الحلقة الأولى : حول كتاب (إمعان في أقسام القرآن) للعلامة عبدالحميد الفراهي رحمه الله

عبدالرحمن الشهري

المشرف العام
إنضم
29 مارس 2003
المشاركات
19,305
مستوى التفاعل
124
النقاط
63
الإقامة
الرياض
الموقع الالكتروني
www.amshehri.com
[align=center] بسم الله الرحمن الرحيم [/align]الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وصحبه أجميعن ، أما بعد:
فنحمد الله أن هيأ لنا هذا الملتقى المبارك ، لنتبادل فيه الآراء الجادة ، والمباحثات الدقيقة ، حول مسائل علم التفسير وعلوم القرآن ، في طرح جاد عميق ، وأدب علمي رفيع ، حتى نجعل من ملتقى أهل التفسير مثلاً يحتذى في أدب العلم ، ومدارسته ، واحترام عقلية المتلقي ، والرقي بالجانب النقدي لدى المشاركين ، والخروج من العقلية النقلية المحضة ، إلى العقلية النقدية التي تحرص على الفهم والتمحيص لما تقرأ ، أكثر من حرصها على الجمع والنقل ، والتدريب على هذه الروح العلمية النقدية التي قل أن تعتني بها الجامعات في دراساتها العليا وما دونها ، فقد غلب الطابع النقلي على دراساتنا وبحوثنا حتى فقدت أو كادت روح النقد العلمي النزيه ، الذي يتبادل في جو من الإخوة والمحبة في الله ، والرغبة الجادة في العلم ، مع الحرص على التزام أدب العلم وأخذه ونقله في ذلك كله بإذن الله ، وهذا هو المظنون بكل من سيشارك ، فما أحسب أحداً من أعضاء هذا الملتقى إلا وهو على قمة الهرم في الأدب ، والخلق ، وهما صفتان من الصفات اللازمة لطالب العلم ، لاتنفكان عنه ، ولا يجادل في لزوم اتصافه بهما.

أهداف حلقات النقاش العلمية :

1- تعريف طلاب العلم بالكتب والمؤلفات والرسائل والبحوث القيمة في التفسير وعلوم القرآن ، مع الحرص على الانتقاء والاختيار.
2- التعريف بالعلماء المتميزين في علم التفسير والدراسات القرآنية ، والتنويه بمكانتهم ، وبيان جوانب التميز لديهم.
3- الاستفادة من خبرات الباحثين المتخصصين في ملتقى أهل التفسير الذين يزيدون ولله الحمد يوماً بعد يوم ، وكذلك خبرات المشاركين من غير المتخصصين ، وتبادل الآراء حول ما يطرح للنقاش ، بأسلوب علمي رصين ، وأدب علمي جمّ.
4- جمع المناقشات والطروحات الجادة في النهاية على هيئة ملفات بحثية متكاملة ، يتم تنسيقها ووضعها بطريقة مناسبة في ملتقى أهل التفسير ، والسعي لنشر المتميز منها عن طريق ملتقى أهل التفسير بإذن الله ، مع حفظ حقوق الباحثين والمشاركين جميعاً بإضافة كل جهد إلى صاحبه ، وهنا تظهر أهمية المشاركة بالاسم الصريح.
5- تكون المشاركات إما بنقد المؤلف في أفكاره التي طرحها أو تأييده فيها وذكر من وافقه ومن خالفه ، أو طرح بحث حول المؤلف أو الكتاب ، أو إحالة تتعلق بالموضوع ، أو فائدة محررة حول الموضوع ، أو سؤال حول الكتاب أو الموضوع أو المؤلف ، أو ما يغلب على ظن المشارك أن له علاقة بالموضوع ، مع احتفاظ إدارة ملتقى أهل التفسير بحق استبعاد المشاركات التي لا تمت للموضوع محل النقاش بصلة دون الرجوع للمشارك الكريم.
7- المرجو من جميع الإخوة الأعضاء أن يشاركوا بجدية في هذه الحلقات التي نرجو أن تفتح للباحثين آفاقاً بلا حدود إن شاء الله ، فكم من فكرة كانت خاطرةً صغيرة ، تكاملت بفضل الله فكانت مشاريع عظيمة نفع الله بها الأمة نفعاً عظيماً ، فلا تحقرن من المعروف شيئاً.
8- من كانت لديه فكرة ورغب في طرحها في حلقات النقاش في ملتقى أهل التفسير فعليه بمراسلة المشرف العام حول هذا ، لترتيب الأمر ، حرصاً على التنظيم والترتيب.
****
وسنبدأ بإذن الله باكورة حلقات النقاش العلمية في ملتقى أهل التفسير ، بمناقشة ما دار من أفكار أعتبرها جديدة على دراسات علوم القرآن ، في كتاب لعالم من علماء الهند المتألقين الجهابذة ، والذي لم يأخذ مكانته اللائقة به بعدُ لدى الدارسين والمتخصصين في الدراسات القرآنية بوجه خاص ، وهو العلامة عبدالحميد الفراهي.
وكتابه الذي سوف نتناوله هو كتابه الماتع (إمعان في أقسام القرآن) وهو كتاب يتحدث عن أسلوب القسم في القرآن الكريم ، بطريقة فريدة لم يسبق إليها.
***
ترجمة الفراهي :
مصادر ترجمته :
1- الترجمة الذاتية التي كتبها الفراهي بخطه لنفسه في دفتر مذكرات العلامة الدكتور تقي الدين الهلالي المراكشي عندما زاره في قريته في 17 رمضان سنة 1342هـ . أي قبل وفاة الفراهي بسبع سنوات. وهي تعد أوثق المصادر لترجمته. ثم ما كتبه تقي الدين الهلالي نفسه عن المؤلف في مذكراته.
2- رسائل العلامة شبلي النعماني إلى الفراهي ، وهي منشورة ضمن مجموعة رسائل شبلي النعماني.
3- نزهة الخواطر للعلامة الشريف عبدالحي الحسني المتوفى سنة 1341هـ وقد زاد في الترجمة العلامة أبو الحسن علي الندوي رحمه الله.
4- ثلاث مقالات في سيرة المؤلف كتبها العلامة سليمان الندوي في ترجمته الأولى كتقديم لكتاب (إمعان في أقسام القرآن) والثانية تقديم لبعض السور التي قام الفراهي بتفسيرها وطبعت ، والثالثة للشيخ أمين أحسن الإصلاحي تلميذ الفراهي . وقد كتب كتاباً في ترجمة الفراهي نشر مؤخراً بعنوان(ذكر فراهي) في 840 صفحة بالأردية.

اسمه ومولده :
هو عبدالحميد بن عبدالكريم بن قربان قنبر بن تاج علي ، حميد الدين أبو أحمد الأنصاري الفراهي.
ولد رحمه الله يوم الأربعاء سادس جمادى الآخرة سنة 1280 هـ في قرية (فَرِيها) من قرى مديرية (أعظم كره) في الإقليم الشمالي بالهند.وهي الآن ولاية أترابراديش (U.P). وقد ولد لأسرة كريمة معروفة بنسبها وعلمها ومكانتها الاجتماعية ، ويعد أهلها من أعيان المنطقة ووجهائها ، فنشأ الفراهي وترعرع في رخاء ورفاهية. وكان ابن خال العلامة والمؤرخ الشيخ شبلي النعماني رحمه الله.
طلبه للعلم ومناصبه :
اشتغل بعدما ترعرع في طلب العلم ، فحفظ القرآن ، وقرأ – كدأب أبناء العائلات الشريفة في الهند – اللغة الفارسية ، وبرع فيها ، فنسج وهو ابن ستة عشر عاماً قصيدة فارسية صعبة الرديف ، بارى فيها شاعر الفارسية الطائر الصيت خاقاني الشرواني [ت 595هـ] فأتى فيها بما أعجب الشعراء.

ثم اشتغل بعد ذلك بطلب العربية ، فاستظل بعطف أخيه الشيخ شبلي النعماني ، وهو كان أكبر منه بست سنين. فأخذ منه العلوم العربية كلها من صرفها ونحوها ، ولغتها وأدبها ، ومنطقها وفلسفتها.
ثم سافر إلى لكنؤ مدينة علم الولايات المتحدة الهندية. وجلس في حلقة الفقيه المحدث الإمام الشيخ أبي الحسنات عبدالحي اللكنوي [ت 1304هـ] صاحب التعاليق المشهورة.
ثم ارتحل إلى لا هور ، وأخذ الأدب العربي من إمام اللغة العربية وشاعرها المفلق في ذلك العصر الشيخ الأديب فيض الحسن السهارنفوري [ت 1304هـ] شارح الحماسة والمعلقات شرحاً ثلاثي اللغات ، وأستاذ اللغة العربية في كلية العلوم الشرقية بلاهور. فبرع في الآداب العربية ، وفاق أقرانه في الشعر والإنشاء. قرأ دواوين الجاهلية كلها ، وحل عقد معضلاتها ، وقنص شواردها. فكان يقرض الشعر على منوال الجالهيين ، ويكتب الرسائل على سبك بلغاء العرب وفصحائهم.
ثم عرج على اللغة الانجليزية ، وهو ابن عشرين سنة. ودخل في كلية عليكرة الإسلامية التي أصبحت جامعة في ما بعد. ونال بعد سنين شهادة الليسانس من جامعة (الله آباد).
وبرع في الفلسفة الحديثة ، وكان عالماً بالعلوم العربية والدينية ، ومشاركاً في العلوم العصرية ، فكان سلفياً معاصراً إن صح التعبير.
وبعد أن قضى وطره من التعلم ، انتصب للتدريس والتعليم بمدرسة الإسلام بكراتشي عاصمة السند ، فدرس فيها سنين ، وكتب وألف عدداً من المصنفات.
ثم انقطع إلى تدبر القرآن ودرسه ، والنظر فيه من كل جهة ، وجمع علومه من كل مكان ، فقضى فيه أكثر عمره. وقد تأسف على ضياع وقته في غير تدبر القرآن ، والاشتغال به في ترجمته لنفسه حيث يقول :(ولما كانت هذه المشاغل تمنعني عن التجرد لمطالعة القرآن المجيد ، ولا يعجبني غيره من الكتب التي مللت النظر في أباطيلها ، غير متون الحديث ، وما يعين على فهم القرآن ، تركت الخدمة ، ورجعت إلى وطني ، وأنا بين خمسين وستين من عمري ، فيا أسفا على عمر ضيعته في أشغال ضرها أكبر من نفعها ! ونسأل الله الخاتمة على الإيمان).
ومات وهو مكب على أخذ ما فات من العلماء ، ولف ما نشروه ، ولم ما شتتوه ، وتحقيق ما لم يحققوه. فكان لسانه ينبع علماً بالقرآن ، وصدره يتدفق بحثاً عن معضلاته. و كان يعتقد أن القرآن مرتب بيانه ، ومنسقة النظام آياته. وكل ما تقدم وتأخر من سوره وآيه بني على الحكمة والبلاغة ورعاية مقتضى الكلام. فلو قدم ما أخر ، وأخر ما قدم لبطل النظام ، وفسدت بلاغة الكلام. وهذا أمر قد سبقه إليه كثير من العلماء من أبرزهم الإمام الكبير عبدالقاهر بن عبدالرحمن الجرجاني.
وكان يرى أن القرآن يفسر بعضه بعضاً ، فأعرض عن القصص وما أتى به المفسرون من الزخارف والعجائب. هذا كان دأبه في تفسيره الذي سماه (نظام القرآن وتأويل الفرقان بالفرقان) . وكان حسن النظر في كتب اليهود والنصارى. فاستمتع بها في مباحثه ومؤلفاته.
وانتخب سنة 1907م لتدريس اللغة العربية بكلية عليكرة الإسلامية ، وكان يؤمئذ أستاذ اللغة العربية بها هو المستشرق الألماني الشهير يوسف هارويز [ت1931م]. وكان هذا المستشرق يتقن اللغة العبرية لغة اليهود. فتعلم منه الفراهي العبرية وعلمه العربية.
ثم تولى الفراهي بعد ذلك تدريس اللغة العربية في هذه الكلية ، وبقي هناك أعواماً ، حتى انتقل منها إلى حيدر أباد الدكن رئيساً لمدرسة دار العلوم العربية الأميرية النظامية التي كانت تخرج قضاة البلاد وولاتها.
وهو الذي ارتأى تأسيس جامعة أردية تدرس العلوم الدينية بالعربية ، والعلوم العصرية بالأردية ، وبذل جهده في تحقيق هذا الأمل وإنجاز هذا العمل ، حتى نال القبول من المسئولين والمجتمع. وسميت بالجامعة العثمانية ، وهي يومئذ من أحدث جامعات العالم سناً ، ولكن من أعجبها نظاماً.
ثم استقال بعد ذلك ، ولزم بيته ، وانقطع للعلم ، وكان قد أسس قريباً من قريته مدرسة عربية دينية سماها (مدرسة الإصلاح) ، فكان ينظر في شؤونها ، ويجريها على أمثل طريق اخترعه ، وأحسن أسلوب أبدعه. ومن أجل مقاصدها تحسين طريقة تعليم العربية ، وإيجاز قائمة دروسها المتعبة العقيمة ، وإلغاء العلوم البالية القديمة ، والعكوف على طلب علوم القرآن ، والبحث عن معانيه ونظمه وأحكامه وحكمه ، وتدريس الحديث النبوي والفقه الإسلامي بعيداً من التعصب المذهبي.
وكان رئيساً للجنة المديرين لدار المصنفين التي أسست تذكاراً لأخيه الشيخ شبلي النعماني ، فكان هو أحد مؤسسيها. وكان يبذل أوقات فراغه في التأليف ، والتدوين ، والنظر في القرآن ومعانيه ، وإلقاء دروسه على تلامذته الملتفين حوله. فسمح خاطره المتدفق بما يخل به القدماء من علومه ، وفرق على العفاة ما لم يجمعه الأوائل في صحفهم.
كان رحمه الله منقطعاً إلى هذا البر من العمل ، حتى أتاه الأجل في التاسع عشر من جمادى الثانية سنة 1349هـ الحادي عشر من نوفمبر سنة 1930م.
مات غريباً في مدينة (متهورا) كعبة الوثنيين في الهند. كان رحل إليها عليلاً يستشير طبيباً نطاسياً من أبناء بلدته موظفاً هناك ، فلم ينفع الدواء ، عندما حم القضاء. وأنهكته العلة التي ألمت به ، ولم تنجح العملية التي أجراها الطبيب. فمات رحمه الله متأثراً بعلته ، غفر الله ذنبه ، ورفع درجته ، وأسكنه فسيح جناته ، وجمعنا به في جنات النعيم.

مؤلفاته المطبوعة بغير العربية::
- أسباق النحو ، جزءان بالأردية ، وهو من أنفع الكتب لتعليم النحو والصرف بطريقة سهلة جديدة سهلة عجيبة ، لغير الناطقين بالعربية كما ثبت ذلك بالتجربة.
- ديوانه الفارسي.
- وخردنامه ، كتاب نظم فيه حكمة سيدنا سليمان عليه السلام بالفارسية القحة لا تشوبها كلمة عربية.
- مقالة في الشفاعة والمفارة باللغة الانجليزية ، رد بها على بعض علماء النصارى.

مؤلفاته المطبوعة بالعربية::
- الرأي الصحيح في من هو الذبيح.
وقد طبع بدار القلم بدمشق 1420هـ وهو من أنفس ما كتب في قصة ذبح إسماعيل عليه السلام ومكانها ، على كثرة ما كتب في هذا الباب ولعل باحثاً يتصدى لأبرز الأدلة التي عول عليها في كتابه هذا رحمه الله فيعرضها ويجليها.
- تفسير سور من القرآن ، وهو جزء من أجزاء تفسيره نظام القرآن. وقد نشر منه الأجزاء التالية :
o فاتحة نظام القرآن وهي مقدمة تفسيره.
o تفسير البسملة وسورة الفاتحة.
o تفسير سورة الذاريات ، والتحريم ، والقيامة ، والمرسلات ، وعبس ، والشمس ، والتين ، والعصر ، ةوالفيل ، والكوثر ، والكافرون ، واللهب ، والإخلاص.

- إمعان في أقسام القرآن
وهو موضوع حلقة النقاش لهذا الشهر إن شاء الله وسيأتي الحديث عنه.
- أساليب القرآن.
وقد طبع بالدائرة الحميدية بمدرسة الإصلاح بأعظم كره الهند طبعته الثانية سنة 1411هـ . وهذا الكتاب يبحث في وجوه الأساليب في القرآن ومفاهيمها ومواقع استعمالاتها ، وقد كان الفراهي وضع كتاباً آخر كتوطئة واستطراد لها الكتاب يعرف بمفردات القرآن وسيأتي. وذلك أن الطالب لا بد أن يعرف الألفاظ المفردة وبعد أن يفرغ منها يترقى إلى معرفة الجمل والتراكيب ، فهنا يأتي دور (أساليب القرآن) لتسليط الضوء على الطرق الموجهة لفهم دلالة التراكيب المختلفة الوجوه التي تدل عليها الأساليب المختلفة.
ومن مزايا هذا الكتاب أن كل ما يحتوي عليه من آداب القرآن وأساليبه إنما يقوم على أساس متين ودعامة وثيقة من معرفة سنن العرب في كلامها.

- التكميل في أصول التأويل.
وهو كتاب أفرده لذكر أصول لتأويل القرآن إلى صحيح معناه . فموضوعه الكلمة والكلام من حيث دلالته على المعنى المراد. وغايته فهم الكلام وتأويله إلى المعنى المراد المخصوص ، بحيث ينجلي عنه الاحتمالات. وهذا من جهة العموم ؛ فإن قواعد التأويل تجري في كل كلام ، ونفعها عام يتعلق بفهم معنى الكلام من أي لسان كان ، ولكن النفع الأعظم منه في فهم كتاب الله ومعرفة محاسنه للاعتصام به.
ولعل باحثاً يقرأ هذا الكتاب ، فيبين لنا منهج الفراهي فيه بياناً شافيا ، ويظهر لنا الأفكار الجديدة التي طرحها إن وجدت ، فالفراهي عالم عجيب قل أن يكرر في كتبه ما قاله الآخرون دون الوقوف عندها وقفات في غاية الحسن والنفع.

- مفردات القرآن.
وهذا الكتاب من أنفس كتبه ، وقد طبع طبعتين ، أولاهما عام 1358هـ ، والثانية عام 1422هـ بتحقيق محمد أجمل أيوب الإصلاحي. وله في هذا الكتاب نظرات جديدة قل من تنبه لها من العلماء السابقين الذين كتبوا في مفردات القرآن الكريم ، وقد وعدنا الشيخ الكريم محمد مصطفى السيد وفقه الله بالكتابة حول هذا الكتاب في ملتقى أهل التفسير بإذن الله.

- دلائل النظام.
وهو كتاب مطبوع مع كتاب التكميل في أصول التأويل ، وكتاب أساليب القرآن في الهند عام 1411هـ الطبعة الثانية.
وقد شرح في كتابه هذا فكرة النظام في القرآن الكريم ، وهو أمر فوق القول بوجود المناسبات في القرآن الكريم ، بل يعتبر القول بالمناسبة في القرآن جزءاً من أجزاءه. وقد ذهب إلى هذا القول الأستاذ سيد قطب رحمه الله في الظلال ، وقريب منه الدكتور محمد عبدالله دراز في كتابه النافع (النبأ العظيم) .
وقد وضح الفراهي فكرته في كتابه هذا حيث يثبت أن للترتيب والنظام حظاً وافراً في كل مركب ، ولا سيما في القرآن الحكيم ، والذين يزعمون خلاف ذلك فإنهم أخطأوا في زعمهم ، ولم ينصفوا كتاب الله . ثم يصرح بعد ذلك بأن القرآن الحكيم كلام منظم ، ومرتب من أوله إلى آخره – على غاية حسن النظم والترتيب – وليس فيه شيء من الاقتضاب . لا في آياته ولا في سوره، بل آياته مرتبة في كل سورة كالفصوص في الخواتم. ولعله يأتي لهذا الكتاب مناسبة بإذن الله. وقد تحدث عنه الدكتور أحمد حسن فرحات في كتابه الأخير علوم القرآن عرض ونقد وتحقيق وشرح فكرته فيه ص 88 فليراجع.

وله كتب أخرى منها ما طبع ومنها مالم يطبع بعد. منها :
بقية تفسير سور من القرآن ، جمهرة البلاغة ، فلسفة البلاغة ، سليقة العروض ، الدر النضيد في النحو الجديد ، ملكوت الله ، والرائع في اصول الشرائع ، وإحكام الأصول بأحكام الرسول ، والقائد إلى عيون العقائد ، وكتاب العقل وما فوق العقل، والإكليل في شرح الإنجيل ، وأسباب النزول ، وتاريخ القرآن ، وأوصاف القرآن ، وفقه القرآن ، وحجج القرآن ، وكتاب الرسوخ في معرفة الناسخ والمنسوخ ، ورسالة في إصلاح الناس ، وديوانه الشعري بالعربية وغيرها.
ومن يتأمل أسماء هذه الكتب ، وتلك المسائل التي تعرض لها في هذه المصنفات ، لا ينقضي عجبه من سعة علم هذا العالم ، ودقة نظره ، وبعد غوره رحمه الله. وعسى أن يقيض الله لهذه الكتب التي لم تطبع بعد من يخرجها للناس لنتفعوا بها فما أظنها إلا بديعة كالتي طبعت. فكل الكتب التي طبعت له إلى الآن لا تخلو من إبداع ومتانة في الطرح في غالبها.
 
[align=center]
emaaan.jpg
[/align]

خلاصة كتاب إمعان في أقسام القرآن:
1- أن القسم إذا كان مجرداً عن المقسم به – لأنه ليس من لوازمه – فإنما يراد به تأكيد قول أو إظهار عزم وصريمة.
2- أما إذا أقسم بشيء فإن المقصود هو الإشهاد ، حتى في الأيمان الدينية ، وإنما اختلط به معنى التعظيم من جهة المقسم به لا من جهة أصل معنى القسم.
3- وربما يكون القسم لمحض الاستدلال.
4- أما أقسام القرآن فليست إلا للاستدلال والاستشهاد بالآيات الدالة.
ولترى فائدة هذا البحث وأثرها العظيم في التفسير ، يمكنك الرجوع إلى تفسير المؤلف للسور التي طبعت وهي : الذاريات ، والمرسلات ، والقيامة ، والشمس ، والتين ، والعصر.


طبعات الكتاب :
وقد طبع هذا الكتاب عدة طبعات في مصر وفي الهند وفي الكويت ، وكانت آخر طبعة له في دار القلم بدمشق عام 1415هـ وهي أجود الطبعات لهذا الكتاب. وقد قام بضبطه وتحقيقه الدكتور عبيدالله الفراهي .وقدم له بتعريف بديع الشيخ العلامة أبي الحسن علي الحسني الندوي رحمه الله ، وترجم له ترجمة حافلة السيد سليمان الندوي رحمه الله. ومن ترجمته نقلت هذه الترجمة.

مقتطفات من الكتاب :
1- لايخفى عليك مما سبق من أقوال العلماء رحمهم الله أن أحسنهم قولاً من يقول إن هذه الأقسام دلالات. ولكن الغمة التي لم تنجل عنهم ، والمضيق الذي لم يخرجوا منه هو ظنهم بكون القسم مشتملاً على تعظيم المقسم به لا محالة. وذلك هو الظن الباطل الذي صار حجاباً على فهم أقسام القرآن ، ومنشأ للشبهات. فنبطله أولاً حتى يتبين أن أصل القسم ليس في شيء من التعظيم ، وإنما يفهم من بعض أقسامه.

2- دُعينا إلى أن نبحث عن تاريخ القسم وحاجة الناس إليه قديماً وحديثاً وطرقه المتنوعة ، ونبين معاني كلمات القسم ومفهومه الأصلي ومفاهيمه المتشعبة الثلاثة من الإكرام والتقديس والاستدلال المجرد عن التعظيم.

3- وذلك لأن القسم ليس إلا التأكيد ، ولا تحتاج إلى تقدير المقسم به في كل موضع. وعلى هذا الأصل كل ما ترى في القرآن من لام اليمين ، وإذا جاءت قبلها كلمة تدل على اليقين والجزم كانت مشابهة بكلمة القسم.

4- فكل ما ذكرنا من طريق اليمين والحلف وتعبيراته يدلك على أن المقسم به ليس من لوازم القسم حتى تقدره كلما لم يذكر ، إنما أرادوا بالقسم تأكيداً محضاً للقول أو إظهار عزم وصريمة ألزموا به على أنفسهم فعلاً أو ترك فعل.

5- فأما معنى تعظيم المقسم به فذلك مما انضم به في بعض الأحوال فهو من عوارض القسم.

6- وبعدما علمت حقيقة القسم وأصل مفهومه نذكر لك المفاهيم التي هي فروع على الأصل ، وهي الإكرام والتقديس والاستدلال ، ونذكرها بالترتيب لتفهم وجوهها وتميز بين معانيها ، حتى يسهل لك النظر في أقسام القرآن ، فتعرفها على وجهها ، وتكون على بصيرة في تأويلها.

7- وجملة الكلام أن الأيمان الدينية أيضاً أصلها الإشهاد. وإنما اختلط بها معنى التعظيم من جهة المقسم به ، لامن جهة محض الإشهاد الذي هو أظهر معنى القسم بالشيء.
ويتضح هذا الأمر من نوع آخر من أقسامهم التي أشهدوا فيها بالمقسم به على وجه الاستدلال لا غير. وهو مسلك لطيف من البلاغة.

8- من أهم فصول الكتاب : (15) الأدلة المأخوذة من نفس القرآن على ما فيه من الأقسام الاستدلالية .

9- والقرآن صرح بذلك وندب إلى التفكر والتدبر فيها. بل صرح بأنها لا يفهمها إلا العاقلون المتقون ، كما جاء كثيراً في القرآن والصحف الأولى. ومع ذلك لا نشك في أنها دلائل قاطعة وحجج ساطعة. فهذا التحري هو الخطوة الأولى للتأمل وإعمال العقل حتى تنحل الإشكالات ويطمئن القلب بعد العلم. وإني بحمد الله تعالى لم أطمئن لهذا الرأي إلا بعد أن تأملت في جميع أقسام القرآن ، حتى تبين لي أنها دلائل. ولم يدلني عليه إلا القرآن من وجوه عديدة كما مر ذكرها آنفاً.

10- هذا ، والعرب لذكائهم وكبرهم كانوا يحبون الإيجاز أكثر من أقوام أخر.. ولذلك لا ترى شيئاً من القرآن إلآ ومعناه أوفر من اللفظ ، فإن أطنب قولاً من وجه أوجزه من وجوه أخر. ولذلك لا تنقضي عجائبه.

11- ولا يخفى أن القسم إذا كان من الله بخلقه وكلماته فلا مظنة فيه للشرك ، ولا معنى له إلا الشهادة الخالية عن معنى التعظيم.

12- وقد رأيت كيف راعى القرآن هذا التمييز في حكم القسم ، وليس هذا موضع تفصيله في سائر أحكام هذه الشريعة الكاملة ، ولكن نذكر الآن ما يحسن وما لا يحسن منه إتماماً لما ذكرنا من معاني القسم ، وتنبيهاً على طرف آخر من بلاغة القرآن ، وحثاً على بذل الجهد في معرفة اللغة العربية فإن بعض الجهل بها يضر بدين المرء.

13- فترى في سورة البراءة ذكر القسم من المنافقين في سبعة مواضع ، فلم يأت به إلا بكلمة الحلف لدناءتهم وكذبهم في اعتذارهم.
وما جاءت هذه الكلمة في سائر القرآن إلا حيث يشنع لما فيها من قلة المبالاة بشرف النفس والنزوع إلى ما يلقيها في الكذب والإلحاح.


****

محاور النقاش المقترحة حول الكتاب :
1- هل سبق أن اطلعت على الرأي الذي ذكره الفراهي عند غيره من المتقدمين أو المتأخرين بهذه الصورة ؟
2- ما رأيك في تناوله لما قاله الرازي وابن القيم في القَسَم ؟ وهل تراه مديناً في رأيه لهما ؟
3- هل تؤيد الفراهي في ما ذهب إليه من تقسيم القسم إلى هذه الأنواع ؟
4- هل تؤيده في حديثه عن تاريخ القسم ، واستنباطاته من كلام العرب هذه الاستنباطات ؟
5- هل تشعر أن لعجمته أثراً في فهمه للغة العربية ؟ أم تراه فاق العرب في لغتهم ؟
6- هل ترى أنه لا يزال هناك جوانب لم تكتمل بعد من الحديث حول القسم في القرآن الكريم ؟
7- ما وجه المقارنة بين ما ذهب إليه الفراهي وما كتبه ابن القيم والرازي من المتقدمين وما كتبه محمد مختار السلامي في كتابه (القسم في اللغة وفي القرآن) فيما يتعلق بموضوع القَسَم ؟
8- ما رأيك بتفردات الفراهي النقدية في كتبه ؟
9- ما رأيك في منهجية الفراهي في البحث والنقد والتمحيص والمقارنة ؟ وهل كان لمعرفته الواسعة باللغات دور في هذه الملكات ؟
10- هل تعد الفراهي من المبدعين المجددين في العلوم التي تناولها ؟ وإن كان فما وجه هذا الإبداع ؟
11- هذه بعض المحاور التي ظهرت لي ومن وجد إضافة من المتخصصين فالأمر يحتمل المزيد.


وقد تم إرفاق ملف به الكتاب مطبوعاً على هيئة ملف وورد وعلى هيئة ملف PDF ليتمكن العاجز عن الحصول عليه من المشاركة والاستفادة من هذا الكتاب.
 
كتاب إمعان في أقسام القرآن على هيئة ملف مضغوط ببرنامج winzip
ويحتوي على ملفين : الكتاب على هيئة ملف وورد للاستفادة منه في الرد والمناقشة .
وعلى هيئة ملف PDF للطباعة بطريقة منسقة أو لمن لا يمكنه فتح ملف الوورد.

وفق الله الجميع لما يحب ويرضى .

[align=center]إمعان في أقسام القرآن[/align]
 
خطوة رائدة واختيار موفق بإذن الله

خطوة رائدة واختيار موفق بإذن الله

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..
نهنئك شيخنا على هذه البادرة جعلها الله في ميزان حسناتك، آمين، وإني إذ أغبطك وأغبط كل من سيفيد من حلقة النقاش هذه ، لشديدة الأسف على عدم قدرتي على المشاركة فيها حاليا بسبب ضغوط الدراسة والتي تشارف الآن على نهايتها - بحول الله-، فاعذرنا إن لم نشارك، ولكن ثق بأن هذا ليس لعدم إحساسنا بجدوى المشاركة ، بل للسبب الذي قدمناه..
و حرصي على تشجيع كل خطوة رائدة ، هو ما دفعني لتقديم هذا الاعتذار..
وفقكم الله لما يحب ويرضى ، فقد أثلجتم والله بهذا المنتدى قلوب كثير من طلبة العلم ومحبي التفسير والغوص على معاني وأسرار كتاب الله عز وجل..

والله من وراء القصد

طالبة علم
 
بسم الله

الحمد لله الذي هيأ لنا مثل هذه الملتقيات التي وجدنا فيها الكثير مما افتقدناه في الجامعات وغيرها من أماكن طلب العلم .

وأثني بالشكر لأخي عبد الرحمن المشرف العام على هذا الملتقى على هذه الفكرة الجادة المتميزة .

وأخيراً : أنبه الإخوة الأعضاء على أهمية المشاركة ، مع الحرص على الدقة في قراءة أفكار الكتاب ، وعدم الاستعجال في الحكم على مسألة ما حتى تتضح تماماً .

ولعل فترة النقاش تستمر لمدة شهر ونصف إلى شهرين تقريباً حسب الحاجة .

وفق الله الجميع لما يحب ويرضى .
 
شكر الله للمشرف هذا الجهد
واقترح ان تطرح نقاط النقاش نقطة نقطة حتى يتحدد الموضوع إذ ان نقاط الكتاب كثيرة
 
جزاك الله خيرا يا شيخناالحبيب على هذه البادرة الطيبة والمتميزة ونفع الله بك و بجميع من أسهم في هذا العمل وجعله في ميزان حسناتكم.
 
أشكر الإخوة على تفاعلهم مع حلقة النقاش ، ولست مستغرباً من عدم المشاركة حتى الآن ، لأن المقصود قراءة الكتاب بتأنٍ وإمعان ، ثم بعد ذلك يمكن طرح وجهات النظر ، والمناقشات حول أي نقطة تستوقف القارئ الكريم في الكتاب ، وستكشف كل مشاركة عن ما وراءها من العلم والفهم.
وأما طلب تحديد نقاط المناقشة نقطة نقطة ، فالأمر فيه سعة ، والكتاب ليس بذاك الكتاب الطويل ، وموضوعاته آخذ بعضها برقاب بعض فلا تكاد تجد بينها انفصالاً ، فنقاش أي نقطة فيه سيفتح الباب للحوار إن شاء الله حول هذا الكتاب.
وبحسبي أن ينتشر الكتاب بين طلاب العلم الذين لم يكونوا قد سمعوا به ، وأن يقرأ الموضوع هذا العدد من القراء. ولا أزال أؤمل في هذه الفكرة أن تؤتي ثمراً طيباً ، وسنحاول الاستمرار بإذن الله في طرح مثل هذه الكتب المتميزة ، والبحوث الجادة للنقاش العلمي الهادف. ويهمني رأي الإخوة في هذا فلا تبخلوا علينا رحمكم الله.
 
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ، وبعد:
فقد مضى على طرح كتاب (إمعان في أقسام القرآن) للشيخ عبدالحميد الفراهي رحمه الله في ملتقى أهل التفسير ما يزيد على الشهر ، وهذه هي المدة المقررة لبدء النقاش حول الكتاب ، ولعلني أبدأ في الإشارة إلى بعض المسائل المتعلقة بالكتاب وموضوعه ، فأقول :

أولاً: الكتاب مليء بالنظرات التي تستحق الإشادة والشكر، وأسلوب الفراهي في مناقشة المسائل أسلوب يتسم بالجرأة والثقة بالنفس ، وهذه صفة لا بد منها للعالم الذي يعتقد صواب قوله ، لا بد له من الجرأة ونبذ التردد ، ولا سيما في المسائل العلمية التي يتسع فيها مجال الأخذ والرد ، ولا يستطيع طرف أن يدعي أنه قال القول الفصل فيها ، وقد أشار عدد كبير من العلماء من السلف والخلف إلى أهمية هذه الصفة لطالب العلم ، ولكن الذين يأخذون أنفسهم بها قليل.
وهنا نقطة جديرة بالتأمل ، وهي أن عدداً كبيراً من طلاب الدراسات العليا لا يملك الشجاعة الكافية للمناقشة والحوار في أثناء مناقشة الرسائل العلمية ، ويلزم جانب المسايرة والصمت أحياناً للمناقشين حرصاً على السلامة ، وخوفاً من الحصول على تقدير غير مرضي ، وسار الناس على هذا فافتقدت مناقشة الرسائل العلمية حيويتها ، وأهميتها ، وأصبحت مملة للجميع ، خالية من الفائدة التي يجب أن تكون حافلة بها ، وأهمها ما يجري من نقاشات علمية جادة يستفيد منها الطالب والجمهور على حد سواء.

ثانياً: سبقت الإشارة إلى أسبقية الفراهي لطرح موضوع القسم بهذه الصورة الواضحة ، التي دعمها بالأدلة والشواهد ، وجلاها على أحسن وجه ، غير أن هناك من سبقه إلى بعض ما قاله ، ولو لم يكن ذلك بالصورة التي ظهرت لدى الفراهي رحمه الله ، وهذه سنة التطور في الأمم وفي العلوم ، يأتي المتأخر فيبني على ما تركه الأول ، وما أصدق قول أبي تمام : كم ترك الأول للآخرِ !

ثالثاً: من الذين ناقشوا آراء الفراهي رحمه الله في كتابه هذا ، الدكتور حسين نصار صاحب المصنفات البديعة ، والتي يعد كتاب (المعجم العربي) من أشهرها وأسيرها ، وذلك في كتابه (القسم في القرآن الكريم) ضمن سلسلة أصدر عدداً منها وهي سلسلة إعجاز القرآن.

وقوف مع مسألة القسم بالأشياء
رابعاً: أقف في هذه المشاركة عند نقطة القسم بالأشياء أو بالمخلوقات .
وهذه المسألة جعلت العلماء يحاولون تبرير الإقسام بالأشياء ، ويلتمسون العلل والتخريجات لهذه المسألة ، وقد أثمر ذلك ثروة من الأقوال لا تزال تتزايد حتى اليوم.
فمجاهد بن جبر ، ومحمد بن السائب الكلبي يريان أن الله أقسم بالطور لما أودع فيه من أنواع نعمه. ونقل القرطبي عن محمد بن السائب الكلبي أن الله أقسم بها لشرفها وفضلها. واتفق معهما على ذلك الألوسي في روح المعاني.
وقتادة بن دعامة السدوسي كان يذهب إلى أن الله أقسم بها لعظم شأنها عنده.
ومحمد بن الحسن الطوسي جعل العظمة مبدأ عاماً فقال : القسم بالشيء تنبيه أو دليل على عظم شأنه. وقال في موضع آخر : يقسم بخلقه للتنبيه على موضع العبرة فيه ، لأن القسم يدل على عظم شأن المقسم به.
ورد الزمخشري عظمة بعض ما أقسم الله به إلى أمرين : دلالته ، ومنفعته.
حيث قال: أقسم بالقلم تعظيماً له ، لما في خلقه وتسويته من الدلالة على الحكمة العظيمة ، ولما فيه من المنافع والفوائد التي لا يحيط بها الوصف.
وعلل الزركشي الإقسام بها بأن العرب كانت تعظمها وتقسم بها ، فنزل القرآن على ما يعرفون.
وأتى جلال الدين السيوطي بصيغة ثالثة للمبدأ العام ، قصر فيها المقسم به على المعظمات ، فقال : لا يكون القسم إلا باسم معظم.
والدكتور عبدالله شحاته رحمه الله ذهب إلى أن العلماء والمفسرين ذهبوا إلى أن الله أقسم بمخلوقاته لبيان نواحي العظمة فيها ، وجلال قدرها.
وذكر الزمخشري أن المراد بالإقسام في سورة التين : الإبانة عن شرفها.
وذكر أبو القاسم عبدالكريم بن هوازن القشيري في كتابه (كنز اليواقيت) : القسم بالشيء لا يخرج عن وجهتين :
- إما لفضيلته ، كقوله :(وطور سينين * وهذا البلد الأمين).
- أو لمنفعته كقوله :(والتين والزيتون).
وجعل القرطبي القسم تنبيها على الفضل.
وأتى محمد بن علي الشوكاني بالأمر في صورة قاعدة عامة ، فقال: ما من شيء أقسم الله به إلا وفي ذلك دلالة على فضله على جنسه.
وعلل الطوسي الإقسام بهذه الأشياء مرة بعظم النفع أو الفائدة فيها ، وهداية النفوس إلى تدبير مصالحها ، وأخرى بالتنبيه على كثرة الانتفاع بها.
وسبق أن القشيري والزمخشري يجعلان مجرد المنفعة أحد علتي الإقسام بها.
وقال الرازي : اعلم أنه تعالى ينبه عباده دائماً بأن يذكر في القسم أنواع مخلوقاته المتضمنة للمنافع العظيمة ، حتى يتأمل المكلف فيها ، ويشكر عليها. وعللها أكثر من مرة بما فيها من منافع الدنيا والدين. ثم شرح هذه المنافع ووضعها في قاعدة عامة ، نصها :
اعلم أن هذه الأشياء التي أقسم الله بها لابد أن يكون فيها إما فائدة دينية مثل كونها دلائل باهرة على التوحيد ، أو فائدة دنيوية توجب بعثاً على الشكر أو مجموعهما.
وذهب القرطبي إلى أن القسم بهذه الأشياء تكرمة لها.
وأتى الدكتور محمد أبو شهبة بالأمر في صورة قاعدة عامة : فقال : قد يكون القسم لمنزلته وإظهار كرامته عند الله.
وقال ابن القيم: قال جماعة من المفسرين : أقسم الله بالتين والزيتون لمكان العزة فيهما.
وقال طنطاوي جوهري : أقسم الله بهذه الأشياء إذ رأى نوع الإنسان يقسم بما عز عليه.

وخرج عن هذا الرأي السابق اثنان ، دافع كل منهما عن رأيه دفاعاً مستفيضاً ، وهما العلامة عبدالحميد الفراهي صاحبنا ، والدكتورة عائشة بنت عبدالرحمن الشهيرة ببنت الشاطئ ، في كتابها (الإعجاز البياني للقرآن ومسائل نافع بن الأزرق). المطبوع بدار المعارف بالقاهرة.

أما الفراهي فقد صرح في بداية كتابه بأنه ألفه من أجل ثلاثة مقاصد ، كان الأول منها إبطال الظن بأن القسم مشتمل على تعظيم المقسم به لا محالة ، ذلك الظن الباطل الذي صار حجاباً على فهم أقسام القرآن ، ومنشأ للشبهات.
فأصل القسم – عنده – ليس في شيء من التعظيم. واستدل لذلك بما يلي:
  • للقسم كلمات ليست في شيء من تعظيم المقسم به.
  • ربما أقسم القرآن بما ليس فيه شرف ، وما ليس من الجلالة بحيث يقسم بها خالقها ، إن كان الإقسام بها لأجل شرفها.
  • التعظيم من عوارض القسم.
وكشف عن السبب فيما وصفه بالظن الباطل ، فقال : وإذ كانت الشهادة بالله أكبر الشهادات ، كثر القسم بها. ولذلك ظن من قل التفاته إلى أساليب الكلام وفنون بلاغته أن الإشهاد لا يكون إلا بالمعبود ، وعلى جهة التعظيم.
وخلص إلى أن القسم نوعان متباينان :
· أقسام بصفات الله.
· وأقسام بالمخلوقات.
ولا يراد التعظيم من القسم إلا إذا كان بالله وشعائره. أما القسم بالمخلوقات فليس إلا لكونها آيات دالة.
كما خلص إلى أن في أسلوب القسم خصوصية تشبه ما في بعض الأساليب الأخرى ، كما نرى – مثلاً – تأكيد الإثبات والإنكار بأسلوب الاستفهام أو التعجب ، في أكثر الألسنة ، أو تأكيد التعجب بالنداء.
وذهب الدكترو حسين نصار إلى أن الذي جعل الفراهي يذهب هذا المذهب هو خلطه بين التعظيم والتقديس والعبادة.
واستنبط ذلك من قوله : المقسم به في هذه الأقسام – وإن كان عند المتكلم كريماً ومضنوناً به – لكنه لا يكون مما يعبده ويقدسه ، وأمثال هذا القول.
والفراهي رحمه الله – وإن كان من علماء الهند – إلا أنه ضليع في لغة العرب ، قل أن يفوته مثل هذا الفرق الظاهر بين هذه العبارات كما ظن الدكتور حسين نصار.

وأما الدكتورة بنت الشاطئ فقد ذهبت إلى أن جمهرة المفسرين اتجهوا بالأقسام إلى تعظيم المقسم به ، ثم مضوا يلتمسون وجه هذه العظمة.
وأكثر ما ذكروه يدخل في الحكمة ، وهي تختلف تماماً عن العظمة. فما من شيء في الكون خلق عبثاً . وكل ما خلقه الله ، خلقه لحكمة ظاهرة لنا أو خفية علينا.
أما العظمة فلا يهون القول بها لمجرد لمح وجه لظاهر الحكمة في المقسم به.
ثم إنهم لم يراعوا القيد في المقسم به.
واضطربوا كذلك في ربط القسم بهذه الواو بجواب قسمه. فأين الصلة بين عظمة العاديات ضبحا ، وبين كنود الإنسان لربه ، وبعثرة ما في القبور.
وأخيرا خلصت إلى ما يشبه ما ذهب إليه الفراهي رحمه الله.
فقد صرحت بأن الذي أطمأنت إليه – بعد طول التدبر للسياق – هو أن الواو في هذا الأسلوب قد خرجت عن أصل معناها اللغوي الأول في القسم للتعظيم إلى معنى بلاغي.

انتهى النقل من كتاب (القسم في القرآن) للدكتور حسين نصار ، مع بعض التصرف وهو كتاب ثمين في الناحية التاريخية لموضوع القسم في القرآن الكريم ، وله وقفات كثيرة مع الفراهي رحمه الله
وللحديث صلة إن شاء الله ، مع رجاء المشاركة في الموضوع وفقكم الله.
 
جزاكم الله خيرا على هذه الحلقة
وقد علمت بها الآن وقد حملت الكتب الآن وسأنظر فيه ثم أتابع الحلقة معكم
د. عثمان عبد الرحيم
 
السلام عليكم

لي سؤال بخصوص كتاب الفراهي

ما الفائدة من استدلاله بأقوال اليونانيين على أنواع القسم واستدلاله ايضا بعبارات من كتب النصارى - مع أن كل هذه الكتب لم تكتب باللغة العربية والموجود منها عربياً هو فقط ترجمة ؟ فكيف تصبح الترجمة حجة ؟؟ وأيضاً باللغة العربية متسع ليستدل منها على ما يشاء .
 
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي الحبيب برسوم وفقه الله .
أشكرك على قراءتك لكتاب الفراهي مع كثرة أشغالك في موقعك المميز بروسوميات. وأقدر لك جهدك فيه وفقك الله وبارك في جهدك.
وأما قولك - وفقك الله :ما الفائدة من استدلال الفراهي بأقوال اليونانيين على أنواع القسم واستدلاله أيضا بعبارات من كتب النصارى ؟
مع أن كل هذه الكتب لم تكتب باللغة العربية والموجود منها عربياً هو فقط ترجمة ؟ فكيف تصبح الترجمة حجة ؟؟ وأيضاً في اللغة العربية متسع ليستدل منها على ما يشاء.
فأقول يا أخي الكريم :
إن الفراهي رحمه الله استدل بما ذكرت ليثبت أن هذا الأسلوب وهو - القسم - بتفصيلاته التي ذكرها ، أسلوب مشترك بين جميع الأمم . وليس مما اختصت به العرب دون غيرها من الأمم السابقة. وهذا أمر محمود له رحمه الله ، تميز به عن غيره في الدراسات المقارنة ، قلَّ من يحسنه ؛ لحاجته إلى معرفة لغات القوم وكتبهم ، وهو كان من عجائب الزمن في هذا الباب ، فكان لكتبه من النفع ما لم يكن لغيره.
وأما قولك أن في لغة العرب متسع للاستدلال ، فأقول : نعم ، صدقت وفقك الله .
والفراهي في كتابه هذا قد صال وجال في الاستدلال باللغة العربية بطريقة فريدة قل من فعلها ، ولكن الأمر كما ذكرت لك ، هو يستدل للأسلوب ، وقد يقف مع بعض المفردات من باب المقارنة أيضاً ، وهذا أمر محمود في الدراسات لا يثرب على من فعله ، بل يحمد له ذلك ، لقلة القائمين به في كل زمن.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
 
فكرة تدارس الكتب المتميزة في الدراسات القرآنية فكرة جيدة ورائدة ، وهذه بداية موفقة لو لقيت تفاعلاً من الجميع ، ولا سيما أن عدد القراء قارب الألفين . ولو استمرت هذه الحلقات لكان فيها نفع لنا جميعاً.
 
بارك الله في الشيخ عبدالرحمن على هذه الفكرة المميزة ووفقه وكل أهل هذا الملتقى لكل خير ....

لكن رابط الكتاب لا يعمل !
 
يرفع بعد مدة طويلة لعله يوجد من ينشط للمناقشة والتحليل وإبداء الرأي، وأرى أن آراء الفراهي في القسم تصلح للدراسة في بحث تكميلي بعنوان:

آراء الفراهي في القسم - عرض ونقد
 
فكرة رائدة من الشيخ
ولقد اقترحت هذا الاقتراح ونحن في العام 1432 وقد سبق إليه الشيخ ب5 سنوات
فلعل الفكرة لا تزال قائمة لديه
ونقوم بإعادة تنفيذها
فما رأيكم؟
وتكون في موضوع يتم اختيار اسم له ( كتاب للمناقشة أ، كتاب الشهر أ،حلقات نقاشية- كما ذكر الشيخ-، ...إلخ) ومن ثم تكون هناك قوائم منبثقة من الموضوع باسم الشهر والكتاب محل النقاش حتي يسهل علي الباحثين الوصول إليها.
 
رضي الله عنكم، وبارككم، ولكن للأسف، لم يكتمل الموضوع، ولم أرَ إلا جهد الفاضل عبدالرحمن!!
فأين بقية المشاركات الهادفة.

بوركتم..


محبكم: أبو نعيم.
وليد بن عبده الوصابي،،
 
بسم1
السلام عليكم
مرحبا موضوع رائع لانه قلة قليلة من يستطيعون فهم كتب الامام الفراهي ، شكرا لك على هذا الموضوع اتمنى من الذين يستطيعون جلب نسخة الكترونية عن كتبه ان يفيدونا بذلك وخاصة ماكان منها مخطوط كحكمة القران واساليب القران فهي كتب مهمة لم يلتفت اليها
شكرا
 
الحمد لله الذي علّم بالقلم علّم الإنسان مالم يعلم ..
الحمد لله الذي هيأ لنا أمثال هذه الملتقيات المباركة ؛ نتدارس فيها أشرف علوم الأرض ..
نسأل الله تعالى كما جمعنا في هذا الملتقى المبارك أن يجمعنا في أعلى جناته .. وأن ينفعنا بما علّمنا ويعلّمنا ما ينفعنا .. ويزدنا علماً ومنفعة ..

- حقيقة الموضوع أكثر من رائع ، وفيه من الفوائد ما الله به عليم ..
- فعلاً العلامة الفاضل عبد الحميد الفراهي لم يأخذ مكانته اللائقة لدى الدارسين والمتخصصين في الدراسات القرآنية ..
لا سيما بعد هذه السيرة العطرة وما بذله للوصول إلى أدق معاني تدّبر القرآن الكريم ، من ذلك ( دلائل القسم في القرآن ) .
- فالنفع [FONT=&quot]العظيم في فهم كتاب الله تعالى ومعرفة محاسنه للاعتصام به.[/FONT]
 
هناك مقال بالإنكليزية حول تصور الأستاذ الفراهي عن أقسام القرآن. وهو جدير بالقراءة. الأستاذ مستنصر مير هو الذي عرف أهل الغرب عن فكرة نظم القرآن عند الفراهي، وذلك بكتابة رسالة الدكتواه حوله.
The Qur'an Oaths : Farahi's Interpretation
 
عودة
أعلى