Follow along with the video below to see how to install our site as a web app on your home screen.
ملاحظة: This feature may not be available in some browsers.
هذه -أخي العزيز - مسألة تنازع قواعد الترجيح ، وقد سبق الحوار حولها في الملتقى . .
جزاكم الله خيراً ايها الكرام , ولي مع هذا البيان وقفات :
الأولى : أن الاختيار ترجيح , فإن كلاهما يوجد عند تعدد الأقوال ووجود الخلاف , إلا أن أحدهما صريحٌ والآخر دونه .
الثانية : أن كثيراً مِمَّا ذكره المؤلف على أنه قاعدة في الترجيح هو في حقيقته من أساليب بعض المفسرين في الترجيح ومن قرائنه , وغاية ما في الأمر أن المؤلف صاغه على هيئة قاعدة , وهذا يسير , ولا يُحِيله ذلك إلى أن يكون < قاعدة > في الترجيح عند < المفسرين > .
وأعتقد أن الرسالة لو صيغت على جهة :
( مناهج المفسرين في الترجيح ) لكانت أدق وأصح في مطابقة الموضوع لمادة البحث , ولزالت معه عامة الإشكالات المتواردة على البحث في صورة قواعد .
الثالثة : عرف المؤلف قواعد الترجيح بقوله :
( ضوابط أغلبية يتوصل بها إلى معرفة الراجح من الأقوال المختلفة في تفسير القرآن الكريم ) .
لكن واقع البحث في كثير منه لا يطابق ذلك !
وذلك أن المفسر لا يتوصل إلى ( الراجح ) من الأقوال من خلال تلك القواعد , وإنما من خلال اجتهاده في أيّ تلك القواعد يقدم ويختار , فالأقوال موجودة قبل الترجيح , وهي مبنية على أصول وأدلة في التفسير (سُمِّيَت في الكتاب قواعد) , وهناك يجتهد المفسر في الترجيح بين تلك < القواعد > .
فابن جرير مثلاً رجَّح قول ابن عباس لأنه موافقٌ للسياق (قاعدة السياق..) , واختاره على قول أبي هريرة المبني على الاستشهاد بالسنة (قاعدة التفسير بالسنة..) , وذلك في آيةٍ ما .
وفي آية أخرى اختار القول المبني على الاستشهاد بالسنة , وقدمه على القول الآخذ بالسياق . هذا مثال .
فالقاعدة ليست ما رجَّح هنا أو هناك , وإنما الذي رجَّح : اجتهاد المفسر في تقديم إحدى القاعدتين , وهذا كثيرً جداً , بل هو ما تراه في الاختلاف المُحَقَّق في التفسير , فكلا القولين معتمد على أصول معتبرة في التفسير , ومعرفة تلك < القواعد > لا يكفي في اختيارك وترجيحك , وإنما الذي تحتاجه أن تعرف كيف ترجِّح بينها , وقبل ذلك كيف رَجَّح بينها ابن جرير كما في المثال .
ولا يكفي أن يذكر المؤلف هذا الواقع الضخم من تعارض القواعد المتحقق في التفسير = يذكره في مسألة في أوائل الكتاب بعنوان : (تنازعُ القواعدِ المثالَ الواحدَ) ؛ فإنه من الكثرة والوفرة بحيث لا يكفي في بيانه أقلّ من كتاب .
الرابعة : هذا الحال من التعارض الحقيقي الكثير بين تلك < القواعد > يثير سؤالاً حول جدوى كونها قاعدة , والمعهود في القواعد أنها كالأدلة تتظافر ولا تتعارض تعارضاً حقيقياً .
وأخيراً :
إننا حين نزيل صفة < القاعدة > عن صنيع المفسرين في الترجيح سنتوصل إلى أصولٍ تجمعهم في طرائق الترجيح ؛ هي في الحقيقة ما تستحق الاجتهاد في تلمسها وإبرازها , ولا يغضُّ هذا من جهد أحد , فكُلٌّ مأجور بإذن الله .
( وما أجمل صنيع الفقيه ابن جُزَيّ رحمه الله , حين ذكر جملة من تلك < القواعد > في مقدمة تفسيره وسمَّاها : (وجوه الترجيح) , وهو -في علمي- أقدم من وصفها وجمع جُملةً وافرةً منها , وعِبارته هذه تسميةٌ دقيقة بالنظر إلى الغرض منها في استعمال المفسر , ولأن بعضها لا يرتقي إلى أن يكون قاعدة بمعناها الاصطلاحي , أو ليس لفظه بمسبوك في صورة قاعدة مع صحته ووضوحه ) هذا ما قلته في كتاب : استدراكات السلف في التفسير . في مبحث : أثر الاستدراكات على قواعد الترجيح في التفسير , ص:433 .
وبالله تعالى التوفيق .