الحمد لله .. صدر حديثا كتابي ( قلب موصول بالله)

هاني درغام

New member
إنضم
28/12/2009
المشاركات
377
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
مصر
صدر- بفضل الله وكرمه- كتابي ( قلب موصول بالله)- دار طيبة – مصر والكتاب يقع في 224 صفحة من القطع الكبير وجاء الكتاب في مقدمة وفصلين وخاتمة
الفصل الأول بعنوان (القلب المفقود) وتحدثت فيه عن أهمية القلب بصفة عامة والقلب الموصول بالله بصفة خاصة
والفصل الثاني بعنوان (مصابيح القلوب) وهو يشكل المادة الأساسية للكتاب وتحدثت فيه عن عشرين صفة من صفات القلب الموصول بالله وهي علي الترتيب :
1- قلب استنار بنور الإيمان 2- قلب ينهل من معين اليقين
3- قلب يغتسل في أنهار التوبة 4- قلب همومه أُخروية
5- قلب يفوح بعطر الإخلاص 6 - قلب يتجاوب مع آيات الله
7- قلب يرفرف في سماء المحبة 8- قلب لباسه التقوي
9- قلب دائم المراقبة 10- قلب جنته الرضا
11- قلب حصنه التوكل 12- قلب عدوه الغفلة
13- قلب لا يعرف اليأس 14- قلب يُتقن الخشوع
15- قلب يرتع في رياض الذكر 16- قلب يرسو علي شواطيء البكائين
17- قلب ينطرح علي عتبة الإفتقار 18- قلب يسجد في محراب الخشية
19- قلب يعشق الحرية 20- قلب يكره التشاحن والتباغض
وللإطلاع علي صفة قلب يغتسل في أنهار التوبة .. راجع الرابط التالي
www.alukah.net/Social/0/29430
أسأل الله عزوجل أن ييسر لإخواني الأفاضل الإطلاع علي هذا الكتاب وأن يزودونني بملاحظاتهم ومقترحاتهم .. فأنا أحوج ما أكون إلي أرائكم وتوجيهاتكم
وفقكم الله دائما لما يحبه ويرضاه وجمع بيننا علي محبته وتقواه
لمشاهدة غلاف الكتاب انظر الرابط التالي
http://www3.0zz0.com/2011/03/05/19/540603146.jpg

 
اطلعتُ للتو على الرابط الذي تفضلتَ بإضافته كنموذجٍ لكتابك, ورغم أنني من اطلاعي السريع على عناوين الفصل الثاني قد شعرتُ بإكثارك من الصفات التي يتداخل بعضها ببعض فتتشابه؛ الحد الذي يجعلها صالحة للدمج تحت عدد محدود من النقاط. إلا أنني وبعد قراءة النموذج الذي أتحفتنا به تحت عنوان: صفة قلب يغتسل في أنهار التوبة, أدركتُ أن الكتاب ـ إن كان كله على هذه الصفة فهو ـ رائع وماتع إلى حد يجعل قارئه يتمنى لو أنك أكثرتَ من تلك العناوين والصفات,
وحقا لقد استوقفتني فيه المعاني الرقيقة التي تقطر صدقا وشفافية ... تتسرب إلى القلب بإنسيابية عجيبة ... تاركة بعباراتها الأدبية البديعة في أعماق النفس بصمة مؤثرة.
وأظنني سأحرص على اقتناءه بإذن الله.وأرجو أن يكون من ضمن كتب معرض الكتاب الذي سيقام قريبا في المدينة النبوية.
بارك الله فيك, وبارك لك فيه, وجعله إصدارا مباركا أينما كان.​
 
اطلعتُ للتو على الرابط الذي تفضلتَ بإضافته كنموذجٍ لكتابك, ورغم أنني من اطلاعي السريع على عناوين الفصل الثاني قد شعرتُ بإكثارك من الصفات التي يتداخل بعضها ببعض فتتشابه؛ الحد الذي يجعلها صالحة للدمج تحت عدد محدود من النقاط. إلا أنني وبعد قراءة النموذج الذي أتحفتنا به تحت عنوان: صفة قلب يغتسل في أنهار التوبة, أدركتُ أن الكتاب ـ إن كان كله على هذه الصفة فهو ـ رائع وماتع إلى حد يجعل قارئه يتمنى لو أنك أكثرتَ من تلك العناوين والصفات,

وحقا لقد استوقفتني فيه المعاني الرقيقة التي تقطر صدقا وشفافية ... تتسرب إلى القلب بإنسيابية عجيبة ... تاركة بعباراتها الأدبية البديعة في أعماق النفس بصمة مؤثرة.
وأظنني سأحرص على اقتناءه بإذن الله.وأرجو أن يكون من ضمن كتب معرض الكتاب الذي سيقام قريبا في المدينة النبوية.

بارك الله فيك, وبارك لك فيه, وجعله إصدارا مباركا أينما كان.​
بارك الله لكم أختي الفاضلة
أسأل الله عزوجل أن أكون عند حسن ظنكم
وددت أني أستطيع ارسال نسخة لكل إخواني الأفاضل - خاصة خارج مصر - ممن قد يتعذر عليهم الحصول علي الكتاب
 
ماشاء الله موفق أخي الكريم وإلى الأمام دوما
بارك الله فيك وأحسن الله إليك
ودوما ننتظر جديد حضرتك إن شاء الله
 
سيدي الفاضل أشكر لك عرضك الصادق بإرسال نسخ من كتابك للراغبين فيه من خارج مصر, فجزاك الله خيرا, وأنا فعلا حريصة على الحصول على نسخة من الكتاب, وحتى لو كنتُ في مصر لاشتريتُها ولم أطلبها كهدية, لأنني أفضل دائما أن أدعم الكتاب الذي أحب دعما حقيقيا, ورغم أن شراء نسخة واحدة لن يقدم ولن يؤخر إلا أنه يظل مبدأ من مبادئي, وأنا أحترم وأؤمن بمبادئي, وأسعى دوما لتحقيقها.
وعلى أية حال لدي من أوصيه ليشتري لي الكتاب بإذن الله من الأسكندرية, فأين يجدونه تحديدا؟
وجزاك الله خيرا​
 
سيدي الفاضل أشكر لك عرضك الصادق بإرسال نسخ من كتابك للراغبين فيه من خارج مصر, فجزاك الله خيرا, وأنا فعلا حريصة على الحصول على نسخة من الكتاب, وحتى لو كنتُ في مصر لاشتريتُها ولم أطلبها كهدية, لأنني أفضل دائما أن أدعم الكتاب الذي أحب دعما حقيقيا, ورغم أن شراء نسخة واحدة لن يقدم ولن يؤخر إلا أنه يظل مبدأ من مبادئي, وأنا أحترم وأؤمن بمبادئي, وأسعى دوما لتحقيقها.

وعلى أية حال لدي من أوصيه ليشتري لي الكتاب بإذن الله من الأسكندرية, فأين يجدونه تحديدا؟

وجزاك الله خيرا​
أختي الفاضلة
لقد أرسلت لكم نسخة من الكتاب إلي دار الحجاز للنشر والتوزيع بالأسكندرية – محطة ترام سبورتنج هاتف 0116899100 حيث أخبرتي الناشر أن الكتاب لم يصل الأسكندرية بعد
أسأل الله عزوجل أن يصلكم قريبا
نفعكم الله بالكتاب ووفقكم لما يحبه ويرضاه
 
أخي الكريم... أ.هاني درغام
بارك الله فيك وجزاك خير الجزاء على بادرة الكرم هذه..
أسأل الله أن ييسر أموركم ويبارك جهودكم وأن ينفع بكم الإسلام والمسلمين.

** سأعود لأطمئنكم حين يتم استلام النسخة بإذن الله.
 
قلب يتجاوب مع آيات الله
نقلاً من كتابي (قلب موصول بالله)
إنَّ كثيرًا من الناس يمرُّون على آيات الله - عزَّ وجلَّ - (التكوينية والتنزيلية)، وهم عنها غافلون فلا قلبَ يعقل، ولا عين تبصر، ولا أُذن تسمع، ولا فؤاد يهتز، ولا نفس تطرب، ولا ضمير ينيب، ولا مشاعر تستجيب؛ ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَ يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [الأعراف: 179].
أمَّا صاحب القلب الموصول بالله، فهو يَحيا مع آيات اللّه بآذان صاغية، وعيون راعية، وقلوب واعية ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا ﴾ [الفرقان: 73].
فهو ينظُر إليها بعقله ويُعطيها وجدانَه ومشاعره، وعندئذٍ يُؤذن له بأن يجني من ثمارها، ويقطف من زهرها، وينشق مِن طِيبها، وينتفع بهديها ويستضيء بنورها، فهو ينظر إلى آيات الله على أنَّها آيات ناطقة بوجودِ الله ووحدانيته، يتلقَّاها سطورًا صِيغت بأبلغِ بيان ينطق بصفات الله وعظيم آلائه، يتلقَّاها وهو ينشد قائلاً:
وَفِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آَيَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَاحِدُ
وآيات الله نوعان: آيات الله التكوينية (في الأنفس والآفاق)، وآيات الله التنزيلية (القرآن الكريم).
آيات الله في الأنفس:
إنَّ في خلق الله تعالى للإنسان آيةً للمتوسِّمين، وعِبرةً للمعتبرين، وعِظةً للمتَّعظين؛ ﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ ﴾ [الذاريات: 21].
ويُعلِّق الأستاذ سيِّد قطب - رحمه الله تعالى - على هذه الآية فيقول:
"وهذا المخلوق الإنساني هو العجيبةُ الكبرى في هذه الأرض، ولكنه يغفل عن قِيمته وعن أسراره الكامنة في كيانه حين يغفُل قلبُه عن الإيمان، وحين يُحرَم نِعمة اليقين.
إنَّه عجيبةٌ في تكوينه الجسماني في أسرار هذا الجسد، عجيبة في تكوينه الرُّوحي في أسرار هذه النفْس، وهو عجيبةٌ في ظاهره وعجيبة في باطنه، وهو يمثل عناصر هذا الكون وأسراره وخفاياه، وحيثما وقَف الإنسان يتأمَّل عجائب نفْسه الْتَقى بأسرار تدهش وتحيِّر تكوين أعضائه وتوزيعها، وظائفها وطريقة أدائها لهذه الوظائف، عملية الهضم والامتصاص، الغُدد وإفرازها وعلاقتها بنموِّ الجسد ونشاطه وانتظامه، تناسُق هذه الأجهزة كلها وتعاونها، وتجاوبها الكامِل الدقيق، وكل عجيبة مِن هذه تنطوي تحتها عجائب، وفي كلِّ عضو وكل جزْء مِن عضو خارقة تحيِّر الألباب، ثم أسرار هذا الجِنس في توالده وتوارثه خليَّة واحدة تحمل كلَّ رصيد الجِنس البشري مِن الخصائص، وتحمِل معها خصائصَ الأبوين والأجداد القريبَيْن، فأين تكمُن هذه الخصائص في تلك الخليَّة الصغيرة؟ وكيف تهتدي بذاتها إلى طريقِها التاريخي الطويل، فتمثِّله أدقَّ تمثيل، وتَنتهي إلى إعادة هذا الكائِن الإنساني العجيب؟! وإنَّ وقفةً أمام اللحظة التي يبدأ فيها الجنينُ حياته على الأرْض، وهو ينفصل عن أمِّه ويعتمد على نفسه، ويُؤذن لقلبه ورئتيه بالحرَكة لبَدء الحياة - إنَّ وقفةً أمام هذه اللحظة وأمام هذه الحرَكة لتدهش العقول وتُحيِّر الألباب، وتغمر النفس بفيض مِن الدهْش وفيْض مِن الإيمان لا يقف له قلْب ولا يتماسَك له وجدان!
وإنَّ وقفةً أخرى أمام اللحظة التي يتحرَّك فيها لسان الوليد لينطق بهذه الحروف والمقاطِع والكلمات، ثم بالعبارات، بل أمام النطق ذاته نُطق هذا اللسان وتصويت تلك الحنجرة، إنَّها عجيبةٌ عجيبة تفقد وقْعها؛ لأنَّها تمر بنا كثيرًا، ولكنَّ الوقوف أمامها لحظةً في تدبُّر يجدِّد وقعها، إنها خارِقة، خارقة مُذهلة تُنبئ عن القُدرة التي لا تكون إلا لله، وكل جزئية في حياة هذا المخلوق تقفنا أمامَ خارقة مِن الخوارق لا ينقضي منها العجب؛ ﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ ﴾ [الذاريات: 21][1].
حقًّا إنَّها آياتٌ عظيمة يحار فيها اللُّبُّ ويُدهش منها العقل، إنها عالم رحيب، وكون فسيح، وسجلٌّ حافلٌ بالآيات الدالَّة على قُدرة الخالق وعلى حِكمته، وعلى بديع صُنعه وحِكمة تدبيره.
• هل تأملت الدمَ وهو يجري في العروق بلا توقُّف وبجريانه تَسْري الحياة في الجسَد كما يجري ذلك الدم، فهلتساءلتَ يومًا كيف يجري ومَن أجراه؟ وماذا ينتج عن جَريانه؟وماذا ينتج عن توقُّفه؟هل تساءلتَ يومًا عمَّا إذا توقَّف ذلك الدم عن الجريان، هلبمقدورك أن تُعيدَه للجريان مِن جديد؟!
• هل تأملتَ في قلبك تلك المضغةَ الصغيرة وسألتَ نفسك مَن الذي يتعاهده ويحفَظه ويتولَّى ضبْط سُرعة ضخِّه للدم؟
• هل تأملتَ كُلْيَتَيْك وعملهما العظيم في تنقية دمِك وتصفيته؟ وهل تأملت صغرهما بجانبِ مهمتهما العظيمة التي قد صُنِع لها جهازٌ بملء غرفة كاملة ليقومَبعملهما، وهل تساءلت مَن صنعهما ومَن ألهمها ذلك؟
• هل تأملتَ اللُّقمة التي تأكلها في فمك، مَن الذي يتولَّى عملية تسييرها وهضْمها وامتصاص النافِع منها، وإخراج ما ينبغي إخراجه؟
• هل سألتَ نفسك من يتولَّى أمر إبصارِك بالعين وسماعك بالأذن ونُطقك باللِّسان، من يتولَّى عملية دخول النَّفَس الذي تتنفسه إلى الرِّئتين وأخْذ مادة الأكسجين منه وإخراجه محمَّلاً بثاني أكسيد الكربون؟ وغيرها كثير: الجهاز العظمي، الجهاز العضلي، الجهاز الجلدي، الجهاز التناسلي، الجهاز اللمفاوي، الجهاز العصبي، و...
قلْ لي بربك: مَن ذا الذي صَنَع لك كلَّ ذلك؟ إنَّه ﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴾ [النمل: 88].
فـ﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ﴾ [الانفطار: 6 - 8].
ألا ما أشدَّ جحود الإنسان وكفرانَه وضلاله! مع هذا الفضلِ الغامر الذي يجِدُه في كلِّ ذرَّة من ذرَّاته، ومع كل نفَس من أنفاسه، (ما أشدَّ تنكُّرَ هذا الإنسان لربِّه! خلقه ربه من العدم فشكَّ في وجود ربه، وأطعمه مِن جوع فشكَر غيره، وأمدَّه بالقوة فعصى بها مولاه، يمرض فيَخْشع، فإذا شفاه ربُّه نسِي وتكبَّر، يفتقر فيخضع، فإذا أغْناه الإله طغى وبغى، يُبتلى فيَنكسر ويدعو، فإذا عافاه خالقُه تجبَّر وعتَا، عنده آلاف النِّعم فيكتمها ويطلب غيرها، لديه مئات المواهِب فيجحدها ويسأل سواها[2].
آيات الله في الآفاق:
إنَّ التأمل في أرجاء هذا الكون الفسيح يقودنا إلى جمال الله، ويهدينا إلى عظمته ويُبصِّرنا بلطيف صُنعه، (فهذا الوجود الذي أمامك هو كتابُ الله المنشور، وهذه الكائنات العجيبة التي تملؤه هي سُطورٌ حيَّة تَقرأ فيها قدرتَه سبحانه، وعِلمَه وحِكمتَه، كرمَه ووده وبِره وعظمته، فإذا وقَع نظرك أو سمعك أو يدك على شيءٍ ما فقدْ وقع في الحقيقة على مستودع خطير لحِكم الله وعِبَره، فإذا أحسَّ الإنسان بقلْبه يختلج وبدنه يرتجِف ودمعه يفيض، فليعلم أنه فهم سطرًا من كتاب الوجود، فإنَّ ثمرة التأمُّل أن تنفذ إلى بعض آثار صِفات الخالق وفي الآثار عِبرة، والعِبرة إشعاع رقيق يسْطع في القلْب؛ ليصله في رِفْق بالله - سبحانه وتعالى، فإذا أفضيت إلى الله وخرَّتْ مشاعرك ساجدةً خاشعةً راجيةً محبَّةً بلغت من أسبابِ الفَهْم والمعرفة ما لا يَبْلُغه إلا الرَّاسخون في العِلم، ولو كنت ممَّن لم يقرأ كتابًا أو يجلسوا إلى أستاذ في مدرسة أو جامِعة"[3].
أخي في الله:
كم في هذا الكون مِن جمال ساحِر، ومنظَر فاتن، وحُسْن باهر، وأجمل مِن كل ذلك الجَمال وأروع مِن جميع ذلك الحُسن أن ينظر أولو الألباب إلى جمال هذا الكون ورَوْعة إبداعه وعظيم صُنعه، ودقَّة إحكامه، وعميق انسجامه، فيؤمنون بأنَّ وراء هذا الجمال جمالاً أعظم وحُسنًا أكبر، ونورًا أكمل، وبهاءً أتم، وأنَّ جمال هذا الوجود بأسْره ما هو إلا قطرة مِن فيض جماله، وومضة من بديع كماله، إنَّ رؤية الجمال على حقيقته لا تكون إلا حينما ينظُر القلْبُ بنور الله، فتتكشَّف له الأشياءُ عن جواهرها الجميلة وروائعها البديعة، ويتذكَّر اللهَ كلَّما وقعَتْ عينه أو حسُّه على شيءٍ بديع، أو منظر حسن، فيحس بالصِّلة، ويشعر بالترابُط بيْن المبدع وما أبدع، والجميل وما جمَّل، والمحسِن وما أحسن، ويرى مِن وراء هذا الجمال جمالَ الله وجلاله وكماله؛ ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران: 190 - 191].
إنَّ آيات الله في الكون لا تتجلَّى على حقيقتها الموحية إلا للقلوبِ الذاكرة العابدة، فهؤلاء الذين يذكرون الله قيامًا وقعودًا، وعلى جنوبهم وهم يتفكَّرون في خلْق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار، هم الذين تتفتَّح لبصائرهم الحقائق الكبرى المنطوية في خلْق السماوات والأرض، واختلاف الليل والنهار؛ فيُوصِّلهم ذلك إلى التعرُّف على اللَّه - سبحانه وتعالى - والاستدلال على وحدانيته وقدرته وعِلمه وحِكمته، وأنَّ هذا الوجود ما خُلِق إلا بالحق، وما قام إلا على سُنن وقوانين تمسك به، وتحفظ عليه وجودَه ونظامَه، وإدراك الحق الذي في تصميمِ هذا الكون وفي ظواهره معناه عند أولي الألباب أنَّ هناك تقديرًا وتدبيرًا، وأنَّ هناك حِكمةً وغاية، وأن هناك حقًّا وعدلاً وراء حياةِ الناس في هذا الكوكب، ولا بدَّ إذًا مِن حساب ومِن جزاء على ما يقدّم الناس من أعمال، ولا بد إذًا من دار غير هذه الدار يتحقَّق فيها الحقُّ والعدْل في الجزاء.
والكون يسبح لله:
إنَّ صاحب القلب الحي حينما يتصوَّر هذا الكون وهو خاضعٌ لله، خاشِع يأتمر بأمره، كأني بهذا القلب في تنافُس مع الكون في عبادة الله يُشاركه عبادته؛ سجوده وتسبيحه وإخباته؛ ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ [الإسراء: 44].
وما أجمل ما قاله الأستاذ سيِّد قطب - رحمه الله -:
"إنَّ الإنسان المطمئِنَّ بذكْر الله، الغارق في بحْر التسبيح بحمْد الله، يشعر بسكينةٍ عميقة واستئناس بالله، وبحلاوة الإيمان الذي خالطتْ بشاشتُه القلوب، فأحس بنِعمة حبِّ الله وحبِّ كل مَن سرَى فيه هذا الأُنس، حينها فقط تتفتَّق بصيرته على تأمُّل تسبيح كلِّ المخلوقات للمولَى تعالى، فيَرى هذا العبد البصير كلَّ شيء يسبح بحمد ربه: الكواكب والبحار، والطيور المغردة، والأزهار المتفتحة، والجداول الرقراقة، كل شيء منشغِل في تقديس ملِك السماوات والأرض، حتى الطبيعة بجمالها ورَوْعتها تُصبِح في عين المؤمِن تجليًّا لقدرة الله ورَوْعة خلْقه، وهي بما فيها مِن مخلوقات لم تُوجد إلا لتسبِّح بحمد ربِّها، وتلك عبادتها وهي مسخَّرة بفضل الخالِق - عزَّ وجلَّ - لخِدمة الإنسان الذي يجْعل حياته كلَّها لله تعالى، والذي خُلِق لعمارة الأرْض، والاستخلاف فيها، مجتهدًا لنيل رضوان الله في كلِّ أيام عمره، وفي ذلك فقط معنى العبودية التي خُلِق الإنسان لتحقيقها، وفي تبصُّر الإنسان بهذا التأمُّل يتميَّز عن غيره مِن المخلوقات بما فضَّله الله عن باقي خلْقه بنِعمة القلْب والعقل والسَّمع والبصر والفؤاد، إنَّه كان عنهم مسؤولاً، فيعبد ربَّه بإخلاص الموقِنين ويفقه أنَّ كل شيء مشغولٌ بالتسبيح، حتى لو لم نفْقه تسبيحَهم حينها يتشرَّب قلب المؤمن مِن نهر هذا التأمُّل العرفاني فتتحقَّق السعادة الرُّوحية مهما كان بلاء الدنيا ومصيباتها؛ لأنَّ هذا الإنسان الحي بحياة قلْبه يتيقَّن يقينًا يغمر جنباتِ رُوحه، ويُفيض نورًا يضيء زوايا قلْبه بأنَّ الله لا ينسى مَن خلقَه ولا يترُك مَن دعاه، ولا يُخيِّب رجاء مَن التمس رِضاه، ينعتق هذا القلبُ الرباني من أسْر الحياة، ويُرفْرِف في سماء التقديس لله منسجمًا مع الكون الخاشِع المسبِّح.
آيات الله التنزيلية (القرآن الكريم):
"إنَّ السائر في رِحلة يحتاج إلى دليل يبيِّن له مِن أن أين تبدأ وأين تنتهي، وأيَّ شيء يجد في الطريق، وأين يمْضي وأين يتوقف ليتزود بالزاد، فإن لم يكن معه هذا الدليل فإنَّه يخبط خبط عشواء، ونهايته إلى البوار، والرحلة البشرية الكبرى في حاجةٍ إلى دليل يبيِّن للسائر فيها معالِم الطريق، والقرآن مرشِد السالكين في رِحلة الحياة، فهو الذي يُعرِّفنا حقيقةَ الإنسان ودوره في الأرْض، وغاية خلْقه وحدود طاقاته، ومنشأه ومصيره، بعبارة أخرى: هو دليلُ الرِّحلة البشرية مِن مبدئها إلى منتهاها"[4].
فالقرآن الكريم رُوح تُحيي القلوب الميِّتة كما تُحيي الأرض بوابلِ السماء؛ ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا ﴾ [الشورى: 52].
نعم، القرآن رُوح ما نزل ببلدة إلاَّ أحياها! وما أُشْرِبَتْهُ نفس إلاَّ أيقظها! وكان لها نورًا وبركات، إنَّ القرآن ماء القلوب وحياتها، تتنزل أنواره على القلوب المنشرِحة لكتاب الله تلاوةً وتزكيةً وتعلمًا، أنوار تهطل بالبَركات وبالحياة.
لذا فصاحِب القَلْب الموصول بالله إذا تلا القرآن استعرضه، فكان كالمِرآة يرى بها ما حسُن مِن فعله وما قبُح منه، فما حذَّره مولاه حذره، وما خوَّفه به من عقابه خافَه، وما رغَّبه فيه مولاه رغِب فيه ورجاه، فهو لا يقرأ القرآن بقصْد الثَّقافة والاطلاع ولا بقصْد التذوُّق والمتاع، وإنما يتلقَّى القرآن ليعمل به فورَ سماعه تمامًا كما يقرأ الجنديُّ والموظَّف كتاب رئيسه؛ ليعملَ بمقتضاه وينفذ وصاياه.
وهذا ما أشار إليه الإمامُ ابن القيِّم - رحمه الله -:
"فلا شيءَ أنفع للقلب مِن قراءة القرآن بالتدبُّر والتفَكُّر، فإنَّه جامع لجميع منازل السائرين، وأحوال العاملين، ومقامات العارفين، وهو الذي يورث المحبَّة والشوق والخوْف والرَّجاء والإنابة والتوكُّل والرِّضا والتفويض، والشكر والصبر، وسائر الأحوال التي بها حياةُ القلْب وكماله، وكذلك يزجر عن جميع الصِّفات والأفعال المذمومة، والتي بها فسادُ القلْب وهلاكه، فلو علم الناسُ ما في قراءة القرآن بالتدبُّر لاشتغلوا بها عن كلِّ ما سواها، فإذا قرَأه بتفكُّر حتى مرَّ بآية وهو محتاجٌ إليها في شفاء قلْبه كرَّرها ولو مائة مرة ولو ليلة، فقراءة آية بتفكُّر وتفهُّم خير مِن قراءة ختْمة بغير تدبُّر وتفهُّم، وأنفع للقلب وأدْعى إلى حصولِ الإيمان وذوْق حلاوة القرآن"[5].
فالهدف مِن نزول هذا الكتاب العظيم لم يقتصرْ - فقط - على تلاوته وتلفُّظ اللِّسان به، بل لكي تكون آياتُه منبعًا للفِكر والتدبُّر وسببًا ليقظةِ الوجدان؛ ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29]، وتدبُّر القرآن هو تحديقُ نظر القلب إلى معانيه، وجمع الفكر على تدبُّره وتعقُّله، وقيل: هو التفكُّر الشَّامِل الواصِل إلى أواخِر دَلالات الكلِم ومراميه البعيدة، "إن قلب المتدبِّر للقرآن ينتابه تطلُّع وتشوُّفٌ كما ينتاب المريضَ شعورٌ بالبحث عن العلاج، أو كما ينتاب الحائرَ شعورٌ بالبحث عن الدَّلالة والهداية، إنَّ المتدبِّر للقرآن في قلبه حاجةٌ ماسة متوقِّدة لغاية لا يجدها إلا في القرآن، فهو يقرأ القرآن لقصْد وغاية، لا يقرُّ له قرار ولا تستقيم له قراءة ولا يهدأ له بال، حتى يظفرَ بها.
ولا عجبَ أن يجِدَ القلب راحته في تدبُّر القرآن وتفهُّم ألفاظه ومقاصِد آياته، فهو إنما يتذوَّق حلاوة المناجاة لكلام الخالِق المحكَم المفصَّل، كيف لا وهو يتَسامى عن دُنياه ويتصوَّر المعاني ليحلِّقَ في آفاق الآيات فربَّما يعيش لحظةً مع معنى قرآني تكلَّم به الله مشعرًا به خلجات قلْبه فيجد لقلبه حياةً أخرى، ولقراءته طعمًا ولدُعائه لذَّةً.
ثم يُعيد القراءة مرَّة أخرى فتُجَدَّد له معانٍ في قلبه لا يصِفُها لسانه ولا يكتمها قلبه، ثم يستمر في القراءة فلا يحتمل قلبُه الضعيف تدفقَ تلك المعاني الضخمة، ورهبة التأمُّل لروعة خِطاب الربِّ وثقل الأمانة التي طوتْها حروفٌ معدودة.
فعندها ترقُّ النفس وتُصيبها السكينة وتلفُّها الخشية والرهبة والرغبة، ويعتريها البكاء والوجل، ثم يتجلَّى للقلب من المعاني ما يشعر بالقُرْب من الله الكريم، فيطمئنُّ القلب إلى ذِكر رحمة الرحمن الرحيم، كما قال سبحانه: ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ [الزمر: 23][6].
إنَّ صاحب القلب الموصول بالله يتصفَّح كتاب الله وهمَّته (متى أستغني بالله عن غيره؟ متى أكون من المتَّقين؟ متى أكون مِن الخاشعين؟ متى أكون مِن الصابرين؟ متى أكون مِن الصادقين؟ متى أكون مِن الخائفين؟ متى أكون مِن الراجين؟ متى أزْهَد في الدنيا؟ متى أرغَب في الآخرة؟ متى أتوب مِن الذنوب؟ متى أعرِف النِّعم المتواتِرة؟ متى أشكُره عليها؟ متى أعقل عنِ الله الخِطاب؟ متى أفقه ما أتْلو؟ متى أغلب نفْسي على ما تهوى؟ متى أجاهد في الله حقَّ جهاده؟ متى أحْفَظ لساني؟ متى أغضُّ طرْفي؟ متى أحْفَظ فرْجي؟ متى أستحي من الله حقَّ الحياء؟ متى أشتغل بعيبي؟ متى أُصلح ما فسَد مِن أمري؟ متى أُحاسِب نفسي؟ متى أتزوَّد ليوم معادي؟ متى أكون عن الله راضيًا؟ متى أكون بالله واثقًا؟ متى أكون بزجر القرآن متَّعظًا؟ متى أكون بذِكْره عن ذِكر غيره مشتغلاً؟ متى أُحِبُّ ما أحَب؟ متى أُبغِض ما أبغَض؟ متى أنْصَح لله؟ متى أُخلِص له عملي؟ متى أقصِّر أملي؟ متى أتأهل ليومِ موتي وقد غُيِّب عني أجلي؟ متى أعمِّر قبري؟ متى أفكِّر في الموت وشدته؟ متى أفكِّر في خلوتي مع ربي؟ متى أفكِّر في المنقلب؟ متى أحذر ممَّا حذَّرني منه ربي؟ متى...)[7].
منارات على الطريق:
عَن ابن مَسعودٍ - رضي الله عنه - قالَ: قال لي النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اقْرَأْ عليَّ القُرآنَ))، قلتُ: يا رسُولَ اللَّه، أَقْرَأُ عليكَ وعليكَ أُنْزِل؟ قال: ((إني أُحِبُّ أنْ أسْمَعَه مِن غيري)) فقرَأْتُ عليه سورَةَ النِّساء، حتى جِئْتُ إلى هذِهِ الآية ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدً ﴾ [النساء: 41]، قال: ((حَسْبُكَ الآن))، فالْتفَتُّ إليه فإذا عَيناهُ تَذْرِفان.
رُوي أنَّ عائشةَ أم المؤمنين - رضي الله عنها - سُئِلت عن أعجب ما رأتْه من رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فبكَت، ثم قالت: كان كلُّ أمره عجبًا، أتاني في ليلتي التي يكون فيها عِندي فاضطجع بجنبي حتى مسَّ جلدي جلده، ثم قال: ((يا عائشة، ألا تأذنين لي أن أتَعبَّد ربي - عزَّ وجلَّ ؟)) فقلت: يا رسولَ الله، واللهِ إني لأُحبُّ قُربك وأحبُّ هواك (أي: أحبُّ ألاَّ تُفارقني وأحب ما يسرُّك مما تهواه)، قالت: فقام إلى قِربة مِن ماء في البيت فتوضَّأ ولم يكثر صبَّ الماء، ثم قام يُصلِّي ويتهجد فبكَى في صلاته حتى بلَّ لحيته، ثم سجَد فبكى حتى بلَّ الأرض، ثم اضطجع على جنبه فبَكى، حتى إذا أتى بلال يُؤذنه بصلاةِ الفجر رآه يبكي، فقال: يا رسولَ الله، ما يُبكيك وقد غفَر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخر؟! فقال له: ((ويحَك يا بلال! وما يمنعني أن أبْكي وقد أنْزَل الله عليَّ في هذه الليلة هذه الآيات: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران: 190 - 191]، فقرأها إلى آخر السورة، ثم قال: ((ويلٌ لمَن قرأها ولم يتفكَّر فيها)).
بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لقد أبكتْك آيةٌ ما أبكَتِ الكثيرين منَّا!

فيا قلبي العليل ...
كم مرَّةً قرأتَ هذه الآية؟ فهل فهمت؟ هل تأثرت؟ هل خشعت؟
كم مرةٍ قرأت القرآن! ومع ذلكفلا قلبُك يخشع ولا عينُك تدمَع ولا تدبر يشفع،مع أنَّ هذا القرآن لو أنزل على جبل لرأيته خاشعًا يتصدَّع، وكأني بك لا تُبصِر ولا تسمع.
أمَا والله لو ذُقْت حلاوة القرآن لهجرْت الشواغل، ولشفَتْ مواعظُه قلبك الغافل.
فعاهِدْني يا قلبي، أن تعود إلى كتاب ربِّك، تتدبَّر آياته، تنتفع بمواعظِه، تقبل عليه بكيانك، تتخلَّق بآدابه، تحفظ حدودَه، تنشغل به، تصحَبه في حِلِّك وترحالك.
[1]"في ظلال القرآن" (6/3379 - 3380) بتصرف يسير.
[2] "على بوابة الوحي"، د. عائض القرني.
[3] تذكرة الدُّعاة" (ص 100) البهي الخولي.
[4] "ركائز الإيمان" (ص: 207) محمد قطب.
[5] "مفتاح دار السعادة" (1/553).
[6] "تدبر القرآن" (ص: 8 - 9) سلمان السنيدي.
[7] "أخلاق حملة القرآن" (ص: 40) أبو بكر الآجري.
 
جزاكم الله خيراً كيف لنا بالحصول على الكتاب؟!
هل هو موجود في السعودية ؟!
وإن لك يكن فأين نجده بمصر تحديداً؟!
جزاكم الله خيرا وأعزكم الله بالإسلام وأعزّ الإسلام بكم
 
جزاكم الله خيراً كيف لنا بالحصول على الكتاب؟!
هل هو موجود في السعودية ؟!
وإن لك يكن فأين نجده بمصر تحديداً؟!
جزاكم الله خيرا وأعزكم الله بالإسلام وأعزّ الإسلام بكم
الكتاب من مطبوعات دار طيبة - حلوان - مصر هاتف 0101390293
والكتاب موجود إنشاء الله في مؤسسة إقرأ للنشر - درب الأتراك هاتف 25142167
وأنا علي استعداد لإرسال نسخة من الكتاب لكم في مصر إن شاء الله
وفقكم الله لما يحبه ويرضاه
 
قلب همومه أخروية
نظرَ صاحبُ القلبِ الموصول بالله في همومِ النَّاس من حوله، فوجدَ أكثرَهم يهتمُّون بزينةِ الحياة الدُّنيا؛ تراهم أخلدوا إلى مباهجِها، وخُدِعوا بشهواتِها، وانصرفتْ همتُهم نحو المآكلِ والمشاربِ، والملابسِ وفخامةِ المنازل، وأناقةِ الفراش والأثاث وألوان التَّرَفِ والرياش، وعزَّةِ المناصب والجاه والمال، والزَّوجاتِ والعشيرة، تشغلُهم الأفكارُ التَّافهةُ والنزوات الفارغة ومطالبُ النَّفسِ الحيوانية الظَّاهرة والباطنة، أمَّا صاحبُ القلبِ الموصولِ بالله فينظرُ إلى الدُّنيا بعين البصيرةِ، ويوقنُ أنَّ نعيمَها ابتلاءٌ، وحياتها عناءٌ، وعيشتَها نكدٌ، وصفوَها كدرٌ؛ فهي دارٌ حلالُها حسابٌ وحرامُها عقابٌ، وأهلُها منها على وجل: إمَّا بنعمةٍ زائلة، أو بلية نازلة، أو منية قاضية[1]
لذا فهو يتخذُها استراحةً في طريق، ومنزلاً مؤقتًا يريحُ فيه جسمَه ويجدِّدُ نشاطَه، ويتناول ما قد يحتاجُ إليه من طعامٍ وشراب ليواصلَ سيرَه بعد ذلك إلى غايتِه، غير آبه بما قد رآه في تلك الاستراحةِ من مُلهياتٍ، وغير متأثرٍ بما قد نالَهُ فيها من موحشات، فهو مشغولٌ بالنبأ العظيم، مشغولٌ بمآلِه في المصيرِ الأخروي العظيمِ فلا وقتَ لديه للالتفاتِ أو الانشغالِ بهمومِ الأرضِ ولا بأهلِها الغارقين في أوحالِها، فهو لا يغريه البريقُ الخاطفُ، ولا تشغلُه الزينةُ عن الجوهرِ، وضع نصبَ عينيه وصيةَ ابنِ عطاء الله :
"كفى بك جهلاً أن تعولَ الهمَّ الصغيرَ وتتركَ الهمَّ الكبير، عُلْ همَّ هلْ تموتُ مسلمًا أو كافرًا، عُلْ همَّ أنتَ شقيٌّ أم سعيد، عُلْ همَّ النَّار الموصوفة بالأبدية التي لا انتهاءَ لها، عُلْ همَّ أخذِ الكتابِ باليمين أو الشِّمال، هذا هو الهمُّ الذي يُعال، لا تعُلْ همَّ لقمةٍ تأكلُها أو شربةٍ تشربُها، أيستخدمُكَ الملكُ ولا يطعمُك؟ أتكونُ في دار الضِّيافةِ وتضيع؟ لأَنْ تكونُ خاملاً (الذي لا يُعرف ولا يُذكر) في الدُّنيا خيرٌ لك من أن تكونَ خاملاً يومَ القيامة"
وهكذا حالُ القلبِ الموصول بالله؛ يُحلِّقُ في رحابِ الآخرة وينظرُ من علوٍّ إلى عالم الشَّهواتِ والملذات والغرائز، "فكلُّ ما في الدُّنيا يحرِّكه إلى ذكرِ الآخرة، فإذا رأى ظلمةً ذكر ظلمةَ القبر، وإنْ رأى النَّاسَ نيامًا ذكرَ الموتى في القبور، وإن رأى لذةً ذكرَ الجنَّةَ، وذلك يشغلُه عن كلِّ مأثم، وأعظمُ ما عنده أنَّه يتخايلُ البقاءَ في الجنَّةِ وأنَّ بقاءَه لا ينقطعُ ولا يزول ولا يعتريه نغصةٌ، فيكاد إذا تخايلَ نفسَه متقلبًا في تلك اللذات الدَّائمة التي لا تفنى يطيشُ فرحًا، ويَسْهُل عليه ما في الطَّريق إليها من ألمٍ، ومرضٍ وابتلاءٍ، وفقدِ محبوب، وهجومِ الموت ومعالجة غصصه، فإنَّ التَّائقَ إلى العافيةِ لا يبالي بمرارة الدَّواء ويعلمُ أنَّ جودةَ الثمر هناك على مقدار جودةِ البذرِ ها هنا، فهو يتخيَّرُ الأجودَ ويغتنم الزَّرعَ في تشرين العمر من غير فتور، ثُمَّ يتخايلُ دخولَ النَّار والعقوبة، فينغص عيشَه ويقوى قلقه، فعنده بالحالين شغلٌ عن الدُّنيا وما فيها، فقلبُه هائمٌ في بيداء الشَّوق تارةً وفي صحراء الخوف أخرى، فإذا نازلَه الموتُ قَوِيَ ظنُّه بالسَّلامة، ورجا لنفسِه النجاةَ فيهون عليه، فإذا نزلَ إلى القبرِ وجاءه يسألونهُ، قال بعضُهم لبعضٍ: دعوه فما استراح إلا السَّاعة"[2].
كيف يتعاملُ القلبُ الموصول بالله مع الحياة الدُّنيا؟
"لقد خلق اللهُ طيباتِ الحياة ليستمتعَ بها النَّاسُ، وليعملوا في الأرضِ لتوفيرها وتحصيلها، فتنمو الحياةُ وتتجدَّدُ وتتحقَّقُ خلافةُ الإنسانِ في هذه الأرض، ذلك على أنْ تكون وجهتُهم في هذا المتاع هي الآخرة، فلا ينحرفون عن طريقِها ولا يشغلون بالمتاعِ عن تكاليفِها، والمتاعُ في هذه الحالةِ لونٌ من ألوانِ الشُّكر للمنعم، وتقبلٌ لعطاياه وانتفاعٌ بها، فهو طاعةٌ من الطَّاعاتِ يجزي عليها اللهُ بالحسنى"[3].
إنَّ صاحبَ القلبِ الموصول بالله يتعاملُ مع الحياةِ الدُّنيا على أنَّها دارُ مرورٍ وعبور وامتحان وابتلاء وزوال وفناء، لا تدومُ لأحدٍ، ولا تصفو لبشرٍ، ولا تدومُ لراغبٍ، وليست بمستقرٍّ دائم ومقام أبدي، فهي كما وصفها اللهُ - عزَّ وجل -: ﴿ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا ﴾ [الكهف: 45].
إنَّ "مثلَ هذه الحياةِ الدُّنيا كمثلِ المطرِ ينزلُ على الأرضِ فيختلط نباتها، تنبتُ من كلِّ زوج بهيج، فبينما زهرتُها وزخرفها تسرُّ النَّاظرين وتفرحُ المتفرِّجين وتأخذُ بعيون الغافلين - إذ أصبحت هشيمًا تذروه الرِّياحُ، فذهب ذلك النباتُ النَّاضرُ والزهر الزاهر والمنظرُ البهي، فأصبحت الأرضُ غبراءَ ترابًا، قد انحرف عنها النَّظرُ، وصَدَفَ عنها البصرُ، وأوحشت القلب كذلك هذه الدُّنيا، بينما صاحبُها قد أعجب بشبابِه وفاق فيها على أقرانِه وأترابِه، وحصَّل درهمَها ودينارَها واقتطف من لذتِه أزهارَها، وخاض في الشَّهواتِ في جميعِ أوقاته، وظنَّ أنَّه لا يزالُ فيها سائر أيامِه، إذ أصابه الموتُ أو التلف لمالِه فذهبَ عنه سرورُه وزالت لذتُه وحبورُه، واستوحشَ قلبُهُ من الآلامِ، وفارقَ شبابَه وقوتَه ومالَه، وانفرد بصالحِ أو سيئ أعمالِه، هنالك يعضُّ الظالمُ على يديه حين يعلم حقيقةَ ما هو عليه ويتمنَّى العودَ إلى الدُّنيا، لا ليستكملَ الشَّهواتِ، بل ليستدركَ ما فرَّط منه من الغفلات بالتَّوبةِ والأعمال الصَّالحات"[4].
فصاحبُ القلبِ الموصول بالله كلَّما تأمَّلَ في الآيةِ السَّابقة أدرك أنَّ نضرةَ النَّباتِ تصيرُ إلى جفافٍ ثُمَّ إلى حطام، وأنَّ نشاط الشَّبابِ يتحوَّلُ إلى ضعفِ الشَّيخوخةِ ثم إلى ركود الموت، وأنَّ الذي يجعلُ الأرضَ تموج بالنضرةِ والحيويةِ مرةً أخرى سيحييه بعد موتِه كذلك، ثُمَّ يحاسبُه على ما قدَّم؛ ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8]، فهو يعلمُ أنَّ الحياةَ للأرضِ حياةٌ تليقُ بالدِّيدان والزَّواحفِ والحشرات والهوام والوحوش والأنعام، أمَّا الحياةُ الحقيقية التي ينبغي العملُ لها فهي الحياة الآخرة؛ ﴿ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [العنكبوت: 64]، لذا فهو دومًا يقولُ لنفسِه: قدِّري أنَّك قد متِّ، ولا بد أنْ تموتي، فأي الحالتين تختارين؟ الاغترار بزخرفِ هذه الدَّار والتَّمتعِ بها كتمتعِ الأنعام السَّارحة؟ أم العمل لدارٍ أكلُها دائمٌ وظلُّها، وفيها ما تشتهيه الأنفسُ وتلذُّ الأعين؟ لله در القلب الموصول بالله، نظر إلى باطنِ الدُّنيا حين نظر المغترُّ إلى ظاهرِها، وعمل لآخرتِه حين عمل الغافلُ لدنياه، فشتَّان ما بين الفريقين، وما أبعد الفرق بين الطَّائفتين!
أخي في الله،
"تصوَّرْ نفسَك واقفًا أمامَ بحرٍ عظيم، ألقتْ أمواجُه على شاطئه بكثيرٍ من الأصدافِ المختلفة الأنواع، كما ألقت على مقربةٍ منها كثيرًا من اللآلئ والجواهر النَّادرةِ الوجود الباهظةِ الأثمان، وقد اهتمَّ غلامٌ لا يعرفُ قيمةَ اللآلئ والمجوهراتِ بملءِ جيوبِه وما معه من حقائبَ بالأصدافِ والحصى، فرحًا بها وهو يحسبُ أنَّه يُحسنُ صنعًا، وكنتَ أنت تبذلُ الوسعَ في نصحِه وإرشادِه، وتطلبُ إليه أن يكفَّ عن جمعِ الأصداف، ويغتنم هذه الفرصةَ الثَّمينةَ التي ما يجودُ الدَّهرُ بمثلِها، فلا يعيرُ إرشادَك ونصيحتَك اهتمامًا والتفاتًا، بل يستمرُّ منهمكًا في جمع الصَّدفِ وتعديدِه، على حين تهتمُّ أنت بجمعِ اللؤلؤ واختيار الكبير الثَّمين من حبَّاته، أفلا تقولُ والحالة هذه وأنت ترى ذلك الغلامَ القليل العقل يفعلُ ما يفعل: مسكين هذا الغلام إنَّه يجمعُ صدفاً! وفي نفسِك ما فيها من احتقارٍ لشأنه وازدراءٍ لهمَّته وعمله"[5] أقول: وكذلك الأمرُ بالنسبةِ للقلبِ الموصول بالله والقلب الغافل، فالأولُ يستزيدُ في دنياه مِنْ فعلِ المعروف والإحسانِ، ويبذلُ الوسعَ في اغتنامِ الصَّالحات من الأعمالِ، والقلبُ الغافل الجاهل ينصرِفُ إلى جمعِ المال، وأكبرُ همِّه من دنياه جمعُ المالِ وتعداده، روى الإمامُ أحمدُ والترمذيُّ وابنُ ماجَه من حديثِ زيد بن ثابت - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (مَن كانتِ الآخرةُ هَمَّه، جَمَع الله له شَمْلَه، وَجَعَلَ غناهُ في قَلْبه وَأَتَتْه الدُّنيا وهي راغِمة، ومَن كانتِ الدُّنيا هَمَّه، فَرَّقَ اللهُ عليه شَمْلَه، وجعل فقرَه بين عَيْنَيْه، ولم يأتِه منَ الدُّنيا إلاَّ ما قدر له)(صحيح الجامع 6510) .
وهكذا إذا تغلغلَ همُّ الآخرةِ في النُّفوس، ووصل سويداءَ القلب - هانَ على المرء ما ضاعَ من دُنياه، ورخصَ عليه ما خسرَه في تجارتِه ومربِحه؛ لأنَّه يَسْتَيقِنُ أنَّ مستقرَّه وبقاءَه هناك في الدَّار الآخرة، ولا تحسبنَّ أنَّ صاحبَ القلبِ الموصول بالله لا يخلو مِن هُمُومٍ تعتريه في دنياه؛ من همِّ عملٍ أو مسكنٍ أو زواج أو تربيةِ ولدٍ أو غيرِها، غير أنَّها همومٌ صغيرة تضيعُ أمامَ همِّه الأكبر ومقصده الأعظم.
فيا قلبي الضَّعيف، يا من رواحلُه في طلبِ الدُّنيا لها إسراعٌ، متى تحلُّ عنها نطاقَ الأملِ فيكون الانقطاعُ؟ إذا طلبتَ الآخرة تمشي رويدًا، فمتى يكون الانتفاع؟ عجبًا لك، كيف تشدُّ الرِّحالَ في طلبِ الفاني وفي طريقِه قطَّاع! العمرُ أمانةٌ، أتلفتَ شبابَه في الخيانةِ وكهولتَه في البطالةِ، وفي الشيخوخةِ تبكي وتقول: عمري قد ضاع، أنت في طلبِ الدُّنيا صحيحُ الجسم وفي طلبِ الآخرة بك أوجاعٌ، كم تعرجُ عن سُبل التقوى يا أعرجَ الهمة، يا من يبقى في القاع، اعلم أنَّك راحلٌ إلى الله حتمًا، وما عمرك هذا المتناثر من بين يديك صباحَ مساءَ إلا دلالة صريحة على السَّيرِ الحثيث، فبعد قليلٍ ستنتهي الرِّحلةُ، ونقفُ على محطةِ القبر أنا وأنت لنلجَ عالمَ البرزخِ، في انتظار اجتماعِ أجيالِ الخلائق لليوم الموعود؛ ﴿ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ [الحج: 2]، أخوفه من مشهدٍ عظيم للأهواء والأدواء! وما أفزعَه للنَّفسِ المؤمنة بالله! وما أيقظَه لها من غفلتها! وما أشدَّه تنشيطًا لها في سيرِها إلى مولاها - جل علاه.
دعاء القلب الموصول بالله:
اللهم لا تجعل الدُّنيا أكبرَ همِّنا، ولا مبلغَ علمنا، ولا إلى النَّارِ مصيرَنا، واجعل الجنَّةَ هي دارنا ومأوانا.

المصدر: نقلا من كتابي قلب موصول بالله.

[1] لمزيد من التفاصيل حول حقيقة الحياة الدنيا راجع كتابي متاع الغرور- دار طيبة مصر.
[2] صيد الخاطر ابن الجوزي 428 - 429.
[3] في ظلال القرآن ج 5 ص 2711.
[4] تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن؛ الشيخ عبد الرحمن السعدي.
[5] تأويل سورة الهمزة ص (10 - 11)؛ محمد أمين شيخو.
 
قلب يرفرف في سماء المحبة
المصدر: نقلاً من كتابي: " قلب موصول بالله"
إنَّها رُوح الحياة، وطَعم الوجود، وجنَّة الدنيا وغذاء الرُّوح، وبهجة القلْب، إنها أصلُ العبادة، وأساس السعادَة، إنها أجلُّ مقامات العابدين، وأعظم منازل السائرين، فليس للقلب لذَّة ولا نعيم، ولا فلاح ولا حياة إلاَّ بها، وإذا فقَدَها القلب كان ألمه أعظمَ مِن ألم العين إذا فقدتْ نورها، والأذن إذا فقدتْ سمعها، والأنف إذا فقدَ شمَّه، واللسان إذا فقدَ نُطقه، بل فساد القلْب إذا خلا منها أعظم مِن فساد البدن إذا خلاَ منه الرُّوح، وهذا الأمر لا يصدِّق به إلا مَن فيه حياة.
هل تدري عما أُحدِّثك؟
إنَّها محبَّة الله، وما أدراك ما محبَّة الله؟! إنها "المنزلة التي فيها تنافَس المتنافِسون، وإليها شخص العالمون، وإلى عَلَمها شمَّر السابقون، وعليها تفانَى المحبُّون وبِرَوح نسيمها تروَّح العابدون، فهي قوتُ القلوب وقُرَّة العيون، وهي الحياة التي مَن حُرمها، فهو في جُملة الأموات، والنُّور الذي مَن فقدَه فهو في بِحار الظُّلمات، والشِّفاءُ الذي مِن عدمه حلَّتْ بقلبه جميع الأسْقام، واللَّذة التي مَن لم يظفرْ بها، فعيشه كلُّه هموم وآلام، تاللهِ لقدْ ذهَب أهلها بشرف الدُّنيا والآخرة؛ إذ لهم مِن معرفة محبوبهم أوفر نصيب"[1].
ألاَ ما أروعَ محبَّة الله! إنها "منهلٌ عذب لا أعذبَ منه على نفْس المحبِّ ولا أشْهَى، وهل أمْتَع لنفس المحبِّ مِن ذِكر مَن يحبُّ، وتَكرار حديثه، والترنُّم بذِكراه، إنَّه امتحان يفوز بعدَه المؤمن بهذه الشهادة؛ ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 165].
والذين آمنوا أشدُّ حبًّا لله؛ لأنَّهم يدعون الله رغبًا ورهبًا، ويعبدون الله في السرَّاء والضرَّاء، فقلوبُهم امتلأتْ بتعظيم الله تعالى وخشيته، وإجلاله وهيبته.
والذين آمنوا أشدُّ حبًّا لله؛ لأنَّهم يؤثِرون مرضاةَ الله تعالى على أيِّ هوًى أو رغْبة، ويبذلون في سبيلِ الله مُهجهم وأرواحهم.
والذين آمنوا أشدُّ حبًّا لله؛ لأنَّهم يأوون إلى رُكن الله المكين، ويتمسَّكون بحبل الله المتين، ويلوذون بحِمى الله الذي لا يُضام.
والذين آمنوا أشدُّ حبًّا لله؛ لأنَّهم يتقلَّبون على الجمْر، ويتلذَّذون بالصبر، ولا ترهبهم قوَّة، ولا تأسرهم شهوة، ولا تحكمهم نزْوة، يشتاقون إلى الله ويحبُّون لقاءه، فيحبُّ الله لقاءَهم"[2].
والذين آمنوا أشدُّ حبًّا لله، إنَّها لشهادة أكْرِم بها مِن شهادة! لا أرفع منها ولا أجلَّ، ولا أفضلَ منها ولا أكمل.
من أجمع ما قيل في الحب:
"جرتْ مسألة المحبَّة في مكة أيام المواسم، فتكلَّم فيها الشيوخ وكان الجنيد أصغرَهم سنًّا فقالوا: هات ما عندك يا عراقي، فأطْرقَ رأسه ودمعتْ عيناه، ثم قال: عبدٌ ذاهب عن نفْسه، متَّصل بذِكر ربه، قائِم بأداء حقوقِه، ناظِر إليه بقلْبه، أحرقتْ قلبَه أنوارُ هيبته، وصفا شربه مِن كأس ودِّه، فإنْ تكلم فبالله، وإنْ نطَق فعن الله، وإن تحرَّك فبأمر الله، وإنْ سكت فمع الله، فهو بالله ولله ومع الله، فبَكَى الشيوخ، وقالوا: ما على هذا مَزيد، جزاك الله يا تاج العارفين".
علامات المحبَّة:
اعلم أنَّ محبَّةَ الله إذا تمكَّنت مِن القلب ظهرتْ آثارها على الجوارح، مِن الجدِّ في طاعته، والنشاط لخِدمته، والحرص على مرضاته، والتلذُّذ بمناجاته، والرضا بقضائه، والشوق إلى لقائه، والأنس بذِكره، والاستيحاش مِن غيره، وخروج الدنيا من القلب، ومحبَّة كلِّ مَن يحبُّه الله، وإيثاره على كلِّ مَن سواه، وهذا ما أشار إليه الحارث المحاسبيُّ: "المحبَّة تسليمك إلى المحبوب بكليَّتك، ثمَّ إيثارك له على نفْسك ورُوحك، ثمَّ موافقته سرًّا وجهرًا، ثمَّ علمك بتقصيرك في حبِّه".
وللمحبة علامات كثيرة، منها:
1- كثرة ذكْر المحبوب، فمَن أحب شيئًا أكثر مِن ذِكره بقلْبه ولسانه.
2- الانقياد لأمْر المحبوب في أيِّ حال، والإسراع إليه في السَّيْر.
3- قلَّة صبر المحبِّ عن المحبوب، فينصرف صبرُه إلى الصبر على طاعتِه، والصبر عن معصيته، والصبر على أحكامِه.
4- اتباع الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - والتزام سنته؛ ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31].
5- حب الوَحْدة والأُنس بالخلوة به، وهجْر كلِّ سبب يُقصيه عن محبوبه، وارتياحه لكلِّ سبب يُدنيه مِن محبوبه، وبذل كل ما يملك في سبيلِ مرضاة محبوبه،
فواعجبًا لكَ أيها القلب!
تَعْصِي الْإِلَهَ وَأَنْتَ تَزْعُمُ حُبَّهُ هَذَا لَعَمْرِي فِي القِيَاسِ شَنِيعُ
لَوْ كَانَ حُبُّكَ صَادِقًا لَأَطَعْتَهُ إِنَّ الْمُحِبَّ لِمَنْ يُحِبُّ مُطِيعُ
فِي كُلِّ يَوْمٍ يَبْتَدِيكَ بِنِعْمَةٍ مِنْهُ وَأَنْتَ لِشُكْرِ ذَاكَ مُضِيعُ

من ثمرات المحبة: وهي كما ذَكرها د. مجدلي الهلالي[3]:
1- الرضا بالقضاء: http://www.alukah.net/Social/0/33116/#_ftn3
عندما يتعرَّف الواحد منَّا على مدَى حب ربه له، وحرصه عليه، فإنَّ هذا من شأنه أن يدفعَه دومًا للرِّضا بقضائه، كيف لا وقد أيقَن أنَّ ربه لا يُريد له إلاَّ الخير، وأنه ما خَلَقه ليعذبه، بل خلقَه بيده، وكرَّمه على سائرِ خلْقه ليدخلَه الجنة، دار النعيم الأبدي، ومِن ثمَّ فإنَّ كل قضاء يَقضيه له ما هو إلا خُطوة يمهِّد له من خلالها طريقَه إلى تلك الدار، فالأقدار المؤلِمة والبلايا ما هي إلا أدواتُ تذكير، يُذكِّر الله بها عبادَه بحقيقةِ وجودهم في الدنيا، وأنها ليستْ دارَ مقام، بل دار امتحان، وأنَّ عليهم الرجوعَ إليه قبل فوات الأوان، وهي كذلك أدوات تطهير مِن أثر الذنوب والغفلات التي يقع فيها العبد.
2- التلذُّذ بالعبادة وسرعة المبادرة إليها:
كلما ازداد حبُّ العبد لربِّه ازدادتْ مبادرته لطاعته واستمتاعه بذِكره، وكان هذا الحبُّ سببًا في استخراجِ معاني الأُنس والشوق إلى محبوبه الأعظم، والتعبير عنها مِن خلال ذِكْره ومناجاته.
3- التضحية مِن أجله والجهاد في سبيله:
المحبَّة الصادِقة لله - عزَّ وجلَّ - تدفع صاحبها لبذْلِ كلِّ ما يملكه مِن أجل نيْل رضا محبوبه، وليس ذلك فحسبُ، بل إنَّه يفْعَل ذلك بسعادة، وكل ما يتمنَّاه أن تحوزَ هذه التضحية على رِضاه.
4- الحياء من الله:
فالمحبُّ الصادِق في حبِّه لله - عزَّ وجلَّ - يستحي أن يراه حبيبُه في وضْع شائن، أو مكان لا يحب أن يَراه فيه، فإذا ما وقَع في معصية أو تقصير سارَع بالاعتذار إليه، واسترضائه بشتَّى الطُّرق، وفي هذا المعنى يقول ابن رجب: "إنَّ محبة الله إذا صدقَتْ أوجبتْ محبة طاعته وامتثالها، وبُغض معصيته واجتنابها، وقد يقَع المحبُّ أحيانًا في تفريط في بعضِ المأمورات، وارْتكاب بعض المحظورات، ثم يرجع إلى نفْسه بالملامة، وينزع عن ذلك ويتداركه بالتوبة".
5- الغيرة لله:
عندما يستقرُّ حبُّ الله في قلب العبد، فإنَّ هذا من شأنه أن يجعله يغار لمولاه وعلى محارمه أن تُنتهك، وحدوده أن تُتجاوز، وأوامره أن تُخالَف.
6- الغنى بالله:
ومع كلِّ الثمار السابقة تأتي أهمُّ ثمرة للمحبَّة، ألا وهي الاستغناء بالله - سبحانه وتعالى - والاكتفاء به؛ ﴿ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [طه: 73]، فينعكس ذلك على تعامُلات العبد مع الأحداث التي تمرُّ به، فإنِ ادلهمَّتِ الخطوب استشعر معيةَ الله له؛ ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ [التوبة: 40]، وإن تشابكتْ أمامه الأمور تذكَّر فردَّد في نفْسه ﴿ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [الشعراء: 62].
الطريق إلى محبَّة الله:
قبل أن أُحدِّثك عنِ الأسباب الموصلة إلى محبَّة الله - عزَّ وجل - أودُّ أن أُشير إلى أمر هام، وهو أنَّ عوامل الحبِّ في حياة الإنسان - كما ذكَر الدكتور البوطي - ثلاثة لا مزيدَ عليها:
1- إحسان يأسِر القلب:
العبد أسير الإحسان، فالإنعام والبِر واللطف معانٍ تسترقُّ مشاعرَه، وتستولي على أحساسيه، وتدفعه إلى محبَّة مَن يُسدي إليه النِّعمة، ويُهدي إليه المعروف، ولا منعم على الحقيقة ولا محسنَ إلا الله، فالله تعالَى سخَّر لنا ما في البَر والبحر، وأرسل السماء بالماء، وشق الأرض بالنبات، وجعل الأرض فراشًا وذلولاً ومهادًا، والسماء بناءً، ورزقَنا من الطيبات وأصناف الثمرات، ومختلف المطعومات وسائر المشروبات، ووهب لنا الأموال والأولاد ﴿ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ [إبراهيم: 34].
فإذا تذكَّرْتَ هذه النعم وأضعافها التي تفِد إليك، وربطتها بالمنعِم المتفضِّل - جلَّ جلاله - تفجَّرتْ في قلبك مِن هذه المشاعر محبَّةٌ عارمة لهذا الذي يتوالَى إليك إكرامه، ولا تنقطع عنك مِننه.
2- جمال يأخذ بمجامع النفس:
إنَّ مصدر الجمال كله بشتَّى صوره وأنواعه إنَّما هو الله - جلَّ جلاله - فمَن كان مِن شأنه أن تأسِر صور الجمال المتنوِّعة لُبَّه، وأن تأخذ بمجامع نفْسه، وكان ممَّن عرَف الله وآمَن به لا بدَّ أن تُهيمن عليه محبَّةُ خالق الجمال في الكون، ومبدع الرائحة في العطر، ومفجِّر العبق في الزهر، ومنسق الألوان في الورد، وهل هو إلا الله - جلَّ جلاله؟! هل مِن خالق غير الله؟!
3- عظمة تبهر الوجدان:
الله – عزَّ وجلَّ - عظيمٌ في كلِّ شيء، عظيمٌ في ذاته وفي أسمائه وصِفاته، عظيم في رحمته، عظيم في قُدرته، عظيم في حِكمته، عظيم في جَبروته وكبريائه، عَظيم في هِبته وعطائه، عظيم في لُطفه وخِبرته، عظيم في برِّه وإحسانه، عظيم في عِزَّته وعدله وحمده، فهو العظيم المطلَق، فلا أحدَ يُساويه ولا عظيمَ يُدانيه.
والآن إلى الأسباب الموصلة لمحبَّة الله للعبد، وهى كما ذكَرها الإمام ابنُ القيِّم في كتابه "مدارج السالكين":

1- قراءة القرآن بالتدبُّر والتفهُّم لمعانيه وما أُريد به، كتدبر الكتاب الذي يحفظه العبدُ ويشرحه؛ ليتفهمَ مراد صاحبه منه.
2- التقرُّب إلى الله بالنوافِل بعدَ الفرائض؛ فإنها توصله إلى درجة المحبوبية بعد المحبة، وفي ذلك يقولُ رسولُ الله ‏- صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((‏إنَّ الله تعالى قال: ‏مَن عادى لي وليًّا فقد ‏آذنته‏ ‏بالحرْب، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ مما افترضتُ عليه، وما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا أحببتُه كنتُ سمعَه الذي يسمع به، وبصرَه الذي يُبصِر به، ويدَه التي يبطش بها ورِجله التي يمشي بها، وإنْ سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأُعيذنَّه، وما ترددتُ عن شيء أنا فاعله تردُّدي عن نفْس المؤمن؛ يَكْرَه الموت وأنا أكْره مَسَاءَتَه)) رواه البخاري.
فيا قلْبي المسكين تقرَّب إلى ربك بالنوافل كي يحبَّك، (ويحك تتقرب ليحبك! فما تريد بعدُ! وكيف حبه؟ حبًّا يتصل بكل جارحة فيك، حبًّا يقلب لك جسدك كله حبًّا ترى به سبحانه كل الوجود، وتسمع به، وتبطش به، وتسير به، ليصل الحب إلى روحك فتستعيذ به - عزَّ وجلَّ - فيعيذك، وتسأله فيعطيك، وأنت ما عليك إلا القرب يحبك الله، فيأتيك الموت وأنت له مؤثر وإليه مشتاق، وما عليك إلا أن تتقرَّب"[4].
3- دوام ذِكْره على كلِّ حال: باللِّسان والقلب، والعمل والحال، فنصيبه من المحبَّة على قدْر نصيبه مِن الذكر.
وأفضل وسيلة لذِكْر الله كما أشار - الدكتور البوطي - أن تربط النِّعم التي تفِد إليك بالمنعِم - جلَّ جلاله - بألاَّ تتلقَّاها غافلاً عن مصدرِها الذي وصلتْ إليك منه؛ ونظرًا إلى أنَّ نِعم الله تعالى سلسلة متصلة الحلقات لا تكاد تنقطِع عنك، إذًا لا بدَّ أن تكون دائمًا مع الله في استقبالك لنِعمه بفِكرك ووجدانك، وهذا هو أعلى مراتبِ ذِكر الله، فإذا أخذتَ نفْسك بهذا الوِرد، بل الغذاء الرُّوحي المتميز، واستقمتَ على ذلك دون انقطاع، تراقب المنعم المتفضِّل كلَّما تقلَّبتَ في نِعمة من نِعمه، فإنَّ قلبَك يُصبح وعاءً يفيض بحبِّه وحْدَه، وتزول منه محبةُ الأغيار.
4- إيثار محابِّه على محابِّك عندَ غلبات الهوى، والتسنُّم إلى محابِّه وإنْ صعُب المرتقَى.
يقول ابن القيم في شرح هذه العبارة "إيثار رِضا الله على رِضا غيره وإنْ عظُمت فيه المِحن، وثقلت فيه المُؤن، وضعُف عنه الطول والبَدَن"، وهذا كله لا يكون إلا لثلاثة أمور: قهْر هوى النفْس - مخالَفة هوى النفْس - مجاهدة الشيطان وأوليائه.
5- مطالعة القلْب لأسمائه وصفاته ومشاهدتها ومعرفتها وتقلُّبه في رِياض هذه المعرفة، فمَن عرَف الله بأسمائه وصفاته
وأفعاله أحبَّه لا محالة.
6- مشاهدة برِّه وإحسانه وآلائه ونِعمه الباطِنة والظاهِرة، فإنَّها داعية إلى محبته "إنَّ الإنسان في كلِّ الأحوال مفطورٌ على حبِّ النِّعم بأنواعها، ولكنَّه عندما يعلم أن المتفضِّل عليه بها هو الله، وأنَّ الذي يبعث الشعور بلذَّتها ونعيمها هو الله، فلا بدَّ أن يتوجه قلبه بالحب إليه؛ لأنَّ القلوب جُبِلت على حبِّ مَن أحسن إليها، وقد علِم صاحِبُ هذا الشهود أنْ لا محسنَ في الكون كله إلا الله، والوسائط والأسباب التي تراها إنْ هي إلا جنودٌ وخدَم تحت سلطان الله، فإذا ثبت لصاحِب هذا الشهود أنَّ المنعِم والمتفضِّل دائمًا هو الله، وأنَّ الذي يُرجَى نفعه ويُخشى ضرُّه واحد لا ثاني له، وهو الله، فلا شكَّ أنَّ المحبوب الأول والمعظَّم الأول والْمُهاب الأوَّل لديه هو الله تعالى، ثم تأتي محبَّته للمُتع التي فُطِر على حبها في الدرجة الثانية، بل الثالثة"[5].
7- وهو مِن أعجبها: انكسار القلْب بكليَّته بين يدي الله تعالى، وليس في التعبير عن هذا المعنى غيرُ الأسماء والعبارات، والانكسار بمعنى الخشوع، وهو الذلُّ والسكون.
8- الخلوة به وقت النزول الإلهي لمناجاته وتلاوة كلامه، والوقوف بالقلب والتأدُّب بأدب العبودية بيْن يديه، ثم ختْم ذلك بالاستغفار والتوبة.
9- مجالسة المحبين الصادقين والتقاط أطايب ثَمَرات كلامهم كما يَنتقي أطايب الثمر، ولا تتكلَّم إلا إذا ترجَّحتْ مصلحة الكلام، وعلمتَ أنَّ فيه مزيدًا لحالك ومنفعةً لغيرك.
10- مباعدة كل سبب يحول بين القلْب وبين الله - عزَّ وجلَّ .
منارات على الطريق:
عبدالله بن جحش - رضي الله عنه - أُمنية محبّ:
عن إسحاقَ بن سعد بن أبي وقَّاص، قال: حدَّثَني أبي أنَّ عبدالله بن جحش، قال يوم أُحد: ألاَ تأتي ندْعو الله تعالى، فخلوا في ناحية فدعَا سعد - رضي الله عنه - فقال: يا ربِّ إذا لقينا العدوَّ غدًا فلقِّني رجلاً شديدًا بأسُه، شديدًا حردُه (غضبه)، أقاتله ويُقاتلني، ثم ارزقني الظفرَ عليه حتى أقتلَه وآخُذَ سلبه، فأمن عبدُالله، ثم قال: اللهم ارزقني غدًا رجلاً شديدًا بأسُه، شديدًا حردُه، فأُقاتله ويُقاتلني، ثم يأخذني فيَجدع (يقطع) أنْفِي وأُذني، فإذا لقيتُك غدًا قلتَ لي: يا عبدالله فيمَ جُدِع أنفك وأذناك؟ فأقول: فيك وفي رسولك، فتقول: صدقت، قال: سعدٌ كانت دعوته والله خيرًا مِن دعوتي، فلقد رأيتُه آخِر النهار وإنَّ أنفه وأذنه لمعلَّق في خيط!
دعاء القلب الموصول بالله:
اللهم إنِّي أسألك حبَّك وحبَّ من يحبك، وحبَّ كل عمل يُقرِّبني إلى حبِّك، اللهم ما رزقتني ممَّا أحب فاجعله لي عونًا على ما تحب، وما زويتَ عني مما أحب فاجعله لي فراغًا فيما تُحب، اللهمَّ اجعلْ حبك إليَّ أحبَّ مِن الماء البارد على الظمأ.
[1] "مدارج السالكين" (3/6).
[2] حديث القلْب (ص: 23- 24)، د. عبد المجيد البيانوني - بتصرف يسير.
[3] مِن كتابه "كيف نحب الله ونشتاق إليه؟" (ص: 16- 25) باختصار.
[4] مقال "ربيع المؤمِن" الشيخ عبدالحميد الكبتي.
[5] "الحِكم العطائية" (1/190).






 
جزاك الله خيرا ...واضح أنه كتاب مفيد ...من فضل الله على سهولة الحصول على الكتاب.... هل أستطيع نقل بعض العبارات على الفيس بوك ؟؟؟
 
جزاك الله خيرا ...واضح أنه كتاب مفيد ...من فضل الله على سهولة الحصول على الكتاب.... هل أستطيع نقل بعض العبارات على الفيس بوك ؟؟؟
بارك الله لكم
ويمكنكم نقل مايروق لكم علي الفيس بوك
 
قلب استنار بنور الإيمان

"لو أنَّ رجلاً ثقة أخبرك بأنَّ ابنك - مثلاً - مريضٌ، وأنه قد حُمل إلى المستشفى، فماذا تفعل؟ إن قلتَ لذلك الرجل: أنت صادق ولقد صدَّقتك في إخبارِك، ثم بقيتَ كما أنت لم تغير جلسةً أو وضعًا، ولم تحاول الاطمئنان على ابنِك فأنت مصدِّق، لكن تصديقَك هذا بارد جامد لا خيرَ فيه، ولا نفع لك ولا لغيرك، وإن قلت للرجل: أنت صادقٌ ولقد صدقتك ثم خرجتَ فورًا بلهفةٍ واهتمام بارزين على كيانك، وسارعت إلى المستشفى وما هي إلاَّ لحظات حتى تكون فوق رأسِ ابنك لتطمئن عليه، فأنت مصدِّق ولكن تصديقَك هو الحي والمعتبر والنَّافع والحار، فهما تصديقان إذًا وشتَّان بينهما، وهكذا الإيمان.
إنَّ الإيمانَ الذي يريدُه الله هو الإيمان الحي الفاعل، هو الإيمان المؤثر النَّامي، هو الإيمانُ القائد الموجه؛ الإيمان الذي ينفعُ صاحبَه، هو الإيمان الذي يُغرس في قلبِه فينمو ويزدهر وينير ويضيء، ويزين هذا القلب بزينته ويملؤه في كلِّ جوانبِه وزواياه، الإيمان الذي يمد أغصانَه وفروعه على كيانِ هذا المؤمن ووجوده، ويلقي ظلالَه على حياته وواقعه، ويعطي ثمارَه له في ليلِه ونهاره، الإيمان المعتبر هو الذي يبعثُ على الحركةِ والهمة، والنشاطِ والسعي، والجهدِ والمجاهدة، والجهادِ والتربية، والاستعلاء والعزة، والثبات واليقين"[1].
إخواني في الله:
"إنَّ الإيمانَ في حقيقتِه ليس مجرد عملٍ لساني، ولا عمل بدني، ولا عملٍ ذهني، إنَّ الإيمان في حقيقتِه عملٌ نفسي يبلغ أغوارَ النفس، ويحيط بجوانبها كلِّها؛ من إدراك، وإرادة، ووجدان، فلا بدَّ من إدراكٍ ذهني تنكشف به حقائقُ الوجودِ على ما هي عليه في الواقع، وهذا الانكشافُ لا يتم إلا عن طريقِ الوحي الإلهي المعصوم، ولا بد أن يبلغَ هذا الإدراكُ العقلي حدَّ الجزم الموقن واليقين الجازم الذي لا يزلزله شكٌّ ولا شبهة؛ ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾ [الحجرات : 15]، ولا بدَّ أن يصحبَ هذه المعرفة الجازمة إذعان قلبي وانقيادٌ إرادي؛ يتمثَّلُ في الخضوعِ والطاعة لحكم من آمن به مع الرِّضا والتسليم؛ ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء : 65]، ولا بد أن يتْبعَ تلك المعرفة وهذا الإذعان حرارةٌ وجدانية قلبية تبعثُ على العملِ بمقتضيات العقيدة والالتزام بمبادئها الخلقية والسلوكية، والجهاد في سبيلِها بالمال والنفس"[2].
ما أجملَ الإيمان حينما يخالطُ القلوب، فـ"الإيمان نورٌ؛ نورٌ في القلبِ، ونورٌ في الجوارحِ، ونور في الحواس، نور يكشف حقائقَ الأشياء والقيم والأحداث وما بينها من ارتباطاتٍ ونِسب وأبعاد، فالمؤمن ينظرُ بهذا النورِ - نورِ الله - فيرى تلك الحقائقَ ويتعامل معها ولا يخبط في طريقِه، ولا يلطشُ في خطواتِه، والإيمان بصر يرى رؤية حقيقية صادقة غير مهزوزة ولا مخلخلة، ويمضي بصاحبِه في الطريقِ على نورٍ وعلى ثقةٍ وفي اطمئنان، والإيمانُ ظلٌّ ظليل تستروحُه النفس، ويرتاحُ له القلب، ظل من هاجرة الشَّكِّ والقلق والحيرة في التِّيه المظلم بلا دليل، والإيمان حياة؛ حياةٌ في القلوبِ والمشاعر، حياةٌ في القصدِ والاتجاه، كما أنه حركة بانية مثمرة قاصدة لا خمودَ فيها ولا همود، ولا عبثَ فيها ولا ضياع"[3].
حقيقة الإيمان:
يقولُ الإمام ابن القيم - رحمه الله -: "الإيمانُ حقيقةٌ مركبة من معرفة ما جاء به الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - علمًا، والتصديق به عقدًا، والإقرار به نطقًا، والانقياد له محبة وخضوعًا، والعمل به باطنًا وظاهرًا، وتنفيذه والدعوة إليه بحسبِ الإمكان، وكماله في الحبِّ لله والعطاءِ لله والمنع لله".
وصدق والله الإمامُ ابن القيم، فالإيمانُ قوةٌ ربانية، وطاقة نورانية محركة إذا استقرَّتْ في القلبِ ظهر أثرها حالاًّ على الجوارح؛ على أقوالِ الإنسانِ وأفعاله وحركاته وسكناته، فهو يصلحُ القلوبَ ويهيء النُّفوسَ ويصنعُ العجائبَ، وينشيء الإنسانَ خلقًا آخر.
إخواني في الله:
إنه من يحيى في رحابِ الإيمان، ويعتصم بحبلِه المتين، ويستضيء بنوره المشرق فهو يعيشُ حياتَه في رؤيةٍ واضحة، يدرك بها حكمةَ الله البالغة ورحمته الواسعة وسنته الماضية وقدرته البالغة، فتطمئن بذلك نفسُه وتصفو سريرته؛ لأنه يؤمنُ أنَّ ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأنَّ ما أخطأه لم يكن ليصيبه، فلا يتسربُ إلى قلبِه شكٌّ ولا ينفذ إلى وجدانِه القلق، بل يسيرُ في دنياه بخطًى ثابتة ومسيرة موزونة تهدفُ إلى بلوغِ ما يصبو إليه من نهايةٍ صالحة ومصير كريم، فالإيمانُ الصحيح يزود العبدَ بطاقةٍ كبيرة من اليقينِ والثقة، وشحنةٍ عظيمة من الصبرِ والطمأنينة، تأتيه النعمُ فلا يبطرُ ولا يستكبر، بل يحمدُ ويشكر، وتصيبه المحنُ وتحلُّ به الشدائدُ فلا يقنطُ ولا ينهار، أو تمزق قلبَه الهمومُ والحسرات، بل يعتصمُ بالصبرِ ويرضى بالقدرِ ويستمسك بعزائمِ الأمور؛ لأنَّه يعيشُ بعقيدتِه في عطاءٍ دائم وَفْقَ وضوح رؤية، وقوة إدراك، وإرادة ونفوذ بصيرة، يستمدُّ من خلالِ ذلك قوة الصمود إزاء الأحداثِ والفتن، فلا تهزُّه أعاصيرُه العاتية، ولا تنالُ منه محنُه القاسية، ولا يصرفُه شيء عن إيمانه وتحقيقِ رضا ربه مهما كانت من رغبةٍ مغرية أو رهبةٍ مؤذية، بل لا تزيدُه إلا تألقًا وصفاءً، وإخلاصًا وصدقًا، وصبرًا وثباتًا؛ ليصل إلى المنزلةِ التي أخبر عنها النبي - عليه الصَّلاة والسَّلام – بقولِه: ((عجبًا لأمرِ المؤمن؛ إنَّ أمرَه كلَّه له خير، وليس ذلك إلا للمؤمن؛ إن أصابتْه سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرَّاء صبر فكان خيرًا له))؛ رواه مسلم (2999).
من ثمرات الإيمان:
1-طمأنينة القلب وسكينته:
إنَّ النفسَ تطمئنُّ إذا كانت في كنفٍ قوي غني قادر، سميع بصير لا تخفى عليه خافية، ولا يعجزه شيء، تجدُ عنده الملجأ والملاذَ والحماية والرعاية، بيده الرزقُ والأجل، بيدِه العطاءُ والمنع والنفع والضر، بيده العزةُ والذُّلُّ والحياة والموت، فمن هنا تأتي الطمأنينة في النفسِ على قدرِ الله فيها، فهي لا تغيبُ عن علمِه طرفةَ عين ولا أقل منها؛ "فللسكينةِ مصدرٌ واحدٌ؛ هو الإيمانُ باللهِ واليوم الآخر؛ الإيمانُ الصادق العميق الذي لا يكدرُه شكٌّ ولا يفسده نفاق، هذا ما يشهدُ به الواقع الماثل، وما أيده التاريخُ الحافل، وما يلمسُه كلُّ إنسانٍ بصير منصف في نفسِه وفيمن حوله، لقد علمتنا الحياةُ أنَّ أكثرَ النَّاسِ قلقًا وضيقًا واضطرابًا وشعورًا بالتفاهة والضياع - هم المحرومون من نعمةِ الإيمان وبردِ اليقين، إنَّ حياتهم لا طعمَ لها ولا مذاق، وإن حفلت باللذاتِ والمتع؛ لأنهم لا يدركون لها معنًى، ولا يعرفون لها هدفًا، ولا يفقهون لها سرًّا، فكيف يظفرون مع هذا بسكينةِ نفس أو انشراحِ صدر؟ إنَّ هذه السكينةَ ثمرةٌ من ثمارِ دوحة الإيمان، وشجرةُ التوحيد الطيبة التي تؤتى أكلها كلَّ حينٍ بإذن ربها، فهي نفحةٌ من السماءِ ينزلها الله على قلوبِ المؤمنين من أهل الأرض؛ ليثبتوا إذا اضطربَ النَّاسُ، ويرضوا إذا سخط النَّاس، ويوقنوا إذا شكَّ النَّاسُ، ويصبروا إذا جزع النَّاس، ويتحلموا إذا طاش الناس"[4].
2-الحياةُ الطيبة لقوله - تعالى -: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل : 97]؛ والمرادُ بالحياةِ هي الحياة الدُّنيا، وطيب هذه الحياة يجيء من نفحاتِ الإيمان بالله، تلك النفحاتُ التي تثلجُ الصدر بالطمأنينة والرِّضا، وتدفئ النفسَ بالرَّجاءِ والأمل بتلك القوةِ التي لا حدودَ لها؛ والتي منها مصادرُ الأمور وإليها مصائرها، وذلك كلُّه من عاجلِ الثواب الجزيل الذي أعدَّه الله لعبادِه المؤمنين.
3-نيل ولاية الله الخاصة لقولِه - تعالى -: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾ [يونس : 62 ، 63]، فلا ولايةَ بغير الإيمان بالله؛ إذ الولاءُ حبٌّ وطاعة وعبادة، ولا حبَّ إلا بعد معرفة، ثم إيمان، ثم طاعة وعبادة، ولا تتحقَّقُ الولاية للهِ إلا بمراقبتِه واتقاء محارمه والتوكل عليه والرجاء فيه، وقطع كل رغبةٍ فيما سواه.
4-أنَّ الله يدفعُ عن المؤمنين جميعَ المكاره وينجِّيهم من الشَّدائد: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ﴾ [الحج : 38]، فيربط على قلوبِهم، ويثبت أقدامَهم على طريقِ الهدى، ويمدهم بالصبرِ على احتمال المكاره.
5-إنَّ صلاح وكمال جميع الأعمال والأقوال بحسب ما يقومُ بقلبِ صاحبِها من الإيمانِ والإخلاص؛ لقوله - تعالى -: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ ﴾ [الأنبياء : 94].
"هذا هو قانونُ العمل والجزاء، لا جحودَ ولا كفران للعملِ الصالح متى قام على قاعدةِ الإيمان، وهو مكتوبٌ عند الله لا يضيع منه شيء ولا يغيب، ولا بد من الإيمانِ لتكون للعملِ الصالح قيمتُه، بل ليثبت للعمل الصالح وجوده، ولا بد من العملِ الصالح لتكون للإيمانِ ثمرتُه، بل لتثبت للإيمان حقيقتُه، إنَّ الإيمان هو قاعدة الحياة؛ لأنَّه الصلةُ الحقيقية بين الإنسان وهذا الوجود، والرابطةُ التي تشدُّ الوجودَ بما فيه ومَن فيه إلى خالقِه الواحد، وترده إلى الناموس الواحد الذي ارتضاه، ولا بد من القاعدةِ ليقوم البناءُ، والعملُ الصالح هو هذا البناء، فهو منهار من أساسِه ما لم يقم على قاعدته"[5]؛ وهذا ما أكَّده الله - تعالى - في قولِه: ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ﴾ [الفرقان : 23].
6-محبة الله عزَّ وجلَّ لقولِه - تعالى -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ﴾ [مريم : 96]؛ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - عليه الصَّلاةُ والسلام - أنه قال: ((إنَّ الله - عزَّ وجلَّ - إذا أحب عبدًا دعا جبريل فقال: يا جبريلُ إني أحب فلانًا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في أهلِ السماء: إنَّ الله يحب فلانًا فأحبوه، قال: فيحبه أهلُ السماء، ثم يوضع له القَبول في الأرض))؛ رواه مسلم (6873).
إنَّ منزلةَ المحبة لهي باب صحبة الملأ الأعلى في السماءِ، وعنوان القبول في الأرض، فيا لجمال الأُنس ويا لجلال القرب!
7- الإيمان الصحيح يمنعُ العبدَ من الوقوعِ في المُوبقات المُهلكة:
فعن أبي هريرةَ - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ اللهِ - عليه الصلاة والسلام -: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرقُ حين يسرقُ وهو مؤمن، ولا يشربُ الخمرَ حين يشربها وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن))[6].
8-الإيمان هو الطريق إلى الرضا:
فالمؤمن راضٍ عن نفسِه وعن وجوده ومكانه في الكونِ؛ لأنه يعلم أنه ليس ذرة ضائعة ولا كمَّا مهملاً ولا شيئًا تافهًا، بل هو قبس من نور الله، ونفخة من روحِ الله، وخليفته في أرضِ الله، وهو راضٍ عن ربِّه؛ لأنه آمن بكمالِه وجماله، وأيقن بعدلِهِ ورحمته، واطمئنَّ إلى علمِه وحكمته، أحاط سبحانه بكلِّ شيء علمًا، وأحصى كل شيء عددًا، ووسع كل شيء رحمة، لم يخلقْ شيئًا لهوًا، لم يخلق شيئًا سُدًى، له الملكُ وله الحمد، نعمُه عليه لا تُعد، وفضله عليه لا يُحد، فما به من نعمةٍ فمن الله، وما أصابه من حسنةٍ فمن الله، وما أصابه من سيئةٍ فمن نفسِه.
9- الهداية إلى الحقِّ وإلى الصراط المستقيم: ﴿ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الحج : 54].
10-الفوزُ برضا اللهِ ودارِ كرامته: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة : 72].
الطريق إلى قوةِ الإيمان[7]:
1-معرفةُ أسماءِ الله الحسنى الواردة في الكتابِ والسنة، والحرص على فهمِ معانيها والتعبد لله بها:
إنَّ معرفةَ الأسماء الحسنى هي أصلُ الإيمان، والإيمان يرجع إليها، فكلما ازداد العبدُ معرفةً بأسماء الله وصفاته ازداد إيمانُه وقوي يقينُه، فينبغي للمؤمنِ أن يبذلَ مقدورَه ومستطاعه في معرفة الأسماء والصفات، وتكون هذه المعرفةُ متلقاه من الكتابِ والسنة وما رُوي عن الصحابةِ والتابعين لهم بإحسان، فهذه المعرفةُ النافعة تجعلُ المؤمنَ في زيادة في إيمانِه، وقوة يقينه وطمأنينة في أحوالِه.
2-تدبر القرآن الكريم:
القرآنُ الكريم هو أفضل وسيلةٍ لزيادة الإيمان؛ كما قال - تعالى -: ﴿ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا ﴾ [الأنفال : 2]؛ وهكذا المؤمنُ إذا تلا آيات الله أو تُليتْ عليه خشع لها، وأشرق قلبُه بنورها، فازداد بذلك إيمانًا على إيمان، ثم انتهى به ذلك إلى أن يكونَ عبدًا ربَّانيًَّا يسلم أمرَه كلَّه لمن بيدِه الأمر كلُّه، "فإذا أردنا أن نعرفَ تلاوتنا ونتبصر بها فلننظرْ إلى نتائجِها ونهايتها، فإذا هي أثَّرت في هذه النفوسِ فآبت إلى رشدِها، وأعرضت عن غيِّها، وذكرت ما قامت به من عقوقٍ، وذكرت ما عليها من حقوقٍ لله وللناس، فأصلحت عقوقَها وأدَّتْ حقوقَها، وزال ما فيها من شكٍّ وريب، وحاولت أن تصلحَ كل نقص وعيب، وهذا كلُّه دليلٌ وعلامة على زيادةِ الإيمان - كانت تلاوة المتدبر الذاكر"[8].
3-التفكر في الكونِ والنظر في الأنفس:
"إنَّ التفكرَ في الكون وفي خلق السموات والأرض وما فيهنَّ؛ من المخلوقاتِ المتنوعة، والنظر في الإنسانِ وما هو عليه من الصِّفاتِ - يقوِّي الإيمانَ؛ لما في هذه الموجوداتِ من عظمةِ الخلق الدَّال على قدرةِ خالقها وعظمته، وما فيها من الحسنِ والانتظام والإحكام الذي يحير الألبابَ، الدال على سعةِ علم الله وشمول حكمتِه، وما فيها من أصنافِ المنافع والنعم الكثيرة التي لا تعدُّ ولا تُحصى، الدالة على سعةِ رحمة الله وجُوده وبرِّه، وذلك كلُّه يدعو إلى تعظيمِ مبدعها وبارئها وشكره واللهج بذكره، وإخلاص الدين له وهذا هو روحُ الإيمان وسره"[9].
4-الإكثار من ذكرِ الله في كلِّ وقت:
إنَّ ذكر الله يغرسُ شجرةَ الإيمان في القلبِ ويغذيها وينميها، وكلَّما ازداد العبدُ ذكرًا لله قوي إيمانه، كما أنَّ الإيمانَ يدعو إلى كثرةِ الذكر، فمن أحبَّ الله أكثر من ذكرِه، ومحبة الله هي الإيمان، بل هي روحُه.
فيا قلبي العليل:
الإيمانُ دواؤك الشافي لكلِّ ما تعانيه من الحيرةِ والاضطراب، فلماذا أعرضتَ عنه؟
الإيمانُ زينتك التي تتجمَّلُ بها، فبأي شيء زينتَ قلبَك؟
الإيمان له حلاوةٌ لذيذة وطعم حلو، فهل ذقتَ حلاوتَه؟
الإيمان نور مشرق مضيء ينير حياتَك فيجعلها سعيدة هانئة، فلماذا آثَرْتَ البقاءَ في الظلمات؟!
الإيمان إذا فقدته أصبحت كالريشةِ في مهبِّ الريح؛ لا تستقرُّ على حال ولا تسكن إلى قرارٍ، لا تعرف حقيقةَ نفسِك ولا سرَّ وجودِك، الإيمانُ حصنك فاحتمِ به، ودرعك فاحرص عليه، وطوق النجاة فتشبث به.
دعاء القلب الموصول بالله:
اللهم ارزقني إيمانًا صادقًا يباشرُ قلبي، حتى أعلمَ أنَّ ما أصابني لم يكن ليخطئني وما أخطأني لم يكن ليصيبني.
اللهم حبِّب إلينا الإيمانَ وزينه في قلوبِنا، وكرِّه إلينا الكفرَ والفسوقَ والعصيان، واجعلنا من الرَّاشدين.

[1] في ظلال الإيمان ص (67 -70) باختصار؛ د. صلاح الخالدي.
[2] الإيمان والحياة ص (17 - 18)؛ د. يوسف القرضاوي.
[3] في ظلالِ القرآن ج 5، ص (2939)؛ سيد قطب.
[4] الإيمان والحياة، ص (87).
[5] في ظلالِ القرآن ج 4، ص (2397).
[6] متفق عليه؛ رواه البخاري (2475)، ومسلم (211).
[7] لمزيد من الأسباب راجع كتاب الإيمان بالله ص (139 -151)؛ د. علي الصلابي، فقد استفدت منه كثيرًا.
[8] خماسيات مختارة في تهذيبِ النفس الأمَّارة ص (89)؛ د. فضل عباس.
[9] شجرة الإيمان ص (50)؛ الشيخ عبدالرحمن السعدي.
 
عودة
أعلى