التدبر والنظر في الآيات والسور...دعوة للمشاركة

إنضم
01/04/2006
المشاركات
41
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
هذا ليس عنوانا لكتاب مطبوع لكنه عنوان لعلم سينفع الله به إذا أذن أهل هذا الملتقى المبارك وشاركوا في رقم مايفتح الله تعالى به عليهم من فتوحات بعد تدبرهم لكتاب الله عزوجل . والكل منا يظهر له فهما لآية أو معنى لسياق أو يقف من خلال قراءته لكتب التفسير على قول بديع واستنباط عجيب لبعض المفسرين لكننا نكتفي بحفظه في الذاكرة فإن جاء من يذاكرنا به وإلا تاه في ظلمات محيط مايسمى باللاشعور ...وقد أحببت أن أجعل هذا العنوان مأرزا تحفظ فيه تلك الفوائد وتقيد فيه تيك الشوارد ... وأعيذ مشايخي وأحبتي الكرام أن يتسلل إليهم داء البخل وقد صح عند البخاري في الأدب المفرد قوله صلى الله عليه وسلم ( وأي داء أدوى من البخل ) وسوف أحرص على تقييد ماوقفت عليه وما سأقف عليه ولكن لاغنى عما يختاره الإخوة من محفوظاتهم أو ماسطروه في كناشة نوادرهم ... فلنجتهد إخوتي الكرام ولنحتسب الأجر بارك الله في الجميع
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
جزاك الله خير الجزاء ... على هذا الموضوع الرائع ... والفكرة السامية ...

ولعلي أكون أول من يساهم في هذا الموضوع ...

فلقد وقفت على تفسير الشهيد / سيد قطب -رحمه الله- ، في قوله تعالى : { وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن . إن الشيطان ينزغ بينهم ، إن الشيطان كان للإنسان عدواً مبينا } ...

ولقد وقف وقفات راائعة ، حول هذه الأية ... ولعلي أنقل لكم ماذا قال رحمه الله في تفسير هذه الأية ، ولي بعدها وقفة يسيرة .

قال رحمه الله :

{ وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن . إن الشيطان ينزغ بينهم ، إن الشيطان كان للإنسان عدواً مبينا } .
{ وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن } على وجه الإطلاق وفي كل مجال . فيختاروا أحسن ما يقال ليقولوه : بذلك يتقون أن يفسد الشيطان ما بينهم من مودة . فالشيطان ينزغ بين الإخوة بالكلمة الخشنة تفلت ، وبالرد السيئ يتلوها فإذا جو الود والمحبة والوفاق مشوب بالخلاف ثم بالجفوة ثم بالعداء . والكلمة الطيبة تأسو جراح القلوب ، تندّي جفافها ، وتجمعها على الود الكريم .
{ إن الشيطان كان للإنسان عدواً مبينا } . .
يتلمس سقطات فمه وعثرات لسانه ، فيغري بها العداوة والبغضاء بين المرء وأخيه . والكلمة الطيبة تسد عليه الثغرات ، وتقطع عليه الطريق ، وتحفظ حرم الأخوة آمناً من نزغاته ونفثاته . ا.هـ رحمه الله

وعندما تتمعن هذه الوقفة التربوية من هذا المفسر الرائد ... تجد أنك تقف على كنز عظيم..

فالناظر إلى المراحل التى ذكرها حول الفرقة بين الإخوة ... تجد بدايتها كلمة خشنة تفلت ثم يعقبها رد سيء ، ثم بعد ذلك ذكر -رحمه الله- ثلاث مراحل تؤدي بما بين الأخوة إلى العداء -ولا حول ولا قوة إلا بالله-. فقال (... فإذا جو المحبة والوفاق مشوب بـ 1 - الخلاف ، ثم بـ2 الجفوة ، ثم بـ3 العداء).

فهذه ثلاث مراحل يتدرج الشيطان فيها لإفساد ذات البين ، ليصل بعد ذلك إلى مراده ، وهو العداء بين المؤمنين.

ثم يذكر رحمه الله ، ماللكلمة الطيبة من أثر طيب على علاقة الإخوة ، حيث قال -رحمه الله - : ( والكلمة الطيبة 1- تأسو جراح القلوب ، 2-تندّي جفافها ، 3- وتجمعها على الود الكريم) فهذه ثلاث فوائد للكلمة الطيبة ، فما أقل كلفتها على اللسان ، وما أعظم وقعها في قلب أخيك ، فقد قال صلى الله عليه وسلم ( لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق ) رواه مسلم .

ثم ذكر رحمه الله مراحل للكلمة الطيبة فقال رحمه الله : ( ... والكلمة الطيبة 1-تسد عليه (أي الشيطان) الثغرات ، 2- وتقطع عليه الطريق ، 3- وتحفظ حرم الأخوة آمناً من نزغاته ونفثاته ).

فهذه ثلاث فوائد للكلمة الطيبة ، وثلاث مراحل لها أيضاً.

فكما أن للشيطان مراحل يتدرج بها إلى الإفساد ، فكذلك للكلمة الطيبة مراحل تتدرج بها إلى الإصلاح.

وكأن مجموع فضائل الكلمة الطيبة فيما سبق 6 ، بفوائدها ومراحلها ، وللشيطان 3 مراحل فقط ، فأقول : الخير هنا أقوى عدد وعدة من الشر ، فالخير أقوى من الشر ... وإن طال ليل الشر..

نسأل الله أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل .

قلت ما قلت فإن صواب فمن الله وحده ، وإن كان من خطأ فمن نفسي والشيطان ، والله ورسوله منه بريئان.
 
شكر الله لك مبادرتك


في بدائع الفوائد للعلامة ابن القيم 3/1119:



[align=center]فائدة[/align]

تأمل سر ( الم ) كيف اشتملت على هذه الحروف الثلاثة فالألف إذا بدىء بها أولا كانت همزة ، وهي أول المخارج من أقصى الصدر ، واللام من وسط مخارج الرحوف ، وهي أشد الحروف اعتمادا على اللسان ، والميم آخر الحروف ومخرجها من الفم ، وهذه الثلاثة هي أصول مخارج الحروف أعني: الحلق واللسان والشفتين ، وترتبت في التنزيل من البداية إلى الوسط إلى النهاية .
فهذه الحروف تعتمد المخارج الثلاثة التي تتفرع منها ستة عشر مخرجا ، فيصير منها تسعة وعشرون حرفا عليها مدار كلام الأمم الأولين والآخرين مع تضمنها سرا عجيبا
وهو :
أن الألف البداية ، واللام التوسط ، والميم النهاية ، فاشتملت الأحرف الثلاثة على البداية والنهاية والواسطة بينهما ، وكل سورة استفتحت بهذه الأحرف الثلاثة ، فهي مشتملة على بدء الخلق ونهايته وتوسطه ، فمشتملة على تخليق العالم وغايته ، وعلى التوسط بين البداية والنهاية من التشريع والأوامر ، فتأمل ذلك في البقرة وآل عمران وتنزيل السجدة وسورة الروم.

وتأمل اقتران الطاء بالسين والهاء في القرآن ، فإن الطاء جمعت من صفات الحروف خمس صفات لم يجمعها غيرها وهي : الجهر والشدة والاستعلاء والإطباق ، والسين مهموس رخو مستفل صفيري منفتح فلا يمكن أن يجمع إلى الطاء حرف يقابلها كالسين والهاء فذكر الحرفين اللذين جمعا صفات الحروف ، وتأمل السور التي اشتملت على الحروف المفردة كيف تجد السورة مبنية على كلمة ذلك الحرف ،
فمن ذلك ق والسورة مبنية على الكلمات القافية من ذكر القرآن ، وذكر الخلق ، وتكرير القول، ومراجعته مرارا ، والقرب من ابن آدم ، وتلقي الملكين ، وقول العبد ، وذكر الرقيب ، وذكر السائق ، والقرين ، والإلقاء في جهنم ، والتقدم بالوعيد ، وذكر المتقين ، وذكر القلب، والقرون ، والتنقيب في البلاد، وذكر القبل مرتين ، وتشقق الأرض ، وإلقاء الرواسي فيها ، وبسوق النخل ، والرزق ، وذكر القوم ، وحقوق الوعيد ، ولو لم يكن إلا تكرار القول والمحاورة ،
وسر آخر وهو : أن كل معاني هذه السورة مناسبة لما في حرف القاف من الشدة والجهر والعلو والانفتاح .

وإذا أردت زيادة إيضاح هذا فتأمل ما اشتملت عليه سورة ص من الخصومات المتعددة ، فأولها خصومة الكفار مع النبي صلى الله عليه وسلم وقولهم : أجعل الآلهة لها واحد إلى أخر كلامهم ، ثم اختصام الخصمين عند داود ، ثم تخاصم أهل النار ، ثم اختصم الملأ الأعلى في العلم ، وهو: الدرجات والكفارات ، ثم مخاصمة إبليس واعتراضه على ربه في أمره بالسجود لآدم ، ثم خصامه ثانيا في شأن بنيه وحلفه ليغوينهم أجمعين إلا أهل الإخلاص منهم ، فليتأمل اللبيب الفطن : هل يليق بهذه السورة غير ص ؟ وسورة ق غير حرفها ؟
وهذه قطرة من بحر من بعض أسرار هذه الحروف ، والله أعلم .



نقلتها من ملتقى أهل الحديث والفضل بعد الله لراقمها الشيخ عبد الرحمن السديس
 
في قوله ( فاخلع نعليك )
أضواء البيان - (ج 3 / ص 491)
وفيه أقوال أخر للعلماء غير ذلك . وأظهرها عندي والله تعالى أعلم : أن الله امره بخلع نعليه أي نزعهما من قدميه ليعلمه التواضع لربه حين ناده ، فإن نداء الله لعبده أمر عظيم ، يستوجب من العبد كمال التواضع والخضوع .
 
جاء في تفسير الطبري - (ج 21 / ص 195)
واختلف أهل التأويل في معنى مسح سليمان بسوق هذه الخيل الجياد وأعناقها، فقال بعضهم: معنى ذلك أنه عقرها وضرب أعناقها، من قولهم: مَسَحَ علاوته: إذا ضرب عنقه........ ثم قال رحمه الله وقال آخرون: بل جعل يمسح أعرافها وعراقيبها بيده حُبًّا لها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله( فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالأعْنَاقِ ) يقول: جعل يمسح أعراف الخيل وعراقيبها: حبا لها.
وهذا القول الذي ذكرناه عن ابن عباس أشبه بتأويل الآية، لأن نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم لم يكن إن شاء الله ليعذب حيوانًا بالعرقبة، ويهلك مالا من ماله بغير سبب، سوى أنه اشتغل عن صلاته بالنطر إليها، ولا ذنب لها باشتغاله بالنظر إليها

وفي تفسير الرازي - (ج 13 / ص 190)
{ فَطَفِقَ مَسْحاً بالسوق والأعناق } أي فجعل سليمان عليه السلام يمسح سوقها وأعناقها ، قال الأكثرون معناه أنه مسح السيف بسوقها وأعناقها أي قطعها ، قالوا إنه عليه السلام لما فاتته صلاة العصر بسبب اشتغاله بالنظر إلى تلك الخيل استردها وعقر سوقها وأعناقها تقرباً إلى الله تعالى ، وعندي أن هذا أيضاً بعيد ، ويدل عليه وجوه الأول : أنه لو كان معنى مسح السوق والأعناق قطعها لكان معنى قوله : { وامسحوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ } [ المائدة : 6 ] قطعها ، وهذا مما لا يقوله عاقل بل لو قيل مسح رأسه بالسيف فربما فهم منه ضرب العنق ، أما إذا لم يذكر لفظ السيف لم يفهم ألبتة من المسح العقر والذبح الثاني : القائلون لهذا القول جمعوا على سليمان عليه السلام أنواعاً من الأفعال المذمومة فأولها : ترك الصلاة وثانيها : أنه استولى عليه الاشتغال بحب الدنيا إلى حيث نسي الصلاة ، وقال صلى الله عليه وسلم : « حب الدنيا رأس كل خطيئة » وثالثها : أنه بعد الإتيان بهذا الذنب العظيم لم يشتغل بالتوبة والإنابة ألبتة ورابعها : أنه خاطب رب العالمين بقوله : { رُدُّوهَا عَلَىَّ } وهذه كلمة لا يذكرها الرجل الحصيف إلا مع الخادم الخسيس وخامسها : أنه أتبع هذه المعاصي بعقر الخيل في سوقها وأعناقها ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم
« نهى عن ذبح الحيوان إلا لمأكله » فهذه أنواع من الكبائر نسبوها إلى سليمان عليه السلام مع أن لفظ القرآن لم يدل على شيء منها : وسادسها : أن هذه القصص إنما ذكرها الله تعالى عقيب قوله : { وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الحساب } [ ص : 17 ] وأن الكفار لما بلغوا في السفاهة إلى هذا الحد قال الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم اصبر يا محمد على سفاهتهم واذكر عبدنا داود : وذكر قصة داود ، ثم ذكر عقبيها قصة سليمان ، وكان التقدير أنه تعالى قال لمحمد عليه السلام اصبر يا محمد على ما يقولون واذكر عبدنا سليمان ، وهذا الكلام إنما يكون لائقاً لو قلنا إن سليمان عليه السلام أتى في هذه القصة بالأعمال الفاضلة والأخلاق الحميدة ، وصبر على طاعة الله ، وأعرض عن الشهوات واللذات ، فأما لو كان المقصود من قصة سليمان عليه السلام في هذا الموضع أنه أقدم على الكبائر العظيمة والذنوب الجسيمة لم يكن ذكر هذه القصة لائقاً بهذا الموضع ، فثبت أن كتاب الله تعالى ينادي على هذه الأقوال الفاسدة بالرد والإفساد والإبطال بل التفسير المطابق للحق لألفاظ القرآن والصواب أن نقول إن رباط الخيل كان مندوباً إليه في دينهم كما أنه كذلك في دين محمد صلى الله عليه وسلم ثم إن سليمان عليه السلام احتاج إلى الغزو فجلس وأمر بإحضار الخيل وأمر بإجرائها وذكر أني لا أحبها لأجل الدنيا ونصيب النفس ، وإنما أحبها لأمر الله وطلب تقوية دينه وهو المراد من قوله عن ذكر ربي ، ثم إنه عليه السلام أمر بإعدائها وتسييرها حتى توارت بالحجاب أي غابت عن بصره ، ثم أمر الرائضين بأن يردوا تلك الخيل إليه فلما عادت إليه طفق يمسح سوقها وأعناقها ، والغرض من ذلك المسح أمور الأول : تشريفاً لها وإبانة لعزتها لكونها من أعظم الأعوان في دفع العدو الثاني : أنه أراد أن يظهر أنه في ضبط السياسة والملك يتضع إلى حيث يباشر أكثر الأمور بنفسه الثالث : أنه كان أعلم بأحوال الخيل وأمراضها وعيوبها ، فكان يمتحنها ويمسح سوقها وأعناقها حتى يعلم هل فيها ما يدل على المرض ، فهذا التفسير الذي ذكرناه ينطبق عليه لفظ القرآن انطباقاً مطابقاً موافقاً ، ولا يلزمنا نسبة شيء من تلك المنكرات والمحذورات ، وأقول أنا شديد التعجب من الناس كيف قبلوا هذه الوجوه السخيفة مع أن العقل والنقل يردها ، وليس لهم في إثباتها شبهة فضلاً عن حجة . أهـ.
 
قال الذي عنده علم من الكتاب.

--------------------------------------------------------------------------------

تفسير البغوي [ جزء 1 - صفحة 164 ]
قال محمد بن المنكدر : إنما هو سليمان قال له عالم من بني إسرائيل آتاه الله علما وفهما : { أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك } قال سليمان : هات قال : أنت النبي ابن النبي وليس أحد أوجه عند الله منك فإن دعوت الله وطلبت إليه كان عندك فقال : صدقت ففعل ذلك فجيء بالعرش في الوقت.

روح المعاني [ جزء 19 - صفحة 203 ]
وآثر هذا القول الامام وقال انه أقرب لوجوه الاول أن الموصول موضوع في اللغة لشخص معين بمضمون الصلة المعلومة عند المخاطب والشخص المعلوم بأن عنده علم الكتاب هو سليمان وقد تقدم في هذه السورة ما يستأنس به لذلك فوجب ارادته وصرف اللفظ اليه وآصف وان شاركه في مضمون الصلة لكن هو فيه أتم لأنه نبي وهوأعلم بالكتاب من امته الثاني ان احضار العرش في تلك الساعة اللطيفة درجة عالية فلو حصلت لاحد من امته دونه لاقتضي تفضيل ذلك عليه عليه السلام وانه غير جائز الثالث أنه لو افتقر في احضاره الى أحد من امته لاقتضي قصور حاله في اعين الناس
الرابع أن ظاهر قوله عليه السلام فيما بعد هذا من فضل ربي الخ يقتضي أن ذلك الخارق قد أظهره الله تعالى بدعائه عليه السلام.


زاد المسير [ جزء 6 - صفحة 175 ]
والثاني أنه سليمان عليه السلام وإنما قال له رجل انا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فقال هات قال انت النبي ابن النبي فان دعوت الله جاءك فدعا الله فجاءه قاله محمد بن المكندر.
 
قال الذي عنده علم من الكتاب.

--------------------------------------------------------------------------------

تفسير البغوي [ جزء 1 - صفحة 164 ]
قال محمد بن المنكدر : إنما هو سليمان قال له عالم من بني إسرائيل آتاه الله علما وفهما : { أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك } قال سليمان : هات قال : أنت النبي ابن النبي وليس أحد أوجه عند الله منك فإن دعوت الله وطلبت إليه كان عندك فقال : صدقت ففعل ذلك فجيء بالعرش في الوقت.

روح المعاني [ جزء 19 - صفحة 203 ]
وآثر هذا القول الامام وقال انه أقرب لوجوه الاول أن الموصول موضوع في اللغة لشخص معين بمضمون الصلة المعلومة عند المخاطب والشخص المعلوم بأن عنده علم الكتاب هو سليمان وقد تقدم في هذه السورة ما يستأنس به لذلك فوجب ارادته وصرف اللفظ اليه وآصف وان شاركه في مضمون الصلة لكن هو فيه أتم لأنه نبي وهوأعلم بالكتاب من امته الثاني ان احضار العرش في تلك الساعة اللطيفة درجة عالية فلو حصلت لاحد من امته دونه لاقتضي تفضيل ذلك عليه عليه السلام وانه غير جائز الثالث أنه لو افتقر في احضاره الى أحد من امته لاقتضي قصور حاله في اعين الناس
الرابع أن ظاهر قوله عليه السلام فيما بعد هذا من فضل ربي الخ يقتضي أن ذلك الخارق قد أظهره الله تعالى بدعائه عليه السلام.


زاد المسير [ جزء 6 - صفحة 175 ]
والثاني أنه سليمان عليه السلام وإنما قال له رجل انا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فقال هات قال انت النبي ابن النبي فان دعوت الله جاءك فدعا الله فجاءه قاله محمد بن المكندر.
 
في بدائع الفوائد للعلامة ابن القيم 3/1119:

[align=center]فائدة[/align]

تأمل سر ( الم ) كيف اشتملت على هذه الحروف الثلاثة فالألف إذا بدىء بها أولا كانت همزة ، وهي أول المخارج من أقصى الصدر ، واللام من وسط مخارج الرحوف ، وهي أشد الحروف اعتمادا على اللسان ، والميم آخر الحروف ومخرجها من الفم ، وهذه الثلاثة هي أصول مخارج الحروف أعني: الحلق واللسان والشفتين ، وترتبت في التنزيل من البداية إلى الوسط إلى النهاية .
فهذه الحروف تعتمد المخارج الثلاثة التي تتفرع منها ستة عشر مخرجا ، فيصير منها تسعة وعشرون حرفا عليها مدار كلام الأمم الأولين والآخرين مع تضمنها سرا عجيبا


* تتألف البسملة من كلمة بسم ( 3 أحرف ] وثلاثة أسماء من اسماء الله الحسنى [ مجموع حروفها 16 ] ..
من زاوية أخرى تتألف من [ 3 أحرف منقوطة ] و [ 16 حرفا غير منقوط ] ..
وتاتي سور الفاتحة مؤلفة من 29 كلمة .. هذا العدد دون سواه ..
الملاحظة : مراعاة العددين 3 و 16 في صياغة البسملة ،والعدد 29 في سورة الفاتحة .. وهي الملاحظة ذاتها في الفاتحة [ الم ] ومخارج الحروف ..



لماذا نقبلها هنا ولا نقبلها هناك ، لماذا تكون هنا تكلفا وهناك غير ذلك ..؟؟
ألا يدل هذا التماثل على ان من صمم جهاز النطق في الانسان هو من صاغ البسملة ؟ وأن هناك ترابطا بين بدء المصحف بسورة الفاتحة ، وبالفاتحة الم وليس طسم ؟

* الأحرف الثلاثة " الم " هي الفاتحة الأولى في سورة البقرة .. أول فاتحة .
تتكرر الأحرف الثلاثة في جميع الفواتح 43 مرة . أ : 13 ل : 13 م : 17 ..
نلاحظ أن عدد الفواتح 14 وعدد سور الفواتح : 29 أي المجموع : 43 وهو نفس تكرار الفاتحة " الم " ..
لماذا يرى البعض هذا تكلفا ؟ وليس تدبرا ؟

* الم : هي الآية الأولى في ترتيب سورة البقرة وتأتي من ثلاثة أحرف ..
تليها الآية الثانية مؤلفة من 26 حرفا ليس 25 ولا 27 [ ذلك الكتب لا ريب فيه هدى للمتقين ] ..

نلاحظ أن :
- 3 + 26 = 29 وهذا هو عدد سور الفواتح .
- 3 × 26 = 78 وهذا هو مجموع الحروف المقطعة كلها .
- 26 - 3 = 23 مدة نزول القرآن ...

أين التكلف هنا ؟
 
التعديل الأخير:
ما أجمل كلام ابن القيم بعيدا عن المعادلات الرياضية ...

وما أجمل التدبر في الآيات وسياقها بعيدا عن النظريات الحسابية...
 
ما أجمل كلام ابن القيم بعيدا عن المعادلات الرياضية ...

وما أجمل التدبر في الآيات وسياقها بعيدا عن النظريات الحسابية...


فماذا تقول أخي الكريم في قوله سبحانه وتعالى :

وكفى بنا حاسبين . الأنبياء 21/47

وهو أسرع الحاسبين . الأنعام 6/62 .

وأحصى كل شيء عددا . الجن 72 / 28 .
 
أفهم من سؤال الأستاذ الفاضل عبد الله جغلوم أن هذه الآيات فيها دلالة أو إشارة على ما ذكر في المشاركة أعلاه من حسابات

وقد صدّر مشاركته بسؤال: ماذا تفهم من قوله تعالى: (وكفى بنا حاسبين) وقوله: ( وهو أسرع الحاسبين) وقوله: (وأحصى كل شيء عددا)

فأقول: أما الآية الأولى فيقول تعالى فيها: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) (الانبياء:47)

والآية الثانية: (ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ) (الأنعام:62) فسياق الآيتين إنما هو في يوم القيامة حين يحشر الله الأولين والآخرين فيحاسبهم على كل صغيرة وكبيرة حينها.. نسأل الله أن ييسر حسابنا ويلطف بنا.

يقول الطبري رحمه الله: ("وهو أسرعُ الحاسبين"، يقول: وهو أسرع من حسب عددكم وأعمالكم وآجالكم وغير ذلك من أموركم، أيها الناس، وأحصاها، وعرف مقاديرها ومبالغها، لأنه لا يحسب بعقد يد، ولكنه يعلم ذلك ولا يخفى عليه منه خافية، و لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)

ويقول القرطبي رحمه الله: (وهو أسرع الحاسبين) أي لا يحتاج إلى فكرة وروية ولا عقد يد).

فتأمل كيف فرّقا بين حساب الله وبين حساب المخلوقين بعقد اليد..فكيف بمن يحسب بالآلات الحاسبة ونحوها!! وبين من يحتاج إلى التفكير والتمهل والتروي..
فهل في هذه الآيتين يا عباد الله دليل على المعادلات الحسابية التي يقوم بها البشر؟.
إن من تنزيه الله وتعظيمه ألا يشبّه حسابه بحساب المخلوقين..جل الله وتعالى عن ذلك
ولا أظن أن الأستاذ الفاضل يقصد ذلك.

أما قوله : (لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) (الجـن:28) فهل إحصاء الله العلي الكبير الذي عنده مفاتح الغيب وما تسقط من ورقة إلا يعلمها كإحصاء البشر الذين يجرون المعادلات الحسابية!!
تعالى الله عن ذلك.

هذا الذي أفهمه من هذه الآيات العظيمة التي تورث من تأملها رقة في قلبه واستعدادا للقاء ربه جعلني الله وإياكم منهم.
فهذه الآيات... لا يصح ذكرها في هذا المقام فضلا عن الاستدلال بها.. والله أعلم

وحيث أن أصل الموضوع في التأمل فهذه الآيات هي دعوة إلى التأمل والنظر والتفكر...
 
أفهم من سؤال الأستاذ الفاضل عبد الله جغلوم أن هذه الآيات فيها دلالة أو إشارة على ما ذكر في المشاركة أعلاه من حسابات

وقد صدّر مشاركته بسؤال: ماذا تفهم من قوله تعالى: (وكفى بنا حاسبين) وقوله: ( وهو أسرع الحاسبين) وقوله: (وأحصى كل شيء عددا)

فأقول: أما الآية الأولى فيقول تعالى فيها: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) (الانبياء:47)

والآية الثانية: (ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ) (الأنعام:62) فسياق الآيتين إنما هو في يوم القيامة حين يحشر الله الأولين والآخرين فيحاسبهم على كل صغيرة وكبيرة حينها.. نسأل الله أن ييسر حسابنا ويلطف بنا.

يقول الطبري رحمه الله: ("وهو أسرعُ الحاسبين"، يقول: وهو أسرع من حسب عددكم وأعمالكم وآجالكم وغير ذلك من أموركم، أيها الناس، وأحصاها، وعرف مقاديرها ومبالغها، لأنه لا يحسب بعقد يد، ولكنه يعلم ذلك ولا يخفى عليه منه خافية، و لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)

ويقول القرطبي رحمه الله: (وهو أسرع الحاسبين) أي لا يحتاج إلى فكرة وروية ولا عقد يد).

فتأمل كيف فرّقا بين حساب الله وبين حساب المخلوقين بعقد اليد..فكيف بمن يحسب بالآلات الحاسبة ونحوها!! وبين من يحتاج إلى التفكير والتمهل والتروي..
فهل في هذه الآيتين يا عباد الله دليل على المعادلات الحسابية التي يقوم بها البشر؟.
إن من تنزيه الله وتعظيمه ألا يشبّه حسابه بحساب المخلوقين..جل الله وتعالى عن ذلك
ولا أظن أن الأستاذ الفاضل يقصد ذلك.

أما قوله : (لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) (الجـن:28) فهل إحصاء الله العلي الكبير الذي عنده مفاتح الغيب وما تسقط من ورقة إلا يعلمها كإحصاء البشر الذين يجرون المعادلات الحسابية!!
تعالى الله عن ذلك.

هذا الذي أفهمه من هذه الآيات العظيمة التي تورث من تأملها رقة في قلبه واستعدادا للقاء ربه جعلني الله وإياكم منهم.
فهذه الآيات... لا يصح ذكرها في هذا المقام فضلا عن الاستدلال بها.. والله أعلم

وحيث أن أصل الموضوع في التأمل فهذه الآيات هي دعوة إلى التأمل والنظر والتفكر...

أتفق مع الأخ الفاضل / أبو عبد الرحمن على هذا الرأي
ومهم فعلا أن نفرق بين حساب الله تعالى وبين حساب المخلوقين .
وأن الحساب في الآخرة يختلف عن الحساب في الدنيا .
وأنه لو كان هذا من التدبر فعلا لكان قد سبقنا إليه سلفنا الصالح , ونبهوا على أهميته .
ومهم أيضا أن نفهم سياق الآية كاملا حتى يتضح لنا المعنى .
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه , ورزقنا جميعا تدبر القرآن والعمل به .
 
"الذي عنده علم من الكتاب" هل هو سليمان عليه السلام؟

"الذي عنده علم من الكتاب" هل هو سليمان عليه السلام؟

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه

–الذي عنده علم من الكتاب–
وردت هذه العبارة في قوله تعالى:
-قَالَ يَاأَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ(38)قَالَ عِفْريتٌ مِنْ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ(39)قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ(40) (النمل 38- 40).
وهذه العبارة صفة لرجل من حاشية سليمان عليه السلام. وفي ذكره بالوصف لا بالاسم دلالة على تميزه بهذه الصفة التي هي تملكه لعلم خاص هو من الكتاب. وفي هذا الوصف تنويه بهذا العلم الخاص قبل التنويه بصاحبه، ولذلك لما رأى سليمان العرش مستقرا عنده توجه إلى الله تعالى مقرا بالفضل كله له تعالى، وفي هذا إشارة واضحة إلى المصدر الرباني لعلم ذلك الرجل، خاصة وأن السياق طوى الحديث عن الرجل طيا بعد تحقيق الغرض، ولم يذكر القرآن شيئا في مدح سليمان له أو شكره أو حتى مجرد الإعجاب به، لأنه نظر بعين النبوة وتمام اليقين إلى ذلك الإنجاز باعتباره فعل الخالق لا فعل المخلوق.
ومن هنا تثير هذه العبارة عدة معان وعددا من القضايا التي سنحاول الكشف عن بعضها.
فـ»الذي« اسم موصول. و»عنده« "لفظ موضوع للقرب" (1). ويعرف أيضا بأنه "اسم لمكان الحضور"(2). ولا يستعمل إلا مضافا، وهو هنا صلة لـ »الذي«، وتقديم »عنده« على »علم من الكتاب« تأكيد لقرب ذلك العلم وحضوره واستقراره في مدارك ذلك الشخص. و"تنكير »علم« للتفخيم والرمز إلى أنه علم غير معهود"(3). واقترن العلم بالكتاب هنا بحرف الجر »من« المفيدة للتبعيض، ولِأَنَّ الكتاب ذكر معرفا فقد أفادت التشريف والاختصاص.
وفيما بيان لأهم الألفاظ في هذه العبارة:
مفهوم الكتاب:
تعدد مفهوم الكتاب في القرآن الكريم بحسب السياق، غير أنه يطلق "عرفا على كتاب الله تعالى، المنزل على أنبيائه كالتوراة والإنجيل والقرآن وغيرها"(4).
وقد اختلف في المراد بالكتاب في آية النمل على قولين:
-الجنس المنتظم لجميع الكتب المنزلة. وبه قال الزمخشري في أحد قوليه(5)، وحكاه البيضاوي(6)، والواحدي(7)، وأبو السعود(8)، والآلوسي(9).
-التوراة. وهو قول ابن عطية(10). وقال البقاعي: "أي الكتاب الذي لا كتاب في الحقيقة غيره، وهو المنسوب إلينا، وكأنه الذي كان شهيرا في ذلك الزمان، ولعله التوراة والزبور"(11).
-اللوح. وهو القول الثاني للزمخشري، وحكاه من ذكر معه من المفسرين سابقا.
مفهوم »علم من الكتاب«:
اختلف المفسرون في معنى هذا العلم على قولين:
-الأول: أنه علم محفوظ، فروي أنه حَفِظَ اسم الله الأعظم(12). وقد رواه الطبري عن قتادة والزهري والضحاك وابن إسحاق(13)، وحكاه القرطبي عن السهيلي والقشيري(14)، ونسبه البغوي إلى الكلبي(15).
ثم اختلفوا في تعيين الاسم الأعظم. فروى الطبري عن الزهري قال: "دعاء الذي عنده اسم الله الأعظم: يا إلهنا وإله كل شيء، إلها واحدا لا إله إلا أنت، ايتني بعرشها"(16). وروى الطبري عن مجاهد قال: "يا ذا الجلال والإكرام"(17). وحكى القرطبي عنه قال: "دعا الله فقال: يا إلهنا وإله كل شيء، يا ذا الجلال والإكرام"(18). وقيل غير ذلك.
فالعلم على هذه الأقوال هو حفظ الاسم الأعظم، قال ابن عطية: "كانت العادة في ذلك الزمان ألا يدعو به أحد إلا أجيب"(19).
وقريب من هذا قول الراغب إنه "علم من العلوم التي آتاها الله سليمان في كتابه المخصوص به، وبه سخر له كل شيء". حكاه الراغب(20).
-القول الثاني: أنه علم مكتسب، واختلف القائلون به على قولين:
أ- فقال ابن عاشور: "علم مكتسب من الكتب أي من الحكمة، وليس المراد بالكتاب التوراة"(21).
ب- ورأى البقاعي فيه "إشارة إلى أن من خدم كتابا حق الخدمة كان الله تعالى، كما ورد في شرعنا، سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، أي أنه يفعل له ما يشاء"(22).
ولاحظ سيد قطب رحمه الله تعالى أن القرآن لم يذكر اسم الشخص(23) ولا اسم الكتاب الذي عنده علم منه، قال: "وإنما نفهم أنه رجل مؤمن على اتصال بالله، موهوب سرا من الله يستمد به من القوة الكبرى التي لا تقف لها الحواجز والأبعاد"(24).
والظاهر أنه كما قال البقاعي، وقريب منه قول سيد.
إن تنفيذ طلب سليمان عليه السلام، وهو طلب كوني مادي، يستلزم قوة خارقة، ولم يكن ما تراكم من العلم المادي -تجربة وتأليفا- حينئذ في مستوى تحقيق ذلك المطلب، فكان علم ذلك الشخص طفرة هائلة في مجال العلم مثيرة للإعجاز والاندهاش من ذلك الزمان إلى الآن وإلى ما شاء الله تعالى. ولو كان هذا علما ماديا محضا لما حصل به المقصد الدعوي الشريف.
فعلى هذا يمكن القول في تعريف هذا الشخص إنه: "رجل من حاشية سليمان عليه السلام، عارف بالله تعالى، خصه الله بعلم من كتابه المنزل وفقه لأسراره، مكنه من التصرف الخارق في الأشياء بقدرة الله تعالى".
فقولنا: "رجل"؛ وهو ما ذهب إليه جمهور المفسرين كما سيأتي.
وقولنا: "من حاشية سليمان"؛ لقوله عليه السلام: يَاأَيُّهَا المَلَأُ أيُّكم يأتيني.
وقولنا: "عارف بالله تعالى"؛ لما يدل عليه السياق من كونه متحققا بعلم الكتاب، كما أن لفظ »عنده« يفيد الاستقرار، وهذا المعنى يذكرنا بمعنى الرسوخ أي الثبات المتمكن، كما قال الراغب: "الراسخ في العلم المتحقق به"(25).
وقولنا: "خصه الله بعلم من كتابه المنزل وفقه لأسراره"؛ فالكتاب كلام الله تعالى العليم القدير، وفيه من العجائب والأسرار ما لا يعلمه إلا الله تعالى، وقد فتح سبحانه على ذلك الرجل بابا من ذلك فحصل له ما حصل.
وقولنا عن ذلك العلم بأنه "مكنه من التصرف الخارق في الأشياء بقدرة الله تعالى" تنبيه على أنه لا ينبغي النظر إلى ذلك العمل الخارق باعتبار النظر إلى المخلوق وقدرته بل باعتبار النظر إلى قدرة الخالق تبارك وتعالى.
وأما ما نقله الآلوسي رحمه الله تعالى عن الإمام الرازي ففيه نظر:
1- فأما الوجه الأول الذي ذكره من "أن الموصول موضوع في اللغة لشخص معين بمضمون الصلة المعلومة عند المخاطب ، والشخص المعلوم بأن عنده علم الكتاب هو سليمان، وقد تقدم في هذه السورة ما يستأنس به لذلك فوجب إرادته وصرف اللفظ إليه، وآصف وإن شاركه في مضمون الصلة لكن هو فيه أتم لأنه نبي وهو أعلم بالكتاب من أمته". ا. هـ
فيرد على هذا الوجه أن ذلك الرجل من حاشية سليمان كان عنده علم من الكتاب، وأما سليمان فكان عنده علم الكتاب.
وأما الوجه الثاني وهو "أن إحضار العرش في تلك الساعة اللطيفة درجة عالية فلو حصلت لأحد من أمته دونه لاقتضي تفضيل ذلك عليه -عليه السلام- وأنه غير جائز".
ويتفرع عن هذا الوجه الوجه الثالث وهو "أنه لو افتقر في إحضاره إلى أحد من أمته لاقتضي قصور حاله في أعين الناس".
فيمكن القول إن ذلك لا يمنع أن يكون في مملكته عليه السلام من يقوم بمثل هذه الأشياء في مقام التسخير الذي أنعم به عليه. خصوصا وأن الجميع أقر له بالطاعة والانقياد.
وأما الوجه الرابع وهو أن "ظاهر قوله عليه السلام فيما بعد (هذا من فضل ربي) الخ يقتضي أن ذلك الخارق قد أظهره الله تعالى بدعائه عليه السلام.
فيقال فيه: وما يمنع أن يكون الظاهر أيضا من عبارة (فضل ربي) عموم النعمة بتسخير الأشياء والأشخاص والحيوان والطير والجن وغير ذلك.
فعبارة "الذي عنده علم من الكتاب" بصورتها الكلية وبما علمت من دلالة عناصرها، واصفة لذلك الرجل. وقد أفادت هذه الصفة أنه تمكن من الإتيان بالعرش بتلك السرعة الهائلة بسبب ما عنده من العلم المستقى من الكتاب، مما يدل على أنه علم خاص. وقد ذكر المفسرون أقوالا في تعيين الكيفية التي نقل بها العرش(26). والقرآن الكريم أشار إلى السرعة متجاوزا ذكر الكيفية بقوله: فلما رآه مستقرا عنده، فلا ذكر للمكان إلا مكان القرار.. وأما الزمان فقد ترك لك التعبير القرآني الرائع أن تحاول وتجتهد في تصوره. وقد بلغ من الدقة ما لم يبق معه منافس. ثم إن التعبير يقفز على تفاصيل موافقة سليمان على هذا الاختيار إمعانا في تصوير السرعة الفائقة. قال أبو السعود: "فلما رآه مستقرا عنده أي رأى العرش حاضرا لديه، كما في قوله عز وجل: فلما رأينه أكبرنه، للدلالة على كمال ظهور ما ذكر من تحققه واستغنائه عن الإخبار به ببيان ظهور ما يترتب عليه من رؤية سليمان عليه السلام إياه، واستغنائه أيضا عن التصريح به؛ إذ التقدير: فأتاه به فرآه فلما رآه.. الخ، فحذف ما حذف لما ذكر وللإيذان بكمال سرعة الإتيان به، كأنه لم يقع بين الوعد به وبين رؤيته عليه الصلاة والسلام إياه شيء ما أصلا، وفي تقييد رؤيته باستقراره عنده عليه الصلاة والسلام تأكيد لهذا المعنى؛ لإيهامه أنه لم يتوسط بينهما ابتداء الإتيان أيضا كأنه لم يزل موجودا عنده مع ما فيه من الدلالة على دوام قراره عنده منتظما في سلك ملكه"(27).
ومما يلاحظ في هذا التعبير بالنظر إلى السياق فيما يتعلق بالتقابل ما يلي:
قوبل في هذا النص بين هذا الشخص وبين »عفريت من الجن«، ولعله بالنظر إلى هذه المقابلة اختلف المفسرون في طبيعته هل هو ملك(28) أم بشر(29).
وبالنظر في هذه المقابلة يمكن تسجيل ما يلي:
-أن هذا العفريت من الجن يظهر أنه كان أقوى العفاريت الحاضرين حينئذ، بدليل أنه لم ينافسه أحد منهم، فهو يمثل النموذج الجني في القوة، وفائدة مقابلته –من هذه الجهة- بالذي عنده علم من الكتاب أنه يمثل النموذج البشري في العلم، وأن العلم يستوعب القوة، ولا عكس.
- أن كليهما مندرج في مفهوم »الملأ«، وهو الذي وجه إليه سليمان الخطاب، على جهة تفيد التمكن منهم وخضوعهم لحكمه. وهذا المعنى أليق بمن هم دون الملائكة، ولا يظهر دخولهم في دائرة التسخير الذي وهب لسليمان. فلذلك نستبعد أن يكون ذلك الشخص ملكا.
- أن هذا الملأ معروف عند سليمان بتنوعه جنسا، وتفوقه قدرة وطاقة. فهو منتخب مختار، وأما الملك فذو طبيعة وقدرة تتجاوز هذا المجال.
فيبقى أنه رجل من الإنس ولي عالم بالله تعالى، وقد تمكن بهذه الحال من تجاوز العفريت. والمقابلة تبين هذا بوضوح:
-ففي تقديم العفريت في الذكر إشارة إلى عجلته في استناده إلى القوة الجسمانية، بلا تأن للتفكير قبل التعبير، وفي تأخير مقابله إشارة إلى رزانة العلم الذي يتأنى بصاحبه لمعرفة الواقع قبل المبادرة إلى اقتحامه، وفيه أيضا تواضع إذ لم ينتدب نفسه قبل عجز الآخرين.
- أن العفريت احتاج إلى وقت مشروط بمدة، بينما لم يحتج الرجل إلى ذلك.
- أن العفريت احتاج مع هذا الزمان إلى تأكيد قوته قولا قبل التنفيذ فعلا. وفي نسبته القوة إلى نفسه ما فيها!! بينما لم يحتج الرجل إلى هذا التأكيد. وقد لاحظ أبو السعود رحمه الله تعالى في قوله تعالى قال الذي عنده علم من الكتاب "فصلا عما قبله للإيذان بما بين القائلين ومقاليهما وكيفيتي قدرتيهما على الإتيان به من كمال التباين أو لإسقاط الأول من درجة الاعتبار"(30).
- أن كليهما اتفقا في نسبة الإتيان بالعرش إلى نفسيهما، مع أن "الفاعل" في الحقيقة هو الله تعالى؛ ولكن صيغة تلك النسبة متوافقة مع الصيغة التي استعملها سليمان عليه السلام حين قال: أيكم يأتيني بعرشها، وبهذا يظهر التسخير.
والله تعالى أعلم بالصواب.

الهوامش:

1- المفردات/ عند.
2- معجم النحو ص:254.
3- إرشاد العقل السليم 6/ 287
4- معجم ألفاظ العلم ص:112
5- الكشاف 2/ 149
6- أنوار التنزيل 4/ 268.
7- الوجيز 2/ 804
8- إرشاد العقل السليم 6/ 287
9- روح المعاني 19/ 204.
10- المحرر 11/ 209.
11- نظم الدرر 14/ 164.
12- أخرج الترمذي في كتاب الدعوات، باب جامع الدعوات عن النبي صلى الله عليه وسلم، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَدْعُو وَهُوَ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ قَالَ فَقَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ سَأَلَ اللَّهَ بِاسْمِهِ الْأَعْظَمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى".
وأخرج النسائي في كتاب السهو، باب عن أَنَسٍ عَنْ أَنَس بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا يَعْنِي وَرَجُلٌ قَائِمٌ يُصَلِّي فَلَمَّا رَكَعَ وَسَجَدَ وَتَشَهَّدَ دَعَا فَقَالَ فِي دُعَائِهِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْمَنَّانُ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ إِنِّي أَسْأَلُكَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ تَدْرُونَ بِمَا دَعَا قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ الْعَظِيمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى".
13- جامع البيان 19/ 163.
14- الجامع لأحكام القرآن 13/ 204- 205.
15- معالم التنزيل 3/ 420.
16- جامع البيان 19/ 163. وانظر معالم التنزيل 3/ 420 والجامع لأحكام القرآن 13/ 204 وتفسير القرآن العظيم 3/ 365.
17- جامع البيان 19/ 163، وانظر معالم التنزيل 3/ 420 وتفسير القرآن العظيم 3/ 365.
18- الجامع لأحكام القرآن 13/ 204.
19- المحرر 11/ 209.
20- المفردات/ كتب.
21- التحرير 19/ 271.
22- نظم الدرر 14/ 164- 165.
23- اختلف المفسرون كثيرا في تعيين اسمه. فحكى البغوي في معالم التنزيل 3/ 420 وابن عطية في المحرر 11/ 209 والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن 113/ 204 و206، والنسفي في مدارك التنزيل 3/ 213 والشوكاني في فتح القدير 4/ 139 عن الجمهور أنه آصف بن برخيا". ونقل القرطبي عن الغزنوي عن ابن أبي بزة أنه "أسطوم". وكذا روي عن مجاهد انظر تفسير القرآن العظيم 3/ 365. وحكى الآلوسي 19/ 203 أنه "اسطورس". وروى الطبري في جامع البيان 19/ 162 عن قتادة أنه "بليخا". وحكى ابن كثير 3/ 365 عن زهير بن محمد أنه "ذو النور". وذكروا أسماء أخرى.
واختلفوا أيضا في مكانته من سليمان عليه السلام، فقيل: كان وزيره. أنوار التنزيل 4/ 268 وهو المشهور عند الآلوسي في روح المعاني 19/ 203. وقيل كان كاتبه. أخرجه النسائي في السنن الكبرى، كتاب التفسير، باب عن ابن عباس،وانظر تفسير القرآن العظيم 3/ 365. وقيل: كان يقوم على رأس سليمان بالسيف. حكاه ابن الجوزي في زاد المسير 6/ 174 عن ابن عباس. وقيل: كان ابن خالته. نقله القرطبي في الجامع لأحكام القرآن 13/ 204 عن السهيلي. وقيل: "كان رجلا صالحا في جزيرة من جزائر البحر، خرج ذلك اليوم ينظر من ساكن الأرض، وهل يعبد الله أم لا فوجد سليمان فدعا باسم من أسماء الله تعالى فجيء بالعرش". حكاه القرطبي 13/ 205 عن ابن زيد. فانظر إلى هذه الأقوال جميعا –على اختلافها- في ضوء ما قاله سيد رحمه الله تعالى.
24- في ظلال القرآن 5/ 2641.
25- المفردات/ رسخ.
26- روى عبد بن حميد عن ابن عباس أن الرجل "قال لسليمان انظر إلى السماء، قال: فما أطرف حتى جاءه به فوضعه بين يديه" انظر الدر المنثور 6/ 361. وفيه أيضا من رواية ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن عساكر عن ابن عباس أيضا قال: "لم يجر عرش صاحبة سبأ بين الأرض والسماء، ولكن انشقت به الأرض، فجرى تحت الأرض حتى ظهر بين يدي سليمان". وروي هذا المعنى عن مجاهد وابن جبير ومحمد بن إسحاق وزهير بن محمد وغيرهم. انظر تفسير القرآن العظيم 3/ 365. قال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن 13/ 206: "يتصور ذلك بأن يعدم الله الجوهر في أقصى الشرق ثم يعيده في الحالة الثانية وهي الحالة التي بعد العدم في أقصى الغرب، أو يعدم الأماكن المتوسطة ثم يعيدها". ثم قال القرطبي بعد ذكر مثل تلك الروايات: "فالله أعلم أي ذلك كان"!
27- إرشاد العقل السليم 6/ 287.
28- حكى القرطبي في لأحكام القرآن 13/ 205 عن ابن عباس والنخعي أنه جبريل عليه السلام. وانظر معالم التنزيل 3/ 420 ومدارك التنزيل 3/ 213، وأنوار التنزيل 4/ 268 وفتح القدير 4/ 139 وإرشاد العقل السليم 6/ 287 وروح المعاني 19/ 203. ونقل القرطبي عن بحر قال: "هو ملك بيده كتاب المقادير أرسله الله عند قول العفريت". وانظر مدارك التنزيل 3/ 213.
29- واختلف في من هو من البشر وفي حاله، فحكى القرطبي في الجامع لأحكام القرآن 13/ 205 عن عبد الله بن لهيعة أنه الخضر. قال ابن كثير: "وهو غريب جدا". وقيل: "رجل صالح". انظر المحرر 11/ 209 والجامع لأحكام القرآن 13/ 206. وقيل: "كان صديقا" رواه الطبري في جامع البيان 19/ 163 عن ابن إسحاق، وذكره البغوي في معالم التنزيل 3/ 420 والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن 13/ 204 وابن كثير في تفسير القرآن العظيم 3/ 365 والآلوسي في روح المعاني 19/ 203. وقيل: "كان عابدا"، نقله القرطبي 13/ 205 عن الغزنوي عن ابن أبي بزة. وروى البغوي في معالم التنزيل 3/ 420 عن محمد بن المنكدر قال: "إنما هو سليمان قال له عالم من بني إسرائيل آتاه الله علما وفهما أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك قال سليمان هات قال أنت النبي ابن النبي وليس أحد أوجه عند الله منك فإن دعوت الله وطلبت إليه كان عندك فقال صدقت ففعل ذلك فجيء بالعرش في الوقت"، وانظر الجامع لأحكام القرآن 13/ 205. وقال النحاس في معاني القرآن 5/ 134: "قيل:هو سليمان نفسه، لمَّا قال له الجني: أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك، وادعى شيئا يبعد أن يكون مثله، قال له سليمان: أنا آتيك به في وقت أقرب من هذا بقدرة الله جل وعز على أن نهلكه ونعيده موضعنا هذا من قبل أن تطرف". وحكاه ابن عطية في المحرر 11/ 210 عن فرقة. قال القرطبي: "ما ذكره ابن عطية قاله النحاس في معاني القرآن له، وهو قول حسن إن شاء الله تعالى"ا.هـ. وقد رأيتَ أن النحاس إنما حكاه ولم يقله. وقد نقض القرطبي هذا الاستحسان في موضع آخر 13/ 205 حين قال معلقا على القول بأنه سليمان: "ولا يصح في سياق الكلام مثل هذا التأويل". وقال ابن عطية: "استدل قائل هذا القول بقول سليمان عليه السلام: هذا من فضل ربي، واستدَلَّ بهذا اللفظ مُنَاقِضُهُ؛ إذ في كلا الأمرين عَلِمَ سليمان فضل الله تعالى". المحرر 9/ 210. وقال أبو السعود في إرشاد العقل السليم 6/ 287. معلقا على ذلك القول: "فيه بعد لا يخفى". وفي روح المعاني: 19/ 203- 204: "قال الجبائي: هو سليمان نفسه عليه السلام. ووجه الفصل عليه واضح فإن الجملة حينئذ مستأنفة استئنافا بيانيا، كأنه قيل: فما قال سليمان عليه السلام حين قال العفريت ذلك فقيل: قال الخ، ويكون التعبير عنه بما في النظم الكريم للدلالة على شرف العلم وأن هذه الكرامة كانت بسببه ويكون الخطاب في قوله: أنا ءاتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك للعفريت؛ وإنما لم يأت به أولا بل استفهم القوم بقوله: أيكم يأتيني بعرشها ثم قال ما قال. وأتي به قصدا لأن يريهم أنه يتأتى له مالا يتهيأ لعفاريت الجن فضلا عن غيرهم. وتخصيص الخطاب بالعفريت لأنه الذي تصدى لدعوى القدرة على الإتيان به من بينهم، وجعله لكل أحد كما في قوله تعالى: ذلك أدنى أن لا تعولوا غير ظاهر بالنسبة إلى ما ذكر، وآثر هذا القول الإمام وقال إنه أقرب لوجوه: الأول: أن الموصول موضوع في اللغة لشخص معين بمضمون الصلة المعلومة عند المخاطب، والشخص المعلوم بأن عنده علم الكتاب هو سليمان، وقد تقدم في هذه السورة ما يستأنس به لذلك، فوجب إرادته وصرف اللفظ إليه، وآصف –وإن شاركه في مضمون الصلة- لكن هو فيه أتم لأنه نبي وهو أعلم بالكتاب من أمته. الثاني: أن إحضار العرش في تلك الساعة اللطيفة درجة عالية، فلو حصلت لأحد من أمته دونه لاقتضى تفضيل ذلك عليه عليه السلام وأنه غير جائز. الثالث: أنه لو افتقر في إحضاره إلى أحد من أمته لاقتضى قصور حاله في أعين الناس. الرابع: أن ظاهر قوله عليه السلام فيما بعد هذا من فضل ربي الخ يقتضي أن ذلك الخارق قد أظهره الله تعالى بدعائه عليه السلام. ا.هـ. وللمناقشة فيه مجال، واعترض على هذا القول بعضهم بأن الخطاب في »آتيك« يأباه فإن حق الكلام عليه أن يقال: ان آتي به قبل أن يرتد إلى الشخص طرفه مثلا. وقد علمت دفعه، وبأن المناسب أن يقال فيما بعد: فلما أتي به، دون: فلما رآه الخ. وأجيب عن هذا بأن قوله ذاك للإشارة إلى أنه لا حول ولا قوة له فيه، ولعل الأظهر أن القائل أحد أتباعه، ولا يلزم من ذلك أنه عليه السلام لم يكن قادرا على الإتيان به، كذلك فإن عادة الملوك تكليف أتباعهم بمصالح لهم لا يعجزهم فعلها بأنفسهم، فليكن ما نحن فيه جاريا على هذه العادة، ولا يضر في ذلك كون الغرض مما يتم بالقول وهو الدعاء، ولا يحتاج إلى إعمال البدن وإتعابه كما لا يخفى. وفي فصوص الحكم: كان ذلك على يد بعض أصحاب سليمان عليه السلام ليكون أعظم لسليمان في نفس الحاضرين. وقال القيصري: كان سليمان قطب وقته متصرفا وخليفة على العالم وكان آصف وزيره وكان كاملا، وخوارق العادات قلما تصدر من الاقطاب والخلفاء بل من وراثهم وخلفائهم لقيامهم بالعبودية التامة واتصافهم بالفقر الكلي فلا يتصرفون لأنفسهم في شيء، ومن منن الله تعالى عليهم أن يرزقهم صحبة العلماء الأمناء يحملون منهم أثقالهم وينفذون أحكامهم وأقوالهم.ا.هـ وما في الفصوص أقرب لمشرب أمثالنا على أن ما ذكر لا يخلو عن بحث على مشرب القوم أيضا، وفي مجمع البيان روى العياشي بإسناده قال: التقى موسى بن محمد بن علي بن موسى ويحيى بن أكثم فسأله عن مسائل منها: هل كان سليمان محتاجا إلى علم آصف؟ فلم يجب حتى سأل أخاه علي بن محمد، فقال: اكتب له: لم يعجز سليمان عن معرفة ما عرف آصف؛ لكنه عليه السلام أحب أن يعرف أمته من الجن والإنس أنه الحجة من بعده، وذلك من علم سليمان أودعه آصف بأمر الله، ففهمه الله تعالى ذلك لئلا يختلف في إمامته كما فهم سليمان في حياة داود لتعرف إمامته من بعده لتأكيد الحجة على الخلق. ا.هـ وهو كما ترى".
30- إرشاد العقل السليم 6/ 286- 287.
 
الدكتور الفاضل مصطفى :
شكر الله لك هذا النقل الماتع ، لكن بقي الإشكال الكبير في نظري وهو أن مارجحته يؤيد مذهب غلاة الصوفية القائلين :
مقام النبوة في بـرزخ******* فويق الرسول ودون الولي

والقول بأنه سليمان عليه الصلاة والسلام قال به من قال من السلف وهو موافق لسياق الآيات .
 
يقول لي أحد العامة :
تدبرت قول الله عز وجل (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآَتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ )إلى آخر القصة فوجدت أنه قد وجد قبل قارون من هو أغنى منه قلت : وكيف ذلك ؟ قال : أليس الله يقول (.....أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ) فهذا يعني أنه وجد قبل قارون من جمع أكثر من جمعه قلت : فتح الله عليك .

أقول : الذي أخبرني وإن كان يقرأ ويكتب إلا أنه من العامة ومع هذا لما تدبر استنبط !!
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل الغني بالله
أشكرك على عنايتك بالموضوع؛ وعلى شدة غيرتك، غير أن ما قلته فيه نظر من وجوه:
الأول: أن وصفك للبحث بأنه نقلٌ فيه ما فيه، ولا أطيل في هذه المسألة لأن البحث موضوع بين أيدي القراء لينظروا فيه. وقد أشرتَ أنتَ بعد ذلك -أخي الفاضل- إلى أني رجحت رأيا بعينه، وإني أستغرب فعلا: هل يسوغ الحكم على بحث بأنه نقلٌ وفيه ترجيح؟
الثاني: أن توظيف الحقائق توظيفا سيئا لتأييد مذهب باطل، لا ينبغي بحال أن يمنعنا من الكشف عن تلك الحقائق. فالتأييد شيء والتوظيف شيء آخر، لأنك حين تصورت أن الرأي الذي رجَّحتُه أنا يؤيد مذهب غلاة الصوفية فقد أسهمت في الاستدلال لهم، وكان الأولى أن تُعبِّر بالتوظيف أو ما أشبه لبيان سوء الاستعمال للأقوال والحقائق في الانتصار للمذهب الفاسد.
وأما الحكم على البحث حكما جاهزا في سطر أو أقل من ذلك، فهو يتعارض تماما مع المنهج العلمي الذي يستلزم تمحيص الأقوال واستعراض الأدلة ليُؤْتى عليها بالنقد والنقض أو الجمع أو الترجيح.
وأما ما نقلته عن غلاة الصوفية فأنا بطبعي أنفر منه نفرة شديدة ولا أرى في بحثي ما يشير إليه من قريب أو من بعيد، بل أزيد على ذلك بأنه ما كان لاسم الصوفية –أصلا- أن يزاحم الاسم الذي اختاره الله تبارك وتعالى (هو سماكم المسلمين).
الثالث: قولك: "القول بأنه سليمان عليه الصلاة والسلام قال به من قال من السلف وهو موافق لسياق الآيات"، كلام يتضمن مسألتين:
أولاهما: النسبة إلى السلف: وهي هنا نسبة مجملة تحتاج إلى عرض وتحرير وترجيح، لأن الذين قالوا بالقول الآخر بعضهم من السلف أيضا، وبعضهم من الخلف.
والثانية: موافقةُ السياق: وهذا حكم يحتاج إلى تعليل، بناء على قواعد دراسة السياق، وقد كتب العلماء في ذلك، ويوجد في هذا الملتقى المبارك قدر طيب منه.
وبناء عليه سيبقى كلامك –أخي الفاضل- عبارة عن حكم جاهز ما لم تطلع علينا في هذا الملتقى العلمي بتحرير القول في هاتين المسألتين بما يؤيد رأيك وينقض الرأي الآخر.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعا إلى الصواب، وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه والباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
 
أخي الفاضل الدكتور مصطفى :
لقد أكرمتني - أكرمك الله - بردك ، وأشكر لك لطفك وأسأل الله ألا يحرمنا في هذا الملتقى المبارك من علمك .
ولعلك فهمت من قولي خلاف مرادي ، والله يعلم أني لم أرد سوى نقلك من كتب أهل العلم وقد أحلت إليها بارك الله فيك ، وأنا لاأريد أن أطيل وإلا فما ترجح لي قال به من المفسرين جمع وهو الأقرب والموافق لحال الأنبياء ، وهذا لايمنع وجاهة ماذكرته أنت حفظك الله .

تفسير البغوي [ جزء 1 - صفحة 164 ]
قال محمد بن المنكدر : إنما هو سليمان قال له عالم من بني إسرائيل آتاه الله علما وفهما : { أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك } قال سليمان : هات قال : أنت النبي ابن النبي وليس أحد أوجه عند الله منك فإن دعوت الله وطلبت إليه كان عندك فقال : صدقت ففعل ذلك فجيء بالعرش في الوقت.



زاد المسير [ جزء 6 - صفحة 175 ]

والثاني أنه سليمان عليه السلام وإنما قال له رجل انا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فقال هات قال انت النبي ابن النبي فان دعوت الله جاءك فدعا الله فجاءه قاله محمد بن المنكدر.


ويضاف لذلك ما ذكره الرازي وهو غير خاف عليك .
 
أخي الفاضل د. محمد بن عبدالله بن جابر القحطاني
لم أتشرف بالاطلاع على ماتفضلت بكتابته إلا بعد إشارتك إليه ، فجزاك الله خيرا على هذه الفوائد القيمة ولا حرمنا من خيرك وفضلك .
 
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي الكريم الغني بالله
جزاك الله خيرا على سعة صدرك ورزقنا وإياك حسن الفهم لكتابه الكريم
وأعتقد أن الموضوع ما يزال في حاجة إلى بحث وتدقيق، نسأله تعالى أن ييسر ذلك لك أو لي أو لأحد من الفضلاء في هذا الملتقى العامر.
ودمت في حفظ الله ورعايته
 
أكرمك الله بطاعته دكتور مصطفى.

فائدة : في قوله تعالى : (واجنبني وبني أن نعبد الأصنام )

طلب الخليل من الله تعالى أن لا يجعل أبناءه من عبدة الأصنام والله تعالى لم يقبل دعاءه بدليل أن كفار قريش من أبنائه ومع هذا فقد عبدوا الأصنام .

والجواب عن هذا السؤال مانقله الرازي عن الزجاج قال : معناه ثبتني على اجتناب عبادتها كما قال : { واجعلنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ }أي ثبتنا على الإسلام .
وقال صاحب «الكشاف» : قوله { وبني } أراد بنيه من صلبه .
وذهب بعض المفسرين إلى أن المراد أولاده وأولاد أولاده ممن عاصروه .
 
( يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ )

لم خصت هذه الأعضاء؟
خص هذه الأعضاء لأن الغني إذا رأى الفقير زوى ما بين عينيه وقبض وجهه وإذا سأله طوى كشحه وإذا زاده في السؤال وأكثر عليه ولاه ظهره فرتب الله العقوبة على حال المعصية
 
يقول فضيلة الشيخ الدكتور/عبد الله بن عبد العزيز الحكمة -حفظه الله- :
إن القرآن إذا ذكر سيئةً وأعقبها بالجزاء عليها دنيويا أو أخرويا يفتح بعدها باب التوبة غير مقيدة بزمن ولا مكان ,وهذا من عظيم رحمة الله بعباده, ولذلك أمثلة منها:
1- (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة) هذه هي السيئة
(وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم) الجزاء
(أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه) الدعوة للتوبة.

2- والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) السيئة والجزاء عليها
(فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه)فتح باب التوبة

3- (واللذان يأتيانها منكم فآذوهما) السيئة والجزاء عليها
(فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما)الدعوة للتوبة

وقد جمعت تحت هذه القاعدة عشرات الآيات فاللهم لك الحمد على سعة رحمتك, وأنا أرى أن من المناسب تقصي هذه الآيات وجمعها وطرحها في دروس الإرشاد والتوجيه ودعوة الناس ففيها بشارة عظيمة , ولا أدل على ذلك من المثال الأول فمع بشاعة الذنب وفظاعته إلا أن الله دعا فاعليه إلى التوبة, فسبحان الحليم الرؤوف وصدق الله (إن الله بالناس لرؤوف رحيم)
 
يسبق إلى الأذهان عند قراءة قول الله تعالى قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14) }فهما لايليق بكليم الرحمن موسى صلى الله عليه وسلم وقد وقفت على معنى بديع لسيد قطب رحمه الله هو اللائق به عليه الصلاة والسلام

في ظلال القرآن - (ج 5 / ص 340)
{ قال : رب إني أخاف أن يكذبون . ويضيق صدري ولا ينطلق لساني فأرسل إلى هارون . ولهم عليَّ ذنب فأخاف أن يقتلون } .
والظاهر من حكاية قوله عليه السلام أن خوفه ليس من مجرد التكذيب ، ولكن من حصوله في وقت يضيق فيه صدره ولا ينطلق لسانه فلا يملك أن يبين ، وأن يناقش هذا التكذيب ويفنده . إذ كانت بلسانه حبسة هي التي قال عنها في سورة طه : { واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي } ومن شأن هذه الحبسة أن تنشئ حالة من ضيق الصدر ، تنشأ من عدم القدرة على تصريف الانفعال بالكلام . وتزداد كلما زاد الانفعال ، فيزداد الصدر ضيقاً . . وهكذا . . وهي حالة معروفة . فمن هنا خشي موسى أن تقع له هذه الحالة وهو في موقف المواجهة بالرسالة لظالم جبار كفرعون . فشكا إلى ربه ضعفه وما يخشاه على تبليغ رسالته ، وطلب إليه أن يوحي إلى هارون أخيه ، ويشركه معه في الرسالة اتقاء للتقصير في أداء التكليف ، لا نكوصاً ولا اعتذاراً عن التكليف . فهارون أفصح لساناً ومن ثم هو أهدأ انفعالاً؛ فإذا أدركت موسى حبسة أو ضيق نهض هارون بالجدل والمحاجة والبيان . ولقد دعا موسى ربه كما ورد في سورة طه ليحل هذه العقدة من لسانه ، ولكنه زيادة في الاحتياط للنهوض بالتكليف طلب معه أخاه هارون وزيراً ومعيناً . .
وكذلك الشأن في قوله : { ولهم عليَّ ذنب فأخاف أن يقتلون } . . فإن ذكره هنا ليس للخوف من المواجهة ، والتخلي عن التكليف . ولكن له علاقة بالإرسال إلى هارون . حتى إذا قتلوه قام هارون من بعده قام هارون من بعده بالرسالة ، وأتم الواجب كما أمره ربه دون تعويق .
فهو الاحتياط للدعوة لا للداعية . الاحتياط من أن يحتبس لسانه في الأولى وهو في موقف المنافحة عن رسالة ربه وبيانها ، فتبدو الدعوة ضعيفة قاصرة . والاحتياط من أن يقتلوه في الثانية فتتوقف دعوة ربه التي كلف أداءها وهو على إبلاغها واطرادها حريص . وهذا هو الذي يليق بموسى عليه السلام الذي صنعه الله على عينه ، واصطنعه لنفسه .
 
التحرير والتنوير - (1 / 4556)
يبصرونهم يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه [ 11 ] وصاحبته وأخيه [ 12 ] وفصيلته التي تئويه [ 13 ] ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه

وقد رتبت الأقرباء على حسب شدة الميل الطبيعي إليهم في العرف الغالب لأن الميل الطبيعي ينشأ عن الملازمة وكثرة المخالطة
ولم يذكر الأبوان لدخولهما في الفصيله قصدا للإيجاز


التحرير والتنوير - (1 / 4737)
( فإذا جاءت الصاخة [ 33 ] يوم يفر المرء من أخيه [ 34 ] وأمه وأبيه [ 35 ] وصاحبته وبنيه [ 36 ] لكل امريء منهم يومئذ شأن يغنيه
ورتبت أصناف القرابة في الآية حسب الصعود من الصنف إلى من هو أقوى منه تدرجا في تهويل ذلك اليوم .
 
(وتفقد الطير)
من اللطائف في هذه الآية ماذكره أحد الأحباب بقوله (نبي كريم آتاه الله مالم يؤت أحدا من العالمين إذ وهبه الملك وسخر له الريح والجن وعلمه منطق الطير ومع هذا يتفقد الطير ويقول مالي لاأرى الهدهد .....فهل يليق بنا ألا نتفقد إخواننا ونسأل عنهم حال غيبتهم ).
 
وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)
ماأجمل بيان الرازي لهذه الآية :

تفسير الفخر الرازى - (ج 1 / ص 1217)
في الآية مسألتان :
المسألة الأولى : في قوله {مِّنكُمْ} قولان أحدهما : أن {مِنْ} ههنا ليست للتبعيض لدليلين الأول : أن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على كل الأمة في قوله {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} (آل عمران : 110) والثاني : هو أنه لا مكلف إلا ويجب عليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، إما بيده ، أو بلسانه ، أو بقلبه ، ويجب على كل أحد دفع الضرر عن النفس إذا ثبت هذا فنقول : معنى هذه الآية كونوا أمة دعاة إلى الخير آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر ، وأما كلمة {مِنْ} فهي هنا للتبيين لا للتبعيض كقوله تعالى : {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الاوْثَـانِ} (الحج : 30) ويقال أيضاً : لفلان من أولاده جند وللأمير من غلمانه عسكر يريد بذلك /جميع أولاده وغلمانه لا بعضهم ، كذا ههنا ، ثم قالوا : إن ذلك وإن كان واجباً على الكل إلا أنه متى قام به قوم سقط التكليف عن الباقين ، ونظيره قوله تعالى : {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا} (التوبة : 41) وقوله {إِلا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} (التوبة : 39) فالأمر عام ، ثم إذا قامت به طائفة وقعت الكفاية وزال التكليف عن الباقين.
والقول الثاني : أن {مِنْ} ههنا للتبعيض ، والقائلون بهذا القول اختلفوا أيضاً على قولين أحدهما : أن فائدة كلمة {مِنْ} هي أن في القوم من لا يقدر على الدعوة ولا على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثل النساء والمرضى والعاجزين والثاني : أن هذا التكليف مختص بالعلماء ويدل عليه وجهان الأول : أن هذه الآية مشتملة على الأمر بثلاثة أشياء : الدعوة إلى الخير ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، ومعلوم أن الدعوة إلى الخير مشروطة بالعلم بالخير وبالمعروف وبالمنكر/ فإن الجاهل ربما عاد إلى الباطل وأمر بالمنكر ونهى عن المعروف ، وربما عرف الحكم في مذهبه وجهله في مذهب صاحبه فنهاه عن غير منكر ، وقد يغلظ في موضع اللين ويلين في موضع الغلظة ، وينكر على من لا يزيده إنكاره إلا تمادياً ، فثبت أن هذا التكليف متوجه على العلماء ، ولا شك أنهم بعض الأمة ، ونظير هذه الآية قوله تعالى : {فَلَوْلا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِى الدِّينِ} (التوبة : 122) والثاني : أنا جمعنا على أن ذلك واجب على سبيل الكفاية بمعنى أنه متى قام به البعض سقط عن الباقين ، وإذا كان كذلك كان المعنى ليقم بذلك بعضكم ، فكان في الحقيقة هذا إيجاباً على البعض لا على الكل ، والله أعلم.
 
(ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا) شاع عند بعضنا أن الاقتراف مستعمل في الشر لكن كتب اللغة تبين خلاف ذلك .
جاء في تاج العروس - (1 / 6068)
واقْتَرَفَ : اكْتَسَبَ ومنه قَوْلُه تعالى : " ومنْ يَقْتَرِفُ حَسَنَةً " أَي : يَكْتَسِب وقَولُه تعالَى : " ولِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ " أَي : ليَعْمَلُوا ما هُمْ عامِلُونَ من الذُّنُوب . واقترف لعياله : أي اكتسب لهم واقْترَفَ الذَّنْبَ : أَتاهُ وفَعَلَه : قالَ الرّاغِبُ : أَصْلُ القَرْفِ والاقْتِرافِ : قَشْرُ اللِّحاءِ عن الشَّجرِ والجُلَيْدَةِ عن الجُرْحِ واسْتُعِيرَ الاقْتِرافُ للاكْتِسابِ حُسْناً كانَ أَو سُوءاً وهو في الإِساءَةِ أَكْثَرُ استِعْمالاً ولهذا يُقالُ : الاعْتِرافُ يُزِيلُ الاقْتِرافَ . انتهى .
وقد جاء في التحرير والتنوير - (7 / 30) مايفيد معنى جيدا فقال :..... الاقتراف إذا أطلق فالمراد به اكتساب الإثم .
 
عودة
أعلى