الجمع بين الفاعل الظاهر والضمير فى القرآن.

إنضم
22/03/2011
المشاركات
50
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الإقامة
جمهورية مصر العربية - الق
جاء في سورة الأنبياء قوله تعالى: { وأسروا النجوى الذين ظلموا } (الأنبياء:3)
وقد استشكل بعض الناس ذكر واو الجماعة في الآية، مع وجود الفاعل الظاهر، وهو قوله تعالى: { الذين ظلموا }، وادعوا أن الذي تقتضيه قواعد اللغة، أن يقول: ( وأسر النجوى الذين ظلموا ) بغير واو الجماعة، ويكون التقدير في الآية: وأسر الذين ظلموا النجوى، فيكون في الآية تقديم وتأخير. فما وجه الإتيان بضمير الفاعل ( واو الجماعة )، مع الفاعل الظاهر { الذين ظلموا } ؟.
لقد أجاب العلماء عن الآية بوجوه عديدة، تبين أن الآية الكريمة لا إشكال فيها أبدًا، وأنها جاءت على حسب لسان العرب؛ وإنما الإشكال الحقيقي في سوء الفهم للغة العرب، وليس في مجيء الآية على الشكل الذي جاءت عليه .
ولا بد من التذكير بداية، أن لغات العرب لغات متعددة، فهناك لغة قريش، وهناك لغة طيئ، وهناك لغة تميم، وهناك لغة هذيل، وهناك لغة كنانة، وغير ذلك من لغات العرب .
والقرآن الكريم وإن كان قد نزل بحسب لغة قريش في معظم ألفاظه، إلا أنه قد جاء في بعض ألفاظه على غير لغة قريش؛ فلفظ { تخوف } في قوله تعالى: { أو يأخذهم على تخوف} (النحل:47) جاء على لغة أزد شنوءة، ويعني: التنقص؛ وحذف ياء المتكلم والتعويض عنها كسرة في قوله تعالى: { وإياي فارهبون } (البقرة:40) وقوله: { فإياي فاعبدون } (العنكبوت:56) ونحو ذلك من الآيات، إنما جاء على لغة هذيل. وهذا أمر معلوم لمن كان على علم بلغات العرب، ومعروف لمن كان على معرفة بما نزل عليه القرآن من لغات العرب غير لغة قريش .
فإذا رجعنا إلى القرآن، وجدناه قد جاء في موضع آخر على أسلوب الآية التي معنا، وذلك في قوله تعالى: { وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا كثير منهم } (المائدة:71)، فقوله تعالى: { ثم عموا وصموا كثير منهم } جاء على غير لغة قريش، فبحسب لغة قريش كان ينبغي أن يأتي الفعلان: { عموا وصموا } من غير واو الجماعة؛ لوجود الفاعل الظاهر، وهو قوله: { كثير منهم } لكن جاءت الآية على وفق لغة أخرى من لغات العرب .
وإذا رجعنا إلى أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم، وقفنا على العديد من الشواهد التي جاءت بحسب الأسلوب الذي وردت عليه الآية؛ فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ( يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل، وملائكة بالنهار ) متفق عليه، وقد ورد هذا الحديث بهذا اللفظ في "الصحيحين" مما يدل على صحة هذا الاستعمال. قال القرطبي : ( الواو ) في قوله: ( يتعاقبون ) علامة الفاعل المذكر الجمع، على لغه بلحارث...قال: وهي لغة فاشية، ومشهورة، ولها وجه من القياس واضح .
ومن ذلك ما رواه مسلم عن عمران بن حصين رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الحياء خير كله ، فقال بشير بن كعب : إنا لنجد في بعض الكتب أو الحكمة أن منه سكينة ووقارًا لله ومنه ضعف، قال: فغضب عمران حتى احمرتا عيناه..) الحديث. والشاهد فيه قول الراوي: ( حتى احمرتا عيناه ) والشائع في اللغة أن يقال: ( حتى احمرت عيناه ) لكن جاء بهذا الأسلوب على لغة من يجيز ذلك من العرب.
قال النووي معلقًا على هذا الاستعمال: وهو صحيح جار على لغة ( أكلوني البراغيث ) وهي لغة تجمع بين الفاعل المضمر والفاعل الظاهر .
ومن ذلك أيضًا، حديث عائشة وهو في صحيح مسلم ، قالت: ( ذكرن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كنيسة رأينها بأرض الحبشة...) والشاهد فيه، قولها: ( ذكرن أزواج ) وكان الشائع في اللغة أن تقول: ( ذكر أزواج...) بغير نون النسوة، وهي نون الفاعل هنا، لكن جاءت بها على لغة من يجيز ذلك من العرب. قال النووي مبينًا صحة هذا الاستعمال: وهو جائز على تلك اللغة القليلة .
وفي مسند أحمد عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ( اجتمعن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم...) والشاهد فيه قول عائشة : ( اجتمعن أزواج...) فجاءت بضمير النسوة الفاعل ( اجتمعن ) مع وجود الفاعل الظاهر ( أزواج )، وكان الشائع أن تقول: ( اجتمع أزواج...) بغير نون الفاعل. قال القرطبي معلقًا على قول عائشة : زيادة النون على لغة ( أكلوني البراغيث )؛ وقد أثبتها جماعة من أئمة العربية .
هذا بعض مما جاء في الأحاديث حول هذا الاستعمال؛ أما ما جاء في أشعار العرب من ذلك، فمنه قول أحيحة بن الجلاح :

يلومونني في اشتراء النخيل قومي وكلهم ألوم

فجاء بواو الضمير، الدالة على الجماعة مع الفعل في قوله: ( يلومونني )، وجاء في الوقت نفسه بالفاعل الظاهر في قوله: ( قومي ) .
وقال أبو تمام :

بك نال النضال دون المساعي فاهتدين النبال للأغراض

فأتى الشاعر بضمير النسوة ( النون ) في قوله: ( فاهتدين ) مع وجود الفاعل الظاهر، وهو قوله:( النبال ).
وقال الفرزدق يذم عمرو بن عفراء :

ولكن ديافيٌّ، أبوه وأمه بحوران، يعصرن السليط أقاربه

و( دِياف ) قرية بالشام، والنسبة إليها ( ديافي )، نسب الشاعر إليها عمرو بن عفراء على سبيل الذم؛ و( السَّلِيطُ ) الزيت. والشاهد في البيت، قول الشاعر: ( يعصرن )، فقد جمع بين ضمير الفاعل، وهو نون النسوة، وبين الفاعل الظاهر، وهو قوله: ( أقاربه ) .
فهذا الاستعمال الذي جاءت بحسبه الآية، استعمال عربي صحيح فصيح لا غبار عليه، ولا ينبغي أن يكون محل اعتراض أو إشكال .
ويشار هنا إلى أن المفسرين قد ذكروا توجيهات أخرى للآية، منها: أن { الذين ظلموا } مبتدأ مؤخر، { وأسروا النجوى } خبر مقدم؛ فيكون في الآية تقديم وتأخير، وتقدير الكلام: الذين ظلموا أسروا النجوى .
وهذه اللغة التي جاء على أسلوبها قوله تعالى: { وأسروا النجوى الذين ظلموا } تسمى عند أهل اللغة، لغة ( أكلوني البراغيث )، وهي لغة بني الحارث، أو لغة أزد شنوءة، وأهل هذه اللغة يلحقون ضمير الجمع والتثنية والنسوة بالفعل، مع وجود الفاعل الظاهر، تشبيهًا لهذه الضمائر بتاء التأنيث التي تدخل على الفعل، في قولك: قامت هند ، فكما تلحق تاء التأنيث الفعل، لتكون علامة على التأنيث، فكذلك تلحق ضمائر التثنية والجمع والنسوة الفعل دلالة على المثنى والجمع المذكر والجمع المؤنث.
وهي ليس لها محل من الإعراب، بحسب هذه اللغة، وإنما هي مجرد علامات على الفاعلين.
المصدر :http://www.islamwib.net
 
رسالة شكر ...

رسالة شكر ...

جزاكم الله خير الجزاء على هذه الومضة الرائعة
جعلها الله فى ميزان حسانتكم
والله - الذى لاإله غيره - تعلمت منها الكثير وأكثر شئ أسعدنى تعلمه
هى لغة - اكلونى البراغيث - كلما صادفتنى فى مكان تعكر صفوى لأنى لا اعلم عنها شيئا اما الآن فاستنار عقلى بمعلوماتكم الطيبة
أسأل الله -جل وعلا- أن يتقبلها منكم ويجعلها فى ميزان حسانتكم
ويرزقك -سبحانه وتعالى - بها الفردوس الأعلى
انه ولى ذلك ومولاه والقادر عليه
 
جزاكم الله -تعالى- الجنة. ما هذه إلا نقطة من محيط العلم الفياض ؛ الذى كثيراً ما نهلنا منه وشربنا من معينه.
وهذه المشاركة ماهى إلا نقل بتصرف لموضوعٍ كثيراً ما قرأتُه فأوقفنى على سرٍ من أسرار كتاب الله المكنون ؛ الذى لا تنقضى عجائبه.​
جعلنى الله وإياكم من المتعلمين العالمين المعلمين ، المخلصين لرب العالمين.​
 
القاعدة العامة،كما هو معلوم أن الفعل يجرد من ضمير الجمع والتثنية إذا أسند لاثنين أو جمع،فيقال: قام الرجلان وقام الرجال،ولا يقال :قاما الرجلان ولا قاموا الرجال ،إلا في لغة قليلة يسميها النحاة :ب(لغة أكلوني البراغيث)،وإلىها الإشارة بقول ابن مالك :
وجرِّد الفعل إذا ما أسندا= لاثنين أو جمع ،كفاز الشهدا
وقد يقال :سعدا وسعدوا=والفعل للظاهر بعد مسند

وقد اختلف في هذه لغة ،فنسبها بعض النحاة لطيء ونسبها آخرون لإزد شنوءة، وعلى كل هي لغة عربية واردة في القرآن،فمن ذلك قوله تعلى:(وأسروا النجوى الذين ظلموا)وقوله:(فعموا وصموا كثير منهم)،ولكن ينبغي أن نستحضر دائما أن القرآن حجة على النحو وقواعده وليس العكس،خاصة أن ما يسميه بعض النحاة باللغة الفصحى لم يقرأ به في هتين الآيتين ،حسب طرق الأداء المحفوظة.... ويلزم على قولهم أن هذه اللغة ليست فصحية، وهو أمر غير مسلم....وقد توسط قوم من النحاة ،فقالوا إن الشذوذ لاينافي الفصاحة،ومرادهم بذلك الشذوذ عن القياس النحوي....
 
السلام عليكم
يبدو أن لغة "أكلونى البراغيث "هذه غير فصيحة ،ويبدو اسم القوم المنسوبة إليهم -أزد شنوءة- غير عربى .
كما يبدو أنها قاعدة لفقت للخروج من مأزق الجمع بين صمير الفاعل والفاعل الظاهر ،
أليس لها تخريج آخر ؟
إن اشارة بن مالك لها لاتبرر استخدامها خاصة وأنه لم يقل مامبررات استخدامها .
 
نعم ... قد يفهم من تعبير ابن مالك أن هذه اللغة ليست بتلك...لكنها مع ذلك مستعملة على نطاق واسع،وشواهدها من الشعر والحديث والقرآن مذكورة في كلام الأستاد ابراهيم محمود دياب،،أما الأزد الذين تنسب إليهم هذه اللغة،فهم من صميم العرب،وأشهر قبائل العرب المعروفة بهذا الاسم :أزد السراة وأزد عمان وأزد شنوءة...
 
السلام عليكم
نعم
ولكن لابد من مبرر
مثل : يلومننى قومى
إما افتراض سؤال مقدر فيكون التقدير : يلومننى - من هؤلاء ؟- قومى
أو أنه قصد به التخصيص وتحديد مجموعة معينة من بين مجموعات كثيرة
فيكون قصد المتكلم تحديد قومه من بين آخرين
وهو مثل : " وأسروا النجوى الذين ظلموا " فليس كل السامعين أسروا النجوى وقالوا " هل هذا إلا بشر مثلكم " بل مجموعة واحدة محددة هى الذين ظلموا وقد قالوا لباقى المجموعات من السامعين
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
الإخوة الأفاضل الأجلاء...
أولاً: أشكركم جميعاً لحرصكم على متابعة هذه المشاركة البسيطة التى أردت من خلالها أن أوضح أمراً ربما قرأه الكثيرون لكنهم لم يقفوا على سر مجئ لغة القرآن به.
ثانياً: أعتقد أنه لو لم تكن لغة " أكلونى البراغيث " فصيحة لما نطق بها القرآن الكريم وجاء بشواهد لها فى أكثر من موضع مع إثبات أن القرآن حجة على النحو وقواعده وليس العكس كما قال الأخ الفاضل: أحمد بن محمد فال.
وما كان النبى -صلى الله عليه وسلم- ليتكلم بها أيضاً فى سنته ؛ وما تحدث بها الصحابة الكرام -رضى الله عنهم-.
وحتى وإن كانت شاذة إلا أن هذا الشذوذ لا يتنافى مع صحتها كما قال بعض أهل اللغة.
ثالثاً: أزد شنوءة أو أزد شنوّة هي قبيلة عربية تنتمي إلى الأزد وهم أبناء كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد.
وشنوءة بالهمز، وشنوّة بتشديد الواو من غير همز، من الشنآن، وهو "البغض".
وقيل: الشنوءة: الذي يتقزز من الشيء، وبه سمي أزد شنوءة.
وسموا بهذا لعلو نسبهم وحسن أفعالهم، من قولهم: رجل شنوءة، أي طاهر النسب ذو مروءة.
وجزاكم الله -تعالى- خيراً على مشاركاتكم الفياضة.
 
... شيخى الفاضل إبراهيم محمود دياب ... زادنا الله واياك من علمه وهذا رأيى أيضا ... ورود القرآن بهذه اللغة أكبر دليل على فصاحتها فما نزل القرآن إلا فصيحا ... هدانا الله وإياكم لما اختلف فيه من الحق بإذنه ...
 
جاء في سورة الأنبياء قوله تعالى: { وأسروا النجوى الذين ظلموا } (الأنبياء:3)
وقد استشكل بعض الناس ذكر واو الجماعة في الآية، مع وجود الفاعل الظاهر، وهو قوله تعالى: { الذين ظلموا }، وادعوا أن الذي تقتضيه قواعد اللغة، أن يقول: ( وأسر النجوى الذين ظلموا ) بغير واو الجماعة، ويكون التقدير في الآية: وأسر الذين ظلموا النجوى، فيكون في الآية تقديم وتأخير. فما وجه الإتيان بضمير الفاعل ( واو الجماعة )، مع الفاعل الظاهر { الذين ظلموا } ؟.
لقد أجاب العلماء عن الآية بوجوه عديدة، تبين أن الآية الكريمة لا إشكال فيها أبدًا، وأنها جاءت على حسب لسان العرب؛ وإنما الإشكال الحقيقي في سوء الفهم للغة العرب، وليس في مجيء الآية على الشكل الذي جاءت عليه .
ولا بد من التذكير بداية، أن لغات العرب لغات متعددة، فهناك لغة قريش، وهناك لغة طيئ، وهناك لغة تميم، وهناك لغة هذيل، وهناك لغة كنانة، وغير ذلك من لغات العرب .
والقرآن الكريم وإن كان قد نزل بحسب لغة قريش في معظم ألفاظه، إلا أنه قد جاء في بعض ألفاظه على غير لغة قريش؛ فلفظ { تخوف } في قوله تعالى: { أو يأخذهم على تخوف} (النحل:47) جاء على لغة أزد شنوءة، ويعني: التنقص؛ وحذف ياء المتكلم والتعويض عنها كسرة في قوله تعالى: { وإياي فارهبون } (البقرة:40) وقوله: { فإياي فاعبدون } (العنكبوت:56) ونحو ذلك من الآيات، إنما جاء على لغة هذيل. وهذا أمر معلوم لمن كان على علم بلغات العرب، ومعروف لمن كان على معرفة بما نزل عليه القرآن من لغات العرب غير لغة قريش .
فإذا رجعنا إلى القرآن، وجدناه قد جاء في موضع آخر على أسلوب الآية التي معنا، وذلك في قوله تعالى: { وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا كثير منهم } (المائدة:71)، فقوله تعالى: { ثم عموا وصموا كثير منهم } جاء على غير لغة قريش، فبحسب لغة قريش كان ينبغي أن يأتي الفعلان: { عموا وصموا } من غير واو الجماعة؛ لوجود الفاعل الظاهر، وهو قوله: { كثير منهم } لكن جاءت الآية على وفق لغة أخرى من لغات العرب .
وإذا رجعنا إلى أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم، وقفنا على العديد من الشواهد التي جاءت بحسب الأسلوب الذي وردت عليه الآية؛ فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ( يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل، وملائكة بالنهار ) متفق عليه، وقد ورد هذا الحديث بهذا اللفظ في "الصحيحين" مما يدل على صحة هذا الاستعمال. قال القرطبي : ( الواو ) في قوله: ( يتعاقبون ) علامة الفاعل المذكر الجمع، على لغه بلحارث...قال: وهي لغة فاشية، ومشهورة، ولها وجه من القياس واضح .
ومن ذلك ما رواه مسلم عن عمران بن حصين رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الحياء خير كله ، فقال بشير بن كعب : إنا لنجد في بعض الكتب أو الحكمة أن منه سكينة ووقارًا لله ومنه ضعف، قال: فغضب عمران حتى احمرتا عيناه..) الحديث. والشاهد فيه قول الراوي: ( حتى احمرتا عيناه ) والشائع في اللغة أن يقال: ( حتى احمرت عيناه ) لكن جاء بهذا الأسلوب على لغة من يجيز ذلك من العرب.
قال النووي معلقًا على هذا الاستعمال: وهو صحيح جار على لغة ( أكلوني البراغيث ) وهي لغة تجمع بين الفاعل المضمر والفاعل الظاهر .
ومن ذلك أيضًا، حديث عائشة وهو في صحيح مسلم ، قالت: ( ذكرن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كنيسة رأينها بأرض الحبشة...) والشاهد فيه، قولها: ( ذكرن أزواج ) وكان الشائع في اللغة أن تقول: ( ذكر أزواج...) بغير نون النسوة، وهي نون الفاعل هنا، لكن جاءت بها على لغة من يجيز ذلك من العرب. قال النووي مبينًا صحة هذا الاستعمال: وهو جائز على تلك اللغة القليلة .
وفي مسند أحمد عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ( اجتمعن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم...) والشاهد فيه قول عائشة : ( اجتمعن أزواج...) فجاءت بضمير النسوة الفاعل ( اجتمعن ) مع وجود الفاعل الظاهر ( أزواج )، وكان الشائع أن تقول: ( اجتمع أزواج...) بغير نون الفاعل. قال القرطبي معلقًا على قول عائشة : زيادة النون على لغة ( أكلوني البراغيث )؛ وقد أثبتها جماعة من أئمة العربية .
هذا بعض مما جاء في الأحاديث حول هذا الاستعمال؛ أما ما جاء في أشعار العرب من ذلك، فمنه قول أحيحة بن الجلاح :

يلومونني في اشتراء النخيل قومي وكلهم ألوم

فجاء بواو الضمير، الدالة على الجماعة مع الفعل في قوله: ( يلومونني )، وجاء في الوقت نفسه بالفاعل الظاهر في قوله: ( قومي ) .
وقال أبو تمام :

بك نال النضال دون المساعي فاهتدين النبال للأغراض

فأتى الشاعر بضمير النسوة ( النون ) في قوله: ( فاهتدين ) مع وجود الفاعل الظاهر، وهو قوله:( النبال ).
وقال الفرزدق يذم عمرو بن عفراء :

ولكن ديافيٌّ، أبوه وأمه بحوران، يعصرن السليط أقاربه

و( دِياف ) قرية بالشام، والنسبة إليها ( ديافي )، نسب الشاعر إليها عمرو بن عفراء على سبيل الذم؛ و( السَّلِيطُ ) الزيت. والشاهد في البيت، قول الشاعر: ( يعصرن )، فقد جمع بين ضمير الفاعل، وهو نون النسوة، وبين الفاعل الظاهر، وهو قوله: ( أقاربه ) .
فهذا الاستعمال الذي جاءت بحسبه الآية، استعمال عربي صحيح فصيح لا غبار عليه، ولا ينبغي أن يكون محل اعتراض أو إشكال .
ويشار هنا إلى أن المفسرين قد ذكروا توجيهات أخرى للآية، منها: أن { الذين ظلموا } مبتدأ مؤخر، { وأسروا النجوى } خبر مقدم؛ فيكون في الآية تقديم وتأخير، وتقدير الكلام: الذين ظلموا أسروا النجوى .
وهذه اللغة التي جاء على أسلوبها قوله تعالى: { وأسروا النجوى الذين ظلموا } تسمى عند أهل اللغة، لغة ( أكلوني البراغيث )، وهي لغة بني الحارث، أو لغة أزد شنوءة، وأهل هذه اللغة يلحقون ضمير الجمع والتثنية والنسوة بالفعل، مع وجود الفاعل الظاهر، تشبيهًا لهذه الضمائر بتاء التأنيث التي تدخل على الفعل، في قولك: قامت هند ، فكما تلحق تاء التأنيث الفعل، لتكون علامة على التأنيث، فكذلك تلحق ضمائر التثنية والجمع والنسوة الفعل دلالة على المثنى والجمع المذكر والجمع المؤنث.
وهي ليس لها محل من الإعراب، بحسب هذه اللغة، وإنما هي مجرد علامات على الفاعلين.
المصدر :http://www.islamwib.net

هل من الممكن أن يكون التركيب في قوله تعالى: {عم يتساءلون*عن النبأ العظيم*الذي هم فيه مختلفون} من قبيل التركيب في قوله تعالى: {وأسروا النجوى الذين ظلموا}؟
 
عودة
أعلى