السلام عليكم
قال الناظم ـ رحمه الله ـ :
447ـ و
قيل و
غيض ثم
جيئ يشمها لدى كسرها ضما (
ر)جال (
لـ)تكملا
448ـو
حيل بإشمام و
سيق (
كـ)ـما (
ر)سا و
سيئ و
سيئت (
كـ)ـان (
ر)اويه (
أ)نبلا
بدأ السخاوي ـ رحمه الله ـ شرحه بتوجيه القراءة فقال إن : ( الأصل في ( قيل) قُوِل ، اسثقلت الكسرة في الواو فنقلت إلى القاف فلما سكنت الواو وانكسر ما قبلها قلبت ياء .
وكذلك ( سيء) و( سيق )و(حيل )أصلها سُوِي ، سُوِق ، حُوِل.
وأما (غيض ) و(جيء) فهما من الياء والأصل : (غُيِض ) و (جُيِئ )استثقلت الحركة فيهما على الياء فنقلت إلى ماقبلها وأزالو الضمة التي في أوائلها. أ. هـ شرح السخاوي
قلت : لاحظ أن ( غيض ) ( وجيء ) ننقل ولا نبدل والأفعال الأخري (قيل ) ( سيء)
و( سيق )و(حيل ) ننقل ونبدل .
ويظهرمماسبق أن السخاوي ركز ـ في ذكرالإعلال والإبدال ـ على عين الكلمة بينما
هناك من ركز على فاءالكلمة كابن زنجلة إذ يقول : ( استثقلت الضمة على فاء الفعل وبعدها واو مكسورة ( سيء ـ سيق ـ حيل) وياء مكسورة (غيض ـ جيء) فنقلت الكسرة منهما إلى فاء الفعل و قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها فقيل في ذلك قيل وحيل وأخواتها ) .أ .هـ حجة القراءات ابن زنجلة
و
أقول : ومن تأمل علم أن الخلاف في النظرة الأولى فقط فهذا نظر إلى استثقال الضمة وبعدها كسر وذاك نظر إلى كسرة الثاني مع أن قبلها ضما وفي النهاية التقوا على وجهة واحدة .
ثم بدأ السخاوي شرحه بعد التوجيه السابق
فقال : ( والعلماء يعبرون عن هذا بالإشمام ، والروم ، والضم ، والإمالة )
ثم
برر السخاوي اختيارالشاطبي لقوله :( يشمها) فقال: (لأنها عبارة عامة النحويين وجماعة من القراء المتأخرين وفي العبارة تننبيه على أن أول الفعل لا يكسركسرة خالصة)
قلت : فهم الشيخ الضباع من هذا أن الظاهر من كلام الشاطبي أن جزء الكسرة مقدّم .انظر الإضاءة في أصول القراءة للضباع
.
و
نقل السخاوي علة الذين أسموه روما بقولهم : (هو روم في الحقيقة وتسميته بالإشمام تجوز في العبارة.
و
أضاف أن : ( الذين أسموه ضما – وهم عامة أئمة القراء- فإنما عبروا عنه كما عبروا عن الإمالة بالكسر تقريبا ومجازا، لأن الممال فيه كسر، وهذا فيه شيء من الضم ) .
وذكر أن الذين عبروا عنه بالإمالة فلأن الحركة ليست بضمة محضة ولا كسرة خالصة كما أن الإمالة ليست بكسرمحض ولا فتح خالص.
وبين السخاوي أن "حقيقة هذا الإشمام أن تنحو بكسرة فاء الفعل نحو الضمة فتمال كسرة فاء الفعل، وتميل الياء الساكنة بعدها نحو الواو قليلا، إذ هي تابعة لحركة ما قبلها، وإنما قيل لذلك إمالة لأنه قد دخله من الخلط والشوب ما دخل الإمالة .
التنبيه على الأخطاء والرد عليها
و
قد نقل السخاوي عن الداني ـ رحمه الله ـ خطأ من زعم أن الإشمام هنا إيماء بالشفتين إلى ضمة مقدرة مع كسرة فاء الفعل كسراخالصا .
وأيضا
أوضح خطأهم عندما قالوا : ( إن شئت أومأت بشفتيك قبل اللفظ بالحرف المشم الذي تومئ إلى حركته وإن شئت بعده وإن شئت معه ) .
ثم ذكر السخاوي رد الداني عليهم حينما قال : ( وهذا كله خطأ باطل لا شك فيه من قبل أن الإيماء قبل اللفظ بالحرف المشم الذي تومئ إلى حركته غير ممكن .إذ لم يحصل قبل ملفوظا به فكيف تؤمئ إلى حركته وهو معدوم في النطق أيضا .
هذا مع تمكن الوقوف على ما قبله والابتداء به فيلزم أن يكون ابتداء المبتدئ بذلك إعمال العضو وتهيئته قبل النطق ، ولم يسمع بهذا قط ولا ورد في لغة ولا جاء في قراءة ولا يصح في قياس ولا يتحقق في نظر .
ويبن الداني ـ رحمه الله ـ : أن الإيماء بعد اللفظ به مكسورا محضا غيرمستقيم .وكذلك الإيماء معه في تلك الحال لا يمكن .إذ لو كان ذلك ,لوجب أن يستعمل في النطق بذلك عضو اللسان للكسرة والشفتان للإشارة ومحال أن يجتمعا معا على حرف واحد في حال تحريكه بحركة خالصة إذ ليس في الفطرة إطاقة ذلك .
وبين الداني الدافع وراء هذا التصور فقال : ( الحامل لصاحب هذا القول هو القياس منه على كيفية الإشمام عند الوقف على أواخر الكلم . إذ يؤتى به هناك بعد سكون الحرف والفراغ منه ، وبين المكانين فرقان غير مشكوك فيه على ما بينا .
و
نقل السخاوي عن الداني أنه قد : ( زعم آخرون أن حقيقة الإشمام أن يضم أوله ضما مشبعا ثم يؤتى بالياء الساكنة بعد تلك الضمة الخالصة ).
و
رد عليهم قائلا : ( وهو باطل لأن الضمة إذا أخلصت ومطط اللفظ بها ، انقلبت الياء بعدها واوا إذ لا يصح ياء بعد ضمة كما لا يصح واو بعد كسرة ) .
وأضاف أن هناك زعما آخر زعمه قوم من أهل الأداءوهو : ( أن حقيقة الإشمام في ذلك أن تشم أوله ضما مختلسا ).
فرد عليهم : وهذا أيضا باطل لأن ما يختلس من الحركات ولا يتم الصوت به كهمزة بين بين وغيرها لا يقع أبدا أولا . وذلك لقربه بالتضعيف والتوهين من الساكن المحض .
الغرض من الإشمام
بين السخاوي الغرض من الإشمام ـ الذي هو حركة مركبة من حركتين ضمة وكسرة ـ بأنه الدلالة على هاتين الحركتين في الأصل (
قال الضباع : أما الضمة ففي الفاء، وأما الكسرة ففي العين لأن الأصل فُعِل ) .
وأوضح السخاوي لم استخدم الشاطبي قوله : ( لتكملا ) بقوله : ( لما كان الإشمام دالا على الأصل (فُعل ) صارت الكلمة كأنها منطوق بها على أصلها من غير تغيير فلذلك قال الشاطبي ( لتكملا ) .
معنى جميل
وأضاف السخاوي أن معنى قول الناظم : ( كما رسا ) أي كما استقر في النقل وثبت .
وهناك معنى جميل ذكره السخاوي وهوعند قول الناظم ـ رحمه الله ـ :
( كان راويه أنبلا ) يعنى : كان راويه نبيلا لأنه قد اتفق عليه إمام المدينة ( نافع ) وإمام الشام ( ابن عامر ) وإمام النحو والقراءة الكسائي .
ولم يبين السخاوي أن قراءة الضد هي الكسر الخالص إلا عندما وجه القراءة فقال : ( ومن أخلص الكسر فللياء التي بعده ) . أ . هـ شرح السخاوي على الشاطبية
التأثر
تأثر السخاوي بالداني كثيرا ونقل عنه الكثير في هذين البيتين .
وأم
ا أبو شامة فقد زاد عن شيخه السخاوي بأن أوضح الأفعال التي بها إشمام ومواضعها والآيات
.
وخصص أبو شامة لفظ ( قيل ) التي ذكرت فقال : (وما جاء من لفظ (قيل ) وهو فعل ماض )
هل يؤخذ على الشاطبي الاطلاق ؟
بين أبو شامة أن الشاطبي أطلق هذه الأفعال ( قيل وأخواتها ) ولم يبين مواضع القراءة مع أن فيها ما قد تكرر (
قلت :
وهذا قد يسبب لبسا فمثلا : هل يعني الشاطبي بالفعل( قيل ) سورة البقرة أم كل المواضع القرآنية ؟ )
وقد أزال اللبس أبو شامة حيث قال : (والعادة المستمرة منه ( الشاطبي ) فيما يطلق ( من الأحكام ) أن يختص بالسورة التي هو فيها كما في-يكذبون-السابقة ولكن لما أدرك مع ( قيل ) هذه الأفعال الخارجة عن هذه السورة كان ذلك قرينة واضحة في طرد الحكم حيث وقعت ( قيل ) وغيرها من هذه الأفعال . أ . هـ إبراز المعاني لأبي شامة
قلت : أوافق أبا شامة على هذا التبرير فقد وفق فيه ـ رحمه الله ـ أيما توفيق.
واختصر أبو شامة قول السخاوي عند قول الناظم ـ رحمه الله : ( لتكملا ) فقال : معناه أي ليكمل الدلالة على الأمرين .
وأضاف أبو شامة أن قول الناظم : ( رجال ) فاعل يشمها وأن قوله : ( ضما ) مفعول ثان .
تنبيه
نبه أبو شامة تنبيها مهما حيث قال : (وأما قيل الذي هو مصدر فلا يدخل في هذا الباب ( يعني لا إشمام في قاف قيلًا وقيله ) إذ لا أصل له في الضم ( لأن المعني ما كان أصله ضما في أول الفعل فالإشمام للدلالة على هذا الأصل وأما قيلا المصدر فليست كذلك ) وهو في نحو (ومن أصدق من الله قيلا-وقيله يا رب-إلا قيلا سلاما سلاما-وأقوم قيلا) )
قلت : هذه إشارة يحتاج إليها المبتدئ .ويضاف إليها قول ابن القاصح : ( بل يقرأ بكسر أوائله للجميع )
بيان
ومن ثم أقول : هل يؤخذ على الشاطبي ـ رحمه الله ـ عدم إخراجه ( قيلا ) المصدر ؟
فالجواب أنه لا يؤخذ عليه لأنه وببساطة قد ذكر أفعالا( قيل وأخواتها كلها أفعال ماضية مبنية لما لم يسم فاعله ) لا أسماء فمن ثم لا يخطأ الشاطبي هنا وأيضا إجابة إبي شامة السابقة تؤيد هذا .
و
أما تنبيه المحررين في متونهم بإخراج ( قيلا وقيله ) فلكي يزيلو اللبس الذي قد يقع للمبتدئ لا أنه يلزم الشاطبي ذكره والله أعلم .
وقد أضاف أبو شامة أن الرموز في هذين البيتين ( ر) جال ( ل ) تكملا ــ ( ك ) ما ( ر) سا ـ (ك) ان ( ر) اويه ( أ ) نبلا . أ . هـ إبراز المعاني لأبي شامة
التأثر
لا شك أن أبا شامة تأثر بشيخه في هذا البيت تأثرا شديدا .
وأما الفاسي فقد تميز عندما شرح كل بيت على حده ، وأيضا عندما نسب كل قراءة لصاحبها حيث قال : ( المشار إليهما ( رجال لتكملا ) وهما : الكسائي وهشام
أشما كسر ( قيل ) و ( غيض ) هود 44 و ( وجآىء ) الزمر 69 والفجر 23 )
ضما
وأن من أشار إليهما بالكاف والراء ( كما رسا ) وهما ابن عامر والكسائي فعلا ذلك في ( وحيل ) سبأ 54 و ( وسيق ) الزمر 71 73
وأن من أشار إليهم بالكاف والراء والهمزة ( كان راويه أنبلا )
وهم : ابن عامر والكسائي ونافع فعلوا ذلك في : ( سىء ) هود 77 والعنكبوت 33 و ( سيئت ) الملك 27 . أ .هـ شرح الفاسي
قلت :
الدليل على أن هذه الرموز المفردة لمن ذكرمن الأئمة قول الشاطبي : ( جعلت أبا جاد على كل قارئ دليلا على المنظوم أول أولا )
مواطن الاتفاق والاختلاف بين القراء
تميز الفاسي ببيان مواطن الاتفاق والاختلاف بين القراء
فقال : ( فحصل من جميع ما ذكر أن الكسائي وهشاما يشمان في الجميع .
وأن ابن ذكوان يوافق في ( وحيل ـ وسيق ـ سيء ـ سيئت )
وأن نافعا يوافق في ( سيء ـ سيئت ) فتعين للباقين الكسر الخالص في الجميع .
وقد
زاد الفاسي أن قول الناظم : ( وسيق ) مبتدأ محذوف الخبر والتقدير : بإشمام أو صله .
وأن قوله : ( وسيء ) فيها حذف مضاف إذ التقدير : وإشمام سيء . وأن قوله : ( أنبل ) على وزن أفعل بمعنى فعيل إلا أنه أبلغ منه .. أ . هـ اللآلي الفريدة شرح القصيدة للفاسي
التأثر
تأثر الفاسي بالسخاوي لا يخفى بأدنى تأمل .
وأضاف شعلة أن الإشمام لغة بني أسد . و
أوضح أنه لا خلاف في كسر قاف قوله ـ تعالى ـ : ( قيلا ) و ( وقيله ) ـ
وإضافته هنا أنه ميز عن غيره أنهما كلمتان ـ إذ ليسا بفعل . أ . هـ كنز المعاني شرح الشاطبية
وأما
ابن القاصح فتميز حيث قال : (
ولم يقتصر الناظم على ذكر الإشمام بل قال : ( يشمها لدى كسرها ضما ) لأنه لو سكت على الإشمام لحمل على ضم الشفتين المذكور في باب الوقف . وهذا الإشمام يخالف الإشمام المذكور في باب الوقف لأنه في الأول ويعم الوصل والوقف ويسمع وحرفه متحرك وذاك في الأخير والوقف ولا يسمع وحرفه ساكن ويخالف المذكور في الصاد ـ نحو الصراط عند من أشم الصاد زايا . أ . هـ شرح ابن القاصح
قلت : لذا يفضل في نحو (قيل ) أن يسمى روما لا إشماما .
وأضاف ابن القاصح أن الواو في قول الناظم : ( وحيل ) فاصلة فقط وبرر هذا بقوله : ( لأنه استأنف الحكم فلو لم يستأنفه لجعلناها عاطفة فاصلة .
ومن ثم أخبر
ابن القاصح أن الواو في قول الناظم : ( وسيئ ) عاطفة فاصلة . أ . هـ سراج القارئ شرح الشاطبية
فائدتان
1 ـ
خالف الشاطبي ـ هنا ـ صنيع الداني حيث ذكر الداني في سورة البقرة حكم ( قيل ـ غيض ـ جيء )
وفي سورة سبأ ( حيل ـ سيق )
وفي سورة هود ( سيئ ـ سيئت ) .
وقد جمع الشاطبي ـ هنا كما رأيت ـ الكلمات كلها .
والذي ظهر لي أن الداني ـ رحمه الله ـ راعى اتفاق الرواة في الكلمة المذكورة فألحق بها نظائرها بينما الشاطبي ـ رحمه الله ـ ركز على الكلمات فذكرها هنا ولكل وجهة والله أعلم .
وهل يؤخذ على الشاطبي هذا ؟
ا
لجواب : لا . فقد قال ـ رحمه الله ـ : ( وفي يسرها التيسير رمت اختصاره ) فما ذكره الداني مفرقا يحق للشاطبي ذكره مجمعا متى اقتضى الموقف هذا .
2 ـ
يستحسن عند شرح هذين البيتين أن نقول : ( واختلف في الفعل الثلاثي الذي قلبت عينه ألفا في الماضي كقال إذا بني للمفعول وهذه الأفعال سبعة وهي ( قيل ) حيث جاء ـ غيض ـ ( جيء ) حيث جاء ( وهما موضعان ) ـ وحيل ـ ( سيء ) حيث جاء ( وهما موضعان ) ـ ( وسيق ) حيث جاء ( وهما موضعان ) ـ ( سيئت )
ثم نشرع في شرح البيتين .
تنبيهات
1 ـ
نقل الشيخ الضباع كيفية الأشمام ـ ونسبه الضباع إلى الجعبري وغيره ( قلت : ذكره البناء الدمياطي في إتحاف فضلاء البشر ) ـ فقال : ( وكيفية اللفظ به أن تلفظ بأول الفعل بحركة تامة مركبة من حركتين إفرازا لا شيوعا فجزء الضمة مقدم وهو الأقل ويليه جزء الكسرة وهو الأكثر ولذا تمحضت الياء ) . أ هـ الإضاءة في أصول القراءة للضباع
قلت : سيظهر معنى الإفراز والشيوع في آخر تنبيه .
3 ـ
نسب النويري التسميات للإشمام
فقال : ( ابن الجزري والشاطبي والداني يسمونه إشماما إما مجازا أو على رأي الكوفيين ( الكوفيون يسمون الروم إشماما والإشمام روما )
و قال أبو العز ( روم ) وأبو العلاء ( ضم ) وهو مجاز والأهوازي ( رفع ) .
4 ـ ذكر ابن السداد ( المالقي ) ـ في شرح كتاب التيسير للداني ـ فوائد حيث قال : ( اعلم أن حقيقة هذا الإشمام أن تضم شفتيك حال النطق بكسرة القاف .. بل
لابد أن يكون الغالب في النطق لفظ الكسرة ولفظ الياء ..
وإذا تقرر هذا لزم أن
هذا النوع من الإشمام يدرك بحاسة السمع ، لأنك تفرق بسمعك بين الكسرة الخالصة في ( قيل ) والكسرة المشمة ...
ولو سمي هذا الإشمام في : ( قيل ) ونحوها ( روما ) لكان أنسب على رأي البصريين لأنه مسموع .
وتسميته إشماما على رأي الكوفيين أنسب لكون هذا الإشمام مصاحبا للنطق . أ . هـ الدر النثير شرح التيسير
5 ـ قال الداني : ( والعبارة عن الإشمام بالرفع والضم كالعبارة عن الإمالة بالكسرة والإمالة والإضجاع و
هي مجاز واتساع ) أ . هـ جامع البيان
6 ـ نظم الداني ـ رحمه الله ـ في الأرجوزة المنبهة ـ كلمات الإشمام والتوجيه و كيقيته فقال :
وقد يشم ضمها الكسائي **** وغيرُه من جلة القراء
في {قيل} ثم {حيل} ثم {سيء} ****و{سيق} ثم {غيض} ثم {جيء}
دلالة على بناء الفعل ****وكيف كانت فاؤه في الأصل
وحكم الاشمام لهذا القسم **** بأن يمال الكسر نحو الضم
كما يمال الفتح نحو الكسر **** في (النار) و(النهار) فاعلم وادري
7 ـ
اختلفت عبارات القدامى ـ رحمهم الله ـ في كيفية أداء هذا النوع من الإشمام ــ فظهر في كلام البعض إفرازا لا شيوعا
وأقول : معنى الفرز لغة : فصل الشيئ وعزله
وفي هذا يقول ابن منظور : ( وأُفْرِزَ له نَصِيبُهُ : عُزِلَ و فَرَزْتُ الشيء أَفْرِزُه إِذا عزلته عن غيره فَرَزْتُ الشيء من الشيء أَي فصلته .والشيوع في اللغة معناه : الانتشار.
أ. هـ لسان العرب بتصرف كبير
وهناك نقاش بعنوان : ( الخلاف في الإشمام بين قراء مصر وقراء الشام ) لأخينا الفاضل الشيخ
الد كتور/ أنمار ـ جزاه الله خيرا ـ وهذا النقاش كان في ملتقى أهل القرآن منذ ما يقرب من خمس سنوات ـ
سأذكر ملخصه ولن أعلق كثيرا فهو يتميز بجمع أكثر كلام القدامى كما أنه واضح العبارة وإليك الملخص :
ذكر أخونا الفاضل
د / أنمار ـ حفظه الله ـ تعريف الشيوع بأنه
( اختلاط الحرفان فيتولد منهما صوت واحد بين الواو والياء)
وأما الإفراز: فهو
(التركيب فقط في أول الفعل ثم تتمخض الياء)
ورأى
فضيلة الشيخ وليد بن إدريس المنيسي ـ حفظه الله ـ : أن الإشمام في نحو : قيل وغيض وسيئ ..عبارة عن جعل القاف مشكولة بجزء ضم وجزء كسر ، وجزء الضم مقدم أولاً ، ثم يأتي جزء الكسر قبل الياء ، وبالتالي فلا يتأثر صوت الياء ، بل تخرج الياء خالصة كأي ياء مدّية خالية من الإشمام .
قلت سامح :
نص الأئمة يشير إلى تأثر الياء وانظر على سبيل المثال : شرح ابن الناظم على الطيبة إذ يقول : ( المراد بالإشمام هنا خلط الحركة بالحركة والحرف بالحرف ينحى بالكسر نحو الضمة والياء بعدها نحو الواو . أ . هـ شرح الطيبة
وغيره كثير وسيذكر بعضهم أخونا د / أنمار حفظه الله .
وأضاف الشيخ وليد المنيسي :
وفي الحقيقة أنا كنت استغربت جدا عندما كنت أقرأ العشر الكبرى على شيخنا وأستاذنا العلامة الدكتور محمد سامر النصّ الدمشقي حفظه الله عندما أخبرني أن أهل الشام يجعلون جزء الضم مخلوطا بجزء الكسر في الإشمام مما يجعل الياء في قيل وغيض وسيء تخرج بصوت كأنه بين الياء والواو وقرأت عليه موضعا أو موضعين بالطريقتين المصرية والشامية ثم واصلت القراءة بعد ذلك مقتصرا على طريقة المصريين التي شرحتها من قبل .
وأكد الشيخ وليد بقوله : وقد راجعت وقتها عددا من كتب القراءات التي كانت موجودة بين يدي ووجدت عباراتهم تفيد أن الإشمام في القاف ولم أجد فيها أن الياء يتأثر صوتها بالإشمام وهذا يعضد طريقة المصريين . أ . هـ كلام الشيخ وليد
قلت ـ سامح ـ ظهر في كتب كثير من الأئمة تأثر الياء .
وأضاف
د أنمارنقلا عن الداني قوله : فأما الإشمام في قوله عز وجل قيل وسيء ونظائرهما على مذهب من أشم أوله الضم دلالة على الأصل
فحقه أن ينحى بكسرة فاء الفعل المنقولة من عينه نحو الضمة كما يُنحى بالفتحة في قوله عز وجل: من النار، من نهار، وشبههما إذا أريدت الإمالة المحضة نحو الكسرة فكذلك ينحى بالكسرة إذا إريد الإشمام نحو الضمة،
لأن ذلك كالممال سواء. وهذا الذي لا يجوز غيره عند العلماء من القراء والنحويين.
اهـ
وأضاف د / أنمار لمحة ذكية ـ بحق ـ حيث قال : تفصيل الكلام بتشبيهه بالإمالة يجعله شيوعا لا إفرازا، ولم أقف في الشروحات لأحد يقول أن الإمالة فقط تأخذ أول الفتح وتترك الباقي ألفا خالصة.
ولتأكيد فكرته استدل بكلام أبي شامة د / أنمار ـ حفظه الله ـ حيث قال أبو شامة ـ رحمه الله ـ :
( والمراد بالإشمام في هذه الأفعال أن
ينحى بكسر أوائلها نحو الضمة وبالياء بعدها نحو الواو فهي حركة مركبة من حركتين كسر وضم أ . هـ
ثم قال
د أنمار : (وأنت ترى أنه يؤكد على أن منحى الضم يكون في الحرف وكذا في الياء )
و
كذا بقول السخاوي تلميذ الشاطبي رحمهما الله تعالى عندما تحدث عن حقيقة الإشمام :
: "وحقيقة هذا الإشمام أن تنحو بكسرة فاء الفعل نحو الضمة فتمال كسرة فاء الفعل،
وتميل الياء الساكنة بعدها نحو الواو قليلا، إذ هي تابعة لحركة ما قبلها، وهذا وجه من عبر عن الإشمام بالإمالة ، لأن الحركة ليست بضمة محضة، ولا كسرة خالصة، كما أن الإمالة ليست بكسرة محض ولا فتح خالص". اهـ
اهـ
وعلق د/ أنمار ـ وتعليقه صحيح واضح صريح جزاه الله خيرا ـ هو صريح في الشيوع أيضا.
قلت ـ سامح ـ : وقد أضاف البناء الدمياطي قولا يثبت صحة هذا القول ـ أيضا ـ حيث قال : (
بإشمام الكسرة الضم وبياء بعدها نحو واو ) أ . إتحاف فضلاء البشر
وأما الشيخ وليد ـ حفظه الله ـ فلتأييد وجهته استدل بكلام
الإمام أبو زرعة زَنْجَلة
أشار في أوائلهن إلى الضم لتبقى بذلك دلالة على معنى ما لم يسم فاعله وأن ا
لقاف كانت مضمومة . اهـ " حجة القراءات
واستدل كذلك بقول الإمام مكي بن أبي طالب القيسي:
"
فمن أشم أوائلها الضم أراد أن يبين أن أصل أوائلها الضم ...فلما كانت ضمة أوائل الأفعال الستة محذوفة أتي بالإشارة لتدل على الحركة المحذوفة من الكلام .... فإن قيل هل تسمع هذه الإشارة أو لا تسمع وهل ترى أو لا ترى وهل تحكم على الحرف الأول الذي معه الإشارة بالضم أو بالكسر ؟ فالجواب : أن الإشارة إلى الضم في هذه الأفعال تسمع وترى في نفس الحرف الأول ، والحرف الأول مكسور ، ومع ذلك الكسر إشارةٌ إلى الضم تخالطه ، كما أن الحرف المتحرك الممال الإمالة فيه تسمع وترى في نفس الحرف الممال والممال مفتوح ومع ذلك الفتح إشارة إلى الكسر تخالطه ...... ألا ترى أن أوائل هذه الأفعال لو كانت مضمومة أو الضم أغلب عليها لانقلبت الياءات واوات إذ ليس في كلام العرب ياء ساكنة قبلها ضمة ... اهـ الكشف عن وجوه القراءات السبع
وعلق الشيخ وليد ـ حفظه الله :0( والذي يظهر لي أن كلامهما يعضد طريقة المصريين في الإشمام )
قلت سامح : يحتمل هذا وإن كان الثاني سيتأثر بالتبعية وبالطبع تلقي الشيخ وليد على مشايخه هذا يعد دليلا على صحة هذا الرأي خصوصا وهناك نصوص تؤيد هذا .
وقد علق أخونا الفاضل الشيخ
د/ أنمار بسؤال ذكي ـ حقا ـ
حيث وجه سؤالا لفضيلة الشيخ الأستاذ وليد المنيسي سلمه الله.
قائلا :
هل جميع من ذكرت ينطقون الجزء الأول بحركة مركبة أم أنها فقط ضمة خالصة قصيرة ثم يتلوها الياء الخالصة؟
لأنه هذا ظاهر كلام العلامة الصفاقسي رحمه الله في غيث النفع:
قيل:
معا (يقصد الآيتين أول البقرة)
قرأ هشام وعلي (أي الكسائي)
بإشمام كسرة القاف الضم
وكيفية ذلك أن تحرك القاف بحركة مركبة من حركتين ضمة وكسرة وجزء الضمة مقدم ويليه جزء الكسرة ومن يقول غير هذا فإما أن يكون ارتكب المجاز أو قال بما لا تحل القراءة به.
اهـ بلفظه من غيث النفع ص 83 على هامش سراج القارئ طبعة البابي الحلبي
فتفسيره للتركيب هو تقسيم الحركة إلى جزئين وكأنه ليس ككلام الإمام الضباع رحمه الله تعالى في الإضاءة.
فقد قال:
وكيفية التلفظ به:
أن تلفظ بأول الفعل (أي فائه) بحركة تامة مركبة من حركتين ضمة وكسرة، إفرازا لا شيوعا، جزء الضمة مقدم، وهو الأقل، ويليه جزء الكسرة، وهو الأكثر، ومن ثم تمحضت الياء.
كذا ذكره الجعبري وغيره.
اهـ
فهل ترى خلافا بين العبارتين ؟ ، ثم ما هو الذي عليه العمل عند مشايخنا من قراء مصر؟
ولا يزال الكلام للدكتور أنمار ووجدت عبارة ابن القاصح صريحة فيما عليه قراء الشام
قال:
وكيفية الإشمام في هذه الأفعال أن تنحو بكسر أوائلها نحو الضمة والياء بعدها نحو الواو فهي حركة مركبة من حركتين كسر وضم، لأن هذه الأوائل وإن كانت مكسورة فأصلها أن تكون مضمومة لأنها أفعال ما لم يسم فاعله فأشمت الضم دلالة على أنه أصل ما تستحقه وهي لغة فاشية للعرب وأبقوا شيئا من الكسر تنبيها على ما تستحقه من الإعلال ولهذا قال الناظم لتكملا أي لتكمل الدلالة على الأمرين . أ . هـ ص 149 من سراج القارئ طبعة البابي الحلبي
فأجاب فضيلة الشيخ وليد المنيسي ـ حفظه الله ـ :
الذي تلقيته وسمعته ممن سمعته منهم موافق لما نقلتموه عن الصفاقسي في غيث النفع
البداءة بجزء ضمة ثم بعد ذلك جزء كسرة بعده ياء مدية لا يظهر فيها أثر للواو .
وأقول سامح : كلام الصفاقسي السابق يشير إلى تأثر الياء نحو الواو . لا كما يقول فضيلة الشيخ وليد منيسي حفظه الله
ختاما
هكذا انتهت ـــ حسب ما عندي في جهاز الحاسوب وإن كان هناك نقص فليراجع وليضف ــ
هذه المناقشة الهادفة الهادئة وقد تميز كلا المحاورين بأدب جم زادهم الله رفعة وأدبا ـ ـ آمين
وبهذا يتبين أن هناك طريقتين في الأداء
فليقرأ كل بما أخذ ولكل وجهة وإن كنا نؤيد أن هناك تأثرا في حرف الياء .
وهناك بحث في الروم والإشمام لأخينا وشيخنا الشيخ عبد الحكيم عبدالرازق ـ حفظه الله ـ ولكن للأسف لم أجده عندي الآن نأمل من الشيخ الكريم وضع ما هو متعلق بالمسألة التي هي محل بحثنا هنا لتتم الفائدة .
والله أعلم وأحكم وصلى الله على محمد وسلم .