم وقيامهم بحاجاتهم وبِرّهم بهم فى صغرهم حتى شبوا ونضجوا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يرحم صغيرنا ولم يعرف شرف كبيرنا". وبهذا يتبين الفرق بين متابعة الأبناء للآباء فى الجاهلية وبين طاعتهم لهم فى الإسلام، فلا خوف إذن من الخلط بين الأمرين. ولقد يبلغ البر بالأب فى الإسلام المبلغ الذى يقول فيه الرسول عليه الصلاة والسلام لمن أتاه يشكو من أن أباه يريد أن يأخذ من ماله للإنفاق على إخوته الصغار: أنت ومالك لأبيك. وهذا نص الحديث، وفيه "أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن لي مالا وولدا، وإن والدي يحتاج مالي. قال: أنت ومَالُكَ لأبيك. إن أولادكم من كَسْبكم، فكلوا من كَسْب أولادكم". فما الذى يريده بعضنا بعد هذا لنعرف مكانة الأب ووجوب احترامه فى دين محمد؟
ومع هذا فإن احترام الأب شىء آخر غير البطرياركية، فالابنة مثلا هى صاحبة الحق فى الموافقة على الخاطب الذى يتقدم لطلب يدها أو رفضه دون أن يكون للأب الحق فى إكراهها على الاقتران بمن لا تريد. كما أن للبنت الحق فى التعليم والتربية الكريمة مثل الولد سواء بسواء. وهذه بعض أحاديث فى ذلك الموضوع: "ليس للأب مع الثَّيِّب أمر، والبكر تُسْتَأْمَر، وإذنها صُمَاتها"، "تُسْتَأْمَر اليتيمة في نفسها: فإن سكتت فهو إذنها، وإن أبت فلا جواز عليها"، "جاءت فتاة إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالت: إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته. قال: فجعل الأمر إليها، فقالت: قد أَجَزْتُ ما صنع أبي. ولكن أردت أن تعلم النساء أنْ ليس للآباء من الأمر شيء"، "من كان له ثلاث بنات يؤدبهن ويرحمهن ويكفلهن وجبت له الجنة البتة. قيل: يا رسول الله، فإن كانتا اثنتين؟ قال: وإن كانتا اثنتين. قال: فرأى بعض القوم أنْ لو قال: واحدة، لقال: واحدة"، "من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن وأطعمهن وسقاهن وكساهن من جِدَتِه كن له حجابا من النار يوم القيامة". كذلك ترث البنت من مال أبيها كما يرث الولد رغم أنها لا يجب عليها شرعا أن تقوم بنفقة أحد من الأسرة، بل هو. وإذا كان الابن يرث ضِعْفَىْ نصيب الابنة فهناك إناث أخريات فى مستوياتٍ ودرجاتٍ أخرى من القرابة يَرِثْنَ نصيبا أكبر من نصيب نُظَرائِهِنّ الذكور، علاوة على أن الولد حين يكبر ينفق ماله على نفسه وزوجه وأولاده، وعلى أبيه وأمه إذا لزم الأمر، على حين لا يجب على أخته شرعا شىء من ذلك.
ومن هذا يتبين لنا أن هناك فروقا بين الذكر والأنثى لا من الناحية البيولوجية فحسب، بل من ناحية الواجبات والحقوق الاجتماعية والأخلاقية. فالرجل يجب عليه القيام ببعض الأدوار التى لا تجب على المرأة كالإنفاق على الأقارب من زوجة وأبناء مثلا. كما أن من واجبات الرجال الجهاد، وهو واجب لا تعرفه النساء. فعن عائشة رضى الله عنها: "قلت: يا رسول الله، ألا نغزو ونجاهد معكم؟ فقال: لكن أحسن الجهاد وأجمله الحج: حج مبرور. فقالت عائشة: فلا أدع الحج بعد إذ سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم". وهناك لون من الشهادة أمام القاضى تتساوى فيه شهادة امرأتين اثنتين وشهادة رجل واحد كما جاء فى الآية الثانية والثمانين بعد المائتين من سورة "البقرة". كذلك فإن الصلاة تسقط عن المرأة أيام حيضها ونفاسها ولا تقضى شيئا منها، فضلا عن أنها تفطر أثناء ذلك، وإن كان عليها القضاء بعد انقطاع الدم. وفى الحج يختلف ملبس الرجال عن ملبس النساء كما يعرف الجميع. ولا ننس أن المرأة لا تتولى منصب الخلافة على الأقل ولا تؤم الرجال فى الصلاة. أما الرجال فيؤمون كلا من الجنسين. وإضافةً إلى ذلك فإن المرأة لا يحق لها خِطْبة الرجل بل الخطبة له هو، مثلما عليه هو المهر لا عليها. وعلى هذا فغير صحيح ما قالته المؤلفة (ص165) من أن القرآن، وإن أقر بالخصوصية الجنسية للرجل والمرأة، لم يرتب على ذلك أى معنى ولا جعل له أية رمزية. وهذه عبارتها نصًّا: "The Qur’ān recognizes sexual specificity but does not assign it gender symbolism. Since the Qur’ān does not invest biological sex with content or meaning, being male or female does not in itself suggest a particular meaning".
وهنا أود أن أقف بوجه خاص لدن قول د. بارلس (ص166) إن الفروق بين الرجل والمرأة لا يمكن أن تشير إلى أية قيمة خِلْقِيّة، وإلا لم يكن لحرية الإرادة من معنى: " Whatever differences exist between women and men ‘could not indicate an inherent value’ because, if they did, the concept of ‘free will would be meaningless’"، فهو قول لا معنى له، إذ ما علاقة وجود فروق بين الرجال والنساء بانتفاء المعنى من حرية الإرادة الإنسانية؟ إن الفروق الفردية موجودة بين كل إنسان وآخر، وهذه الفروق لا يترتب عليها شىء مما تعلن الكاتبة خشيتها منه ومن تداعياته. فما الفرق بين أن تكون هناك فروق فردية وبين أن تكون هناك فروق نوعية بين البشر؟ إن الحساب الإلهى لهو حساب عادل ودقيق، ويراعى ظروف كل شخص أيا كانت تلك الظروف: سواء كانت ظروفا نفسية أو اجتماعية أو طبقية أو مهنية أو أسرية أو اقتصادية أو ثقافية أو سياسية أو بيولوجية... وهلم جرا، إذ ما من شىء من ذلك إلا وله تأثير ما على شخصية الفرد وعقله وذوقه وحسه الخلقى وسلوكه ونظرته إلى الحياة وإرادته. ألم يقل جل شأنه: "لا يكلّف اللهُ نفسًا إلا وسعها"؟ والإرادة البشرية ليست شيئا مطلقا، بل تخضع لضغوط ومحفّزات ومعوّقات ومؤثّرات شتى، وكل شىء من ذلك يدخل فى الحسبان وفى الحساب. وهذا مظهر من مظاهر العدل الإلهى، الذى لن تخضع له وحده المحاسبة الأخروية، بل هناك أيضا رحمة الله لعباده، تلك الرحمة التى من الممكن أن تغفر الذنوب جميعا كما قال المولى عز شأنه: "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" (الزمر/ 53).
وإلى القارئ الكريم هذه النصوص التى تبين اختلاف الحساب الإلهى للبشر ما بين كل حالة وأخرى رغم أن العمل واحد: "وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ" (التوبة/ 101)، "يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا * وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا" (الأحزاب/ 30- 31)، "وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ" (الحديد/ 10).
وعن على بن أبى طالب قال: "بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم والزبير وأبا مرثد، وكلنا فارس، قال: انطلقوا حتى تأتوا روضة حاج، فإن فيها امرأة معها صحيفة من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين، فأتوني بها. فانطلقنا على أفراسنا حتى أدركناها حيث قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تسير على بعير لها، وكان كَتَبَ إلى أهل مكة بمسير رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فقلنا: أين الكتاب الذي معك؟ قالت: ما معي كتاب. فأنخنا بها بعيرها، فابتغينا الكتاب في رحلها فما وجدنا شيئا. فقال صاحبي: ما نرى معها كتابا. قال: فقلت: لقد عَلِمْنا ما كَذَب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم حلف عليٌّ: والذي يُحْلَف به لتُخْرِجِنَّ الكتاب أو لأُجَرِّدَنَّك. فأَهْوَتْ إلى حُجْزتها، وهي محتجزةٌ بكِسَاء، فأخرجت الصحيفة. فأَتَوْا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: يا رسول الله، قد خان اللهَ ورسولَه والمؤمنين. دعني فأضرب عنقه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا حاطب، ما حَمَلَكَ على ما صَنَعْتَ؟ قال: يا رسول الله، ما بي ألا أكون مؤمنا بالله ورسوله. ولكني أردت أن يكون لي عند القوم يَدٌ يُدْفَع بها عن أهلي ومالي. وليس من أصحابك أحد إلا له هنالك من قومه من يدفع الله به عن أهله وماله. قال: صَدَقَ، ولا تقولوا له إلا خيرا. قال: فعاد عمر فقال: يا رسول الله، قد خان اللهَ ورسولَه والمؤمنين. دعني فلأضرب عنقه. قال: أوليس من أهل بدر؟ وما يدريك؟ لعل الله اطَّلَع عليهم فقال: اعملوا ما شئتم، فقد أوجبتُ لكم الجنة. فاغرورقت عيناه، فقال: الله ورسوله أعلم"، "ثلاثة يُؤْتَوْن أجرهم مرتين: الرجل تكون له الأَمَة فيعلّمها فيحسن تعليمها، ويؤدبها فيحسن أدبها، ثم يعتقها فيتزوجها فله أجران، ومؤمنُ أهلِ الكتاب الذي كان مؤمنا ثم آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم فله أجران، والعبد الذي يؤدي حق الله وينصح لسيده"، "إنكم في زمانٍ مَنْ ترك منكم عُشْر ما أُمِر به هلك، ثم يأتي زمانٌ من عمل منكم بعُشْر ما أُمِر به نجا"، "الماهر بالقرآن مع السَّفَرَة الكرام البَرَرَة، والذي يقرؤه ويتعتع فيه وهو عليه شاقٌّ له أجران"، "المملوك الذي يحسن عبادة ربه، ويؤدي إلى سيده الذي عليه من الحق والنصيحة والطاعة، له أجران"، "للجبان أجران"، "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أيّ الصدقة أعظم أجرا؟ قال: أن تَصَدَّق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتَأْمُل الغنى، ولا تمهل حتى إذا بلغتِ الحلقوم قلتَ: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان"، "إذا كان العبد يعمل عملا صالحا فشَغَلَه عنه مرض أو سفر كُتِب له كصالحِ ما كان يعمل وهو صحيح مقيم"، وعن علي: "ثلاثة يبغضهم الله تعالى: الشيخ الزاني، والغني الظَّلُوم، والفقير المختال"، وعن عبد الله بن مسعود: "قلت: يا رسول الله، أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله نِدًّا وهو خَلَقَك. قال: فقلت: ثم أيٌّ؟ قال: أن تقتل ولدك مخافة أن يأكل معك. قال: قلت: ثم أيّ؟ قال: أن تزاني حليلة جارك"، "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ما تقولون في الزنا؟ قالوا: حرمه الله ورسوله، فهو حرام إلى يوم القيامة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بحليلة جاره. قال: ما تقولون في السرقة؟ قالوا: حرمها الله ورسوله فهي حرام إلى يوم القيامة. قال: لأَنْ يسرق الرجل من عشرة أبيات أيسر عليه من أن يسرق من جاره".
وعَوْدًا إلى موضوع احترام الأبوين فى الإسلام نقول إن الأم لها نفس التبجيل والبر والاحترام الذى للأب وزيادة. ففى الحديث مثلا "أن رجلا سأله فقال: يا رسول الله، مَنْ أَحَقُّ بحُسْن صُحْبَتي؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمك. قال: ثم من يا رسول الله؟ قال: أمك. قال: ثم من يا رسول الله؟ قال: أمك. قال: ثم من يا رسول الله؟ قال: أبوك". وقد مر بنا كيف يوجب القرآن على المسلم أن يصاحب والديه فى الدنيا معروفا حتى لو أمراه بالرجوع إلى الكفر. لكن هذا شىء، وإطاعته إياهما فى الكفر شىء آخر، إذ لا طاعة فى الكفر حتى لو انطبقت السماء على الأرض.
ويوضح الحديث التالى كيف أن لعطف الابن على أبويه (أبويه جميعا لا أبيه وحده) مكانة عظيمة عند الله حتى ليستجاب به الدعاء فى المآزق الصعبة التى تبدو وكأنْ لا مخرج منها: "خرج ثلاثة يمشون، فأصابهم المطر، فدخلوا في غار في جبل، فانحطت عليهم صخرة. قال: فقال بعضهم لبعض: ادعوا الله بأفضل عمل عملتموه. فقال أحدهم: اللهم إني كان لي أبوان شيخان كبيران، فكنت أخرج فأرعى، ثم أجيء فأحلب فأجيء بالحلاب، فآتي أبويَّ فيشربان، ثم أسقي الصبية وأهلي وامرأتي. فاحتبست ليلة، فجئت فإذا هما نائمان. قال: فكرهت أن أوقظهما، والصِّبْيَة يتضاغَوْنَ عند رجلي. فلم يزل ذلك دأبي ودأبهما حتى طلع الفجر. اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فرجة نرى منها السماء. قال: ففرج عنهم. وقال الآخر: اللهم إن كنت تعلم أني أحب امرأة من بنات عمي كأشد ما يحب الرجل النساء، فقالت: لا تنال ذلك منها حتى تعطيها مائة دينار. فسعيت حتى جمعتها، فلما قعدت بين رجليها قالت: اتق الله، ولا تفض الخاتم إلا بحقه. فقمت وتركتها. فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فرجة. قال: ففرج عنهم الثلثين. وقال الآخر: اللهم إن كنت تعلم أني استأجرت أجيرا بفرْقٍ من ذرة فأعطيته، وأبى ذلك أن يأخذ، فعمدت إلى ذلك الفرق فزرعته حتى اشتريت منه بقرا وراعيها. ثم جاء فقال: يا عبد الله، أعطني حقي. فقلت: انطلق إلى تلك البقر وراعيها، فإنها لك. فقال: أتستهزئ بي؟ قال: فقلت: ما أستهزئ بك، ولكنها لك. اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا. فكشف عنهم".
ومما أحب التريث أمامه من كلام د. بارلس فى كتابها أيضا نَفْيُها فى النص التالى أن تكون فى الإسلام أية بطرياركية بالمعنى الذى حددته الباحثة كارول بيتمان. قالت (ص167): "To understand this point, it is necessary to recall Carole Pateman’s definition of traditional patriarchy as having been symbolized by the ‘law of the father, the untrammeled will of one man.’ This form, as feminists note, gave the father-husband ‘nearly total ownership over wife or wives and children, including the powers of physical abuse and often even those of murder and sale.’". وأنا معها تماما فى خلو الإسلام من البطرياركية بهذا المعنى البشع، إذ الإسلام لا يعرف ولا يرضى أن تكون كلمة الرجل أو سلوكه فى البيت قانونا واجب التنفيذ دون نقاش أو مراجعة مثل القضاء والقدر وكأنه يملك أفراد الأسرة، ويستطيع أن ينزل بهم كل ما يَعِنّ له من ضرب وإهانة واستغلال وقتل وبيع. فالرجل، سواء كان زوجا أو أخا أو ابنا، إنما يخضع للشريعة شأنه شأن المرأة والأولاد سواء بسواء لا يفترق عنهم فى ذلك قيد شعرة. لكن هذا لا ينبغى أبدا أن يحيف على المبدإ الذى أرساه القرآن والذى بمقتضاه تكون للزوج على الزوجة درجة وأن تكون القِوَامة فى البيت من حقه، وإلا فكيف تمضى سفينة الحياة من غير ربان يشرف عليها ويسوسها ويُسْأَل عنها ويقوم بواجباته نحوها فيحفظها ويرعاها ويتابع شؤونها؟
لكنى فى ذات الوقت لست معها ولا يمكن أن أكون معها فى إنكارها أن يكون القرآن قد جعل للرجل حكم الأسرة أو الإشراف عليها أو حتى مجرد كونه رأسا لها (أسفل ص167): "the Qur’ān not only does not link the rights of fathers and husbands in this way, but it also does not appoint either one a ruler or guardian over his wife (and children), or even as the head of the household". ذلك أنه ما من مؤسسة فى الدنيا إلا ولا بد أن يكون لها رئيس. والقول بوجوب وجود رئيس لأية مؤسسة لا يعنى أبدا أن يتملك الرئيس أفراد تلك المؤسسة أو يكون له الحق فى قتلهم أو بيعهم أو استرقاقهم أو تشويههم مثلا. إن هذا غير ذاك. وقد رأى القراء كيف وافقت المؤلفة على أنه ليس من حق الأب أن يتحكم فى أفراد أسرته تحكم المالك أو المستعبد. إلا أن هذا شىء، وموافقتها على ماتقول من أنه ليس من حق الأب أو الزوج مجرد رئاسة الأسرة شىء مختلف تمام الاختلاف. ولقد قال القرآن الكريم كلمته فى هذا الصدد، وليس بعد قول الله أى قول آخر ما دمنا نقول إننا مسلمون. أما إن قال أحدهم إنه غير مسلم، ومن ثم لا يلزمه ما جاء فى القرآن فهذا شىء آخر، ويكون له رد مختلف سبق أن رددنا به، وهو أن تاريخ البشرية يقول بأجلى بيان إن الرجل هو رأس الأسرة، علاوة على ما يتفوق به الرجل على المرأة، ولو من حيث القوة الجسدية وحدها فيما لو قيل إن المواهب التى أفاضها الله على الرجل لا تفترق فى شىء عن تلك التى أفاضها على المرأة، وهيهات.
وإذا كانت بعض الأنظمة قديما قد أعطت الرجل حقوقا ظالمة فلا يصح أن تُشْهَر هذه الحجة فى وجوهنا، إذ قلنا وكررنا القول بأننا إنما نتكلم عن قوامة الرجل للأسرة ليس إلا. لقد بلغت مكانة الأب فى الإسلام أن يقول الرسول الكريم إن أَبَرَّ البِرّ هو أن يَوَدَّ الرجلُ من كان أبوه يَوَدُّه فى حياته. فانظر، أيهاالقارئ العزيز، كيف تصل مكانة الأب فى دين محمد عليه الصلاة والسلام إلى المدى الذى يطالَب عنده المسلم بمراعاة تلك المكانة حتى بعد وفاته: "عن عبد الله بن عمر أن رجلا من الأعراب لقيه بطريق مكة، فسلم عليه عبد الله، وحمله على حمار كان يركبه، وأعطاه عمامة كانت على رأسه. فقال ابن دينار: فقلنا له: أصلحك الله. إنهم الأعراب، وهم يَرْضَوْن باليسير. فقال عبد الله: إن أبا هذا كان وادًّا لعمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أَبَرَّ البِرّ صلة الولد أهل وِدّ أبيه". وانظر كذلك، أيها القارئ العزيز، كيف ينهى رسول الله المسلمين عن الانتساب إلى غير آبائهم كفارا كانوا أو مؤمنين، إذ يقول: "لا تَرْغَبوا عن آبائكم، فمَنْ رَغِبَ عن أبيه فإنه كُفْر". و"عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل يوصيكم بأمهاتكم. إن الله يوصيكم بآبائكم. إن الله يوصيكم بالأقرب فالأقرب". وجاء رجل من بني عامر إلى النبى فقال: "يا رسول اللّه، إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن". قال: "احْجُجْ عن أبيك واعْتَمِرْ". و"عن جابر بن عبد الله أن رجلا قال: يا رسول الله، إن لي مالا وولدا، وإن أبي يريد أن يجتاح مالي. فقال: أنت ومالك لأبيك".
ولقد تكرر من النبى استعماله صيغة "وأبيك" كنوع من التأكيد لما يقوله، وفى هذا من المغزى عن مكانة الأب فى الإسلام ما فيه رغم ما فى الكلمة من عفوية لا علاقة لها بالقسم: "عن أبي العشراء الدارمي عن أبيه أنه قال: يا رسول الله أما تكون الذكاة إلا في الحلق واللَّبَّة؟ قال: وأبيك لو طعنت في فخذها لأَجْزَأَ عنك". و"عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، نَبِّئْني بأحقّ الناس مني بحسن الصحبة. فقال : نعم، وأبيك لتُنَبَّأَنَّ! أُمُّك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك". و"عن أبي هريرة قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أي الصدقة أعظم أجرا؟ قال: أَمَا وأبيك لتُنَبَّأَنَّه. أن تَصَدَّق وأنت صحيحٌ شحيحٌ تخشى الفقر وتَأْمُل البقاء ولا تَمَهَّل حتى إذا بلغتِ الحلقوم قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان".
ويقول القرآن فى وضوح ما بعده وضوح: "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا" (النساء/ 34). وفى حق الرجل على امرأته نقرأ "عن قيس بن سعد قال: أتيتُ الحيرة فرأيتُهم يسجدون لمرزبانٍ لهم، فقلت: رسول اللّه أحقُّ أن يُسْجَد له. قال: فأتيت النبي صلى اللّه عليه وسلم فقلت: إني أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبانٍ لهم، فأنت يارسول اللّه أحق أن نسجد لك. قال: أرأيتَ لو مررتَ بقبري أكنتَ تسجد له؟ قال: قلت: لا. قال: فلا تفعلوا. لو كنت آمراً أحدًا أن يسجد لأحدٍ لأمرتُ النساء أن يسجدن لأزواجهنَّ، لما جعل اللّه لهم عليهنَّ من الحقِّ". و"عن قيس بن طلق، عن أبيه طلق بن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا الرجل دعا زوجته لحاجته فلتأته، وإن كانت على التنور". و"عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة باتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة". ولكن للمرأة على زوجها هى أيضا حقوقا: "عن حكيم بن معاوية القشيري، عن أبيه قال: قلت: يارسول اللّه، ما حقُّ زوجة أحدنا عليه؟ قال: أن تطعمها إذا طَعِمْتَ، وتكسوها إذا اكتسيتَ، ولا تضرب الوجه ولا تقبِّح، ولا تهجر إلا في البيت. قال أبو داود: "ولا تقبِّح": أن تقول: قَبَّحَكِ اللّه". و"عن بهز بن حكيم، حدثني أبي، عن جدي قال: قلت: يارسول اللّه، نساؤنا ما نأتي منهن وما نَذَرُ؟ قال: "ائْتِ حَرْثَك أنَّى شئتَ، وأطعمها إذا طَعِمْتَ، واكْسُها إذا اكتسيتَ، ولا تُقَبِّحِ الوجه، ولا تضرب". و"عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خياركم لنسائهم".
قد تقول السيدة بارلس إن الآيات التى تتحدث عن قوامة الرجل وأشباهها إنما نزلت للعرب فى عصر المبعث وحدهم، على عكس آيات أخرى نزلت لكل العصور وكل الأمم، حسبما جاء فى الصفحة الثامنة والستين بعد المائة من الكتاب الذى بين أيدينا. ونقول نحن بدورنا: وكيف عرفت الكاتبة أن هذه الآية الفلانية قد نزلت لعرب ذلك العصر وحدهم من دون البشر جميعا بخلاف الآية العلانية التى نزلت للبشر فى كل العصور وكل البيئات؟ أين فى القرآن أو فى أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم ما ينصّ على هذا؟ ذلك أن الأمر ليس يرجع إلى أهوائنا، بل إلى نص واضح صريح فى هذا السبيل يزيل الإشكال، إن كان ثمة إشكال. أما أن تظن أنه ليس عليها إلا أن تقول ما يَعِنّ لها فنَخِرّ نحن على ما تقول صُمًّا وبُكْمًا وعُمْيًا فليس من الإنصاف ولا من الحصافة فى شىء.
ولقد قال د. محمد النويهى بمثل ما قالته بارلس فى كتابه: "نحو ثورة فى الفكر الدينى"، الذى أعيدت طباعته هذه الأيام، ولكن دون أن يورد دليلا واحدا على صحة ذلك الزعم العجيب الذى لم يقل به أحد طوال الأربعة عشر قرنا الماضية، فضلا عن مناقضته للقرآن المجيد والحديث الشريف، اللذين كررا وأكدا عالمية الرسالة المحمدية، أى امتدادها بحيث تغطى الأمم والعصور جميعا. ومن المعروف أن الحكم الذى يورده القرآن إذا كان مؤقتا فإن القرآن ذاته سرعان ما ينسخه مبينا صراحةً أو ضمنًا أن العمل به قد انتهى وأنه إنما كان تشريعا مؤقتا لا يُقْصَد به التأبيد. وأتصور أن السبب فى ذلك أن هذا الحكم الأولى لا يساير الطبيعة البشرية مسايرة دائمة، بل قُصِد به حفز المسلمين لإنجاز أكبر قدر من العمل الطيب فى الدفعة الأولى كقوله تعالى مثلا: "لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (البقرة/ 284)، الذى نزل بعده قوله جل شأنه من نفس السورة: "لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ" (البقرة/ 286). ومنه قوله عَزَّتْ قدرته: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ" (الأنفال/ 65)، إذ سرعان ما نزلت الآية التالية له قائلة: "الآَنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ" (الأنفال/ 66). ولقد كان من الواضح أن د. النويهى يجعل الاشتراكية هى الأساس الذى ينبغى أن نلتزم به ولا نحيد عنه بحيث إذا تناقض القرآن والاشتراكية فإن الاشتراكية تكسب، ويخسر القرآن. وهو ما يعنى بكل وضوح أن الاشتراكية دائمة، والقرآن زائل، وأن أحكامه، التى تنزل ليلا ما إن يطلع عليها النهار حتى تسيح كما يسيح الزبد، ولا من شاف ولا من درى.
ولقد كتب د. النويهى هذا فى عهد جمال عبد الناصر، وكان متحمسا تحمسا شديدا للاشتراكية ولما كان عبد الناصر يأتيه من قرارات أو ينفذه من تطبيقات باعتباره التقدم كل التقدم، دون أن ينبس بكلمة واحدة عن الاستبداد المروع الذى كان ترزح مصر تحته آنذاك، والذى أخرس الألسن إخراسا فلم تعد تنطق ببنت شفة. ولقد زالت الاشتراكية والشيوعية من كل بلاد العالم تقريبا، إذ ثار عليها وعلى الحكومات التى كانت تقوم عليها فى بلاد الكتلة الشرقية أولَ من ثار العمال والفلاحون، كما اختفت من مصر وحلت محلها ليبرالية تختلف معها على طول الخط، ومع هذا فوجئنا بكتاب د. النويهى يعاد نشره رغم ما فيه من تحمس شديد للنظام الاشتراكى الذى لم يعد له وجود فى مصر ولا فى غير مصر. والسبب؟ السبب هو جعل الكتاب الاشتراكية حاكمة على نظام الإسلام التشريعى بحيث إذا تعارض الإسلام والاشتراكية كسبت الاشتراكية على طول الخط دون إِحِمٍ ولا دستور.
ومن العجب العاجب أن الأستاذة بارلس تؤكد أن المرأة فى الجاهلية وعصر الرسول كانت تتمتع بوضع اجتماعى راق (ص169). إذن فكيف تزعم أن الآيات التى تظن هى أنها لا تلائم المرأة قد نزلت فى ذلك العصر مسايرة له؟ أية مسايرة، وهى تقول بعظمة لسانها إن وضع المرأة كان متقدما كثيرا؟ لقد كان الأولى، لو كان تأديب الرجل لزوجته التى لا تريد أن تفىء إلى صوت العقل فتحرص ألا ينهدم بناء الأسرة مما لا يليق من ناحية المبدإ على الأقل، أن تنزل آية تحرم التعرض للمرأة بأية وسيلة لافتةً النظر إلى ما أحرزته من وضع اجتماعى راق لا يليق معه أن يتعرض الزوج لزوجته بشىء مهما تكن الظروف. على أن الكاتبة لا تكتفى بما قالته عن مسايرة القرآن للأوضاع السائدة وقتذاك، وكأن القرآن إنما أتى لتثبيت الأوضاع المعوجة لا لهدمها، وهو ما يقلب أمره رأسا على عقب كما نرى، بل تزيد على ذلك اتهامها للمفسرين بأنهم هم الذين أنطقوا القرآن بما ليس فيه (ص168). وهذا يقودنا إلى التساؤل الخطر: من يا ترى أولئك المفسرون الذين فعلوا ذلك؟ لقد انطلق المفسرون فى فهمهم للنص القرآنى الكريم مما قاله الرسول من أحاديث أوردنا بعضها فيما مر. أى أن الرسول صلى الله عليه وسلم بوصفه المفسر الأول قد خضع، بناء على ما تقوله بارلس، لضغوط البيئة التى أتى لتغييرها، وهو ما يعنى أن الآية قد انقلبت معه، وبدلا من أن يغير هو البيئة إلى الأفضل غيرته هى إلى الأسوإ. وهذا كلام لا يقول به مسلم. تقول بارلس فى تلك النقطة:
"Contextualizing the Qur’ān’s teachings thus is necessary for understanding their rationale. It also is necessary in order to distinguish between the universal and the specific, so as to avoid generating readings that are oppressive for women. This is not to say, however, that oppressive and restrictive readings arise only from ignoring the contexts of the Qur’ān’s teachings; rather, they arise also from specific epistemologies and methodologies employed to read the text, as I argued in Chapters 2 and 3".
وبعد، فإذا كان المقصود بالدعوة النسوية استخلاص حقوق المرأة فى المجتمعات التى تظلمها فأهلا بها وسهلا، بل هى من أوجب الواجبات. وقد أتى الإسلام فى هذا المجال بروائع وبدائع، لكنه نبه إلى أن الحياة تعاون بين الرجل والمرأة، وأن كلا منهما بحاجة ماسة إلى الآخر، إذ لا يمكن أن تسير أمور الدنيا بقدم واحدة، مثلما لا يمكن اليد الواحدة أن تصفق. أما إن تحولت النسوية إلى معاداة للرجل وتمرُّد عليه لوجه التمرد وتنكُّر لفطرة الله التى فطر النساء عليها فإنها تقود إلى ما لا تحمد عقباه.
وفى الأساطير الإغريقية أن جماعة من النساء قد تمردن على الرجال وأقمن مجتمعا يخلو تماما من جنس الذكور، فانتهى بهن الأمر إلى عوج فى الفكر وشذوذ فى السلوك وخروج على مقتضيات الإنسانية، ثم إنهن بعد هذا كله لم يستطعن الاستغناء عن الرجال، ولم ينلن إلا الخذلان. وقد انتصر الرجال فى نهاية المطاف، وعادت ريمة لعادتها القديمة. لقد كن حريصات على أن يخلو مجتمعهن من الذكور خلوا تاما، إلا أنه كان من المستحيل عليهن، كما هو متوقع، أن يستغنين عن الرجال، فكن يَلْقَيْنَهم مرة واحدة فى العام من أجل التناسل، ثم ينفينهم عقب ذلك خارجا مرة أخرى. وإذا ما ولدن ذكرا قتلنه أو ألقينه بعيدا عن مجتمعهن. كما بلغ من شذوذهن أنهن كن يستأصلن أثداء صغيراتهن اليمنى كى يستطعن، حين يكبرن ويَصِرْنَ محارباتٍ يفوّقن السهام إلى نحور الأعداء فى الحرب، أن يضعن مكان أثدائهن اليمنى الأقواس ويشددنها على آخرها براحتهن دون عائق منها. وكانت النتيجة أن حاربهن الرجال وهزموهن وأخضعوهن لسيادتهم من جديد.
وفى نساء المسلمين هذه الأيام ورجالهم مَنْ فقد حصافته وشرع يؤرث العداوة والبغضاء بين الرجل و المرأة وكأننا فى حربٍ عَوَانٍ لا بد أن تنتهى بالنساء غالبات ومذلات للرجال، وإلا فلا سلام ولا كلام. وهى دعوة من شأنها أن تفسد على المجتمعات سلامها وتراحمها وتصيِّرها جحيما للرجل والمرأة جميعا، بل للمرأة قبل الرجل.
وإلى القارئ مادة "أمازونيات" كما جاءت فى "الموسوعة العربية العالمية": "الأمازونيات: سلالة من النساء المحاربات في الأساطير الإغريقية عشن في آسيا الصغرى في منطقة تُدعى: كابادوسيا. لم تكن الأمازونيات يلتقين بالرجال إلا في المعارك أو في زيجات مؤقتة مع الجورجارينسيين، وهم شعوب مجاورة. قتلت الأمازونيات كل أولادهن الذين ولدوا نتيجة ذلك التزاوج، لكنهن أبقين بناتهن وربينهن على فن الحرب. وهناك العديد من الإشارات إلى الأمازونيات في الأدب الإغريقي القديم. يقال، على سبيل المثال، إن البطل الإغريقي الأسطوري هرقل قاد حملة وقتل هيبوليتا أشهر ملكة أمازونية. وطبقًا لرواية الشاعر الإغريقي المشهور هوميروس حاربت الأمازونيات إلى جانب طروادة خلال الحرب الطروادية. وفيها قام البطل الإغريقي أخيل بقتل بنثسليا الملكة الأمازونية الجميلة في ذلك الوقت. تعود كلمة "أمازون" على الأرجح إلى الكلمة الإغريقية التي تعني "بلا ثدي"، فقد قامت الأمازونيات، حسب زعم الأسطورة، بقطع أثدائهن اليمنى بحيث يمكنهن إطلاق القِسِيّ والسِّهَام بسهولة".
وفى النسخة الفرنسية من موسوعة "Encarta" نقرأ:
"Amazones, dans la mythologie grecque: peuple de femmes guerrières. Dans le peuple des Amazones, qui ne reconnaissent que la filiation matriarcale, seules gouvernent les femmes. Si, dans certains récits, des hommes sont tolérés près d’elles, ce sont des serviteurs. Les Amazones ont toutefois quelques relations avec le sexe opposé, pour avoir des enfants. On raconte généralement que, dans ce but, elles attaquent une fois par an les peuples voisins pour y trouver des hommes, avec lesquelles elles s’accouplent uniquement la nuit. Des naissances, elles ne gardent que les filles — les garçons sont renvoyés ou tués, ou encore mutilés et rendus aveugles. Les Amazones manipulent l'arc, aussi se brûlent-elles le sein droit pour faciliter cet exercice (« amazones » signifie en grec « celles qui n’ont pas de sein »). Elles révèrent la déesse de la chasse Artémis, guerrière et chasseresse comme elles ; selon la légende, ce sont elles qui ont instauré son culte.
Les Amazones vivent soit sur les pentes du Caucase, soit en Thrace ou encore en Scythie méridionale, du côté de l'Asie mineure, sur les bords de la mer Noire. La fondation d’Éphèse leur est parfois attribuée, ainsi que le temple d’Artémis qui s’y trouve.
Les Amazones sont célèbres pour leur nature guerrière ; elles sont, selon la légende, les premières à avoir utilisé la cavalerie. Souvent en guerre avec la Grèce, elles se battent également contre d'autres peuples. Elles interviennent également dans plusieurs récits concernant les grands héros grecs. Ainsi Héraclès, pour le neuvième de ses douze travaux, doit rapporter la ceinture d’Hippolyte, reine des Amazones. Celle-ci est prête à la lui offrir, mais Héra déclenche un affrontement entre les guerriers d’Héraclès et les farouches guerrières, au cours duquel Hippolyte est tuée par le demi-dieu. Au cours de cette même expédition, on raconte que Thésée, qui accompagne Héraclès, enlève l'Amazone Antiopé, sœur de la reine. Celle-ci lui donne bientôt un fils, baptisé du nom de sa tante, Hippolyte, qui connaîtra un destin tragique. L’histoire des Amazones est également marquée par leur défaite contre Bellérophon, pourfendeur du monstre Chimère.
Le peuple de guerrières joue également un rôle pendant la guerre de Troie, après la mort d'Hector, quand elles viennent en aide à Priam et aux Troyens. C’est au cours de cet épisode que leur reine Penthésilée est tuée par Achille qui, à peine l’a-t-il frappée de façon mortelle, tombe sous son charme.
Dans la société grecque antique dominée par les hommes, le mythe des Amazones traduit la crainte de voir l’ordre social ébranlé par les femmes, ce qui explique que de nombreux récits les montrent mises en déroute par de valeureux héros grecs (Héraclès, Bellérophon, Achille), ainsi que par le peuple d’Athènes. Sauvages, étrangères (Barbares), ces guerrières ont une personnalité paradoxale : par leur mode de vie, elles se hissent au niveau des hommes et sont, à la fois, « anti-hommes ». Elles sont aussi, dans un sens plus sensuel, des « mangeuses d’hommes », comme on le voit dans les récits où, une fois par an, elles organisent des raids contre les peuples voisins pour y trouver des géniteurs".
وفى "Encyclopedia of World Mythology Legend and":
"Amazons (without breast). In Greek mythology: tribe of female warriors who lived in Cappadocia in Asia Minor. They had only one breast, one having been removed in youth so that they could more freely shoot their bows. No men were allowed in the tribe. Mating took place at certain seasons with men of another race, and only girl babies were kept. If boys were born, they were killed, maimed, or given to their fathers. The Amazons appear in myths relating to Bellerophon, Heracles, Perseus, and Theseus, all of whom fought against them. Theseus kidnapped the Amazon queen Hippolyte (Antiope). Another Amazon queen, Penthesilea, aided the Trojans and was killed by Achilles during the Trojan War. In Greek art the Amazons are portrayed as manly women with two breasts. Usually they are portrayed on horseback, sometimes in Scythian dress—a tight fur tunic with a cloak and a kind of Phrygian cap—though sometimes they are portrayed wearing a Dorian tunic tucked up, the right shoulder bare. The most famous statues of Amazons were by Phidias, Polyclitus, and Cresilas. The Greeks often cited the conquest of the Amazons as a triumph of civilization over barbarism. When the Spanish came to the New World, they reported that there was a race of Amazons in Brazil. One Spanish clergyman described them as “very tall, robust, fair, with long hair twisted over their heads, skins around their loins and bows and arrows in their hands, with which they killed seven or eight Spaniards.” Amazons are mentioned or cited in Vergil’s Aeneid (book5), Apollodorus’s Bibliotheca (Library, book 2), Herodotus’s Histories (book 4), and Pausanias’s Description of Greece (book 7) ."
وختاما أود أن أقتبس الفقرات التالية من تقرير مؤسسة "راند" الأمريكية المذكور آنفا، وعنوانه: الإسلام الديمقراطى المدنى: الموارد والشركاء والإستراتيجيات"، آملا أن توضح هذه الفقرات شيئا مما نحن بصدده، إذ هى خاصة بالإستراتيجية التى تتبعها الولايات المتحدة الأمريكية بغية تشجيع الليبراليين والحداثيين فى العالم الإسلامى. وتتكون هذه الإستراتيجية من العناصر التالية حسبما جاء بالنص فى التقرير المذكور:
"- دعم الحداثيين أولا وتغليب رؤيتهم للإسلام على رؤية التقليديين من خلال منبر كبير يعبر عن أفكارهم وينشرها. فهؤلاء لا التقليديون هم الذين ينبغى ثقيفهم وتقديمهم للجماهير كواجهة للإسلام المعاصر.
- دعم العلمانيين فردا فردا.
- دعم المؤسسات والبرامج المدنية والثقافية العلمانية.
- دعم التقليديين بما يكفي لاستمرارهم فى منافسة الأصوليين (متى وحيثما كانوا من اختيارنا) ومنع قيام أي تحالف وثيق بين الفريقين. وأما داخل التقليديين فينبغي أن نشجع بانتقائيةٍ أولئك الذين يتناسبون مع المجتمع المدني الحديث تناسبا أفضل من سواهم. وعلى سبيل المثال فإن بعض مدارس الفقه الإسلامي قابلة للتعديل وفق رؤيتنا للعدالة وحقوق الإنسان أكثر من غيرها.
- وأخيرا معارضة الأصوليين بقوة بضرب نقاط الضعف فى مواقفهم الإسلامية والأيديولوجية، وذلك بعرض الأشياء التي لا يمكن أن يتقبلها لا المثاليون الشبان من الجمهور الذي يعملون على كسبه ولا التقليديون الأتقياء، مثل فسادهم ووحشيتهم وجهلهم والأخطاء التي يقعون فيها لدن تطبيق الإسلام وعجزهم عن القيادة والحكم.
وسوف نحتاج إلى بعض الأنشطة المباشرة والإضافية لدعم هذا الاتجاه الإجمالي كالآتي:
- المساعدة فى إنهاء احتكار الأصوليين والتقليديين للإسلام تعريفًا وشرحًا وتفسيرًا.
- تحديد العلماء الحداثيين المناسبين لإدارة موقع إلكتروني يجيب على الأسئلة المتعلقة بالسلوك اليومي وتقديم الآراء الإسلامية الحداثية.
- تشجيع العلماء الحداثيين على تأليف الكتب التعليمية وتطوير المقررات.
- نشر الكتب الأولية بأسعار مدعومة بحيث تكون متاحة كالكتيبات التي ينشرها المؤلفون الأصوليون.
- استخدام وسائل الإعلام العامة المحلية كالمذياع لتقديم أفكار المسلمين الحداثيين وممارساتهم من أجل نشر الرؤية العالمية لما يعنيه الإسلام وما يمكن أن يعنيه على نطاق و اسع".
















ملحق 1
تقرير صحفى فى موقع "دويتشه فيله"
عن كتاب بارلس
إعادة تفسير القرآن على الطريقة النسائية: طوال 14 قرنًا اقتصر تفسير القرآن على الرجال، ومؤخرًا ظهرت الكاتبة الباكستانية أسما بارلس لتحاول إعادة تفسيره من منظور نسائي. محاولة لاقت انتقادات كثيرة من قبل النساء قبل الرجال، ومن بينهن الكاتبة السعودية ثريا العريض.
ارتفعت أصوات بعض المفكرين الإسلاميين المطالبة بإعادة قراءة تفاسير القرآن والأحاديث بما يتفق مع العصر الذي كتبت فيه وسط انتقادات شديدة من معظم رجال الدين. وهناك فكرة راسخة في قطاعات واسعة في العالم الغربي تعتبر أن الإسلام دين يرفض التطور. لكن هناك الكثير من المسلمين الذين يسعون إلى فهم الدين بطريقة حديثة، والنظر للتفاسير والأحاديث المختلفة في إطار العصر الذي ذُكِرَتْ فيه. هذه الأصوات تخرج من البلدان الإسلامية، ولكن اللافت للنظر انها تخرج أكثر من بلدان المهجر. ومنذ وقت طويل توجد محاولات بين المهاجرين للقيام بتغييرات متعددة فيما يخص تطبيق الدين والشريعة. ويرتفع الجدل حول ظهور "الإسلام الأوروبي"، وحول أعمال العديد من المسلمين المهاجرين في البلدان الأوروبية المختلفة، التي يعتبرها كثيرون تشويها لصورة الدين الصحيح. في الولايات المتحدة الأمريكية ظهرت مبادرات نسائية بشكل خاص مثل ما قامت به أمينة ودود، التي قامت بإمامة الصلاة في مسجد في نيويورك، مؤكدة أنه لا يوجد في الدين ما يحرم هذا الأمر وسط انتقادات شديدة في العالم الإسلامي كله.

التفسير "الذكوري" للقرآن يظلم المرأة:
ليست أمينة ودود الوحيدة في هذا الأمر، فقد ظهرت مؤخرًا الكاتبة والباحثة باكستانية الأصل الدكتورة أسما بارلس Asma Barlas، فهي تجد أن القرآن هو طريق التحرير الحقيقي للمرأة، لكنها تجد أن مشكلة النساء المسلمات تكمن فقط في تفسير القرآن، الذي طالما اقتصر على الرجال. هؤلاء قاموا بتفسيره بطريقة ذكورية لا تحترم المرأة. أسما بارلس، الأستاذة بجامعة إيتاسا في نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، أصدرت كتابًا بعنوان "النساء المؤمنات في الإسلام- إعادة قراءة التفسير الذكوري للقرآن" طرحت فيه تفسيرًا جديدًا للقرآن، مؤكدة إيمانها بأن الإسلام يسمح لكل مسلم بتفسير القرآن. وتتساءل الباحثة عن السبب الذي دفع الكتاب طويلا لتفسير القرآن بطريقة المجتمع الأبوي، وأعطت تصورًا آخر لتفسير القرآن قائلة: "معاني النصوص القرآنية لا يمكن فهمها بدون تفسير، وطوال 1400 عام تم تفسيرها فقط من قبل الرجال في مجتمع ذكوري".
الدفاع عن حقوق المرأة دور المرأة نفسها:
لا تعتبر الكاتبة نفسها كاتبة نسوية، لكنها تجد أن كل امرأة مسلمة يجب أن تكون واعية وواثقة من نفسها وتدافع عن حقوقها بنفسها. فهي لن تحصل على حقوقها كهدية من الآخرين. وبدأت الباحثة منذ عدة سنوات في التفكير في هذا الأمر بعد أن انفصلت عن زوجها. وتشير أيضا إلى أن ظروف الطلاق وحرمانها من حقوقها هو ما دفعها إلى التفكير في أن شيئًا ما يساء تفسيره: "عندما طُلِّقْتُ، وجدت أنه ليست لدي أية حقوق. ولم يكن الأمر مقتصرًا عليَّ شخصيًا، ولكني وجدت كل النساء حولي يعانين من مشاكل مشابهة. معظم النساء المسلمات اللاتي يعانين من مشاكل زوجية يُطَلَّقْن، ويمكن أن يؤخذ منهن أبناؤهن ببساطة". هناك سلسلة من الانتهاكات والإجراءات الظالمة التي تواجهها المرأة في العالم الإسلامي. وفي رأي أسما بارلس يجب إعادة تفسير القرآن في الإطار التاريخي الذي كُتِب فيه، وذلك الخوض في القرآن في رأي الكاتبة المسلمة المؤمنة لا يؤثر على قداسة نص القرآن ولا يشكك فيه. "على النساء المسلمات أن يتعمقن في الشئون الدينية، وأن يأخذن الفرصة بشكل أكبر لإعطاء تفسير آخر للقرآن"، وهي تجد في كتابها مبادرة ومحاولة في هذا المجال.
النساء أول المعارضات لرأي الكاتبة:
أما الكاتبة والمفكرة السعودية الدكتورة ثريا العريض، وإن كانت تتفق في الرأي مع الكاتبة الباكستانية في أن كل امرأة عليها أن تدافع عن حقوقها، إلا أنها تختلف معها تمامًا فيما يخص تفسير القرآن. فهي ترى أن التفسير القرآني غير مفتوح لكل من أراد. كما أنها لا ترى المشكلة في التفسير الذكوري للقرآن بل في تسييس القرآن والدين حيث أصبح الكثير من المفسرين أداة في أيدي الحكام وأصحاب المصالح، وبالتالي شوهوا صورة الدين. ترفض ثريا العريض تمامًا فكرة حق كل مسلم في تفسير القرآن بطريقته كما قالت في حديث لموقعنا: "إن هذا الأمر سيفتح الباب لكل شخص لتفسير القرآن بما يتوافق مع مصالحه الشخصية، وهذا لا يمكن قبوله أبدًا". الكاتبة السعودية تجد أن التفسيرات الصحيحة هي تفسيرات محدودة ومعروفة، وهي التي يجب اتباعها. تلك التفسيرات التي قام بها رجال الدين في العصر الذهبي للإسلام يجب عدم المساس بها أو التشكيك فيها، وإن كان من المهم في رأيها النظر لتلك التفسيرات في ضوء التغير الحضاري الذي مرت به الإنسانية. فقد مر أكثر من 1400 عام، وبالتالي يجب أن يعاد فهم تلك التفسيرات. أما عن مشكلة الظلم الذي تتعرض إليه المرأة في المجتمعات الإسلامية المختلفة فهو في رأيها ليس بسبب المشكلة في تفسير الدين، ولكن بسبب عدم تنفيذ الشريعة بمعناها العميق، وسوء الممارسات من قبل القائمين على تنفيذ الأحكام.
الصورة الحقيقية عن الإسلام في الغرب:
الكاتبة الباكستانية التي تعيش في الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1983 تجد هناك فرصة للعمل والحياة بشكل حر. ومن خلال عملها كأستاذة جامعية وجدت من احتكاكها بالطلبة أن معظم الأمريكيين لا يعرفون أي شيء عن سياسة الشرق الأوسط أو عن الدين الإسلامي. فكان هذا هو الدافع الأول لها للتعمق في العلوم الإسلامية، وفي الكتابة في هذا المجال، وإن كانت تؤكد أنها ليست عالمة دين إسلامي متخصصة: "أود أن أؤكد أنني مجرد طالبة في مجال علوم الدين الإسلامي. دراستي لا تسمح لي بادعاء العلم في هذا المجال، فأنا لم أدرس العلوم الإسلامية بشكل أكاديمي. لكني أدرس الإسلام كمسلمة". بالمقابل ترى ثريا العريض أن الكاتبة التي عاشت بالخارج تأثرت بصورة النساء في الغرب. الكاتبة السعودية لا تدعي أن المرأة العربية أو السعودية تحيا في مجتمع وردي يكفل لها حقوقها، إلا أنها تجد أن طريقة التفكير الإسلامية تختلف كثيرًا عن الطريقة الغربية غير المرتبطة بالدين: "لن أقول إننا نعيش في أفضل حال، لكن بالتأكيد الكاتبة تأثرت بالحياة الغربية". هذا الانتقاد هو واحد من بين انتقادات عدة تواجهها الباحثة الباكستانية، والتي تأتيها من النساء قبل الرجال. أما أغرب ما في الأمر فهو أن أقصى الانتقادات جاءتها من موقع إنترنت أمريكي مسيحي. لكن أسما لن تتوقف عن الكتابة في المجال الديني، فهي تخطط أن يكون كتابها القادم عن سماحة الدين الإسلامي وتعامله مع الأديان الأخرى. وفي هذا الأمر أيضًا تجد الكاتبة "المتمردة" القرآن غنيًّا بالمعاني وقدوة لكل من يسعى إلى حوار حقيقي مع الأديان. في كتابها القادم تريد أن تؤكد لكل منتقدي الإسلام من الغربيين الذين يضفون عليه صفة الإرهاب أن الإسلام الحقيقي عكس ذلك تمامًا.



















ملحق 2
تقريرصحفى منشور فى موقع "العربية.نت"
عن ترجمة لالاه بختيار للقرآن الكريم
فى 26 مارس 2007م
أثارت كاتبة أمريكية من أصل إيراني ضجة واسعة في الاعلام الأمريكي ليتردد صداها لاحقا في ردود أفعال علماء مسلمين رغم أنها لم تكن بارزة خارج الوسط الأكاديمي، وذلك بعد أن أعلنت عن ترجمتها للقرآن إلى اللغة الإنجليزية بأسلوب لغوي يقترح معاني جديدة لآية متعلقة بضرب النساء، فضلا عن حذفها لكلمات أخرى مثل "المسلم والإسلام والكفر".
والكاتبة هي لالاه بختيار. ابنة أم مسيحية أمريكية وأب إيراني، ونشأت في مدارس كاثوليكية أمريكية قبل أن تسافر إلى إيران في سن الـ24 لتدرس الآداب في جامعة طهران. لم تكن تعرف عن الاسلام شيئا في ذلك الوقت عندما التقت الأستاذ الجامعي سيد حسين نصر، الذي بدأ بتدريسها بعض القضايا الاسلامية. ومن ذاك الوقت بدأت رحلتها في ترجمة الكتب الاسلامية. وفي إيران ارتدت الحجاب لأكثر من 20 سنة، ولكن في وقت متقدم من عمرها خلعته معتقدة أنها صارت في سنّ يسمح لها بذلك حسب تعبيرها.
وقالت لالاه بختيار لـ"العربية.نت"، في أول حديث لها لوسيلة إعلام عربية، إنها نشأت في مدارس كاثوليكية أمريكية، إلا أنها مسلمة تسعى لإيصال رسالة التسامح في القرآن إلى الأمريكيين عبر ترجمة جديدة له، نافية بشدة أن تكون من ناشطات الحركة النسائية الغربية، ومشددة على أنها ترفض استهداف الإسلام أو انشقاقه، وتسعى لتقريب المذاهب وفق رؤية الشيخ محمود شلتوت ( شيخ الأزهر 1958 – 1963).
ورغم أن بختيار تربت على الصوفية التي تضم وجهات نظر سنية وشيعية فإنها تنفي أن تكون "متصوفة الآن". وبعدما أمضت 9 سنوات من حياتها بين الشيعة في ايران تعيش الآن بين الجالية السنية في شيكاغو. وهي أستاذة علم النفس في جامعة شيكاغو. وأثار تأويل بختيار للقرآن الكريم باللغة الانجليزية جدلا حادا بين علماء الازهر، ففي الوقت الذي أيد البعض ما ذهبت اليه من أن ترجمة كلمة "اضربوهن" في الاية القرآنية قد تعني "امض بعيدا" رفض آخرون ذلك وقالوا إنها تعني الضرب الجسدي.
حذف الكفر والإسلام:
وقالت الكاتبة الأمريكية من أصل إيراني، لالاه بختيار، لـ"العربية.نت" إنها حذفت كلمات "مسلم والاسلام والكفر" من ترجمتها للقرآن الكريم إلى اللغة الإنجليزية، واستبدلتها بكلمات أخرى تعطي صورا ومعاني أكثر وضوحا للقارئ الغربي، "الذي يجب أن نخاطبه بلغته" على حد تعبيرها. وذكرت لالاه بختيار أن الترجمات السابقة للقرآن نقلت معنى كلمة "كافر للإنجليزية" على أنه الشخص غير المؤمن أو الشخص الملحد، وذلك عبر كلمتي " disbelieverوinfidel"، وهذا تعبير سلبي. وأنا كمتخصصة نفسية أعرف المعني السلبي لهذه الكلمات لدى الناس حيث نقلل من أهمية شخص ونبعده بها عن حياتنا، بينما الله وحده يعرف من يؤمن به ومن لايؤمن.
وأضافت: "استخدمت كلمة أخرى وهي "ungrateful: العَقُوق أو الجاحد". ولأن القرآن عالمي ولكل إنسان اخترت استخدام كلمة تقرّب الناس إلى الاسلام ولا تبعدهم عنه. وهذه ترجمة مختلفة تماما عن كل الترجمات، فهذه كلمة مفهومة لجميع الناس من كل الأديان".
وشددتْ على أن ترجمتها لكلمة "الكفر" بهذه الطريقة "موثوقة وصحيحة"، وقالت: "إذا نظرنا في أي قاموس سنجد كلمة "ungrateful" كمعنى من معاني هذه الكلمة. والقرآن يوصينا أن نتحدث إلى الناس بلغتهم. وإذا أردت من الناس أن يفهموا الاسلام يجب أن تحدثهم بلغتهم. لذلك تعبير "ungrateful" يحتوي الناس جميعا، ولا يقصي أحدا".
حذف كلمة "دين":
وفي جانب آخر من حوارنا معها ذكرت لالاه بختيار أنها لم تستخدم كلمتي مسلم والإسلام "Muslim and Islam" أبدا في ترجمتها الإنجليزية للقرآن، وإنما استخدمت كلمة أخرى بديلا عنهما وهي "submission". وأوضحتْ: عندما نستخدم كلمتي "مسلم وإسلام" بالإنجليزية يجب أن نحدد قبل ذلك إن كانتا بحرف كبير أو صغير، وعندما نستخدم حرفا صغيرا لسنا بالضروة نشير إلى الطريقة التي نؤدي فيها الفروض ونتعبد، وإنما نشير إلى معنى آخر هو "submission: طاعة إرادة الله والخضوع لها". فإذا خضع شخص لإرادة الله فإنه يتبع نهج طاعة الله، وهنا يكون المسلم هو الشخص لذي يطيع ربه.
وتابعت: "إذا نظرنا إلى القرآن بكونه أبديا ودائما لكل الناس ولكل الأزمان، بالتالي فهو يشمل كل شخص قبل النبي وبعده. وبناء عليه، وحسب استخدامي لكلمة "الطاعة" بدلا من "المسلم"، فهي كلمة تشمل كل شخص يخضع لإرادة الله و يتبع القرآن والنبي، وهي كلمة تفتح الباب أمام جميع البشر ولا تبعدهم عن ديننا".
كما حذفت لالاه بختيار كلمة دين "religion" من ترجمتها، واستبدلتها بتعبير آخر وهو "way of life: طريقة العيش والحياة" قائلة: "إن تعبيرها واسع وشامل أكثر من كلمة دين، فهي تشمل علاقات الزوج بالزوجة وتربية الأبناء وكل تفاصيل اتباع الشريعة".
نظرة نسائية للقرآن:
وكتبت لالاه بختيار أيضا في مقدمة ترجمتها للقرآن تتساءل عن سبب اختيار المعنى الظاهري لكلمة "الضرب"، بينما يمكن أيضا أن تعني "امض بعيدا". وكانت بختيار تشير الى كلمة "واضربوهن" في الآية من القرآن التي تقول: "واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فان أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ان الله كان عليا كبيرا". وتقترح بختيار تفسيرا يقول: "ينبغي للأزواج الذين يصلون إلى تلك المرحلة الخضوع لله وترك الأمر له... امضوا بعيدا عنهن ودعوا الله ينفذ مشيئته بدلا من أن يصيب انسان انسانا آخر بألم باسم الله". وفي حديثها لـ"العربية.نت"، أوضحت بختيار أن اهتمامها بكلمات أخرى لم يقلّ عن اهتمامها بكلمة "اضرب". وقالت: القرآن صحيح، والكلمة كما وردت بالعربية صحيحة، ولا أنكر ذلك. ولكن عندما نريد ترجمة وتأويل ذلك بعد قرون نجد أن النساء يتعرضن للأذى بسبب التأويل الخاطئ للكلمة، وليس بسبب الكلمة نفسها. وإذا نظرنا إلى حياة الرسول وأحاديثه نرى كيف كان يحترم المرأة ولم يَدْعُ أبدا لضربها، وجاء فعل الأمر "اضرب" في القرآن بينما الرسول لم يضرب امرأة. إذن الرسول اختار ألا يفعل ذلك، فلماذا على المسلم أن يفعل شيئا لم يفعله الرسول، وهو متبع أصلا لسنة الرسول؟
وأضافت: "كلمة "ضرب" لها معان عديدة، فلماذا نأخذ معنى واحدا ضد المبادئ الاخلاقية الواردة في القرآن أصلا وضد سنة النبي؟". وتابعتْ: "أيضا هناك آيات تشير إلى أنه إذا أراد الشخص أن يطلّق زوجته يجب أن يفعل ذلك دون إيقاع اي أذى بها أودون ضربها. لذلك قلت لنفسي: كيف يمكن أن يدعو القرآن للتعامل الحسن مع المرأة وهي مطلقة، بينما يدعو لضربها وهي زوجة؟ فوجدت تناقضا بين الفكرتين، وهذا التناقض ليس بالقرآن، وإنما بتأويلنا للقرآن. لذلك ليس معنى "ضرب" هنا الأذى أو الجلد، وإنما ما فعله الرسول عندما تكون لديه مشاكل مع زوجته، وهو أن يرحل أو يهجرها ويتركها لربها يفعل بها ما يشاء".
أخطاء ترجمات سابقة للقرآن:
وفي سياق الحديث عن ترجمتها للقرآن قالت بختيار إنها استغرقت 7 سنوات فيها، و"بعد أن عملت بدار نشر أمريكية متخصصة بالكتب الإسلامية لأكثر من 15 عاما ورأيت حوالي 17 ترجمة مختلفة للقرآن إلى الإنجليزية، وكلها تحتوي على أخطاء ومشاكل رغم الجهد المبذول فيها".
وتضيف: "نحن في الترجمة لا نغيّر كلام الله، وإنما أتحدث هنا عن تأويل وترجمة هذا الكلام إلى الإنجليزية". وأوضحت: "من المشاكل التي برزت في الترجمات السابقة عدم استخدام كلمات إنجليزية للقارئ الغربي غير المسلم، فبدلا من استخدام أسماء الأنبياء كما هي في الإنجليزية مثل "Jesus: المسيح" يتركون الاسم كما هو بالعربية مثل "Issa: عيسى". والقارئ الأمريكي لن يعرف من يكون هذا الشخص". وأضافت: "المشكلة الأخرى في ترجمات سابقة أنها لم تكن عالمية، فيما القرآن أبدي ولكل شخص ، ولكن عندما نترجمه بشكل محدد ومخصص للمسلمين بالتالي نحن لا نقدمه لبقية الناس حول العالم".
أعرف قواعد العربية:
وردا على انتقادات وُجِّهَتْ لها بأنها لا تتحدث العربية، وبالتالي ترجمتها لن تكون دقيقة، تقول بختيار: أعرف القواعد العربية الكلاسيكية، وأعرف اللغة الفارسية حيث 70 % منها هو أصلا من اللغة العربية، ودرست القرآن لسنوات عديدة باللغة العربية. لا أستطيع تحدث العربية الحديثة، لكن درست القواعد العربية الكلاسيكية. وعندما تعرف قواعد لغة يمكن أن تترجمها، وليس من الضروي أن تتكلمها.
ونفت لالاه بختيار أن يكون تأويلها لفعل الضرب في القرآن، والذي جاء كما يرغب مؤيدو المساواة بين الرجل والمرأة بنفي معنى العنف عن الضرب، أن يكون "لأنها تدعم الحركة النسائية". وقالت: لستُ ناشطة نسائية، وترجمتي ليس ترجمة نسائية للقرآن، وإنما أردت من هذه الترجمة أن يعرف الناس أن هذه سنة النبي، وهذه مبادئ القرآن، الذي لا يدعو لأذية المرأة.
أتبع الشيخ شلتوت:
وكانت صحف أمريكية أشارت إلى أن لالاه بختيار من أم مسيحية وأب شيعي إيراني. إلا أنها في حديثها لـ"العربية.نت" رفضت تصنيفها سنية أو شيعية، وقالت: "صحيح أنني نشأت في مدارس كاثوليكية بأمريكا ودرست في إيران، إلا أنني مسلمة فقط، وأؤمن بالتقريب بين المذاهب وفق رؤية الشيخ محمود شلتوت".
والشيخ محمود شلتوت هو شيخ الأزهر بمصر 1958 – 1963. نادى بتكوين مكتب علمى للرد على مفتريات أعداء الإسلام وتنقية كتب الدين من البدع والضلالات، وسعى جاهدا للتقريب بين المذاهب الإسلامية.
كما لفتت إلى أنها ارتدت الحجاب لعشرين سنة، إلا أنها خلعته بعد تقدمها بالسن، وهي الآن في الـ68 من عمرها. وقالت: "خلعتُ الحجاب لأني، كما فهمتُ من القرآن، لا داعي لوضعه بعد تجاوز سن الإنجاب حيث لن تكون هناك فرصة للزواج مرة أخرى. والآن أنا متحررة أكثر في اللباس، لكن محتشمة.
ألفت لالاه بختيار أكثر من20 كتابا عن الاسلام، وترجمت أكثر من 25 كتابا. وأما ترجمتها للقرآن فستنشر في شهر نيسان/ إبريل القادم في 5 آلاف نسخة.















نبذة عن المؤلف
- إبراهيم عوض
- من مواليد قرية كتامة الغابة- غربية فى 6/ 1/ 1948م
- تخرج من آداب القاهرة عام 1970م
- حصل على الدكتورية من جامعة أوكسفورد عام 1982م
- أستاذ النقد الأدبى بجامعة عين شمس
- البريد الضوئى: [email protected]
- المؤلفات:
معركة الشعر الجاهلي بين الرافعى وطه حسين
المتنبي- دراسة جديدة لحياته وشخصيته
لغة المتنبي- دراسة تحليلية
المتنبي بإزاء القرن الإسماعيلي في تاريخ الإسلام (مترجم عن الفرنسية مع تعليقات ودراسة)
المستشرقون والقرآن
ماذا بعد إعلان سلمان رشدي توبته؟ دراسة فنية وموضوعية للآيات الشيطانية
الترجمة من الإنجليزية- منهج جديد
عنترة بن شداد- قضايا إنسانية وفنية
النابغة الجعدي وشعره
من ذخائر المكتبة العربية
السجع في القرآن (مترجم عن الإنجليزية مع تعليقات ودراسة)
جمال الدين الأفغاني- مراسلات ووثائق لم تنشر من قبل (مترجم عن الفرنسية)
فصول من النقد القصصي
سورة طه- دراسة لغوية وأسلوبية مقارنة
أصول الشعر العربي (مترجم عن الإنجليزية مع تعليقات ودراسة)
افتراءات الكاتبة البنجلاديشية تسليمة نسرين على الإسلام والمسلمين – دراسة نقدية لرواية "العار"
مصدر القرآن- دراسة لشبهات المستشرقين والمبشرين حول الوحي المحمدي
نقد القصة في مصر من بداياته حتى 1980م
د.محمد حسين هيكل أديبا وناقدا ومفكرا إسلاميا
ثورة الإسلام- أستاذ جامعي يزعم أن محمدا لم يكن إلا تاجرا (ترجمة وتفنيد)
مع الجاحظ في رسالة "الرد على النصارى"
كاتب من جيل العمالقة: محمد لطفي جمعة– قراءة في فكره الإسلامي
إبطال القنبلة النووية الملقاة على السيرة النبوية- خطاب مفتوح إلى الدكتور محمود على مراد في الدفاع عن سيرة ابن إسحاق
سورة يوسف- دراسة أسلوبية فنية مقارنة
سورة المائدة- دراسة أسلوبية فقهية مقارنة
المرايا المشوِّهة- دراسة حول الشعر العربي في ضوء الاتجاهات النقدية الجديدة
القصاص محمود طاهر لاشين- حياته وفنه
في الشعر الجاهلي- تحليل وتذوق
في الشعر الإسلامي والأموي- تحليل وتذوق
في الشعر العباسي- تحليل وتذوق
في الشعر العربي الحديث- تحليل وتذوق
موقف القرآن الكريم والكتاب المقدس من العلم
أدباء سعوديون
شعر عبد الله الفيصل- دراسة فنية تحليلية
دراسات في المسرح
دراسات دينية مترجمة عن الإنجليزية
د.محمد مندور بين أوهام الادعاء العريضة وحقائق الواقع الصلبة
دائرة المعارف الإسلامية الاستشراقية- أضاليل وأباطيل
شعراء عباسيون
من الطبري إلى سيد قطب- دراسات في مناهج التفسير ومذاهبه
القرآن والحديث- مقارنة أسلوبية
اليسار الإسلامي وتطاولاته المفضوحة على الله والرسول والصحابة
محمد لطفي جمعة وجيمس جويس
"وليمة لأعشاب البحر" بين قيم الإسلام وحرية الإبداع- قراءة نقدية
لكن محمدا لا بواكي له- الرسول يهان في مصر ونحن نائمون
مناهج النقد العربي الحديث
دفاع عن النحو والفصحى- الدعوة إلى العامية تطل برأسها من جديد
عصمة القرآن الكريم وجهالات المبشرين
الفرقان الحق: فضيحة العصر
لتحيا اللغة العربية يعيش سيبويه
التذوق الأدبي
الروض البهيج في دراسة "لامية الخليج"
سهل بن هارون وقصة النمر والثعلب- فصول مترجمة ومؤلفة
في الأدب المقارن- مباحث واجتهادات
مختارات إنجليزية استشراقية عن الإسلام
نظرة على فن الكتابة عند العرب في القرن الثالث الهجري (مترجم عن الفرنسية)
فصول في ثقافة العرب قبل الإسلام
بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001- ماذا يقولون عن الإسلام؟ (نصوص وردود)
دراسات في النثر العربي الحديث
"مدخل إلى الأدب العربي" لهاملتون جب- قراءة نقدية (مع النص الإنجليزي)
مسير التفسير- الضوابط والمناهج والاتجاهات
"تاريخ الأدب العربي" للدكتور خورشيد أحمد فارق: عرض وتحليل ومناقشة (مع النص الإنجليزي)
الأسلوب هو الرجل- شخصية زكي مبارك من خلال أسلوبه
فنون الأدب في لغة العرب
فصول في الأدب المقارن والترجمة
رسالة ابن غرسية الشعوبية والرسائل التي ردت عليها- دراسة مضمونية أسلوبية
محاضرات في الأدب المقارن
الرد على ضلالات زكريا بطرس- حقائق الإسلام الدامغة وشبهات خصومه الفارغة
"الأدب العربي- نظرة عامة" لبيير كاكيا: عرض ومناقشة (مع النص الإنجليزي)
بشار بن بُرْد- الشخصية والفن
الحضارة الإسلامية- نصوص من القرآن والحديث ولمحات من التاريخ
في التصوف وأدب المتصوفة
النساء في الإسلام- نَسْخ التفسير البطرياركي للقرآن (النص الإنجليزي مع دراسة موازية)
الإسلام الديمقراطي المدني- الشركاء والموارد والإستراتيجيات (ترجمة تقرير مؤسسة راند الأمريكية لعام 2003م عن الإسلام والمسلمين في أرجاء العالم)
من قضايا الدراسة الأدبية المقارنة
علاوة على مثل هذا العدد من الدراسات والكتب المنشورة في المواقع المشباكية المختلفة، وعلى رأسها موقعه الشخصي.




















الفهرست

كلمة تقديم: 5
أسما بارلس: 8
النسوية: 11
دراسة كتاب بارلس: 16
تقرير صحفى فى موقع "دويتشه فيله" عن كتاب بارلس: 178
تقريرصحفى منشور فى موقع"العربية.نت" عن ترجمة لالاه
بختيار للقرآن الكريم فى 26 مارس 2007م: 183
نبذة عن المؤلف: 190
 
سلمتْ يداكَ يا د. إبراهيم على هذا البحث الهامّ القيّم... وأسأل الله كما دافعتَ عن دينه وكتابه أن يدفع عنك الشرور والبلايا, وأن يرزقك الجنة بغير حساب.
ووالله وددتُ بعد أن قرأتُ كل هذه المغالطات الأنثوية الغير موزونة في دين الله, بهذا التعدي السافر على ذات الإله سبحانه وتعالى, والتعدي على نبيه صلى الله عليه وسلم؛ كل هذا من أجل إثبات أن المرأة متساوية تماما مع الرجل, ضاربين في سبيل ذلك أدلة النقل وأبجديات العقل = ولقد وددتُ مع هذه المغالطات الفظيعة لو مُنعتْ المرأة من الكتابة في الدين؛ وأن يؤخذ على يدها غيرة على دين الله من ظهور أمثال هؤلاء المفكرات المثقفات!!
وحسبهن أن يتحدثن في مؤلفاتهن عن أمور الدنيا ... من ملبس ومأكل وحمل وولادة وموضة ورجيم وغير ذلك من الهموم الصغيرة التي يدرن في فلكها.
ولكن وجود هذه النماذج السيئة القاصرة الفهم لا يعني أن أظلم البقية
في عقولهن وفهمهن وحسن أدبهن مع الله وكتابه ورسوله ...
ولكن ماذا عساي أن أقول؟؟
وقد احترق قلبي من أقوالهن التي هي وحدها دليل ضدهن على أن المرأة أقل تفكيرا وعقلا من الرجل.
أسأل الله أن يسخر للدفاع عن دينه من النساء من هن صالحات عابدات طائعات لله ومحبات لدينه ورسوله عليه الصلاة والسلام.

وأشكر لك د. إبراهيم عوض حسن أدبك في الرد عليهن, وحسن انتقاءك للكلمات التي وإن لم تكن سببا في تغيير فكرهن إلا أنها قد تكون سببا في إقناع من خلفهن من النساء ببطلان ادعائتهن بالحجة والدليل البين.​

أسأل الله أن يسخرنا جميعا لخدمة دينه, وأن يجعلنا هداة مهتدين لاضالين ولا مضلين.​

وأنصح الجميع بقراءة هذا المقال ولو مجزئا على فترات مختلفة ... لما فيه من الفائدة.​
 
عادة ما أوثر عدم التعليق على ما يكتبه القراء والزملاء حول ما أنشره فى المنتديات المختلفة، رغبة فى إعطائهم الفرصة لكى يتحدثوا بحرية دون أن ينتظروا منى تعقيبا على ما يقولون سواء كان ما يكتبونه يحظى منى بالموافقة أو لا. ولهم فى الحالين الشكر الجزيل. وأحيانا ما يجدون فيما أكتب أشياء سهوت عنها أو أخطأت فيها فأقوم بتصويبها فى نسختى الكاتوبية التى أحتفظ بها عندى حتى إذا ما صدرت الدراسة فى كتاب كانت خالية من هذا السهو أو الخطإ، كالذى وقعت فيه ونبهنى إليه أحد الأصدقاء حين أشار إلى أنى كتبت اسم كتاب "زاد المعاد" فى ردى على رسالة عبد المسيح الكندى على أنه "زاد الميعاد" (بالياء) ونسبته إلى غير صاحبه. وواضح أنه سهو من جانبى، على الأقل لأن الكتاب كان بين يدىّ وأنا أكتب الدراسة المذكورة ونقلت منه بطريقة التظليل والنسخ والإلصاق ما نقلته، فمن الطبيعى ألا يكون هذا عن جهل باسم الكتاب أو باسم صاحبه ما دام اسماهما تحت بصرى وأنا أكتب، لا لأنى لا يمكن أن أكون جاهلا بل لأن عزوالخطإ فى شىء بين يدى وتحت بصرى إلى السهو هو الأمر الذى يسيق إلى المنطق. أما كلمة بنت إسكندرانى هذه فقد وجدت أنه لا بد أن أنتهزها لأثنى عليها وعلى حميتها وأسلوبها الجميل ومشاركتها الناشطة فى العلم ومنافستها الرجال بأكتاف قوية وعزيمة ثابتة ورغبة فى إحراز المعالى. ولكننى أقول لها فى ذات الوقت إن ما أخذته أنا وهى على السيدة بارلس لا ينبغى أن ننسبه إلى كونها امرأة، فأنت أيضا سيدة، ولكنك تغارين على دينك، كما أن كثيرا من الرجال المنتسبين إلى الإسلام يقولون فيه وفى نبيه ما قال مالك فى الخمر، فماذا نحن قائلون فى جنس الرجال؟ ولا تنسَىْ أننا الآن فى عصرٍ المسلمون فيه ضعفاء مهازيل حكاما ومحكومين، والفضاء الإعلامى مفتوح لكل من يريد أن يقول شيئا فتصل كلمته إلى أقصى الأرض فى التو واللحظة. كما أن أعداءنا متقدمون علينا فى كل شىء من أمور الدنيا، ومن بينها العلم، وهم يستغلون العلم فى التخطيط والمكر والتآمر علينا ملقين بفتات مما سرقوه أوامتلخوه عنوة منا لنفٍر من بنى جلدتنا ليصبحوا جندا من جندهم. والمرجو أن يكون المسلمون على مستوى هذه المعركة الجبارة. ونحن نحاول بما فى أيدينا من وسائل محدودة وضعيفة أن ننازل آلة الإعلام الغربية الرهيبة. وندعو الله سبحانه أن ينصرنا رغم محدودية وسائلنا وأدواتنا. ومرة أخرى أشكر السيدة بنت إسكندرانى شكرا جزيلا يكافئ اهتامامها وإخلاصها وحرارة قلبها ويقظة عقلها. إنه سميع مجيب. وفى الختام أرجو من الله الكريم الودود أن يغفر للعبد الضعيف تقصيره وزلاته وأن يتغمده هو والمسلمين جميعا بعفوه ورحمته
 
عودة
أعلى