الدخيل في تفسير فتنة داود عليه السلام

إنضم
6 أبريل 2013
المشاركات
11
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
العمر
48
الإقامة
مصر - البحيرة - شبراخيت - زمزم
قرأت موضوعا في الملتقى الكريم بعنوان: نبي الله داوود عليه السلام وإشكال عندي في كلام السعدي رحمه الله
وقرأت فيه تعليقات للدكتور عبد الرحيم الشريف والدكتور مساعد الطيار حفظهما الله تعالى
فأحببت أن أدلي بدلي في هذا الموضوع؛ حيث إنني كتبت بحثا في هذا الشأن بعنوان: الدخيل في تفسير فتنة داود عليه السلام دراسة نقدية
وسأعرض لأهم ما جاء فيه ، فأقول وبالله التوفيق:
وردت عدة روايات مرفوعة وموقوفة تفيد بمجموعها أن سيدنا داود عليه السلام استحسن امرأة جاره حين رآها، فتعلق قلبُه بها، فدبَّر مكيدة لقتل زوجها، فأرسله إلى أرض المعركة، وأمر القائد أن يخلي بينه وبين الأعداء حتى يُقتل، ويتزوج داود عليه السلام امرأته.
فمن الروايات المرفوعة ما ورد عن أنس  قال: سمعت رسول الله  يقول: إن داود  حين نظر إلى المرأة قطع على بني إسرائيل بعثا، وأوصى صاحب الجيش فقال: إذا حضر العدو تضرب فلاناً بين يدي التابوت( )، وكان التابوت في ذلك الزمان يستنصر به، من قدم بين يدي التابوت لم يرجع حتى يقتل، أو ينهزم منه الجيش . فقتل وتزوّج المرأة، ونزل الملكان على داود ، فسجد فمكث أربعين ليلة ساجداً حتى نبت الزرع من دموعه على رأسه، فأكلت الأرض جبينه وهو يقول في سجوده: رب زل داود زلة أبعد مما بين المشرق والمغرب. رب إن لم ترحم ضعف داود، وتغفر ذنوبه جعلت ذنبه حديثاً في المخلوق من بعده .
فجاء جبريل  من بعد أربعين ليلة فقال: يا داود إن الله قد غفر لك، وقد عرفت أن الله عدل لا يميل، فكيف بفلان إذا جاء يوم القيامة فقال: يا رب دمي الذي عند داود؟ قال جبريل: ما سألت ربك عن ذلك، فإن شئت لأفعلن فقال: نعم . ففرح جبريل، وسجد داود ، فمكث ما شاء الله، ثم نزل فقال: قد سألت الله يا داود عن الذي أرسلتني فيه. فقال: قل لداود إن الله يجمعكما يوم القيامة فيقول: « هب لي دمك الذي عند داود فيقول: هو لك يا رب فيقول: فإن لك في الجـنة ما شئت، وما اشتهـيت عوضاً ».( )
وقد قمت بحصر هذه الروايات بجميع طرقها مرفوعة وموقوفة وتبين لي ضعفها جميعا وأن مصدرها هو الإسرائيليات التي لا تتفق وشرعنا ولا يجوز القول بها في تفسير القرآن الكريم، وأن ما ورد عن السلف في ذلك لم يصح نسبته إليهم.
نقد الروايات الواردة في تفسير فتنة داود عليه السلام.
أولاً - مصدر هذه الروايات.
هذه الروايات تنبئ عن مصدرها، فهي مأخوذة عن أهل الكتاب، وتفوح منها رائحة الإسرائيليات التي لا توافق شرعنا، ولا يجوز روايتها، ولا جعْلها تفسيراً للقرآن الكريم.
فقد ورد النص على كونها من مزاعم أهل الكتاب في رواية وهب بن منبه، حيث جاء فيها: فيزعمون أنها لما رأته نقضت رأسها، فوارت به جسدها منه ..... ثم أمر صاحب جيشه - فيما يزعم أهل الكتاب - أن يقدم زوجها للمهالك ..... ويزعمون أنه قال: أي رب هذا غفرت ما جنيت في شأن المرأة، فكيف بدم القتيل المظلوم؟ قيل له: يا داود - فيما زعم أهل الكتاب - أما إن ربك لم يظلمه بدمه.... ( )
وقد نَصَّ كثير من العلماء وأهل التفسير على كون هذه الروايات من قبيل الإسرائيليات.
قال ابن كثير في تفسيره: "ذكر المفسرون هاهنا قصة أكثرها مأخوذ من الإسرائيليات، ولم يثبت فيها عن المعصوم حديث يجب اتباعه".( )
وقال في قصص الأنبياء: "وقد ذكر كثير من السلف والخلف هاهنا قصصا وأخبارا أكثرها إسرائيليات، ومنها ما هو مكذوب لا محالة".( )
وقال القاضي عياض: "وأما قصة داود  فلا يجب أن يلتفت إلى ما سطره فيه الإخباريون من أهل الكتاب الذين بدلوا وغيروا، ونقله بعض المفسرين. ولم ينص الله على شيء من ذلك، ولا ورد في حديث صحيح".( )
وقال الإمام الشنقيطي: " واعلم أن ما يذكره كثير من المفسرين في تفسير هذه الآية الكريمة، مما لا يليق بمنصب داود - عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام - كله راجع إلى الإسرائيليات، فلا ثقة به، ولا معول عليه، وما جاء منه مرفوعا إلى النبي  لا يصح منه شيء".( )
وقال الدكتور أبو شهبة: "ولا نكاد نصدق ورود هذا عن المعصوم ، وإنما هي اختلاقات وأكاذيب من إسرائيليات أهل الكتاب، وهل يشك مؤمن عاقل يقر بعصمة الأنبياء في استحالة صدور هذا عن داود ، ثم يكون على لسان من ؟ على لسان من كان حريصا على تنزيه إخوانه الأنبياء عما لا يليق بعصمتهم، وهو نبينا محمد  ".( )
وقد بَيَّن الإمام البقاعي أن هذه القصة من أكاذيب اليهود؛ وأنهم أرادوا بها الطعن في عيسى  وذلك حيث قال: "وتلك القصة وأمثالها من كذب اليهود، وأخبرني بعض من أسلم منهم أنهم يتعمدون ذلك في حق داود ؛ لأن عيسى  من ذريته؛ ليجدوا السبيل إلى الطعن فيه".( )
قلت: ومما يؤيد أن مصدر هذه القصة هو كتب أهل الكتاب أنه جاء في الكتاب المقدس في سفر صمويل ما يلي:
وكان في وقت المساء أن داود قام عن سريره، وتمشى على سطح بيت الملك، فرأى مِنْ على السطح امرأة تستحم. وكانت المرأة جميلة المنظر جدا، فأرسل داود وسأل عن المرأة، فقال واحد: أليست هذه بَثْشَبَعَ بنت أَلِيعامَ امرأة أُورِيَّا الحِثِّيِّ؟ فأرسل داود رسلا وأخذها، فدخلت إليه، فاضجع معها وهي مطهرة من طمثها، ثم رجعت إلى بيتها. وحبلت المرأة، فأرسلت وأخبرت داود، وقالت: إني حبلى. فأرسل داود إلى يُوآبَ يقول: أرسل إلىَّ أُورِيَّا الحِثِّيِّ، فأرسل يُوآبُ أُورِيَّا إلى داود. فأتى أُورِيَّا إليه، فسأل داود عن سلامة يُوآبَ وسلامة الشعب ونجاح الحرب، وقال داود لأُورِيَّا: انزل إلى بيتك واغسل رجليك. فخرج أُورِيَّا من بيت الملك، وخرجت وراءه حصة من عند الملك، ونام أُورِيَّا على باب بيت الملك مع جميع عبيد سيده، ولم ينزل إلى بيته. فأخبروا داود قائلين: لم ينزل أُورِيَّا إلى بيته. فقال داود لأُورِيَّا: أما جئت من السفر؟ فلماذا لم تنزل إلى بيتك؟ فقال أُورِيَّا لداود: إن التابوت وإسرائيل ويهوذا ساكنون في الخيام، وسيدي يُوآبَ وعبيد سيدي نازلون على وجه الصحراء، وأنا آتي إلى بيتي لآكل وأشرب واضطجع مع امرأتي ! وحياتِك وحياة نَفْسِك لا أفعل هذا الأمر. فقال داود لأُورِيَّا: أقم هنا اليوم أيضا، وغدا أُطْلِقُكَ، فأقام أُورِيَّا في أورشليم ذلك اليوم وغده، ودعاه داود فأكل أمامه وشرب وأسكره، وخرج عند المساء ليضطجع في مضجعه مع عبيد سيده، وإلى بيته لم ينزل.
وفي الصباح كتب داود مكتوبا إلى يُوآبَ وأرسله بيد أُورِيَّا، وكتب في المكتوب يقول: اجعلوا أُورِيَّا في وجه الحرب الشديدة وارجعوا من ورائه فيُضرب ويموت. وكان من محاصرة يُوآبَ المدينة أنه جعل أُورِيَّا في الموضع الذي علم أن رجال البأس فيه. فخرج رجال المدينة وحاربوا يُوآبَ، فسقط بعض الشعب من عبيد داود، ومات أُورِيَّا الحِثِّيّ أيضا.....
فلما سمعت امرأة أُورِيَّا أنه قد مات أُورِيَّا رجُلُها نَدَبَت بعلها، ولما مضت المناحة أرسل داود وضمها إلى بيته، وصارت له امرأة وولدت له ابناً. وأما الأمر الذي فعله داود فقبح في عَيْنَي الرب.
فأرسل الربُ ناثان إلى داود، فجاء إليه وقال له: كان رجلان في مدينة واحدة، واحد منهما غني والآخر فقير، وكان للغني غنم وبقر كثيرة جدا، وأما الفقير فلم يكن له شيء إلا نعجة واحدة صغيرة قد اقتناها ورباها وكبرت معه ومع بنيه جميعا .... فجاء ضيف إلى الرجل الغني فَعَفَا أن يأخذ من غنمه ومن بقره ليُهيئ للضيف الذي جاء إليه، فأخذ نعجة الرجل الفقير وهيأ للرجل الذي جاء إليه. فحمي غضب داود على الرجل جدا، وقال لناثان: حي هو الرب، إنه يُقْتَل الرجل الفاعل ذلك، ويَرُدُّ النعجة أربعة أضعاف؛ لأنه فعل هذا الأمر ولأنه لم يُشْفِق. فقال ناثان لداود: أنت هو الرجل! هكذا قال الرب إله إسرائيل: أنا مسحتك ملكا على إسرائيل .... لماذا احتقرت كلام الرب لتعمل الشر في عينيه؟ قد قتلت أُورِيَّا الحِثِّيّ بالسيف، وأخذت امرأته لك امرأة، وإياه قتلت بسيف بني عَمُّون..... إلى أن يقول: فالابن المولود لك يموت .... وكان في اليوم السابع أن الولد مات.... وعزى داود بثْشَبَع امرأته، ودخل إليها واضطجع معها، فولدت ابنا، فدعا اسمه سليمان، والرب أحبه.( )
قلت: من خلال هذا النص المنقول من الكتاب المقدس يتبين مصدر هذه الروايات التي معنا، فهي من أكاذيب الإسرائيليات التي لا يجوز التحديث بها إلا مع بيان حالها.
***
يتبع إن شاء الله
 
إضاءة على شخصية أوريا الحثي بحسب كتاب: دائرة المعارف الكتابية، د. صموئيل حبيب وآخرون، دار الثقافة، القاهرة، 1992م.

سكن في أورشليم (القدس) في أيام داود ودخل في خدمة داود الملك وصار عابداً للرب (كما يتضح من معنى الاسم)، وتزوج امرأة يهودية اسمها: بثشبع. وهي التي وقع داود في الخطيئة معها بينما كان أوريا في الحرب، فاستدعاه داود إلي أورشليم؛ ليدخل بها فيظن أنها حملت منه لإخفاء ما حدث من داود.
لكن أوريا شعر أنه مقيد بواجبه كجندي فلم يدخل بها (انظر سفر صموئيل الأول 21: 5، وسفر التثنية 23: 10و 11) ورفض أن يسيء إلى الشريعة التي تمنع الدخول على النساء وقت الحرب، وهكذا لم تفلح حيلة داود. وإذا فشل داود في ذلك، كتب إلى يوآب قائد الجيش، كتاباً به تعليمات كانت في حقيقتها أمراً بقتل أوريا، وقد نفذ يوآب هذه التعليمات تماماً (سفر صموئيل الثاني 11: 2-27) .

ووجود اسم أوريا في قائمة أبطال داود (انظر صموئيل الثاني 23: 39، وسفر الأخبار الأول 11: 41) دليل على شهرته كجندي ، وقد ذكر الاسم في صموئيل الثاني (12: 9,10و 15) وفي الملوك الأول (15: 5) وفي إنجيل متى (1: 6) .

وعلل البقاعي سبب تحريف اليهود للتوارة وتزوير هذه القصة..
وتلك القصة وأمثالها من كذب اليهود، وأخبرني بعض من أسلم منهم أنهم يتعمدون ذلك في حق داود عليه السلام؛ لأن عيسى عليه السلام من ذريته، ليجدوا سبيلاً إلى الطعن فيه.

قلت: يقصد بذلك ما ورد في سفر التثنية: " لا يَدْخُلِ ابْنُ زِنىً فِي جَمَاعَةِ الرَّبِّ، حَتَّى الجِيلِ العَاشِرِ لا يَدْخُل مِنْهُ أَحَدٌ فِي جَمَاعَةِ الرَّبِّ ".
ويسوع يدخل في هذا بحسب سلسلة نسبه؛ إذاً يسوع ليس من جماعة الرب!
 
عودة
أعلى