التحذير من الفتن التي تقع في آخر الزمان للشيخ عبد القادر شيبه الحمد

إنضم
12/01/2006
المشاركات
372
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
المدينة النبوية
التحذير من الفتن التي تقع في آخر الزمان للشيخ عبد القادر شيبه الحمد
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على محمد خاتم النبيين... وبعد:
فإن مما يؤلم النفس ويحزن القلب أن يتفرق شمل المسلمين، وأن يصيروا شيعًا وأحزابًا، وأن يكون هم كل حزب أن يفرح بما هو عليه ويصف من سواه بالضلال والانحراف، وقد يحكم عليه بالكفر والخروج عن ملة الإسلام ناسيًا أو متناسيًا قول الله تبارك وتعالى: واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون (103) ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون (104) ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم {آل عمران}.
كما وقف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم النحر خطيبًا محذرًا من التعدي على دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي بكرة رضي الله عنه في خطبة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم النحر قال: "فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم ألا فلا ترجعوا بعدي ضلالا يضرب بعضكم رقاب بعض". وقد علم من قواعد الإسلام وتعاليمه المكونة للمجتمع المثالي المتماسك المترابط المتحاب المتواد الذي يشبه البنيان المرصوص الذي يشد بعضه بعضًا بأن هناك ثلاثة أمور لا سعادة للفرد أو للمجتمع إلا بها وهي:
طاعة الله تبارك وتعالى.
وطاعة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم .
وطاعة ولي أمر المسلمين.
وقد ساق الله تبارك وتعالى آيتين مقترنتين في هذا الأمر حيث قال الله عز وجل: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا (58) يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا {النساء:58-59}.
فهاتان الآيتان الكريمتان تنتظم بهما السياسة الشرعية الرشيدة التي تسعد البلاد والعباد ويتمتع الناس في ظلها بالأمن والاستقرار.
أما الأمر الأول من هذه الأمور الثلاثة فهو توحيد الله عز وجل وإخلاص العبادة له وحده لا شريك له وطاعته في السر والعلن والسراء والضراء والشهادة بأنه لا إله إلا الله، وهي كلمة التوحيد التي هي مفتاح الجنة وهي الحقيقة الكبرى التي من أجلها خلق الله السماوات والأرض وبث فيهما من دابة ومن أجلها خلق الجن والإنس وأقام سوق الجنة والنار، حيث يقول: وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم {البقرة: 163}، ولا شك أن جميع الأمم يكادون يطبقون على الإقرار بخالق السماوات والأرض على مر العصور واختلاف الأجناس وتباين الألسنة واللغات.
فهم متعرفون بالخالق العظيم، وقد ورثوا ذلك من عهد آدم وتتابعت اعترافاتهم به إلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، ولذلك كثر في القرآن العظيم توجيه الأسئلة للمشركين بأنهم ما داموا مقرين بأن الله هو وحده خالق السماوات والأرض وما فيهما فلماذا يشركون به ويعبدون غيره؟ حيث يقول الله عز وجل: قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون (84) سيقولون لله قل أفلا تذكرون (85) قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم (86) سيقولون لله قل أفلا تتقون (87) قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون (88) سيقولون لله قل فأنى تسحرون {المؤمنون: 84- 89}.
وقد أقام الله عز وجل في كل شيء من الأنفس والأفاق آيات شاهدات وبراهين قاطعات الدلالة على ربوبيته وألوهيته وأسمائه الحسنى وصفاته العلى.
ولله در أبي نواس حيث يقول:
تأمل في نبات الأرض وانظر ** إلى آثار ما صنع المليك
عيون من لجين شاخصات *** وأزهار كما الذهب السبيك
على قضب الزبرجد شاهدات *** بأن الله ليس له شريك
وما أحسن قول ابن المعتز:
فيا عجبًا كيف يعصى الإله ** أم كيف يجحده الجاحد
وفي كل شيء له آية ** تدل على أنه الواحد
أما الأمر الثاني فهو طاعة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بتصديقه فيما أخبر وطاعته فيما أمر والانتهاء عما نهى عنه وزجر.
وقد أيده الله عز وجل بالمعجزات التي يؤمن على مثلها البشر، وقد خصه بالقرآن العظيم الذي هو حجة الله البالغة وهو الآية الكبرى والمعجزة العظمى الباقية التي لا تنسخ حتى ينسخ الليل والنهار والسماوات والأرض.
وقد بعثه الله عز وجل بالشريعة الكاملة التامة الشاملة المشتملة على أسباب سعادة الخلق في دنياهم وأخراهم ومعاشهم ومعادهم ولا يقبل الله من أحد عملاً إلا إذا كان خالصًا لله موافقًا لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم .
أما الأمر الثالث فهو طاعة من ولاه الله أمر المسلمين في السر والعلن والمكره والمنشط وألا تنزع يد من طاعة.
وقد ألف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله رسالته المعروفة باسم السياسية الشرعية وجعل مبناها على هاتين الآيتين الكريمتين، حيث قال في صدرها: "هذه رسالة مختصرة فيها جوامع من السياسة الإلهية والآيات النبوية لا يستغني عنها الراعي والرعية اقتضاها من أوجب الله نصحه من ولاة الأمور، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما ثبت عنه من غير وجه في صحيح مسلم وغيره: إن الله يرضى لكم ثلاثًا: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم، وهذه الرسالة مبنية على آيتين في كتاب الله وهي قوله تعالى: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا (58) يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا ". اه.
وقد حض رسول الله صلى الله عليه وسلم على طاعة ولي الأمر وحذر أشد التحذير من معصيته ما دام لم يأمر بمعصية الله عز وجل، واعتبر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم طاعة ولي الأمر من طاعة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ومعصيته من معصية رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني".
وبهذا يتأكد وجوب طاعة الأمير ما دام لم يأمرك بمعصية الله، فإن أمرك بمعصية الله فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق تبارك وتعالى.
ولذلك روى البخاري ومسلم من حديث عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة".
كما روى البخاري ومسلم من طريق جنادة بن أبي أمية قال: دخلنا على عبادة بن الصامت وهو مريض، قلنا: أصلحك الله، حدث بحديث ينفعك الله به سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه، فكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وألا ننازع الأمر أهله إلا أن ترو كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان.
كما روى البخاري من حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : "اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة".
كما روى مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : "عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك".
كما روى مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: "إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع وإن كان عبدًا مجدع الأطراف".
وفي لفظ: "وإن كان عبدًا حبشيًا مجدع الأطراف".
كما روى مسلم في صحيحه من حديث أم الحصين رضي الله عنه أنها سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع وهو يقول: "ولو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا".
وقد أوجب الإسلام طاعة ولي الأمر حتى لو ضرب ظهرك أو أخذ مالك بغير حق، وأن من خرج على ولي الأمر فمات على ذلك فميتته جاهلية، فقد روى البخاري ومسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "من رأى من أميره شيئًا يكرهه فليصبر عليه فإنه من فارق الجماعة شبرًا فمات إلا مات ميتة جاهلية".
وفي رواية للبخاري ومسلم واللفظ للبخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كره من أميره شيئًا فليصبر فإنه من خرج من السلطان شبرًا مات ميتة جاهلية".
وقد لوحظ في هذه الأيام وجود دعاة عليهم سيما التدين إلا أنهم يتعصبون إلى فرق متفرقة وأحزاب متباينة لا يتورعون عن وصف مخالفيهم بالخروج من الدين ويكفرون ما لم يكفره الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم .
وقد رسم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المنهج الحق لما يحب أن يكون عليه المسلم عند تفرق الكلمة وتشتت الرأي، فأوجب على المسلم أن يلزم جماعة المسلمين وإمامهم، وأن يدع الفرق كلها إلا التي فيها الإمام وذلك فيما حدث به حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد روى البخاري ومسلم من طريق أبي إدريس الخولاني قال: سمعت حذيفة بن اليمان يقول: كان الناس يسألون رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم. قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن. قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر.
قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها. قلت: يا رسول الله، صفهم لنا، قال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا. قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم.
قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك.
وفي لفظ لمسلم من طريق أبي سلام قال: قال حذيفة بن اليمان: قلت: يا رسول الله، إنا كنا بشر فجاء الله بخير فنحن فيه فهل من وراء هذا الخير شر؟ قال: نعم. قلت: هل وراء ذلك الشر من خير؟ قال: نعم. قلت: فهل وراء ذلك الخير شر؟ قال: نعم. قلت كيف؟ قال: يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس.
قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله، إن أدركت ذلك؟ قال: تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع.
وبهذا يتضح بما لا مجال للشك فيه أن الفرقة الناجية هي من كانت مع جماعة المسلمين وإمامهم.
فالزم أيها المسلم المنهج المستقيم واحذر أشد الحذر من اتباع الهوى ودعاة الجحيم. والدين النصيحة ، والحمد لله رب العالمين .
المصدر مجلة التوحيد : http://www.altawhed.com/Detail.asp?InNewsItemID=143539
 
عودة
أعلى