الجبال ثابتة في الدنيا متحركة في الآخرة. وما تقوله (من أن الآية في الدنيا) تحريف للمعنى، ومخالف لأقوال المفسرين، ومخالف للسياق، ومجرد اختراع جديد اخترعته جماعة الإعجازيين!
تدوينتي عن المسألة من 2014:
سلامة المصري - Salama: من تخاريف وتحاريف أتباع الإعجاز العلمي - مرور الجبال وحركة الأرض
يقول أبو السعود في إرشاد العقل السليم:
((صُنْعَ ٱللَّهِ : مصدرٌ لمضمونِ ما قبله أي صنعَ الله ذلك صُنعاً على أنَّه عبارةٌ عمَّا ذُكر من النَّفخِ في الصُّورِ وما ترتَّب عليهِ جميعاً قُصد به
التنبيه على عظَمِ شأنِ تلك الأفاعيلِ وتهويلِ أمرِها والإيذانُ بأنَّها ليستْ بطريقِ إخلالِ نظامِ العالمِ وإفسادِ أحوالِ الكائناتِ بالكُلية من غيرِ أنْ يدعوَ إليها داعيةٌ أو يكونَ لها عاقبةٌ
بل هي من قبيلِ بدائعِ صُنعِ الله تعالى المبنية على أساسِ الحكمةِ المستتبعةِ للغاياتِ الجميلةِ التي لأجلِها رُتبت مقدماتُ الخلقِ ومبادىءُ الإبداعِ على الوجهِ المتينِ والنَّهجِ الرَّصينِ كما يُعرب عنه قولُه تعالى "ٱلَّذِى أَتْقَنَ كُلَّ شَىْء"))
الجبال اليوم راسية، لا "مارة". ويوم الفزع ستمر وتسير.
وهو انعكاس حالة مستخدم في القرآن كثيرا لوصف اختلاف أحوال الدنيا عو أحوال يوم الفزع
(الشمس والنجوم والسماء والبحار وغيرها من الأشياء مذكور أنها ستتغير من حال لحال في ذلك اليوم)
تفسير الرازي: "اعلم أن هذا هو العلامة الثالثة لقيام القيامة وهي تسيير الجبال"
الشنقيطي:
"قوله تعالى: وترى الجبال معطوف على قوله: ففزع، وذلك المعطوف عليه مرتب بالفاء على قوله تعالى: ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات
أي: ويوم ينفخ في الصور، فيفزع من في السماوات وترى الجبال، فدلت هذه القرينة القرآنية الواضحة على أن مر الجبال مر السحاب كائن يوم ينفخ في الصور، لا الآن"
وقال:
"جميع الآيات التي فيها حركة الجبال كلها في يوم القيامة"
والجبال وقتها ستكون منفصلة عن الأرض كما أن السحاب بعيد عن سطح الأرض. وستسير الجبال في مجموعات مجتمعة مقتربة من بعضها كما يفعل السحاب. وستكون مكونة من مجموعة من الجزيئات الصغيرة الترابية كما يتكون السحاب من جزيئات مائية. وسيراها الناس تنتقل من مكانها كما نرى السحاب يتحرك من مكانه مبتعدا عنا، إلى آخر التشابهات.
=====
رأيت بعض الاعتراضات من بعض أعضاء ملتقى أهل الحديث، وكان أبرزها قول القائل: ( تحسبها جامدة يفيد أن ذلك في الدنيا لأن الآخرة لا يوجد بها ظن)
والرد عليه ببساطة هو الإشارة لهذه الآيات:
1- وترى الناس سُكارى وما هم بسكارى
أي أن الناظرين سيحسبون الناس سكارى، لكنه حسبان على غير الحقيقة.. كما سينظر الناس للجبال فيحسبونها ثابتة مع أنها ستكون ذرات تراب متحركة كالسحاب.
2- يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ - المجادلة 18
وهو ظن وحسبان خاطئ منهم يوم القيامة، لا حقيقي.
3- ويقول ابن كثير، في تفسير النبأ 20:
(( "وَسُيِّرَتِ ٱلْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً" كقوله تعالى: {وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِىَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ}
وكقوله تعالى: "وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَالْعِهْنِ ٱلْمَنفُوشِ"، وقال ههنا "فَكَانَتْ سَرَاباً" أي: يخيل إلى الناظر أنها شيء، وليست بشيء، وبعد هذا تذهب بالكلية، فلا عين ولا أثر. ))
وهذه الآية مرتبطة بآية "مرور الجبال" أشد ارتباط، بل تكاد تكون مطابقة لها في وصف الحدث!
ففيها ذكر تحريك الجبال، كما في آية النمل
وفيها ذكر حدث من أحداث يوم القيامة
وفيها ذكر مسألة أن الناظر سيرى شيئا فيظنه شيئا آخر، كظاهرة السراب في الصحراء، تماما كما سيرى الناس يوم نفخة الفزع الجبال فيحسبونها جامدة مع أنها ستكون في الحقيقة متحركة!
4- وأوضح مثال على أن الناس يوم القيامة قد يرون أمرا ويظنون أنه شيء آخر، هو حديث الكشف عن الساق، حين يأتي الله للمسلمين في صورة غير الصورة التي عهدوها أثناء الحساب، فلا يعرفونه للوهلة الأولى
=====
يقول ابن كثير: ("صُنْعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ أَتْقَنَ كُلَّ شَىْءٍ" أي يفعل ذلك بقدرته العظيمة)
لن تنهدم الجبال القوية الراسية هذه لسوء صنع مثلا أو لخطأ في خلقها وبنائها، حاشا لله، بل هو صنيع متقن من الله وتدمير لهدف ولغاية، وليس عشوائيا.. أي ليس انهيارا للكون من تلقاء نفسه.
فكما خلق الجبال قوية ثابتة لا تتحرك في الدنيا سيقدر عليها في الآخرة ويجعلها لا ثابتة ولا قوية! بل متحركة وكالعهن المنفوش.
=====
يبدو أن أحد منابع سوء الفهم عند المعاصرين اليوم لكلمة "صنع الله" هو ظنهم أن الصنع مقتصر على بناء الأشياء! (مثل صناعة الفلك [في قصة نوح] أو صناعة دروع الحرب [في قصة داود])
صَنع تأتي أيضا بمعنى "فعل".
وَلَوْ أَنَّ قُرْآَناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ
أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ
اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ
=====