الا بحبل من الله وحبل من الناس

إنضم
27/05/2003
المشاركات
32
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بارك الله فيكم ايها الاخوة واعتذر على طول الغياب لكني انشغلت بظروف والله المستعان والحمدلله ها انذا اعود الى الاخوة والمشايخ الفضلاء

بارك الله فيكم في قوله تعالى الا بحبل من الله وحبل من الناس
وهي في وصف اليهود والاية في سورة ال عمران

السوال احسن الله اليكم هل ورد اثر عن السلف رحمهم الله ان حبل من الناس تاتي بمعنى التحالفات مع اليهود ودعمهم المادي وما الى ذلك
الباعث على السؤال وفقكم الله انه استدل احد الاخوة بان مساعدة الغرب لليهود في هذا العصر قد تحمل على الاية

اسال الله ان يثيبكم على جهدكم
اخوكم
طلال العولقي
 
و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته

أخي الكريم طلال

بحثت حسب اجتهادي المتواضع فلم أعثر على قول يؤيد ما استدل به محاورك و لكني وجدت تفسيرا لأحد المعاصرين وهو ابن عاشور صاحب التحرير و التنوير فيه إشارة إلى ذاك المعنى . إذ يقول - رحمنا الله و إياه - :

وقوله { إلا بحبل من الله وحبل من الناس } الحبل مستعار للعهد، وتقدّم ما يتعلق بذلك عند قوله تعالى{ فقد استمسك بالعروة الوثقى }
في سورة البقرة (256) وعهد الله ذمّته، وعهد النَّاس حلفهم، ونصرهم، والاستثناء من عموم الأحوال وهي أحوال دلّت عليها الباء التي للمصاحبة. والتَّقدير: ضربت عليهم الذلّة متلبِّسين بكُلّ حال إلاّ متلبّسين بعهد من الله وعهد من النَّاس، فالتَّقدير: فذهبوا بذلّة إلاّ بحبل من الله.

والمعنى لا يسلمون من الذلّة إلاّ إذا تلبَّسُوا بعهد من الله، أي ذمّة الإسلام، أو إذا استنصروا بقبائل أولى بأس شديد، وأمّا هم في أنفسهم فلا نصر لهم. وهذا من دلائل النُّبوّة فإنّ اليهود كانوا أعزّة بيثربَ وخيبر والنضير وقريظة، فأصبحوا أذلّة، وعمَّتهم المذلّة في سائر أقطار الدنيا.

اهــ

هذا في انتظار ما سيضيفه الإخوة بإذن الله .

و الله أعلم .
 
أبا زينب

السلام عليكم

الطبري يريد أن تكون الذلة مضروبة عليهم على الدوام--ففسر الآية تفسيرا كان موضع تقد من الرازي


قال الطبري((ولكن القول عندنا أن البـاء فـي قوله: { إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ ٱللَّهِ } أدخـلت لأن الكلام الذي قبل الاستثناء مقتض فـي الـمعنى البـاء، وذلك أن معنى قولهم: { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيْنَمَا ثُقِفُواْ }: ضربت علـيهم الذلة بكل مكان ثقـفوا، ثم قال: { إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ ٱللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ ٱلنَّاسِ } علـى غير وجه الاتصال بـالأول، ولكنه علـى الانقطاع عنه، ومعناه: ولكن يثقـفون بحبل من الله وحبل من الناس، :))

أرأيت مقصوده--فقد كانت " إلا" عنده بمعنى " لكن" أي أن الذلة مضروبة عليهم في كل الأمكنة وفي كل الأزمنة وهم يثقفون بحبل من الله وحبل من الناس المؤمنين--وهو يؤكد أن هذه هي صفتهم دائما

وكان الرازي قد انتقد قول الطبري بقوله((واعلم أن هذا ضعيف لأن حمل لفظ { إِلا } على (لكن) خلاف الظاهر،))

فما رأيك أيها الأخ الفاضل؟
 
أخي جمال رعاه الله

و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته

أظن أن ما ذهب إليه الطبري و القرطبي رحمهما الله في تفسيريهما راجع إلى واقعهما آنذاك . و هذا ما جعلهما يفسران حرف إلا بمعنى لكن أي أنه حرف استثناء منقطع لا متصل .
فلو عاش الطبري رحمه الله بيننا اليوم لكان له رأي آخر . إذ أن واقعنا يشهد أن اليهود ليسوا الآن في ذلة بل في علو و استكبار و هذا مصداق قوله تعالى في سورة الإسراء { و قضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين و لتعلن علوا كبيرا } الآية 4

و قد رد ابن عاشور رحمه الله و إيانا على من فسر حرف إلا بـ لكن في قوله تعالى " و ما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ " . فراجعه إن شئت .

وفقنا الله و إياك إلى ما يحب و يرضى .
 
أخي أبا زينب

وفقك الله ورعاك

أظن أنهم في ذلة ما بعدها ذلة--فهم استحقوا كراهية واستصغار كافة الشعوب--والشعوب كلها تخلصت منهم بافتعال كيان لهم

ويكفي أن كيانهم عالة على المساعدات الخارجية--وهذه هي المسكنة


وإذا كان إبن عاشور لا يريد أن يفسر الإستثناء كما فسره الطبري فما يمكن له أن يفعل مع هذه الآية التي تتناول ضرب الذلة والمسكنة عليهم -قال تعالى((وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ))البقرة 61

لاحظ دون أي إستثناء في هذه الآية --والقرآن يفسر بعضه بعضا---فكيف يمكن أن نجمع بين كونه لم يستثن في آية البقرة

واستثنى في آية آل عمران(ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ المَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ)
أنتظر توضيحك
 
اخي الكريم جمال حفظه الله

أفلا يكون هذا من باب تقييد العام ؟

أي أن آية آل عمران خصصت ما كان مطلقا في آية البقرة ؟

و الله أعلم .
 
نبهني الأخ الفاضل جمال - جزاه الله كل خير- إلى خطإ وقعت فيه .
إذ كان من الأولى أن أتحدث عن تقييد المطلق و تخصيص العام .

لذا وجب التنبيه .

و بارك الله فيك أجي جمال .
 
أحب الصالحين و لست منهم * * * لعلي أن أنـال بهم شـفاعة
و أكره مَن تجارتُه المعاصي * * * و لو كنا سواء في البضاعة

إذا كان هذا كلام الإمام الشافعي رحمه الله فماذا عساي - أنا -أن أقول ؟

نفعني الله و إياك و أهل المنتدى بأسرار كتابه .
 
جزاكم الله خيراً
1. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله - :
{ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ } هذا إخبار من الله تعالى أن اليهود ضربت عليهم الذلة، فهم خائفون أينما ثقفوا، ولا يؤمنهم شيء إلا معاهدة، وسبب يأمنون به، يرضخون لأحكام الإسلام، ويعترفون بالجزية.
أو { وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ } أي: إذا كانوا تحت ولاية غيرهم ونظارتهم، [كما شوهد حالهم سابقا ولاحقا، فإنهم لم يتمكنوا في الوقت الأخير من الملك المؤقت في فلسطين، إلا بنصر الدول الكبرى، وتمهيدهم لهم كل سبب] .
انتهى
وقال محقق الكتاب - الشيخ عبد الرحمن بن معلا اللويحق - تعليقاً على ما بين المعكوفتين :
قد يشكل- على القارئ- هذا الموضع إذ هو عن ملك اليهود لفلسطين مع أن الشيخ ألف التفسير قبل ذلك، ولكن هذه الجمل الموضوعة بين القوسين المركنين زيادة من هامش النسخة، لعل الشيخ كتبها بعد سنين من كتابته التفسير، والله أعلم.
انتهى
2. وقال الشيخ العثيمين - رحمه الله - في فوائد آية البقرة - :
ومنها : ضرب الذلة على بني إسرائيل ، وقد ذكر الله تعالى أنهم ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله - وهو الإسلام - ، أو بحبل من الناس ، وهو المساعدات الخارجية ، والمشاهد الآن أن اليهود أعزاء بما يساعدهم إخوانهم من النصارى .
انتهى
وتجد توسعا وتوكيداً لما ذكره الشيخ ها هنا في " تفسير آل عمران " .
 
وفي هذا الجواب فوائد نافعة إن شاء الله
كيف يتطابق قوله تعالى عن اليهود : (وَضُرِبَتْ عَلَيْهم الذِّلَّةُ وَالمَسْكَنَةُ) مع واقعهم الحالي؟
يقول الله سبحانه وتعالى عن اليهود في السورة رقم 3 آية 112 ( باءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ) ، لكن يبدو أن أحوال اليهود حسنة ، ويبدو أنهم أثرياء ، ويبلون حسناً ، فهل بوسعكم - رجاء – التفسير ، بارك الله فيكم .

الجواب :
الحمد لله
الآية الكريمة التي ذكرها السائل هي قوله تعالى : (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) آل عمران/112 .
وأما معناها : فقد قال ابن كثير رحمه الله :
أي : ألزمهم الله الذلة ، والصَّغَار ، أينما كانوا ، فلا يأمنون (إِلا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ) أي : بذمَّة من الله ، وهو عَقْد الذمة لهم ، وضَرْب الجزية عليهم ، وإلزامهم أحكام الملة ، (وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ) أي : أمانٌ منهم ، ولهم ... .
وقوله : (وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ) أي : أُلزموا ، فالتزَمُوا بغضب من الله ، وهم يستحقونه .
( وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ) أي : أُلزِموها قَدراً ، وشَرْعاً ، ولهذا قال : (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ) أي : وإنما حملهم على ذلك : الكبْر ، والبَغْي ، وَالْحسَد ، فأعْقَبَهم ذلك : الذِّلة ، والصَّغَار ، والمسكنة ، أبداً ، متصلا بذلة الآخرة ، ثم قال تعالى : (ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) أي : إنما حَمَلهم على الكفر بآيات الله ، وقَتْل رُسُل الله ، وقُيِّضوا لذلك : أنّهم كانوا يُكثرون العصيان لأوامر الله عز وجل ، والغشيان لمعاصي الله ، والاعتداء في شرع الله ، فَعِياذًا بالله من ذلك ، والله المستعان .
" تفسير ابن كثير " ( 2 / 104 ) .
والذلة التي ضربها الله على اليهود تشمل الذلة القدرية التي قدَّرها الله عليهم ، والذلة الشرعية ، بمعنى أن الله تعالى أمرنا بإذلالهم ، بضرب الجزية عليهم .
قال الطبري رحمه الله :
و " الذلة " هي الصغار الذي أمر الله جل ثناؤه عبادَه المؤمنين أن لا يعطوهم أماناً على القرار على ما هم عليه من كفرهم به ، وبرسوله ، إلا أن يبذلوا الجزية عليهم لهم .
" تفسير الطبري " ( 2 / 136 ) .
وقال رحمه الله :
أخبرهم الله جل ثناؤه أنه يبدلهم بالعز ذلاًّ ، وبالنعمة بؤساً ، وبالرضا عنهم غضباً ، جزاء منه لهم على كفرهم بآياته ، وقتلهم أنبياءه ورسله ، اعتداءً ، وظلماً منهم بغير حق ، وعصيانهم له ، وخلافاً عليه .
" تفسير الطبري " ( 2 / 137 ) .
وسبق قول ابن كثير رحمه الله : " أُلزِموها قَدراً ، وشَرْعاً " .
فالله تعالى قدَّر عليهم الإذلال بسبب كفرهم ، وفسادهم ، وحكم به عليهم شرعاً بما ضربه عليهم من الجزية .
ومن هذا الباب قول تعالى : ( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) الأعراف/ 167 .
قال ابن كثير رحمه الله :
قوله : (لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ ) أي : على اليهود ، (إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ) أي : بسبب عصيانهم ، ومخالفتهم أوامر الله ، وشرعه ، واحتيالهم على المحارم .
ويقال : إن موسى عليه السلام ضرب عليهم الخراج سبع سنين ، وقيل : ثلاث عشرة سنة ، وكان أول من ضرب الخراج ، ثم كانوا في قهر الملوك ، من اليونانيين ، والكشدانيين ، والكلدانيين ، ثم صاروا في قهر النصارى ، وإذلالهم إياهم ، أخذهم منهم الجزية ، والخراج ، ثم جاء الإسلام ، ومحمد عليه أفضل الصلاة والسلام ، فكانوا تحت صغاره ، وذمته ، يؤدون الخراج ، والجزية .
" تفسير ابن كثير " ( 3 / 497 ) .
وهذا هو واقع اليهود على مرِّ الأزمان ؛ وحتى في هذا العصر الحديث لا تجد لهم محبة ، ولا قبولاً في الأرض ، وما مذابح الأوربيين لهم في " أوربا " ببعيد ، وهم يؤمنون بذلك , ولذلك لا يعيشون إلا منعزلين ، منطوين ، أو أذلاء يستجدون النصرة من دول الكفر ، والمنظمات الدولية .
قال ابن القيم رحمه الله في وصف اليهود - :
فالأمَّة الغضبية هم اليهود ، أهل الكذب ، والبهت ، والغدر , والمكر ، والحيل , قتلة الأنبياء , وأكلة السحت - وهو الربا ، والرشوة - أخبث الأمم طوية , وأرداهم سجية , وأبعدهم من الرحمة , وأقربهم من النقمة , عادتهم البغضاء , وديدنهم العداوة والشحناء , بيت السِّحِر ، والكذب ، والحيل , لا يرون لمن خالفهم في كفرهم وتكذيبهم الأنبياء حرمة , ولا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة , ولا لمن وافقهم حق ، ولا شفقة , ولا لمَن شاركهم عندهم عدل , ولا نَصَفَة , ولا لِِمَن خالطهم طمأنينة , ولا أمََنة , ولا لمن استعملهم عندهم نصيحة ، بل أخبثهم : أعقلهم ، وأحذقهم : أغشهم , وسليم الناصية - وحاشاه أن يوجد بينهم : ليس بيهودي على الحقيقة , أضيق الخلْق صدوراً , وأظلمهم بيوتاً , وأنتنهم أفنيةً , وأوحشهم سجيَّةً , تحيتهم : لعنة , ولقاؤهم : طيرة ، شعارهم : الغضب , ودثارهم : المقت .
" هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى " ( ص 8 ) .
وهذه صفات اتفق عليها القاصي والداني ، والقريب والبعيد ، ولذلك لوحقوا ، وطوردوا ، على مر الزمان ؛ وحتى في هذا العصر لا ينعمون بالأمان حتى في دولتهم المزعومة .​

ثانياً:
أما ما يقوله الأخ السائل من وجود " الغنى " و " العز " لليهود في زماننا هذا : فهو لا يخالف معنى الآية ، وبيان ذلك من وجهين مُجملين :
1. ضرب الذلة والمسكنة على اليهود لازم لا يتخلف ، وقد استثنى الله تعالى في " الذلة " – لا المسكنة - بقوله : ( إِلا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ ) فما تراه هو من هذا ، وأما بمجردهم : فهم أحقر من أن يكون لهم عز ، ونصر ، ولذلك لا يُعرف لهم انتصار في معركة دخلوها وحدهم ، ولا يزالون في حاجة إلى الشرق والغرب لتثبيت دولتهم ، فإما مددهم من الله ليذل بهم من تركوا دينه ، أو حبل من الناس : عهد وميثاق مع المؤمنين ، أو تحالف مع دول الكفر لنصرتهم ، وتأييدهم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
وأمَّا كون اليهود كانوا ينتصرون على العرب : فهذا لا يُعرف ، بل المعروف خلافه , والله تعالى قد أخبر بما يدل على ذلك ، فقال تعالى : ( ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ) آل عمران / 12 ، فاليهود من حين ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله ، وحبل من الناس : لم يكونوا بمجردهم ينتصرون ، لا على العرب ، ولا غيرهم ، وإنما كانوا يقاتلون مع حلفائهم قبل الإسلام ، والذلة ضربت عليهم من حين بعْث المسيح عليه السلام فكذبوه ، قال تعالى : ( إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) آل عمران/ 55 ، وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ ) الصف/ 14 .
" مجموع الفتاوى " ( 1 / 302 ) .
وقال الطاهر بن عاشور رحمه الله :
والمعنى : لا يسلمون من الذلّة ، إلاّ إذا تلبَّسُوا بعهدٍ من الله ، أي : ذمّة الإسلام ، أو إذا استنصروا بقبائل أولى بأس شديد ، وأمّا هم في أنفسهم : فلا نصر لهم ، وهذا من دلائل النُّبوّة ؛ فإنّ اليهود كانوا أعزّة بيثربَ ، وخيبر ، والنضير ، وقريظة ، فأصبحوا أذلّة ، وعمَّتهم المذلّة في سائر أقطار الدنيا .
" التحرير والتنوير " ( 4 / 56 ) .
2. أن " المسكنة " ليست هي " الفقر " ، بل لعلهم أغنى الناس ، لكن المسكنة التي ضربها الله عليهم هي إظهار فقرهم ، وبُخلهم بما في أيديهم ، وقد أخبرنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أنه ( لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ ) رواه البخاري ( 6081 ) ومسلم ( 1051 ) ، وأنَّى لهؤلاء هذا الغنى ؟! .​

وقد ردَّ الشيخ العثيمين رحمه الله على ما ذكره الأخ السائل ، وقد لخَّصنا كلامه في نقاط ، نرجو أن تكون مفيدة .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – في تفسير قوله تعالى : ( وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ) البقرة/ من الآية 61 - :
( وضربت عليهم الذلة والمسكنة ) :
1. خبرٌ مِن الله عن بني إسرائيل أنه ضُربت عليهم الذلة والمسْكنة ، ( الذلة ) هذه في الشجاعة ، أذلة ، لا يقابِلون عدوّاً ، قال الله تعالى : ( لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ ) الحشر/14 .
2. و ( المَسْكَنة ) يعود إلى الفقر ، فليس عندهم شجاعة ، وليس عندهم غِنى ، لا كرماً بالمال ، ولا كرماً بالنفس ؛ لأن الشجاعة كرم بالنفس ، يجود الإنسان بنفسه لإعلاء كلمة الله ، والكرم : جود بالمال ، ثم - والعياذ بالله - ما حصل لهم هذا ، ولا هذا ، بل العكس ( ضُرِبَت عَلَيْهِم الذِّلَّة ) فلا شجاعة عندهم ، وضربت عليهم المسكنة فلا جود عندهم ، ولهذا لا يوجد أمَّة أفقر من اليهود ، ولا أبخل ، أي : لا أفقر قلباً منهم ، وليس مالاً ، وإلا فأموالهم كثيرة .
3. فهذه الذلة - والعياذ بالله - عليهم مضروبة ، وكذلك المسْكنة ، فإذا قال قائل : الواقع خلاف هذا الأمر ؟! قلنا : لا يمكن أن يكون الواقع مخالفاً لكلام الله ، ورسوله ، وإنما الخطأ في الفهم ، والتصور ، أما كلام الله : فلا يختلف ، فنقول :
هذه الآية مطلقة – أي : قوله تعالى : (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ) البقرة/61 - وفي قوله تعالى في آل عمران : (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ)آل عمران/112 : ما يقيِّد هذه الآية ، ويصير المعنى : " ضُربت الذلة والمسكنة إلا بحبلٍ مِن الله وحبلٍ مِن الناس " ، فإذا وصلهم الله تعالى ، أو وصلهم الناس : فإنهم تزول عنهم الذلة ، ويكون معهم شجاعة ، وقوة .
4. الحبل من الله ما هو ؟ قيل : إنه الإسلام ، والحبل من الناس : أن يمدهم الناس غير اليهود بما يمدونهم به ، فاليهود الموجودون الآن في حبلٍ من الناس يمدهم ، وهم النصارى في كل مكان ، يمدونهم ؛ لأن الله يقول : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) المائدة/51 ، وهذا خبر ، والخبر من الله : لا يُخلف ، النصارى تمدهم من جميع أقطار الدنيا ، إما علناً وإما سرّاً ، وإما مباشراً أو غير مباشرٍ .
5. الحبل من الله قلنا : إنه الإسلام - على ما ذكره كثير من أهل العلم - ويحتمل عندي : أنه أعم من الإسلام ؛ لأنهم إذا أسلموا : زال عنهم وصف اليهودية ، وصاروا من المسلمين ، لكن عندي أنه ( حبل من الله ) : أن الله قد يسلطهم على غيرهم ؛ عقوبةً لهم ، قد يُسلَّطون على غيرهم ، وتكون لهم الغلبة ، عقوبة على الآخرين ؛ لعلهم يرجعون إلى الله عز وجل ، لا سيما إذا كانوا من أمَّة محمد عليه الصلاة والسلام ، وعصوا وأَبعدوا عن هذه الملة : فإن الله عز وجل يسلِّط عليهم مَن شاء مِن خلقه ؛ لعلهم يرجعون ، وهذا الأمر هو الواقع ، لو نظرنا إلى الذين جعلوا أنفسهم في مسير هؤلاء اليهود - وهم العرب - : لوجدنا أكثرهم ضالين - ولا سيما ذوي القيادات منهم - منحرفين عن الحق ، بل ربما يصل أمر بعضهم إلى الكفر - والعياذ بالله - ، فلذلك يسلَّط عليهم هؤلاء ، ويحصل ما يحصل .
6. إذن يزول عنَّا الاشتباه في قوله : ( وَضُرِبَت عَلَيْهِم الذِّلَّةُ وَالمَسْكَنَةُ ) : " لماذا نراهم الآن في هذه الحال ، والآية خبرٌ من الله ، وخبر الله حق وصدق ، لا يمكن أن يتخلف " :
فالجواب :
أن هذه الآية مقيَّدة بقوله تعالى ( ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ ) ، وانظر التقييد في " آل عمران " : تقييد في الذلة فقط ، لكن المسكنة غير مقيدة ، ولذلك هم مضروب عليهم المسكنة أينما كانوا ، ولا يمكن أن يبذلوا قرشاً إلا وهم في أملٍ أن يحصلوا درهماً ، فالمسكَنة مطلقة ، والمذلة مقيدة ، ( إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنَ الله وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ ) .
" تفسير سورة البقرة " ( الشريط رقم 10 ، وجه أ ) .​
والله أعلم
 
وفي هذا الجواب فوائد نافعة إن شاء الله
كيف يتطابق قوله تعالى عن اليهود : (وَضُرِبَتْ عَلَيْهم الذِّلَّةُ وَالمَسْكَنَةُ) مع واقعهم الحالي؟
يقول الله سبحانه وتعالى عن اليهود في السورة رقم 3 آية 112 ( باءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ) ، لكن يبدو أن أحوال اليهود حسنة ، ويبدو أنهم أثرياء ، ويبلون حسناً ، فهل بوسعكم - رجاء – التفسير ، بارك الله فيكم .

ولكن الحال منقلب اللان ، فصرنا اشد الناس ذلة وصغارا ويبعث الله علينا من يسومنا سوء العذاب ، وضربت علينا الذلة والمسكنة وبئنا بغضب من الله اكثر من اهل الارض الاخرين ،
وصاروا اكثر الناس اعزة ، ولانخرجهم من بيوتهم وارضهم واموالهم ، وانما يخرجونا هم من ارضنا واموالنا وابناءنا ويخربون بيوتنا بايديهم وايدينا ، واتى الله بنياننا من القواعد فخر علينا السقف من فوقنا ، فماذا يقول السادة المشايخ الافاضل ؟
 
الجواب موجود في النقل السابق ، وهو :
" لكن عندي أنه ( حبل من الله ) : أن الله قد يسلطهم على غيرهم ؛ عقوبةً لهم ، قد يُسلَّطون على غيرهم ، وتكون لهم الغلبة ، عقوبة على الآخرين ؛ لعلهم يرجعون إلى الله عز وجل ، لا سيما إذا كانوا من أمَّة محمد عليه الصلاة والسلام ، وعصوا وأَبعدوا عن هذه الملة : فإن الله عز وجل يسلِّط عليهم مَن شاء مِن خلقه ؛ لعلهم يرجعون ، وهذا الأمر هو الواقع ، لو نظرنا إلى الذين جعلوا أنفسهم في مسير هؤلاء اليهود - وهم العرب - : لوجدنا أكثرهم ضالين - ولا سيما ذوي القيادات منهم - منحرفين عن الحق ، بل ربما يصل أمر بعضهم إلى الكفر - والعياذ بالله - ، فلذلك يسلَّط عليهم هؤلاء ، ويحصل ما يحصل " .
 
الجواب موجود

الجواب موجود

الجواب موجود في النقل السابق ، وهو :
" لكن عندي أنه ( حبل من الله ) : أن الله قد يسلطهم على غيرهم ؛ عقوبةً لهم ، قد يُسلَّطون على غيرهم ، وتكون لهم الغلبة ، عقوبة على الآخرين ؛ لعلهم يرجعون إلى الله عز وجل ، لا سيما إذا كانوا من أمَّة محمد عليه الصلاة والسلام ، وعصوا وأَبعدوا عن هذه الملة : فإن الله عز وجل يسلِّط عليهم مَن شاء مِن خلقه ؛ لعلهم يرجعون ، وهذا الأمر هو الواقع ، لو نظرنا إلى الذين جعلوا أنفسهم في مسير هؤلاء اليهود - وهم العرب - : لوجدنا أكثرهم ضالين - ولا سيما ذوي القيادات منهم - منحرفين عن الحق ، بل ربما يصل أمر بعضهم إلى الكفر - والعياذ بالله - ، فلذلك يسلَّط عليهم هؤلاء ، ويحصل ما يحصل " .
حيا الله فضيلة الشيخ احسان . والحمد لله على ظهوركم في هذا الملتقى الذي هو بحاجة الى أمثالكم من العلماء . فيا ريت تظل معانا . وحياكم الله يا جارنا الطيب العزيز
 
حياك الله أستاذ تيسير ومرحبا بك
والملتقى فيه كثير من أهل الاختصاص وأنا أستفيد منهم
وفقك الله
 
نعم يوجد ولكن للأسف لا يشاركون إلا ما ندر رغم جديّة المواضيع التي تطرق وأهميتها . فمثلاً فقد كتبت مشاركة مهمة بعنوان الرمزية بالاحاديث النبوية فلم يكد يطلع عليها أحد رغم أن هذا الموضوع كما بينت يستحق أن يكتب به بحث أو كتاب . ولكن ربما نجد للأخوة العلماء مخرجاً بأنهم مشغولون . وكلٌ يوتى من قبله . وعلى كل حال بارك الله بفضيلتكم على التفضل بالرد .والسلام عليكم
 
عودة
أعلى