الاعتراضات على التحريرات

أحمد كوري

New member
إنضم
13 يونيو 2008
المشاركات
153
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
موريتانيا
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا عليه كما يحب ربنا ويرضى.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد.
اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
مدخل:
موضوع التحريرات موضوع كثر فيه الجدل بين المقرئين خصوصا في عصرنا؛ لهذا اهتممت بكتابة هذا البحث عنه، ونشره في هذا المنتدى المبارك؛ ابتغاء أن يطلع عليه علماؤنا؛ فيفيدوني بإقرار الصحيح وبتصحيح الخطإ وبحل الإشكال.
يتألف هذه البحث من قسمين:
1 – اعتراضات استشكلها معارضو التحريرات، وأجاب عنها أنصارها. وقد حرصت في هذا القسم على نقل ما وقفت عليه من حجج المعارضين تحت عنوان: "الاعتراض"، ثم نقل ما وقفت عليه من حجج الأنصار تحت عنوان: "الانفصال" على عادة الأصوليين وأصحاب الحواشي في استعمال هذين المصطلحين. ثم بعد ذلك أعقب على الاعتراض والانفصال بتعليق، تحت عنوان: "المناقشة".
2 – اعتراضات تجمعت لدي أثناء بحثي في الموضوع، لم أقف على من طرحها سابقا.
ولما كان الخوض في موضوع التحريرات إنما كثر لدى المتأخرين والمعاصرين، فلا غرو أن يفوتني بعض حججهم، بسبب عدم اطلاعي على بعض الكتب المطبوعة حديثا أو المطبوعة قديما ولم يصل إليها اطلاعي القاصر.
والله ولي التوفيق.
 
1 – القسم الأول:


1 – 1: صعوبة التحريرات:



1 – 1 - 1: الاعتراض:


يكاد المعترضون على التحريرات والمناصرون لها يتفقون على صعوبتها، وإن اختلفوا في درجة تلك الصعوبة؛ فالمعترضون يرون أن صعوبتها أصلية ذاتية فيها ولا يمكن التغلب عليها، والمناصرون يرون أن صعوبتها عارضة لأسباب خارجة عنها، ويمكن التغلب عليها.
فمن المعترضين الشيخ عبد الفتاح القاضي الذي دعا إلى اطراح التحريرات لصعوبتها البالغة[1]، ورأى بعضهم أنها لا تطيقها العقول؛ لأنها أمر بالغ الصعوبة في حين أن الله تعالى يسر القرآن للذكر وأنزل الأحرف السبعة تخفيفا على العباد، كما ينقل عنهم د. عبد الغفور مصطفى جعفر، في قوله: "لأننا نعرف بعضا آخر من العلماء يقول بترك التحريرات؛ لأنها لا تطيقها العقول"[2]، ويقول: "ويضاف إلى ذلك ما شافهني به بعضهم وأشبه جملة في كلام ابن العربي، من أن مثل التحريرات أمر بالغ الصعوبة لا تطيقه العقول، في حين أن الله تعالى يريد التيسير وأنزل الأحرف السبعة تخفيفا على العباد"[3].
أما من عسكر المناصرين فيرى الشيخ الخليجي أن سبب صعوبة التحريرات أنها متفرقة غير مجموعة في كتب، وأكثرها منظومات يصعب فهمها على القارئ العادي، كما يقول: "لما كان العويص من مسائل فن القراءات غير مجموع أكثره في بعض الكتب إلا نظما، على أنه غير متداول بين القارئين لقلة وجوده، أردت أن أضع كتابا يجمع متفرقه، ويبين مغلقه، ويحقق طرقه، ويوفي شرحه حقه، فوفقني الله لجمع هذا الكتاب من أمهات الكتب بعد التحقيق التام، فجاء بحمد الله وافيا بالمرام، لم يترك عويصة إلا بينها، ولا مشكلة إلا حلها، ولا مجملا إلا فصله، ولا خفيا إلا بين ما احتمله، مقتصرا على ما تعلق بالشاطبية والدرة".[4]
ويزيد الشيخ عبد الرازق أن أكثر كتب التحريرات ما زال مخطوطا لا يتمكن القارئ العادي من الاطلاع عليه، كما يقول: "وللأسف جلها [يعني: كتب التحريرات] مخطوط لم تحقق ، نرجو الله أن يقيض لها من عنده القدرة العلمية على تحقيقها إنه سميع مجيب"[5].
ويرى د. عبد الغفور أن سبب صعوبتها ضعف الهمم، والمشقة البالغة في استخلاص كل طريق على حدة من النشر، كما يقول: "والسبب في صعوبتها ضعف الهمة من من ينشدها ليكون مثل ابن الجزري في العلم القلبي بها"[6]، ويقول: "والسبب في التأليف في التحريرات المشقة البالغة في استخلاص كل طريق على حدته من النشر ليقرأ على نظامه بعد العلم به منه".[7]
ويرى الشيخ محمد عبد الحميد أبو رواش أن التحريرات في حاجة إلى توضيح وتبسيط، كما يقول: "وفي الحقيقة إن علم التحريرات في أمس الحاجة إلى جهد كبير من علماء القراءات؛ كي يوضحوا معالمه ويكشفوا عن أسراره عن طريق تحقيق كتب المحررين المخطوطة وتبسيطها لطلاب هذا العلم"[8].
ويرجع الشيخ عبد الرازق بن علي بن إبراهيم موسى صعوبة التحريرات إلى أنها تحتاج إلى اطلاع واسع وذهن ثاقب وبحث واستقراء، خصوصا تحريرات الطيبة فهي صعبة وطويلة لكثرة طرقها، كما يقول: "فائدة: طرق الشاطبية والدرة لا تزيد على واحد وعشرين طريقا؛ لأن لكل راو طريقا واحدا ، ما عدا إدريس عن خلف في اختياره فله طريقان في الدرة ، ولذلك كانت تحريراتها سهلة وخفيفة ، أما طرق الطيبة فهي كما سبق زهاء ألف طريق ، لأن لكل راو من الرواة العشرين طريقين وكل طريق من طريقين إلخ ، يقول ابن الجزري :
باثنين في اثنين وإن لا أربع=فهي زها ألف طريق تجمع
ولذلك كانت تحريراتها صعبة وطويلة، فبذل المحررون جهدهم وحصروا الآيات القرآنية وبينوا ما فيها من الأوجه الممنوعة والجائزة من خلال هذه الطرق في تصانيفهم".[9]
ويعترف بصعوبة التحريرات قائلا: "فعن لي أن أكتب رسالة مختصرة حول تحرير القراءات المتواترة. وقد ترددت في بداية الأمر لعلمي أني لست أهلا للكتابة في التحريرات لصعوبتها ولم أصل فيها إلى درجة شيوخي".[10]
ويرجع الشيخ محمد إبراهيم محمد سالم صعوبة التحريرات إلى اتساع أمرها ودقة طرقها وعدم إسعاف النصوص الصريحة،كما يقول: "وجهدت في التصحيح ما أمكنني وأعتذر بعد ذلك، وللمطلع أن يتخذ طريق السلامة عندما يشكل عليه حكم من الأحكام وما دامت الوجوه المذكورة بكل كتاب من ما في هذه الرسالة لا تتعارض مع التحريرات وبخاصة ما جاء في "الروض" فلا مانع من الأخذ به والقراءة بمضمنه؛ إذ قد يفوت المحرر بعض التحقيقات الموجودة بنفس الكتب لاتساع أمر التحريرات ، وقد لاحظت ذلك بنفس كتب التحرير؛ تلحظ هذا من ما جاء في "تحرير الأزميري للنشر"، ومعلوم ما لابن الجزري في هذا العلم إذ هو محققه ، وأيضا تعقب المتولي - رضي الله عنه - الأزميري في بعض تحقيقاته وصححها، وذلك كله - كما قلت - لاتساع أمر التحرير ودقة طرقه. والله أعلم"[11]، ويقول: " أذكر هنا كتبا أخرى بها رواية خلاد عن سليم عن حمزة ولم يرد ذكرها في طرق الطيبة؛ لإتمام الفائدة وسيرا مع كتب التحرير التي أوردتها ، وسأذكر هنا ما أمكنني تحقيقه وأعتذر عن الخطإ لسعة التحريرات ولعدم إسعاف النصوص الصريحة في كل حكم من الأحكام. وأكرر قولي بأن المطلوب من هذه الرسالة وغيرها من كتب القراءات والتحرير هو اللهج الدائم والجهد المستمر في تلاوة كتاب الله حبا فيه وابتغاء لوجه الله وتحققا بما لأهل القرآن وهم أهل الله وخاصته".[12]
ويرجع الشيخ محمد كريم راجح صعوبة التحريرات إلى أن القارئ بها سيقرأ كل الكتب التي جمع ابن الجزري في النشر وكأنه يقرأ كتابا واحدا لكن بدون أن يلفق بين كتابين، يقول: "فإن الطيبة لا يفهمها ويحسن وجوهها إلا من آتاه الله صبرا على حب العلم وصبرا على إجادة تحقيقه وحفظه (..) وجرب أن تحفظ جزءا من هذه الوجوه التي ذكرها ، ثم تؤديها من ذاكرتك ، فإنك واجد من ذلك عنتا ومشقة . وعلماء القراءات حرصا منهم على أن يحرروا الوجوه ، كتبوا في ذلك كتبا سموها كتب التحرير ، والتحرير معناه : أن يقرأ القارئ الطيبة وهي تجمع عدة كتب تختلف رواياتها ووجوهها عن بعضها بحيث يقرؤها وكأنه يقرأ كتابا واحدا بحيث لا يخلط وجها من هذه الوجوه التي لم ينص عليها في كتاب مع وجه آخر نص عليه فيه ، فهو وإن كان يقرأ الكتب التي جاء بها ابن الجزري كلها في وقت واحد وأداء واحد، فإنه بهذه التحريرات كأنه يقرأ كتابا واحدا؛ وفي ذلك من الصعوبة ما فيه، وكل هذا حتى لا تتداخل الأوجه ولا تختلف الروايات ولا يحصل التلفيق".[13]
ويرجع الشيخ شريف أبو العلا العدوي صعوبة التحريرات إلى أنها تحتاج إلى اطلاع واسع وذهن ثاقب وحافظة واعية: "وعلم التحريرات علم صعب يحتاج إلى اطلاع واسع وذهن ثاقب وحافظة واعية؛ ولذلك فإنه لا يؤخذ إلا عن الجهابذة من محققي علماء القراءات وهو أشبه ما يكون بعلم علل الحديث".[14]
ويتابعه في ذلك الشيخ رمضان بن نبيه بن عبد الجواد هدية، ويزيد عليه أن علم التحريرات كتصحيح وتضعيف الأحاديث لا يقدم عليه إلا أهل البحث والاستقراء[15].
لذلك نجد ظاهرة عامة لدى المحررين هي توقعهم أن كتبهم ستتضمن أخطاء واعتذارهم المسبق عن هذه الأخطاء، كما نرى عند الشيخ النوري والشيخ المتولي والشيخ محمد إبراهيم محمد سالم[16].
من الـمُثُل على صعوبة التحريرات أن منظومة "فتح الكريم" للمتولي قد قررت على طلاب معهد القراءات الأزهري، ثم لاحظ الأساتذة صعوبتها البالغة على الطلاب؛ فنقحها ثلاثة من أساتذة المعهد وقـُرر هذا التنقيح، ثم أحس المسئولون مرة أخرى أن هذا التنقيح لم يخفف من صعوبتها فألغوا مادة التحريرات نهائيا، كما يقول د. الدوسري: "ومع ظاهرة ضعف الدراسة النظامية، طالب بعض طلاب معهد القراءات الأزهري بعدم تقرير التحريرات بزعمهم أنها صعبة، وساعدهم على ذلك بعض العلماء الذين لم يتلقوا القراءات من طريق الطيبة".[17]
ثم أحس الشيخ محمد جابر المصري بأن تنقيح "منظومة فتح الكريم" لم يؤد مهمته كما كان مرجوا، فنقحها مرة أخرى، تسهيلا لتحصيلها وفهمها؛ واختصارا لتطويلها وتذليلا لمسائلها المغلقة، كما يقول:
"وبعد فخذ نظمي اختصار قواعد=لـتحرير مـا في متن طيبة العلا
ليسهل في التحصيل والفهم حفظه=فـقد كـلت الأفهام مـن ما تطولا
وأذكـر فـيه مـا تعين عندهم=ومـا كـان ممنوعا وللخلف أهملا"[18]
(..)
"وقـد تـم هذا النظم بين مسائل=مـغـلـقـة لـكن ربـي ذلـلا"[19]
ثم شعر الشيخ محمد إبراهيم محمد سالم أن هذين التنقيحين لم يجديا نفعا، وأنه ما زالت في الأصل والتنقيحين وجوه يعسر على الطلاب فهمها؛ فنقح الأصل والتنقيحين مرة أخرى في تنقيح جديد[20].


1 – 1 - 2: الانفصال:


يوافق أنصار التحريرات على أن فيها نوعا من الصعوبة، لكنهم يهونون من تلك الصعوبة، ويرونها عارضة يمكن التغلب عليها؛ فالشيخ محمد إبراهيم محمد سالم يضع حلا لمشكلة صعوبة التحريرات بأن ينصح المقرئ بأن يأخذ طريق السلامة والاحتياط عندما يشكل عليه حكم من الأحكام، وينصحه أحيانا بترك القراءة بطرق الكتب المفقودة والتي لا يوجد منها إلا ما في "النشر" وتحريراته، فذلك القدر لا يساعد القارئ كثيرا في القراءة بمضمن هذه الكتب لكثرة سكوت "النشر" وأوهامه، إذ قد أثبت المحررون أن "النشر" وتحريراته في حاجة إلى تحرير؛ فلا يمكن أن يعتمد عليها في القراءة بطرق الكتب المفقودة[21].
ويرى د. عبد الغفور ود. الدوسري أن صعوبة التحريرات عارضة من ضعف الهمم، يقول د. عبد الغفور: "فمن ترك المحافظة على نقل الهيئة الاجتماعية فقد ترك جزءا من الرواية، وهذا نقص فيها وهو عند الكبار عيب، ومنهم صاحب المحاولة [يعني: الشيخ عبد الفتاح القاضي]، ولكنه يريد أن يخفف على الطلبة لما يراه من قصور الهمم وضعف الملكات والحاجة إلى أجزاء أخرى من العلم كما هي يراها أهم".[22] ويقول د. الدوسري: " وقد استمر العمل عليها [يعني: تحريرات المتولي] في معهد القراءات بمصر فترة من الزمن، أما في هذه الأيام فقط ضعفت الهمم ، وانحصر العمل بها عند كبار المقرئين على نطاق ضيق"[23].
ويوافقهما الشيخ عبد الرازق، ومن ثم فقد قارن التحريرات بتعلم اللغات؛ فمن الناس من يتكلم لغات كثيرة ومنهم من يصعب عليه تعلم لغة أجنبية واحدة لضعف همته، ويرى أيضا أن الصعوبة أمر نسبي فربما يصعب الشيء على شخص ويسهل على آخر، ويستشهد على ذلك بالشيخ الزيات وأضرابه الذين ما زالوا يُقرؤون بالتحريرات ولا يجدون أي صعوبة في ذلك، ويرى الشيخ عبد الرازق أن صعوبة التحريرات من نقاط قوتها؛ فلو قضي على التحريرات لأصبح هذا العلم مفتوحا أمام كل من هب ودب وأدي ذلك إلى تخريج قراء أشبه بالعوام، كما يقول: "ثم نعود إلى العالم البارز صاحب البحث [يعني: الشيخ عبد الفتاح القاضي] - يرحمه الله - فقد عبر هذا العالم الجليل عن رأيه الشخصي في التحريرات ، فدعا من يدرس علم القراءات أن يطرح هذه التحريرات ، نظرا لصعوبتها ونصح الدارس أن يكتفي بحفظ متن من متون القراءات كالشاطبية أو الطيبة إلخ . أقول باختصار: إن هذه دعوى للعمل بالتركيب المحظور ، الذي يوقع صاحبه في ما لا يجوز وقراءة ما لم ينزل ، والذي حرمه علماء القراءات على القراء المتخصصين كما سبق ، كما أنه يدعو إلى تخريج قراء يشبهون العوام ، ويقضي على حذاق القراءات. وهذه دعوى مردودة لا يوافقه أحد عليها ، ورأي شخصي لا يؤيده إلا من رأى صعوبة عليه في فهم التحريرات ، ومن يجد صعوبة في تعلم لغة من اللغات مثلا فلا يلومن إلا نفسه ، وليس من حقه أن يدعو الناس إلى تركها، وما صعب على شخص سهل على الآخر ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، وها هو شيخنا الزيات رغم كبر سنه لا زال يقرئ الطيبة بتحريراتها ، ونسأل الله أن يطيل في عمره ، وأن لا يحرم المسلمين من أمثاله ، حتى يظل إسناد الطيبة متصلا تحقيقا لقول الله - عز وجل -: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"[24].
ويقر د. عبد الغفور بصعوبة التحريرات لكنه يرى أن صعوبتها لا تنافي تيسير القرآن؛ لأن القراءة التعبدية تصح بدون التحريرات: "هذا التحرر من التحريرات إلغاء للهيئة الاجتماعية وهي جزء من الرواية؛ فإن تلاوة القرآن تمت على نمط كامل موصوف معروف لأرباب القراءات يراد به (بالإلغاء ) تيسير التلاوة التعبدية؛ فأين هذا من من يريد أن يروي ويحرر الرواية؟!"[25].


1 – 1 - 3: المناقشة:


وصل علم القراءات في مرحلة من تطوره إلى درجة التعقيد التي وصلت إليها سائر العلوم عند المتأخرين؛ ومن هنا فقد استحدث المقرئون صور التحريرات كما نجد عند الشيخ النوري في إحصائه لصور ما بين السور من الوجوه، فقد ذكر مثلا أن بين الفاتحة والبقرة 483 وجه على ما يقتضيه الضرب، والمحرر منها 117 وجه[26]، وذكر أن بين البقرة وآل عمران 3598 وجه على ما يقتضيه الضرب، والمحرر منها 1222 وجه[27] ... وذلك ما يذكرنا بصور بيوع الآجال في علم الفقه[28]، وصور إرث الخنثى المشكل والمناسخات وتعدد الآباء في علم الفرائض[29]، وصور الصفة المشبهة في علم النحو؛ فقد أوصلها الخضري إلى 21888 وجه[30]، وهكذا رأينا المحررين ينطلقون في تصورات افتراضية بعيدة عن الواقع، فهذا الشيخ الأزميري يحرر على وجوه ينص هو نفسه على أنها ممنوعة، كما يقول: "ولا خلاف عن الأزرق في تقليل "لتشقى" وسائر رؤوس الآي إلا ابن الفحام فإنه انفرد بالفتح فيها، ولا يؤخذ به من طريق الطيبة، وإن أخذ به فيختص بالطول في البدل .."[31]، ويقول: " وأما الفتح في رؤوس الآي فلا يقرأ به من طريق الطيبة، وإن قرئ به ..".[32] ولهذا فقد انتقد الشيخ المتولي هذا التردد من الشيخ الأزميري، كما يقول المتولي: "ويؤيده قوله: "فإن قرئ بهذا .." إلى آخره من وجهين: الوجه الأول: أنه علق السابع على الثامن جوازا ومنعا، وما هذا إلا تردد بين، كما تقدمت الإشارة إليه، وكلام الله تعالى منزه عن مثل هذا"[33].
وهذا الضباع أيضا يفرع على افتراضات ينص هو نفسه على أنها غير موجودة في الواقع، كما يقول: "إن قلت: قد علقت الحكم بالغنة ولا غنة هنا. قلت: لقصد ملاحظتها ولو لم توجد؛ لأنها أقرب كلي يتأتى بملاحظته جمع فروع هذه المسألة".[34]
أما اتهام التحريرات بأنها "لا تطيقها العقول" وأنها منافية لتيسير القرآن، فهو اتهام مبالغ فيه؛ ذلك بأن التحريرات - لو فرضنا أنها قد حققت هدفها - ليست أعسر من العلوم الأخرى، ولا منافاة بين عسرها وبين تيسير القرآن؛ فتيسير القرآن حاصل بقراءته بطريق واحدة كما يقرؤه العوام، أو بقراءته بخلط القراءات المتواترة، ولا ينافي ذلك أن علم القراءات بصفة عامة ككل العلوم ليس في متناول العامة، كما قال د. عبد الغفور. ويمكن التغلب على نواح من عسر التحريرات بتحقيق كتبها ونشرها وتبسيطها؛ فالصعوبة هنا عارضة لا أصلية.
والله أعلم.

المراجع:
- أبحاث في قراءات القرآن الكريم: تأليف: عبد الفتاح القاضي – مطبعة عبد الرحمن محمد بميدان الجامع الأزهر بالقاهرة.
- الإمام المتولي وجهوده في علم القراءات - تأليف : د. إبراهيم بن سعيد بن حمد الدوسري – مكتبة الرشد – الرياض – ط 1 – 1420 هـ 1999م .
- تأملات حول تحريرات العلماء للقراءات المتواترة - تأليف : عبد الرازق بن علي بن إبراهيم موسى – نشر: المؤلف – المدينة المنورة – ط1 – 1413هـ.
- حاشية الخضري على شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك – تأليف: الخضري (الشيخ محمد) – دار إحياء الكتب العربية.
- حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير – تأليف: الدسوقي (محمد بن عرفة المالكي المصري) – تصحيح: محمد عليش – دار الفكر – بيروت.
- حل المشكلات وتوضيح التحريرات – تحقيق: الخليجي ( محمد بن عبد الرحمن ) - تحقيق: جمال الدين محمد شرف و/ عبد الله علوان – دار الصحابة للتراث بطنطا – طنطا –1422هـ 2002م.
- خلاصة ما في صريح النص من طريق الطيبة برواية حفص : لمحمد هيثم منيني – دار الفكر / دار الفكر العربي المعاصر – دمشق / بيروت - ط 1 – 1416هـ / 1996 م .
- الذخيرة في الفقه المالكي – تأليف: القرافي (شهاب الدين أحمد بن إدريس) – تحقيق: محمد حجي (وآخرين) – دار الغرب الإسلامي – بيروت – ط 1 – 1414ه/1994م.
- الروض النضير في أوجه الكتاب المنير : للمتولي ( محمد بن أحمد الشافعي ) - تحقيق: رمضان بن نبيه بن عبد الجواد هدية – مطابع الرحمن – الدلجمون – كفر الزيات – مصر – ط 1 – 1426 هـ - 2005 م .
- صريح النص في الكلمات المختلف فيها عن حفص - تأليف : علي محمد الضباع – شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر – القاهرة – 1346 هـ .
- عمدة العرفان في تحرير أوجه القرآن - تأليف : الأزميري (مصطفى بن عبد الرحمن) – تحقيق : محمد محمد جابر ، و/ عبد العزيز الزيات – مكتبة الجندي – القاهرة .
- غيث النفع في القراءات السبع – تأليف : النوري (أبي الحسن علي بن محمد الصفاقسي ) – تصحيح: علي محمد الضباع – بهامش : سراج القارئ المبتدي. سراج القارئ المبتدي وتذكار المقرئ المنتهي - تأليف : ابن القاصح (أبي القاسم علي بن عثمان بن محمد العذري البغدادي) – تصحيح: علي محمد الضباع – المكتبة الثقافية – بيروت .
- الفتح الرحماني شرح كنز المعاني - تأليف : الجمزوري (سليمان بن حسين بن محمد ) – تحقيق : شريف أبو العلا العدوي – دار الكتب العلمية – بيروت – ط 1 – 1422هـ / 2002م .
- فريدة الدهر في تأصيل وجمع القراءات العشر - تأليف : محمد إبراهيم محمد سالم – مطبعة حمادة الحديثة – قويسنا – مصر– 1421هـ / 2001م .
القراءات دراسات فيها وتحقيقات – تأليف : عبد الغفور محمود مصطفى جعفر – رسالة مقدمة لنيل درجة العالمية (الدكتوراه) في التفسير وعلوم القرآن – جامعة الأزهر – كلية أصول الدين – قسم التفسير وعلوم القرآن – 1976م.

[1]- انظر: أبحاث في قراءات القرآن الكريم: 30 – 31.

[2] - القراءات: دراسات فيها وتحقيقات : 99 .

[3] - م. س: 88 .

[4] - حل المشكلات : 3 .

[5] - تأملات حول تحريرات العلماء للقراءات المتواترة : 44.

[6] - م. س: 85 .

[7] - م. س: 85 .

[8]- من تقديمه لـ : تأملات حول تحريرات العلماء للقراءات المتواترة : 3 .

[9] - تأملات حول تحريرات العلماء للقراءات المتواترة: 14 – 15 .

[10] - م. س: 5 .

[11] - فريدة الدهر: 1 / 318 .

[12] - م. س: 1 / 427 .

[13]- من تقديمه لـ : خلاصة ما في صريح النص : 9- 10 .

[14]- من تقديمه لـ : الفتح الرحماني: 4.

[15]- انظر: الروض النضير: 20.

[16] - انظر مثلا النقلين السابقين عن محمد إبراهيم محمد سالم.

[17] - المقصود هو الشيخ عبد الفتاح القاضي، انظر: الإمام المتولي وجهوده في علم القراءات: 358.

[18] - مختصر قواعد التحرير، ضمن فريدة الدهر : 1 / 710 .

[19] - م. س: 1 / 726 .

[20] - انظر: فريدة الدهر: 1/578.

[21] - انظر النقلين السابقين عن محمد إبراهيم محمد سالم.

[22] - القراءات: دراسات فيها وتحقيقات: 94 .

[23] - الإمام المتولي وجهوده في عالم القراءات: 359 .

[24] - تأملات حول تحريرات العلماء للقراءات المتواترة: 40 - 41.

[25] - القراءات: دراسات فيها وتحقيقات: 88 .

[26] - انظر: غيث النفع: 64 – 67.

[27] - انظر: م. س: 172.

[28]- انظر: الشرح الكبير على مختصر خليل للدردير في الفقه المالكي وحاشية الدسوقي عليه: 3/78.

[29] - انظر: الذخيرة في الفقه المالكي للقرافي: 13/23 – 27 و 122 - 129.

[30] - انظر: حاشية الخضري على شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك: 2/37.

[31]- عمدة العرفان: 100 .

[32]- م. س: 152 .

[33]- الروض النضير : 138 .

[34]- صريح النص: 26 .
 
جزيتم خيراً فضيلة الشيخ الدكتور أحمد كوري على إثارة هذه المواضيع المهمة، وهل تأذنون بالمداخلة من الآن أو بعد إكمالكم للموضوع؟ فكما يظهر أن هذا هو القسم الأول وأن هناك أقساماً أخرى ستأتي.
 
جزاكم الله خيرا فضيلة الشيخ، على الاهتمام والمشاركة والإفادة، وشكرا جزيلا لكم.
هذا الموضوع سيمتد – إن شاء الله تعالى – على مدى عدة حلقات لكثرة الجدل في هذا المجال ولـ"سعة التحريرات" و"انتشارها" حسب عبارة الشيخ محمد إبراهيم محمد سالم. لذلك فالمرجو من فضيلتكم أن تصححوا كل حلقة منه على حدة، وذلك المرجو أيضا من سائر علمائنا ومقرئينا الأفاضل، جزى الله الجميع خيرا.

تكملة:
من مُثُل الترف الفكري الذي انشغل به بعض المتأخرين؛ فـأدى إلى تعقيد العلوم – وما كانت التحريرات بدعا من العلوم الأخرى – هذه الـمُثُل التي ذكرها الإمامان القيسي وابن غازي من علم الضبط، يقول د. عبد الهادي حميتو:
"تلك أمثلة من تحقيقات الشيخ [يعني: ابن غازي] في ميدان الرسم، أشفعها بهذا المثال في الضبط أيضا، وهو من ما يعطينا صورة عن سيولة ذهنه وحسه الرياضي في رصد الوجوه والاحتمالات التي يقتضيها التقسيم الحسابي لبعض ألفاظ القرآن التي تجتمع فيها تلك الصور الكثيرة، وهذا المثال ساقه أبو زيد بن القاضي في "الجامع المفيد" له تعليقا على بيتين للإمام القيسي وهما:
أأنذرتهم فيها وجوه كثيرة=لنافعهم مهما رسمت ففي الصور
ثلاثة آلاف تزيد ونيف=ويدري الذي قلنا لبيب إذا اختبر
قال الشيخ ابن غازي: "وهذا على وجه التقريب، وإن لا ففيها لورش ثمانية آلاف وجه، والخطيب في ذلك سهل، وبيان ذلك بإشارة تغني اللبيب ويقاس عليها: أن همزتها الأولى مفتوحة، والفتحة تكون نقطة وألفا مبطوحة، وفي ضبط الكلمة ثمانية أوجه فاضربها في اثنتين تكن ستة عشر، وفي فتحة الذال ما في فتحة الهمزة المذكورة فتضرب الستة عشر بسبب ذلك في اثنين تكن اثنين وثلاثين، والنون معراة على كل حال للقاء حرف الإخفاء، والراء ساكنة، وفي ضبط السكون خمسة أوجه فتضربها في الاثنين والثلاثين بمائة وستين، وفي التاء ما تقدم في الهمزة والذال، فتضربها في المائة والستين بثلاثمائة وعشرين، والهاء بعدها مضمومة، وفي الضم خمسة أوجه: نقط أمام الحرف أو وسطه، واو أمام الحرف أو وسطه، وواو فوقه، فتضرب الخمسة في الثلاثمائة والعشرين يخرج ستمائة وألف، والميم له - لورش - مضمومة، وفي الضم الخمسة الأوجه المذكورة فتضربها في الستمائة والألف يكون الخارج ثمانية آلاف". قال ابن غازي: وهذه الأوجه وأشباهها من ملح هذا الفن، ففيها تمرين للطالب، ولم يزل أصحاب الفنون يفرضون مسائل ليتمرن بها الناشي، ويهتدي بصبح ليلها العاشي، كتراجع الحملاء، والولاية في الطلاق عند الفقهاء، وبيوع الآجال، وكالصفة المشبهة ومسائل التصريف عند النحويين، وأكثرهم اهتماما بذلك أهل الفرائض والحساب".[1]
وما أحسن قول الإمام الدردير في شرحه الكبير لمختصر خليل في باب الجماعة، عن هذا اللون من الترف الفكري: ".. فالصور خمس: ثلاثة بالمنطوق واثنتان بالمفهوم، وفي الخامسة التفصيل الذي علمته؛ فلتحفظ على هذا الوجه فإنها مسألة كثيرة الوقوع، ولا حاجة لك بتكثير الصور بأن تضرب الصور المتقدمة في أحوال ما قبل تكبيرة الإحرام، فإنه لا فائدة فيه سوى تشتيت الذهن وعدم ضبط المسألة الكثيرة الوقوع"[2].
والله أعلم.

[1]- قراءة الإمام نافع عند المغاربة من رواية أبي سعيد ورش: 4/54 - 55 – تأليف: د. عبد الهادي حميتو – ط وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية.

[2]- الشرح الكبير للدردير مع حاشية الدسوقي: 1/348.
 
جزاك الله خيراً يا شيخنا الفاضل على إثارة هذا الموضوع المهم، وقد أردتُ التعقيب على الحلقة الأولى، لكن آثرتُ الانتظار حتى يكتمل نظم العقد الفريد؛ لتتضح أفكاركم المطروحة بشكل تام.
وتقبل تحياتي.
 
لذلك فالمرجو من فضيلتكم أن تصححوا كل حلقة منه على حدة،
أحسن الله إليكم شيخنا، ليست مشاركتنا تصحيحاً، وإنما هي وجهة نظر، وتبيين ما نراه الصواب.
 
جزاكما الله خيرا يا صاحبي الفضيلة، على الاهتمام والمشاركة، وشكرا جزيلا لكما.
 
[FONT=&quot]بسم الله الرحمن الرحيم[/FONT]
[FONT=&quot]اللهم وفقنا لصالح القول والعمل[/FONT]
[FONT=&quot]أنبه أن مناقشتي هي للأقوال لا لأصحابها الذين سخرهم الله لخدمة كتابه، والذين قضوا حياتهم مع القرآن الكريم تعلماً، وتعليماً، وتأليفاً، ودفاعاً عنه، فلهم منا الإجلال والاحترام، وصالح الدعاء، وجميل الثناء.[/FONT][FONT=&quot]
أولاً: الاعتراض على التحريرات لصعوبتها:[/FONT]
[FONT=&quot]
فالذي يظهر لي أن التعليل بالصعوبة لإلغاء مادة التحريرات ـ لا سيما المنسوب إلى الشيخ عبد الفتاح القاضي رحمه الله ـ إنما المقصود منه إلغاؤها من المقررات الجامعية، أو المعاهد الأكاديمية والاقتصار على متون القراءات، وهذا لا بأس به؛ لأن الدراسة الجامعية ـ كواقع ـ إنما هي دراسة أكاديمية يتحصل فيها الطالب على شهادة + ثقافة عامة، ولا يتخرج الملتحق بها ـ غالباً ـ بالدقة في تخصص معين، ولا يُركن ـ من وجهة نظري ـ على تلقي القراءات عن الشخص الجامعي الذي لم يجلس بين يدي العلماء المقرئين المتقنين في الحلقات القرآنية التي يتم فيها عرض القرآن كاملاً بقراءاته وتحرير طرقها، بخلاف المثقف الذي تعرف على القراءات معرفة نظرية، وطبق بعضاً منها كتعرف عام عليها، فالمطالبة بإلغاء التحريرات من الدراسات الأكاديمية لا بأس به ـ وهذه وجهة نظر ـ، أما من الحلقات القرآنية المتخصصة فالأمر فيها يختلف.[/FONT]
[FONT=&quot]
وعلى افتراض قصد الإلغاء المطلق:[/FONT]
[FONT=&quot]
فالجواب ما قاله فضيلة الشيخ عبد الرازق رحمه الله، وأضيف هنا:[/FONT]
[FONT=&quot]
بأن الصعوبة ليس حلها إلغاء كل شيء صعب، وإنما بذل الجهد في تسهيلها، والتعامل مع الصعوبة بأسلوب الإلغاء قد يؤدي إلى إلغاء متون القراءات، فمن اشتغل بحفظها ودراستها أدرك مقدار صعوبتها، ومع ذلك لم نسمع يوماً ممن له اشتغال بهذا العلم يدعو إلى إهمالها من أجل صعوبتها.[/FONT]
[FONT=&quot]وصعوبة التحريرات يمكن التغلب عليها بدلالة أنه يوجد كثير من المقرئين المتقنين يضبطونها، ويوقفون طلابهم عليها، وقد لحظنا ذلك من شيوخنا الذين قرأنا عليهم، فقد كانوا ينبهونا على التحريرات في مواضعها، فالحاصل أن الصعوبة لا خلاف فيها، ولكنها يمكن التغلب عليها.[/FONT][FONT=&quot]
ثانياً: الحلول لتقليل صعوبة التحريرات:[/FONT]
[FONT=&quot]
يرجع صعوبة التحريرات إضافة إلى ما ذكره الشيوخ الفضلاء رحم الله الأموات منهم وحفظ الأحياء إلى عدم وضع قواعد مطردة ترجع إليها الجزئيات، فبسبب سعة التحريرات يواجه المتعلم، بل وكثير من المعلمين صعوبة في حفظ كل مسألة من مسائل التحريرات، فلو قام كبار شيوخ الإقراء بوضع قواعد للمسائل المتعددة التي يمكن تلخيص كل مجموعة منها في قاعدة لقلل صعوبتها، ثم بعد ذلك يُنبَّه على الجزئيات التي لا تضمها أيُّ قاعدة.[/FONT]
[FONT=&quot]وأيضاً حفظ متن من متون التحريرات ـ كتنقيح فتح الكريم للزيات مثلاً ـ حفظاً متقناً مع فهمه يساعد كثيراً على ضبط التحريرات، ثم المواضع التي لم يتعرض لها في المتن يمكن حصرها لقلتها حينئذ، ولا يُقال بأن حفظ متن في التحريرات من الصعوبة التي لا يُتغلب عليها؛ إذ إن متن الطيبة أكثر صعوبة من كثير من متون التحريرات ومع ذلك يحفظه كثير من رواد القراءات.[/FONT][FONT=&quot]
ثالثاً: هل يمكن أن يقع الخطأ من الشيوخ المعتنين بالتحريرات؟[/FONT]
[FONT=&quot]
الشيوخ الذين يأخذون بالتحريرات قد يقعون في الخطأ أحياناً، أو يفوتهم تحرير بعض المواضع، فقد يقع ذلك منهم كله أو بعضه، ولكن هذا أيضاً ليس مبرراً لإلغاء التحريرات، وإنما يعتذر لهم بأنهم قد بذلوا جهدهم في ذلك، فما وقع من خطأ أو نسيان فيرجى لهم فيه العفو والغفران.[/FONT]
[FONT=&quot]
رابعاً: النصيحة بترك القراءة [/FONT][FONT=&quot]بطرق الكتب المفقودة والتي لا يوجد منها إلا ما في "النشر" وتحريراته طلباً لطريق السلامة والاحتياط:[/FONT]
[FONT=&quot]
في الحقيقة لم أجد كلام الشيخ صاحب فريدة الدهر[/FONT][FONT=&quot] في النسخة التي عندي، ربما يكون الرقم الذي أشار إليه د. أحمد كوري حفظه الله في طبعة أخرى غير التي عندي مما لم يمكنني الوقوف عليه، ولكن الذي فهمته من هذا الكلام أن الطرق التي أسندها ابن الجزري إلى مصادرها، ومصادرها الآن مفقودة ينبغي ترك القراءة بها لاحتمال وجود الوهم من ابن الجزري رحمه الله، فإن كان الكلام كما فهمت، فهو في غاية العجب؛ إذ إن الأصل صحة ما في النشر، ولا يحكم عليه بالوهم إلا بما تُحقِّق منه، ومواضع الوهم محدودة جدًّا، وبعضها يحتاج إلى إعادة نظر ومزيد تمحيص وبحث، فأن يترك ما في النشر لاحتمال أن يكون فيه وهم, بدون ما يُثبت وجود الوهم، وإنما اعتماداً على الاحتمالات والتوقعات فهذا أمر غير مقبول.[/FONT]
[FONT=&quot]
خامساً: الإحصاءات التي قام بها بعض العلماء والافتراضات التي افترضها بعضهم:[/FONT]
[FONT=&quot]
من وجهة نظري أن هذه الإحصاءات والافتراضات ليس فيها أي تعقيد؛ إذ إن القارئ ليس ملزماً بحفظها، وبالذات الإحصاءات بين كل سورتين التي ذكرها الشيخ الصفاقسي في غيث النفع إنما هي شيء من التوضيح والتفصيل، وليس فيها ما يخالف القواعد العامة، وإنما هي تبيين لكيفية تطبيقها.[/FONT]
[FONT=&quot]
أكتفي بهذا القدر، وأعتذر عن الإطالة، وركاكة التعبير، وأخطاء اللغة لضيق الوقت والاستعجال، وقلة البضاعة، والله المستعان.[/FONT]
 
جزاكم الله خيرا فضيلة الشيخ، على الاهتمام والمشاركة والإفادة، وشكرا جزيلا لكم. وأعتذر لكم عن هذا الانقطاع الطويل، بسبب تراكم المشاغل والمشاكل، و"مكره أخوك لا بطل".
هذا النوع من الصعوبة الذي يشير إليه الشيخ محمد إبراهيم محمد سالم هنا، لا يتعلق بحفظ التحريرات وتطبيقها، وإنما يتعلق بصناعتها أصلا.
فأكثر المحررين إنما يحررون طرق الطيبة اعتمادا على النشر، لا اعتمادا على الأصول، والنشر نفسه في حاجة إلى تحرير، فكيف يحرر به؟!
فالنشر قد يهمل مذهب أحد أصوله في موضوع، أو يجمله فيه بحيث لا يتضح مقصوده؛ فيبقى المحررون (الذين لم يقفوا على أصول النشر) مبلسين؛ فإما أن يتوقفوا وإما أن يقولوا بالاحتمالات. وهذه صعوبة كبرى واجهت المحررين، حينما أرادوا أن يطبقوا نظرية التحريرات، ولا فكاك من هذه الصعوبة إلا بالرجوع إلى أصول النشر، والتحرير منها مباشرة.
يقول الشيخ محمد إبراهيم محمد سالم مثلا:
"ملاحظة: تحرير أحكام كتابَيِ ابن خيرون الذي أوردته هنا يكثر فيه عدم النص في الروض وغيره من الكتب التي عندي فكان عملي هنا مبنيا على قول هذه المصادر بأن هذا الحكم مذهب الجمهور مثلا أو مذهب سائر العراقيين وأخذت بعض الأحكام التي أوردتها هنا بترك مذهب الغير المنصوص عليه في الحكم وأخذ المذهب الآخر هنا ، وعليه فالأولى عند القراءة بمضمن هذين الكتابين الأخذ بالأقيس وما ليس فيه شك كما عمدت إلى ذلك هنا غالبا"[1].
ويقول أيضا عن كتاب القاصد:
"سردت ما سبق من الأحكام على ما عندي من التحقيقات والتحريرات الخاصة. والله أعلم. والأولى عدم القراءة بمضمنه إلا إذا وفق الله ووجد نفس الكتاب وأخذت منه الأحكام، وما ذلك على الله بعزيز. وأسأل الله السماح والعفو"[2].
ويقول:
"بارئكم: لم يذكر في الرض ولا في البدائع عنها مذهب ابن خيرون، لسكوت ابن الجزري في النشر عن ذلك"[3].
ويقول الإمام المتولي:
"ولم أقف على طريق أبي معشر في هذا البابأقف "[4]
ويقول:
"وأما الإعلان والمجتبى وسبعة ابن مجاهد – وإن كانوا من طريق الطيبة – فلم نذكر منهم شيئا ؛ لأن مذهبهم في ميم الجمع مجهول عندنا"[5].
ويقول:
"ولم أقف على طريق المجتبى فيه"[6].
ويقول:
"وأما مذهب المجتبى فمجهول عندنا"[7].
ويقول الشيخ الضباع:
"وسكت في النشر عن مذهب صاحب المجتبى [في البسملة للأزرق عن ورش] والظاهر أنه الوصل كصاحب العنوان ، وسكت أيضا عن مذهب أبي معشر ويظهر من كلام الروض أنه الوصل أيضا وسكت أيضا عن مذهب صاحب التجريد والذي وجدته فيه من هذه الطرق الوصل ، واستظهر المحرر المتولي البسملة أيضا لصاحب الكامل، فاعرفه"[8].
ويقول:
"وسكت في النشر عن مذهب أبي معشر [في شيء]، وقال المتولي: ولم أقف على طريق أبي معشر في هذا الباب، وسكت عنه أيضا الأزميري كالمنصوري وزاده، وقال السمرقندي: الظاهر أنه كالهذلي"[9].
والله أعلم.

[1] - فريدة الدهر: 1/ 491.

[2] - فريدة الدهر: 1/ 512.

[3] - فريدة الدهر: 1/ 256.

[4] - الروض النضير: 209، من تحقيق فضيلة الشيخ خالد حسن أبي الجود.

[5] - الروض النضير: 274.

[6] - الروض النضير: 322.

[7] - الروض النضير: 338.

[8] - المطلوب: 3.

[9] - المطلوب: 5.
 
الحمد لله على سلامتكم فضيلة الشيخ الدكتور أحمد كوري، وقد اشتقنا كثيراً لمواضيعكم الماتعة، وقلقنا لغيابكم الطويل، رفع الله عنا وعنكم المشاكل والمعوقات، وأهلاً وسهلاً ومرحباً بعودتكم المباركة.
 
عودة
أعلى