زعم الصوفية من أجل تكبيل المسلمين بهم وإرغامهم على السير خلف ركاب الشيوخ أن نيل الولاية في دين الله سبحانه لا يكون إلا عن طريق شيخ مرشد،
وأنه لا سبيل للإنسان لسلوك الطريق إلى الله إلا عبر الشيخ الذي يعتبر مفتاح باب الولوج على الله وبغيره لا يمكن الولوج,
وفي هذا ابتداع في دين الله سبحانه فما أمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين من بعده أن يكون لكل منهم شيخ ليدله على الله؛ ليلزمه المسلم ويكون له خادما مطيعا ملتزما بأوامره ونواهيه كما زعم هؤلاء الصوفية.
فغالى الصوفية جدا في هذا المفهوم حيث قالوا:
"من لا شيخ له فشيخه الشيطان"[1],
وربما لا يلتزم المسلم بشيخ
فيحفظ القرآن على يد قراء
أو يتعلم العلم على يد فقهاء
ويتعبد لله سبحانه,
فقرر الصوفية أنه متجرئ على طريق الولاية
وأنه لن يفلح ولن يصل إلى الله
فقالوا: "لو كان الرجل يوحي إليه
ولم يكن له شيخ لا يجيء بشيء[2],
وكأن الصوفية قد احتكروا القرب من الله
فلن يكون باب إليه سبحانه الا عن طريقهم".
وهذا الدجل غريب
وبعيد بل ومخالف لدين الله سبحانه,
وما هو إلا باب لاستعباد للعباد واسترقاق لهم بسلبهم لإرادتهم ولممتلكاتهم
واتخاذهم عبيدا وخدما بمحض إرادتهم,
ولذلك منعا للتضارب بين الشيوخ على الأتباع ابتدعوا في دين الله أيضا أفكارا
مثل ما صاغه الشعراني
من تحريم لتنقل المريد بين الشيوخ,
فقال:
"كما أن الله لا يغفر أن يشرك به
فكذلك الأشياخ لا يسامحون المريد
في شركته معهم غيرهم,
وكما أنه لم يكن للعالم إلهان,
فكذلك لا يكون للمريد شيخان[3],
فأين دليل مثل هذه الافتراءات العظيمة
في دين الله سبحانه ؟
ويبرر كثير من الكتاب الصوفيين في كتبهم
هذا السلوك من المريد مع الشيخ بأن
" الشيخ في أهله كالنبي في أمته "[7],
وجهلوا أو تجاهلوا أن الصحابة
كثيرا ما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم
عن أفعاله وأقواله ومواقفه
مثل موقف الحباب بن المنذر
في موقع المسلمين في غزوة بدر,
وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأيهم
في كثير من الأمور
بالإضافة إلى أسئلتهم له
عن ما يقوله في الصلاة في سكوته بين التكبير والقراءة
وغير ذلك,
فهل ما يدعونه هذا له دليل من كتاب أو سنة ؟
وعلى المريد الطاعة المطلقة
في كل قول أو توجيه من الشيخ
وذلك في شئون دينه أو دنياه
وخاصة في بداية سلوكه
بما يضمن لهم استدامة خنوعه حتى لحظة موته,
فيقول القشيري:
"وأن لا يخالف شيخه في كل ما يشير عليه
لأن الخلاف للمريد في ابتداء حاله
دليل على جميع عمره" [8]
وعليه فلا يجوز الإنكار على شيوخ التصوف من مريدهم أبدا، حتى لو كان مع المُنكِر دليل شرعي صحيح من كتاب أو سنة صحيحة,
فيقول أحمد بن مبارك السلجماسي فيما يرويه عن شيخه عبد العزيز الدباغ:
"واعلم وفقك الله أن الولي المفتوح عليه يعرف الحق والصواب ولا يتقيد بمذهب من المذاهب, ولو تعطلت المذاهب بأسرها لقدر على إحياء الشريعة, وكيف لا وهو الذي لا يغيب عنه النبي صلى الله عليه وسلم طرفة عين!!,
ولا يخرج عن مشاهدة الحق جل جلاله في أحكامه التكليفية وغيرها,
وإذا كان كذلك فهو حجة على غيره وليس غيره حجة عليه لأنه أقرب إلى الحق من غير المفتوح عليه وحينئذ فكيف يسوغ الإنكار على من هذه صفته ؟" [11]
========== [11]
الإبريز من كلام سيدي عبد العزيز ص192. أحمد بن مبارك السلجماسي المغربي
ويؤكد السلجماسي ذلك في شرح القصيدة الرائية
في آداب المريد فيقول:
"فذو العقل لا يرضى سواه وإن نأى ** عن الحق نأي الليل عن واضح الفجر
فمن له عقل سليم وطبع مستقيم – في الصوفية قطعا-
لا يرضي سوى شيخه ويدور معه حيثما دار
ولو بَعُد الشيخ في ظاهر الأمر عن الحق
بعداً بيناً كبعد الليل من الفجر
ويقول إن للشيخ في ذلك وجهاً مستقيماً عسى أن يطلعني عليه"[12]
وعليه أيضا أن يلغي المريد حواسه وينكر ما بلغه منها فما يراه من زنا شيخه بامرأة أجنبية فانه ليس بزنا، وما يراه من الخمر يشربه شيخه فانه ليس بخمر،
أو ربما يختبرهم الشيخ بأنه أرسل صورته تفعل المنكرات اختبارا لمريديه !!!
فهل بعد هذا السفه من سفه ؟ وهل بعد هذا التلاعب بالدين من تلاعب ؟
فيذكر السلجماسي أن شيخه عبد العزيز حكى له عن مريد كان يرى شيخه على الزنا، ويصلي وهو جنب من زنا والماء بجواره، ثم يشرب الخمر ولم يحرك ذلك شيئاً في هذا المريد الصادق, فقال: "وسمعته
رضي الله عنه
يقول: كان لبعض العارفين بالله عز وجل مريد صادق وكان هو وارث سره فأشهده الله تعالى من شيخه أموراً كثيرة منكرة ومع ذلك لم يتحرك له وساوس!! " [13]
ولهذا كان من السهل التلاعب بهذه العقول
بعد أن سحقوا فيها الشخصية المسلمة الحقيقية,
فلا عجب أن يستخفوا بهم
فيقولون كما في الإبريز
"قال محيي الدين العربي ومن شروط المريد
أن يعتقد في شيخه أنه على شريعة من ربه ونبيه
ولا يزن أحواله بمسيرته
فقد تصدر من الشيخ صورة مذمومة في الظاهر
وهي محمودة في الباطن، والحقيقة
يجب التسليم
وكم من رجل تناول كأس خمر بيده
ورفعه إلى فيه وقلبه الله في فِيه عسلاً،
والناظر يراه شرب خمراً
وهو ما شرب إلا عسلاً
ومثل هذا كثير،
وقد رأينا من يجسد روحانيته على صورة
ويقيمها في فعل من الأفعال
ويراها الحاضرون على ذلك الفعل فيه،
ولو رأيناه فلا يفعل كذا
وهو عن ذلك الفعل بمعزل
وهذه كانت أحوال أبي عبد الله المصلي
المعروف بقضيب البان
وقد رأينا هذا مراراً في أشخاص" [14] .
وكعادة الصوفية يسوقون أي فكرة من أفكارهم الغريبة بقصص الكثير منها مكذوب ومحبوك ومصطنع,
فيقول الشعراني:
كان أبو سهل الصعلوكي رحمه الله يقول: كان لبعض الأشياخ مجلس يفسر فيه القرآن العظيم فأبدله بمجلس قوال, فقال مريد بقلبه: كيف يبدل مجلس القرآن بمجلس قوال [15]؟ فناداه الشيخ: يا فلان, من قال لشيخه: لمَ, لم يفلح, فقال المريد: التوبة.
========== [15] أي مجلس الشعر والإنشاد والغناء والرقص الصوفي المسماة بمجالس السماع
وزار أبو تراب النخشبي وشقيق البلخي أبا يزيد البسطامي, فلما قدّم خادمه السفرة قالا له:
كل معنا يا فتى,
فقال: لا, إني صائم,
فقال له أبو تراب:
كُل, ولك أجر صوم شهر,
فقال: لا,
فقال له شقيق:
كُل, ولك أجر صوم سنة,
فقال: لا,
فقال أبو يزيد:
دعوا من سقط من عين رعاية الله عز وجل,
فسرق ذلك الشاب بعد سنة,
فقطعت يده عقوبة له على سوء أدبه مع الأشياخ.
ثم نقل عن الشيخ برهان الدين أنه قال:
من لم ير خطأ الشيخ أحسن من صوابه
لم ينتفع به
[16] .
وهنا شيخ صوفي يعلم ويطلع على ما في الصدور – حاشا لله سبحانه -
فيطلب منه المريد التوبة,
وشيخ آخر يوزِّع ثواب الأعمال,
فمرة يقول لك أفطر ولك أجر صيام شهر
ومرة يقول له أفطر ولك أجر سنة
وكأنهم آلهة
يوزعون الحسنات والسيئات
احذر أن تحضر مع الفقراء - يعني الصوفية - قراءة حزب أو علم !! فأجابه إلى ذلك فمكث سنين !!
حتى دنت وفاة الشيخ فتطاول أكابر أصحابه للإذن لهم في الخلافة بعده,
فقال: ائتوني بإبراهيم، فأتوه به ففرش له سجادة وقال له: تكلم على إخوانك في الطريق، فأبدى لهم العجائب والغرائب نظماً ونثراً حتى انبهرت عقول الحاضرين،
فكان سيدي إبراهيم الخليفة بعد الشيخ ولم يظهر من أولئك شيء من أحوال الطريق، فعلم أن معرفة الأمور التي يقع بها الفتح راجعة إلى الشيخ لا إلى المريد !!![18]
ولم تكن هذه الأفكار أفكارا قديمة بالية
وجدت في الكتب القديمة والعصور الماضية فحسب,
بل لا زالت تلك التربية بكل سلبياتها وخطورتها
قائمة لليوم في المجتمعات الصوفية
فلم يتراجع عنها المنتسبون للصوفية
حتى وإن بلغوا أعلى الدرجات العلمية
أو كانوا على رأس الجامعات الإسلامية,
فهذا شيخ الأزهر الأسبق الشيخ عبد الحليم محموديقول في كتابه "سيدي أحمد الدردير"
ناقلا على لسانه:
"فالآداب التي تطلب من المريد في حق شيخه
أوجبها تعظيمه وتوقيره ظاهرا وباطنا, وعدم الاعتراض عليه في أيّ شيء فعله,
ولو كان ظاهره أنه الحرام,
ويؤول ما أنبهم عليه,
وتقديمه على غيره, وعدم الالتجاء لغيره من الصالحين,
فلا يزور وليا من أهل العصر,
ولا صالحا إلا بإذنه,
ولا يحضر مجلس غيره إلا بإذنه,
ولا يسمع من سواه
حتى يتمّ سقيه من ماء سرّ شيخه
[19].
==========
[19] كتاب "سيدي أحمد الدردير"
للدكتور عبد الحليم محمود ص 119 . 120 , 121 .
"ومن آداب المريد للشيخ:
أن لا يكثر الكلام بحضرته ولو باسطه, ولا يجلس على سجادته, ولا يُسبح بسبحته, ولا يجلس في المكان المعدّ له, ولا يلح عليه في أمر, ولا يسافر, ولا يتزوج, ولا يفعل فعلا من الأمور المهمة إلا بإذنه,
ولا يمسك يده للسلام مثلا ويده مشغولة بشيء
كقلم أو أكل أو شرب,
بل سلم بلسانه,
وينتظر بعد ذلك ما يأمر به,
وأن لا يمشي أمامه ولا يساويه في مشي
إلا بليل مظلم ليكون مشيه أمامه صونا له
من مصادفة ضرر
وأن يرى كل بركة حصلت له من بركات الدنيا والآخرة فببركته
وأن يصبر على جفوته وإعراضه عنه,
ولا يقول:
لمَ فعل بفلان كذا ولم يفعل بي كذا,
وإلا لم يكن مسلما له قياده:
إذ من أعظم الشروط تسليم قياده له ظاهرا وباطنا
وأن يجعل كلامه على ظاهره
فيمتثله
إلا لقرينة صارفة عن إرادة الظاهر,
فإذا قال له: اقرأ كذا,
أو صلّ كذا,
أو صم كذا وجب عليه المبادرة,
وكذا إذا قال له وهو صائم: أفطر وجب عليه الفطر,
أو قال: لا تصلّ كذا
إلى غير ذلك
وأن لا يدخل عليه في خلوة إلا بإذنه,
وأن لا يرفع الستارة التي فيها الشيخ إلا بإذنه
وإلا هلك كما وقع لكثير" [20].
==========
[20] كتاب سيدي أحمد الدردير
للدكتور عبد الحليم محمود ص 119
ط دار الكتب الحديثة القاهرة
وحينها تذوب شخصية المسلم وتتهاوى وتصبح شخصية غير قادرة على فعل شيء إلا بتوجيه الشيخ وغير قادرة على اتخاذ قرار في حياتها ولا تستطيعالإعانة على معروف ولا الأمر به ولا تستطيع النهي عن أي منكر.
فهل هذه هي الأمة المجاهدة التي قال الله عز وجل في مدحها:
التربية الذليلة في الصوفية وأثرها في إضعاف الأجيال المسلمة
مررت بهذا الموضوع لأخي القرني وأنا أنتظر دوري في دائرة رسمية فرأيت أن أكتب له هذا التعليق عسى أن يكون فيه خير، مع ذلك أخي محمد فالتصوف في جوهره بحث عن المُثُل العليا وثم متصوفة متبعون للشرع أكثر من المبتدعة والتصوف أنتج أدبا تقووياً صادقا وبعض المتصوفة كالسنوسيين جاهدوا الغزاة والمستعمرين، فالقول الأنفع هو نكير البدع والغلوّ دون تعميمات يساء فهمها فتجلب العداوة والشحناء بين المسلمين.
أحثك وانت صاحب المواضيع المفيدة أن تكون منصفا مع منتقَديك- بفتح القاف- فلا تدنهم بما نسب إليهم ولكن بما ثبت لديك أنه من مؤلفاتهم ، هذه واحدة، أما الأخرى فبعد ثبوت صدور النص المنقود عن صاحبه - بحسب الوسع- ينبغي استغراغ الجهد في البحث عن وجه أو تأويل يحمى به عرض صاحبه، فإن لم يمكن بعد كل ذلك فلا باس من النقد وبيان انتهاك الشريعة ولكن دون تعميمات. فلا يجوز نقد التصوف جملة وتفصيلا ولا الصوفية عن بكرة أبيهم بل سلّ الشعرة من العجين،
وأعلم أن غيرتك على الدين عقيدة وشريعة هي الحاملة لك على هذه الموضوعات ولكن لا ننس أننا ننتقد أمواتا أفضوا إلى ما قدموا وأن المسلمين في مجملهم لم تعد تنطلي عليهم الشطحات