أحسنت وفقك الله .
هذه فكرة جيدة لطرح الأسئلة والنقاشات قبل الحلقة ، وربما يكون الأمر في رمضان فيه ضيق قليلاً لضيق الوقت ، ولكن أرجو أن يكون هذا المنهج مناسباً جداً في الحلقات الأسبوعية بعد رمضان بإذن الله . بحيث يعلن عن الضيف والموضوع وتطرح التساؤلات قبل الحلقة بوقت كافٍ ليطلع عليها المقدم والضيف جميعاً ويكون هناك استعداد جيد لكل حلقة .
وأشكرك أخي العزيز على متابعتك المستمرة للبرنامج والحرص على نجاحه .
والمتأمل لكلمة الفرقان في الكتاب العزيز يجد أنها ذكرت (4) مرات
1- ( مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ) آل عمران ، وفي تفسيره قولان الأول القرآن وهو قول الجمهور ،والثاني الفصل في أمر عيسى
2- ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) الأنفال، والمقصود بيوم الفرقان يوم بدر ، لأن الله فرق بين الحق والباطل.
" وإيثار اسم الفرقان بالذكر هنا للإيماء إلى أن ما سيذكر من الدلائل على الوحدانيَّة وإنزال القرآن دلائل قيمة تفرّق بين الحق والباطل "
وقال البقاعي في تفسيره:
" ولما كان تكرار الإنذار - الذي هو مقصود السورة - أنفع ، وتفريقه في أوقات متراسلة أصدع للقلوب وأردع ، وكان إيضاح المشكلات ، في الفرق بين الملتبسات ، أعون بما يكون علة ، عبر بما يدل على الفرق وقدمه فقال : { نزل الفرقان } أي الكتاب الذي نزل إلى سماء الدنيا فكان كتاباً ، ثم نزل مفرقاً بحسب المصالح ، فسمي لذلك فرقاناً ، ولأنه الفارق بين ملتبس ، فلا يدع خفاء إلا بينه ، ولاحقاً إلا أثبته ، ولا باطلاً إلا نفاه ومحقه "
المناسبة بين سورة الفرقان وسورة النور
قال السيوطي في ( أسرار ترتيب القرآن ) :
" ظهر لي بفضل الله بعدما فكرت في هذه: أن نسبة هذه السورة لسورة النور، كنسبة سورة الأنعام إلى المائدة من حيث أن النور قد ختمت بقوله: (للهِ ما في السمواتِ والأَرض) كما ختمت المائدة بقوله (للهِ ملكُ السمواتِ والأَرض وما فيهن) وكانت جملة النور أخصر من المائدة، ثم فصلت هذه الجملة في سورة الفرقان فافتتحت بقوله (الذي له ملك السموات) إلى قوله (وخلق كل شيء فقدرهُ تقديراً) كما افتتحت الأنعام بمثل ذلك وكان قوله عقبه (واتخذوا من دونهِ آلهة) إلى آخره، نظير قوله هناك (ثم الذين كفروا بربهم يعدلون) ثم ذكر في خلال هذه السورة جملة من المخلوقات، كمثل الظل، والليل، والنوم، والنهار، والرياح، والماء، والأنعام، والأناسي، ومرج البحرين، والإنسان، والنسب، والصهر، وخلق السموات والأرض في ستة أيام، والاستواء على العرش، وبروج السماء، والسراج، والقمر، إلى غير ذلك، مما هو تفصيل لجملة: (للهِ ما في السمواتِ والأَرض) كما فصل آخر المائدة في الأنعام بمثل ذلك وكان البسط في الأنعام أكثر لطولها ثم أشار في هذه السورة إلى القرون المكذبة وإهلاكم، كما أشار في الأنعام إلى ذلك ثم أفصح عن هذه الإشارة في السورة التي تليها وهي الشعراء بالبسط التام، والتفصيل البالغ كما أوضح تلك الإشارة التي في الأنعام، وفصلها في سورة الأعراف التي تليها فكانت هاتان السورتان الفرقان والشعراء في المثانى، نظير تينك السورتين الأنعام والأعراف في الطوال، واتصالهما بآخر النور، نظير اتصال تلك بآخر المائدة، المشتملة على فصل القضاء ثم ظهر لي لطيفة أخرى، وهي أنه إذا وقعت سورة مكية بعد سورة مدنية، افتتح أولها بالثناء على الله، كالأنعام بعد المائدة، والإسراء بعد النحل، وهذه بعد النور، وسبأ بعد الأحزاب، والحديد بعد الواقعة، وتبارك بعد التحريم، لما في ذلك من الإشارة إلى نوع استقلال، وإلى الإنتقال من نوع إلى نوع "
1- المشي على الأرض هوناً ؛ وليست مشية متماوت.
2- السلامة من خطاب الجاهلين
3- قيام الليل
4- الدعاء في جوف الليل
5- الاعتدال في النفقة
6- اجتناب الشرك والقتل بغير الحق والزنا
7- البعد عن مجالس الزور ؛ وهذا أعم من شهادة الزور.
8- الإعراض عن اللغو
9- دعاؤهم بالذرية والإمامة في الدين
وتأمل كيف بدأ صفاتهم بصفة عملية ترى لا علمية لا ترى فكأن حالهم معروف للناس
من مشيهم بسكينة ووقار ، وربما يعترضهم سفيه فيسلمون من خطابهم إما بلسان
الحال من السلام كما هو قول بعضهم أو بلسان المقال فهذا حال في نهارهم
وأما ليلهم فهم في عبادة ، وقدم السجود على القيام لشرفه ، ثم هم مع ذلك
لا يأمنون على أنفسهم بل يدعون ربهم أن يصرف عنهم عذاب جهنم لأنها
ساءت المستقر والمقام - وبين المستقر والمقام فرق لطيف -
ثم لم يظهر لي صلة مناسبة ذكر النفقة بعد قيام الليل وما بعدها...
جزاك الله خيراً أخي الفاضل الغزالي على هذه المشاركات وبارك فيك وهذا فعلاً ما نحتاج إلى القيام به في الحلقات بعد رمضان لكي تترسخ المعاني ويتوسع الإطلاع على آيات القرآن الكريم فتعم الفائدة ويحصل المراد من التدبر بإذن الله تعالى
وتعقيباً على ما ذكرته من تناسب سورة الفرقان مع سورة النور أضيف ما ذكره الدكتور فاضل السامرائي في هذه المسألة للفائدة وأورد ما جاء في تناسب سورة الفرقان مع الشعراء والشعراء مع النمل:
النور والفرقان: في آخر سورة النور قال (أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64)) وفي أوائل الفرقان (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2)) ألا إن لله ما في السموات والأرض الذي له ملك السموات والأرض يعني له ملكهما وما فيهما.
سؤال من المقدم: قد يقول قائل أنه ربما يكون في هذا تكراراً؟ هذا ليس تكراراً أولاً ثم إن هذا أمر عقيدة يركزها ويركز ظواهرها، في أواخر النور قال (لله ما في السموات والأرض) له ما فيهما وفي الفرقان (له ملك السموات والأرض) له ملكهما فقد تملك شيئاً لكن لا تملك ما فيه فقد تملك داراً ويستأجرها منك أحد فأنت تملك الدار لكنك لا تملك ما فيها وليس بالضرورة أن تملك داراً وتملك ما فيها كونه يملك السموات والأرض ليس بالضرورة أنه يملك ما فيهما ولذلك أكد القرآن أنه له ملك السموات والأرض وله ما فيهما ولا يكتفي بإطلاق الملك فقط بأنه يملك السموات والأرض حتى في حياتنا نملك الظرف ولا نملك المظروف ونملك المظروف ولا نملك الظرف، إذن هو ذكر أمرين: ذكر له ملك السموات والأرض وذكر لله ما في السموات والأرض الأمران مختلفان فله ملكهما وله ما فيهما.
في آخر النور قال (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)) هذا إنذار وفي أول الفرقان (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1)). وفي آخر النور قال (وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64)) وفي أول الفرقان (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2)) الذي يخلق كل شيء ويقدره هو بكل شيء عليم، والله بكل شيء عليم وخلق كل شيء فقدره تقديراً.
الفرقان والشعراء: آخر الفرقان قال (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77)) يعني العذاب يلازمهم وقال في بداية الشعراء (فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (6)) التكذيب للمخاطبين والقدامى (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3) إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آَيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (4) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (5) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (6)) (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77)) يعني سيكون العذاب حقاً عليكم ولزاماً عليكم، (وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (5) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (6)) تهديد. الخطاب للفئتين لكن يجمعها صفة واحدة وهو التكذيب والتهديد في الفرقان (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77)) وفي الشعراء نفس الشيء (فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (6)) وفي السورتين إقرار بأنهم كذبوا. في آخر الفرقان ذكر عباد الرحمن (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63)) وفي الشعراء ذكر المكذبين فاستوفى الخلق (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3)) استوفى الخلق الصالح والطالح عباد الرحمن والكافرين. في سورة واحدة قد يذكر الصنفين ويقولون كأنما الشعراء استكمال لما ذكر في الفرقان.
الشعراء والنمل: في آخر الشعراء ذكر الذين آمنوا وعملوا الصالحات (إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227)) استثنى الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً ثم هدد الذين ظلموا (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ). وقال في أول النمل ذكر المؤمنين (تِلْكَ آَيَاتُ الْقُرْآَنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1) هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (3)) ذكر هناك الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وذكر القرآن الذي هو رأس الذكر إذن وبشرى للمؤمنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة يوقنون هذا العمل الصالح فهناك أجمل العمل الصالح وهنا فصّل يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وذكر الاعتقاد. هو هدد غير المؤمنين في النمل والشعراء، قال في الشعراء (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) وقال في النمل (أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (5)) كأنما الآيتان متتاليتان فهي مرتبطة من أوجه مختلفة.
وهذه تناسب بديات السور في الجزء التاسع عشر مع خواتيمها كما تفضل بها الدكتور السامرائي حفظه الله تعالى:
سورة الفرقان: قال في أولها (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2)) ثم ينتقل إلى الكافرين والمشركين بعد هذا (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا (3) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آَخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5)) وقال في أواخرها (تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (61)) وذكر في الآية الأولى (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) وذكر في الآخر (وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا) له ملك السموات والأرض وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً هو تعالى الذي يملكها هو جعل فيها سراجاً وقمراً منيراً وإزاء هؤلاء الكافرين المشركين ذكر عباد الرحمن. انتقل بعد البداية إلى ذكر المشركين والكافرين ثم ذكر عبد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً إلى آخر السورة. ذكر الكافرين ثم ذكر المؤمنين وهذا في القرآن كثير وذكر جزاء كل منهم فذكر المؤمنون أولاً وذكر غيرهم في الآخر، هذا مقابل هذا.
سورة الشعراء: قال في بداية سورة الشعراء (تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3) إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آَيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (4)). إذن ابتدأت بقوله تعالى (تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2)) وفي أواخر السورة قال (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196)) إلى أن يقول (وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211)) هذه لا شك أنها متناسبة لقوله تعالى (تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2))، (تلك آيات الكتاب المبين) وفي آخرها (إنه لتنزيل رب العالمين) ثم (وما تنزلت به الشياطين) وكأن خاتمة السورة تصلح لأن تكون نهاية لبدايتها. في أوائل السورة (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آَيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (4)) وفي آخر آية (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227)) تناغم طيب بين الآيات.
سورة النمل: في أولها قال (طس تِلْكَ آَيَاتُ الْقُرْآَنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1) هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (3) إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (4) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (5) وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6)) هذه أوائل السورة وقال في أواخرها (إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآَنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92)). قال في الآخر (إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ) وفي الأول ذكر العبادة (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ)، وأمرت أن أعبد رب هذه البلدة، بماذا يعبدون ربهم؟ ذكر جزءاً من العبادات (الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة) هذه عبادة. ثم قال في أول السورة (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ) وفي آخرها (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآَنَ) الذي يتلقاه في البداية يتلوه في النهاية. من حيث العبادة في أول السورة ذكر العبادة وذكرها في النهاية وذكر القرآن في بداية السورة (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ) وآخرها (وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآَنَ) وهذا تناسب طيب.