وقد كانت حلقة ماتعة ومميزة تحدثت عن تأثير الوقف والابتداء في تغيير معنى الآيات وكذلك في تفسيرها, وكانت الحلقة غنية بأمثلة الوقف والابتداء التي توضح وتقرب المعنى المراد للمشاهدين.
وإليكم أبرز ما نوقش فيها باختصار:
**تعدد القراءات القرآنية وما يبنى عليها من اختلاف في الوقف والابتداء يدل على إعجاز القرآن الكريم, وهذا الاختلاف في الوقف والابتداء المبني على تعدد القراءات يتيح تنوع المعاني دون تعارض فيما بينها.
**ورد عن السلف في الوقف والابتداء عبارات مجملة كـ (انقطع الكلام) يعنون بذلك وقف. وأيضا عبارة (المفصول والموصول) و (وتم الكلام) و (استأنف الكلام ) أي ابتدأه. وكذلك عبارة (فلا تقف)...الخ.
**الأولى لمن لا يستطيع الرجوع إلى الكتب الوقف والابتداء وكتب الأعاريب وتوجيهاتها أن يلتزم بعلامات الوقف الموجودة في مصحف مجمع الملك فهد وغيره من المصاحف, لأنها عبارة عن تلخيص لما في هذه الكتب بنظرة شمولية اجتهد فيها علماء أفاضل. ولا ينبغي الاجتهاد والاستملاح في الوقف والابتداء إلا بالرجوع لأراء العلماء فيه وكذلك الرجوع لعلم النحو.
**معاني رموز الوقف الموجودة في المصاحف:
*الرمز (م) وهو إشارة للوقف اللازم, فلا ينبغي وصل هذه الكلمة بما يليها لأن الوصل يُوهم عكس مراد الله.
*الرمز (قلي) وتعني أن الوقف على هذا الموضع أولى من وصله بما يليه.
*الرمز (صلي) وتعني أن وصل هذا الموضع بما يليه أولى من الوقف عليه.
*الرمز (ج) وهي تدل على الوقف الجائز أو الحسن.
*الرمز (لا) وهي تعني أن الوقوف هنا ممنوعا.
*من علامات الوقف في المصاحف مايسمى بوقف التعانق: (ورمزه ثلاث نقاط مكررة مرتين) وهذا الوقف يعني الترابط, بمعنى أنك إن وقفت على إحداهما لا تقف على الأخرى.
**مناهج القراء العشر في الوقف والابتداء أربعة:
*منهم من يراعي في وقفه رأس الآية بغض النظر عن اتصالها بما بعدها لفظيا أو معنويا أو انفصالها عنه.
*ومنهم من يراعي عند وقوفه الاتصال اللفظي (الإعراب) في الآية, فإن تعلق بما بعده لفظا وصله.
* ومنهم من يراعي عند وقوفه المعاني, فلا يقف إلا عند معنى تام.
*ومنهم من اعتمد النظر إلى تمكين النفس, فحيث يقف النفس وقفوا.
ولقد اشتهرت هذه المناهج الأربعة عن القراء العشر من حيث الجملة, لكن اضطربت الروايات عن كل قارئ منهم بأي منهج يلتزم إلا حمزة فقد اتفقوا بأنه كان يراعي النفس (النوع الرابع).
**أقدم كتب الوقف والابتداء كتاب ابن سعدان في قواعد الوقف, ثم كتاب تلميذه ابن الأنباري (إيضاح الوقف والابتداء), وكتاب أبو جعفر النحاس ( القطع والإتناف) وهو من أفضل ما ألف في هذا الباب, رغم أنه لم يعرّف بالمصطلحات.
وكذلك كتاب (المكتفى) لأبي عمرو الداني وهو عمدة في الوقف والإبتداء. وكتاب (علل الوقوف ) للسجاوندي, وكتاب الهبطي, وكتاب (منار الهدى في بيان الوقف والابتداء) للأشموني.
وأغلب من ألف في الوقف والابتداء هم النحويون, وقد ألف بعض القراء العشرة أيضا في الوقف والابتداء لكن مؤلفاتهم لم تصل إلينا.
**أنواع الوقف في القرآن الكريم:
*الوقف التام: هو الذي لايتعلق بما بعده لا لفظا ولا معنى, ويحسن الابتداء بما بعده.
*الوقف الكافي: هو الذي يتعلق بما بعده من ناحية المعنى وليس من ناحية الإعراب. ويحسن الابتداء بمابعده.
*الوقف الحسن: هو ما يحسن الوقوف عليه لكن لا يحسن الابتداء بما بعده لشدة ارتباطه بما قبله.
*الوقف القبيح: أن يقف على لفظ فيدخل فيما قبله من جهة المعنى بينما هو ليس منه, أويقف على كلام لم يتم.
**من بعض قواعد الوقف الكثيرة التي توضح مالا يصح الوقف عليه مخيرا: لا يفصل بين الفعل والفاعل بوقف, ولا يفصل بين جملة القول وقائلها, ولا يفصل بين الحال وصاحبها, ولا بين المستثنى والمستثنى منه...الخ, وهناك أيضا قواعد استقرائية يمكن استقرائها واستخلاصها من تطبيقات العلماء.
**العلاقة بين الوقف والابتداء وعلم البلاغة: أن الغرض من علم الوقف والابتداء الحفاظ على المعاني وإيصالها للسامع كما أراد الله عز وجل. والبلاغة غايتها صيانة المعاني العربية وتجميلها وتحسينها, ومن أهم أبواب البلاغة باب الفصل والوصل, وهذا الباب هو ذاته الذي يعنى بالوقف والابتداء.
وأخيرا أسأل الله أن يوفق المشايخ الكرام ويجزيهم خير الجزاء ويرفع من شأنهم على ما قدموه للمشاهد الكريم من معلومات ماتعة ومفيدة, وباعثة ومحفزة على العناية بحسن تدبر آيات القرآن الكريم.