فواز منصر الشاوش
New member
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين، محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعـد:فإن أشرفَ ما وُجِّهت إليه الهمم، وأثمنَ ما بُذلت فيه الجهود، وخيرَ ما قُضيت فيه الأزمانُ والأوقاتُ هو العلم الشرعي؛ لأنه الكفيل بسعادة الدارين.
والعلم الشرعي هو العلم بكتاب الله تعالى وسنة رسوله r، ثم إن فهم كتاب الله عزَّ وجل متوقفٌ على فهم علومه، وشرفَ العلم تابع لشرف معلومه؛ والقرآن الكريم مصدر العلوم، وهو الكتاب المبارك فمن تعلَّمه وعمل به غمرته الخيرات في الدنيا والآخرة "فكلُّ ما أَنزل في كتابه -جلَّ ثناؤه - رحمة وحجة، عَلِمَه من عَلِمَه، وجَهِله من جَهِله، لا يعلم من جهله، ولا يجهل من علمه، والناس في العلم طبقات، موقعُهم من العلم بقدْر درجاتهم في العلم به، فَحُقَّ على طلبة العلم بلوغُ غاية جهدهم في الاستكثار من علمه، والصبرُ على كل عارض دون طلبه، وإخلاصُ النية لله في استدراك علمه نصاً واستنباطاً، والرغبةُ إلى الله في العون عليه، فإنه لا يُدرك خيرٌ إلا بعونه، فإن من أدرك علم أحكام الله في كتابه نصاً واستدلالاً، ووفقه الله للقول والعمل بما علم منه، فاز بالفضيلة في دينه ودنياه، وانتفت عنه الرِّيب ونَوَّرتْ في قلبه الحكمة، واستوجب في الدين موضع الإمامة".
ولا يخفى على ذي لُبِّ مكانةُ السنة من الكتاب حتى إن بعضهم قال: إن السنة قاضية على الكتاب، بمعنى أنها تفسِّره وتبيِّنه، ولما كانت السنة النبوية بهذه المنزلة عني علماء الحديث بها رواية ودراية، ووضعوا القواعد والضوابط التي يُعرف من خلالها صحتُها من ضعفها، وتفننوا في عرض المسائل والأنواع، وألفوا في ذلك المؤلفات، مما جعل بعض علماء علوم القرآن يحذون حذوهم، ويسيرون على نهجهم، فألفوا في أنواع علوم القرآن المؤلفات، وأبدعوا في ذكر المسائل والأنواع والتقسيمات.
يقول ابن الجوزي (597هـ) في سبب تأليفه لفنون الأفنان:
"لما ألَّفتُ كتاب (التلقيح في غرائب علوم الحديث) رأيتُ أن تأليف كتاب في عجائب علوم القرآن أولى، فشرعتُ في سؤال التوفيق قبل شروعي، وابتهجتُ بما أُلهمته وأُلقي في رُوعي، وها أنا أُراعي عرفان المنن، ومن راعى رُوعي".
ويقول الزركشي (794هـ) في سبب تأليفه للبرهان:
"ولما كانت علوم القرآن لا تنحصر، ومعانيه لا تُستقصى، وجبت العناية بالقدر الممكن، ومما فات المتقدمين وضعُ كتاب يشتمل على أنواع علومه، كما وضع الناس ذلك بالنسبة إلى علم الحديث، فاستخرت الله تعالى وله الحمد في وضع كتاب في ذلك جامع لما تكلم الناس في فنونه".
ويقول البلقيني (824هـ) في سبب تأليفه لمواقع العلوم:
"وقد صَنَّف في علوم الحديث جماعةٌ في القديم والحديث، وتلك الأنواع هي في سنده دون متنه، أو في مُسْندِيه وأهل فنه، وأنواعُ القرآن شاملةٌ، وعلومه كاملة، فأردتُ أن أذكر في هذا المصنف ما وصل إلى علمي مما حواه القرآن الشريف من أنواع علمه المنيف".
ويقول السيوطي (911هـ) في مقدمة الإتقان:
"ولقد كنتُ في زمان الطلب أتعجب من المتقدمين، إذ لم يُدِّونوا كتابًا في أنواع علوم القرآن، كما وضعوا ذلك بالنسبة إلى علم الحديث".
ويقول أيضاً في مقدمة التحبير:
"وإن مما أهمل المتقدمون تدوينه حتى تحلَّى في آخر الزمان بأحسن زينة، علمَ التفسير الذي هو كمصطلح الحديث، فلم يُدوِّنه أحد لا في القديم ولا في الحديث...فجرَّدتُ الهمة إلى وضع كتاب في هذا العلم، أجمع فيه إن
شاء الله تعالى شوارده، وأضمُّ إليه فوائده، وأنظم في سلكه فرائده؛ لأكون في
إيجاد هذا العلم ثاني اثنين، وواحداً في جمع الشتيت منه كإلْفٍ أو إلْفين،
ومصيِّراً فنَّي التفسير والحديث في استكمال التقاسيم إلْفَين"
فيُلاحظ في كلام هؤلاء العلماء أن من أهم أسباب تأليفهم في علوم القرآن نظرتهم إلى علوم الحديث ومصنفاته، إضافةً إلى أن لكلِّ واحدٍ منهم باعاً في علم الحديث، والتأليفِ فيه، الأمر الذي أدَّى إلى تأثرهم بالمحدثين في بعض المسائل والأنواع، وحصولِ اشتراكٍ بين العلْمين.
وهذه المسائل والأنواع المشتركة بين العلْمين، منها ما هي أصالة في أصول الفقه ثم أُلحقت بعلوم القرآن وعلوم الحديث، ومنها ماهي أصالة في علوم القرآن ثم أُلحقت بعلوم الحديث، ومنها ما هي أصالة في علوم الحديث ثم أُلحقت بعلوم القرآن، ومنها ما هي أصالة فيهما، فمعرفة ذلك وتجليته ضرورية للمختصين في علوم القرآن، إضافةً إلى أن علماء الحديث قد يزيدون مسائل في بعض الأنواع لم يذكرها علماء علوم القرآن، ويمكن الاستفادة من بعضها في مجال علوم القرآن، لذا قمتُ بجمع هذه المسائل والأنواع المشتركة بين العلْمين، فتمَّ لي بفضل الله تعالى في دراستها الوصفية ثلاثون نوعاً ومسألة، وفي دراستها التحليلية إحدى عشر ومائة مسألة، ورأيت أن يكون ذلك موضوعًا لرسالتي الدكتوراه.
ومما زادني رغبة في هذا الموضوع هو أن تخصصي في مرحلة البكالوريوس كان في علم الحديث، وفي مرحلة الماجستير في علم التفسير وعلوم القرآن، فكان هذا الموضوع قد جمع بين التخصصَين في وقت واحد.
وقد عنونت لهذه الرسالة بالعنوان الآتي:
(المسائل المشتركة بين علوم القرآن وعلوم الحديث)
"دراسة وصفية تحليلية".
وأسأل ربي العون والتوفيق.
"دراسة وصفية تحليلية".
وأسأل ربي العون والتوفيق.