التحول في الخطاب من الغائب إلى المتكلم...معروف في العرب أم شيء ابتدعه القرآن ؟

منيب عرابي

New member
إنضم
07/06/2010
المشاركات
143
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
التحول في ضمير المخاطب/المتكلم/الغائب أمر متكرر في القرآن.... مثلاً :

وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا ﴿47﴾
وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ۚ
وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا ﴿48﴾
لِّنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا ﴿49﴾

هل هذا أمر معروف عند العرب أم أنه أمر جديد عليهم ؟

وما فائدته ؟ شد الانتباه ؟ شد الانتباه بغض النظر عن المعنى أم أن المعنى يحدد أحياناً الضمير الأنسب في الاستخدام ؟
 
طرح هذا السؤال قبل أكثر من سنتين، وهو سؤال جميل كثيرا ما يُسأل عنه فلا بأس من إعادة الجواب مختصرًا لنستفيد جميعا.

هذا الأسلوب -أخي الكريم- يسميه العلماء بـ "أسلوب الالتفات"، وذكروا له عددا من التعريفات من أجمعها وأخصرها ما ذكره الزركشي والسيوطي بأنه: "تحويل أسلوب الكلام من وجه إلى آخر".
فالصورة التي ذكرتها (تحوّل الضمير) هو أحد صور هذا الأسلوب، وهو من أكثرها وقوعا في القرآن الكريم.

وهذا الأسلوب هو من أساليب العرب المعروفة في حديثهم وبلاغتهم من قبل الإسلام ونزول القرآن، ومن أشهر ما يستشهد له أبيات امرئ القيس المشهورة:

[poem=]تَطاوَلَ لَيلُكَ بِالأَثْمَدِ=وَنامَ الخَلِيُّ وَلَمْ تَرقُدِ
وبات وباتت له ليلةٌ=كَلَيلَةِ ذِي العَاثرِ الأَرمَدِ
وذلك من نبأٍ جاءني=وخُبِّرتُهُ عن أبي الأسود[/poem]

يقول الزمخشري عنها: "قد التفت امرؤ القيس ثلاث التفاتات في ثلاثة أبيات" ثم يقول: "وتلك على عادة افتنانهم في الكلام وتصرفهم".
فهذا إذاً من الأساليب العربية التي نزل بها القرآن موافقا معهود العرب في خطابها، وليس مما اخترعه أو ابتكره.

أما فائدته فيذكر علماء البلاغة أن الالتفات مشتمل على غرض رئيس واحد، وهو دفع السآمة والملال من جراء استمرار الخطاب على وتيرة واحدة وأسلوب واحد، لأن الكلام المتوالي على ضمير واحد يورث الملل ولا يستساغ.
قال الزمخشري بعد إيراده الأبيات السابقة: "فإن الكلام إذا نقل من أسلوب إلى أسلوب كان ذلك أحسن تطرية لنشاط السامع وإيقاظا للإصغاء فيه من إجراءه على أسلوب واحد".
ولا يعني هذا أن أسلوب الالتفات غير مؤثر في المعنى، بل إن مجرد التفنن والتنويع مدعاة إلى حضور الذهن، وإعمال الفكر في المعنى المراد.
كما أن لكل موضع وقع فيه هذا الأسلوب= غرضا لا يؤدَّى المعنى بدونه، فنجد في كل سياق وقع فيه هذا الأسلوب نكتةً بلاغية يكتمل بها المعنى، ويتحقق بها مقصود الآية، وهذا باب من أبواب التدبر التي ينبغي إعمال الفكر في كل موضع منها.
قال ابن الأثير: "والذي عندي في ذلك أن الانتقال من الخطاب إلى الغيبة، أو من الغيبة إلى الخطاب، لا يكون إلا لفائدة اقتضته، وتلك الفائدة أمرٌ وراء الانتقال من أسلوب إلى أسلوب، غير أنها لا تُحدُّ بحدٍّ ولا تُضبط بضابطٍ ...(ذلك) أن الغرض الموجب لاستعمال هذا النوع من الكلام لا يجري على وتيرة واحدة، وإنما هو مقصور على العناية بالمعنى المقصود، وذلك المعنى يتشعب شعبا كثيرة، لا تنحصر، وإنما يؤتى بها على حسب الموضع الذي ترد فيه".

فلو أردنا الوقوف على الموضع الذي أوردته في سؤالك -أخي منيب على سبيل المثال- لوجدنا ابن عاشور يذكر أن الالتفات من الغيبة إلى التكلم لأن ضمير المتكلم أدخل في الامتنان من ضمير الغائب فهو مشعر بالارتقاء في المنّة..
وهكذا نجد في كل موضع غرضا وفائدة مؤثرة في نفس السامع في تأدية المعنى المراد، وسبحان من أنزل كتابا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.​

[line]-[/line]

- أجمع من كتب في هذا الموضوع فيما أعلم هو د. حسن طبل في كتابه (أسلوب الالتفات في البلاغة القرآنية)، ويمكن تحميله من هنا:
- وهذا بحث في الفصل الأول منه تعريفٌ موجز مفيد بموضوع الالتفات:
- وقد سبق طرح بعض الموضوعات في الملتقى حول هذا الموضوع منها:
- http://vb.tafsir.net/tafsir737/
- http://vb.tafsir.net/tafsir20932/

والله تعالى أعلم.​
 
بارك الله فيكم أخي محمد ، جواب مسدد ، والموضوع مهم ، وكتاب د. طبل قيم ومفيد في موضوعه حقاً .
وما أكثر الأسئلة والنقاشات الجديرة بالرفع وإعادة النقاش حولها ، لما فيه من الفائدة العلمية للقراء وللزملاء الجدد خصوصاً .
 
الشيخ محمد العبادي
شكرا لك على أن مكنتنا من الإطلاع على البحث : ( اسلوب الإلتفات في القرآن وأثره على ترجمة معاني القرآن إلى اللفرنسية ) !

ولدي ملاحظات أطرحها بين يدي فضيلتكم ، أرجو تفضلكم بالتوجيه :
أليس اسلوب الإلتفات وجه من وجوه الإعجاز البلاغي والبياني للقرآن ؟
أليس الإعجاز البلاغي والبياني في القرآن مستحيل نقله إلى لغة أخرى ؟
هل في غير العربية اسلوب الالتفات حتى يمكن نقله إليها ؟
إدراك اسلوب الالتفات في الآية قد يعين على نقل المعنى الإجمالي للآية ، ولكن هل يعين على نقل المعنى المباشر للآية ؟
انتهى بعض كبار المفكرين في الغرب إلى نتيجة : أن القرآن عبارة عن خليط من الجمل غير المترابطة . أليس لأنهم قرأوا مثل هذه الترجمات - التي ركبت هذا المركب الصعب بل المستحيل في الترجمة - وأنتجوا هذا التركيب اللغوي الغريب على بعض اللغات الأجنبية ؟
 
... لأجل ذلك ، كانت ترجمة القرآن ترجمة حرفية مستحيلة وغير مجدية ، بخلاف إذا كانت الترجمة منصبة على المعنى .
 
عودة
أعلى