الاستئناس بسورة القدر على أن ليلة السابع والعشرين هي ليلة القدر..

إنضم
20/01/2006
المشاركات
1,245
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
الإقامة
المدينة المنورة
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدي ومولاي محمد بن عبد الله وعلى آله وصحابته ومن والاه واتبع سنته وهَداه..
أما بعد/
فقد قرأت في تفسير ابن كثير رحمه الله في سورة القدر أن بعض السلف استأنس ببعض ألفاظ السورة للجزم بأنها السابعة والعشرون من رمضان,وأحببت طرح ذلك النقل هنا لأسأل عن هذا المسلك التفسيري هل هو من قبيل التفسير الإشاري ام لا؟؟
وما العملُ في حال استخدام بعض المفسرين له للاستدلال لأمرٍ راجح,فهل يزيده ذلك الاستنباط رجحاناً ام لا؟ كما هو الحال في الخلاف المشتهرفي ليلة القدر والتي ترجح لدى الكثير من علماءالسلف والخلف أنها ليلة السابع والعشرين,
وأترككم مع النص حيث يقول الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى (وقد حكي عن بعض السلف أنه حاول استخراج كونها ليلة سبع وعشرين من القرآن,من قوله{هِيَ}لأنها الكلمة السابعة والعشرون من السورة,والله أعلم)8/448

وقد أورد القرطبي رحمه الله في كلامه على البسملة أثرا رواه وكيع عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود قال: من أراد أن ينجيه الله من الزبانية التسعة عشر فليقرأ:بسم الله الرحمن الرحيم ليجعل الله تعالى له بكل حرف منها جُنة من كل واحد,فالبسملة تسعة عشر حرفا على عدد ملائكة اهل النار الذين قال الله فيهم{عليها تسعة عشر} فهم يقولون في كل أفعالهم:بسم الله الرحمن الرحيم,فمن هنالك قوتهم وببسم الله استضلعوا.
قال ابن عطية:ونظير هذا قولهم في ليلة القدر إنها ليلة سبع وعشرين مراعاة للفظ هي من كلمات ,سورة {إنا أنزلناه},ونظيره أيضا قولهم في عدد الملائكة الذين ابتدروا قول القائل:ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه,فإنها بضعة وثلاثون حرفا فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم{لقد رأيت بضعا وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها أول} قالابن عطية: وهذا من ملح التفسير وليس من متين العلم 1/127
 
البحث في الكيفية قبل القبول أو الرد

البحث في الكيفية قبل القبول أو الرد

إلى أخي الرجل البر الشيخ محمود الشنقيطي ، سلمه الله ،
أود مناقشة جزء واحد من قضية الاستئناس بالعدد في ترجيح أقوال بعض المفسرين ، فاخترت حروف البسملة :
( بسم الله الرحمن الرحيم ) وقلت : كيف نحسب حروف هذه الجملة ؟ بما نكتب أم بما نقرأ ؟
فحسب المرسوم من الحروف ( ب س م ا ل ل ه ا ل ر ح م ن ا ل ر ح ي م ) يكون العدد 19
ولكن هذا الرسم ناقص لأننا أسقطنا حروفا ننطقها فلها مكان غير مرسوم ، ورسم المصاحف جعل لها رموزا فيما يجب أن يكون مكانًا لها ؛ وهذه الحروف هي همزة الوصل بعد الباء في بسم ، والمد بعد اللامين قبل الهاء في لفظ الجلالة ، والراء المضعفة بحرفين : ساكنٍ ومتحركٍ في الرحمن وفي الرحيم ، والمد بعد ميم الرحمن .
وحسب المنطوق فالأصوات المنطوقة عدتها ثمانية عشر صوتا .
فالفكرة برمتها إن هي إلا تجربة غير مدروسة ، وقد وقع فيها عالم مصري يقيم في أمريكا ادعى أن رقم 19 الذي يمثل عدد حروف البسملة يمكن قسمة عدد الحروف التي في أوائل السور مع مجموع أمثالها في كل سورة منها : عليه وتقبل القسمة ، أي أن مجموع الحروف المثيلة الواردة في أي سورة مبدوءة بالحروف المقطعة يقبل القسمة على الرقم 19 . مثل سورة ( ق ) فمجموع قافات هذه السورة يقبل القسمة على 19 ، وهكذا في السور المماثلة .
ولكن لم تستقم له القاعدة فظهر التخبط ، ثم ما جدوى ذلك ؟ وقد هاجمه كثير من أهل العلم على صفحات الجرائد والمجلات المصرية ، لخطإ الفكرة ولخطإ الاستنتاج .
وفيما يتعلق بليلة القدر فهناك شواهد كثيرة تبعد الحصر في ليلة معينة ، وهذا أدعى للاجتهاد في العبادة والترقب
وفي ذلك من حكمة الباري شيء يفوق الأفهام ، فالمسألة تحتاج إلى تأنٍّ قبل إقرارها ، وبالله التوفيق .
 
ليلة القدر أظنها ليست محددة

ليلة القدر أظنها ليست محددة

أنا أؤمن بما قاله الأستاذ الفاضل منصور مهران

وأحب أن أقول بالمشاهدة كنت أخرج سنين في الصباح الباكر لرؤية علامة ليلة القدر التي بينت في صحيح مسلم بأن صبيحتها تخرج الشمس بيضاء بدون أشعة .
وكانت في رؤيتي على مدار عدة سنوات أنها لم تحدد في السابعة والعشرون ، بل جاءت في الخامسة والعشرون
وكنت مسجل ذلك في كتاب مسند بلال للزعفراني ولكنه بعيد عن منالي الآن .
 
لعل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في وقوع رؤيته أنه يسجد في ماء وطين أقوى دليل على تغيرها , فقد كانت ليلة إحدى وعشرين
 
أستاذي القدير الشيخ منصور مهران عافاك الله وعفا عنك وبارك لك وفيك
شكر الله لك على هذا التوجيه الطيب والرأي السديد والنظر الثاقب,وجزى الله أخوي الفاضلين: مصطفى وغانم على ما قدماه خير الجزاء وأتمَّه,ولكنَّ استفساري بارك الله فيكم أجمعين لا يزال قائما وهو:هل نعد مثل هذا الاستنباط والاستدلال- وإن لم يكن يقع به الجزمُ- أمراً مرجحاً أو يزيد الراجحَ من القولين في أي مسألة خلافية رجحاناً أم لا؟؟
وهل هو من قبيل التفسير الإشاري أم ليس كذلك ؟؟
 
أوافقك الاستفسار

أوافقك الاستفسار

سؤالك أخي محمود في محله وأوافقك فيه..
ومعرفة الإجابة مفيدة في أمور عديدة في التفسير كما هو واضح.
 
كلنا يطلب علما

كلنا يطلب علما


إلى أخينا الذي نرجو له خيرَيْ الدنيا والآخرة الشيخ محمود الشنقيطي ، أمتع الله به ،
إجابة لرغبتك في البيان عما استفسرت عنه ، أقول :
المعروف في الاستنباط والاستدلال أنهما بخلاف الحُجَّة والبرهان ؛ ولا سيما الاستنباط الذي لا يتفق عليه طرفا المناقشة ، فإنهما يلجآن إليه إذا أعيتهما الحيلة ووقف كل منهما بحجته عند حد المنتصف ، فيلوح استنباط يرجح أحد الطرفين فالترجيح لا يكون إلا لأمرين تساوت فيهما الحُجَجُ فيأتي المُرَجِّح لتغليب أحد الأمرين حتى يظهر ما يردهما إلى التساوي مرة أخرى وهكذا إلى أن تستقر الحجج أو تتغلب لأحد الطرفين .
ومهما كانت قوة المرجح أو ضعفه فإنها تنقل أحد المتساويين إلى الرجحان .
فإذا كانت الحجة في أحد القولين أقوى وأظهر فلن تجدي المرجحات نفعا إلا بمقدار ما يتحقق فيها من هذه القوة وهذا الظهور .

والاستنباطات العددية - كالذي نحن بصدده - مال إلى الأخذ بها بعض المفسرين الصوفية وكذلك الداعين إلى علم الجَفْر ، وكلا المسلكين ليس من نهجنا ، على أن كتب التفسير يكثر فيها مثل هذه الإشارات استئناسا لا استدلالا ، وتبسطا في القول لعل جيلا من أجيال الأمة يفتح الله لهم بابا من العلم فيدركوا ما لم يدركه الآباء من خبايا الأعداد ، وإلى ذلك الأوان فلا ينبغي إخضاع معاني القرآن الكريم للتجارب ، فإذا استقر بهذه التجارب البرهان القاطع فليست تجارب عندئذ بل هي القواعد والأصول ولا بأس من تناولها في التفسير عن طمأنينة وارتياح .
ولعلكم يا أخا المكارم تلحظ كيف تطورت نظريات العلم الحديث تطورا كبيرا خلال القرن الماضي ، وتلحظ كيف اندفع المفسرون المُحْدَثون للأخذ بها في التفسير وكلما ظهر اكتشاف جديد أسرعوا إلى إبطال ما قيل أولا ثم أعادوا القول في ضوء كل جديد ؛ وأذكرك بتفسير الجواهر لطنطاوي جوهري ، ثم ما قاله حنفي أحمد في تفسير الآيات الكونية ، ثم ما انبرى لبيانه بقوة العلم الدكتور زغلول النجار ، والله أعلم ماذا سيكتشف العلماء غدا ؟ وماذا سيقول المفسرون إذا نظروا إلى جديد العلم المكتشف ؟
ومعذرة إليكم يا إخواني من الإطالة ولكنه البحث : حتى ينبلج قولٌ فيه سكينة من ربنا فتطمئن له القلوب والعقول ، وبالله التوفيق .
 
الإخوة الأكارم وفقهم الله ..

أحببت أن أبين الفرق بين الاستنباط والإشارات الصوفية ومن ثَمَّ حكم مثل هذه الاستنباطات عند العلماء رحمهم الله تعالى :

فالاستنباط في اللغة هو الاستخراج ومنه قوله تعالى : ( لعلمه الذين يستنبطونه منهم ) [ النساء: 83 ] أي: يستخرجونه .
وأما في الاصطلاح فتعددت تعاريف العلماء رحمهم الله تعالى ومن أحسنها :

- ما قاله النووي رحمه الله : (قال العلماء: الاستنباط استخراج ما خفي المرادُ به، من اللفظ). [ تهذيب الأسماء واللغات: ( ق 2 / 1 / 158 ] .

- وما قاله ابن القيم رحمه الله : (استخراج الأمر، الذي من شأنه أن يخفى على غيرِ المُسْتَنْبِط). [ إعلام الموقعين : 1 / 172 ].

وفي هذين التعريفين نلاحظ أموراً أهمها:
1- وجود الخفاء في المعنى المستنبط .
2- ضرورة ارتباط المعنى المستنبط بلفظ الآية بوجه من وجوه الدلالة كدلالة العبارة ودلالة الإشارة ودلالة النص ودلالة الاقتضاء ودلالة المفهوم، أو بقاعدة من قواعد الاستنباط .

ولذا فمما ينبغي التنبه له أنه لا يدخل في الاستنباط القرآني إلا ما استخرج من لفظ القرآن بدلالة صحيحة أو قاعدة استنباطية صحيحة.

وبهذا يُعلم أن ما يستفاد من جهة الاعتبار والقياس وما يسمى بالتفسير الإشاري مما لم تدل عليه الآية دلالة لفظية، فليس ذلك استنباطاً من القرآن وإنما هو استخراج بدليل آخر وهو الاعتبار والقياس.

وحتى يتضح الفرق نقول: إن الاستنباط من القرآن يكون من ذات اللفظ القرآني بدلالاته المعروفة وبقواعد نظمه العربي، فإذا قيس على معنى مذكور لعلة جامعة على جهة الاعتبار فإنه يكون قد خرج الاستدلال من الاستنباط من القرآن إلى القياس على أحكام القرآن أو معانيه الظاهرة أو المستنبطة.

ويوضح ذلك كلام شيخ الإسلام ( ت: 728 هـ ) رحمه الله في تفسير الصوفية حيث يقول:

"وجماع القول في ذلك أن هذا الباب نوعان:
أحدهما: أن يكون المعنى المذكور باطلاً؛ لكونه مخالفاً لما عُلِمَ، فهذا هو في نفسه باطل، فلا يكون الدليل عليه إلا باطلاً؛ لأن الباطل لا يكون عليه دليل يقتضي أنه حق.
الثاني: ما كان في نفسه حقاً، لكن يستدلون عليه من القرآن والحديث بألفاظ لم يُرَد بها ذلك، فهذا الذي يُسَمُّونَه إشاراتٍ...
وأما النوع الثاني: فهو الذي يَشْتَبِهُ كثيراً على بعض الناس، فإن المعنى يكون صحيحاً لدلالة الكتاب والسنة عليه، ولكن الشأن في كون اللفظ الذي يذكرونه دلَّ عليه، وهذا قسمان:
أحدهما: أن يقال أن ذلك المعنى مرادٌ باللفظ، فهذا افتراءٌ على الله...
والقسم الثاني: أن يجعل ذلك من باب الاعتبار والقياس، لا من باب دلالة اللفظ، فهذا نوع من القياس، فالذي تسميه الفقهاءُ قياساً هو الذي تسميه الصوفية إشارة، وهذا ينقسم إلى صحيح وباطل كانقسام القياس إلى ذلك" [ مجموع الفتاوى: ( 13 / 240 ـ 243 ). باختصار].

ويقول: "ولكن منها ما يكون معناه صحيحاً، وإن لم يكن هو المراد باللفظ، وهو الأكثر في إشارات الصوفية، وبعض ذلك لا يجعل تفسيراً؛ بل يجعل من باب الاعتبار والقياس، وهذه طريقة صحيحة علمية" [ مجموع الفتاوى: ( 2 / 27 ) ].

وقال: "فإن المعاني تنقسم إلى حق وباطل. فالباطل لا يجوز أن يفسر به كلام الله. والحق إن كان هو الذي دل عليه القرآن فُسِّرَ به، وإلا فليس كل معنى صحيح يفسر به اللفظ لمجرد مناسبة"[ مجموع الفتاوى: ( 2 / 27 ) ].
فاتضح من ذلك أن ما يسمى بالتفسير الإشاري لا ينطبق عليه حد الاستنباط فليس هو استخراج من النص القرآني وإنما هو قياس على ما ذكر فيه.

وأما بالنسبة للاستنباط من مجموع حروف القرآن فأكثر ما يكون ذلك في المغيبات ولا شك أن الاستنباط في أمر المغيبات أمر مردود لاستحالة الوصول إليها إلا بالسمع المنقطع بعد وفاته صلى الله عليه وسلم .

وقد أنكر العلماء رحمهم الله تعالى استخراج شيء من القرآن في موضوع المغيبات :

ولذا نجد أكثر القائلين بشمولية القرآن لكل شيء وهو المرسي ( ت : 655 هـ ) قد استثنى تلك المغيبات مما يمكن الوصول إليه بالقرآن قال السيوطي : ( وقال المرسي ( ت: 655 هـ): جَمَعَ القرآنُ علومَ الأولين والآخرين بحيث لم يحط بها علماً ـ حقيقة ـ إلا المتكلم به، ثم رسول الله  خلا ما استأثر الله به سبحانه ) [ الإكليل: ( 1 / 243 )، الاتقان: ( 2 / 260 ) ].

وقال الطبري ( ت: 310 هـ): " والذي لا حاجة لهم إلى علمه منه هو العلم بمقدار المدة التي بين وقت نزول هذه الآية ووقت حدوث تلك الآية فإن ذلك مما لا حاجة بهم إلى علمه في دين ولا دنيا وذلك هو العلم الذي استأثر الله جل ثناؤه به دون خلقه فحجبه عنهم وذلك وما أشبهه هو المعنى الذي طلبت اليهود معرفته في مدة محمد وأمته من قبل قوله (الم) و (المص) و (الر) و (المر) ونحو ذلك من الحروف المقطعة المتشابهات التي أخبر الله جل ثناؤه أنهم لا يدركون تأويل ذلك من قبله وأنه لا يعلم تأويله إلا الله "[ جامع البيان : ( 3 / 157 ) ].

وقال ابن كثير (ت:772هـ) في الأحرف المقطعة في بداية السور: " وأما مَنْ زَعَمَ أنها دالةٌ على معرفة المُدَد، وأنه يُسْتَخْرج من ذلك أوقات الحوادث، والفتن، والملاحم، فقد ادَّعى ما ليس له، وطار في غير مطاره " [ تفسير ابن كثير : 28 ].

ومما سبق يتبين أن الاستنباط حين يتعلق بمعرفة ما استأثر الله بعلمه فإنه استنباط مردود وغير صحيح، لأن الله جل وعلا لم يجعل لأحد أن يتوصل إلى الغيب إلا بطريق الإيحاء إليه من الرسل، وقد بين أن من الغيب ما لا يطلع عليه حتى الرسل عليهم الصلاة والسلام فكيف بمن دونهم.
ويمكن التمثيل لمن خالف هذا الشرط فاستنبط ما لا يجوز له استنباطه بما يلي:

استنباط اليهود مدة هذه الأمة من الأحرف المقطعة في بداية السور:
قال ابن جرير ( ت: 310 هـ): " وكان قوم من اليهود على عهد رسول الله طمعوا أن يدركوا من قبلها معرفة مدة الإسلام وأهله، ويعلموا نهاية أجل محمد وأمته، فأكذب الله أحدوثتهم بذلك، وأعلمهم أن ما ابتغوا علمه من ذلك من قِبَلِ هذه الحروف المتشابهة لا يدركونه، ولا من قِبَلِ غيرها، وأن ذلك لا يعلمه إلا الله"( 3 / 174 ).

وبهذا يعلم أن استنباط ما لا مجال للرأي في الوصول إليه سبب في عدم صحة الاستنباط ولذا قال الماوردي ( ت: 450 ): " فإذا صح جواز الاجتهاد في استخراج معاني القرآن من فحوى ألفاظه وشواهد خطابه، فقد قسم عبد الله بن عباس (ت: 68هـ) رضي الله عنه وجوه التفسير على أربعة أقسام " ثم أوردها ثم قال: " وأما الذي لا يعلمه إلا الله عز وجل فهو ما يجري مجرى الغيوب وقيام الساعة " ثم قسم التفسير ثلاثة أقسام وقال: " أحدها: ما اختص الله تعالى بعلمه كالغيوب، فلا مساغ للاجتهاد في تفسيره ولا يجوز أن يؤخذ إلا عن توقيف... فإن لم يرد فيه توقيف علمنا أن الله تعالى أراد لمصلحة استأثر بها ألا يطلع عباده على غيبه" [ النكت والعيون : 36 ـ 37 ] .

وأخيراً يقال إن تكلف الوصول إلى معرفة ليلة القدر قريب من ذلك لأن الله تعالى قد حجبها عن الناس لحكم كثيرة معلومة، وقد ورد عن الصحابة تحديد لها ولكن ليس من هذا السبيل وإنما بسماعات عن النبي صلى الله عليه وسلم .
والله تعالى أجل وأعلم ..
 
جزاك الله خيراً أخانا فهد على ما تقدمت به من هذا البيان، ولكن أود التعقيب بأن ما تفضلتم به عن إشارات تفاسير الصوفية هي من قبيل القياس كما نقلتم ذلك عن ابن تيمية رحمه الله فهذا ليس في كله وليس في غالبه، فأنتم تعلمون أن من أنواع الدلالات في مباحث الكتاب التي يتطرق لها الأصوليون في علم الأصول : إشارة النص ، وإشارة النص هي الدلالة التي ليست مرادة أصلاً من سياق النظم القرآني وإنما مأخوذة من فحوى الخطاب من بعض جوانبه أو من منطوق الخطاب بدلالة الاقتضاء من جوانبه الأخرى، وعلى كل حال هل هذه الإشارات من القياس أم لا فعمل الأصوليون لا يدل على أنها من القياس ، وربما يكون لها مدخل في ذلك من بعض الوجوه والله أعلم.
هذا من جهة ، ومن جهة أخرى أذكر أن ابن عطية رحمه الله يذكر الأعداد من ملح التفسير وليست هذه الأعداد من المرجحات في التفسير، ولا من قرائن الاستدلال، وإني أعجب أشد العجب ممن يركز على ليلة السابع والعشرين من رمضان في إحيائها على أنها ليلة القدر، فإن كان تعيينها غيب عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة فكيف يستدل البعض على أنها ليلة السابع والعشرين اعتماداً أو استئناساً من الأعداد!!
 
أخي الكريم مرهف وفقه الله ...
دلالة الإشارة الأصولية مختلفة تماماً عن التفسير الإشاري الصوفي وللتوضيح :
فإن الإشارة في اللغة:
التلويح بشيء يفهم منه ما يفهم من النطق، وأشار وشوّر: أومأ. يكون ذلك بالكف والعين والحاجب. وشور إليه بيده: أي أشار. [ انظر: الصحاح: ( 2 / 704 )، لسان العرب: ( 4 / 436 ـ 437 ) ].

وأما في الاصطلاح:
فقد اختلفتْ عباراتُ الأصوليين عند تعريف هذه الدلالة ولكنها تتفق من حيث المعنى في بعض النقاط :
ويمكن تعريف دلالة الإشارة بأنها:
" دلالةُ اللفظِ على حُكْمٍ غيرِ مقصودٍ، ولا سيقَ له النَّصُّ، ولكنه لازمٌ للحُكْمِ الذي سِيْقَ لإفادته الكلام"(مذكرة أصول الفقه للشنقيطي: (236)، وتفسير النصوص لمحمد أديب صالح: (1 / 478)، وأمالي الدلالات لابن بيّه: (117) ).

وقال الغزالي ( ت: 505 هـ): " ما يتبع اللفظَ من غير تجريدِ قصدٍ إليه " [ المستصفى: (2 / 83).المستصفى: (2 / 83)].
وقال الشنقيطي ( ت: 1393 هـ): " دلالة اللفظ على معنى ليس مقصوداً باللفظ في الأصل، ولكنه لازم للمقصود، فكأنه مقصود بالتَّبَعِ لا بالأصل " [ مذكرة أصول الفقه: (236) ].

وعند التأمل في تعريف هذه الدلالة عند العلماء يتبين أنها تحمل الصفات التالية:
الأولى: أنها دلالة نظمية: أي أنها مستقاة من نظم اللفظ .
الثانية: أنها دلالةٌ غير مقصودة للمتكلم بهذا النظم .
الثالثة: أنها تدل على المعنى من جهة اللزوم العقلي، فلابد من تلازم عقلي بين المعنى المستنبط وبين النص، وعلى ذلك إن لم يوجد هذا التلازم فلا يصح كون المعنى مستنبطاً بدلالة الإشارة كما هو الشأن في كثير من استنباطات الصوفية أو ما يسمى بالتفسير الإشاري .

وحتى يتضح المقصود من هذه الدلالة فإنه يمكن التمثيل لها بما يلي :
قوله تعالى : ( لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعاً بالمعروف حقاً على المحسنين ) [البقرة: 236 ].
فهذه الآية سيقت لبيان أن طلاق الزوج قبل الدخول وقبل أن يفرض لها مهراً في عقد الزواج ـ بأن كان العقد خلواً من تقدير المهر ـ هو طلاق مشروع. وهذا هو المعنى المأخوذ بعبارة النص.
وأما ما يستنبط بدلالة الإشارة: فهو أن عقد الزواج يصح بدون ذكر المهر أصلاً.
ووجه الاستنباط: أنه لا يصح الطلاق إلا بناء على زواج صحيح قائم.
وبيان التلازم هنا: أن الله أباح الطلاق لمن لم يسمِّ المهر ولم يذكره، وإباحة الطلاق تستلزم وجود زواج صحيح، فيستنبط من ذلك صحة عقد الزواج بدون ذكر المهر أصلاً.

مثال آخر :
قوله تعالى : ( وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ) [ البقرة : 187 ] .
فالنص القرآني يدل بعبارته على إباحة الاستمتاع والأكل والشرب في كل جزء من أجزاء الليل.
ويستنبط منه بدلالة الإشارة صحة صوم من أصبح جنباً من الوطء.
ووجه الاستنباط: أن هذا المعنى لازم للمقصود به من جواز جماعهن بالليل الصادق على آخر جزء منه.
قال الشيخ الأمين (ت: 1393 هـ) في وجه الاستنباط: " لأن إباحة الجماع في الجزء الأخير من الليل الذي ليس بعده ما يتسع للاغتسال من الليل يلزم إصباحه جنباً " [ مذكرة أصول الفقه : 236 ] .

ثم نعود فنقول: إن من أهم الشروط للمعنى المستنبط أن يكون بينه وبين اللفظ المستنبط منه ارتباط.
ومعنى ذلك: أن يكون المعنى المستنبط قد اسْتُخْرِجَ بطريق صحيح، فيكون بينه وبين لفظ الآية ترابط، وذلك بأن تدل عليه الآيةُ بأحد وجوه الدلالة أو بقاعدة من قواعد الاستنباط الصحيحة.
وعند اختلال هذا الشرط فإنه يحكم بعدم صحة ارتباط المعنى بالآية التي استخرج منها ولو صح هذا الاستنباطُ من طريق آخر.
ولذلك نجد عدداً من المفسرين يؤكد صحة المعنى المستنبط، ولكن بعدم ربطه بالآية التي استخرج منها، بل بربطه بدليل آخر، ومن ذلك ما قاله ابنُ عطية ( ت: 541 هـ) معلقاً على ما حُكِيَ عن الخليل بن أحمد ( ت: 170 هـ) من أن النهار من طلوع الفجر بدليل قول الله تبارك وتعالى: ( وأقم الصلاة طرفي النهار ) [هود: 114] قال: "والقول في نفسه صحيح وقد ذكرتُ حُجَّتَه في تفسير قوله تعالى : ( واختلاف الليل والنهار ) [ البقرة : 164 ]، وفي الاستدلال بهذه الآية نظرٌ" [المحرر الوجيز : 168 ].

ولذا فإنَّ تَكَلُّفَ رَبْطِ المعنى بالقرآن ـ ولو كان المعنى صحيحاً في نفسه ـ خطأٌ في الاستدلال كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ( ت: 728 هـ): "وأما الذين أخطؤوا في الدليل لا المدلول: فمثل كثير من الصوفية والوعاظ والفقهاء، يُفسِّرون القرآن بمعانٍ صحيحة في نفسها؛ لكن القرآن لا يدل عليها" [ مقدمة في أصول التفسير : 82 ] .
والحديث في هذا طويل والله الموفق للصواب ...
 
ومما سمعته أن من أدلة ليلة القدر أنها 27 رمضان قول بعضهم

أن لفظ (ليلة القدر) ورد ثلاث مرات في سورة القدر

وحروف هذه العبارة 9 أحرف

ولو جمعناها تساوي 27 حرفا
 
جاء في صحيح البخاري في كتاب الصوم:باب فضل ليلة القدر
‏ قالَ ابنُ عُيَينةَ: ماكان في القُرآنِ " وَمَآ أَدْرَاكَ " فقد أعلمَه، وما قال: " وَمَا يُدْرِيكَ " فإِنه لم يُعْلِمْهُ "‏
‏ -‏ تكررت كلمة " أدراك " في القرآن ( 13) مرة،كلها تتعلق بيوم القيامة إلا في موضعين، وذلك ‏في قوله تعالى " وَالسَّمَآءِ وَالطَّارِقِ . وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ . النَّجْمُ الثَّاقِبُ " ‏
‏ [ الطارق:1-2-3]‏
‏-‏ وقوله "إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ.وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِليلة القدرخَيْرٌ مّنْ أَلْفِ شَهْرٍ "‏
‏ [القدر:1-3] ‏
‏-‏ تكررت كلمة " يدريك " في القرآن (3) مرات، كلها تتعلق بيوم القيامة إلا في موضع واحد ‏وهو قوله تعالى في حق ابن أم مكتوم رضي الله عنه: " عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ. أَن جَآءَهُ الأَعْمَىٰ. وَمَا ‏يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ. أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَىٰ "[عبس: 1-2-3-4]‏


يقول الإمام الشاطبي :" من زاول كلام العرب وقف من هذا على علم " الموافقات ص:267
 
بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين .
إن النقاش الدائر حول مسألة طرق استخراج المعنى من القرآن الكريم ، تبين أن القرآن الكريم بما أنه كلام الله تعالى فإنه متعال عن الزمان و المكان ، وأن التفسير بما أنه مجهود بشري فإنه محدود في الزمان و المكان . ومعلوم أن النسبي لا يمكن أن يحيط بالمطلق . ومن هنا يفهم القول المأثور عن علماء التفسير " القطع على الله تعالى بالمراد بدعة " . فلا ينبغي أن نضيق الواسع ، ولا أن نحجر الممكن , وأن يكون ديدننا في القبول و الرفض هو الحجة و الدليل ، دون أن ننسى أن حججنا وبراهيننا ما لم تكن نصا قطعي الورود و الدلالة فإنها تظل حججا وبراهين نسبية . فهذه في اعتقادي هي حركية ديننا الحنيف الموازية لحركية الحياة .
ولعل ما يلمح إليه الأخ الفاضل : محمود الشنقيطي ـ حفظه الله ـ يحتاج منا إلى وقفة طويلة ندرس فيها دراسة نقدية كثيرا من المفاهيم و المصطلحات المتداولة في حقل التفسير كالتفسير و التأويل ، و الشرح و التعليق ، والاستنباط والاستدلال ، والإشارة ، لتحديد معناها الاصطلاحي بدقة تمكن من استعماله استعمالا علميا لا تكون له ما يمكن أن يسمى بظلال المعنى ، و لا يفيد معان أخرى ، وفي اعتقادي إن ذلك لا يمكن أن يتم إلا في ضوء استحضار مفهوم القراءة و مستويات القراءة .
وتفضلوا بقبول خالص التحيات و التقدير .
والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
 
السلام عليكم ورحمة الله.
يبدو والله أعلم من صنيع الأئمة، [ابن كثير وابن عطية] أن مثل هذه الملح تؤخذ، ولا تقصد.بمعنى أنها لا تقصد ابتداء، لكن إذا وقف عليها المتدبر واستحسنها فإنه يؤتى بها وتؤخذ من جهة كونها متممة لأصل المسألة، وليست مؤسسة له.
وهذا يعنى أن مرتبتها متدنية عن مرتبة المرجحات.
نستفيد ذلك من شيئين:
الأول: تسمية هذه الاستنباطات ملحا ولطائف. فإن هذه التسمية مؤذنة بأن هذه المعارف إنما يؤتى بها لتكون ملحة ولطيفة، تعطي للمسألة رونقا، فهي ليست أصلا بذاتها، بل هي فضلة مبنية على صحة الأصل.
الثاني: صنيع الأئمة في التعامل مع هذه الملحة بخصوصها. بين منكر لها كابن حزم، وواضع لها موضع الملح التي يؤتى بها بعد فرض قيام أصل المسألة، وثبوته.
والملح عادة ما يأتي بها أهل العلم، بعد أن يقيموا صلب المسألة، ويحتجوا لها، فإذا ما انتهوا من ذلك، ذكروا ما يستروحون له من اللطائف والملح.
وقد وقفت على كلام نفيس للعلامة الأصولي أبي إسحاق الشاطبي رحمه الله، في مقدمة موافقاته حول مسألة الاعتداد بملح العلم والاحتجاج بها، فإنه ذكر في ذلك كلاما كثيرا في هذه المسألة، ومثل لها بأمثلة عديدة،
وكان مما قاله: بأن من خواص ما كان من صلب العلم [ وهو ما يقابل ملح العلم] خاصية الاطراد والعموم. [أي أن يكون الأصل الذي يحتج به في هذا العلم مطردا وعاما، من شأنه أن يحتج به حيثما وجد] فمتى ما تخلفت هذه الخاصية قوي جانب الاطراح، وضعف جانب الاعتبار؛ إذ تخلف خاصية الاطراد في الدليل، يدل على ضعف الوثوق بالقصد الموضوع عليه ذلك العلم، ويقربه من الأمور الاتفاقية الواقعة عن غير قصد؛ فلا يوثق به ولا يبنى عليه.اهـ
انظر المقدمة التاسعة ص 60 فما بعدها [طبعة دراز]
 
عودة
أعلى