بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وسلم تسليما
أخي الفاضل الدكتور حسن عبد الجليل
القول بأن القرآن نزل بلسان قريش يدل على أنه نزل بلهجتها، وهذا كلام بعيد عن الصحة والأثر الذي أشرتَ إليه لا يصح عن ذي النورين رضي الله عنه
ذكرت أن نزول القرآن بلسان قريش يعني أنه نزل بلهجتها وهذا أمر بعيد، وهو الخلط الذي نجده اشتهر بين الناس بحصول الترادف بين اللسان واللهجة أو بين اللسان واللغة أو قريبا من هذا.
ثم يتبين هذا الخلط فيما يفهمه الباحثون اليوم من توجيه القراءات وتعليلها كونه حكما للرد والقبول وهو كلام بعيد.
ولو تمعنت لوجدت أن أغلب من كتب فيه من الأوائل من العجم الذين دخلوا الاسلام. حتى من بدؤوا بوضع قواعد اللغة العربية.
أما كون الكلام لا يصح عن ذي النورين فمردود لأن الأثر صحيح أورده البخاري في كتاب فضائل القرآن، باب نزل القرآن بلسان قريش.. والقول بعدم صحته هو الذي يحتاج إلى مراجعة.
فتأمل أخي الحبيب قول الله تعالى : (مالك يوم الدين) و (ملك يوم الدين)، (فأزلهما الشيطان عنها) و (فأزالهما الشيطان عنها)، (فتلقى آدمَ) (فتلقى آدمُ)، (ولا يقبل منها شفاعة) (ولا تقبل منها شفاعة)، (وإذ وعدنا موسى) و(وإذ واعدنا موسى)، (وقولوا حطة نغفر لكم) و (وقولوا حطة تغفر لكم) و(وقولوا حطة يغفر لكم)
أي هذه الأوجه نزل بلسان قريش؟
ثم تأملت ما قدمت من أمثلة فوجدت تفسيرها قريبا مما روى البخاري ومسلم وغيرهما عن عمر بن الخطاب قال : سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأنيها، فكدت أن أعجل عليه، ثم أمهلته حتى انصرف ثم لببته بردائه، فجئت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله، إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أرسله.. اقرأ. فقرأ القراءة التي سمعته يقرأ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هكذا أنزلت ثم قال لي : اقرأ فقرأت فقال : هكذا أنزلت إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه. وهذا الحديث صحيح، وعمر وهشام رضي الله عنهما قرشيان. فإن كان الأمر متعلق بلهجة قريش ما اختلفت قراءتهما، ولكنها متعلقة بالتنزيل، والتنزيل نزل باللسان لا باللهجات.
وإنما ذكرت ذلك لأن القرآن نفسه إذا ذكر التنزيل ربطه باللسان.
واللسان أشمل من اللغة واللهجة، كونه يجمع إلى جانب اللفظ الخط، كما هو قول ذي النورين رضي الله عنه : اكتباه بلسان قريش. وفي رواية بلسان مضر فإنه أنزل بلسان قريش.
وفي معنى حديث عمر رضي الله عنه الذي سبق، ما رواه مسلم عن أبي بن كعب قال : كنت في المسجد فدخل رجل يصلي، فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فلما قضينا الصلاة دخلنا جميعا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه فأمرهما النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ، فحسن النبي صلى الله عليه وسلم شأنهما، فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما قد غشيني، ضرب في صدري ففضت عرقا، وكأنما أنظر إلى الله تعالى فرقا، فقال لي : يا أبي أرسل إلي أن اقرأ القرآن على حرف فرددت إليه أن هون على أمتي فرد إلي الثانية اقرأه على حرفين فرددت إليه أن هون على أمتي فرد إلي الثالثة اقرأه على سبعة أحرف فلك بكل ردة رددتكها مسألة تسألنيها فقلت اللهم اغفر لأمتي اللهم اغفر لأمتي وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي فيه الخلق كلهم حتى إبراهيم عليه السلام.
ولعل أحدا يقول كيف تفهم كلمة هون على أمتي غير اتباع لهجاتهم ؟
وهذا ليس هو الأمر، إنما التهوين في الأحكام المترتبة هن تعدد اللفظ، فيكون تخفيفا ورحمة بأهل الإيمان. أما اللفظ فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قارئ القرآن الذي يتعتع فيه فذكر أن له أجران.
هذا والله تعالى أعلم.
يغفر الله لي ولكم.
د. عمارة سعد شندول
(السنة الثانية من مرحلة الماستر في العلوم الإسلامية)