انتهت للتو الحلقة العشرين من حلقات برنامج أضواء القرآن الكريم
وكانت بعنوان: رسم المصحف: تاريخه وتحليل لقضاياه .
وقد شرفت الحلقة بضيف كريم هو :
فضيلة الشيخ الدكتوربشير بن حسن الحميري ، الباحث بمركز الإمام الشاطبي بصنعاء .
أدار الحلقة د. عبدالرحمن بن معاضة الشهري ، الأستاذ المشارك بجامعة الملك سعود
وقد كانت الحلقة متخصصة وماتعة لأهل هذا الفن الدقيق, تحدثت عن تاريخ رسم المصحف الشريف, ومصادره, ومن اعتنى به قديما وحديثا من الأئمة والعلماء, ومؤلفاتهم فيه ومناهجهم في التأليف.
وإليكم أبرز ما نوقش في هذه الحلقة باختصار:
** تعددت تسميات هذا العلم بين الرسم العثماني والرسم القرآني, وكلمة الرسم تعد نوعا ما حديثة. وقديما كانوا يتعارفون على مصطلح الهجاء للدلالة على الرسم.
والهجاء: بناء الكلمة من الأحرف داخلة في بنية كلمة. ويرى د.بشير أن يُطلق عليه الرسم المصحفي.
والرسم لغة: هو الأثر.
اصطلاحا يرى د. بشير أنه: محاولة جمع المخالف والموافق في الرسم العثماني عن الرسم الإملائي وتوجيهه.
والسبب في اختياره لعبارة (محاولة) في تعريفه ما يلي:
*تطور الخط التدريجي, ورغم تطوره إلا أن الإشارة إلى ذلك كان منثورا في المؤلفات هنا وهناك على استحياء. ثم دوّن هذا العلم مع تقدم الزمن في أبوابٍ غير مستوفية له ضمن بعض الكتب.
*خوف العلماء في أول تطور الخط من مخالفة ما اعتاده الناس لئلا يختلفوا. وخوفهم أدى إلى أن جمع المخالف والموافق في الرسم العثماني لم يكن مستوف لجميع كلمات المصحف.
* توقف المتأخرين عن تتبع المصاحف, مما غلب الرواية عن المشاهدة, رغم أن بعضهم في قبل ذلك قد اجتهد في تتبع ما رُسم في المصاحف.
*خلل منهج المتأخرين حين رجعوا إلى الرواية فقط فأوقعهم ذلك في إثبات ما لم يكتب عنه المتقدمين. وهذا خلل كبير.
هذه النقاط الأربعة أدت إلى عدم وجود مؤلَف استقصى جميع كلمات القرآن. مما جعل الباحث الكريم يضع عبارة (محاولة) في تعريفه.
**بعض الكلمات مثل (بسم الله) بدون ألف (هذا) و (هؤلاء) بدون ألف بعد الهاء, (أؤلئك) بدون ألف بعد اللام... وغيرها؛ بقيت برسمها القديم بسبب تعارف الناس عليها واشتهارها بينهم.
**من حكم عدم مخالفة الصحابة لقواعد الرسم المعروفة في عصرهم: أن المصاحف لو كُتبت على ما ينطقون لكان ذلك منشأ لخلاف عظيم بين المسلمين, ولربما أدى إلى اختلاف المكتوب, مما يتولد عنه تمسك كل مصر بكتابة خاصة به.
**استمر الحفاظ على الرسم الأول كما هو في العصور التي تلت الصحابة, وفي عصر تطور الكتابة سُئل العلماء آنذاك عن حكم كتابة القرآن مخالفا للكتبة الأولى فاستنكروا الأمر, وممن سُئل عن ذلك: الجعبري وقد رأى أنه لا يخالف الكتبة الأولى, وكذلك الإمام أحمد وقد رأى أنه يحرم مخالفتها.
** لم يحتج المصحف العثماني حين كُتب لكتابة دليل للتعرف على كيفية القراءة فيه, وذلك لأنه لم يكن يخالف عرف الناس آنذاك. على عكس احتياجنا في هذا العصر لدليل يساعد في فهم الرسم العثماني, والسبب أنه يخالف عرف الناس في الكتابة في زماننا هذا.
** العلاقة بين الملفوظ والمكتوب: لقد ثبت أنه تُكلم بالقرآن أولا أي اللفظ كان أولا, ثم أتت بعده الكتابة. فاللفظ يُتعلم من البيئة المحيطة.
**تتبع المؤلفين والباحثين في العصور المتأخرة للمصاحف القديمة قد توقف, مما غلّب الرواية على الرؤيا. وهذا خلل.
**خرج ابن الجزري في كتابه عما يقوله الأئمة في رسم المصحف في كلمتين فقط هما (ولات حين) و (سقاية الحاج وعمرة المسجد).
**مناهج التأليف في الرسم: منهجان:
المنهج الأول: أن تجمع في أبواب, مثل كتاب الجوهري, والمقنع, والأنباري, والأندرابي وغيرهم. وهذه الطريقة يصعب معها استخراج الكلمات. وللأسف فإن تحقيق هذه الكتب لم يفدها من هذه الناحية.
المنهج الثاني: أن ترتب على سور القرآن, مثل كتاب: (موجز كتاب التقريب في رسم المصحف العثماني), وكتاب (مختصر التبيين).
وهناك كتب ألفت على المنهجين معا, كالجامع للأندلسي (فقد تكلم عن الأبواب عموما ثم شرع في الكلام عن السور) وقد أبدع في تقسيمه. وهناك المنظومات أيضا فقد جمعت بين المنهجين لكنهم يبدؤون بالفرش ثم الأصول. ومن أشهرها العقيلة.
وهناك منهج ثالث, وهو منهج جديد تحت التأليف: (معجم الرسم العثماني) لضيفنا الكريم د,بشير الحميري, وهو مشروع معجم لغوي يعتمد على جذر الكلمة, ويعد مشروعا جبارا لفهرسة الكلمات لتسهيل الوصول إلى الكلمة ورسمها, كما يتميز بأخذه من عدد من المصادر (ثلاثة عشر كتابا وثلاثة مصاحف). نسأل الله أن يوفق د.بشير الحميري ويعينه في إتمامه, وينفع به.
** يرى د.بشير أن مصطلح (ظواهر الرسم العثماني) أدق من مصطلح (قواعد الرسم العثماني) وهو اختياره.
**مصادر الرسم العثماني (المصحفي) : المصدر الأول المصاحف القديمة, والمصدر الثاني: أقوال الأئمة ومشاهداتهم.
**نقولات المتقدمين في علم الرسم هي حجة مقبولة عند المتأخرين وتؤخذ دوما بالتسليم إلا بعض النقولات التي يضيق القبول عنها, ومن أمثلة ذلك: (ولا تحين) (والجاري ذي القربى) فقد ردّ عليها المتأخرون.
**وعما إذا كان يرى د.بشير الحميري أن علم الرسم توقيفيا أم اجتهاديا قال: هناك مذهبان:
المذهب الأول: توقيفي, يرى وجوب إتباع الرسم. لعلتين:
البعض يرى أن مناط الحكم في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم علمهم إياه. لكن أحاديثهم في ذلك ضعيفة.
والبعض الآخر يرونه توقيفيا لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ). وإضافة لكونها سنة الخلفاء الراشدين فقد حظيت بإجماع الأمة عليها كذلك.
المذهب الثاني: اجتهادي, وعلى ذلك قالوا أن الكتابة بالرسم العثماني اختياري, ويمكن تغيره لما يعرفه الناس في عصرنا هذا.
**هناك من يرى بأن كتابة زيد تشتمل الأحرف السبعة, ولكن الصحيح أنها لم تشمل الأحرف السبعة, وإنما هم جمعوا الأحرف السبعة على حرف واحد في الرسم, ولأن الحرف لم يكن منقوطا فقد احتمل بعض القراءات الأخرى.
**ظواهر الرسم العثماني خمسة فقط, هي: ( الزيادة, الحذف, الإبدال , القطع , والوصل).
**في قراءة القرآن الأصل أن نتبع المنطوق وليس المكتوب. فالمكتوب يعد شيئا ثانويا. ومن هنا يجب ألا يستهان في تعلم القرآن بدون المشافهة من شيخ متقن.
نسأل الله أن يجزي الشيخ الكريم خير الجزاء على علمه الوفير الذي قدم, وجزا الله جميع القائمين على مثل هذه البرامج المباركة خير الجزاء وأوفره إنه ولي ذلك والقادر عليه.