الدكتور غانم قدوري الحمد تحيةٌ .. ورجاء

إنضم
27/04/2006
المشاركات
751
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
مكة المكرمة
[align=justify]بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة على رسول الله وعلى آله ومن والاه وبعد
شكر الله تعالى لكم سعيكم ووفقكم لما فيه خيركم وخير أمتكم ، ففي مثلكم يصحّ قول الشيخ المعريّ رحمه الله تعالى رحمةً واسعة يرثي أبا حمزة الجََبُّلي (قرية قرب واسط) الفقيه الحنفي:
[poem=font="Simplified Arabic,6,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
أنفقَ العُمر ناسِكاً يطلُبُ العِلْـ = ـمـَ بكشفٍ عن أصله وانتقادِ
وفقيهٍ أفكارُهُ شِدْنَ للنعــ = ـما ن(1) مالم يشِدهُ شعرُ زيادِ(2)
فالحجازيُّ بعده للعــــــراقيّْـ = ـيِ قليلُ الخلافِ سهلُ القيادِ[/poem]
(1) النعمان هو أبو حنيفة الفقيه رحمه الله.
(2) زياد هو ابن معاوية المعروف بالنابغة الذبياني .
[هكذا ينبغي وليس كما حرفها الناسخ المتعصب ضد الأحناف، وتبعه الطباع :فالعراقيّ بعده للحجازيّ، لأنه يكون قد نقض معناه]
ونسأل الله تعالى أن يمدّ في عمركم وأن ينفع بعلمكم.
أيها الأستاذ الجليل:
سعدنا بانتفاعكم من الدراسات الصوتية الحديثة ، وإغنائكم الدراسات التجويدية بها وعلى مثل دربكم ينبغي أن يسير طلبة العلم ،وبمثل صنيعكم أن يقتدوا..
فما ضرّ علماء التجويد والأصوات العربية أن يعدوا القاف والطاء مجهورين وأن تكتشف الدراسات الحديثة أنهما مهموسان، حين اتضح وبان مفهوم الجهر والهمس على نحوٍ لم يكن بمقدور الإنسان إتقانه وحذقُه من قبل.
لكني وجدتكم تقولون قولاً أقضَّ مضجعي أن يصدُر عن عالمٍ بمثل مكانتكم ، ولم تمرّ عليّ إلا (ليلة نابغية) منذ اطلعت على قولكم هذا في ملتقى أهل التفسير.
ذلكم رأيكم في قضية (نُطق الضاد) العربية.
حيث تردون قول سيبويه وكأنكم تقيسون "خطأ" القدماء في مسألة الجهر والهمس على مسألة(الشدة والرخاوة)، فتميلون مشايعة لمن حوّلت العُجمة أصواتهم من جمهور الشاميين والمصريين إلى أن الصواب في نطق الضاد هو (الشدةُ) لا (الرخاوة). فتريدونها أن تكون دالاً مفخمةً كما ينطقها جمهور القراء اليوم.
وكان حريًّا بكم أن تدعوهم إلى تصحيح نطقهم والعودة إلى ما أجمع عليه علماء العربية والقراءات من (رخاوة) الضاد واستمرار النفس معها دون انقطاع بدلاً من أن تدعوا إلى نبذ الإجماع وترجيح صحة (شدتها).
لكأنكم أيها الشيخ الجليل تقررون الحكمة الساخرة المتهكمة(خطأ شائع خيرٌ من صحيحٍ ضائع!!!) ، وما بمثل هذا ندين الله تعالى بل بضدّه.
وها أنا ذا أنسخ للإخوة القراء قولكم أستعديهم وأستنصرهم لما أعتقد جازماً أنه الحقّ على رأيكم الذي بان بطلانه، والذي أدعوكم أن تضربوا عنه صفحاً وتثنوا عنه عِطفاً ، فما يليقُ بمثلكم ارتكابه:
قال الدكتور غانم في قضية الضاد :
لكن إفراد الضاد بمخرج مستقل لم يعد يتوافق مع النطق المعاصر للصوت ومن ثم فإن القول إن عدد المخارج ستة عشر مخرجاً أو سبعة عشر لم يعد مقبولاً.
وتتلخص قضية صوت الضاد في أن تحديد سيبويه لمخرجه لم يعد يتطابق مع نطقه المعاصر ، كما أشرت ، فسيبويه يقول في مخرجه : " من بين أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس مخرج الضاد "([الكتاب4/433]) . ونقل علماء العربية وعلماء التجويد هذا التحديد لمخرج الضاد عن سيبويه ، وفعل ذلك المحدثون من المؤلفين في علم التجويد أيضاً . وعدَّ سيبويه الضاد من الأصوات الرخوة بالإضافة إلى كونها صوتاً مجهوراًً ، مُطْبَقاً ، مستطيلاً. ([الكتاب4/434-435]).

والضاد بهذه الصفات لم يعد لها وجود في النطق العربي الفصيح في زماننا ، لا في قراءة القرآن ، ولا في غيرها ، كما يقول علماء الأصوات المحدثون ، وقد تحولت إلى دال مطبقة في نطق كثير من العرب ، كما في بلاد الشام ومصر ، وهو المأخوذ به في قراءة القرآن أيضاً . وصارت على ألسنة آخرين من العرب صوتاً لا يختلف عن الظاء ، كما في العراق وبلدان الخليج العربي([ينظر : إبراهيم أنيس : الأصوات اللغوية ص 48 ، ويوسف الخليفة أبو بكر : أصوات القرآن ص 69 ، وحسام سعيد محمود النعيمي : أصوات العربية ص 50]).

ولم يخرج ما جاء في ( فن الترتيل وعلومه ) و ( المنير في أحكام التجويد ) في تحديد مخرج الضاد عن تحديد القدماء لمخرجه([ينظر : فن الترتيل 2/564 ، والمنير ص 107]).

وإذا أخذنا نطق مجيدي قراءة القرآن في زماننا لصوت الضاد بنظر الاعتبار فإن ذلك يستدعي إعادة النظر في طريقة تحديد مخرجه ، وأنّ تمسك مؤلفي كتب علم التجويد المعاصرين بعبارة سيبويه في تحديد مخرج الضاد لم يعد مناسباً ، وأن عليهم أن يفكروا في وصف جديد لمخرج هذا الصوت يتطابق مع نطقه الفعلي على ألسنة مجيدي القراءة .

والوصف المناسب للضاد اليوم هو : أنه صوت لِثَوِيٌّ ، شديدٌ ، مجهورٌ ، مُطْبَقٌ . فلم يعد مخرجه من الحافة ، كما حدده سيبويه ، وتحول من الرخاوة إلى الشدة ، كما أنه فقد صفة الاستطالة ، هذا هو الراجح في مسألة الضاد ، وقد يكون لبعض الدارسين وجهة نظر مغايرة ، لكن الدليل هو الذي يرجح الأقوال ، أو يردها([49ينظر : مناقشة الموضوع : أبحاث في علم التجويد ص 88- 92 ، وتفصيل قضية الضاد في المصدر نفسه ص 146- 166]).اهـ كلامه.
وأنا- العبد لله- قد أخذ مني البحث في صوت (الضاد) خمسة وعشرين عاماً ، ولم يكن من يُقرئوننا في المساجد مما يضبطونه أو يعبأون كثيراً في الخلاف فيه، وما نلومهم على ذلك، . وقد رأيت كثيراً ممن لديهم إجازات في القراءات السبع والعشر لا يضبطون نُطقه، ولا يميزون بين جهرٍ وهمس أو شدّةٍ أو او رخاوة بل يُقلدون كا عُلِّموا ، ولا نلومهم بعدُ.
لكني قد وجدت كثيرين يضبطونها أيضاً ويوافقون في نُطقهم أوصاف علماء النحو والقراءات ومنهم عراقيون موصليون،وسنغاليون ، وصوماليون، وهذا الملتقى المبارك قد بين لنا أن شيخاً أفغانيًّا جليلاً يضبطها كما ينبغي وهو يُقرئ في الحرم النبوي.
والذي استقرّ عليه استقرائي أن العراقيين وعرب الخليج والجزيرة لا يميزون بين الضاد والظاء فهم يرتكبون مع الضاد خطأً في المخرج ، على حين أن الشاميين والمصريين يجعلون الضاد دالاً مُفخمة فهم يرتكبون خطأً في الصفة.
وقد عرفت سبب شيوع طريقة المصريين والشاميين التي أيدها الدكتور غانم، ذلك أن بعض كتب الفقه تُشدد على وجوب (التفريق) بين الضاد والظاء. فانخدع الناس بالتفريق ظنا منهم أن التفريق مطلوب لنفسه. والصواب أن التفريق المطلوب هو التفريق الموافق للصواب، وليس مجرد التفريق، والذي يجعل الضاد شديدة كالدال المفخمة ويقطع معها النفس قد أخلّ بصفة أجمع اهل العلم والاختصاص على وجودها وهي الرخاوة.
وهكذا لا يكون الشاميون والمصريون أصحّ من العراقيين وعرب الخليج والجزيرة مطلقاً وإن كان هؤلاء مطالبين بضبط المخرج أيضاً ليحصل التفريق الطفيف.
وإلى ذلك أشار الشاعر الكبير معروف الرصافي في الردّ على الشاميين:

[poem=font="Simplified Arabic,6,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
قلْ للألى نطقوا بالضادِ مُدّغمــــاً = لم يدغم الضاد آباءٌ لكم فرطوا
قل لليعاريب قد هانت مكارمـــكم = حتى ادعاها أناسٌ كلهم نبـــطُ
أين المكارمُ إن هم أصبحوا عرباً = فإنها في طباع العربِ تُشترطُ[/poem]
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


[/align]
 
[align=justify]بسم الله الرحمن الرحيم

أخي الدكتور عبد الرحمن الصالح ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أما بعد فإني اطلعتُ على ما كتبتَ - بالحرف الكبير - حول ترجيحي نُطْقَ الضاد الجاري على ألسنة جمهور القُرَّاء في بلاد المسلمين الذين نسمع تلاواتهم صباحَ مساءَ ، فجزاك الله تعالى كل خير على اهتمامك وحرصك ، ونصحك لي بالتخلي عما ترجَّح عندي أنه أولى من غيره ، وتحسبه أنت باطلاً ، ودعوتِكَ لي إلى متابعة ما قرره علماؤنا السابقون حول نطق الضاد ، وأشكر أيضاً الأخ الدكتور عبد الرحمن الشهري الذي أعلمني بمشاركتك مع رغبته بالتعليق عليها ، وكنت متردداً في بادئ الأمر في الكتابة حول الموضوع ، ولكني عدت لقراءة المشاركة مرة ثانية وترجح عندي أهمية مناقشة بعض الأفكار المتعلقة بموضوع الضاد ، وقد لفتت نظري حماستك للدعوة إلى اعتماد نطق الضاد التي وصفها سيبويه في قراءة القرآن ، وتركِ الضاد التي ينطقها جمهور القراء في زماننا ، ولعل الجميع يشاركك هذا الشعور ، ولكن أين هو ذلك النطق ؟

وتواردت على ذهني بعض الملاحظات حول الموضوع ، من غير خوض في التفاصيل ، لأنها أوسع من أن تستوعب في مثل هذا المقام ، ولكني أشير إلى ما يتعلق بالمبادئ التي يجب أن تعتمد في دراسة الموضوع ، والقواعد التي يمكن أن نستند إليها في ترجيح صورة ما من صور نطق الضاد .

(1) وجدتكم تشككون في أداء قراء القرآن من المصريين والشاميين ومن تابعهم في نطقهم من قراء العالم الإسلامي ، وتنسبونهم إلى العُجْمَةِ ، وهذا ما صرحتم به في قولكم :

" فتميلون مشايعة لمن حوّلت العُجمة أصواتهم من جمهور الشاميين والمصريين إلى أن الصواب في نطق الضاد هو (الشدةُ) لا (الرخاوة). فتريدونها أن تكون دالاً مفخمةً كما ينطقها جمهور القراء اليوم".

وقلتم في موضع آخر من مشاركتكم :" وقد رأيت كثيراً ممن لديهم إجازات في القراءات السبع والعشر لا يضبطون نُطقه، ولا يميزون بين جهرٍ وهمس أو شدّةٍ أو رخاوة بل يُقلدون كما عُلِّموا ، ولا نلومهم بعد "ُ.

ولا يخفى عليكم أن قراء مصر والشام هم أعلى الناس إسناداً في القراءة ، وليس من السهولة تخطئتهم بناءً على دعاوى غير مسندة ولا مُتَيَقَّنَة ، وإذا كنا نشكك في ضبط أكثر أصحاب الإجازات في القراءة فعلى من سنعتمد في ضبط القراءة ؟! وقولك عنهم :إنهم "يقلدون كما علِّموا" ، هو المنهج الصحيح في تلقي القراءات ، وقد جاء في الأثر :" اقرؤوا كما عُلِّمْتُمْ ".

(2) لا نختلف في أن نطق جمهور القراء اليوم للضاد لا يتطابق مع وصف سيبويه ومن تابعه في ذلك من علماء السلف ، والقول : إن بعض القراء اليوم ينطق الضاد القديمة الرخوة التي وصفها سيبويه يحتاج إلى دراسة وتحقيق قبل القطع بأنه عين ذلك النطق القديم الذي يجب التحول إليه ، وأحسب أن مثل هذا الأمر لم يتحقق بعد ، فلم يتيسر لنا سماع ذلك النطق ، وهذه محطات التلاوة القرآنية تعمل ليل نهار ولم ألحظ في القراءات المقدمة فيها مثل ذلك النطق ، وأنا لا أنكر أنه بالإمكان تكلف نطق الضاد القديمة لمن يحاول ذلك ، لكننا لا يمكن الجزم أنه عين الضاد القديمة الرخوة الحافيَّة المجهورة المستطيلة ، مع ما في هذا الصوت المصنوع من غرابة وصعوبة تمنع من تعلمه وترداده بالسهولة المطلوبة في نطق القرآن ، ومن ثم فإن المسارعة إلى إطلاق الأحكام في هذا الموضوع الذي شغل العلماء قديماً وحديثاً قبل التحقق منه أمر لا يخلو من المجازفة غير المحمودة ، وإذا تحققنا من وجود من يروي الضاد القديمة بصورة لا تقبل الشك لزمنا المبادرة إلى تلقيها عنه واعتمادها في قراءتنا للقرآن الكريم .

(3) قد لا نختلف في الإقرار بأن هناك إشكالية تتعلق بنطق الضاد اليوم ، وبطريقة وصف الضاد في كتب تعليم التلاوة وكتب علم الأصوات ، والخروج من هذه الإشكاليات لا يتحقق بالدعوة التي أطلقتموها بقولكم :" وها أنا ذا أنسخ للإخوة القراء قولكم أستعديهم وأستنصرهم لما أعتقد جازماً أنه الحقّ على رأيكم الذي بان بطلانه، والذي أدعوكم أن تضربوا عنه صفحاً وتثنوا عنه عِطفاً ، فما يليقُ بمثلكم ارتكابه"، أقول : أثْبِتْ لنا أوَّلاً ما تعتقد جازماً أنه الحق حتى ندع ما تصفه بأنه باطل .

وأود أن ألفت نظركم ونظر القراء إلى أن الأمر لا يمكن أن يقرره شخص واحد أو مجموعة أشخاص ، وكنت قديماً قد دعوت إلى ضرورة التقاء ذوي الاختصاص والاهتمام بالموضوع للتباحث بشأنه وبلورة رأي يحظى بالإجماع حتى تتبناه المؤسسات العلمية و التعليمية ، ولكن لم يتحقق من ذلك شيء إلى الآن ، واكتفى المهتمون بالموضوع بالتحاور والتجادل على صفحات المواقع الإلكترونية ، و كثير مما كُتِبَ فيها يفتقر إلى المعرفة العلمية بالموضوع ، أو المنهجية في تناوله .

ولا أنكر أهمية الآراء الفردية في إنضاج الموضوع وبلورة موقف موحد حوله ، لكن ذلك لن يكون بديلاً عن عقد الندوات العلمية أو الحلقات النقاشية ، للوصول بالموضوع إلى نهايته المرجوة ، لطي صفحة الجدل حول الضاد التي طال أمدها .

(4) لا أجد ما يؤيد قولكم : إن سبب شيوع طريقة المصريين والشاميين في نطق الضاد ما ورد في بعض كتب الفقه من تشديد على وجوب التفريق بين الضاد والظاء ، فيبدو لي أن ذلك النطق عميق الجذور في مصر الشام ، ويجري على ألسنة العامة هناك من دون كلفة ولا مشقة .

(4) أرجو ألا يستنتج أخي الدكتور عبد الرحمن الصالح من كلامي هذا نزعة عتب أو سورة غضب ، وأنا أقدِّر له نصحي وتنبيهي إلى ما في هذا الموضوع من مزالق ومخاطر ، كنت أدرك بعضها ، فأحاول التأني في ما أكتب حول موضوع الضاد ، ونحن بشر نصيب ونخطئ ، والكمال لله وحده ، والعصمة لأنبيائه ، وأنا غير متمسك بما ترجح عندي إلى الآن ، إذا ثبت بالدليل ما هو أولى بالاتباع منه ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .[/align]
 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم

عندي تعليق بسيط فأقول وبالله التوفيق :

أليس الأولى أن نرجع إلى ما كان عليه القدامى رحمهم الله تعالى في مسألة الضاد ؟ بدل أن نغيّر صفاتها من الرخاوة إلى الشدة ؟ ألست القراءة سنة متبعة ؟ لا شكّ أنّ القدامى دوّنوا في كتبهم ما تلقوه عن مشايخهم بالسند المتصل إلى النبيّ عليه الصلاة والسلام ، فإن وقع خلل في المشافهة فلا بدّ من تصحيحه بالرجوع إلى النصوص التي لا تتغيّر مهما طال الأمد والزمان بخلاف المشافهة التي قد يعتريها شيء من التغيير مع مرّ الزمان. فالرجوع إلى النصوص هو الأولى من تغيير النصّ إلى المشافهة التي تغيّرت مع مرّ الزمان ، وقد قال النبيّ عليه الصلاة والسلام " من سنّ في الإسلام سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى قيام الساعة " ومن نطق بالضاد كما هي واردة في النصوص فلا شكّ أنّه من التجديد وإحياء سنة قد كادت تندثر هذا من جهة. والقول بأنّ الضاد القديمة قد اندثرت فيه نظر لعدّة أسباب :

أوّلاً : قد قرأت القرءان على الشيخ عبيد الله الإفغاني والشيخ محمد الطاهر الرحيمي الباكستاني بالضاد القديمة وقد أخبراني أنهما تلقيا ذلك عن مشايخهما بالسند.

ثانياً : هذا النطق هو الذي كان منتشراً عندنا في الجزائر وفي المغرب عموماً وهو النطق الذي كان متداولاً بين الخواصّ والعوام ومازالت مدارسنا القرءانية والتي تسمّى بالزواية تنطق الضاد الشبيهة بالظاء وقد أخبر الشيخ محمد طاهر أيت علجات أنّه تلقى هذه الضاد في جامعة الزيتونة وكذا الأساتذه التي دراسوا في الزيتونة في وقت الاستعمار الفرنسي وبه كان يتكلم علماؤنا وأدباؤنا ومنهم أعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين على رأسهم العلامة الشيخ البشير الإبراهيمي والشيخ بن باديس وغيرهم رحمهم الله تعالى.وما تغيّر هذا النطق إلاّ بعد دخول المصاحف المرتلة المصرية.

ثالثاً : قد استدرك العلماء على الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى في كثير من المسائل بسبب رجوعهم إلى أصول الشاطبية وهي الكتب التي ألّفها مشايخ الشاطبي في الإسناد ككتاب التيسير والتذكرة لابن غلبون وجامع بيان للداني وغيرها فتركوا ما تلقوه عن مشايخهم واتبعوا النصوص ، وهو الذي فعله العلامة الأزميري على ظاهر كتاب النشر لابن الجزري حيث استدرك عليه بالرجوع إلى أصول كتاب النشرفما وافق ظاهر النشر أخذ به وماخالف تركه وتبعه في ذلك المتولي والضباع وغيرهما. وقد استدرك العلامة المتولي على الأزميري بالرجوع إلى النصوص وهكذا. أقول : إن كان هؤلاء الأفذاذ خالفوا المشافهة واتبعوا النصوص فما الذي يمنع ذلك في مسألة الضاد ؟

رابعاً : من اطلع على النشر لابن الجزري يجد أنّه قد نسب كلّ وجه من أوجه القراءات والروايات إلى نصّ من النصوص وهذا السبب الذي حمله أن ينقل أسماء الكتب التي روى منها القراءات مع ذكر الأسانيد. وعلى هذا ، فإنّ المشافهة لا بدّ أن تكون مقرونةً بنصّ من النصوص. والمشافهة لوحدها لا تكفي كما سنبيّنه إن شاء الله.

خامساً : حتّى وإن سلمنا أن الضاد القديمة قد اندثرت ، فنطقها برخاوة شبيهة بالظاء أولى من نطقها دالاً أو طاءاً وما أشبه ذلك عملاً بأخفّ الضررين. فإن غيّر السابقون نطق الضاد الصحيح إلى النطق الخاطئ بالاجتهاد ، ألا يكون تغيير الخطأ إلى الصحيح أو إلى ما يقارب الصحيح من باب أولى.

ومن الأسف أن نغيّر صفة الرخاوة للضاد التي أجمع عليها القدامى قاطبة إلى الشدّة بدل أن نصحح النطق ونرجعه إلى أصله ومنبعه وهذا النهج هو الذي سار عليه المحققون وهو الرجوع إلى النصوص ، والآن نريد تغيير النصوص والصفات وهو معاكس لمنهج المحققين قديماً وحديثاً.

وقد ذكر أبو عمر الداني (ت444 ) في وقته قلّة المهرة من أهل الأداء حيث قال في مقدمة كتابه التحديد " أمّا بعد فقد حداني ما رأيته من إهمال قرّاء عصرنا ومقرئي دهرنا تجويد التلاوة وتحقيق القراءة ......" التحديد ص66. وقال القرطبي (ت461) " ولمّا رأيت من قرأة هذا الزمان وكثيراً من منتهيهم قد أغفلوا اصطلاح ألفاظهم من شوائب اللحن الخفيّ وأهملوا تصفيتها من كَدَرِهِ وتخلّصها من دَرَنِهِ....." الموضح ص54. أقول : إن كان المنتهي من القراء في ذلك الزمان قد وصِف بالغفلة والإهمال فمابالك اليوم ، وفي ذلك الزمان كان هذا العلم لا يؤخذ إلاّ بالمشافهة ولما كان التلقّى قد اعتراه شيء من النقص بالإهمال والغفلة قام الجهابذة كمكّي القيسي والداني والقرطبي والهمذاني وغيرهم رحم الله الجميع بتدوين هذا العلم لتصليح ألستنهم فكانت هذه النصوص سبب في أصلاح الكثير من اللحن الذي قد اعترى أهل الإقراء في تلك الأزمنة والأزمنة التي بعدها. فإن كانت هذه النصوص سبباً في أصلاح ألسنة أهل الإقراء في ذلك الزمان ألا يكون ذلك في زماننا من باب أولي ؟ إن كان القرّاء في ذلك الزمان قد اعرتهم الغفلة والإهمال ألا يكون ذلك في زماننا من باب أولى؟ وعلى هذا الأساس لا يمكن أن نعتمد على المشافهة مائة بالمائة لأجل ما سبق من البيان فكان لزاماً علينا أن نعرض ما تلقيّناه عن مشايخنا على نصوص أئمّتنا فما وافق أخذنا به وما خالف تركناه. ولأجل هذا كان النصّ مقدّماً على المشافهة.
وهذا مايؤيّده قول المرعشي رحمه الله تعالى حيث قال :" ....لكن لما طالت سلسلة الأداء تخلل أشياء من التحريفات في أداء أكثر شيوخ الأداء ، والشيخ الماهر الجامع بين الرواية والدراية المتفطّن لدقائق الخلل في المخارج والصفات أعزّ من الكبريت الأحمر ، فوجب علينا أن لا نعتمد على أداء شيوخنا كلّ الاعتماد ، بل نتامّل فيما أودعه العلماء في كتبهم من بيان المسائل هذا الفنّ ، ونفيس ما سمعنا من الشيوخ على ما اودع في الكتب ، فما وافق فهو الحقّ ، وما خالفه فالحق ما في الكتب. اه " بيان جهد المقل ص 18 في هامش جهد المقل تحقيق أبوعاصم حسن بن عباس بن قطب طبعة مؤسسة قرطبة.

وعلى ما تقدّم من البيان فأقول أنّ المشافهة هي الأصل ولكن هذا الأصل قد يعتريه شيء من تغيير مع مرّالزمان وما نشاهده اليوم من الخلاف في بعض المسائل التطبيقية أكبردليل على ذلك والكلّ يستتر بالمشافهة والسند مع أنّ المصدر واحدٌ ولأجل ذلك فإنّ النصّ مقدّم على المشافهة ولا عبرة بما تواتر عند القراء اليوم على حساب النصوص ، فالعبرة بما تواتر وأجمع عليه القدامى. والعلم عند الله.
ولا أريد أن يفهم من كلامي انعدام القراء المتقنين فقد قال النبيّ عليه الصلاة والسلام " لا تزال طائفة من أمّتي ظاهرين على الحقّ لا يضرّهم من خذلهم ". أقول لو بقىي سند واحدٌ للضاد القديمة لكفى ذلك لأنّ كلمة "طائفة" قد تطلق على الواحد.


وأخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين

محمد يحيى شريف الجزائري
 
بسم الله الرحمن الرحيم :
لى تعليق بسيط على التعليق البسيط :
كل ما ذكره الأخ محمد يحي الجزائري حفظنى الله وإياه فيه نظر :
1- ماذكره أولا وثانيأ لايمكن بحال من الأحوال أن يكون فيصلأفى المسألة لأسباب ،منها :أن هؤلاء المذكورين ليسوا عرباً أصلا ،وهذا ليس تقليلأ منهم وليس عنصرية ،معاذ الله تعالى ‘فلا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى، ولكن المسألة هي فى حرف العرب الأقحاح الذين هم أهل الفصاحة واللسان كان من ينطق هذا الحرف منهم يكون مبرزأ فيهم ،وهذا فى ذاك الزمان الذى هوهو والعرب هم هم
فما يدرينا عن هؤلاء الأفاضل كيف كان نطقهم للعربية ،وأقول مرة أخرى ليس هذا من العنصرية ولاالتقليل منهم ،ولكن لتستدل على نفي ما هو (مشهور ) حتى بلغ التواتريجب أن تكون أدلتك غير قابلة للطعن ،
2- أما ما ذكرت ثانيأ بخصوص استدراك العلماء على الشاطبى رحمه الله تعالى فلا شك عندى أن الحق معه دونهم في كثير من المسائل ،ولا أبالغ إذا قلت إن المتأخرين ممن يبالغ فى ما سموه (التحريرات ) بنوا مذهبهم هذا على منهج مضطرب منخرم فى كثير من مسائله ،وأيضا فتحوا باب الآجتهاد فى القراءة ،حتى رأينا ما كتبته أنت من أن كل واحد أصبح يستدرك على من جاء بعده ،والكلام فى هذه القضية لايسعه هذا المحل
3- أما قولك رابعاً :إن من اطلع على النشر 000الخ فابن الجزري رحمه الله لم يسند كل وجه من أوجه القراءات والروايات إلى نص من النصوص ،بل فيه كثير من المسائل هي من اختياراته وآرائه التى خالف فيها من سبقه
4- رغم كل ذلك نحتاج إلى دليل حسي يؤكد لنا أن النطق الذي اختاره هؤلاء المشايخ والعلماء الذين ذكرتهم هو النطق الذي كان ينطق به ابن الجزري والداني والعرب قبلهم ،
5- أتفق معك أن نطق الضاد دالا أو طاء خطأ أيأ كان فاعله ،ولكن الذي لاينطقه لادالا ولاطاء هل يجوز له نطقه ظاء ؟ ما هكذا القسمة يا أخى0
6- أما القول بلا عبرة بما تواتر عند القراء اليوم ‘فهذه طامة كبري تحتاج إلى نفس طويل فى البحث 0
والله من وراء القصد
 
ولي تعليقٌ بسيط على كلام الدكتور عبد الرحمن الصالح - وفقه الله - :
1- قلتم : "وقد رأيت كثيراً ممن لديهم إجازات في القراءات السبع والعشر لا يضبطون نُطقه، ولا يميزون بين جهرٍ وهمس أو شدّةٍ أو رخاوة بل يُقلدون كما عُلِّموا ، ولا نلومهم بعد "اهـ
أخي الكريم ألا ترى معي أن قولكم هذا فيه نوع من المبالغة! فهل يُعقل أن يجاز هؤلاء في السبع والعشر وهم لا يفرقون بين جهر وهمس أو شدة أو رخاوة!

أخي الكريم إن من شروط الإجازة أن يكون المُجَازُ مُلِمّا بمسائل علم التجويد وخاصة باب المخارج والصفات ، بل إن كثيرا من المقرئين يشترطون على طلابهم حفظ وفهم الجزرية كاملة.
أما قولكم : "بل يُقلدون كما عُلِّموا ، ولا نلومهم بعد " فإن الأصل في القراءة الاتباع كما ذكر فضيلة الشيخ د.غانم الحمد جزاه الله خيرا ، وقد رُوِيَ عن السلف أنّ " القراءة سنّة متبعة"
أي: يأخذها الآخر عن الأول أو اللاحق عن السابق.


2-قلتم: "فتميلون مشايعة لمن حوّلت العُجمة أصواتهم من جمهور الشاميين والمصريين إلى أن الصواب في نطق الضاد هو (الشدةُ) لا (الرخاوة). فتريدونها أن تكون دالاً مفخمةً كما ينطقها جمهور القراء اليوم"
لم يقل أحد بشدة الضاد! وإن وجد فلا قيمة لرأي يخالف ما أجمع عليه علماء التجويد وعلماء العربية قاطبة في كون هذا الحرف رخوا ليس بالشديد. ولم أجد في الكلام الذي نقلته عن شيخنا الفاضل الدكتور غانم الحمد ما يشير إلى أنّ الصواب هو شدة الضاد لا رخاوتها! بل كلام الشيخ - حفظه الله - في هذه المسألة العويصة واضحٌ كالشمس ، وفيه إشارة إلى أن صوت الضاد بصفاتها المذكورة في كتب التجويد والعربية لم يعد لها وجود في النطق العربي
الفصيح في زماننا ، وأن هذا الصوت قد تحول من الرخاوة إلى الشدة .

ولذا قال في تعقيبه عليكم: "وإذا تحققنا من وجود من يروي الضاد القديمة بصورة لا تقبل الشك لزمنا المبادرة إلى تلقيها عنه واعتمادها في قراءتنا للقرآن الكريم".
وقد بَيّنَ - حفظه الله - أنّ وصف علماء التجويد المعاصرين لهذا الحرف بالرخاوة لم يعد يتطابق مع نطق وأداء جمهور القراء اليوم ، ولي وقفة بسيطة هنا مع الشيخ - حفظه الله-.
أقول:لماذا لا يسافر الشيخ ليلتقي بكبار المقرئين المتقنين من أصحاب الأسانيد العالية في مصر (كالشيخ أحمد المعصراوي والشيخ عبد الحكيم عبد اللطيف والشيخ عبد الباسط هاشم والشيخ محمد عبدالحميد الإسكندري) والشام (كالشيخ بكري الطرابيشي والشيخ محيي الدين الكردي والشيخ كريم راجح والشيخ عبد الرزاق الحلبي والشيخ محمد سكر والشيخ خليل هبة) ويعرضُ عليهم رأيه ويسمع كذلك نطقهم لصوت الضاد بأذنيه من غير واسطة.
وهؤلاء الشيوخ المتقنين وغيرهم من أصحاب الأسانيد العالية هم المُعَوّل عليهم في حلّ هذه القضية التي طال الجدل حولها ، ولو حصل الإجماع منهم لسقطت آراء الآخرين ولما التفت إليها أحد.
والمصيبة أن كثيرا من المناقشين يدّعون قدسية آرائهم ويُغرِقون مخالفيهم بالشتائم والسباب!


ولعلي أعود لاحقا -إن سمح لي الوقت- للتعليق على بعض النقاط التي ذكرها الأستاذ محمد يحيى شريف.

وفق الله الجميع،،



 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم

لي تعقيب على ما ذكره الشيخ الجكني فأقول وبالله التوفيق

قولكم : " 1- ماذكره أولا وثانيأ لايمكن بحال من الأحوال أن يكون فيصلأفى المسألة لأسباب ،منها :أن هؤلاء المذكورين ليسوا عرباً أصلا ،وهذا ليس تقليلأ منهم وليس عنصرية ،معاذ الله تعالى ‘فلا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى، ولكن المسألة هي فى حرف العرب الأقحاح الذين هم أهل الفصاحة واللسان كان من ينطق هذا الحرف منهم يكون مبرزأ فيهم ،وهذا فى ذاك الزمان الذى هوهو والعرب هم هم
فما يدرينا عن هؤلاء الأفاضل كيف كان نطقهم للعربية ،وأقول مرة أخرى ليس هذا من العنصرية ولاالتقليل منهم ،ولكن لتستدل على نفي ما هو (مشهور ) حتى بلغ التواتريجب أن تكون أدلتك غير قابلة للطعن ،"

الجواب : ألا تعلم أنّ الأعاجم قد حملوا هذا العلم على أكتافهم خاصّة علم القراءات وهم علماء أصبهان وهمذان والأتراك والمغاربة والأندلسيين وغيرهم حتّى إمام النحو سيبويه فهو أعجميّ. إن كان نطق الأعجميّ يوافق نصوص الأئمّة عليهم رحمة الله تعالى أيؤاخذ على عجمته ؟ . ثانيا : هذا القول قال به الشيخ السيّد عامر عثمان شيخ عموم المقارئ المصرية والشيخ إبراهيم شحاته السمنودي والشيخ إبراهيم الشاعر شيخ قراء المسجد النبوي سابقاً ويقول به الكثير من علماء العرب ، فلماذا لا تردّ على هؤلاء ؟. ففي القرن الواحد العشرين ما نزلنا نتكلم عن العجمة مع أنّ في القرن الثالث جمع البخاري أصحّ كتاب بعد كتاب الله تعالى وهو أعجميّ. لو كنت تعرف منزلة الشيخ الأفغاني والباكستاني في العلوم العربية لما تسرّعت في الكلام.

قولكم : " 2- أما ما ذكرت ثانيأ بخصوص استدراك العلماء على الشاطبى رحمه الله تعالى فلا شك عندى أن الحق معه دونهم في كثير من المسائل ،ولا أبالغ إذا قلت إن المتأخرين ممن يبالغ فى ما سموه (التحريرات ) بنوا مذهبهم هذا على منهج مضطرب منخرم فى كثير من مسائله ،وأيضا فتحوا باب الآجتهاد فى القراءة ،حتى رأينا ما كتبته أنت من أن كل واحد أصبح يستدرك على من جاء بعده ،والكلام فى هذه القضية لايسعه هذا المحل "

الجواب : تسميتك للتحريرات منهج مضطرب يدلّ على عدم فهمكم لهذه الأمر لا من قريب ولا من بعيد وسأبيّن ذلك فأقول وبالله التوفيق :

أوّلاً : لقد أبطلت جميع ما قام به المحققون في القراءات من عهد ابن الجزري إلى يومنا هذا.

ثانياُ : لقد خالفت جهابذة الإقراء الذين يأخذون بهذه التحريرات كابن الجزري والمنصوري والأزميري والطباخ والميهي والخليجي والمتولي والضباع والشيخ عبد الفتاح القاضي والشيخ عامر والشيخ الزيات ومشايخ دمشق ومشايخ استنبول وحتى مشايخ الهند وباكستان ، لم ينقل عن هؤلاء الأفذاذ الاستهانة بهذه التحريرات.

رابعاً : هذه التحريرات ليست مبنية على الجتهاد بل هي مبنية على النصوص فقد يذكر ابن الجزري وجهاً في النشر وينسبه إلى إمام أو كتاب ، وعند الرجوع إلى الكتاب المخطوط نجد خلاف ما ذكر وهي قليلة جداً لأنّ الإنسان مجبورٌ على الوهم ، فيؤخذ بالأصل وهذا يعدّ من التحقيق والرجوع إلى النصوص كما فعل الشيخ غانم قدوري الحمد حفظه الله تعالى في مسائل التجويد وهذا النهج هو الذي سار عليه المحققون قديماً وحديثاً. وهذا الخلافات هي خلافات يكمّل بعضها بعضاً لا تمسّ قداسة القرءان حيث نقل إلينا من تلك النصوص بالتواتر الذي يفيد القطع. والاجتهاد لا يكون إلاّ في المسائل التي فيها غموض ولم يرد فيها نصّ كما ذكر ابن الجزري في نشره بخلاف التحريرات فأساسها النصوص. قال الشاطبي رحمه الله تعالى :
وما لقياس في القراءة مدخل.....فدونك ما فيه الرضا متكفلا.


قولكم : "3- أما قولك رابعاً :إن من اطلع على النشر 000الخ فابن الجزري رحمه الله لم يسند كل وجه من أوجه القراءات والروايات إلى نص من النصوص ،بل فيه كثير من المسائل هي من اختياراته وآرائه التى خالف فيها من سبقه "

الجواب : كلّ الأوجه المذكورة في النشر منبعها نصوص للقدامى ويستثنى من ذلك الترجيع في بعض المسائل الخلافية ، تقديم وجهٍ على آخر لقوّته قياساً ، الاجتهاد فيما لا نصّ فيه. أريد منك مثالاً حياً في مسألةٍ قد خالف فيها ابن الجزري جميع من سبقه على أساس اجتهادٍ محض. وأنا في اتنظار الجواب.

قولكم :" 4- رغم كل ذلك نحتاج إلى دليل حسي يؤكد لنا أن النطق الذي اختاره هؤلاء المشايخ والعلماء الذين ذكرتهم هو النطق الذي كان ينطق به ابن الجزري والداني والعرب قبلهم ،"

الجواب : النطق الذي قرأ به القدامى هو الموافق لما دوّنوه في كتبهم فيستحيل أن يخالف تطبيقهم تدوينهم إلاّ إذا اتهمناهم أنهم ما عبرّوا عن الكيفية التي تلقوها عن مشايخهم وحاشاهم رحمهم الله تعالى فالعيب فينا وليس فيهم فقد نقلوا لنا القرءان وعلومه على أحسن وجه رحمهم الله جميعاً.

قولكم : "5- أتفق معك أن نطق الضاد دالا أو طاء خطأ أيأ كان فاعله ،ولكن الذي لاينطقه لادالا ولاطاء هل يجوز له نطقه ظاء ؟ ما هكذا القسمة يا أخى"

الجواب : أقول نطقها ظاءاً خالصة أولى من نطقها دالاً أو طاءاً لأنّ الظاء هي أقرب الحروف إلى الضاد ولأجل ذلك أمر ابن الجزري بالتمييز فقال " ميّز من الظاء" وقال "إذا تلاقيا البيان لازم أنقض ظهرك " وقد أفرد الظاءات كما فعل الداني قبله لأجل التشابه والتقارب في السمع بين الحرفين ، فنطقها ظاءاً أولى عند عدم الاستطاعة عملاً بأخفّ الضررين وقد أفتي بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وابن كثير ومن المعاصرين الشيخ ابن باز والشيخ العثيمين والشيخ الألباني رحم الله الجميع ولم ينقل عن أحدٍ نطقها شبيهة بالدال أو الطاء.

قولكم : "6- أما القول بلا عبرة بما تواتر عند القراء اليوم ‘فهذه طامة كبري تحتاج إلى نفس طويل فى البحث "

الجواب : عندي سؤال : أيمكنك أن تحكم على شيء بأنّه متواتر وهو يخالف إجماع القدامى قاطبة ؟ ألا تعلم أنّ الضاد رخوة بإجماع العلماء قاطبة ؟ قد اختلف العلماء في بعض الصفات كصفة التفشي في الضاد مثلاُ ولكن لم يختلفوا في رخاوة الضاد ولم يجعلوها حتى من الصفات البينية أي بين الشدة والرخاوة. ألا تعلم أنّ القرءان قد وصلنا من العلماء الذين أجمعوا على رخاوة الضاد ؟ فكيف تستدلّ بالتواتر المخالف للذين نقلوا لنا القرءان ؟ أليس التواتر هو الذي تواتر جيلاً بعد جيلاً أي من جيل الصحابة والقرون المشهود لها بالخيرية ؟
ألم يدوّن القدامى ما تلقوه بالسند إلى الصحابة والتابعين ومن ضمن تلك التدوينات رخاوة الضاد.


أكتفى بهذا القدر وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

محمد يحيى شريف الجزائري
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى وسلام على عبده المصطفى وبعد :
فهذه وقفات – ولا أقول ردود – مع ما ذكره أخي الشيخ محمد الجزائري ، فأقول مخاطبا له ولغيره ممن يرى رأيه الخطير في جواز القراءة بحرف( الضاد شبيهة بالظاء) في كتاب الله تعالى :
أولا: أثبتوا لنا أن العرب وأئمة اللغة القدماء عندهم حرف سموه (ضاد شبيه بالظاء ) خاصة إذا علمنا أنهم ذكروا حروفاً هي خليط بين حرفين كإشمام الصاد الزاي وكالتسهيل في الهمزة ، أما هذا الذي (ابتكره غير العرب في حروف العرب فلا يلزم العرب أصلا ً ) والقضية لو أنها متعلقة بالتقول على العرب لكان منكراً فما بالك وأنها متعلقة بكتاب الله تعالى الذي به تصحح الألسنة لا العكس 0
ثانياً: قولكم "ألا تعلم أن الأعاجم قد حملوا العلم على أكتافهم 000ا" الخ ، فجوابه :
لا أحد يستطيع إنكار فضل ومكانة علماء الإسلام من غير العرب ،وما قدموه للإسلام والمسلمين في ذلك ، هذه ليست هي القضية المبحوثة هنا ، وذكرها هنا أعتبره خروجاً عن السياق الذي ذكرت أنا فيه ذلك :يا أخي ذكر غير العرب جاء في سياق للدلالة على أن القضية التي نتكلم فيها – وهي كيفية نطق حرف عربي لا يوجد على الأغلب إلا في لسان العرب – لا يحكم فيها على وجه الصواب إلا من لم يختلط لسانه بعجمة،وهذا معناه العربي القح الذي اختلط لسانه بعجمة ، فما بالك إذا كان الشخص أصلاً غير عربي المشأ والولادة ، فإذا كان العلماء يقفون من العربي المختلط لسانه بغير العربية موقف الحزم فكيف سيكون موقفهم من غيرهم ‘ هذا يا أخي هو السياق الذي جئت فيه بذكر غير العرب ،وليس ذلك بضائر غير العرب شيئاً ‘فرجاء لا تجير الكلام عن مقاصده 0
ثالثاً: قولك "لماذا لا أرد على الشيوخ عامر والسمنودي والشاعر " فقبل أن أجيبك أقول لك كلمة أرجو أن تكون واضحة ، وهي :
إن الرجل الوحيد الذي أمرني الله تعالى با تباعه ووعدني الجنة إن أطعته ونهاني عن مخالفته وتوعدني بالنار إن عصيته وخالفته هو سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم لا غيره مهما ومن كان ‘ فالله تعالى لم يأمرني باتباع غيره ولم ينهني عن معصية غيره ، هذا ما أدين الله تعالى به ، وليس معنى هذا التقليل من العلماء وإنكار فضلهم وحاجتنا إليهم فو الله لولا الله ثم العلماء ما تعلمنا ،ولكن تعلمنا لنرضي الله عز وجل لا لنرضيهم ،وتعجبني في هذا المقام عبارة الإمام ابن حزم رحمه الله في كتابه الإحكام :"وليس فضلهم – العلماء – بموجب قبول آرائهم ولا بمانع أن يهموا فيما قالوه بظنهم ،لكن فضلهم معفّ على كل خطأ كان منهم وراجح به ، وموجب تعظيمهم وحبهم 0انتهى
وأعود فأقول :يا أخي لم أرد على هؤلاء العلماء لسببين :
الأول : من أنا حتى أرد على هؤلاء،وأحمد الله تعالى الذي شغلني عن الرد على العلماء وتتبع عوراتهم العلمية ، فرحم الله امرءا عرف قدر نفسه 0
الثاني :لأني لم أجد لهم عبارات خطيرة مثل عباراتك ومنهجاً لا يسكت عليه مثل هذا المنهج الذي تدعو إليه أنت ومن وافقك على جواز القراءة بالضاد الشبيهة بالظاء ، فخذ عباراتك واتئد في النظر فيها واحكم بعد ذلك بما شئت:
1- "فنطقها برخاوة شبيهة بالظاء أولى من نطقها دالا00الخ"
وأقول : من الذي جعل ذلك أولى؟ وما سبب الأولية هنا؟
وأيضاً: إذا كانت القضية هي مجرد (إبدال ) فلماذا لا تبدلونه صاداً كما فعلت العرب ،أو تبدلونه لاماً كما فعلت العرب أيضاً ولاتصاله به أيضاً ،ولماذا لا تبدلونه ياء أو جيماً أو شيناً لاشتراكها معه في الحيز ،وعندما أبدلتموه (ظاء ) لماذا لم تبدلوه (ذالاً) ،ولماذا لا تبدلونه (طاء)لمشاركته له في الإطباق؟؟؟
وأقول : إن كلام العلماء في المخارج إنما هو على حسب الطبع لا التكلف (إبراز المعاني :4/303)
2- قلت :"وعلى هذا الأساس لا يمكن أن نعتمد على المشافهة مائة بالمائة فكان لزاما علينا أن نعرض ما تلقيناه عن مشايخنا على نصوص أئمتنا ولأجل هذا كان النص مقدماً على المشافهة "وقلت ناقلا كلام المرعشي رحمه الله تعالى ومؤيداً له لاستدلالك به :"فوجب علينا ألا يعتمد على أداء شيوخنا(تأمل )كل الاعتماد ،بل نتأمل فيما أودعه العلماء في كتبهم من بيان المسائل ونقيس (كذا ) ما سمعناه على ما أودع في الكتب " والرد بعد قليل 0
3- قلت :"إن المشافهة هي الأصل ولكن هذا الأصل قد يعتريه شيء من تغيير مع مر الزمن "وقلت :" النص مقدم على المشافهة ولعبرة بما تواتر عند القراء اليوم على حساب النصوص ،فالعبرة بما تواتر وأجمع عليه القدامى"0
الرد :
لا أملك إلا أن أقول لكل من يقرأ هذا الكلام : انظر وحلل هذه النصوص واقرأ ما بين سطورها لعلك تجد فيها ما لم أجده ، فما وجدت فيها غير منهج يحاول هدم شيء أساسي عند المسلمين تجاه كتاب ربهم وهو (التلقي من أفواه المشايخ )ويحاول عن قصد أو غير قصد أن يبدلهم بأخذ القرآن عن الصحف والكتب ، وهنا أترحم كثيراً على الإمام أبي العلاء الهمداني حينما نقل لنا نصوصاً بأسانيده تحذر مما يدعونا إليه الشيخ المرعشي والجزائري ،وهذه بعضا نقلتها للقراء من كتابه (التمهيد في علم التجويد بتحقيق د/غانم الحمد :
قال رحمه الله بسنده عن عروة بن الزبير : إن قراءة القرآن سنة من السنن ،فاقرؤوا كما أقرئتموه )ص244
وقال :"أحدثك عن رسول الله وتخبرني عن الصحف "
وقال :"لاتقرؤا القرآن على المصحفيين ولا تأخذوا العلم من الصحفيين "
وقال :"لا يفت الناس صحفي ولا يقرئهم مصحفي :247 واستوقفتني في هذا الكتاب قصة لها تعلق شديد بما نحن فيه رواها بسنده وهي : قرأ إمام بقوم سورة الحمد ،فقرأ (ولا الظالين ) بالظاء فرفسه رجل من خلفه ، فقال الإمام : آوّه ضهري ،بالضاد، فقال له الرجل : يا كذا وكذا ،خذ الضاد من ظهرك واجعلها في الضالين وأنت في عافية0انتهى :266
القرآن يا أخي لا يؤخذ إلا عن الشيوخ ، وأيضا : لماذا لاتريحوا أنفسكم وتختصروا الطريق وتأخذوا من الكتب مباشرة دون الرجوع إلى الشيوخ ،ولماذا تجعلون الكتب هي المصححة على النقل المتواتر ،فإذا كان قولكم أن المشافهة يعتريها تغيير مع مرور الزمن ‘فأثبتوا لنا أن الكتب تسلم من عوادي الزمن ‘ والإنصاف مطلوب 0
هذه عبارات ما وجدتها ولا مثلها عند هؤلاء العلماء حتى تسأل لماذا لا أرد عليهم 0
رابعاً:قلت :"ففي القرن الواحد والعشرين 0000الخ ،
أقول : ما يخص غير العرب بينت وجهة النظر من ذكره ، وأضف هنا : أليس من الغريب عندك – ولا أقصد شخصك الكريم وإنما أقصد من يقول هذا القول – أنك تحاكم العرب في حرف من حروفهم لغير العرب 0
خامساً :موضوع التحريرات :
استدللت علي من كلامي والرأي الذي طرحته عن منهج أهلها وأنه (مضطرب ) بعدم فهمي لهذا الأمر من قريب أو من بعيد ،وأجيبك :
اعلم يا أخي أن رأيي في ما تسموه ( التحريرات ) والله العلي العظيم لا أبتغي به رضا فلان أو غضب فلان ، وإنما أريد به وجه الله تعالى حفاظا على القرآن الكريم الذي أنزله الله تعالى للأمة كلها ،( وتفصيل ذلك ليس ذا محله )0
لكن يظهر لي أنك استعجلت بالحكم قبل أن تستفسر عن الدليل والعلة وغير ذلك مما يساعدك على الحكم – إن كان أصلاً يحق لك أو لغيرك الحكم علي أو على غيري ، لكن يخفف ذلك معرفتنا أننا في زمن ( السرعة ) و(الاستعجال ) خاصة في الحكم على كل من أتى بقول يخالف ما وجدنا عليه آباءنا ، وأقول :
نعم إن منهج المحررين فيما سموه (تحريرات ) منهج مضطرب مضطرب(مرتين) ،وإذا فتحت مجالا لهذا فا لعبد الضعيف على استعداد لبيان ذلك ، نبرأ إلى الله تعالى من قول ليس لنا عليه دليل 0
سادساً: أما القول بأني خالفت وأبطلت جميع ما قام به المحققون من عهد ابن الجزري إلى يومنا هذا،فأسألك سؤالا ولا تستعجل في الجواب عنه وهو : هل يوجد أصلا محقق في القراءات بعد ابن الجزري رحمه الله ، أما عندي فوالله لا يوجد ولا أستثني الإزميري ولا المتولي وهما قطبا هذا المسمي (تحريرات ) فضلاً عن غيرهما ، فكل من جاء بعد ابن الجزري فهو عالة عليه لم يخرج عنه ولا عن نشره 0والتفصيل في هذا يطول 0
والعجب أنك ذكرت ابن الجزري مع أن كتابه النشر ليس فيه ما في كتب التحريرات كالبدائع والروض وغيرها ،والعجب الثاني أنك ذكرت الشيخ القاضي وهو قد ألف رسالة ينكر فيها التحريرات ‘وادعاء أنه رجع عن رأيه هذا يحتاج إلى دليل ملموس خاصة وأنه ألفها وهو في الجامعة ألإسلامية أي بعد البدور والله أعلم 0
سابعاً : قولك بأن التحريرات ليست مبنية على الاجتهاد 00الخ ،قول يخالفه الواقع من اختلاف المؤلفين فيها فما يجوزه فلان يمنعه أو يضعفه فلان ،وباب الاستدراك فيها باب واسع لا أوسع منه إلا رحمة الله تعالى التي نسأله ألا يحرمنا ولا إياكم ولا المسلمين منها0
وأيضاً يا أخي لو رجعت إلى ما كتبت لوجدت أنك تناقض نفسك فمرة تقول فيها بالاجتهاد ومرة بالنص ،فتأمل 0
ثامناً: قولك : "النطق الذي قرأبه القدامى00الخ ،أقول:الطعن ليس فيما نقلوه عن مشايخهم وإنما نتكلم في (تعبيرهم ) عن كيفية نطقهم لذلك الحرف ،فالعبارة كثيرا ما تخون ، ولو قيل لشخص الآن صف لنا القراءة بالتسهيل مع الإدخال في نحو (ء أنذرتهم ) ما ذا سيقول وماذا سيقول الآخر وكل منهما طبق اللفظ على شيخه وأجازه لكن عبارة كل منهما قد لا تفي بالغرض ،فهذا شيء وذاك شيء 0
تاسعاً: أما ما يخص الفتوى التي نسبتها أنت للشيوخ ابن تيمية وابن باز وابن عثيمين رحمهم الله تعالى فالنفس منها في شيء ،لأني أنزه صغار طلاب العلم فضلاً عن هؤلاء الأئمة من تجويز إبدال حرف مكان حرف في القرآن الكريم ، وأيضا لعلم الناس بأن هؤلاء العلماء بالذات ما كانوا يخوضون في صغار مسائل العلم كمسألتنا هذه ،وكل علم يسأل عنه أهله0
وأختم الكلام بعبارة وجدتها للإمام الشنتمري "النكت في تفسير كتاب سبويه ":
" والضاد الضعيفة من لغة قوم ليس في أصل حروفهم ضاد ،فإذا احتاجوا لإلى التكلم بها في العربية اعتاصت عليهم فربما أخرجوها (ظاء) وذلك أنهم يخرجونها من طرف اللسان وأطراف الثنايا وربما تكلفوا لإخراجها من مخرج الضاد فلم يتأت لهم فخرجت بين الضاد والظاء انتهى 2/1245تحقيق د/زهير عبد المحسن0
هذا ما كتبته بيدي وسطرته بقلمي،فلئن كان صواباً فمن الله ،وإن كان غير ذلك فهو منى 0
الضعيف :د/السالم محمد محمود ( الجكني )
 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد

فضيلة الشيخ الدكتور السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أقول وبالله التوفيق :

ما تعرضتُ إلى مسألة العجمة إلاّ لردّكم لأقوال بعض العلماء الموثوقين في القراءة بسبب عجمتهم فالعبرة بالنص وما أجمع عليه القدامى الذين صرّحوا على التشابه بين الحرفين في السمع ولا داعي لنقل أقاويلهم لأنّها معلومة لدى الجميع. وأمّا الخلط بين الصاد والزاي فلا علاقة له بالبحث لأنّ هذا النطق نتج من حرفين اتفقا في المخرج بخلاف الضاد فنحن نتكلم عن التشابه والتشابه لا يكون بمعنى الخلط قد يتشابه الحرفان في السمع مع اختلافهم في المخرج والصفة بخلاف الخلط فهو خلطٌ بين حرفين للحصول على حرف مستقلّ في النطق الذي يشبه أصوله.
والضاد الصحيحة مستقلة لها مخرج وصفات قد انفردت بمخرجها وبصفة الاستطالة ومع كلّ هذا فقد وصفها القدامى بصراحة على أنّ لفظها يشبه لفظ الظاء وأجمعوا على رخاوتها وهو المدوّن في كتبهم وهو الذي تلقوه عن مشايخهم وقد اتفق علماء الأصوات على أنّ المنطوق به من حرف الضاد اليوم مخالف لأقاويل الذين نقلوا لنا هذا القرءان.
-------------------------------------------------------------
قولكم : " ثالثاً: قولك "لماذا لا أرد على الشيوخ عامر والسمنودي والشاعر " فقبل أن أجيبك أقول لك كلمة أرجو أن تكون واضحة ، وهي :
إن الرجل الوحيد الذي أمرني الله تعالى با تباعه ووعدني الجنة إن أطعته ونهاني عن مخالفته وتوعدني بالنار إن عصيته وخالفته هو سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم لا غيره مهما ومن كان ‘ فالله تعالى لم يأمرني باتباع غيره ولم ينهني عن معصية غيره ، هذا ما أدين الله تعالى به ، وليس معنى هذا التقليل من العلماء وإنكار فضلهم وحاجتنا إليهم فو الله لولا الله ثم العلماء ما تعلمنا ،ولكن تعلمنا لنرضي الله عز وجل لا لنرضيهم ،وتعجبني في هذا المقام عبارة الإمام ابن حزم رحمه الله في كتابه الإحكام :"وليس فضلهم – العلماء – بموجب قبول آرائهم ولا بمانع أن يهموا فيما قالوه بظنهم ،لكن فضلهم معفّ على كل خطأ كان منهم وراجح به ، وموجب تعظيمهم وحبهم 0انتهى "
----------------------------------------------------------
الجواب : لم أقل اتّبع الشيخ عامر رحمه الله بل أتكلم عن إجماع القدامى على رخاوة الضاد. الضاد رخوة بإجماع الأمّة والرخاوة هو جريان الصوت عند النطق بالحرف لضعف الاعتماد على المخرج ، فهل الصوت يجري في الضاد المنطوق بها اليوم هل هناك ضعف في الاعتماد على المخرج أم قوّة ، لماذا ألحّ ابن الجزري على التمييز بين الحرفين لو كانت هذه الضاد الشديدة صحيحة ؟ ما الذي حمل ابن الجزري أن يقول " إذا تلاقيا البيان لازم أنقض ظهرك يعض الظالم " ؟ ما الذي حمله وحمل من سبقه إلى إفراد الظاءات لو كان هذا النطق الذي نسمعه متواتراً في تلك العهود ؟ لماذا لم يتعرض ابن الجزري على القدامى الذين صرحوا على تشابه الحرفين في السمع ، ألا يدلّ عدم إنكاره لهذا التشابه إقراره بذلك ؟ قد وصف بعض القدامى الضاد بالتفشي والتفشي هو انتشار الصوت في الفم ، أهو كذلك في الضاد المسموعة اليوم ؟
لم يستطع لحدّ الآن واحدا من العلماء الردّ على أدلّة المرعشي وابن غانم المقدسي رحمهما الله تعالى وقد ذكر بعض العلماء أنّ إسماعيل الأزميري ردّ على المرعشي فأقول لهؤلاء أين هذا الردّ ؟ كيف تحكمون عليه بأنّه مفحم والكتاب لم يطبع ؟ لماذا لا تردون أنتم على أدلتهما ؟
ما اتستطاع واحدًٌ من العلماء أن يذكر دليلاً واحداً من النصوص المعتبرة على صحة هذا النطق المتدوال اليوم سوى أنّه عندما نقف على الضاد يحصل امتداد قليل في الصوت لأجل الاستطالة ويقولون أنّ هذا الامتداد هو الرخاوة ، وهذا دليل مردود لأنّهم يعتمدون على المخرج اعتماداً قوياً وهو مخالف لصفة الرخاوة التي تستلزم ضعف الاعتماد على المخرج.

- ذكرتُ جواز النطق بالظاء مكان الضاد عند عدم القدرة ، والضاد من أصعب الحروف حتى قال مكي في الرعاية في معنى كلامه " وقلّ من يقيمه من أهل الأداء" ولأجل هذا أجاز العلماء استعمال أحمهما مكان الآخر وهو مذهب الكثير من الفقهاء والأصوليين وأهل التفسير وهو ما ذهب إليه شيخ الإسلام وابن كثير والكبار المعاصرين كالشيخ بن باز والشيخ العثيمين والشيخ الألباني رحم الله الجميع ولم ينقل عن أحد من القدامى أو من المعاصرين اشتباه الضاد بالدال أو الطاء أو ما يقاربهما ولم يقل أحد بجواز استعمال الدال أو الطاء مكان الضاد. إذن فكلامي مبنيّ على الضرورة فقط لمن صعب عليه النطق بحرف الضاد وليس بقصد التعميم لأنّ أبدال الضاد ظاءاً مطلقاً هو مخالف لما ذكره العلماء قاطبة إذ لا بدّ من التمييز بينهما في الاستطالة والمخرج.

قولكم : وأقول : إن كلام العلماء في المخارج إنما هو على حسب الطبع لا التكلف (إبراز المعاني :4/303"
الجواب : ما دخل التكلف في هذه المسألة إن كانت الضاد رخوة بالسليقة والطبع ؟

------------------------------------------------------------
قولكم : " لا أملك إلا أن أقول لكل من يقرأ هذا الكلام : انظر وحلل هذه النصوص واقرأ ما بين سطورها لعلك تجد فيها ما لم أجده ، فما وجدت فيها غير منهج يحاول هدم شيء أساسي عند المسلمين تجاه كتاب ربهم وهو (التلقي من أفواه المشايخ )ويحاول عن قصد أو غير قصد أن يبدلهم بأخذ القرآن عن الصحف والكتب ، وهنا أترحم كثيراً على الإمام أبي العلاء الهمداني حينما نقل لنا نصوصاً بأسانيده تحذر مما يدعونا إليه الشيخ المرعشي والجزائري ،وهذه بعضا نقلتها للقراء من كتابه (التمهيد في علم التجويد بتحقيق د/غانم الحمد :
قال رحمه الله بسنده عن عروة بن الزبير : إن قراءة القرآن سنة من السنن ،فاقرؤوا كما أقرئتموه )ص244
وقال :"أحدثك عن رسول الله وتخبرني عن الصحف "
وقال :"لاتقرؤا القرآن على المصحفيين ولا تأخذوا العلم من الصحفيين "
وقال :"لا يفت الناس صحفي ولا يقرئهم مصحفي :247 واستوقفتني في هذا الكتاب قصة لها تعلق شديد بما نحن فيه رواها بسنده وهي : قرأ إمام بقوم سورة الحمد ،فقرأ (ولا الظالين ) بالظاء فرفسه رجل من خلفه ، فقال الإمام : آوّه ضهري ،بالضاد، فقال له الرجل : يا كذا وكذا ،خذ الضاد من ظهرك واجعلها في الضالين وأنت في عافية"انتهى :266
القرآن يا أخي لا يؤخذ إلا عن الشيوخ ، وأيضا : لماذا لاتريحوا أنفسكم وتختصروا الطريق وتأخذوا من الكتب مباشرة دون الرجوع إلى الشيوخ ،ولماذا تجعلون الكتب هي المصححة على النقل المتواتر ،فإذا كان قولكم أن المشافهة يعتريها تغيير مع مرور الزمن ‘فأثبتوا لنا أن الكتب تسلم من عوادي الزمن ‘ والإنصاف مطلوب"
هذه عبارات ما وجدتها ولا مثلها عند هؤلاء العلماء حتى تسأل لماذا لا أرد عليهم0"

الجواب : هل قلتُ أن القرءان تؤخذ من الصحف ؟ بل قلتُ : " فكان لزاماً علينا أن نعرض ما تلقيناه عن مشايخنا على نصوص أئمّتنا فما وافق أخذنا به وما خالف تركناه." فكلامي واضح وهو عرض المشافهة أي بعد ما يحصل التلقي من المشايخ نقارن ما تلقيناه على النصوص " فالمشافهة لا بدّ منها في كلّ الأحوال ومن لم يشافه المشايخ لا دخل له في بحثنا لا من قريب ولا من بعيد." وهو مراد الشيخ المرعشي لمن تأملّ كلامه جيّداً.
قولكم : " رابعاً:قلت :"ففي القرن الواحد والعشرين 0000الخ ،
أقول : ما يخص غير العرب بينت وجهة النظر من ذكره ، وأضف هنا : أليس من الغريب عندك – ولا أقصد شخصك الكريم وإنما أقصد من يقول هذا القول – أنك تحاكم العرب في حرف من حروفهم لغير العرب 0"

الجواب : هذه ليست محاكمة العرب إلى غيرهم بل هي محاكمة العرب إلى نصوصهم الذين أجمعوا عليها قديماً وماكان مطابقاً لما ذكره سيبويه وغير من أهل اللغة

قولكم " خامساً :موضوع التحريرات :
استدللت علي من كلامي والرأي الذي طرحته عن منهج أهلها وأنه (مضطرب ) بعدم فهمي لهذا الأمر من قريب أو من بعيد ،وأجيبك :
اعلم يا أخي أن رأيي في ما تسموه ( التحريرات ) والله العلي العظيم لا أبتغي به رضا فلان أو غضب فلان ، وإنما أريد به وجه الله تعالى حفاظا على القرآن الكريم الذي أنزله الله تعالى للأمة كلها ،( وتفصيل ذلك ليس ذا محله )0
لكن يظهر لي أنك استعجلت بالحكم قبل أن تستفسر عن الدليل والعلة وغير ذلك مما يساعدك على الحكم – إن كان أصلاً يحق لك أو لغيرك الحكم علي أو على غيري ، لكن يخفف ذلك معرفتنا أننا في زمن ( السرعة ) و(الاستعجال ) خاصة في الحكم على كل من أتى بقول يخالف ما وجدنا عليه آباءنا ، وأقول :
نعم إن منهج المحررين فيما سموه (تحريرات ) منهج مضطرب مضطرب(مرتين) ،وإذا فتحت مجالا لهذا فا لعبد الضعيف على استعداد لبيان ذلك ، نبرأ إلى الله تعالى من قول ليس لنا عليه دليل "

الجواب : كيف تخالف جميع القراء في هذه المسألة وتقول أنّ التحريرات منهح مضطرب. والعمل بالتحريرات هو الذي كان منذ القديم فلا يعرف عند القراء القراءة بتوسط البدل مع الفتح في ذوات الياء في رواية ورش من طريق الأزرق ولا بالهمز مع الإدغام الكبير للسوسي عن أبي عمرو وهكذا. ولم يرخصّ واحد من أهل الأداء الخلط بين الروايات والطرق وهو ما يسمى بالتلفيق ولم يُروى عن عاصم أنّه قرأ أو أقرأ ب"ملك يوم الدين" أي بغير ألف وإن قرأ بها أهل الحجاز لأنهّا لم تتواتر عنده مع علمه بتواترها عند غيره. ولم يُروى عن نافع أنّه قرأ أو أقرأ بالألف في "مالك يوم الدين " مع علمه بتواترها عند غيره وعلى هذا الأساس منع العلماء الخلط بين الروايات والقراءات والطرق اتباعاً لمنهج السلف. فعلم التحريرات قائم على هذا الأساس وجرى عليه العمل من عهد السلف والخلاف في التحريرات يدور بين مذهبين مذهب يعتمد على ظاهر كلام النشر لابن الجزري ومذهب يعتمد على نصوص أصول كتاب النشر فالكلّ يعتمد على المنصوص.
-------------------------------------------------------------
سادساً: أما القول بأني خالفت وأبطلت جميع ما قام به المحققون من عهد ابن الجزري إلى يومنا هذا،فأسألك سؤالا ولا تستعجل في الجواب عنه وهو : هل يوجد أصلا محقق في القراءات بعد ابن الجزري رحمه الله ، أما عندي فوالله لا يوجد ولا أستثني الإزميري ولا المتولي وهما قطبا هذا المسمي (تحريرات ) فضلاً عن غيرهما ، فكل من جاء بعد ابن الجزري فهو عالة عليه لم يخرج عنه ولا عن نشره 0والتفصيل في هذا يطول 0"
الجواب : لم تجب عن السؤال وأطلب من فضيلتكم التفصيل.
--------------------------------------------------------------
والعجب أنك ذكرت ابن الجزري مع أن كتابه النشر ليس فيه ما في كتب التحريرات كالبدائع والروض وغيرها ،والعجب الثاني أنك ذكرت الشيخ القاضي وهو قد ألف رسالة ينكر فيها التحريرات ‘وادعاء أنه رجع عن رأيه هذا يحتاج إلى دليل ملموس خاصة وأنه ألفها وهو في الجامعة ألإسلامية أي بعد البدور والله أعلم 0"
الجواب : معظم ما في كتاب النشر هو عبارة عن تحريرات وهو نسبة كلّ وجه إلى طريق من الطرق فقد أنكر الهمز مع الإدغام الكبير للسوسي وهذا من التحريرات. وأريد أن تنقل كلام الشيخ عبد الفتاح القاضي في ردّه على التحريرات حيث أنّ كتابه البدور الزاهرة مملوء بالتحريرات وبإمكاني أن أنقل لك مئات الأمثلة في التحريرات المذكورة في البدور الزاهرة والله الذي لا إله إلاّ هو."
--------------------------------------------------------------
قولك : سابعاً : قولك بأن التحريرات ليست مبنية على الاجتهاد 00الخ ،قول يخالفه الواقع من اختلاف المؤلفين فيها فما يجوزه فلان يمنعه أو يضعفه فلان ،وباب الاستدراك فيها باب واسع لا أوسع منه إلا رحمة الله تعالى التي نسأله ألا يحرمنا ولا إياكم ولا المسلمين منها0"
الجواب : كلّ هذه الخلافات مبنية على النصوص إمّا من ظاهر كلام النشر أو من أصول كتاب النشر ولا اجتهاد فيها وأطلب منك مثالاً واحداً على وجه أُخِذََ به على أساس اجتهادٍ محض. وأنا في انتظار ذلك.
-----------------------------------------------------------
قولكم : "وأيضاً يا أخي لو رجعت إلى ما كتبت لوجدت أنك تناقض نفسك فمرة تقول فيها بالاجتهاد ومرة بالنص ،فتأمل "
الجواب : أريد وضوحاً أكثر.
--------------------------------------------------------------

ثامناً: قولك : "النطق الذي قرأبه القدامى00الخ ،أقول:الطعن ليس فيما نقلوه عن مشايخهم وإنما نتكلم في (تعبيرهم ) عن كيفية نطقهم لذلك الحرف ،فالعبارة كثيرا ما تخون ، ولو قيل لشخص الآن صف لنا القراءة بالتسهيل مع الإدخال في نحو (ء أنذرتهم ) ما ذا سيقول وماذا سيقول الآخر وكل منهما طبق اللفظ على شيخه وأجازه لكن عبارة كل منهما قد لا تفي بالغرض ،فهذا شيء وذاك شيء 0
الجواب : نصوص الضاد محكمة لا احتمال فيها ولا خلاف فيها.
------------------------------------------------------------
تاسعاً: أما ما يخص الفتوى التي نسبتها أنت للشيوخ ابن تيمية وابن باز وابن عثيمين رحمهم الله تعالى فالنفس منها في شيء ،لأني أنزه صغار طلاب العلم فضلاً عن هؤلاء الأئمة من تجويز إبدال حرف مكان حرف في القرآن الكريم ، وأيضا لعلم الناس بأن هؤلاء العلماء بالذات ما كانوا يخوضون في صغار مسائل العلم كمسألتنا هذه ،وكل علم يسأل عنه أهله0
الجواب : فتلواهم موجوة في كتاب "تنبيه العباد إلى كيفية النطق بحرف الضاد " للشيخ العلامة عبيد الله الأفغاني رحمه الله تعالى.

قولكم : "وأختم الكلام بعبارة وجدتها للإمام الشنتمري "النكت في تفسير كتاب سبويه ":
" والضاد الضعيفة من لغة قوم ليس في أصل حروفهم ضاد ،فإذا احتاجوا لإلى التكلم بها في العربية اعتاصت عليهم فربما أخرجوها (ظاء) وذلك أنهم يخرجونها من طرف اللسان وأطراف الثنايا وربما تكلفوا لإخراجها من مخرج الضاد فلم يتأت لهم فخرجت بين الضاد والظاء انتهى 2/1245تحقيق د/زهير عبد المحسن0"
الجواب : هذا الكلام لا يدلّ على صحة الضاد المنطوق بها اليوم والسلام عليكم.
محمد يحيى شريف الجزائري
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي (حررنا ) من العبودية إلا له ، والصلاة والسلام على النبي المعصوم؛أقواله وأفعاله،ورضي الله عن الأزواج والآل والأصحاب ،ومن تبعهم إلى المآب وبعد :
أخي الشيخ محمد يحي شريف :
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته :
أرى أن بحثنا في (الضاد ) لن نصل فيه إلى أن يسلم أحدنا للآخر ، ولكن قبل أن أرفع القلم أحب أن ألخص ما عندي في هذه المداخلة والتعليق الذي تكرمتم به،فأقول والله الموفق :
1- قولك :" إلا لردكم أقوال العلماء الموثوقين في القراءة " لا حجة عندي لأي عالم مهما كان ومن كان يقول بجواز إبدال حرف مكان حرف في القرآن الكريم ، فالضاد ليس هو الظاء ،كما أن الظاء ليس هو الضاد ،مع أنه ليس من شرط العالم الموثوق به عدم الخطأ ومخالفة الصواب إما اجتهاداً وإما سهواً، وأيضاً ما قلته أنا ليس من عندي ولا من كيسي بل قول علماء أيضاً إن كانت المسألة هي قول العلماء 0
وأشكر لك قولك (بعض ) ولم تقل ( جميع ) مما يدل أن في المسألة قولاً قال به بعض العلماء الموثوق بهم ، مع أني في حاجة لمعرفة ضابط هذا (الوثوق ) ما هو ؟ ومن هو العالم الموثوق به هنا من العالم غير الموثوق به ؟؟؟
2- قلت َ:"التشابه لا يكون بمعنى الخلط 00الخ " وهذا تقول على العرب أيضاً في كلامهم ،وارجع إلى شرح القاموس، وأيضاً هل أدى القول بالضاد (الشبيهة بالظاء )إلا الخلط ؟
3- رأيتك سطرت كلاماً طويلاً في مسألة التشابه بين الضاد والظاء ،ومسألة إجماع العلماء على رخاوة الضاد ، وكأن أحداً ينكر ذلك ،بل وكأنه هو الموضوع المتنازع فيه ، وهذا كله خروج عن البحث ، الذي هو إبدال الضاد ظاء في القرآن الكريم ،وأن المتواتر عند القراء اليوم الذين أخذوا القرآن عن الشيوخ بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ضاد خطأ 0
4- سألت لماذا ألح ابن الجزري على التمييز بين الحرفين ؟ والجواب: لئلا يأتي من بعده ويقول بجواز إبدال أحدهما مكان الآخر ، ولولا ذلك لما كان لكلامه فائدة ،وكذلك ألفت الكتب في الفرق بين الحرفين 0
5- قلت :" لم يستطع لحد الآن واحداً(كذا ) من العلماء الرد على المرعشي وابن قاسم00
الجواب : أولاً هذا (تسرع ) في الحكم وعدم استقراء فيما ألف في المسألة ، وقد كفانا الشيخ عبد الرازق موسى ،وهو من كبار علماء القراءات المعاصرين وأحد أعضاء لجنة تصحيح المصحف في مجمع الملك فهد بالمدينة المنورة ،في كتابه (الفوائد التجويدية ) الرد على هذه المسألة برمتها ،وأضاف إليها ذكر الردود التي ألفت للرد على المرعشي ،وإليك بعض ذلك :
قال الشيخ عبد الرازق : كثر التشويش من بعض الناس الذين يدعون معرفة التجويد وينصرون النطق بالضاد شبيهة بالظاء في هذه الأيام ،ويجب علينا أن نرد هذا النطق دفاعاً عن القرآن الكريم 0ص:97
وقال أيضاً:أول من ادعى بأن النطق بالضاد كالظاء أو ممزوجة به ، ما نسب إلى الشيخ علي بن محمد بن غانم المقدسي (ت1004)،وقد ذكر الشيخ الضباع أن ابن غانم المذكور ألَّف رسالة في هيئة النطق بالضاد سماها " بغية المرتاد لتصحيح حرف الضاد" فرغ من تأليفها سنة(985)وأنه لما أعلنها ناقشه الشيخ شحادة اليمني بحضور عدد من القراء في وقته فتراجع ابن غانم عن قوله واعتذر بأنه لا يقول بامتزاج الضاد بالظاء وإنما يقول باختلاس الضاد ليضعف إطباقها وتخف قوتها0ص:105-106
وقال : ذكر الشيخ على المنصوري في كتابه "رد الإلحاد في النطق بالضاد "أن نسبة رسالة بغية المرتاد إلى المقدسي غير صحيحة وإنما نسبها إليه بعض المبتدعين وهي أحق أن تسمي "بغية الفساد بالابتداع بالضاد"انتهى
قال : ثم أتى الشيخ المرعشي (1150)فجدد دعوي الشيخ ابن غانم فألف "جهد المقل " يذكر فيه تحريف الضاد واشتباهها بالظاء في اللفظ والسمع ،فرد عليه الشيخ يوسف أفندي زادة في رسالة بين فيها أن الشيخ المرعشي استند على أقوال بعض من أصحابه بأن الضاد شبيهة بالظاء المعجمة وأنهما لا يفرق بينهما بحاسة السمع ،ففند الشيخ يوسف أقواله وأنها لا تثبت مدعى صاحبها 0
ثم قال الشيخ عبد الرازق : ولقد بذل علماء المسلمين في ذلك العصر الذي ظهرت فيه تلك الفتنة ما وسعهم لدحض تلك الدعوى الباطلة فقاموا بتصنيف عدة كتب للرد على من قال بذلك،ومن تلك المؤلفات :
1- رد الإلحاد في النطق بالضاد للمنصوري
2-الاقتصاد في النطق بالضاد لعبد الغني النابلسي
3- رسالتان للشيخ الحاج محمود ،وهما مخطوطتان ،إحداهما :"هداية الطلاب في النطق بالضاد على سبيل الصواب "وثانيهما" رسالة ضاد " وهما بدار الكتب المصرية برقم (119)
4-رسالة للشيخ الأزميري
5- رسالة الضاد وأحكامها للحافظ إسماعيل القونوي
6- رسالة الشيخ يوسف السابقة الذكر
7- رسالة لأحد تلاميذ الشيخ يوسف زادة
ثم قال : ثم يقول الشيخ الضباع في رسالته ص3 : أنه في سنة (1280)وصل لإلى الشيخ سليمان أفندي البروسوي وكان من نزلاء الأزهر نسخة من كل من (البغية ) و(جهد المقل ) فاغتر بهما ولخص منهما رسالة في الضاد وأخذ في نشرها حتى قامت فتنة عظيمة في الأزهر ،فقام الشيخ أحمد مقيبل واستفتى في أمره مفتي السادة المالكية وقتئذ فأفتى بضربه وحبسه ورفع أمره إلى الشيخ خليفة الصفتي شيخ المقاريء ووكيل الأزهر فاستحضره ومن تبعه واستتابهم فتابوا ورجعوا إلى الصواب 0ص:107-108
ثم أطال الشيخ عبد الرازق في الرد على القائلين بقول المرعشي وشبهتهم ، فليراجعه من أراده 0
ومن الفوائد في هذا الكتاب قول الشيخ رداً على من أجرى حديثاً مسجلاً على شريط كاسيت مع بعض الشيوخ يزعمون فيها أن النطق بالضاد ظاء أمر مجمع عليه ،ومنهم الشيخ إبراهيم السمنودي وسليمان إمام وغيرهم ، قال الشيخ :
وهذان العالمان – السمنودي وإمام – حضرنا عليهما وكنا نقضي معهما أغلب أوقاتنا في معهد القراءات وخارجه ،فلم نسمع أحداً منهم ينطق بهذه الضاد الظائية ولا أقرؤوا بها طلابهم وكما قال الشيخ إبراهيم شحاتة في هذه الأشرطة : إنه كان عضواً في لجنة الإشراف على تسجيل المصحف المرتل في مصر بصوت الشيخ الحصري ومعه الشيخ عامر السيد عثمان واقترحا على المسؤلين أن يكون التسجيل بالنطق بالضاد الظائية فقالوا لهما :اتركوا الأمر على ما هو عليه ،وقد رجع الشيخ السمنودي عن هذا القول ،ورجوعه مسجل بصوته عند الشيخ أيمن سويد بجدة،ولما سئل :هل قرأت بهذه الضاد المشوبة بالظاء ؟ قال : لا ،وإنما أخذتها من كتب النحو والأصوات 0انتهى ،ثم ذكر قصة عن الشيخ السباعي فلتراجع ،لاداعي لذكرها هنا 0
6- قلت :"ولأجل هذا أجاز العلماء استعمال أحدهما مكان الآخر وهو مذهب الكثير من الفقهاء والأصوليين وأهل التفسير وهو ما ذهب إليه شيخ الإسلام وابن كثير وابن باز وابن عثيمين والألباني "
فالجواب :ما للأصوليين ولأهل التفسير ولهذه المسألة؟ ليست هي من مسائلهم ،ثم الاقتصار على ذكر عدة شيوخ معينين في كل وقت وفي كل مسألة وكأن ليس عندك أقوال لعلماء غيرهم ،أو كأن أقوالهم واجب التسليم بها ،أفهم منه كأنك تريد وجوب إقناعي وغيري بما ذهبت وفهمته عنهم ، وإلا لماذا لا تذكر كلام ابن قدامة وهو إمام معتبر في المذهب الحنبلي ، ولماذا لا تذكر كلام النووي وهو إمام معتبر في المذهب الشافعي 000الخ
فهذه مسألة تؤخذ عن القراء أولاً ثم عن الفقهاء ،إذ كل علم إنما يؤخذ عن أهله ،ويجب علينا المحافظة على كبار العلماء كشيخ الإسلام وغيره فلا ندخله في كل جزئية وفي كل مسألة صغيرة من مسائل العلم فننصر به الخطأ الواضح للعيان ونجعل قوله هو الفصل في المسألة 0
7- وأما نسبة القول لابن باز وابن عثيمين رحمهما الله تعالى ،فالأول لم يزد على أنه ذكر نص كلام ابن كثير وصوبه ، وما لابن كثير رحمه الله تعالى وللفتوى ،والثاني إنما ذكر القولين في المسألة واختار أحدهما ،وأيا كان الأمر فلا يعدو صنيع العلماء المذكورين سوى (فتوى ) على رأيك وليس قضاء ،وشتان ما بينهما 0
8- قلت :" هل قلت إن القرآن يؤخذ من الصحف 000الخ " وأقول : إنما ألزمتك بكلامك ،فهذا الذي تلقيته عن شيوخك وتريد عرضه على الكتب ما هو ؟ ؟
9- أما مسألة ( المحاكمة ) التي أنكرتها أنت ، فقصدي منها أنك تبطل وتخطىء أهل القرآن في نطقهم بالضاد التي تلقوها شيخاً عن شيخ تبعا لشيخك وهو حفظه الله تعالى تبعاً لشيوخه –وهم كلهم غير عرب - ،ولو وقفت هنا لكان الأمر سهلاً ،ولكنك أنكرت تواتره وادعيت أن هذا التواتر أيضاً خطأ ،وطلبت الرجوع إلى الكتب التي اعتمدها شيخك واتبعته وجعلتها هي الفصل ولا عبرة بما خالفها ، وقبل الجواب أستشهد بقول القائل :
من يأخذ العلم عن شيخ مشافهة يك من الزيغ والتصحيف في حرم ومن يكن آخذا للعلم عن صحف فعلمه عند أهل العلم كالعدم وأقول هنا :
أنا أعذر شيخك وشيوخه في ما ذهبوا إليه من أن من لم يستطع نطق الضاد فلينطقه ظاء ‘لكن ليس على العموم لكل الناس ‘فهذا الكلام إنما هو لغير العرب ،يعني للبيئة التي نشأ فيها هؤلاء الشيوخ وأمثالها من البيئات غير العربية ، أما تعميمه والحكم به على كل المسلمين وادعاء أن القراء العرب الذين لم يتأثر لسانهم بعجمية ينطقون الضاد نطقاً غير صحيح فهذا شطط أيما شطط ،0
وهنا أستفسر : لنفرض أن رجلاً بلغ من العمر أربعين عاماً في تعلم قراءة القرآن الكريم وتعليمه في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عربي ولسانه عربي لم يتعلم لغة أخرى بعد أن قرأه على الشيوخ مسنداً وأجازوه بالإقراء ،وفي المقابل رجل مثله لكنه غير عربي ولسانه الأصلي غير عربي ، ثم جاء هذا الأخير وقال للأول إن نطقك لهذا الحرف – والذي هو أصلاً ليس في لغته – خطأ غير صحيح ، فما هو رأيك إن كنت متجرداً للحق ؟
يا أخي : القضية هي أنك جئت تبعاً لشيوخك وألزمت سيبويه وغيره من علماء اللغة بما لا يلزمهم ،وأدخلتم كلامهم في غير مقصده ،ثم طعنتم في رواية الملايين من قراء المسلمين على مر العصور وادعيتم عليهم بأنهم لا ينطقون الضاد نطقاً صحيحاً فيجب عليهم في المقابل اتباعكم في نطقكم الذي هو والله عندي تحريف لكلام الله تعالى ،وكأنكم حضرتم مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذتم عنه هذا النطق ، وحاشا لرسول الله عليه الصلاة والسلام من ذلك 0ولم تكتف بذلك بل جعلت المرجع هو إلى الكتب أو إلى الشيوخ (غير العرب )؟؟؟
10- موضوع التحريرات :
قلت يا أخي هنا كلاماً كثيراً جزم أنك (تسرعت ) فيه ولم تراجعه ‘ولكن سأركز على ما أري أن الخلاف معك فيه جوهري وليس لفظياً :
1- قلت :" كيف تخالف جميع القراء " أولا أثبت لي صحة هذا الإدعاء وهو أن (جميع القراء ) قالوا بالتحريرات 0
يا أخي هذا الكلام يقال لمن ليس له اطلاع على كتب القراءات ولم يسبر غورها ويسبح في بحرها بل في أعماق محيطها ، هذا هو الذي يمكن أن يلبس عليه بمثل هذا الكلام – سهواً أو خطأً- فكل من له أدنى معرفة بلغة العرب يفهم من كلمة (جميع ) كل من يصلح عليه إطلاق ذلك الوصف في كل زمان وكل مكان ،فهل هذا كذلك ؟؟
وأيضاً أثبت لنا أن علماء القراءات قبل أن يضع ابن الجزري كتابه (النشر )
وقلت :"العمل بالتحريرات هو الذي كان عليه العمل منذ القديم " وهنا أسأل : ما تحديد هذا القدم ؟فإنه يصدق على 1427 سنة كما يصدق على50 سنة وما بينهما وما تحتهما 0
وقلت :"لا يعرف عند القراء توسط البدل مع الفتح في ذوات الياء في رواية ورش من طريق الأزرق"وهذا لم أر أحداً سبقك إليه ،وكان الصواب أن تقول : لايقرأ لورش بذلك " وهذه هي عبارة المحررين عدم تجويزهم القراءة لا عدم معرفتهم ،وإلا من أين جاء بها الشاطبي وغيره 0
وقلت:"ولا بالهمز والإدغام الكبير للسوسي عن أبي عمرو " وهذا كسابقه ،فالوجه معروف والممنوع عند أهل التحريرات هو القراءة به لا المعرفة0
وقلت :"لم يرخص أحد من أهل الأداء الخلط بين الروايات والطرق 00الخ" هذا التعميم خطأ ،بل ابن الجزري نفسه قال به ضمناً عندما قال "نعيبه على أئمة القراءات العارفين باختلاف الروايات من وجه تساوي العلماء بالعوام لا من وجه أن ذلك مكروه أو حرام إذ كل من عند الله 00النشر:1/19
وقلت:"نافع وعاصم لم يقرآ بذلك " السبب ليس ما ذكرته ،بل لأنهما ما قرآ على شيوخهما به ،وليس لأن ذلك لم يتواتر عندهما ، لأن التواتر لم يكن في ذلك الوقت معلوما ً بل هو مصطلح مستحدث بعدهما ،ولأن القراءة عندهما وغيرهما سنة متبعة 0
2- وقلت :" اتباعاً لمنهج السلف " :
أقول : هذا المصطلح (منهج السلف ) ليس من مصطلحات القراءات ولا كتبها ؛فإقحامها هنا لا وجه له البتة لما قد يوحي للقارىء أن الخلاف إنما هو بين السلف ومن هو ليس على منهج السلف ،فهذا مصطلح (كلامي ) (عقدي ) له دلالات خطيرة من أهمها (تصنيف ) الناس و(تحجير )الآراء ،وفوق ذلك كله (تزكية )النفس ،فليس في كتب القراءات قديمها وحديثها (منهج السلف ) ولا ( منهج أهل السنة والجماعة ) ولا (منهج المخالفين ) ولا غير ذلك ،وإن وجدت فإنما هي دخيل ممن لا علاقة له بالقراءات وكتبها ،فيا حبذا المحافظة على المصطلحات العلمية الخاصة بكل علم
ثم : من المراد بالسلف ؟
الذي أعرفه ومتيقن منه أن السلف هو : النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته ،ومن بعد ذلك فكل بحسب قربه وبعده عنهم ،وعلى ذلك :إيت بنص واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أحد من الصحابة أنه قال بالتحريرات ،بمعنى أنه منع وجهاً لوجه أو بنى وجهاً لوجه، ثم نتنزل إلى القراء العشرة ونأخذ ورشاً كمثال ونقول : إيت بنص عن ورش أنه منع من تقليل ذات الياء على وجه قصر البدل ، ثم نتنزل قليلاً أيضاً إلى علماء القراءات قبل ابن الجزري ونقول :إيت بنص عن ابن مجاهد أو الداني أو مكي أو غيرهم منع وجهاً لوجه 0
يا أخي الكلام في التحريرات يحتاج إلى نفس طويل وبحث قائم على الاستقراء لا على التقليد والتسليم المطلق (لاجتهاد ) الشيوخ ، ورحم الله من قال : "العلماء مصدقون فيما ينقلون ،مبحوث معهم فيما قالوه باجتهادهم
3- قلت :الخلاف في التحريرات يدور بين مذهبين 00الخ " ألا ترى أنكم حجرتم واسعاً عندما جعلتم الاعتماد إنما هو على رجل واحد وكتاب واحد ، وهذا بسطه يحتاج إلى (تحرير )
4- أما طلبك بنقل كلام الشيخ القاضي فيكفى الآن أن أحيلك على كتابه في التحريرات لعدم وجوده الآن عندي ،وهو قد ألفه بعد البدور الزاهرة دون شك 0
هذا يا أخي ما أحببت قوله بعد أن فكرت أولاً بعدم الرد محافظة على الوقت ،لأن ما أذهب إليه في المسألتين : الضاد والتحريرات وضحته جلياً ،ولم تأت حفظك الله بدليل علمي ينقض ذلك ،كما أني قد أكون لم آت بدليل علمي على رأيك ينقض ما تقول ولكن :
عباراتنا شتى وحسنك واحد وكل إلى ذاك الجمال يشير
والله من وراء القصد
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد
أخي فضيلة الشيخ الدكتور ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
-------------------------------------------------------
قولكم : " أرى أن بحثنا في (الضاد ) لن نصل فيه إلى أن يسلم أحدنا للآخر ، ولكن قبل أن أرفع القلم أحب أن ألخص ما عندي في هذه المداخلة والتعليق الذي تكرمتم به،فأقول والله الموفق :
1- قولك :" إلا لردكم أقوال العلماء الموثوقين في القراءة " لا حجة عندي لأي عالم مهما كان ومن كان يقول بجواز إبدال حرف مكان حرف في القرآن الكريم ، فالضاد ليس هو الظاء ،كما أن الظاء ليس هو الضاد ،مع أنه ليس من شرط العالم الموثوق به عدم الخطأ ومخالفة الصواب إما اجتهاداً وإما سهواً، وأيضاً ما قلته أنا ليس من عندي ولا من كيسي بل قول علماء أيضاً إن كانت المسألة هي قول العلماء 0
وأشكر لك قولك (بعض ) ولم تقل ( جميع ) مما يدل أن في المسألة قولاً قال به بعض العلماء الموثوق بهم ، مع أني في حاجة لمعرفة ضابط هذا (الوثوق ) ما هو ؟ ومن هو العالم الموثوق به هنا من العالم غير الموثوق به ؟؟؟"

الجواب : يا فضيلة الشيخ نحن لا نقول بإبدال الضاد ظاءاً مطلقاً ومن قال بذلك فلاشكّ أنّه خرق لما اتفق عليه أهل الإقراء جميعاً وهو التمييز بينهما في المخرج والاستطالة ، وإنّما رخصّ أقول رخّص بعض العلماء استعمال أحدهما مكان الآخر عند عدم القدرة على التمييز بينهما في المخرج والاستطالة وقد قال تعالى { لا يكلف الله نفساً إلاّ وسعها } ولا يختلف اثنان على أنّ الظاء أقرب الحروف إلى الضاد ، وعند عدم القدرة على النطق بحرف الضاد فلا شك أنّه يجوز ضرورة إبدالها بأقرب الحروف إليها عملاً بأخف الضررين وليس على الإطلاق. وسبب ذلك أنّ الضاد من أصعب الحروف ونصوص القدامى تدلّ على ذلك فقد ذكر مكي القيسي في كتابه الرعاية أنّه قلّ من يقيم هذا الحرف من أهل الأداء وهو من علماء القرن الخامس زيادة على ذلك نصّ على التشابه في السمع بين الحرفين فقال رحمه الله " والضاد يشبه لفظها بلفظ الظاء" ولأجل ذلك قام العلماء بحصر الكلمات الظائية حتى تُميّز من الضاد وألحّ العلماء على التمييز بين الحرفين في السمع. ولا شكّ أنّه لوكان ما نسمعه اليوم من صوت الضاد صحيحاً لما حمل هؤلاء العلماء على هذا التصريح ؟ وللأسف أنّ بعض المحققين قال بأنّ نصّ مكي القيسي مصحّف ولا يطابق المخطوط ، ولكنّ الله يظهر الحقّ فقد حُققَ كتاب الرعاية مرّة أخرى ولم يختلف المحققون للكتاب في عبارة التشابه.
إذن فاتشابه لا يستلزم الخلط ، فإن أخرجت الضاد من حافة اللسان مع الأضراس العليا وأتيت بصفة الاستطالة وهو اعتماد حافّة للسان على الأضراس اعتماداً ضعيفاً بحيث يخرج الصوت ويجري جرياناً كلياً فيكون هذا النطق موافقا لأقاويل الأئمّة في الكتبهم وحينئذ يشبه صوتها صوت الظاء ضرورة كما صرّح بذلك الأئمّة عليهم رحمة الله ، فلا يقال في هذه الحالة خلط لأننا ميّزنا بين الحرفين مخرجاً واستطالة. أمّا الخلط فهو إخراج الضاد من طرف اللسان وبالتالي تزول صفة الاستطالة فيقع الخلط والتماثل وهذا الذي حذّر منه العلماء وأجازوه ضرورة. والعالم الموثوق به هو الذي يجمع بين الرواية والدراية . قال مكيّ القيسي في الرعاية "القرآء يتفاضلون في العلم بالتجويد : فمنهم من يعلمُه رواية وقياساً وتمييزاً فذلك الحاذق الفطن. ومنهم من يعرفه سماعاً وتقليداً ، فذلك الوهن الضعيف. لا يلبثُ أن يشكّ ويدخله التحريف والتصحيف إذ لم يبن على أصل ولا نقل عن فهم. فنقل القرءان فطنة ودرايةً أحسن منه سماعاً وروايةً. فالرواية لها نقلها ، والدراية لها ضبطها وعلمها. فإذا اجتمع للمقرئ النقل والفطنة والدراية وجبت له الإمامة وصحّت عليه القراءة. ( الرعاية ص90).
قال أبو عمرو الداني :" وقرّاء القرءان متفاضلون في العلم بالتجويد والمعرفة بالتحقيق ، فمنهم من يعلم ذلك قياساً وتمييزاً ، وهو الحاذق النبيه ، ومنهم من يعلمُهُ سماعاً وتقليداً ، وهو الغبيّ الفهيه ، والعلم فطنةً ودرايةً آكذ منه سماعاً وروايةً. وللدراية ضبطها وعلمها ، وللرواية نقلها وتعلّمها ، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم." التحديد ص67.
أقول : وهذا يدلّ على أفضلية علم الدراية وهو العلم بنصوص أهل الأداء على علم الرواية وهو المشافهة من المشايخ وذلك عند قولهم رحمهم الله " فنقل القرءان فطنةً ودراية أحسن منه سماعاً ورواية ".
قال المرعشي رحمه الله " وتجويد القرءان قد يحصّله الطالب بمشافهة الشيخ الموجود بدون معرفة مسائل هذا العلم ، بل المشافهة هي العمدة في تحصيله ، لكنّ بذلك العلم يسهل الأخذ بالمشافهة ، ويزيد به المهارة ويُصانُ به المأخوذ عن طريان الشكّ والتحريف كما صرّح به في الرعاية." جهد المقل ص110.
فالخلاصة أنّ العالم الموثوق بعلمه هو الذي يجمع بين الرواية والدراية أيّ بين المشافهة والنصوص ولا شكّ أنّ الضاد المنطوق بها اليوم تخالف نصوص الأئمّة بشهادة علماء الأصوات أنفسهم.
-------------------------------------------------------------

قولكم : 2- قلت َ:"التشابه لا يكون بمعنى الخلط 00الخ " وهذا تقول على العرب أيضاً في كلامهم ،وارجع إلى شرح القاموس، وأيضاً هل أدى القول بالضاد (الشبيهة بالظاء )إلا الخلط ؟

الجواب : التشابه لا يستلزم الخلط والدليل على ذلك أنّ العلماء صرحوا بتشابه الضاد والظاء في السمع وحذّروا في نفس الوقت الخلط بينهما وألحّوا على التمييز بينهما مع تشابههما في السمع. وأمّا الخلط فإنّه يستلزم المشابهة.
--------------------------------------------------------------
قولكم : "3- رأيتك سطرت كلاماً طويلاً في مسألة التشابه بين الضاد والظاء ،ومسألة إجماع العلماء على رخاوة الضاد ، وكأن أحداً ينكر ذلك ،بل وكأنه هو الموضوع المتنازع فيه ، وهذا كله خروج عن البحث ، الذي هو إبدال الضاد ظاء في القرآن الكريم ،وأن المتواتر عند القراء اليوم الذين أخذوا القرآن عن الشيوخ بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ضاد خطأ 0"

الجواب : إجماع القراء على رخاوة الضاد والتشابه بين الحرفين في السمع هو بيت القصيد لأنّ الرخاوة والتشابه بين الحرفين لا يتناسب مع النطق الحالي ، إلاّ أنّكم تريدون أن تنحرفوا بالمهمّ وهو مسألة الرخاوة والتشابه وتُميلون النقاش نحو الخلط وتعضّون على ذلك بالنواجد حيدة عن الجواب. وقد قلنا مراراً وتكراراً أننا لا نقول بإبدال الضاد ظاءاً إلاّ ضرورة.

---------------------------------------------------------------


قولكم : "4- سألت لماذا ألح ابن الجزري على التمييز بين الحرفين ؟ والجواب: لئلا يأتي من بعده ويقول بجواز إبدال أحدهما مكان الآخر ، ولولا ذلك لما كان لكلامه فائدة ،وكذلك ألفت الكتب في الفرق بين الحرفين "

الجواب : جوابك لا دليل عليه ، إذ لم يقل ذلك واحد من شراح الجزرية. إن كان كما تقولون فلماذا لم يصرّح بذلك في كتابه النشر ؟ أيعلم الغيب؟ كيف تترك القطع وتأخذ بالظنّ ؟ صرّح القدامى على رخاوة الضاد وعلى تشابهها مع الظاء في السمع فكيف تترك المحكم وتعامله كالمتشابه ؟
----------------------------------------------------------------
قولكم : "5- قلت :" لم يستطع لحد الآن واحداً(كذا ) من العلماء الرد على المرعشي وابن قاسم00
الجواب : أولاً هذا (تسرع ) في الحكم وعدم استقراء فيما ألف في المسألة ، وقد كفانا الشيخ عبد الرازق موسى ،وهو من كبار علماء القراءات المعاصرين وأحد أعضاء لجنة تصحيح المصحف في مجمع الملك فهد بالمدينة المنورة ،في كتابه (الفوائد التجويدية ) الرد على هذه المسألة برمتها ،وأضاف إليها ذكر الردود التي ألفت للرد على المرعشي ،وإليك بعض ذلك :
قال الشيخ عبد الرازق : كثر التشويش من بعض الناس الذين يدعون معرفة التجويد وينصرون النطق بالضاد شبيهة بالظاء في هذه الأيام ،ويجب علينا أن نرد هذا النطق دفاعاً عن القرآن الكريم 0ص:97
وقال أيضاً:أول من ادعى بأن النطق بالضاد كالظاء أو ممزوجة به ، ما نسب إلى الشيخ علي بن محمد بن غانم المقدسي (ت1004)،وقد ذكر الشيخ الضباع أن ابن غانم المذكور ألَّف رسالة في هيئة النطق بالضاد سماها " بغية المرتاد لتصحيح حرف الضاد" فرغ من تأليفها سنة(985)وأنه لما أعلنها ناقشه الشيخ شحادة اليمني بحضور عدد من القراء في وقته فتراجع ابن غانم عن قوله واعتذر بأنه لا يقول بامتزاج الضاد بالظاء وإنما يقول باختلاس الضاد ليضعف إطباقها وتخف قوتها0ص:105-106
وقال : ذكر الشيخ على المنصوري في كتابه "رد الإلحاد في النطق بالضاد "أن نسبة رسالة بغية المرتاد إلى المقدسي غير صحيحة وإنما نسبها إليه بعض المبتدعين وهي أحق أن تسمي "بغية الفساد بالابتداع بالضاد"انتهى
قال : ثم أتى الشيخ المرعشي (1150)فجدد دعوي الشيخ ابن غانم فألف "جهد المقل " يذكر فيه تحريف الضاد واشتباهها بالظاء في اللفظ والسمع ،فرد عليه الشيخ يوسف أفندي زادة في رسالة بين فيها أن الشيخ المرعشي استند على أقوال بعض من أصحابه بأن الضاد شبيهة بالظاء المعجمة وأنهما لا يفرق بينهما بحاسة السمع ،ففند الشيخ يوسف أقواله وأنها لا تثبت مدعى صاحبها 0
ثم قال الشيخ عبد الرازق : ولقد بذل علماء المسلمين في ذلك العصر الذي ظهرت فيه تلك الفتنة ما وسعهم لدحض تلك الدعوى الباطلة فقاموا بتصنيف عدة كتب للرد على من قال بذلك،ومن تلك المؤلفات :
1- رد الإلحاد في النطق بالضاد للمنصوري
2-الاقتصاد في النطق بالضاد لعبد الغني النابلسي
3- رسالتان للشيخ الحاج محمود ،وهما مخطوطتان ،إحداهما :"هداية الطلاب في النطق بالضاد على سبيل الصواب "وثانيهما" رسالة ضاد " وهما بدار الكتب المصرية برقم (119)
4-رسالة للشيخ الأزميري
5- رسالة الضاد وأحكامها للحافظ إسماعيل القونوي
6- رسالة الشيخ يوسف السابقة الذكر
7- رسالة لأحد تلاميذ الشيخ يوسف زادة
ثم قال : ثم يقول الشيخ الضباع في رسالته ص3 : أنه في سنة (1280)وصل لإلى الشيخ سليمان أفندي البروسوي وكان من نزلاء الأزهر نسخة من كل من (البغية ) و(جهد المقل ) فاغتر بهما ولخص منهما رسالة في الضاد وأخذ في نشرها حتى قامت فتنة عظيمة في الأزهر ،فقام الشيخ أحمد مقيبل واستفتى في أمره مفتي السادة المالكية وقتئذ فأفتى بضربه وحبسه ورفع أمره إلى الشيخ خليفة الصفتي شيخ المقاريء ووكيل الأزهر فاستحضره ومن تبعه واستتابهم فتابوا ورجعوا إلى الصواب 0ص:107-108
ثم أطال الشيخ عبد الرازق في الرد على القائلين بقول المرعشي وشبهتهم ، فليراجعه من أراده 0
ومن الفوائد في هذا الكتاب قول الشيخ رداً على من أجرى حديثاً مسجلاً على شريط كاسيت مع بعض الشيوخ يزعمون فيها أن النطق بالضاد ظاء أمر مجمع عليه ،ومنهم الشيخ إبراهيم السمنودي وسليمان إمام وغيرهم ، قال الشيخ :
وهذان العالمان – السمنودي وإمام – حضرنا عليهما وكنا نقضي معهما أغلب أوقاتنا في معهد القراءات وخارجه ،فلم نسمع أحداً منهم ينطق بهذه الضاد الظائية ولا أقرؤوا بها طلابهم وكما قال الشيخ إبراهيم شحاتة في هذه الأشرطة : إنه كان عضواً في لجنة الإشراف على تسجيل المصحف المرتل في مصر بصوت الشيخ الحصري ومعه الشيخ عامر السيد عثمان واقترحا على المسؤلين أن يكون التسجيل بالنطق بالضاد الظائية فقالوا لهما :اتركوا الأمر على ما هو عليه ،وقد رجع الشيخ السمنودي عن هذا القول ،ورجوعه مسجل بصوته عند الشيخ أيمن سويد بجدة،ولما سئل :هل قرأت بهذه الضاد المشوبة بالظاء ؟ قال : لا ،وإنما أخذتها من كتب النحو والأصوات 0انتهى ،ثم ذكر قصة عن الشيخ السباعي فلتراجع ،لاداعي لذكرها هنا 0"

الجواب : ما قلتُه ليس من التسرّع بل العكس وسأبيّن لك ذلك فانتبه جيّداً :
أوّلاً : لم يقم الشيخ عبد الرازق حفظه الله تعالى بالردّ على أدلّة ابن غانم المقدسي والمرعشي رحمهما الله تعالى ، وأقصد بالردّ أي الردّ على أدلتهما دليلاً دليلاً مع أنّ أدلتهما في متناول الجميع. وأطالبك أن تنقل ردّه على أدلتهما دليلاً دليلاً إن وُجد.
ثانياً : هناك فرق كبير بين نقل أسماء الكتب التي ردّت على المقدسي والمرعشي وبين الردّ على أدلتهما.
ثالثاً : لماذا لم تطبع هذه الكتب التي تردّ عليهما ؟ نريد أن نطلع عليها. آطّلعت عليها ؟ آطّلع عليها الشيخ عبد الرازق ؟ آطلع عليها الذين حكموا على أنّ هذه الكتب أفحمت المرعشي والمقدسي ؟ إن كانت هذه الكتب مفحمة حقيقة فلماذا لم تنشر لنطلع عليها ؟ هؤلاء العلماء الذين ينقلون هذه الأقوال لماذا لا يقومون هم بالردّ على أدلتهما ؟ فنقلهم لأسماء هذه الكتب دلالة على عجزهم للردّ على أدلتهما إذ لو استطاعوا لم يكن ثمّة سبباً لنقل أسماء تلك الكتب.
رابعاً : عندما استتيب الشيخ سليمان أفندي البروسيوي فتاب ورجع. أقول دعونا من هذا الكلام نريد أن نعرف ما هي الأدلّة التي جعلته يتوب ، نحن نريد نسخة من هذا المحضر ، نحن نريد الملموس كفانا من الكلام الذي لا يسمن ولا يغني من جوع مع كلّ احتراماتي لفضيلة الشيخ. لعلّه تاب خوفاً أو درءاً للفتنة وهذا احتمالٌ معتبرٌ ، إذ لو نُقل لنا المحضر والأدلّة التي جعلته يتوب وكانت هذه الأدلّة مفحمة لا رادّ لها لتبنا جميعاً ولكن هيهات.
وعلى هذا أؤكد على أنّه لم أر لحدّ الآن من ردّ على أدلتهما رداً مفحماً ومن رءى غير ذلك فإننا نطالبه بنقل الردّ دليلاً دليلاً.

-----------------------------------------------------------
قولكم "فالجواب :ما للأصوليين ولأهل التفسير ولهذه المسألة؟ ليست هي من مسائلهم ،ثم الاقتصار على ذكر عدة شيوخ معينين في كل وقت وفي كل مسألة وكأن ليس عندك أقوال لعلماء غيرهم ،أو كأن أقوالهم واجب التسليم بها ،أفهم منه كأنك تريد وجوب إقناعي وغيري بما ذهبت وفهمته عنهم ، وإلا لماذا لا تذكر كلام ابن قدامة وهو إمام معتبر في المذهب الحنبلي ، ولماذا لا تذكر كلام النووي وهو إمام معتبر في المذهب الشافعي 000الخ
فهذه مسألة تؤخذ عن القراء أولاً ثم عن الفقهاء ،إذ كل علم إنما يؤخذ عن أهله ،ويجب علينا المحافظة على كبار العلماء كشيخ الإسلام وغيره فلا ندخله في كل جزئية وفي كل مسألة صغيرة من مسائل العلم فننصر به الخطأ الواضح للعيان ونجعل قوله هو الفصل في المسألة 0"

الجواب : إن كانت مسألة الضاد داخلة في أحكام التكليف من جواز أو تحريم أو غير ذلك فلا شكّ أنّ للفقهاء والأصوليين نصيب في هذه المسألة لتعلّقها ببطلان الصلاة ، والمشكلة ليست في الجواز والتحريم لأنّ العلماء الذين أجازوا الخلط بين الحرفين ضرورة لا شكّ أنهم يعلمون أن الحرفين متشابهان في السمع ويعلمون أنّ التمييز بينهما صعب خاصّة عند دخول الأعاجم في الإسلام ولأجل هذا التقارب والتشابه رخصوا في جواز استعمال أحدهما مكان الآخر ضرورة ولو كانت الضاد المنطوق بها اليوم صحيحة فما الذي حملهم على هذا الترخيص ؟ فهذا هو الشاهد ، وهذا هو بيت القصيد ، زيادة على ذلك أنّ ترخيصهم منوط بتشابه الحرفين في السمع وإجماع القدامى على رخاوة الضاد كما ذكر علماء التجويد والقراءات ، فماذا بعد الحقّ إلا الضلال. إذن فإن مناط الحكم في الترخيص موافق لما ذكره أهل الأداء قاطبة فليس ثمّ تعارض خاصّة إذا كانت الفتوى مبتية على الضرورة والرخصة.
---------------------------------------------------------
قولكم : "7- وأما نسبة القول لابن باز وابن عثيمين رحمهما الله تعالى ،فالأول لم يزد على أنه ذكر نص كلام ابن كثير وصوبه ، وما لابن كثير رحمه الله تعالى وللفتوى ،والثاني إنما ذكر القولين في المسألة واختار أحدهما ،وأيا كان الأمر فلا يعدو صنيع العلماء المذكورين سوى (فتوى ) على رأيك وليس قضاء ،وشتان ما بينهما "
الجواب : لماذا كان الترخيص بين الضاد والظاء فقط ولم يُرخّص في غيرهما ؟ أرجوا الجواب.
---------------------------------------------------------
قولكم : "8- قلت :" هل قلت إن القرآن يؤخذ من الصحف 000الخ " وأقول : إنما ألزمتك بكلامك ،فهذا الذي تلقيته عن شيوخك وتريد عرضه على الكتب ما هو ؟ ؟"

الجواب : نعم أقولها وأكررها وإنّي أعرف ما أقول جيّداً يا فضيلة الشيخ ، فلذلك قال مكي والداني كما سبق " قالعلم فطنة ودراية أكثر منه سماعاً ورواية " وكلام المرعشي صريح في ذلك أيضاً.
--------------------------------------------------------------
قولكم "9- أما مسألة ( المحاكمة ) التي أنكرتها أنت ، فقصدي منها أنك تبطل وتخطىء أهل القرآن في نطقهم بالضاد التي تلقوها شيخاً عن شيخ تبعا لشيخك وهو حفظه الله تعالى تبعاً لشيوخه –وهم كلهم غير عرب - ،ولو وقفت هنا لكان الأمر سهلاً ،ولكنك أنكرت تواتره وادعيت أن هذا التواتر أيضاً خطأ ،وطلبت الرجوع إلى الكتب التي اعتمدها شيخك واتبعته وجعلتها هي الفصل ولا عبرة بما خالفها ، وقبل الجواب أستشهد بقول القائل :
من يأخذ العلم عن شيخ مشافهة يك من الزيغ والتصحيف في حرم ومن يكن آخذا للعلم عن صحف فعلمه عند أهل العلم كالعدم وأقول هنا :
أنا أعذر شيخك وشيوخه في ما ذهبوا إليه من أن من لم يستطع نطق الضاد فلينطقه ظاء ‘لكن ليس على العموم لكل الناس ‘فهذا الكلام إنما هو لغير العرب ،يعني للبيئة التي نشأ فيها هؤلاء الشيوخ وأمثالها من البيئات غير العربية ، أما تعميمه والحكم به على كل المسلمين وادعاء أن القراء العرب الذين لم يتأثر لسانهم بعجمية ينطقون الضاد نطقاً غير صحيح فهذا شطط أيما شطط ،0
وهنا أستفسر : لنفرض أن رجلاً بلغ من العمر أربعين عاماً في تعلم قراءة القرآن الكريم وتعليمه في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عربي ولسانه عربي لم يتعلم لغة أخرى بعد أن قرأه على الشيوخ مسنداً وأجازوه بالإقراء ،وفي المقابل رجل مثله لكنه غير عربي ولسانه الأصلي غير عربي ، ثم جاء هذا الأخير وقال للأول إن نطقك لهذا الحرف – والذي هو أصلاً ليس في لغته – خطأ غير صحيح ، فما هو رأيك إن كنت متجرداً للحق ؟
يا أخي : القضية هي أنك جئت تبعاً لشيوخك وألزمت سيبويه وغيره من علماء اللغة بما لا يلزمهم ،وأدخلتم كلامهم في غير مقصده ،ثم طعنتم في رواية الملايين من قراء المسلمين على مر العصور وادعيتم عليهم بأنهم لا ينطقون الضاد نطقاً صحيحاً فيجب عليهم في المقابل اتباعكم في نطقكم الذي هو والله عندي تحريف لكلام الله تعالى ،وكأنكم حضرتم مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذتم عنه هذا النطق ، وحاشا لرسول الله عليه الصلاة والسلام من ذلك 0ولم تكتف بذلك بل جعلت المرجع هو إلى الكتب أو إلى الشيوخ (غير العرب )؟؟؟

الجواب : التحاكم يكون إلى نصوص أئمّنتا الذين نقلوا لنا هذا العلم والنصّ لا يتغيّر مهما طال الزمن فالعلم فطنة ودراية أكثر منه سماعاً ورواية ، وتدري جيّداً من قال هذا الكلام ، فالحقّ ما وافق النصّ لأنّ النصّ يعبّر عن الكيفية التي تلقاها القدامى بأسانيدهم والذين كانوا أقرب الناس بالقرون المشهود لها بالخيرية ، فالعبرة بالنصّ بعض النظر عن القائل في كونه عربيّ أم أعجميّ. أمّا قول القائل :
من يأخذ العلم عن شيخ مشافهة يك من الزيغ والتصحيف في حرم ومن يكن آخذا للعلم عن صحف فعلمه عند أهل العلم كالعدم. قالجواب : كيف تلقّى القدامى الضاد ؟ فإن تلقوها رخوة تشبه الظاء كما وصفوها فيكون قول الشاعر تأكيداً لذلك. وأمّا إن تلقوها كما نسمعها الآن فلماذا نصّوا على خلاف ما تلقوه ؟
--------------------------------------------------------------
قولك : "10- موضوع التحريرات :
قلت يا أخي هنا كلاماً كثيراً جزم أنك (تسرعت ) فيه ولم تراجعه ‘ولكن سأركز على ما أري أن الخلاف معك فيه جوهري وليس لفظياً :
1- قلت :" كيف تخالف جميع القراء " أولا أثبت لي صحة هذا الإدعاء وهو أن (جميع القراء ) قالوا بالتحريرات 0
يا أخي هذا الكلام يقال لمن ليس له اطلاع على كتب القراءات ولم يسبر غورها ويسبح في بحرها بل في أعماق محيطها ، هذا هو الذي يمكن أن يلبس عليه بمثل هذا الكلام – سهواً أو خطأً- فكل من له أدنى معرفة بلغة العرب يفهم من كلمة (جميع ) كل من يصلح عليه إطلاق ذلك الوصف في كل زمان وكل مكان ،فهل هذا كذلك ؟؟
وأيضاً أثبت لنا أن علماء القراءات قبل أن يضع ابن الجزري كتابه (النشر )
وقلت :"العمل بالتحريرات هو الذي كان عليه العمل منذ القديم " وهنا أسأل : ما تحديد هذا القدم ؟فإنه يصدق على 1427 سنة كما يصدق على50 سنة وما بينهما وما تحتهما 0
وقلت :"لا يعرف عند القراء توسط البدل مع الفتح في ذوات الياء في رواية ورش من طريق الأزرق"وهذا لم أر أحداً سبقك إليه ،وكان الصواب أن تقول : لايقرأ لورش بذلك " وهذه هي عبارة المحررين عدم تجويزهم القراءة لا عدم معرفتهم ،وإلا من أين جاء بها الشاطبي وغيره 0
وقلت:"ولا بالهمز والإدغام الكبير للسوسي عن أبي عمرو " وهذا كسابقه ،فالوجه معروف والممنوع عند أهل التحريرات هو القراءة به لا المعرفة0
وقلت :"لم يرخص أحد من أهل الأداء الخلط بين الروايات والطرق 00الخ" هذا التعميم خطأ ،بل ابن الجزري نفسه قال به ضمناً عندما قال "نعيبه على أئمة القراءات العارفين باختلاف الروايات من وجه تساوي العلماء بالعوام لا من وجه أن ذلك مكروه أو حرام إذ كل من عند الله 00النشر:1/19
وقلت:"نافع وعاصم لم يقرآ بذلك " السبب ليس ما ذكرته ،بل لأنهما ما قرآ على شيوخهما به ،وليس لأن ذلك لم يتواتر عندهما ، لأن التواتر لم يكن في ذلك الوقت معلوما ً بل هو مصطلح مستحدث بعدهما ،ولأن القراءة عندهما وغيرهما سنة متبعة 0
2- وقلت :" اتباعاً لمنهج السلف " :
أقول : هذا المصطلح (منهج السلف ) ليس من مصطلحات القراءات ولا كتبها ؛فإقحامها هنا لا وجه له البتة لما قد يوحي للقارىء أن الخلاف إنما هو بين السلف ومن هو ليس على منهج السلف ،فهذا مصطلح (كلامي ) (عقدي ) له دلالات خطيرة من أهمها (تصنيف ) الناس و(تحجير )الآراء ،وفوق ذلك كله (تزكية )النفس ،فليس في كتب القراءات قديمها وحديثها (منهج السلف ) ولا ( منهج أهل السنة والجماعة ) ولا (منهج المخالفين ) ولا غير ذلك ،وإن وجدت فإنما هي دخيل ممن لا علاقة له بالقراءات وكتبها ،فيا حبذا المحافظة على المصطلحات العلمية الخاصة بكل علم
ثم : من المراد بالسلف ؟
الذي أعرفه ومتيقن منه أن السلف هو : النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته ،ومن بعد ذلك فكل بحسب قربه وبعده عنهم ،وعلى ذلك :إيت بنص واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أحد من الصحابة أنه قال بالتحريرات ،بمعنى أنه منع وجهاً لوجه أو بنى وجهاً لوجه، ثم نتنزل إلى القراء العشرة ونأخذ ورشاً كمثال ونقول : إيت بنص عن ورش أنه منع من تقليل ذات الياء على وجه قصر البدل ، ثم نتنزل قليلاً أيضاً إلى علماء القراءات قبل ابن الجزري ونقول :إيت بنص عن ابن مجاهد أو الداني أو مكي أو غيرهم منع وجهاً لوجه 0
يا أخي الكلام في التحريرات يحتاج إلى نفس طويل وبحث قائم على الاستقراء لا على التقليد والتسليم المطلق (لاجتهاد ) الشيوخ ، ورحم الله من قال : "العلماء مصدقون فيما ينقلون ،مبحوث معهم فيما قالوه باجتهادهم
3- قلت :الخلاف في التحريرات يدور بين مذهبين 00الخ " ألا ترى أنكم حجرتم واسعاً عندما جعلتم الاعتماد إنما هو على رجل واحد وكتاب واحد ، وهذا بسطه يحتاج إلى (تحرير )
4- أما طلبك بنقل كلام الشيخ القاضي فيكفى الآن أن أحيلك على كتابه في التحريرات لعدم وجوده الآن عندي ،وهو قد ألفه بعد البدور الزاهرة دون شك 0
هذا يا أخي ما أحببت قوله بعد أن فكرت أولاً بعدم الرد محافظة على الوقت ،لأن ما أذهب إليه في المسألتين : الضاد والتحريرات وضحته جلياً ،ولم تأت حفظك الله بدليل علمي ينقض ذلك ،كما أني قد أكون لم آت بدليل علمي على رأيك ينقض ما تقول ولكن :
عباراتنا شتى وحسنك واحد وكل إلى ذاك الجمال يشير
والله من وراء القصد"

الجواب : ليس لي نفس طويل في هذه المسائل ولكنّي سأنقل لك أقوال من له نفس طويل في ذلك وهو الشيخ الذي استدلت به في مسألة الضاد.
قال الشيخ عبد الرازق إبراهيم موسى تحت عنوان " تعريف الاختيار " : الاختيار في القراءات هو اختيار بعض المرويّ دون بعض عند الإقراء والتلقي لأنّ كلّ قارئ من الأئمة وغيرهم ، يأخذ الأحرف القرءانية من عدد من الشيوخ ويحاول قدر جهده أن يتلقى على أكبر عدد منهم ، فصاروا يجوبون الأقطار بحثاً عن النقلة الضابطين لكتلب الله يأخذون عنهم ، ويتلقّون منهم ولكن القارئ إذا أراد أن يقرئ غيره من الطلاب فإنّه لا يُقرئه بكلّ ما سمع ، بل هو يختار من مسموعاته فيُقرئ به ويترك بعضاً آخر فلا يُقرئ به.
والسبب في ذلك : أنّه يراعي أولاً الترجيح بين الروايات ، ويختار أشهرها وأكثرها رواة ، ويتجنّب ما شذّ به واحد ، كلّ ذلك حسب علمه في ذلك ، وما بلغه وما بلع أهل مصره ، فهذا نافع المدني يقول : قرأت على سبعين من التابعين فما اتفق عليه اثنان أخذته ، وما شذّ فيه واحد تركته ..."
والسبب الثاني : التخفيف على التلاميذ واختيار ما يناسب بعضهم دون بعض أو حسبما يُقرأ به أهل بلد التلميذ ، فهذا ورش عن نافع لم يوافق أحد من الرواة عن نافع رواية ورش عنه ، وذلك لأنّ ورشاً قرأ عليه بما تعلّم في بلده أي بلد ورش فوافق ذلك رواية قرأها نافع عن بعض أئمّته فتركه على ذلك.
ومن هنا يظهر لنا أنّه لا دخل للرأي وللقياس في القراءات ، فإذا وجدنا أحداً يقول : هذا اختيار فلان فلا نفسّر هذا بأنّه استحسان منه أو تدخّل من القراء بقياس قراءة على قراءة أخرى حاشاهم الله من ذلك فقد أجمعوا على منعه وحرمته كما سبق." ( تأمّلات حول تحريرات العلماء للقراءات المتواترة ص26).

ثمّ قال حفظه الله تعالى : " بعد استعراض السريع في تعدد القراءات تبين لنا أنّ القراء لم يختاروا قراءة باستحسان منهم أو راق في نظرهم كما قال الشيخ الجليل يغفر الله لنا وله ، فلعلّ ما قاله الشيخ يرحمه الله في حقّ القراء والمحررين منهم سهو منه ، ولكلّ عالم هفوة. ثمّ ذكر – يرحمه الله – أنّه قد وقع بين علماء التحرير اتفاق في مواضع واختلاف في أخرى ونقدٌ لأعمال بعضهم البعض فما يثبته هذا ينفيه ذاك وما يجيزه البعض يمنعه البعض الآخر. أقول – أي الشيخ عبد الرازق – هذا شأن المجتهدين في أيّ بحث علميّ ولا ينبغي أن نسميه اختلافاً إنّما هي استدراكات بعضهم على بعض للوصول إلى الصواب ، ولا عيب في هذا فقد استدرك الحاكم على البخاري ومسلم واستدرك الذهبي على الحاكم وهكذا ، فجزى الله الجميع خيراً ولا ننكر عليهم جهدهم. " انتهى كلامه ( نفس المصدر ص36).

ثمّ قال حفظه الله تعالى : " المسألة الثانية : تتعلّق بقوله تعالى { فأجمعوا أمركم وشركاءكم } ، قال ابن الجزري في نظم الدرة : ووصل فأجمعوا افتح طوى. ومعناه : أنّ ابن الجزري أمر بقراءة { فاجمعوا} بهمزة الوصل مع فتح الميم لمرموز طوى وهو رويس وكلّ العلماء الذين شرحوا الدرة خصوصاً القدامى منهم فسروا النظم على ظاهره على ما أراده مؤلّفه دون تحقيقٍ لطرق الرواية الصحيحة حتى جاء العلامة المتولي في الوجوه المفسرة وكذلك العلامة الشيخ الضباع في شرحه على الدرة فقد ذكرا أنّ هذه القراءة ليست من طريق الدرة والتحبير ووافقهما جميع القراء في وقتهما إلى اليوم ، وعملوا بالصواب ولم يقرءوا بها من طريق الدرة وأهملوا نصّ ابن الجزري في الدرة لأنّه مخالف لما جاء في التحبير.
ويستفاد من هذه المسألة الأمور التالية :
1 – أهمية التحرير والتحقيق لإثبات القراءة التي ذكرت في النشر وغيره من طريقها الصحيح.
2 – عدم التمسّك بقراءة الشيخ المقرئ إذا ثبت عدم صحتها وهذا ما فعله القراء في عصر الضباع والمتولي في هذه المسألة وغيرها إلى اليوم.
3 – لا يجوز التمسّك بظاهر نظم الدرة أو غيرها أذا ثبت بالتحقيق العلمي أنّ فيه نظر كما ثبت في هذه المسألة وغيرها كما سبق في نظم الشاطبي.
4 – قولهم : القراءة سنة متبعة يأخذها الآخر عن الأوّل ليس على إطلاقه بل ذلك مشروط بأن تكون القراءة صحيحة لا تخالف الكتب الثلاثة الشاطبية والدرة والطيبة بعد تحقيقها فإذا ثبت عدم صحتها وجب العدول إلى الصواب دون التمسّك بقراءة الشيخ ، وهذا ما فعله القراء إلى اليوم في هذه المسألة ولا خلاف فيها بينهم.
فقد كان شيوخ الإقراء والمؤلفون يشرحون النظم على ظاهره وبالتالي يطبقونه في القراءة والإقراء ،وبعد التحقيق عملوا بالصواب في إقرائهم وتأليفهم كالشيخ الضباع والشيخ القاضي في الإيضاح وغيرهما ، وتركوا ما كانوا عليه. " انتهى كلامه حفظه الله تعالى (نفس المصدر ص 46 ، 47)

أقول : من خلال ما ذكره المحقق الشيخ عبد الرازق تبيّن :
أوّلاً : أنّ التحريرات لا تقوم على الرأي المحض بل الخلاف يدور بين ظاهر النصّ و أصول النصّ والكلّ لا يخرج عن المنصوص.

ثانياً : أنّ المشافهة لوحدها لا تكفي بل لا بدّ من التحقيق وعرض المشافهة على النصوص وهي إمّا على ظاهر النشر والمنظومات التي تندرج تحتها كالشاطبية والدرة والطيبة ، وإمّا على أصول النشر وهي الكتب التي روى منها ابن الجزري القراءات وهي التي تسمّى بأصول النشر ككتاب التيسير وجامع البيان للداني والتذكرة لابن غلبون والوجيز للأهوازي وغير ذلك فإن ثبت في الأصول ما يخالف ظاهر النظم عملوا بالأصل. وهو المنهج الذي سار عليه المحققون لذا كان النصّ مقدّم على المشافهة وهذا ما يؤكده قول مكي والداني " العلم فطنة ودراية أكثر منه سماعاً ورواية ".

ثالثاً : مخالفة المشافهة والعدول عنها إذا ثبت ما يخالفها من النصوص المعتبرة لا سيما المجمع عليها.

رابعاً : يدخل الاجتهاد عند غموض نصٍ من النصوص القديمة بحيث يكون معناه قد يحتمل عدّة معاني فيؤخذ بظاهر النشر لغموض الأصل أو العكس فقد تكون عبارة النشر فيها غموض وهذا الغموض يزول عند الرجوع إلى الأصل وهكذا. فالخلاصة أنّ الرأي لا دخل له إلاّ فيما لا نصّ فيه أو عند غموض النصّ وهذا قليل جداً.

وهذا يدلّ أنّي لم أخترع ما قلته من نفسي وما يحقّ لمثلي ذلك ، فأرجوا أن تقبل هذه القاعدة من محقق عالمٍ مصريّ معروف إن لم تقبلها من نكرة وطالب علم جزائري.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

محمد يحيى شريف الجزائري
 
[align=center]

بسم الله الرحمن الرحيم


اكتفيت بالحوار بين الإخوة الفضلاء في الموضوع عن التعليق ، على طريقة لقمان الحكيم( ألا أكتفي إذا اكتفيت)

لا سيما وأنهم قد أثروا الموضوع بتعليقاتهم الغنية ، ،

ولكن بدا لي أن في اكتفائي تقصيراً لا يحسُن ارتكابه عن شكر الدكتور غانم حفظه الله ورعاه على ردّه القيِّم

ومعه الإخوة الكرام على مرورهم . . فمنهم ألتمس العذر

، وجلّ من لا يسهو، ،

[/align]
 
] بسم الله الرحمن الرحيم
أشار شيخنا المفضال الدكتور السالم الجكني حفظه الله إلى كتاب الشيخ القاضي رحمه الله الذي تحدث فيه عن التحريرات
واسم هذا الكتاب : (أبحاث في قراءات القرآن الكريم)
تناول ـ رحمه الله ـ في هذا الكتاب ثلاثة عشر موضوعا مهما من الموضوعات المتعلقة بالقراءات وهي:
1) الأحاديث الواردة في إنزال القرآن على سبعة أحرف وشرحها بإيجاز
2) بيان المراد بالأحرف السبعة والرأي المختار فيها
3) حكمة إنزال القرآن على سبعة أحرف
4) ما يستنبط من الأحاديث الواردة في هذا الموضوع
5) قراءات الأئمة السبعة وصلتها بالأحرف السبعة
6) قراءات الأئمة العشرة جزء من الأحرف السبعة
7) تواتر قراءات الأئمة العشرة
8) ضابط القراءة المتواترة
9) تقسيم القراءة الصحيحة
10) حكم إنكار القراءة المتواترة
11) سبب إضافة القراءة إلى الصحابي أو القارئ
12) القراءات اختيارات للقراء وبيان ذلك
13) رأينا في التحريرات
يقول فضيلة الشيخ عبد العزيز قارئ ـ حفظه الله ـ بعد بيانه لما سبق :
(هذا الكتاب على وجازته حافل بعلم غزير وأبحاث هامة ، وهو متضمن خلاصة آراء الشيخ ـ رحمه الله ـ في تلك الموضوعات التي كانت مثار اختلاف وتباين في الأفهام والاجتهادات.
ورأيه ـ رحمه الله ـ في هذا الذي يسمونه {التحريرات} واضح في الكتاب ، وهو أنها اختيارات لا تلزم إلا مصنفيها)
والكتاب كما ذكر ـ حفظه الله ـ يبلغ 31صفحة من الحجم المتوسط ، ط/عبد الرحمن محمد ـ القاهرة.
 
وأمانة للعلم وخوفاً من عقوبة كتمانه أقول : حدثني شيخي الشيخ عبدالرازق موسى حفظه الله مذاكرة بعد أن ذكرت له هذا الكتاب قال لي ساعتها ما معناه : إن الشيخ عبدالفتاح القاضي رحمه الله كتب هذا الكتاب وهو في لحظة ٍ - نسيت الآن :هل قال غضب أم جدل ، وأنه رجع عن رأيه في الكتاب والله أعلم .
لذا آمل ممن يلقى الشيخ من أهل الملتقى أن يسأله ويتأكد من هذه المعلومة ، وكاتبها متأكد من " تضعيف شيخنا لماذهب إليه شيخه ، لكن غير متأكد من صيغة ولفظ الكلمة التي قالها لي ، فلتحرر .
والله من وراء القصد .
 
بعد أن اطلعت على الحوار الذي دار هنا حول الضاد آثرت عدم الخوض فيه في مقال آخر فتح عنوة خشية ضياع الوقت فيما لا ينفع. لكن أحببت أن أضيف نقولا أخرى غابت في النقاش لها اعتبارها:

قال مكي في الرعاية: وإذا سكنت الضاد وأتت بعدها تاء وجب التحفظ ببيان الضاد لئلا تندغم في التاء لسكونها ورخاوتها وشدة التاء نحو عرضتم، وفرضتم وقبضت وخضتم وشبهه وقس عليه ما شابه.

الرعاية ص 187

ألا ترى أنك لو نطقت الضاد شبيهة بالظاء لما احتجت تنبيههم ولصار كلامهم عبثا باستحالة الوقوع فيما حذروا منه

وقال الإمام ابن الجزري في التمهيد

وإذا سكنت الضاد وأتى بعدها حرف من حروف المعجم فلابد من المحافظة على بيانها وإلا بادر اللسان إلى ما هو أخف منها نحو قوله تعالى أفضتم خضتم واخفض جناحك وقضنا وفرضنا ونضرة وفي تضليل
ص 132

ألا ترى أنك لو نطقت الضاد شبيهة بالظاء لما احتجت تنبيههم ولصار كلامهم عبثا باستحالة الوقوع فيما حذروا منه

وقال أيضا ص 131 :
وإذا أتى بعد الضاد حرف إطباق وجب التحفظ بلفظ الضاد لئلا يسبق اللسان إلى ما هو أخف عليه وهو الإدغام كقوله تعالى فمن اضطر ثم أضطره
اهـ



ويشبهه ما في النشر ص 220 ج2

وغنية الطالبين لشمس الدين البقري ص 84

وتنبيه الصفاقسي ص 78
 
وأمانة للعلم وخوفاً من عقوبة كتمانه أقول : حدثني شيخي الشيخ عبدالرازق موسى حفظه الله مذاكرة بعد أن ذكرت له هذا الكتاب قال لي ساعتها ما معناه : إن الشيخ عبدالفتاح القاضي رحمه الله كتب هذا الكتاب وهو في لحظة ٍ - نسيت الآن :هل قال غضب أم جدل ، وأنه رجع عن رأيه في الكتاب والله أعلم .
لذا آمل ممن يلقى الشيخ من أهل الملتقى أن يسأله ويتأكد من هذه المعلومة ، وكاتبها متأكد من " تضعيف شيخنا لماذهب إليه شيخه ، لكن غير متأكد من صيغة ولفظ الكلمة التي قالها لي ، فلتحرر .
والله من وراء القصد .

ذكر لنا فضيلة الشيخ الزعبي ( حفظه الله ) أن الشيخ عبد الفتاح القاضي ( رحمه الله ) رجع عن رأيه في التحريرات , والذي حرره في كتابه (أبحاث في قراءات القرآن الكريم) , وأن رجوعه عن ذلك مسجل في شريط عند شيخنا الزعبي (حفظه الله )
 
السلام عليكم

أقول للدكتور أنمار أنّه ثبت إلحاح العلماء على بيان الظاء قبل التاء أيضاً في نحو { أوعظت } وغير ذلك فيما أذكر، وسبب ذلك هو وقوع حرف قويّ قبل حرف ضعيف وحتّى لا يجذب الضعيف القويّ فتذهب صولة القويّ نبّه العلماء على بيان الحرف القويّ قبل الحرف الضعيف لئلاّ يبادر اللسان إلى ما هو أخف منها كما قال ابن الجزري والدليل على ذلك أنّ جميع الأمثلة المذكورة وقعت فيه الضاد قبل حرف أضعف منها وهي : أفضتم خضتم واخفض جناحك وقضنا وفرضنا ونضرة وفي تضليل. ولا يمكن قياس ذلك على حرفي الضاد والظاء لأنّهما امتازا بتقاربّ خاصّ ليس له نظير بين الحروف الأخري وهذا الذي جعل العلماء يلحّون على التمييز بينهما أكثر من غيرهما فقاموا بحصر الظاءات لأجل تلك العلّة ، ولذلك اغتفر علماء الإسلام استعمال أحدهما مكان الآخر لقرب التشابه بينهما ولم يرخّصوا ذلك لغيرهما من الحروف.
 
السلام عليكم

أقول للدكتور أنمار أنّه ثبت إلحاح العلماء على بيان الظاء قبل التاء أيضاً في نحو { أوعظت } وغير ذلك فيما أذكر.


بل لا غير لهذا المثال كما نبهوا عليه، مع الفرق بين تنبيههم هنا وهناك، فهنا عند الظاء قالوا لئلا تقترب من الإدغام، وهناك عند الضاد قالوا لئلا تدغم، وهذا ملحظ دقيق منهم، للفرق في نطق الحرفين فلله درهم.
 
أهل الموصل ينطقون الضاد رخوة كما ينطقها الشيخ عبيدالله الأفغاني

أهل الموصل ينطقون الضاد رخوة كما ينطقها الشيخ عبيدالله الأفغاني

[align=center]أهل الموصل ينطقون الضاد رخوة كما ينطقها الشيخ عبيدالله

--------------------------------------------------------------------------------




كان شيخ القراءات بالموصل الشيخ صالح الجوادي رحمه الله ،ومن طريقه سند أهل الموصل في القراءات

السبع ينطق صوت الضاد رخوا. لي عنه ثلاثة طرق في ذلك، بل أربعة، ،

- أولها الدكتور ليث بن الشيخ زاهد الهاشمي ، وهو مجاز عن الشيخ صالح الجوادي برواية حفص عن عاصم،

رأيته قبل عشرين سنة ينطق الضاد رخوة فاستغربت منه ،فاستثبتّه من نطقها فنطقها رخوة من جانب الفم ،

وقال هكذا كان ينطقها الشيخ صالح الجوادي ، ، . فقلت له ، فأين الفرق بينها وبين الظاء فقال

نحن نفرق بينهما في المخرج والصفة

..

ـ ثانيهما الدكتور عبدالستار فاضل من تلاميذ الشيخ يونس رحمه الله تلميذ الشيخ صالح الجوادي ، نطقها لي

أكثر من عشر مرات ، وقال نحن ننطقها هكذا عن شيوخنا وهو نطق يوافق وصف سيبويه وسائر العلماء.

- الملا محمود إمام جامع قرية العملة قال رأيت غير مرة الملا دحام وهو مُجاز من الشيخ صالح الجوادي

ينطق الضاد رخوة

أما الشيخ إبراهيم المشهداني ـ حفظه الله ـ وهو قد قرأ على الشيخ صالح الجوادي ولكنه أكمل السبع على

تلميذه الشيخ عبدالفتاح الجومردفكان لا يشدد على تلاميذه في هذه المسألة، ولكنه أخبرني أن نطقها

رخوةً هو الصواب.

هذا وبالجملة فيمكن القول إن المحافظين من قراء الموصل على طريقة الشيخ صالح الجوادي رحمه الله

ينطقون الضاد رخوةمستطيلة منحرفة إلى اليسار كما أجمع على وصفها كتب النحو والقراءات، ،

والله أعلى وأعلم[/align]
 
وهل العبارتين تدلان على تقارب الضاد بالدال أو الطاء ، فيحتمل أن يكون الخلاف بين العبارتين خلافاً لفظياً وكلاهما يتضمن نفس المعنى ، فاستعمال لفظ الإدغام أو القرب منه دلالة على التقارب بين الضاد والظاء ولا ننسى أنّ الضاد قويت بالاستطالة على الظاء إلاّ أنّ ذلك لا يخرج عن حدّ الرخاوة والمشابهة بين الحرفين في السمع وكلّ هذا لا يقطع بصحة الضاد الدالية التي يحاول بعض إخواننا الكرام أن يجدوا لها منفذا ، فهيهات مقارنة مع النصوص الصريحة القطعيّة المجمع عليها عند الأئمّة عليهم رحمة الله تعالى.

والسلام عليك
 
وما معنى الضاد الضعيفة والضاد القوية؟ ما هو الفرق ؟
 
أخي الدكتور أنمار السلام عليكم ورحمة الله وبركاته على التعليق الأخير


زيادة توضيح :

قال الداني في كتابه التحديد ص141: "فإن التقى -أي حرف الظاء – بالتاء أعطيَ حقّه من الإطباق والاستعلاء وذلك في قوله تعالى في الشعراء { أوعظت } في سورة الشعراء وليس في القرءان غيره وقد جاء فيه عن أبي عمرو والكسائي ما لا يصحّ الأداء ولا يؤخذ به به في التلاوة". أقول : وقد نقل السخاوي الإجماع على الإظهار في جمال القراء. إذن يُفهم من كلام الداني عليه رحمة الله تعالى أنّه لا بدّ من بيان الإطباق والاستعلاء احترازاً من الإدغام والدليل على ذلك إشارته إلى ما لا يصحّ عن أبي عمرو والكسائي وهو يريد الإدغام. وقال مكي القيسي : إذا وقعت ظاءٌ ساكنة وبعدها تاء الخطاب وجب على القارئ بيان الظاء لئلا يقرب من لفظ الإدغام ..........."ص222.

وقال الداني عند كلامه على الضاد ": فإن التقى تُوُصّلَ إلى أظهاره بتؤدة ويُسر وذلك نحو { أفضتم } .....".نفس المصدر ص161.

أقول : لا يمكن التوصّل إلى أظهار الضاد عند التاء إلاّ بالإطباق والاستعلاء أيضاً كما في الظاء إلاّ أنّ في الضاد يكون الإظهار أصعب لامتداده في مخرجه لأجل الاستطالة ، ولهذا أوجب الداني أن يكون الإظهار بتؤدة ويسر. ولا شكّ أنّ شدّة الضغط على المخرج كما هو مروّج اليوم ينافي التؤدة واليسر في ذلك كما أشار الإمام. وأمّا مكي القيسي رحمه الله تعالى فقد قال : " وإذا سكنت الضاد وأتت بعدها تاء ، وجب التحفّظ ببيان الضاد لئلاّ تُندغمَ في التاء لسكونها ورخاوتها وشدّة التاء. الرعاية ص187."

أقول : نلاحظ أنّ الإمامين استعملا كُلاً منهما تعبيراً مغايراً ولكنّ المضمون والمقتضى واحد وهو الاحتراز من الإدغام إلاّ أنّ إظهار الضاد أصعب من إظهار الظاء لصعوبة الضاد في النطق من جهة وامتدادها في المخرج لاستطالتها جعلها تميل إلى الإدغام أكثر من الظاء ولأجل هذا عبّر مكي القيسي بعبارة قرب الإدغام بالنسبة للظاء لقبيليّتها للإظهار خلافاً الضاد فإنّها أكثر قبولاً للإدغام في التاء من الظاء.

أمّا قضية الضاد الضعيفة فتعلم جيّداً أن الإمام سيبويه هو أوّل من قال بها ولكن هل يعني هذا أنّ الضاد الصحيحة عند سيبويه شديدة تخرج بقوّة الاعتماد على المخرج ؟ إن كان كذلك لماذا جعلها من حروف الرخاوة بحيث يجري فيها الصوت جرياناً كلياً ووصفها بأنّها تخرج بضعف الاعتماد على المخرج ؟ كان باستطاعته أن يصفها شديدة وانتهى الأمر. وحتّى أئمّة اللغة الذين جاءوا بعد سيبويه احتاروا من مراد سيبويه بالضاد الضعيفة واختلفوا في المراد منها. فسبحان الله تترك النصوص الصريحة الواضحة كالشمس وتذهب يميناً وشمالاً بحثاً عن أيّ دليل ولو كان فيه غموض واحتمالات لتخرج نفسك مما أنت فيه ؟ ألم يأن للذين يتعصّبون لهذه الضاد الحديثة أن يرجعوا إلى ما أجمع عليه أئمّتنا عليهم رحمة الله تعالى الذين نقلوا لنا القرءان عذباً طرياً كما أنزل.
أكتفي بما أقول ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين

محمد يحيى شريف الجزائري
 
[align=justify]بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة على رسول الله وعلى آله ومن والاه وبعد
شكر الله تعالى لكم سعيكم ووفقكم لما فيه خيركم وخير أمتكم ، ففي مثلكم يصحّ قول الشيخ المعريّ رحمه الله تعالى رحمةً واسعة يرثي أبا حمزة الجََبُّلي (قرية قرب واسط) الفقيه الحنفي:
[poem=font="Simplified Arabic,6,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
أنفقَ العُمر ناسِكاً يطلُبُ العِلْـ = ـمـَ بكشفٍ عن أصله وانتقادِ
وفقيهٍ أفكارُهُ شِدْنَ للنعــ = ـما ن(1) مالم يشِدهُ شعرُ زيادِ(2)
فالحجازيُّ بعده للعــــــراقيّْـ = ـيِ قليلُ الخلافِ سهلُ القيادِ[/poem]
(1) النعمان هو أبو حنيفة الفقيه رحمه الله.
(2) زياد هو ابن معاوية المعروف بالنابغة الذبياني .
[هكذا ينبغي وليس كما حرفها الناسخ المتعصب ضد الأحناف، وتبعه الطباع :فالعراقيّ بعده للحجازيّ، لأنه يكون قد نقض معناه]
ونسأل الله تعالى أن يمدّ في عمركم وأن ينفع بعلمكم.
أيها الأستاذ الجليل:
سعدنا بانتفاعكم من الدراسات الصوتية الحديثة ، وإغنائكم الدراسات التجويدية بها وعلى مثل دربكم ينبغي أن يسير طلبة العلم ،وبمثل صنيعكم أن يقتدوا..
فما ضرّ علماء التجويد والأصوات العربية أن يعدوا القاف والطاء مجهورين وأن تكتشف الدراسات الحديثة أنهما مهموسان، حين اتضح وبان مفهوم الجهر والهمس على نحوٍ لم يكن بمقدور الإنسان إتقانه وحذقُه من قبل.
لكني وجدتكم تقولون قولاً أقضَّ مضجعي أن يصدُر عن عالمٍ بمثل مكانتكم ، ولم تمرّ عليّ إلا (ليلة نابغية) منذ اطلعت على قولكم هذا في ملتقى أهل التفسير.
ذلكم رأيكم في قضية (نُطق الضاد) العربية.
حيث تردون قول سيبويه وكأنكم تقيسون "خطأ" القدماء في مسألة الجهر والهمس على مسألة(الشدة والرخاوة)، فتميلون مشايعة لمن حوّلت العُجمة أصواتهم من جمهور الشاميين والمصريين إلى أن الصواب في نطق الضاد هو (الشدةُ) لا (الرخاوة). فتريدونها أن تكون دالاً مفخمةً كما ينطقها جمهور القراء اليوم.
وكان حريًّا بكم أن تدعوهم إلى تصحيح نطقهم والعودة إلى ما أجمع عليه علماء العربية والقراءات من (رخاوة) الضاد واستمرار النفس معها دون انقطاع بدلاً من أن تدعوا إلى نبذ الإجماع وترجيح صحة (شدتها).
لكأنكم أيها الشيخ الجليل تقررون الحكمة الساخرة المتهكمة(خطأ شائع خيرٌ من صحيحٍ ضائع!!!) ، وما بمثل هذا ندين الله تعالى بل بضدّه.
وها أنا ذا أنسخ للإخوة القراء قولكم أستعديهم وأستنصرهم لما أعتقد جازماً أنه الحقّ على رأيكم الذي بان بطلانه، والذي أدعوكم أن تضربوا عنه صفحاً وتثنوا عنه عِطفاً ، فما يليقُ بمثلكم ارتكابه:
قال الدكتور غانم في قضية الضاد :
لكن إفراد الضاد بمخرج مستقل لم يعد يتوافق مع النطق المعاصر للصوت ومن ثم فإن القول إن عدد المخارج ستة عشر مخرجاً أو سبعة عشر لم يعد مقبولاً.
وتتلخص قضية صوت الضاد في أن تحديد سيبويه لمخرجه لم يعد يتطابق مع نطقه المعاصر ، كما أشرت ، فسيبويه يقول في مخرجه : " من بين أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس مخرج الضاد "([الكتاب4/433]) . ونقل علماء العربية وعلماء التجويد هذا التحديد لمخرج الضاد عن سيبويه ، وفعل ذلك المحدثون من المؤلفين في علم التجويد أيضاً . وعدَّ سيبويه الضاد من الأصوات الرخوة بالإضافة إلى كونها صوتاً مجهوراًً ، مُطْبَقاً ، مستطيلاً. ([الكتاب4/434-435]).

والضاد بهذه الصفات لم يعد لها وجود في النطق العربي الفصيح في زماننا ، لا في قراءة القرآن ، ولا في غيرها ، كما يقول علماء الأصوات المحدثون ، وقد تحولت إلى دال مطبقة في نطق كثير من العرب ، كما في بلاد الشام ومصر ، وهو المأخوذ به في قراءة القرآن أيضاً . وصارت على ألسنة آخرين من العرب صوتاً لا يختلف عن الظاء ، كما في العراق وبلدان الخليج العربي([ينظر : إبراهيم أنيس : الأصوات اللغوية ص 48 ، ويوسف الخليفة أبو بكر : أصوات القرآن ص 69 ، وحسام سعيد محمود النعيمي : أصوات العربية ص 50]).

ولم يخرج ما جاء في ( فن الترتيل وعلومه ) و ( المنير في أحكام التجويد ) في تحديد مخرج الضاد عن تحديد القدماء لمخرجه([ينظر : فن الترتيل 2/564 ، والمنير ص 107]).

وإذا أخذنا نطق مجيدي قراءة القرآن في زماننا لصوت الضاد بنظر الاعتبار فإن ذلك يستدعي إعادة النظر في طريقة تحديد مخرجه ، وأنّ تمسك مؤلفي كتب علم التجويد المعاصرين بعبارة سيبويه في تحديد مخرج الضاد لم يعد مناسباً ، وأن عليهم أن يفكروا في وصف جديد لمخرج هذا الصوت يتطابق مع نطقه الفعلي على ألسنة مجيدي القراءة .

والوصف المناسب للضاد اليوم هو : أنه صوت لِثَوِيٌّ ، شديدٌ ، مجهورٌ ، مُطْبَقٌ . فلم يعد مخرجه من الحافة ، كما حدده سيبويه ، وتحول من الرخاوة إلى الشدة ، كما أنه فقد صفة الاستطالة ، هذا هو الراجح في مسألة الضاد ، وقد يكون لبعض الدارسين وجهة نظر مغايرة ، لكن الدليل هو الذي يرجح الأقوال ، أو يردها([49ينظر : مناقشة الموضوع : أبحاث في علم التجويد ص 88- 92 ، وتفصيل قضية الضاد في المصدر نفسه ص 146- 166]).اهـ كلامه.
وأنا- العبد لله- قد أخذ مني البحث في صوت (الضاد) خمسة وعشرين عاماً ، ولم يكن من يُقرئوننا في المساجد مما يضبطونه أو يعبأون كثيراً في الخلاف فيه، وما نلومهم على ذلك، . وقد رأيت كثيراً ممن لديهم إجازات في القراءات السبع والعشر لا يضبطون نُطقه، ولا يميزون بين جهرٍ وهمس أو شدّةٍ أو او رخاوة بل يُقلدون كا عُلِّموا ، ولا نلومهم بعدُ.
لكني قد وجدت كثيرين يضبطونها أيضاً ويوافقون في نُطقهم أوصاف علماء النحو والقراءات ومنهم عراقيون موصليون،وسنغاليون ، وصوماليون، وهذا الملتقى المبارك قد بين لنا أن شيخاً أفغانيًّا جليلاً يضبطها كما ينبغي وهو يُقرئ في الحرم النبوي.
والذي استقرّ عليه استقرائي أن العراقيين وعرب الخليج والجزيرة لا يميزون بين الضاد والظاء فهم يرتكبون مع الضاد خطأً في المخرج ، على حين أن الشاميين والمصريين يجعلون الضاد دالاً مُفخمة فهم يرتكبون خطأً في الصفة.
وقد عرفت سبب شيوع طريقة المصريين والشاميين التي أيدها الدكتور غانم، ذلك أن بعض كتب الفقه تُشدد على وجوب (التفريق) بين الضاد والظاء. فانخدع الناس بالتفريق ظنا منهم أن التفريق مطلوب لنفسه. والصواب أن التفريق المطلوب هو التفريق الموافق للصواب، وليس مجرد التفريق، والذي يجعل الضاد شديدة كالدال المفخمة ويقطع معها النفس قد أخلّ بصفة أجمع اهل العلم والاختصاص على وجودها وهي الرخاوة.
وهكذا لا يكون الشاميون والمصريون أصحّ من العراقيين وعرب الخليج والجزيرة مطلقاً وإن كان هؤلاء مطالبين بضبط المخرج أيضاً ليحصل التفريق الطفيف.
وإلى ذلك أشار الشاعر الكبير معروف الرصافي في الردّ على الشاميين:

[poem=font="Simplified Arabic,6,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
قلْ للألى نطقوا بالضادِ مُدّغمــــاً = لم يدغم الضاد آباءٌ لكم فرطوا
قل لليعاريب قد هانت مكارمـــكم = حتى ادعاها أناسٌ كلهم نبـــطُ
أين المكارمُ إن هم أصبحوا عرباً = فإنها في طباع العربِ تُشترطُ[/poem]
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


[/align]


عاتبني بعض أصدقائي الكرام من أهل الشام على إيراد الأبيات ولا سيّما الأخير لما فيه من مَظنة الجهوية!

وحين ذكرتُ له قِصتها سُرّ بذلك وأيَّد الشاعر ، لكنه قد حفزني عى ضرورة ذكر القصة للإخوة القراء.

وفي الواقع أني لم أكن أريد إدراج البيت الأخير لأنه خارج فكرة الموضوع على الأقل لكن كان المقال

من أوائل ما كتبته في المنتدى قبل أزيد من أربع سنين ولم أنتبه إلى أن الوقت المسموح بالتعديل فيه هو

ساعة واحدة.

ما علينا ونذهب إلى قصة أبيات الرصافي شاعر العراق الكبير والعالم باللغة وتلميذ الآلوسي.

عندما انعقد مؤتمر القوميين العرب الأول عام 1913 في باريس وكان جميع المشاركين فيه من

نصارى بلاد الشام لأن التعليم كان لديهم أفضل من سواه في بلدان الشرق. اندهش لرصافي الذي

كان قد تأثر بالحركات القومية اللادينية التي وصل صداها من أوربا ، فقال مندهشا من صنيع نصارى

بلاد الشام

أصبحتٌ أوسعهم لوما وتثــــــــــــــــريبا * منذ امتطوا غارب الإفراط مركوبا

ما ضرّهم لو نحو في الأمر جامعةً * ننفي الكنائس عنها والمحاريبا

لكنهم أمة تأبى مشــــــــــــــــــــــــــــــاربها * إلا التعصب للأديان مشروبا

من مبلغ القوم أن المصلحين لهم * أضحوا كمن لبس الجلباب مقلوبا

كانوا أحق البرايا مطلبا فغدوا * من أبطل الناس في الدنيا مطاليبا

إني لأبصر في لبنان قائبة[بيضةً]* للشر موشكة أن تُخرج القوبا



وحين نشرها كاملة لقي من هؤلاء النصارى عنتا فرد عليهم بقصيدة طائية

عنفهم فيها ومن ضمن ما جاء فيها



قل للألى نطقوا بالضادِ مدّغما [أي شديدا] * لم يُدغم الضاد آباءٌ لكم فرطوا

يستنثرون صغارا من معاطسهم * ولا يبالون إن قالوا وإن ****

الخلقُ كالخطّ لا تقرأ لئامهم * واشطب عليهم بنعلٍ إنهم غلطُ

قل لليعاريب قد هانت مكارمكم * حتى ادعاها أناسٌ كلهم نبطُ

أين المكارم إن هم أصبحوا عرباً * فإنها في طباع العرب تُشترطُ

وقال في قصيدة أخرى أيضا في نصارى بلاد الشام



همُ أسمعونا نعــــــــــــــــــــــــــــــرةً عربيةً * فدوّى صداها في المسامع مضطرا

فكم من خطيب قام فيها مثرثرا * فطرى لنا من يابس القول ما طرى

وكنا أجبناهم إليها إجـــــــــــــــــــــــابةً * بها قد تركنا جانب الدين مزورّا

فأصبح فينا شامتاً كلُّ من غــــــدا * لأبناء قنطوراء يغضب ممقرّا



فالأبيات ليس فيها غضٌّ من إخوتنا الشاميين ولا سيما بعد اتضاح قصتها وسياقها.


ولكن يظل الشاميون والمصريون على رأس من أفقد الضاد رخاوتها.



وحين قال الدكتور غانم وفقه الله <(4) لا أجد ما يؤيد قولكم : إن سبب شيوع طريقة المصريين والشاميين
في نطق الضاد ما ورد في بعض كتب الفقه من تشديد على وجوب التفريق بين الضاد والظاء ،
فيبدو لي أن ذلك النطق عميق الجذور في مصر الشام ، ويجري على ألسنة العامة هناك من دون كلفة
ولا مشقة
.> فإنه كما أزعم قد تكلم بلغة حبه لهم وإجلاله لقرائهم وإلا فكيف يكون
نطقهم لحرف من الحروف حجة وقد حرفوا كثيرا من أبسط الحروف

ث ـــــــــــــــــ اصبحت ــــــــــــــــــــــ ت، س

ذ ــــــــــــــــــ أصبحت ــــــــــــــــــــــــ ز ، د

ظ ــــــــــــــــــ أصبحت ــــــــــــــــــــــــ زايا فخمة

ق ــــــــــــــــــ أصبحت ــــــــــــــــــــــــ ء

ج ــــــــــــــــــ أصبحت ــــــــــــــــــــــــ g

ض ــــــــــــــــــ أصبحت ــــــــــــــــــــــــ دالا مفخمة

طـــ ـــــــــــــــ أصبحت ــــــــــــــــــــــــ تاء مفخمة



هذه مسألة أما المسألة الأخرى فإن بدو نجد هم أقرب الناس إلى لغة المعجم لأسباب أهمها

ـ بعد نجد عن البحر

ـ بقاء البداوة والرعي نمط عيشها

ـ محافظتها على عمود الشعر

ـوالسبب الرئيس كونها منذ القدم أفصح العرب ، حتى قال أبو تمام يمدح رجلا بالجود والشجاعة فيقول

إنها متأصلة في قومه كتأصل الفصاحة في أهل نجد



ومن شكّ أن الباس والجود فيهم * كمن شكّ في أن الفصاحة في نجدِ



هذا من حيث اللغة، وحين نرى بدو نجد قد حافظوا على صفة الرخاوة في الضاد فلا شك أن هذا

حجة داعمة لما ورد من وصفها لدى علماء العربية لا أن نبعد النجعة فنقول إن تأصل نطق الضاد

شديدة عند المصريين حجة للدعوة إلى شدتها.

[وكون بدو نجد أعرب الناس لغةً لا يعني أنهم أعرب الناس قِيماً ، فهذا موضوع آخر ليس من غرضنا
الخوض فيه حاليا، لكن يمكن الإشارة إلى أن نيكلسون قد قال عام 1907 أن البدوي في نجد وما
جاورها يهرب عند سنوح الفرصة دون أن يشعر بالعار.]

وهذا نستغربه أشد الاستغراب أن يصدر عن أستاذ كبير ليس من المصريين أصلاً.

وأقول ليس من المصريين لأني رأيتُ التعصب لدى مثقفيهم لمصريتهم أن حرف نصا مترجما عن مجراه.

فقبل أيام كنت أعارض كتاب معالم تاريخ الإنسانية لــ هـ جـ ويلز بترجمته إلى

العربية لعبدالعزيز جاويد فوجدت ويلز يقول غير اننا متأكدون أن الحضارة قد نشأت

اولا في ميزويوتاميا. ومعروف أن ميزوبوتاميا هي وادي الرافدين لكن المترجم المصري

قال في منطقة حوض البحر المتوسط او قريبا منها

فاندهشت لأستاذ في التاريخ يخون النص تعصبا لمصريته، وهو ينقل إلى العربية كتابا عالميًّا وذكرني بقول الرصافي



من جور مصر على العروبة أنها * تتعمــــــــــــــــــــــــد التمصير في آدابها

وتحيد عن آداب كل قبيــــــــــــــــــــلة * لم تحتضنها مصــــــــــــر في أنسابها

فاذكُر ألي الأفضال من غير الألى * في مصر يغضب منك أهل جتابها

فكأنما أضحت مواهــــــــــــــــــــب ربنا * مقصــــــــــــــــــــورة فيها على كتابها

هذا لعمر أبيك جـــــــــــــــــــــــــــــور عده * من فرط ضلــــــــــــــــــــــــتها الو ألبابها



والذي أقض مضاجعنا أن قراء الحجاز قد أصبحوا يقلدون المصريين في دالهم المفخمة (الضاد)

وذهبت توصيفات علماء النحو والقراءات أدراج الرياح


 
عودة
أعلى