بسم الله
ما ذكره شيخنا أبو عبدالملك من حاجة تفسير الرازي إلى اختصار صحيح ، وله أهمية عند المتخصصين .
وقد رأيت اختصاراً له في مكتبة الملك عبدالعزيز بالرياض بعنوان :تهذيب مفاتيح الغيب للرازي لحسن بركة الشامي .ويظهر أن هذا المهذب من الشيعة -أو من المتعاطفين معهم - والله أعلم .
قال في مقدمة تهذيبه :
( منهجنا في التهذيب
ان منهجية الامام فخر الدين الرازي في كتابة تفسيره، جعلت عملية اختصاره مسألة غير يسيرة. فهو يُقسم الآية الى قطع صغيرة او كلمات مفردة، ثم يشرع في تفسيرها بطريقة الابحاث المستقلة، حيث يجعل لكل بحث او موضوع مسألة او عدة مسائل. ثم يبدأ في التفريع لكل مسألة، وقد يذكر وجوهاً ويرد عليها بعدة اقوال وآراء، وهكذا يتشعب حديثه عن جملة واحدة من الآية القرآنية واحياناً عن كلمة واحدة منها الى شعب عديدة.
ورغم اننا تحدثنا سابقاً عن هذه المنهجية، الا اننا نرى من الضروري ان نرسم للقارىء الكريم صورة توضيحية لمخطط المعالجة التفسيرية عند الرازي، وذلك باختيار النموذج التالي: في قوله تعالى: (وعلم آدم الاسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال انبئوني...) (البقرة: 31).
الآية فيها مسائل:
المسألة الاولى: فيها ثلاثة امور.
المسألة الثانية: فيها وجهان:
الوجه الثاني: فيه قولان.
المسألة الثالثة:
المسألة الرابعة: فيها وجهان:
الوجه الثاني: فيه ثلاثة وجوه.
المسألة الخامسة: فيها اربعة وجوه.
المسألة السادسة: فيها ثلاثة اقسام: الكتاب والسنة والمنقول:
اما الكتاب: ففيه وجوه:
الاول: فيه اربعة اوجه.
الثاني:
الثالث:
الرابع: فيه اربعة اصناف.
الخامس: فيه خمس مناقب.
اما الاخبار: ففيها (13) وجهاً. ثم يلحق بها الآثار ويقسمها الى (24) وجهاً. يتفرع بعضها الى فروع.
وقد شغلت المسألة السادسة لوحدها عشرين صفحة من تفسيره، كانت حافلة بالتفريعات والتقسيمات الرئيسية والثانوية، بحيث يجد القارىء صعوبة في استيعاب العناوين الاصلية للبحث.
المسألة السابعة: يناقش فيها الفخر الرازي تعريف العلم، فيورد تعريف العلم على اقوال بعض العلماء، ثم يناقشها بوجوه، ويورد الخلل في امور عديدة، ويفرع على ذلك وجوه.
وقول آخر: فيه ثلاثة وجوه ايضاً.
وقول ثالث: فيه اربعة وجوه.
الوجه الرابع منه: فيه ثلاثة وجوه.
المسألة الثامنة: فيها ثلاثون فرعاً. بعضها يتفرع الى فروع ثانوية من الوجوه والاقوال.
المسألة التاسعة: خالية من التفريعات.
* * *
ان هذه التقسيمات يلتقي بها القارىء كثيراً في تفسير الرازي، ويحتاج الى التركيز المكثف من اجل الاحاطة بها، ولعل هذا النموذج يعطي صورة تقريبية لصعوبة مشروع اختصار وتهذيب التفسير، لان في بعض التفريعات افكاراً هامة وملاحظات علمية يثيرها الرازي. غير ان وقوعها في تسلسل التقسيم يجعل من انتقائها دون غيرها عملية مشوشة للتقسيم العام مما يربك القارىء.
وفي احيان عديدة يورد الفخر الرازي اسئلة غير متصلة بجو الآية ـ موضوع التفسير ـ. لكن بعض اجاباته تخدم الجو التفسيري للآية. مما يخلق صعوبة في عملية انتقاء الجواب المطلوب لانه يندرج في تسلسل يصعب تجزئته.
وبصورة عامة ان منهج الرازي التفريعي صعب الاختصار، خلافاً للمناهج الاخرى لكتب التفسير او كتب التاريخ التي تتناول عنواناً رئيسياً ثم تبحثه بطريقة سردية او تحليلية او مفاهيمية، بحيث يحتاج صاحب مشروع الاختصار الى مجرد ضغط الافكار وتلخيص العرض المطول لها.
وقد انطلقنا في اختصار تفسير مفاتيح الغيب للامام فخر الدين الرازي من الاسس والدوافع التالية:
1 ـ ان سعة التفسير الكبير وضخامة حجمه جعلت الاستفادة منه في حدود المختصين بالتفسير وعلوم القرآن فقط في حين حُرم جمهور المثقفين من الاستفادة منه بالشكل المطلوب، رغم اهميته وصدارة موقعه في التراث التفسيري. ومن هنا شعرنا بضرورة اختصاره وتقديمه لابناء الامة بشكل يسهل الاستفادة منه والرجوع اليه كتفسير كامل للقرآن الكريم، الى جانب الاعمال التفسيرية الاخرى لعلماء الاسلام.
2 ـ ان منهجية الفخر الرازي في التفصيل والتفريع والاطالة والاستغراق في المناقشات وعرض الموضوعات البعيدة عن جو التفسير، جعلت كتابه يُقيم من قبل العديد من القدماء والمحدثين على انه دائرة معارف قبل ان يكون كتاب تفسير حتى قيل فيه: (فيه كل شيء الا التفسير). ونحن نشعر ان في هذه التقييمات تجني على عمل الرازي، وان كانت بعض هذه التقييمات لها ما يبررها. لذلك رأينا ضرورة ان يحظى عمل الرازي الكبير بجهد علمي جديد من اجل تهذيبه واعادة تقديمه للمكتبة الاسلامية كنتاج تفسيري متخصص. وفي ذلك مساهمة في اعادة احياء نتاج ضخم من التراث الاسلامي.
3 ـ رغم الجهد الكبير الذي بذله الفخر الرازي في عرض الآراء المختلفة لعلماء الاسلام وللمذاهب الاسلامية وللاتجاهات الفكرية، الا اننا نجد انه اهمل ذكر الرأي الشيعي الامامي في الكثير من الموارد، كما انه ذكر رأي الشيعة الامامية في عدد من الموارد بصورة خاطئة، لذلك رأينا ضرورة اضافة الرأي الاسلامي الشيعي كلما كان ذلك مناسباً من خلال كتابة التعليقات في الهامش، وذلك من اجل ان يتكامل هذا التفسير الكبير في تغطية الآراء الاسلامية على اختلاف اصولها الثقافية.
وهنا نود الاشارة الى ان الفخر الرازي لم يكن منغلقاً في حدود الرأي الذي يطرحه، انما فتح باب الحوار والمناقشة مع ما كتبه بل انه اشار بصراحة في وصيته الى امكانية حذف الآراء التي ثبتها في كتبه فيما لو وجد فيها القارىء خطأً وقال ما نصه:
«واما الكتب العلمية التي صنفتها او استكثرت من ايراد السؤالات على المتقدمين فيها فمن نظر في شيء منها فان طابت له تلك السؤالات فليذكرني في صالح دعائه على سبيل التفضل والانعام والا فليحذف القول السيء فاني ما اردت الا تكثير البحث وتشحيذ الخاطر والاعتماد في الكل على الله تعالى».
ان الفخر الرازي في هذا النص يفسح المجال للاجيال لتهذيب تراثه وهي دعوة موضوعية صريحة لمراجعة افكاره وآرائه في مختلف المجالات العلمية التي صنف بها.
وهذا ما قمنا به في تفسيره الكبير، حيث نشعر اننا قدمنا خدمة لهذه الموسوعة الشهيرة في التفسير.
وهو عمل ينسجم مع وصيته في تهذيب تراثه وحذف الاقوال الغريبة عن دائرة التفسير وسياقه العام.
اما منهجنا في الاختصار فقد سار على الخطوط العامة التالية:
1 ـ الابقاء على النص الاصلي للرازي حفاظاً على القيمة العلمية للكتاب. حيث سيجد القارىء الكريم اسلوب الفخر الرازي في الكتابة. ولم نتدخل في الاسلوب الا باضافة كلمات الربط بين الفقرات او الجمل المحذوفة.
2 ـ التركيز على الابحاث المتصلة بتفسير الآية، وحذف الموضوعات والمناقشات والآراء التي لا ترتبط بتفسيرها، من قبيل الابحاث الكلامية والفقهية والفلسفية واللغوية التي تعتبر غريبة على السياق العام لتفسير الآية القرآنية.
3 ـ الابقاء على منهجية الفخر الرازي في التقسيم والتفريع، بعد الحذف والاختصار. فالمسائل ستأخذ ارقاماً متسلسلة تختلف عن التسلسل الاصلي، لكن القارىء سيجد المنهجية كما هي التي اعتمدها الرازي، انما هناك تقليص في التفريعات.
4 ـ اورد الفخر الرازي في تفسيره الكثير من الآراء الضعيفة والشاذة، وقد صرح هو بضعفها وشذوذها، لذلك آثرنا حذف هذه الآراء وما يتبعها من مناقشات، لانها لا تمتلك قيمة علمية في مجال التفسير، وهي غير معتمدة من قبل ائمة التفسير.
5 ـ اعتمدنا في الاختصار على طبعات مختلفة للتفسير الكبير، ووجدنا وقوع الكثير من الاخطاء المطبعية فيها، لذلك بذلنا جهدنا في تصحيح هذه الاخطاء.
المصادر المعتمدة
ذكرنا سابقاً اننا في عملية اختصار تفسير مفاتيح الغيب، ثبتنا آراءً وتعليقات في الهامش. بعضها كان رأياً تفسيرياً وبعضها الآخر كان رأي الشيعة الامامية الذي اغفله الامام الرازي او اورده بصورة خاطئة.
لقد اعتمدنا في هذه الهوامش على المصادر المعتبرة التي يعتمدها السنة والشيعة والتي تحتل مكانتها المرموقة في التراث الاسلامي.
وفيما يتعلق بالرأي الشيعي فقد جهدنا على صياغته بشكل يمثل مدرسة اهل البيت عليهم السلام من خلال المصادر المعتمدة عند الشيعة الامامية، بحيث يمكن الاطمئنان ان ما اوردناه يمثل الرأي الشيعي الصحيح. بل اننا سعينا الى تأكيد هذا الرأي من خلال مصادر اهل السنة في العديد من الموارد، عندما نجد ان الرأي الشيعي له ما يؤيده في المصادر السنية مثل (الاتقان في علوم القرآن) و(الدر المنثور) لجلال الدين السيوطي.
لقد وجدت من خلال مراجعتي لمشاريع اختصار كتب التفسير، ان بعض هذه المحاولات لم تهتم في التعليق وفي ايراد بعض الآراء الهامة، وانما اكتفت بعملية الاختصار فقط. ومع ان هذه العملية لها قيمتها العلمية وهي تمثل خدمة كبيرة للتراث الاسلامي، الا ان المناقشة وابداء الرأي والملاحظة في موارد الضرورة يزيد من اهمية العمل ويوسع دائرة الفائدة.
ومن هذا المنطلق وجدت من الضروري التعليق وايراد الهوامش على النص الاصلي لتفسير الفخر الرازي، من اجل المساهمة في ابقاء هذا الاثر الكبير حياً ونافعاً لجمهور المهتمين بتفسير كتاب الله المجيد، من ابناء الامة الاسلامية سنةً وشيعةً.
واود التأكيد هنا ان تفسير الامام فخر الدين الرازي يستحق بذل جهود كبيرة عليه لانه يمثل موسوعة تفسيرية ضخمة في التراث الاسلامي. وان احساسي بأهمية هذا التفسير هو الذي دفعني الى القيام بهذا المشروع الذي استغرق عملي فيه اكثر من اربع سنوات حتى تم انجازه بهذا الشكل. ارجو ان اكون قد وفقني الله تعالى في هذا العمل، وما توفيقي الا بالله العلي العظيم فهو حسبي ونعم الوكيل.) المرجع انظره
هنا
وأخيراً ؛ أسأل الله تعالى أن يهيأ لهذا التفسير من يخدمه ويهذبه من أهل السنة . مع العلم بأن شيخنا عبدالرحيم الطحان قد درس منهجه في رسالته للدكتوراه بالأزهر بعنوان : منهج الرازي في تفسيره . أو قريباً من هذا العنوان .