الحلقة الأولى من ( المهمات في علوم القرآن ) للشيخ / خالد السبت

إنضم
3 أبريل 2003
المشاركات
34
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء و المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. أما بعد :
فهذه مهمات انتقيتها واستخلصتها مما ذكره العلماء ـ رحمهم الله تعالى ـ مما يتعلق بعلوم هذا الكتاب العزيز، وسأقتصر على مهمات هذا العلم وما هو من صلبه ؛ دون غيرها من الموضوعات كالعام والخاص والمطلق والمقيد والمترادف والمشترك .. وما إلى ذلك من الموضوعات التي تدرس في بعض الفنون.
ولعلي أقدم بمقدمة أذكر فيها بعض الأشياء العشرة التي يذكرها العلماء عادة بين يدي الفن، وسأقتصر على بعضها , كـ (معنى علوم القران, وموضوع هذا العلم ، ,وفائدته , وأهميته, وغايته، ونشأته, وتطوره , والمراحل التي مر بها) .

أولاً: معنى علوم القرآن:
هذا العنوان مركب من كلمتين .. ( علوم ) و ( قرآن ) .
( فالعلوم ) جمع علم ؛ و ( العلم ) يعرف بأنه :
معرفة الشيء على حقيقته . أي: على ما هو به معرفة صحيحة .
ويمكن أن يقال: هو الإدراك الجازم المطابق للواقع .
وأما (القرآن) ويقال فيه (القران) – من غير همزة – كما هي قراءة ابن كثير وهي قراءة أهل مكة .
فالقرآن بالهمزة : أحسن ما يفسر به؛ أنه: مصدر من القراءة . كما قال حسان بن ثابت – رضي الله تعالى عنه – يمدح عثمان بن عفان – رضي الله تعالى عنه :
ضحوا بأشمط عنوان السجود به يقطِّع الليل تسبيحاً وقرآناً
يعني أنه يقطع الليل تسبيحاً وقراءة .. فسمى القراءة قرآناً .


فائدة:
الأفضل في التعريفات وتفسير الألفاظ إذا أردنا أن نرجعها إلى أصولها؛ أن نرجعها إلى المصادر؛ بمعنى : أننا نقول القرآن من القراءة، ولا نقول القرآن من قرأ . فلا نعيده إلى الفعل وإنما نعيده إلى المصدر، ولاشك أن الأصل في هذه اللفظة من جهة الفعل الثلاثي قرأ، و هذه اللفظة ( قرأ) تدور بجميع استعمالاتها ومعانيها في كلام العرب على معنى واحد فقط؛ وهذا المعنى تجد أطرافه منثورة في كتب القواميس، ولربما عدَّ العاد منها جمعاً من المعاني ـ وكل هذه المعاني التي يذكرها أصحاب المعاجم اللغوية إنما ترجع إلى معنى: (الضم والجمع )..
فإذا قلت مثلا : القراءة والقرآن .. فإن ذلك لاجتماع الحروف لتكون الكلمات .. ولاجتماع الكلمات لتكون الجمل .. ولاجتماع الجمل أو الآيات لتكون السور .. وهكذا .. ثم ما فيه أيضا من اجتماع المعاني .. القصص والأخبار والعقائد والأحكام وما إلى ذلك من الأمور التي جمعها الله عز وجل في كتابه .. فهي مجموعة في هذا القرآن .. وهكذا إذا قلنا القرء؛ الذي هو الحيض، فإنما قيل له ذلك , لاجتماع الدم في داخل الرحم، ولهذا قيل له ذلك . فتبين أن هذه اللفظة تدور على معنى واحد وهو: الضم والجمع .
والقرآن يمكن أن يكون قيل له ذلك بمراعاة هذا المعنى؛ لأنه يجمع ثمرة الكتب السابقة أو لأن الله عز وجل جمع فيه من ألوان الهدايات والعلوم والمعارف التي يحتاج إليها السالك إلى ربه تبارك وتعالى، وهذه الأمور لا منافاة بينها؛ فكلها صحيح .

وأما معنى القرآن الاصطلاحي :
فهو كلام الله ـ عز وجل ـ المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل عليه السلام , المعجز بأقصر سورة منه.
ويمكن أن نستغني عن زيادة يذكرونها معه وهي : ( المتعبد بتلاوته ) .
فنقول إذاً : ( القرآن هو كلام الله عز وجل ) فهذا يخرج كلام غير الله عز وجل كالملائكة والبشر ، و يخرج من ذلك الأحاديث النبوية، كما يخرج من ذلك أيضاً الأحاديث القدسية على قول من قال:إن الأحاديث القدسية هي من النبي صلى الله عليه وسلم لفظاً، ومن الله معنى .
( المنزل ) يخرج ما لم ينزله الله عز وجل، فكلام الله تبارك وتعالى لا نحيط به، فمنه ما نزله على الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، ومنه ما لم ينزله ( قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدادا )( الكهف: 109 ). ( ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله )( لقمان: 27 )، فإذا ( المنزل ) يخرج ما لم ينزل .
( على محمد ـ صلى الله عليه وسلم ) يخرج ما نزل على الأنبياء غير النبي صلى الله عليه وسلم؛ كالتوراة والإنجيل والزبور وما إلى ذلك .
( المعجز ) يخرج غير المعجز . وما هو غير المعجز ؟! غير المعجز يتمثل في الأحاديث القدسية على قول من قال: إنها من كلام الله عز وجل لفظا ومعنى، وهو الأقرب ؛ لأننا في الأحاديث القدسية نقول : قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه، ونقول أيضاً: قال الله تعالى، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول ذلك، ولو كانت من عند النبي صلى الله عليه وسلم لفظاً لما قيل فيها ذلك، ولكانت مستوية مع الأحاديث النبوية . ونحن نعرف أن قسما كبيرا ـ هو الأكثر من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم النبوية أنه وحي من عند الله تبارك وتعالى من جهة المعنى. وأقول: ( الغالب )؛ لأن بعض هذه الأحاديث اجتهاد من النبي - صلى الله عليه وسلم- ولكنه - صلى الله عليه وسلم – قد يجتهد، ولكن يأتي الوحي يصوبه على ذلك أو يبين له ما وقع فيه من خلل في الاجتهاد . كما اجتهد النبي - صلى الله عليه وسلم – في قصه أسرى بدر، فنزل الوحي بذلك ( ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض)( الأنفال : 67 ) فالحاصل أن سنة النبي - صلى الله عليه وسلم – القوليه والعملية – الغالب فيها– هو من قبيل الوحي ابتداء، وما اجتهد فيه النبي صلى الله عليه وسلم قليل، ثم يأتي الوحي مصوبا له، ولهذا لا يمكن لأحد أن يقول:ما دام أن السنة فيها بعض الاجتهادات؛ إذا يمكن أن يكون فيها بعض الأخطاء . نقول: لا يمكن ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم مؤيد بالوحي فيسدد ويصوب ويقوَّم اجتهاده من قبل ربه تبارك وتعالى.
(بأقصر سورة منه ) هذا يخرج الأحاديث النبوية، ويخرج الأحاديث القدسية لأنها ليست معجزة، ولهذا قد يقول قائل: إذا قيل بأن الأحاديث القدسية هي من كلام الله عز وجل لفظاً، فما الفرق إذاً بينها وبين القرآن ؟!
نقول الفرق من وجوه : منها:
1/ أن الله تعهد بحفظ القرآن بلفظه ومعناه؛ والأحاديث القدسية لم يتكفل الله عز و جل لها بهذا الحفظ .
2/ أن القرآن معجز بألفاظه، والأحاديث القدسية ليست معجزة .
3/ أن القرآن لا يجوز روايته بالمعنى أو نقله بالمعنى، والأحاديث القدسية يجوز نقلها بالمعنى بالشروط المعروفة التي يذكرها علماء الاصطلاح .
4/ أن القرآن نتعبد الله عز و جل بتلاوته، أما الأحاديث القدسية فلم نتعبد بقراءتها . هذه بعض الفروق .
وهذا الذي تقدم كلام موجز في التعريف لكتاب الله عز و جل الذي هو القرآن.

معنى علوم القران :
هو: علم يضم أبحاثاً كلية تتصل بالقرآن العظيم من نواحي شتى , يمكن اعتبار كل منها علماً متميزاً .

شرح التعريف:
حينما نقول: (هو علم يضم أبحاثا كلية ) يعني أنه لا يُدرِّس قضايا جزئية إنما يضم أبحاثاً كلية يندرج تحتها الجزيئات، فالأبحاث الكلية مثل: القراءات يندرج تحتها جزيئات كثيرة جداً ومفردات، وهكذا حينما نقول: علم الناسخ والمنسوخ هو من علوم القرآن، فهذا موضوع كلي، وحينما نقول الآية الفلانيه منسوخة، أو ليست منسوخة، هذا جزئي، وهكذا حينما نقول: المطلق والمقيد هذا كلي, وحينما نقول: هذه الآية مطلقة ، وهذه الآية مقيدة ، والمطلق محمول على المقيد؛ فهذا جزئي.
و حينما نقول (تتصل بالقران الكريم) هذا يخرج العلوم التي لا تتصل بالقرآن، مثل أن الفاعل مرفوع، أو المرفوعات والمنصوبات، أو القضايا التي تتعلق بشروط قبول الرواية، أو قضايا تتعلق بالجرح والتعديل، وما إلى ذلك، فهذه ليست من علوم القرآن .إذاً (تتصل بالقران) بمعنى أنها تتعلق به.
(من نواحي شتى) يعني منها ما يتعلق بأداء القران مثل: التجويد، والقراءات ، ومنها ما يتعلق بأماكن النزول مثل :المكي والمدني، ومنها ما يتعلق بأسبابه مثل: أسباب النزول، ومنها ما يتعلق بكونه موحى من الله عز و جل وهو موضوع الوحي ، ومنها ما يتعلق بتنزلات القرآن وهو موضوع نزول القران ، وما إلى ذلك.

موضوع هذا العلم :
أما الموضوع الذي يتحدث عنه هذا العلم ويدور عليه فهو: القرآن من جوانبه المختلفة.

فائدة دراسته:
وأما الفائدة التي نستفيدها من دراسة مثل هذا العلم، فأقول: هي في الواقع جملة فوائد وليست فائدة واحدة . فهذه الفوائد منها:
- أنه يُعين على فهم القرآن واستنباط الأحكام و الآداب .
- أنه يجعل من تمرس فيه وفهمه وعرفه يجعله مؤهلاً للتفسير .
- أنه يعرِّف الدارس له بتاريخ القرآن الكريم من حيث مبدأ نزوله، ومدة هذا النزول وطريقة هذا النزول، وأماكن النزول، وأوقات النزول، والأحداث التي نزل فيها القران.
- أنه أيضاً يوفر لمن درسه من العلوم والمعارف الهامة المتعلقة بالقرآن شيئاً كثيراً كما في الناسخ والمنسوخ،والقراءات، وما إلى ذلك.
- أنه يسلِّح من عرفه ودرسه وفهمه بسلاح قوي يستطيع ـ بإذن الله تعالى ـ معه أن يجلي كثيراً من الإشكاليات والشبهات التي يطرحها قوم من المستشرقين، ومن غيرهم من الزنادقة من المتقدمين والمتأخرين.
- أنه أيضاً يجلي لك أشياء ربما تنقدح في ذهنك إذا كان الذهن خالياً من هذا العلم، فتعرف الجواب عن كثير من الإشكاليات التي لربما أورثت شكاً، وحيرة في نفس الإنسان .
- أنه يُوجِد عند صاحبه ملكة وقدرة على إدراك مواطن العبر في هذا القرآن، والحجج والأحكام .

أهمية هذا العلم:
فهذا العلم هو في الواقع بمنزلة الميزان الذي يضبط الفهم لكتاب الله عز و جل ؛ كما نقول: إن علم النحو يضبط اللسان من اللحن، وهكذا يقال: بأن علم التجويد يضبط القراءة من اللحن في كتاب الله تبارك وتعالى، فهذا العلم إذا هو كالميزان الذي يضبط الفهم؛ من أجل أن لا يشطح في نظره في كتاب الله تبارك وتعالى؛ وبهذا يكون مؤهلاً لمعرفة صحيح التفسير من فاسده .

الغاية من هذا العلم :
هو معرفة معاني هذا القرآن؛ لأن هذا مرقاة لها وواسطة، ثم العمل بعد ذلك بأحكامه لأن الله عز و جل تعبدنا بذلك .

نظرة تاريخية لنشأة هذا العلم وتطوره والمراحل التي مر بها :
من نظر في كثير من المؤلفات التي تكلم أصحابها عن تاريخ هذا العلم ونشأته وتطوره، يجد أشياء كثيرة جداً تحتاج إلى مناقشة.
وقد حاولت أن أستقرئ هذا الموضوع قدر الجهد والطاقة من خلال الكتب التي تكلمت على هذه القضية، ومن خلال كتب فهارس المخطوطات، ومن خلال الكتب التي تكلمت عن الفنون كالفهرست لابن النديم . و كتاب كشف الظنون، وأشباه ذلك من الكتب التي ألفها العلماء يسردون فيها المصنفات في مختلف العصور.

القرن الأول الهجري :
ويمكن أن نقسم هذا القرن إلى ثلاث مراحل :
المرحلة الأولى : وهي العهد النبوي:
كان القرآن يتنزل على النبي- صلى الله عليه وسلم – في ثلاث وعشرين سنة، وكان الصحابة – رضي الله تعالى عنهم – من العرب، وكانوا أهل الفصاحة والبيان والبلاغة، فكانوا يدركون هذه المعاني التي خوطبوا بها، يدركونها غالباً من لغتهم وسليقتهم، كما جاء عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أن التفسير على أربعة أنحاء : قسم تعرفه العرب بلغتها. وهذا هو الشاهد ـ فكانوا يعرفون معاني هذا القرآن ـ يعرفون كثيراً منها بفصاحتهم وسليقتهم العربية التي حباهم الله عز و جل بها ـ ، وإذا أشكل عليهم شيء من معانيه رجعوا إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فسألوه عن ذلك فيبينه لهم، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم – يبدؤهم أحياناً بتفسير بعض الآيات، أو بعض القضايا، كما أن النبي - صلى الله عليه وسلم – كان يقرئهم القرآن على الحروف التي يتيسر لهم القراءة بها، وذلك بعدما هاجر النبي- صلى الله عليه وسلم – إلى المدينة فنزلت الأحرف الستة الزائدة على حرف قريش.
كما أن الصحابة- رضي الله عنهم – عاصروا التنزيل، وشاهدوا الوقائع التي نزل فيها القرآن وكانوا مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم – في السفر والحضر في الليل والنهار، فعرفوا أماكن النزول؛ وهو ما يسمى بالمكي والمدني .
كما عرفوا أيضا أسباب النزول، وعرفوا الطرق التي ينزل على النبي- صلى الله عليه وسلم – بها القرآن، وعرفوا وجوه القراءة من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كما أن الواحد منهم ما كان يتجاوز خمس آيات أو عشر آيات حتى يتعلم ما فيها من العلم والعمل، فكانوا يتعلمون العلم والعمل جميعاً.
إذاً تعلموا أحكام القرآن؛ وهذا نوع من أنواع العلوم القرآنيه – علم أحكام القران – ، وتعلموا أسباب النزول، وأماكن النزول، ووجوه القراءة، وتعلموا أيضا أوقات النزول، وتعلموا طرق نزول القرآن، وتعلموا الناس والمنسوخ، وما إلى ذلك من العلوم التي يحتاج إليها كالعام والخاص ، والمطلق والمقيد، وغير ذلك.
وكان النبي- صلى الله عليه وسلم- قد اتخذ جماعة من الكتاب يكتبون بين يديه ما ينزل من القرآن، فيكتبون الآية في العسب واللِّخاف – وهي شرائح الحجارة ـ الحجارة الرقيقة ـ ، والأكتاف- عظم الكتف ـ ؛ لأنه عريض ، ويكتبون بما تيسر لهم من الوسائل المختلفة .
فكانوا يكتبون الآية بين يدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والنبي صلى الله عليه وسلم يرشدهم إلى مكان الآية من السورة، يقول : ضعوا هذه الآية في سورة كذا في موضع كذا، فكانوا يؤلفون القرآن بين يدي النبي- صلى الله عليه وسلم- بمعني يرتبونه بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - .. والمقصود أنهم كانوا يرتبون الآيات بين يدي النبي- صلى الله عليه وسلم-؛ لأن ترتيب الآيات في داخل السور أمر توقيفي، أما ترتيب السور فسيأتي الكلام عليه في موضعه إن شاء الله .
إذاً هذه جملة من العلوم القرآنية التي عرفها أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم- في العهد النبوي.

المرحلة الثانية: عهد الخلفاء الراشدين:
فبعد وفاة النبي- صلى الله عليه وسلم وقعت حروب الردة، فقتل في اليمامة فقط سبعون من القراء؛ والمراد بالقراء في اصطلاحهم في ذلك الوقت: هم أهل القرآن الذين يحفظون الآيات ويفقهون معانيها، فهم أهل العلم، فَقُتِلَ منهم سبعون في وقعة اليمامة. وهذا يدل على أن الحفظة لكتاب الله عز وجل كانوا كثيرين.. ولم يكونوا أفراداً كما يُصوِّر بعض الناس .
فلما قتلوا فزع عمر – رضي الله عنه- فخاف أن يذهب شيء من القرآن فأشار على أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ أن يجمع القرآن، فتردد أبو بكر- رضي الله عنه – في أول الأمر ـ كما سيأتي- ثم شرح الله عز و جل صدره لذلك، فجاؤا بزيد بن ثابت – رضي الله عنه – وكان من حفظة القرآن، وكان ممن شهد العرضة الأخيرة التي عرضها النبي- صلى الله عليه وسلم- على جبريل مرتين في العام الذي توفى فيه ـ وهذه نقطة مهمة؛ لأن فيها جواباً عن سؤال كبير.. وهو: لماذا اختير زيد بن ثابت وترك كبار الصحابة؛ كابن مسعود رضي الله عنه؟
والجواب أن زيد بن ثابت – رضي الله عنه – كان عند أبي بكر في المدينة فاختاروه لذلك، وكان يقرأ بقراءة قريش بحرف قريش ؛ وحرف قريش هو الذي كان يقرأ به عامة المهاجرين والأنصار، فاختير زيد بن ثابت لهذه المهمة، فتلكأ في أول الأمر، وتخوف ثم بعد ذلك شرح الله صدره للقيام بهذا العمل، فجمع القرآن في عهد أبي بكر – رضي الله عنه – جُمِعَ في صحف ـ من غير ميم ـ هذه الصحف غير مرتبة السور.
وهل جمع على حرف واحد ؟ أو جمع على السبعة أحرف ؟
الأقرب أنهم جمعوه على حرف قريش ثم احتفظ به أبو بكر – رضي الله عنه – عنده احتياطاً.
ثم لما مات أبو بكر – رضي الله عنه – صارت هذه الصحف إلى الخليفة من بعده – وهو عمر – واحتفظ بها، ثم لما مات عمر – رضي الله عنه – آلت الصحف إلى حفصة بنت عمر؛ لأنها وصية عمر، ثم لما جاء عثمان ـ رضي الله عنه ـ وأراد أن يجمع الناس على مصحف واحد طلب هذه الصحف من حفصة.
فالحاصل أنه في عهد أبي بكر الصديق – رضي الله عنه – جمع في صحف , ثم استمر الأمر على ذلك وهو في هذه الصحف إلى خلافة عثمان.

المرحلة الثالثة: عهد عثمان رضي الله عنه:
مجموع الروايات يدل على أن هناك أمرين تزامنا، وكان جمع القرآن نتيجة لهما:
الأمر الأول : أن الغلمان بالمدينة اختلفوا في القراءة مع من يقرئونهم في الكتاتيب .
الأمر الثاني: و هو أن الأجناد الذين كانوا في أرمينيا وأذربيجان اختلفوا في القراءة ، وهؤلاء الأجناد عبارة عن جيوش جاءت من أماكن مختلفة، وكل أخذ القرآن من القراء الموجودين في بلادهم والقرآن نزل على سبعة أحرف، وهؤلاء الجنود كثير منهم ليسوا طلبة علم ولا يعرفون هذه القضية، فصار الواحد منهم يسمع قراءة هذا من الشام، وقراءة هذا من العراق، وقراءة هذا من اليمن فيها نوع تغاير .. هذا يقرأ: (كأنه جمالة صُفر) وهذا يقرأ: (كأنه جمالات صفر) .. فجعل بعضهم يُخَطِّئ بعضاً، وتجادلوا فغضب حذيفه بن اليمان – رضي الله عنه- وقال : تقولون قراءة ابن مسعود، وقراءة أبي موسى الأشعري؟!
والله لأركبن إلى عثمان فليجعله على قراءة واحدة.
فذهب إلى عثمان رضي الله عنه وذكر له الخبر؛ فجمع عثمان – رضي الله عنه –من حضره من الصحابة جميعا ومنهم علي بن أبي طالب – رضي الله عنه- ثم عرض عليهم هذا الأمر؛ فقالوا ماذا ترى ؟!
قال : أرى أن نجعلها على قراءة واحدة .
والسبب في ذلك أن الأحرف الستة نزلت بعد ذلك في المدينة تخفيفاً؛ لما كثر الداخلون في الإسلام من القبائل الأخرى .. فكانت تخفيفاً، وكانت رخصة كما قال ابن جرير الطبري ـ رحمه الله ـ كبير المفسرين.
فلما استغني عن هذه الرخصة وذلت ألسن الناس بالقرآن ، وسببت هذه الرخصة فيما بعد إشكالاً عند الناس واختلافاً، رأى أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم- أن يستغنوا عن باقي الأحرف. وهذه الأحرف الباقية هي وجوه أخرى في القراءة .. أي أنهم لم يتركوا آية من القرآن، ولم يتركوا كلمة واحدة، إنما تركوا باقي الأوجه التي يقرأ فيها القرآن من الأحرف الستة الأخرى، ثم بعد ذلك جعلوه على حرف قريش، وكتب عثمان مجموعة من المصاحف .. بعضهم يقول خمسة، وبعضهم يقول سبعة، وبعضهم يقول غير ذلك. ولا يصح في العدد رواية، وأرسل بعضها إلى العراق ( الكوفة و البصرة) وأرسل إلى اليمن، وأرسل إلى الشام ، يقال أرسل إلى البحرين واحداً، وأرسل إلى مكة واحداً، وأبقى عنده في المدينة واحداً. ولم يرسل إلى مصر ذلك الوقت شيئا .
الآن هذه المصاحف كتبت بطريقة خاصة .. هذه الطريقة هي التي عرفت فيما بعد بما يسمى بالرسم العثماني .
وهو من العلوم التي تدرس في بعض الجامعات وفيه مؤلفات، و فيه نظم يحفظه الطلاب ويدرسون شرحه، وفيه قواعد، فهو علم من العلوم القرآنية يسمى علم الرسم العثماني .
و وجد هذا في زمن الخلفاء الراشدين، وبالتحديد في زمن عثمان – رضي الله عنه - .
بعض ما ذكر من المؤلفات في هذا العصر:
إن صح ما نقله السيوطي في كتاب ( الإتقان ) عن ابن أشته في كتابه ( المصاحف ) وهو كتاب مسند. وهناك كتاب آخر اسمه ( المصاحف ) أيضاً لابن أبي داود السجستاني فيه الروايات المتعلقة بكتابة القرآن، وأشياء تتعلق بجمعه، وأشياء تتعلق ببعض وجوه القراءة, وأما كتاب ابن اشته فهو مفقود لم يصل إلينا إنما نقل منه السيوطي هذه الرواية من غير إسناد – وهذه الرواية تقول: بأن علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- كتب في مصحفه الناسخ والمنسوخ .
هذه الرواية يرويها لنا عن علي ـ رضي الله عنه ـ رجل من علماء التابعين وهو ابن سيرين. يقول ابن سيرين: " فطلبت ذلك الكتاب وكتبت فيه إلى المدينة فلم أقدر عليه ".
و قد ساق الحافظ ابن عبد البر رحمه الله في كتابه ( التمهيد ) بإسناده لابن سيرين أنه قال " لما بويع أبو بكر أبطأ علي عن بيعته فجلس علي في بيته فبعث إليه أبو بكر : ما بطأك عني ؟! أكرهت إمرتي ؟
فقال علي : ما كرهت إمارتك ـ وفي هذا رد على الرافضة ـ ولكني آليت – أي حلفت – أن لا أرتدي ردائي إلا إلى صلاة حتى أجمع المصحف , قال ابن سيرين :وبلغني أنه كتبه على تنزيله – أي كتبه مرتباً على النزول – ولو أصيب ذلك الكتاب لوجد فيه علم كثير "
فابن سيرين ـ رحمه الله ـ يروي هنا قضية بعد وفاة النبي- صلى الله عليه وسلم-
.وهذه القضية لم يدركها ابن سيرين، فهذا عند علماء الحديث يسمى المرسل ..
يقول ابن عبد البر رحمه الله – بعد ما ساق هذه الرواية معلقاً – قال : "أجمع أهل العلم بالحديث أن ابن سيرين أصح التابعين مراسيلاً، وأنه كان لا يروي ولا يأخذ إلا عن ثـقة وأن مراسله صحاح كلها .. ليس كالحسن وعطاء في ذلك والله أعلم "
هذا الكلام من ابن عبد البر يدل على أنه يصحح هذه الرواية المرسلة عن ابن سيرين رحمه الله تعالى .

مرحلة ما بعد الخلفاء الراشدين إلى نهاية القرن الأول الهجري:
فمما يذكر في ذلك أن زياداً ـ وهو الأمير المعروف الذي يقال له ( زياد بن أبيه) واستلحقه ( أبو سفيان) فقيل له: (زياد بن أبي سفيان) ـ أمر أبا الأسود الدؤلي فوضع قواعد الشكل على المصاحف . وهذا هو المشهور .. خلافاً لما هو متعارف عند النحاة أن عليَّ بن أبي طالب – رضي الله عنه – هو الذي أمر أبا الأسود الدؤلي بوضع قواعد النحو صيانة للنطق، وضبطاً للقلم، ولو صح هذا وهو أن علياً – رضي الله عنه – هو الذي أمر أبا الأسود الدؤلي بوضع قواعد النحو؛ لكان هذا ضمن الإنجازات في زمن الخلفاء الراشدين فيما يتعلق بعلوم القران؛ لأن هذا يتصل بعلم إعراب القران . وعلم إعراب القرآن هو من علوم القران . لكنه لا يصح وإن اشتهر عند النحاة , لأن هذه القصة جاءت بإسناد لا يثبت . وهكذا المصاحف التي كتبها عثمان ـ رضي الله عنه ـ كانت من غير نقط وتشكيل ـ, فمن الذي وضع لها النقط والشكل ؟
جاء في بعض الروايات أن الذي وضعه أبو الأسود الدؤلي بأمر زياد.
وفي بعضها أن الذي وضعه غير أبي الأسود الدؤلي.
وكذلك النقط اختلفوا فيه .. من الذي نقطها ؟
لكنها نقطت قطعاً بعد زمن الخلفاء الراشدين .
فبعضهم يقول: الذي نقطها – كما يقول الداني في كتابه النقط ـ أي نقط المصاحف – يقول: هو أبو الأسود الدؤلي .
وبعضهم يقول: هو نصر بن عاصم الليثي، وهو الذي خمسها وعشرها ..
أي جعلها مثل: الأجزاء فتخميس القرآن, يعني: تقسيمه إلى خمسة أجزاء .. وتعشير القرآن، يعني: تقسيمه إلى عشرة أجزاء بحيث يقرأ في عشرة أيام .
وجاء في بعض الروايات :أن ابن سيرين كان عنده مصحف نقطه يحيى بن يعمر المتوفى سنة 89 هـ، وقيل 129هـ .
وجاء أيضا أن يحيى هو أول من نقطها.
لكن أكثر العلماء على أن المبتدئ بذلك هو أبو الأسود الدؤلي الذي جعل الحركات والتنوين فقط، ثم جاء بعده الخليل بن أحمد الفراهيدي فحسَّن هذه الحركات فأدخل عليها أشياء مثل: الهمز والتشديد والروم والإشمام.
وبعض العلماء يقولون: إن الحجاج بن يوسف الثـقفي هو أول من أمر بنقط المصاحف وبتجزئتها، والحجاج كانت له جهود معروفة لشدة عنايته بالقرآن، فهو من أكثر الأمراء عناية بالقرآن حتى إنه جاء لبعض أئمة التابعين كالحسن البصري، وأعطاهم شعيرا وأمرهم أن يعدوا حروف القران حرفاً حرفاً فيقف عند النصف، والربع، والثلث إلى أي حرف ينتهي؛ ثم يعدون الكلمات إلى أي حد تنتهي هذه الكلمة.
فهذا كان من زمن الحجاج؛ يعني في القرن الأول الهجري عرفوا حروف القرآن وعدوها عداً دقيقاً .. ومن نظر في الكتب المدونة كفنون الأفنان لابن الجوزي ، وبصائر ذوي التمييز للفيروز ابادي يجدهم يذكرون: عدد كل حرف؛ كم تكرر من مرة في كتاب الله عز و جل .. الميم كم تكرر من مرة.. الدال .. السين .. وما إلى ذلك .. إلى هذا الحد ..
ويظن بعض الناس اليوم أن هذه العناية بالعدد ما وجدت إلا هذه الأيام؛ بينما السلف عدوا هذه الحروف بهذه الدقة من القرن الأول.
كما أن من الجهود المبذولة في تلك الفترة ـ فترة ما بعد عهد الخلفاء الراشدين ـ أن يحيى بن يعمر المتوفى سنة 89 هـ كتب أيضا كتاباً في القراءة .. جمع فيه اختلافات المصاحف المشهورة وهذا كان قبل سنة ( 89 هـ )، بينما إذا نظرت إلى الكتب المؤلفة في تاريخ القرآن فإن عامة هذه الكتب ـإن لم تكن جميعها ـ إذا ذكروا أول جهد مبذول ذكروا: سفيان بن عينة ، وشعبة بن الحجاج ، وأمثال هؤلاء ممن تأخروا عن هذا الوقت زمناً طويلاً .
بينما نجد أن يحيى بن يعمر المتوفى سنة( 89 هـ) كتب كتاباً في القراءة .. جمع فيه اختلافات المصاحف المشهورة – بمعنى وجوه القراءة التي فيها – .
وذُكِر أيضاً أن سعيد بن جبير ـ رحمه الله ـ الذي قتله الحجاج سنة( 94 هـ )أنه كتب تفسيراً للقرآن، وذلك أن عبد الملك بن مروان طلب من سعيد بن جبير أن يكتب له تفسيرا .. فكتبه له وبقي محفوظاً عند عبدالملك بن مروان . فمعنى هذا؛ أن هذا التفسير كتب في وقت مبكر، فإن عبد الملك بن مروان توفي سنة 86 هـ يعني أن هذا التفسير قد كتب قبل هذا التاريخ.
وقد جاء في ترجمة عطاء بن دينار : قال أحمد بن صالح : وتفسيره – يعني عطاء بن دينار الذي يرويه عن سعيد بن جبير – فيما يروي عن سعيد بن جبير صحيفة.
فهذه الصحيفة؛ هي التي كتبها سعيد لعبد الملك بن مروان.
وقال ابن أبي حاتم سئل أبي – يعني أبا حاتم – عن عطاء بن دينار فقال : هو صالح الحديث، إلا أن التفسير أخذه من الديوان، فإن عبد الملك بن مروان كتب يسأل سعيد بن جبير أن يكتب إليه تفسير القرآن، فكتب سعيد بن جبير بهذا التفسير إليه فوجده عطاء بن دينار في الديوان، فأخذه فأرسله عن سعيد بن جبير. يعني: أنه يرويه صحيفة؛ لا يرويه مشافهة . هذا كله في القرن الأول الهجري.

القرن الثاني :
بعد ذلك جاء القرن الثاني الهجري .. ووجدت فيه أشياء وكتابات وبعض هذه الكتابات في الواقع كانت في القرن الأول الهجري .. لكني صنَّفتُها ضمن القرن الثاني بناءً على تاريخ وفاة المؤلف فقط.
فمثلا : مجاهد بن جبر توفي سنة 104 هـ و في الكتب التي تذكر فهارس المصنفات نجد أن مجاهد بن جبر كان له تفسير .
وكذلك أيضا الضحاك بن مزاحم المتوفى سنة 105هـ كان له تفسير .
وكذلك أيضاً عكرمة مولى ابن عباس المتوفى سنة 107 هـ.
وكذلك محمد بن كعب القرظي المتوفى سنة 108 هـ كانت له صحيفة في التفسير .
ولعلهم جمعوا هذه الكتب في التفسير قبل ذلك بمدة يعني في القرن الأول الهجري .
وهكذا أيضا الحسن البصري المتوفى سنة 110هـ كان له جزء في عد الآي ؛ أي: عدد آيات القرآن. وله أيضا جزء في نزول القرآن.
وهكذا عطاء بن أبي رباح المتوفى سنة 114هـ له أيضا تفسير.
وهكذا أيضا قتادة السدوسي المتوفى سنة 117هـ وقيل 118هـ كان له عواشر القرآن، والناسخ والمنسوخ.
وهكذا عبدالله بن عامر اليحصبي المتوفى سنة 118هـ له اختلافات مصاحف الشام والحجاز والعراق، وله أيضاً جزء آخر اسمه المقطوع والموصول.
وغير هؤلاء كثير، كشعبة بن الحجاج بعد ذلك ، وسفيان بن عيينة، ووكيع بن الجراح، وابن جريج، وابن وهب .
وكان الغالب في التأليف في تلك المرحلة الرواية؛ أي : سرد الروايات، ولربما دخل مع التفسير أشياء أخرى من الحديث؛ لأنهم كانوا لربما جمعوا صحفاً في الحديث، منها ما يكون من قبيل التفسير للقرآن، ومنها ما يكون في غير ذلك من الموضوعات .
القرن الثالث :
بعد ذلك جاء القرن الثالث الهجري فكثر التأليف جداً وأذكر على سبيل المثال فقط: كتاب ( الناسخ والمنسوخ ) لعبد الوهاب الخفاف المتوفى سنة 204 هـ، وكتاب ( الناسخ والمنسوخ ) لحجاج الأعور المتوفى سنة 206هـ . ـ ويلاحظ هنا قرب وفاة هؤلاء من القرن الثاني الهجري، فغالبا ما تكون هذه المؤلفات كتبت في القرن الثاني الهجري. وكتاب ( إعراب القرآن ) لعبد الملك بن حبيب القرطبي المتوفى سنة 238هـ ، وكتاب ( إعراب القرآن ) لأبي حاتم سهل بن محمد السجستاني المتوفى سنة 248 هـ ، وكتاب( إعراب القرآن ) لأبي العباس المبرد المتوفى سنة 286هـ، وكتاب ( إعراب القرآن ) لأبي العباس ثعلب المتوفى سنة 291 هـ،وغير هؤلاء كثير. كعبدالرزاق الصنعاني المتوفى سنة 211هـ ، وتفسيره موجود مطبوع ، وأيضاً أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله المتوفى سنة 224 هـ له كتاب في القراءات، وله كتاب في الناسخ والمنسوخ، وله كتاب في فضائل القرآن مطبوع ـ وهو من أجَلِّ كتب فضائل القرآن، وفيه أكثر من تسعمائة أثر وأكثر بالإسناد ـ وكذلك ابن المديني المتوفى سنة 234هـ ألف أسباب النزول، وابن قتيبة المتوفى سنة 276هـ ألف ( مشكل القرآن ) . وغيره ، فهؤلاء علماء كثير ألفوا في تلك الفترة في القرن الثالث الهجري وما ذكرته إنما هو مجرد أمثلة .

القرن الرابع:
بعد ذلك جاء القرن الرابع الهجري وفيه كثر التأليف عما هو عليه في القرون قبله وفي هذا القرن أكتفي بذكر بعض الكتب التي انتقيتها لسبب وهو: أن بعض العلماء، أو بعض من كتب يقولون: إنها كتب أُلِّفت في علوم القرآن خاصة . فأذكرها بدلاً من أن أذكر كتباً في الناسخ والمنسوخ والتفسير وما إلى ذلك .
فمن هذه الكتب كتاب اسمه (الحاوي في علوم القرآن ) لمحمد بن خلف بن المرزبان المتوفى سنة 309 هـ فهذا الكتاب كتب في القرن الرابع الهجري، والعنوان كما هو واضح ( الحاوي في علوم القرآن)؛ وهذا الكتاب ليس من كتب علوم القرآن، فهو يقع في سبعة وعشرين جزءاً. وهذا الكتاب بهذه الأجزاء هو من كتب التفسير بلا شك، وإن كان اسمه الحاوي في علوم القرآن . وينسب إليه كتاب آخر بعنوان ( عجائب علوم القرآن ) سيأتي الكلام عليه إن شاء الله .

ومما ألف في هذا القرن ـ القرن الرابع الهجري ـ ، كتاب ( الاستغناء في علوم القرآن ) لمحمد بن على الأدفوي المتوفى سنة 388 هـ . لكن هذا الكتاب قال عنه الداوودي في كتابه طبقات المفسرين :" وله كتاب في تفسير القرآن سماه الاستغناء في 120 مجلدا صنف في 12 سنة" وبعضهم يذكر عنوانه الاستغناء في علوم القرآن، فهذا الكتاب الذي يقع في 120 مجلداً ألفه في 12 سنة إنما هو كتاب من كتب التفسير .
وهذا الكتاب موجود وقد حقق أحد الباحثين سورة الفاتحة منه مع دراسة للكتاب، وهنا يلحظ أن بعض من كتب عن أول ما ألف في هذا الفن يذكرون هذه الكتب، وبعضهم يذكر كتباً أخرى سأذكرها ، والواقع أنها ليست في علوم القرآن.
بعد ذلك كتاب ( تفسير القرآن لأبي الحسن الأشعري) المتوفى سنة 324هـ وبعض العلماء قالوا: إن هذا الكتاب هو كتاب (المختزن في علوم القرآن لأبي الحسن الأشعري) ، وليس كذلك فهذا الكتاب الذي اسمه تفسير القرآن قال عنه المؤلف كما في تبيين كذب المفترى فيما نقله عنه ابن عساكر : ( وألفنا كتاب تفسير القرآن رددنا فيه على الجبائي والبلخي ما حرفا من تأويله ) فهذا هوتفسير القرآن.
وأما كتاب (المختزن في علوم القرآن) فهو غير كتاب التفسير وليس كما ظنه بعض المؤلفين أنه كتاب واحد فكتاب المختزن موضوعه آخر يقول عنه مؤلفه ( وألفنا كتاباً في ضروب من الكلام سميناه المختزن ذكرنا فيه مسائل للمخالفين لم يسألونا عنها ولا سطروها في كتبهم ولم يتجهوا للسؤال وأجبنا عنها بما وفقنا الله له )، وهذا الكتاب سماه الداوودي في كتابه (طبقات المفسرين): (المختزن في علوم القرآن) وقال عنه: ( كتاب عظيم جداً بلغ فيه سورة الكهف ، وقد انتهى مائة جزء. وقيل: إنه أكبر من هذا ) إذاً هذا الكتاب ليس في علوم القرآن.
وعلى كل حال تاج هذه الكتب في القرن الرابع الهجري وفي كل قرن مما كتب في التفسير، هو تفسير كبير المفسرين (جامع البيان في تفسير القرآن )لمحمد بن جرير الطبرى المتوفى سنة 310هـ فهو أجل هذه الكتب، وأعظمها، وأكثرها نفعا والأمر كما قيل:" الصيد في جوف الفرا" .

ثم بعد ذلك كَثُر التأليف. وتَتَبُّع ذلك قرناً .. قرناً أمر يصعب، ولربما يطول. لذلك سأذكر الكتب المؤلفة في علوم القرآن فقط مما يكون حقيقة في هذا الفن، وليس مجرد عنوان مع مخالفة في المضمون.
فمن الكتب المؤلفة في علوم القرآن كتاب صنفه ابن الجوزي؛ وهو مطبوع متداول، وقد طبع عدة طبعات واسمه (فنون الأفنان في عيون علوم القرآن) ، وابن الجوزي توفى سنة 597 هـ يعني في القرن السادس الهجري ، وله كتاب آخر اسمه (المجتبى ) في علوم تتعلق بالقرآن .

ثم جاء بعد ذلك السخاوي علم الدين المتوفي سنة 643 هـ فألف في عدة موضوعات ، في الناسخ والمنسوخ وقضايا أخرى متعددة، ثم ضم بعضها إلى بعض في كتاب واحد سماه ( جمال القراء وكمال الإقراء) وهذا الكتاب مطبوع متداول .

ثم جاء بعده أبو شامة المتوفى سنة 665 هـ فصنف كتابا سماه (المرشد الوجيز في علوم تتعلق بالكتاب العزيز) اقتصر فيه على بعض الموضوعات الأساسية كجمع القرآن، وما يتعلق بالأحرف، وما يتعلق بالقراءات ـ وهذه أدق الموضوعات وأخطر ها ـ فاقتصر على هذه الأشياء الضرورية وترك الباقي، ولو أنه ألف في باقي الموضوعات على هذا المنوال لكان هذا الكتاب لا يجارى ولا يبارى في التحقيق والإتقان والضبط وتنقيح المعلومات، لكنه اقتصر على هذه الموضوعات الأساسية الدقيقة التي يشغب عليها الزنادقة كثيراً قديماً وحديثاً. وأظن لو أنه كتب في باقي الموضوعات لكان كتابه مغنياً عن كثير من الكتب وكان غاية في التحقيق ، والله تعالى أعلم .
وهذا الكتاب مع جلالة قدره وعظم ما فيه من التحقيق والتحرير إلا أنه غير مشهور ، وكان قبل مدة ليست بالبعيدة لا وجود له في الأسواق مع أنه طبع قديماً ، وأما الآن فهو مطبوع ومتوفر .

بعد ذلك جاء الطوفي المتوفى سنة 716هـ فألف كتابا سماه ( الإكسير في علوم التفسير) وهو مطبوع وهذا الكتاب غلَّب فيه الجوانب اللغوية والبلاغية.

ثم جاء بعد ذلك الزركشي المتوفى سنة 794 هـ فألف كتاباً جامعاً هو من أجمع الكتب المؤلفة في هذا الفن إلى يومنا هذا وهو من العمد ومن خزائن هذا العلم وهو كتاب (البرهان في علوم القرآن) وهو مطبوع متداول.

ثم جاء بعد ذلك جلال الدين البلقيني المتوفى سنة 824 هـ فألف كتابا سماه (مواقع العلوم من مواقع النجوم) . قال عنه السيوطي 0 فرأيته تأليفاً لطيفاً ومجموعاً طريفاً ذا ترتيب وتقرير وتنويع وتحبير .
وفي هذا القرن أيضاً وهو القرن( 9 هـ )جاء محمد بن سليمان الكافِيَجي المتوفى سنة 873 هـ ، قيل له الكافيجي لكثرة اشتغاله بالكافيه في النحو ، فألف كتاباً في هذا قال عنه السيوطي : فإذا هو صغير الحجم جداً، وحاصل ما فيه بابان ، إلى أن قال: فلم يشف لي ذلك غليلاً، ولم يهدني إلى المقصود سبيلا"وهذا الكتاب لم يصل إلينا.
بعد ذلك جاء السيوطي بموسوعته المشهورة وهو كتابه (الإتقان في علوم القرآن) وهذا الكتاب حسب ما أعرف، وحسب ما بلغنا من المؤلفات في هذا الفن يعد أوسع المؤلفات، وهو خزانة هذا العلم حقيقة ، وتجد فيه ما تفرق في غيره.
وأستطيع أن أقول بأن المؤلفات في هذا الفن أهمها وأجلها وأعظمها كتاب (البرهان) للزركشي الذي سبق ذكره، ويحتوي على سبعة وأربعين نوعا، والكتاب الثاني هو كتاب (الإتقان) للسيوطي ويحتوى على ثمانين نوعا.
وأما ما ذكره السيوطي في كتابه التحبير من الأنواع التي زادت على المائة فإنما ذلك يرجع إلى أنه مولع بالتشقيق، فهو يشقق الموضوعات، فيجعل الموضوع الواحد موضوعات شتى ، وهذا أمر فني لا يؤثر في مضمون الكتاب، فكثرة هذه الموضوعات التي ذكرها بحسب العناوين لا تدل على أن كتاب التحبير أوسع من كتاب الإتقان. بل إن كتاب الإتقان أوسع وأعظم وأنفع وأجل، ولا مقارنة بينه وبين كتاب التحبير. وحقيقة الأمر أن السيوطي ـ رحمه الله ـ مع أنه ذكر في مقدمة الكتاب جملة من الكتب التي وقف عليها وذكر أنها صغيرة وأنها لا تفي، لم يذكر معها كتاب البرهان ، ثم ذكر بعد ذلك أنه وقف عليه بعدما فرغ من تأليف كتابه الإتقان ـ فنحن نقول: بأنه رحمه الله بعدما فرغ من كتابه الإتقان ووجد كتاب البرهان أعاد الكرة ثانية فأخذ كتاب البرهان وضمنه في كتابه الإتقان..!!
فكتاب البرهان في علوم القرآن للزركشي هو في الواقع في بطن كتاب الإتقان ومن أراد أن يحصل مرجعاً موسوعياً واحداً فعليه بكتاب الإتقان وليس بحاجة إن كان من غير أهل الاختصاص إلى كتاب البرهان؛ لأن السيوطي جمع ما في البرهان وزاد عليه . وهذه الموضوعات الكثيرة التي بلغ بها 80 نوعاً يمكن أن تختزل في نصف هذا العدد تقريباً أو قريباً منه كما فعل الزركشي ـ رحمه الله ـ حيث جعل كتابه في 47نوعا ، وإذا أردت أن تعرف حقيقة ذلك؛ فهو مثلا يذكر في النوع الأول: معرفة المكي والمدني، وفي الثاني: معرفة الحضري والسفري، وفي الثالث: النهاري والليلي، وفي الرابع: الصيفي والشتائي، وفي الخامس: الفراشي والنومي، والسادس: الأرضي والسمائي، والسابع: معرفة أول ما نزل، والثامن: معرفة آخر ما نزل ، مع أن هذه الموضوعات كما ترون يمكن أن يدمج بعضها في بعض تحت عنوان متقارب؛ فيمكن أن نقول: معرفة أول ما نزل وآخر ما نزل في نوع واحد. بينما هو يجعل أول ما نزل في نوع، وآخر ما نزل في نوع آخر .. وهكذا يقول: النوع التاسع: معرفة سبب النزول، العاشر: فيما أنزل من القرآن على لسان بعض الصحابة ، والنوع الحادي عشر: ما تكرر نزوله، النوع الثاني عشر: ما تأخر حكمه عن نزوله، وما تأخر نزوله عن حكمه ، النوع الثالث عشر: ما نزل مفرقا وما نزل جمعا ، الرابع عشر: ما نزل مُشَيَّعاً وما نزل مفردا ، الخامس عشر: ما أنزل منه على بعض الأنبياء ، ومالم ينزل منه على أحد قبل النبي  ،السادس عشر: كيفية إنزاله، السابع عشر: في معرفة أسمائه وأسماء سوره ، وهذا يدلك على كثرة الموضوعات التي تعالج في هذا الفن .
إلى أن قال مثلا: النوع الثاني والثالث والرابع والخامس والسادس والسابع والعشرون: معرفة المتواتر والمشهور والآحاد والشاذ والموضوع والمدرج، فجعل كل نوع من هذه الأنواع نوعاً مستقلاً قائما بذاته، مع أن هذه جميعا يمكن أن تجعل تحت نوع واحد وهكذا.
فهذا كتاب الإتقان للسيوطي، وقد جمع فيه السيوطي ما هب ودب ودرج ، جمع فيه بين الغث والسمين، ففيه أمور قيمة نافعة مفيدة، وفيه أمور لا تصلح من العقائد الفاسدة ومن الأقوال الساقطة، وفيه من الروايات الشيء الكثير؛ من الروايات الصحيحة، والروايات الضعيفة ،بل والروايات الموضوعة، بل فيه بعض الأخبار الإسرائيلية ، فهذا الكتاب هو كتاب موسوعي يجمع الغث والسمين لم ينقحه مؤلفه.
والكتاب بحاجة إلى تهذيب وقد اختصره بعض طلبة العلم ولكن هذا الاختصار لا يحصل به المقصود في ظني والله تعالى أعلم .

ثم جاء بعد السيوطي ـ رحمه الله ـ شمس الدين الحنفي المعروف بابن عقيلة المتوفى سنة 1150هـ فألف كتابا سماه (الزيادة والإحسان في علوم القرآن ) وهذا الكتاب أيضا مختصر لكتاب الإتقان للسيوطي .
بعد ذلك حصل للتأليف شيء من الضعف والفتور، أو ما يشبه الانقطاع، ثم بعد ذلك في هذا العصر الحديث جاءت كثير من المؤلفات التي منها كتاب (التبيان في علوم القرآن) للشيخ طاهر الجزائري المتوفى سنة 1268 هـ وكتاب (منهج الفرقان في علوم القرآن) للشيخ محمد سلامة المتوفى سنة 1362هـ .

وكذلك الزرقاني في كتاب ( مناهل العرفان في علوم القرآن) وهو من أجل هذه الكتب ومن أنفعها، وقد اقتصر فيه على الأنواع المهمة في هذا العلم؛ إلا أنه أدخل فيه شيئاً كثيراً من المباحث الكلامية والعقائد الأشعرية ، وكذلك أيضاً حشا هذا الكتاب ببعض الأشياء المرجوحة، فهو بحاجة أيضا إلى تنقيح وتحرير ( وهناك كتب أخرى كثيرة تملأ المكتبات..

ومما ينبغي التنبيه عليه:
أننا نجد العلماء في كثير من الأحيان يذكرون مسائل هذا الفن في مقدمات كتبهم في التفسير كما فعل جماعة منهم: كابن جرير الطبرى رحمه الله، والراغب الأصفهاني ـ والراغب كتابه في التفسير غير موجود ولكن وجد منه قطعة فيها المقدمات التي تتعلق بعلوم القرآن، وفيها تفسير سورة الفاتحة، وقد حققت وهي مطبوعة ومفيدة ونافعة، وكذلك من المقدمات المفيدة مقدمة القرطبي على تفسيره (الجامع لأحكام القرآن) ، وكذلك ابن عطية في مقدمته لتفسيره (المحرر الوجيز)، وكذلك ابن جزي في كتابه ( التسهيل ) وهكذا السيوطي الذي جعل كتاب ( الإتقان ) هذا الكتاب الكبير جعله مقدمة ومدخلا لتفسيره الكبير الذي شرع في تصنيفه وما أتمه وسماه( مجمع البحرين ومطلع البدرين) ، قال عنه السيوطي ـ رحمه الله ـ : ( وقد جعلته أي الإتقان مقدمة للتفسير الكبير الذي شرعت فيه وسميته (مجمع البحرين ومطلع البدرين الجامع لتحرير الرواية وتقرير الدراية ) فهذا الكتاب مقدمة لهذا التفسير فلك أن تتصور ضخامة هذا التفسير لو أنه أكتمل ، وهكذا القاسمي ـ رحمه الله ـ وضع مقدمة كبيرة لربما زادت عن 300 صفحة جعلها مقدمة لكتابه (محاسن التأويل) وجعل لها عنوان: ( مقدمات خطيرة ). وفي الواقع هذه المقدمات مأخوذة من كلام الشاطبي رحمه الله في كتابه (الموافقات ) ومأخوذة من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في مثل كتابه (الإكليل في المتشابه والتأويل) وكذلك في كتاب (مقدمة أصول التفسير) .
وهكذا تلك المقدمة الحافلة الكبيرة النافعة التي هي من أجل المقدمات وأنفعها لكتاب هو من أجل كتب التفسير وهو كتاب (أضواء البيان) للعلامة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي ـ رحمه الله تعالى ـ فهذه المقدمة من قرأها حصل علما وفيرا ، ومن أراد أن يعرف قدر هذا العالم و قدر هذا الكتاب أعني أضواء البيان فليقرأ مقدمته التي ذكر فيها ألواناً من المسائل التي يحتاج إليها المفسر .

وعلى كل حال من خلال هذا الاستعراض نعرف أن التأليف في علوم القرآن بهذا المعنى الخاص الذي بيناه وعرفناه إنما جاء متأخرا عن نظائره من التأليف في قواعد العلوم؛ كأصول الفقه الذي ألف فيه الإمام الشافعي رحمه الله كتاب (الرسالة ). وعلوم الحديث التي ألف فيها الرامهرمزي كتابه ( المحدث الفاصل )، وكذلك علوم العربية والقراءات وغير ذلك .
فعلوم القرآن جاء التأليف فيها متأخراً مقارنة بغيرها من العلوم يقول السيوطي ـ رحمه الله ـ : ( ولقد كنت في زمان الطلب أتعجب من المتقدمين إذ لم يدوِّنوا كتاباً في أنواع علوم القرآن كما وضعوا ذلك بالنسبة إلى علم الحديث" يذكر ذلك تعليلاً لتأليفه لكتاب الإتقان .
وقال في مقدمته لكتاب التحبير: ( وإن مما أهمل المتقدمون تدوينه حتى تحلى في آخر الزمان بأحسن زينة؛ علم التفسير الذي هو كمصطلح الحديث ) .

بعد ذلك نوجه سؤلاً وهو ما هو الكتاب الذي ألِّف أولاً في هذا العلم بالمعنى الذي ذكرناه ؟
الأحسن في مثل هذه المسألة أن نقول بأنه من الصعب أن نحكم بأن هذا الكتاب أو ذاك هو أول ما ألف؛ لأن هذه المؤلفات التي وقفنا عليها، والتي من أولها كتاب ( فنون الأفنان) ، هذه المؤلفات جاءت متأخرة فمن الصعب أن نقول: هذا أول مؤلف في هذا الفن. لكن غاية ما نستطيع أن نقوله هو: إن هذا الكتاب هو أول ما وقفنا عليه من المؤلفات في هذا العلم .
وهناك أقوال كثيرة جداً فيمن يكون أول من ألف في هذا العلم ، وهذه الأقوال كثير منها لا يصح ، بعضهم يقول هو الزركشي ، وبعضهم يقول (المختزن في علوم القرآن) لأبي الحسن الأشعري وعرفتم أنه ليس من كتب هذا الفن، وبعضهم يقول: كتاب (عجائب علوم القرآن) المنسوب لابن المرزبان ـ وهو غير كتاب الحاوي الذي سبق ذكره ـ وهذا الكتاب في الواقع هو كتاب (فنون الأفنان) وقد أطلعت على نسخته الخطية وهي موجودة في المكتبة البلدية في الإسكندرية فإذا هو كتاب (فنون الأفنان) وإن كان قد كتب عليه كتاب (عجائب علوم القرآن) لابن المرزبان ، وهكذا كثير من الكتب التي تقدم ذكرها والتي ألفت قبل فنون الأفنان هي في الواقع كتب في التفسير. وبهذا نكون قد انتهينا من هذه المقدمات ، ونشرع بعدها بمشيئة الله تعالى في ذكر بعض مهمات هذا العلم، وبالله التوفيق.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
نشكر الشيخ خالد السبت على مشاركته بهذه المقدمات المهمة في علوم القرآن ، وكذلك الأخ أبا معاذ على جهوده في هذا الملتقى وغيره .
وقد أفدت من هذه المقدمات المهمة ، ولي بعض التساؤلات لعل الشيخ أن يتفضل بالإجابة عنها ، سأذكرها متفرقة ليكون رد كل تساؤل بعده .
الأول :حول قول الشيخ : ( ولاشك أن الأصل في هذه اللفظة من جهة الفعل الثلاثي قرأ، و هذه اللفظة ( قرأ) تدور بجميع استعمالاتها ومعانيها في كلام العرب على معنى واحد فقط؛ وهذا المعنى تجد أطرافه منثورة في كتب القواميس، ولربما عدَّ العاد منها جمعاً من المعاني ـ وكل هذه المعاني التي يذكرها أصحاب المعاجم اللغوية إنما ترجع إلى معنى: (الضم والجمع )..
فإذا قلت مثلا : القراءة والقرآن .. فإن ذلك لاجتماع الحروف لتكون الكلمات .. ولاجتماع الكلمات لتكون الجمل .. ولاجتماع الجمل أو الآيات لتكون السور .. وهكذا .. ثم ما فيه أيضا من اجتماع المعاني .. القصص والأخبار والعقائد والأحكام وما إلى ذلك من الأمور التي جمعها الله عز وجل في كتابه .. فهي مجموعة في هذا القرآن .. وهكذا إذا قلنا القرء؛ الذي هو الحيض، فإنما قيل له ذلك , لاجتماع الدم في داخل الرحم، ولهذا قيل له ذلك . فتبين أن هذه اللفظة تدور على معنى واحد وهو: الضم والجمع .
والقرآن يمكن أن يكون قيل له ذلك بمراعاة هذا المعنى؛ لأنه يجمع ثمرة الكتب السابقة أو لأن الله عز وجل جمع فيه من ألوان الهدايات والعلوم والمعارف التي يحتاج إليها السالك إلى ربه تبارك وتعالى، وهذه الأمور لا منافاة بينها؛ فكلها صحيح .)

فقد ذكر ابن القيم أن جعل مادة " قرأ " من الجمع فيه نظر ، قال رحمه الله في زاد المعاد - وهو يناقش معنى القُرء - :
( وقولكم : إن القرء مشتق من الجمع ، وإنما يجمع الحيض في زمن الطهر . عنه ثلاثة أجوبة .
أحدها : أن هذا ممنوع ، والذي هو مشتق من الجمع إنما هو من باب الياء من المعتل ، من قرى يقري ، كقضى يقضي ، والقرء من المهموز بنات الهمز ، من قرأ يقرأ ، كنحر ينحر ،
وهما أصلان مختلفان فإنهم يقولون : قريت الماء في الحوض أقريه ، أي : جمعته ، ومنه سميت القرية ، ومنه قرية النمل : للبيت الذي تجتمع فيه ، لأنه يقريها ، أي : يضمها ويجمعها .
وأما المهموز ، فإنه من الظهور والخروج على وجه التوقيت والتحديد ، ومنه قراءة القرآن ، لأن قارئه يظهره ويخرجه مقداراً محدوداً لا يزيد ولا ينقص ، ويدل عليه قوله : " إن علينا جمعه وقرآنه " [ القيامة : 17 ]، ففرق بين الجمع والقرآن . ولو كانا واحداً ، لكان تكريراً محضاً ، ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما : " فإذا قرأناه فاتبع قرآنه " [ القيامة : 18 ] ، فإذا بيناه ، فجعل قراءته نفس إظهاره وبيانه ، لا كما زعم أبو عبيدة أن القرآن مشتق من الجمع .
ومنه قولهم : ما قرأت هذه الناقة سلى قط ، وما قرأت جنيناً هو من هذا الباب ، أي ما ولدته وأخرجته وأظهرته ، ومنه : فلان يقرؤك السلام ، ويقرأ عليك السلام ، هو من الظهور والبيان ، ومنه قولهم : قرأت المرأة حيضة أو حيضتين ، أي : حاضتهما ، لأن الحيض ظهور ما كان كامناً ، كظهور الجنين ، ومنه : قروء الثريا ، وقروء الريح : وهو الوقت الذي يظهر المطر والريح ، فإنهما يظهران في وقت مخصوص ، وقد ذكر هذا الإشتقاق المصنفون في كتب الإشتقاق ، وذكره أبو عمرو وغيره ، ولا ريب أن هذا المعنى فى الحيض أظهر منه في الطهر .)

تنبيه :
القصد من هذه التساؤلات محاولة الوصول إلى نتائج صحيحة تكون مادة معتمدة لهذا العلم ، وأنا إن شاء الله راغب في الفائدة ، وأعد الآن لموضوعات بعنوان : تأصيل موضوعات علوم القرآن ، وقد ألقيها في الصيف القادم في إحدى الدورات العلمية إذا يسر الله وأعان .
فأرجو أن يتقبل الشيخ هذه التساؤلات بصدر رحب ، وأن يجيب عنها بنفسه إن لم يكن هناك مانع .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى .
 
أخي الشيخ ( أبو مجاهد) العبيدي حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد :
فأعتذر إليك أولاً ،ثم لسائر الأخوة على تأخر الرد، ولكن حال دون ذلك أمور يصعب شرحها الآن، فأرجو قبول العذر.. ولعل ذلك لا يكون فيما يأتي من المشاركات بإذن الله تعالى وتوفيقه .
وأما جواب السؤال؛ فقد أوصلته إلى الشيخ خالد ـ حفظه الله ـ فأجاب بما نصه:
"ما ذكرته هنا هو قول عامة أهل اللغة كالزجاج وابن فارس وغيرهم، وهي مسألة لغوية، وهذا الطريق في تقريرها أسهل للمتعلمين ـ أن تجمع المعاني وترجعها إلى معنى واحد ـ وما ذكره الحافظ ابن القيم رحمه الله محتمل وله وجه جيد من النظر، وإذا كان الكلام في تفسير بعض الآيات فذلك له نظر آخر ، والله تعالى أعلم."
 
بسم الله الرحمن الرحيم
للفائدة : وجدت ما ذكره ابن القيم رحمه الله في معنى القرآن منصوصاً عليه في كتاب الزاهر في معاني كلمات الناس لأبي بكر ابن الأنباري ؛ فقد ذكر أن في كلمة القرآن وجهين :
أحدهما : الجمع والضم ، وهو ما اعتمده الشيخ خالد وفقه الله .
والثاني : قول قطرب : إنما سمي القرآن قرآناً لأن القارئ يظهره ويبينه ويلقيه من فيه ...
ينظر المصدر المشار إليه 1/71-72 .
 
ما شاء الله

فوائد رائعة ومؤصلة

جزى الله الشيخ خالد خير الجزاء على هذه الفوائد
 
هل يمكن أن نقسم مفردات علوم القرآن إلى



1- تاريخ المصحف الشريف(

المصحف (جمع القرآن ....,الرسم والضبط, آداب التلاوة
أسباب النزول ,....
القراءات
2-معاني القرآن
التفسير وأصوله ,مناهج المفسرين......
العام والخاص والمحكم والمتشابه .....
الإعجاز .......
3- مسائل معاصرة
الترجمة - شبهات المستشرقين

4- آداب وفضائل


أو هناك تقسيم آخر
محاولة سريعة علها ان تجد من يصوبها أو يطورها
 
عودة
أعلى