الإلحـــاد أسبابه، ومخاطره، وسبل مواجهته

إنضم
02/11/2015
المشاركات
43
مستوى التفاعل
3
النقاط
8
الإقامة
مصر
بسم الله الرحمن الرحيم​
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فقد انتشرت العديد من الظواهر في المجتمعات العربية والإسلامية ومنها المجتمع المصري، بعد أن ظلت لقروٍن من المحظورات، ولم يكن مسموحًا الحديث عنها، ولا حتى التحذير من انتشارها خصوصًا بين أوساط الشباب، فقد تلاحظ مؤخرًا الحديث عن الإلحاد في كثيرٍ البرامج الإذاعية والتلفزيونية وكان النصيب الأكبر منها للفضائيات.
وإن الإلحاد المتمثل في إنكار الخالق شذوذ يستبشعه العقل البشري وتأباه الفطرة السوية، وهو خطر على البشرية كلها، وليس خطرًا على الإسلام وحده.
ومما لا شك فيه أن هناك قوى معادية لديننا وأمتنا ومنطقتنا تعمل على دعم الجماعات الملحدة ونشر الفكر الإلحادي قصد هدم مجتمعاتنا من داخلها، بالإرهاب المصنوع تارة، والإلحاد الموجّه أو الممول أخرى.
وتهدف مخططات الأعداء لنشر الإلحاد المُسيس أو الموجه الممول إلى نزع القيم الإيجابية من نفس الملحد، وبما يفرغه من الرقابة الذاتية الأصيلة، رقابة الضمير، ومراقبة خالق الكون والحياة، فلم يعد أمامه سوى القانون الذي يسعى إلى التفلت منه ما وسعه ذلك.
فهو خطر داهم على الفرد والمجتمع يجب الحذر منه، والتحذير من أصحابه، وهذا بحث أعد في بيان مخاطر هذا الداء، والكيفية والسبل المؤدية لدفعه ومواجهته.
وسوف ينتظم بحثي في هذه المقدمة، وثلاثة مباحث، وخاتمة:
المبحث الأول: التعريف بالإلحاد، وفيه مطلبان.
المطلب الأول: تعريف الإلحاد في اللغة والاصطلاح.
المطلب الثاني: نشأة الإلحاد، وبيان أنواعه، والمنتسبين إليه.
المبحث الثاني: أسباب الإلحاد، وبيان مخاطره، وفيه مطلبان.
المطلب الأول: أسباب الإلحاد.
المطلب الثاني: مخاطر الإلحاد.
المبحث الثالث: طرق العلاج والمواجهة، وكيفية دعوة الملحدين، وفيه مطلبان.
المطلب الأول: طرق علاج ومواجهة ظاهرة الإلحاد.
المطلب الثاني: كيفية دعوة الملحدين.
الخاتمــة
فالله أسأل أن يوفقنا ويسددنا فيما قصدناه، وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

المبحث الأول: التعريف بالإلحاد

المطلب الأول: تعريف الإلحاد في اللغة والاصطلاح:-
أولاً: الإلحاد في لغـة:
هو: الميل والعدول عن الشيء، والظلم والجور، والجدال والمِراء، يقال: لحد في الدين لحدًا، وألحدَ إلحادًا، لمن مال وعدل ومارى وجادل وظلم([2]).
واللحد: الشق الذي يعمل في جانب القبر لموضع الميت؟ لأنه قد أميل عن وسط القبر إلى جانبه([3]).
وألحد في دين الله، أي: حاد عنه وعدل.، يقال: ألحد الرجل، إذا مال عن طريقة الحق والإيمان([4]).
وعلى هذا فلفظ الإلحاد في اللغة يعني الميل، والظلم، والعدول والإنحراف عن الاستقامة، أو الدين، أو الحق .
وقد ورد لفظ الإلحاد في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ﴾ [الحج - 25]. كما ورد الفعل منه في قوله تعالى: ﴿لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ﴾ [النحل - 103]. قوله: ﴿وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ﴾ [الأعراف - 180].
قال الراغب رحمه الله: «والإلحاد ضربان: إلحاد إلى الشرك بالله، وإلحاد إلى الشرك بالأسباب.، فالأول ينافي الإيمان ويبطله.، والثاني: يوهن عراه ولا يبطله ...
والإلحاد في أسمائه على وجهين:
أحدهما أن يوصف بما لا يصح وصفه به.
والثاني: أن يتأول أوصافه على ما لا يليق به»([5]).
ثانياً: الإلحاد في الاصطلاح:
هو المراد في هذا البحث، وهو ما تعارف عليه في هذا العصر مذهب فلسفي يقوم على فكرة إنكار وجود الله الخالق سبحانه وتعالى، والقول بأن الكون وجد بلا خالق، وأن المادة أزلية أبدية، واعتبار تغيرات الكون قد تمت بالمصادفة، أو بمقتضى طبيعة المادة وقوانينها، واعتبار ظاهرة الحياة، وما تستتبع من شعور وفكر عند الإنسان، من أثر التطور الذاتي في المادة([6]).
المطلب الثاني: نشـأة الإلحاد، وأنــواعه:-
أولاً: نشأة الإلحاد وتطوره:
الإلحاد من حيث هو إنكار لوجود الإله الخالق، وكل ما يتعلق بذلك من خلق وإيجاد، ورسل ورسالات، وحساب وجزاء، لا يعرف له تاريخًا محددًا، وإن وجدت بعض الإشارات لحالات معدودة ونادرة.
وأول الملاحدة الذين عرفوا وسجلت آراءهم أو كتاباتهم الإلحادية، كانوا في العصر الإغريقي، وهم الذين كانت لهم آراء ظاهرة، حاولوا فيها تفسير الوجود، والكون، وظاهراته، والتغيرات التي تجري فيه، تفسيرات تستبعد استبعاداً كلياً فكرة وجود خالق، ومن هؤلاء:
1 - ديموقريطس، وهو فيلسوف إغريقي (470 – 361 ق. م).
2 - أبيقور، وهو فيلسوف إغريقي (341 – 270 ق. م).
أما في العصر الميلادي، فقد ظهر في اليونان كتاب ملاحدة، نقلت عنهم عبارات ومؤلفات تنفي وجود خالق صراحة، ومن هؤلاء:
1 – دياغوراس من ميلوس ( 415 – 465 م).
2 – كريستياس ( 403 – 460 م).
أما من المحدثين، فمنهم:
1 - توماس هوبز، فيلسوف إنجليزي، ويعد أول الماديين (1588 – 1679 م).
2 - كارل ماركس، يهودي ألماني، مؤسس الشيوعية (1818-1883م).
وقد بُنيت على الإلحاد العديد من المذاهب والمدارس الفكرية والاجتماعية المعاصرة، تبنته ودعت إليه، واستلهمت مادتها منه، وعملت على نشره، منها:
1 - الشيوعية:
الشيوعية مذهب اقتصادي اجتماعي وضع له أساس اعتقاديٌّ فكري، قائم على إنكار وجود رب خالق لهذا الكون، وأن المادة هي كل الوجود، وأن أحداثها وتغيُّراتها مع أحداث التاريخ الإنساني تخضع لقانون جبريّ مزعوم في المادة، على أنه صفة من صفاتها الذاتية، أساسه فكرة فلسفية عنوانها «الماديّة الجدلية»([7]).
2 - الداروينية:
وهو مذهب التحول أو التبدل، ويتلخص في أن الكائنات الحية في تطور دائم على أساس من الانتخاب الطبيعي، وبقاء الأصلح، فتنشأ الأنواع بعضها من بعض، ولاسيما النوع الإنساني الذي انحدر عن أنواع حيوانية.
وهو بذلك ينفي عن الله عملية الخلق كله، ويقرر أن الحياة وجدت على الأرض بالصدفة، ومن مقولات داروين: «إن الطبيعة تخلق كل شيء، ولا حد لقدرتها على الخلق»([8]).
3 - الوجودية:
مذهب يقوم على إبراز قيمة الوجود الفردي، وخصائصه وجعله سابقاً على الماهية، فهو ينظر إلى الإنسان على أنه وجود لا ماهية، وأن الإنسان مطلق الحرية في الاختيار، يرتع في المعاصي واقتناص الشهوات كما يحلو له دون الخوف من حسيب ولا رقيب([9]).
4 - المذهب العقلي:
العقلانية أو المذهب العقلي هو القول إن المعرفة تنشأ عن المباديء العقلية القبلية والضرورية، لا عن التجارب الحسية، لأن هذه التجارب لا تفيد علماً كلياً.
كما يطلق على الإيمان بالعقل وبقدرته على إدراك الحقيقة، وذلك لأن قوانين العقل مطابقة لقوانين الأشياء الخارجية، وأن كل موجود معقول، وكل معقول موجود، والعقل قادر على الإحاطة بكل شيء دون عون خارجي يأتيه من القلب أو الغريزة أو الدين([10]).
فهو منهج فكري يعتمد أحكام العقل، من غير الاستناد إلى الدين أو الرسل، فكل ما يحيط بنا مردود إلى مبادىء عقلية.
5 – العلمانية :
ومعناها القواعد التي ليس لها علاقة أو رابط بالقواعد الكنسية أو الأنظمة الدينية، فلا تبالي بالدين والاعتبارات الدينية، وقد ظهرت كمذهب أو مصطلح يناهض انحرافات الكنيسة في أوروبا بما كانت تفرضه من صكوك الغفران والحرمان، ومن تحريم البحث في العلوم التجريبية.
فهذه الظروف تمخض عنها النظام العلماني الذي يفصل بين الدين والمجتمع، ويعزل الدين عن القوانين والتشريعات كلها([11]).
6 – الوضعية:
مذهب فلسفي يُرسي دعائم الإلحاد أو المادية أو اللادينية، يريد وضع دين العلم الجديد تحت مصطلح "الوضعية" أو "فلسفة الوضعية".
ويرى أن المعرفة اليقينية هي معرفة الظواهر التي تقوم على الوقائع التجريبية، ولا سيما تلك التي يتيحها العلم التجريبي. وينطوي المذهب على إنكار وجود معرفة تتجاوز التجربة الحسية، ولاسيما فيما يتعلق بما وراء الماد وأسباب وجودها([12]).
ثانياً: أقسام الإلحاد:

  • ينقسم الإلحاد باعتبار الزمان إلى قسمين هما: الإلحاد القديم، والإلحاد الحديث. فما حقيقة كل منهما وما الفرق بينهما؟
مما سبق تبين لنا أن الإلحاد كان له وجود في القديم والحديث، وينبغي أن ندرك أن بين الإلحاد القديم والإلحاد الحديث فرقًا ظاهرًا، وذلك يتبين من خلال ما يأتي:
1 - إن الإلحاد بمعنى إنكار وجود الله تعالى أصلًا لم يكن ظاهرة منتشرة في القديم, وإنما كان شائعًا الشرك مع الله تعالى تحت حجج مختلفة, مع اعترافهم بوجود الله تعالى, وأنه الخالق المدبر.
وأما الذين أسندوا كل شيء إلى الدهر فهم قلة قليلة جدًّا بالنسبة لغيرهم ممن يؤمنون بالله تعالى, وقد أخبر الله عنهم في كتابه الكريم.
2 - أما الإلحاد المادي الحديث فقد قام على إنكار وجود الله أصلًا, وقد زعم أهله أنهم وصلوا إليه عن طريق العلم والبحث المحسوس, وعن طريق التجربة والدراسة, وزعموا أن
الدين لا يوصل إلى ذلك.
فعبادة المادة كانت سطحية بدائية وأن أوروبا الحديثة حينما أخذت الإلحاد تميزت بتفصيل وتقنين وتنظيم ودراسة هذا الاتجاه المادي الملحد، وأحلته محل الدين ومحل الإله بطريقة سافرة مقننة وهي نقلة لم تكن فيما مضى قبلهم([13]).

  • وينقسم الإلحاد بحسب الدوافع إليه، إلى ثلاثة أقسام([14]):
1 – الإلحاد العاطفي أو الانفعالي:
وهو ما لا يكون مستندًا إلى برهان (ولا إلى شبهة برهان) عقلي، وإنما إلى مجموعة من الانطباعات الشعورية، أو الانفعالات النفسية، المتعلقة بفهم الكون والحياة، أو بالنظرة إلى الدين وأثره في المجتمع، أو بالضعف الذاتي أمام التيار المادي الجارف، أو نحو ذلك.
2 – الإلحاد المادي النفعي:
وهو أن ينكر الشخص وجود الإله في سبيل مصلحة مادية يرى أنها تتحقق له بذلك أو إذا شعر أن وجود الإله عقبة أمام إحدى غاياته، أو أمام غايات متعددة يرى أن أقصر طريق لحلها هو الإلحاد.
وذلك كموقف الملحد من الحاجة المادية وتوزيع الثروة إذا كانت له غايات مالية، وموقفه من التشريعات الاجتماعية المتعلقة بالزواج إذا كانت له غايات إباحية، وموقفه الرافض لعبادة أي شيء إذا كان لديه كبرياء ذاتيه تمنعه الركوع والسجود.
3 – الإلحاد العقلي العلمي:
وهو الإلحاد الناشيء عن قناعة علمية معينة تتناقض مع معتقدات دين من الأديان، والتي يبني عليها عقيدته وتشريعاته ونظرته للكون، وقد تقدمت الإشارة إليه.

  • ويقسم بعض الباحثين الإلحاد من حيث قوة اعتقاده إلى موجب وسالب أو قوي وضعيف.
والفرق بين الملحد الموجب والسالب هو أن الملحد الموجب ينفي وجود الله وقد يستعين بنظريات علمية وفلسفية لإثبات ذلك، بينما الملحد السالب يكتفي فقط بعدم الاعتقاد بالله نظراً لعدم قناعته بالأدلة التي يقدمها المؤمنون.
هذان التعريفان كانا نتاج سنين طويلة من الجدل بين الملحدين أنفسهم، فأحدهم يذكر أن عدم الإيمان ليس إلحادًا فالطفل الصغير لا يؤمن لأنه ليس قادراً على الإدراك، بعضهم يقول أن الملحد القوي هو شخص يعتبر فكرة الإله فكرة غير منطقية وغير موضوعية، بينما يقول آخر أنه: «ليس هناك ملحدون بمعنى الكلمة».
وبعضهم يفرق بين رجل الشارع البسيط الذي ينكر فكرة الإله لأسباب شخصية أو نفسية أو اجتماعية أو سياسية، وبين الملحد الحقيقي الذي يعتمد على الموضوعية والبحث العلمي([15]).
وسواء كانت هذه التقسيمات حاصرة أو غير حاصرة، فإن الوصف الجامع والمشترك بينها هو الإلحاد: وهو عدم الإيمان بوجود إله خالق، أو التنصل من ذلك.

  • بينما يقسم البعض الإلحاد بحسب التوجه الفكري لمعتنقيه، إلى أربعة أقسام.
1 – الربوبية: هي فلسفة يؤمن أصحابها بوجود إله خالق للكون ولكنه لا يتدخل أبدًا في شؤون الكون الذي خلقه, هم لا دينيون يرفضون الأديان قاطبة هم يؤمنون فقط بوجود إله للكون ولا يؤمنون بأي شيء آخر, ولا بكون هذا الخالق يحتاج لأن يُعبد.
2 - الشكوكية: هم أشخاص أقل منزلة من الربوبيين من ناحية الإيمان بخالق للكون فهم بين الإلحاد والإيمان, يسعون للتفكير والتشكيك في وجود الله من أجل الوصول للحقيقة حسب اعتقاده.
3 – اللاأدرية: بمعنى «لا أدري» ويمكن القول أنه اتجاه فلسفي عكس الشكوكية قد حسم مسألة الإيمان بالله بعبارة «لا أدري» حسب اعتقادهم لا يمكن إثبات أو نفي وجود إله ولا سبيل لتأكيد وجوده أو نفي وجوده وبالتالي فالإنسان لا يدري, وحسب اعتقادهم أيضًا أنه لربما قد يتوصل الإنسان لإجابة بالمستقبل ويثبت أو ينفي وجود إله.
4 – الإلحاد : وهو المستوى الأعلى من اللادينية، وهو يم الأشخاص الذين ينكرون وجود خالق للكون بالمطلق, ولا يؤمنون بوجود إله، ولا أديان.
ثالثاً: أنــواع الملحدين:
الثقافة التي ينشأ فيها الفرد تلعب دورًا في بلورة الاعتقاد والسلوك عند الملحدين، وإن معرفة أصناف الملحدين تفيدنا في معرفة الأولوية في الدعوة والمناقشة، ويمكن تصنيف الملحدين من خلال توجهاتهم الملموسة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومواقع الإنترانيت، إلى ستة أصناف على النحو التالي:
1 - الملحدين المثقفين : وهم الذين يستندون على المعلومات والدلائل التي يجمعونها حول الديانات ويقتنعون بها لتكون أساسًا لجدالهم ومناظراتهم.
2 - الملحدون النشطاء: وهم أشخاص ينشطون بالدعوة إلى الإلحاد ويؤكدون أن العالم سيكون مكانًا أفضل إذا كان العالم كله ملحد.
3 - الملحدون المعادين للمؤمنين: وهم مجموعة تحارب الإيمان وتصنف الاعتقاد بوجود الأديان جهل، ويرون أنفسهم أكثر الناس فهما بخطورة الأديان على العالم.
4 - الملحدون الطلاب، وهم مجموعة لا تتمسك بمعتقدها الإلحادي بشكل كامل ولا يملكون موقفًا محددًا من قضية وجود الله.
5 - مجموعة من الملحدين تعتبر أقلية بالنسبة لأنواع الملحدين الستة، وهم ببساطة لا يخوضون بأمور وجود الدين من عدمه.
6 - الملحدون المتتبعين لبعض طقوس الديانات، وهم مجموعة لا تؤمن بالديانات أو وجود حياة بعد الموت، إلا أنهم يتتبعون بعض العادات التي لها أصول دينية مثل التأمل أو ممارسة اليوغا إلى جانب احتفالهم بالأعياد الدينية.

المبحث الثاني: أسباب الإلحاد، وبيان مخاطره

لا يمكن التعامل مع الظواهر الكبرى بنماذج تفسيرية اختزالية، بل لا بد من النماذج المركبة التي تجمع عددًا من المؤثرات والأسباب، ولا يخرج الإلحاد عن هذا المعنى.
ولا بُدَّ من القول أن الإلحاد قد اشتدَّ وكثر أتباعه, سواء أكان في الغرب النصراني أو الشرق الشيوعي, وهو يمشي بخطى حثيثة, وقد تقبَّله من تقبَّله من الناس, إمَّا لعدم إيمانهم بالدين، وإما لجهلهم وسخافة أفكارهم، وإما رغبة في الوصول إلى مآرب سياسية أو اقتصادية, أو رغبتهم في التفلُّت عن الدين، أو غير ذلك مما سنذكره بعد.
لا شك أن الإلحاد يشكل خطرًا داهما على الفرد والمجتمع والوطن والأمة العربية كلها، فهو يتهدد النسيج الاجتماعي والفكري من جهة، كما أنه يتهدد أمنها القومي من جهة أخرى، ونحن في هذا المبحث سنبين أسباب هذه الظاهرة، وخطرها على الفرد والمجتمع وأمن البلاد.
المطلب الأول: أسباب ظهور الإلحاد وانتشاره:-
تفيدنا معرفة أسباب الإلحاد في توصيف الحالة الإلحادية وتشخيصها بدقة وموضوعية، وبالتالي إجراء العلاج الصحيح، كما أن معرفة التنوع الكبير في أسباب الإلحاد يجعلنا أكثر موضوعية في تناول هذه الظاهرة.
كذلك معرفة نقاط ضعفنا المعرفية والمجتمعية التي يتسلل منها الإلحاد إلى شبابنا تفيدنا في السعي لإصلاح هذه العيوب ورتقها.
فمنذ مائتي عام فقط لم تكن مشكلة الإلحاد بهذه الحدة والانتشار ولكن في القرنين الأخيرين ظهرت عوامل كثيرة جعلت من الإلحاد والكفر بالله ديناً عاماً منتشراً، ولظهور الإلحاد أسباب كثيرة كغيره من الظواهر الأخرى, ويمكن أن نصنف هذه الأسباب في محورين اثنين:
المحور الأول: أسباب وجود الإلحاد في الغرب:
تدور أسباب ظهور الإلحاد في الغرب الأوربي على ثلاثة أصناف من الإشكالات، وهي: إشكالات معرفية، وإشكالات حضارية، وإشكالات غير علمية.

  • أما الأسباب المعرفية، فمنها:
1 – ظهور الشبهات العلمية المرتبطة ببعض نظريات العلم الحديث كالداروينية .
2 – تأثر كثير من المفكرين بعدد من الفلاسفة المتشكّكين والملحدين، أمثال جورج سنتيانا وسبينوزا، وجون ديوي، وكارل ماركس، كما تركت الفلسفة التحليلية المعاصرة بصماتها الواضحة على تفكيرهم، من أنّ الإيمان بوجود الله إهانة للعقل البشري.

  • أما الأسباب الحضارية، فمنها:
1 - الكنيسة الأوروبية:
لقد كانت الكنيسة الأوروبية سبباً غير مباشر أحياناً وسبباً مباشراً أحياناً أخرى في نشر الإلحاد والزندقة والكفر الكامل بوجود الله وذلك لأن القائمين على هذه الكنيسة من الرهبان والقساوسة أدخلوا في دينهم كثيراً من الخرافات والخزعبلات، وجعلوها عقائد دينية، وتكذيب رجال الكنيسة للنظريات العلمية واتهام العلماء بالزندقة، والاضطهاد الكنسي للناس بفرض الضرائب والإتاوات، وانكشاف الفساد الأخلاقي بين الرهبان والراهبات، مما جعل الناس ترفض المعتقدات الدينية، وتتهم الرسل جميعاً بالكذب والتدليس وهكذا برزت الموجة الأولى من موجات الإلحاد العالمي.
2 - مظالم العالم الرأسمالي:
حيث انتشرت المظالم الهائلة وظهرت الطبقات المتفاوتة من رأسماليين جشعين إلى عمال فقراء مظلومين، وكان رؤية هذا الظلم الجديد، ومساندة رجال الدين أو سكوتهم عنه سبباً جديداً في انتشار الإلحاد والشك في وجود الله، واتهام الدين بمساندة الظلم أو عجزة عن تقديم حل ناجح لمشكلات الإنسان على الأرض.
3 - ظهور المذاهب الاقتصادية الإلحادية:
مما ساعد على انتشار موجة الإلحاد هو ظهور المذاهب الاقتصادية الإلحادية وخاصة الشيوعية، حيث أن الشيوعية تبنت الدفاع عن المظلومين والفقراء وهذه قضية عادلة وإنسانية في ذاتها ولذلك تبنى هؤلاء الفقراء والمظلومون وهم أغلبية الناس دائماً هذه العقيدة الجديدة والدين الجديد لأنه يدافع عن مصالحهم ويتبنى قضاياهم وبالطبع أخذوا هذا الدين بفلسفته العقائدية وليس بفكره الاقتصادي فقط.
4- اقتران الإلحادية بالقوة المادية:
مما شجع الناس على الكفر بالله والانطلاق نحو الإلحاد الكامل هو اقتران القوة المادية بالإلحاد، وذلك أن الناس رأوا أن أوربا لم تتقدم وتمتك القوى المادية وتكتشف أسرار الحياة إلا بعد أن تركت أفكار الكنيسة وعقائدها([16]).

  • أما الأسباب الغير علمية، فمنها:
1 - الأزمات النفسية بسبب وقوع الابتلاءات الخاصة، والتي تجعل لدى بعض الناس قابلية للإلحاد، بسبب الجهل بطبيعة العلاقة بين الرب والعبد، وبمعاني الابتلاء والحكمة من وجود الشرور في الكون.
2 – التحرر من القيود الدينية للوصول للشهوات النفسية، وعدم التقيد بأي نوع من القيود أو العبادات الدينية.
المحور الثاني: أسباب وجود الإلحاد في بلادنا الإسلامية:
من الواضح أن وجود الإلحاد في بلادنا ظاهرة حديثة، لا تزال تواجه ممانعة من مستويات مختلفة سياسية ومجتمعية.
ولا شك أن أسباب الظاهرة تختلف ما بين الغرب وبلادنا الإسلامية، تبعًا للاختلاف الحضاري، وتنوع المسار التاريخي. ويمكننا إجمال أسباب وجود الإلحاد في بلداننا في الآتي:
1 - هزيمة العالم الإسلامي أمام الهجمة الأوربية:
كان للهزيمة العسكرية للدول الإسلامية أمام الغزو الأوربي أثرها البعيد في زلزلة العقائد الإسلامية، وانحسارها أمام المد الإلحادي الذي حمله المستعمرون الأوربيون، وطفقت الشعوب الإسلامية، تقلد المستعمر الأوربي وتتشبه بأخلاقه وعاداته، وتدخل في عقيدته الإلحادية ظناً منها أن الأوربيين لم يصلوا إلى القوة إلا برفضهم للدين، وكانت هذه خطيئة جديدة وسبباً آخر أسهم في الظاهرة الإلحادية العالمية([17]).
2 - حالة التبعية للغرب:
وهو ما أصاب قلوب ضعفاء الإيمان من انبهار تامّ برونق تلك الحضارة الزائفة الزائلة، وانساق هؤلاء المنهزمون المغرمون بتلك الحضارة إلى تلقي النظريات الفلسفية والعلمية المكرّسة للإلحاد، على أنه جزء من المنظومة الفكرية الكاملة التي دخلت إلى بلادنا، خصوصًا وأن المغلوب دائمًا يقلد الغالب([18]).
3 – دعم بعض الحكومات والمؤسسات:
بعض الحكومات تمرر بعض القوانين التي تساعد على نبذ الدين، كما أنها ترفع إلى مناصبها العالية بعض الملحدين مما يجعل لهم حظوة فيتمكن من مناصب ينفث من خلالها سمومه وأفكاره الإلحادية.
4 – التطرف والجمود الديني:
كثيراً ممن ألحدوا - في مجتمعنا- كان إلحادهم ردة فعل نفسية من التشدد الديني والاجتماعي!، وظهور بعض الجماعات الإرهابية التي تتخذ الدين ستارًا وحجابًا لتبرير جرائمها، مما أدى بهم إلى النفور من الدين والتدين.
5 - ضعف الإيمان والجفاف الروحي:
حين يصادف الإلحاد قلبًا خاويًا فيتمكَّن منه، كما هو الحال عند نقص المناعة الجسدية، فإن الجسم يكون بسبب ذلك عرضة للإصابة بالفيروسات الموبوءة والأمراض الفتاكة، لضعف جهاز المناعة عن مقاومة هذه الأمراض.
6 - ضعف العلم والثقافة الإسلامية الصحيحة:
فالأمية الدينية خطرٌ كبير، وخاصة في ظل الانفتاح الثقافي ووسائل العولمة وثورة التقنيات الحديثة والاتصالات السريعة، التي أدت إلى سرعة انتشار المعلومات والأخبار بغثها وسمينها، وكما أن الإلحاد قد يصادف قلبًا خاويًا فيتمكن منه فقد يصادف أيضا عقلًا خاويًا فيفتك به، وقد يقع الشاب بسبب ضعف المناعة العلمية ضحية لأفكار تمهد للإلحاد أو تقود إليه أو توقع فيه.
7 - غياب القدوة الصالحة:
سواء في الأسرة أو المدرسة والجامعة أو وسائل الإعلام، فينشأ الشاب أو الفتاة وهو لا يعرف دينه حق المعرفة ولا يحبه كما يجب، فتنطلي عليه الشبهات ويسهل عليه ترك دينه لأي سبب.
8 - تساؤلات تبحث عن إجابة، وردود فعل تكبت وتخرس:
كثيرٌ ممن ألحدوا كان إلحادهم هو نتيجة لتساؤلات أربكت عقولهم فبحثوا عن إجابات لها ولم يجدوا شيئا، والمصيبة الأكبر هي أن تقابل مثل هذه التساؤلات بالكبت والتخويف والتعنيف، كبت الأسئلة وقمعها وعدم الترحيب بالاختلاف في الرأي ومنع الحوار سبب ردة فعل لدى البعض أدت إلى نفور من الدين والتدين.
9 – عجز وقصور الخطاب الديني:
القصور في نظام الوعظ والدعوة، وعجز التيار المتدين عن الاحتضان الروحي العملي للشباب، والاكتفاء – في أحيان كثيرة – بدروس علمية جافة أو مواعظ ينقصها التجديد والإبداع، وجمود الدرس العقدي، تكرار نفس الموضوعات دون قدرة على تجديد نفسه ليواكب المستجدات العقدية المتسارعة، والشبهات الإلحادية التي تتساقط على رؤوس شبابنا، دون أن تكون لهم حيلة في دفعها!
10 – الانفتاح عبر الإنترانت:
مما ساهم في نشر الإلحاد مواقع التواصل الاجتماعي، وقربها من متناول الأيدي، مع كثرة المواقع المشبوهة التي يدعمها كبار الملاحدة على الشبكة العنكبوتية، والتي تدعي نصرة المظلومين وتبث ضمن ذلك ما شاءت من أفكار إلحادية، والازدراء الفاحش الذي يصدر منهم على الذات العلية وعلى ذوات الأنبياء والمرسلين.
11 - الظلم السياسي والاجتماعي:
إن ظلم الأنظمة السياسية والتفرقة العنصرية والاجتماعية، والذي لا تزال أمتنا ترزح تحته، ويسعى بعض من يمارسه إلى تسويغه باسم الدين، انطلاقًا من بعض الفهوم المغلوطة لمعاني نصوص الوحي، ولا شك أن هذا التحالف بين الظلم والدين المحرف، يؤدي ببعض الناس إلى التمرد على الدين وإنكار أصوله كلها.
12 - الرغبة الجامحة في الشهوات والانفلات:
كثيرٌ ممن يميل إلى الإلحاد دافعهم الشهوة لا غير، أو ما يسمى بالحرية اللاأخلاقية؛ فهي تتناسب والإلحاد؛ فلا حلال ولا حرام في ظلال مملكة الإلحاد، ولا رقيب ولا حساب ولا جزاء، ولا وجود لما يسمى باللسان المعاصر: «تأنيب الضمير»، أي النفس اللَّوامة التي تضرب المسلم بسياط الندم على اقتراف القبائح.
13 - الاضطرابات النفسية:
الاكتئاب هو من أهم الإشكالات النفسية التي قد تجعل الأفكار السلبية والسيئة تسيطر على الإنسان وقد تحدث نتيجة لهذه شكوك تربك عقله ولا يستطيع أن يتجاوزها، فيدفعه ذلك للإلحاد والشك في الله تعالى.
فإن كثيرًا من الآراء الفكرية المتطرفة أو الشاذة هي في حقيقتها مجرد تجليات لاضطرابات نفسية وإشكالات يعاني منها الشخص سواء كانت ميلًا للعنف أو تطرفًا دينيًا أو تطرفًا إلحاديًا وشكيًا.
14 - اضطهاد المرأة :
هذا من أبرز وأكبر أسباب الإلحاد بين الفتيات خصوصًا أن دعاة الإلحاد يستهدفون المرأة بدعاياتهم الإلحادية بزعم التحرر من سلطة الآباء وقهر الذكور وغيرها من الشعارات، فإذا انضمت إلى هذه الدعاية ما تلاقيه المرأة من اضطهاد وظلم وقهر في مجتمعها أو أسرتها كان هذا داعيًا قويًا للوقوع في فخ الإلحاد.
15 – الثورات العربية:
يرى عدد غير قليل من الباحثين والمتكلمين في قضية الإلحاد أن الثورات من الأسباب البارزة للإلحاد، معللين ذلك بأن المزاج الثوري يدعو للثورة على كل الثوابت ومن أهم هذه الثوابت الدين([19]).
16 - الإلحاد كموضة فكرية:
أحيانًا تجد أن الإلحاد قد أصبح لدى بعض الشباب مجرد موضة ومراهقة فكرية، أو وسيلة للفت أنظار الآخرين واستعراض العضلات، وغالبًا ما تجد هذا عند الأشخاص محبي الظهور والبروز ولفت النظر.
كانت هذه أبرز وأهم الأسباب التي وقفنا عليه، وذكرها الباحثون في ظهور وانتشار الإلحاد في مجتمعاتنا الإسلامية والعربية.
المطلب الثاني: أضرار الإلحاد، وبيان مخاطره:-
إن للفكر الإلحادي مخاطر وأضرار وآثار سيئة على النظم الدولية والسياسية، كما أن له مخاطر على سلوك الفرد والمجتمع، وفي هذا المطلب سنوضح تلك المخاطر والأضرار، على النحو التالي:
أولاً: الأضرار السياسية والدولية:-
1 – الفساد في السياسة العالمية، ونظام العلاقات بين الدول:
وذلك لأن الأخلاق المادية الإلحادية التي جعلت قلب الإنسان يمتلئ بالقسوة والأنانية دفعت الإنسان إلى تطبيق هذه القسوة والأنانية في مجال العلاقات السياسية العالمية أيضًا، ولذلك فالدول الاستعمارية الكبرى تلجأ إلى وسائل خسيسة جداً في استعباد الشعوب الضعيفة والحصول على خيراتها ونهب ثرواتها، وبلادنا الإسلامية بوجه عام والعربية بوجه خاص هي أشقى البلاد الضعيفة بهذه السياسات المادية الإلحادية.
2 - اختلال الأمن والسلام في المجتمع العالمي:
فالحرب العالمية الأولى قُتل فيها عشرة ملايين من الشباب، والحرب العالمية الثانية قُتل فيها أربعون مليوناً من البشر .. ولم تستقر أحوال العالم ما بين الحربين ولا قبلهما ولا بعدهما إلى هذه اللحظة([20]) .
كلها صراع دائر على مزيد من التسلط ومزيد من العدوان بين الدول التي تسمي نفسها «الدول الكبرى» تتصارع فيما بينها ..كل ذلك منشأة المادية الناتجة عن الفكر الإلحادي.
3 - الجرأة على نقد السلطات الحاكمة:
يدعوا الإلحاد والملحدون لنقد السلطات في العالم الإسلامي والقدح في حكام المسلمين وبخاصة من يحكم شيئًا من الشريعة، باسم الحرية والمساواة وذلك بافتعال التظاهرات
والثورات، مما يؤدي إلى دمار المؤسسات والممتلكات، ويضعف الدولة تجاه العدو الخارجي.
4 – اصطدام مؤسسات الدولة بعضها ببعض:
فالإلحاد يطعن في مؤسسات الدولة الدينية وهناك من يدعمه من النخبة السياسية، ومما لا شك فيه أن ذلك يسبب انقسام في الشأن السياسي، وتصارع بين مؤسسات الدولة والنخب الحاكمة.
5 – انهيار المؤسسات السياسية:
إن المؤسسات السياسية العربية والإسلامية قائمة على مشروعية دينية، فبالتالي فإن انهيار المنظومة الفكرية الدينية لا يعنى سوى انهيار السلطات الحاكمة ذاتها، بما في ذلك القوانين والدساتير.
ثانيًا: الأضرار الاجتماعية:-
1 - هدم النظام الأسري:
كان للإلحاد آثار مدمرة في الحياة الاجتماعية للإنسان، من تدمير المجتمع الإنسان وتفكيكه، وذلك أن نظام الاجتماع البشري لا يكون صالحاً سليماً إلا إذا كانت اللبنات التي تشكل هذا النظام صالحة سليمة، وإذا فسدت هذه اللبنات فسد تبعاً لذلك النظام الاجتماعي بأسره ولذلك كان من نتائج الإلحاد أيضًا هدم النظام الأسري.
والأسرة هي الخلية الأولى من البناء الاجتماعي وبفسادها لا شك يفسد النظام كله لأن الأسرة هي المحضن الأول للإنسان وإذا فسد الإنسان فسدت اللبنات التي تكون هذا البناء ولا بد، والإلحاد هو دعوة صريحة للتفكك الأسري وهدم الروابط والعلاقات بين أفراد الشعب وجماعاته.
2 - تخريب المجتمعات:
إن المجتمع الحديث في ظل الإلحاد أصبح شبيهاً بمجتمع الغابة الذي يحاول كل
حيوان فيه أن يفترس الآخر وبهذا يلجأ الضعيف إلى التخفي والخداع، ويلجأ القوي
إلى البطش والقسوة والعنف.
والذين يطالعون أحوال المجتمع الغربي الآن يرون إلى أي حد أصبحت الجريمة عملاً يومياً، وسلوكاً منظماً متطوراً فبالرغم من توفر الزنا والرذيلة ينتشر الاغتصاب للنساء بصورة مذهلة، وبالرغم من توفر الفرص للعمل والإنتاج نجد السطو والسرقات المسلحة التي يمارسها الناس على اختلاف أعمارهم وطبقاتهم.
3 – انتشار الفساد الأخلاقي:
فالإلحاد يدعوا إلى الحرية الجنسية ونشر الزنا والفجور، بل إنه لم يتوقف الإلحاد في أوربا
عند ذلك حيث تعدى الأمر لزنا المحارم، والمثلية الجنسية، بكل قبح دون خجل، وهذا مما يهدد مجتمعاتنا العربية والإسلامية، حيث يقول أحد الملحدين مستنكرًا: «لا أدري لماذا فجأة عند مناقشة المثلية الجنسية يتحول تفكير الملحد العربي إلي نفس طريقة تفكير المسلم السلفي ... المسألة غير خاضعة لأهواء الشخص حتى يحكم علي موضوع المثلية الجنسية بهذا الأسلوب الغريب !! هناك شيء يسمي علم و مؤسسات مختصة يبدوا أن البعض ينساها فجأة كما يفعل الدينيين تماما! »([21]).
فالإلحاد لا يقف عند حد، وكيف تأمن الأسرة على نسائها وبناتها إذا كان بين أفرادها محلد من حيث لا تشعر.
4 – انتشار الجريمة في المجتمع:
إن من آثار الإلحاد انتشار الجرائم سواء جرائم فردية أو جماعية، لأن قوى الشرّ إذا تمكنت من قطع صلة الإنسان بربه وأقْنعتْـه بأن هذا الربّ غير موجود؛ فإنها تجرده من كل إحساس إنساني، ولم تبق له أيّ وازع ديني يحول بينه وبين ارتكاب أية جريمة مهما كان نوعها.
فكل يوم تطالعنا وسائل الاتصال من صحف وكتب وإذاعة وغيرها، بأخبار الجرائم البشعة التي تحدث في أوربا ودول الإلحاد، التي بلغت من الحدة والعنف والشذوذ والتلذذ بتعذيب الآخرين وشرب دمائهم، والتمتع برؤية صراخهم واستغاثاتهم، هذا إلى حوادث السرقة والسطو والاغتصاب والقتل التي تتزايد يوماً بعد يوم.
5 - نزول العذاب بالمجتمعات الملحدة:
إن المجتمعات الملحدة تعاني نتيجة إلحادها وبُعدِها عن الله تبارك و تعالى من البلاء الذي سحقها وأتى عليها، ومن اطلع على أحوال المجتمعات الشيوعية الملحدة لم يرَ إلا الجوع والخوف، والقهر والتسلط.
ثالثًا: أضرار على الفرد:-
1 – غياب تفسير للحياة والوجود:
فالملحد ينظر للحياة على أنها تحصيل حاصل، لا غاية ولا حكمة من الوجود فيها، وإنما هي مجرد الصدفة وتطور الطبيعة، مما سبب ذلك في انتحار الكثيرين من الملاحدة.
2 - القلق والصراع النفسي: إن من الآثار التي يخلفها الإلحاد في نفوس الأفراد هو القلق والحيرة والاضطراب والصراع النفسي، والخوف من المستقبل.
3- الأنانية النفعية، والنزعة الفردية:
إن الفرغ الروحي، ونزعة المادية المعرفية، والانفلات الشهواني للغريزة، هي المحصلة من
الإلحاد والانسلاخ من الدين، وهي النتيجة الحتمية للقلق النفسي والخوف من الأيام، وهي اتجاه الإنسان نحو الفردية والأنانية، ونعني بالأنانية اتجاه الإنسان لخدمة مصالحه الخاصة وعدم التفكير في الآخرين، فالدين الذي يحث الإنسان على بذل المعروف للآخر والإحسان للناس ابتغاء مرضاة الله بانحساره عن حياة الإنسان، حل مكانه التفكير في النفس فقط وبذلك بدأ الناس في عصور الإلحاد المظلمة لا يأبهون لغيرهم من بني البشر، وشيئاً فشيئاً قلت العناية بالفقراء والمحتاجين ثم بالأهل والأقربين ثم بالوالدين وأيضاً بالزوجة والأولاد.
4 - فقد الوازع والنزوع إلى الإجرام:
لأن الإلحاد لا يربّي النفس، ولا يخوّف الإنسان من إله قوي يراقب تصرفاته، فإن الإنسان الملحد يغرق في الشهوات والمخدرات ويتغلّب على من أمامه إما بالحيلة أو بالمكر أو بالقوة.
لا يبقى أمام الملحد من وازع إلا القانون البشري أو ظروفه الواقعية
وهذه أمور يمكن التغلب عليها بصور كثيرة وخاصة في المجتمع المعاصر الذي تفنن
الإنسان فيه في طرق الإجرام والتهرب من القوانين.
5 – انفلات الغريزة الشهوانية:
الإلحاد يقطع صلة الإنسان بالآخرة، والإيمان بالجنة كدار نعيم ومحل استكمال النعم والملذات، فلا يبقى للملحد منظور لهذه الدنيا إلا المتعة وتحصيل الشهوات، فيصبح كل جهده مبذول لهذه الغاية دون النظر لقيم أو أخلاق، وكان نتيجة ذلك أنه لم يشهد الجنس البشري ثورة للغرائز البشرية كما شهدها في عصر الإلحاد المعاصر، حتى تجاوز الأمر إلى الشذوذ الجنسي والإعلان به حتى بلغ الأمر مرحلة التقنين([22]).

المبحث الثالث: طرق العلاج والمواجهة، وكيفية دعوة الملحدين

بعد أن عرفنا ظاهرة الإلحاد، وعرفنا أسبابها، وشرحنا آثارها المدمرة في نفس الإنسان، ومجتمعه، وفي العلاقات السياسية العالمية أيضاً نأتي الآن إلى طرق علاج هذه الظاهرة وكيفية مواجهتها، وبيان السبل الصحيحة في دعوة الملحدين، وسنوضح ذلك في مطلبين على النحو التالي:
المطلب الأول: طرق علاج ومواجهة ظاهرة الإلحاد:-
وهنا نقول أن التصدي لعلاج هذه الظاهرة ومواجهتها، واجب على جميع أطياف ونسيج المجتمع العربي والإسلامي، حكومة وشعبًا، أفرادًا وجماعات، قادة ومؤسسات، كلٌ بحسب دورة ومسؤليته، ومستواه العلمي والثقافي، حتى يتم وقف تمدد واستأصال هذه الظاهرة الخطيرة.
وإليك خطوطاً عريضة لكيفية علاج هذه الظاهرة، نبينها على النحو التالي:
أولاً: دور الدول والقيادات:
وذلك عبر مسارات عدة، منها:
1 - نشر التنمية والازدهار ومكافحة الفقر، والمرض، والتخلف، والبطالة.
2 - سن وتطبيق القوانين التي تكافح الإلحاد، وتقضي على الشذوذ الفكري، والجريمة الأخلاقية.
3 – دعم الخطاب الديني وأسلوبه ومرتكزاته: وذلك بإنتاج خطاب ديني برهاني يعتمد على ترسيخ عقيدة الربوبية، وإظهار نعم الله على خلقه، كما ينبغي أن يعتمد منتج علمي مؤسسي أكاديمي ، بحيث ينتقل من التلقِّي المعرفي إلى الإنتاج، وذلك لدعم رؤيتنا في نقد ما نراه داعيًا للإلحاد.
ولا نغفل في هذا السياق عن التذكير بضرورة قراءة الفلسفية المعاصرة وفهم سياقات الاستدلال الإلحادي والإيماني، للخلوص إلى أسلوب الفريقين وإمكان التعامل معهما بكفاءة.
4 - تطوير المناهج الدراسية: بأن تكون المناهج الدراسية باعثة على الإيمان واليقين لا مجرد معلومات تدرس ثم تنسى، ويبقى الدور الأهم للمعلم المؤمن برسالته والذي يستكمل النقص – إن وجد- في المنهج.
كما ينبغي تدريس العقائد بشكل يتناسق فيه الفكر مع العاطفة، وذلك بإعادة صياغة علم العقائد صياغة يتعلق فيها القلب بالله سبحانه وتعالى تعلقا ينجيه من المهالك ويشعره بمحبة الله سبحانه لخلقه وذلك اقتداء بطريقة القرآن الكريم ولنأخذ مثلًا قوله تعالى:﴿اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [سورة غافر: 64].
ثانيًا: دور المؤسسات الدينية الرسمية:
وذلك عبر مسارات عدة، منها:
1 - التحصين من هذه المشكلة بالطرق المثلى عبر المحاضرات والندوات وخطب الجمعة وغيرها.
2 - إعداد فريق من الدعاة والمتخصصين: وتدريبهم وتهيئتهم علمياً وعقلياً على فنون المناظرة وأصول الجدل في المنتديات التي تبث مثل هذه الأفكار، وتحصينهم وتجهيزهم بكل ما يحتاجون من دعم نفسي وعلمي وفكري لمواجهة مثل هذه الأفكار.
3 - عمل الدراسات والبحوث والمؤلفات التي تخدم هذا الباب، ووضع الاستراتيجيات المثلى لمواجهة الإلحاد.
4 - فتح المراكز المتخصصة : وذلك برصد الأفكار التي تبث في مواقع النت وكتابات الكتاب، ومعالجتها من خلال اجتماع فئات من المتخصصين في المجالات الشرعية والفكرية والعلمية وتعميق النقاش بها، ورصد القيم العلمية والتي تعزز أفكار الإلحاد من خلال كشوفات العلوم الحديثة والتي يعتمد عليها هؤلاء الملاحدة في تعزيز نظريتهم لمسائل الخلق والنشأة وسيرورة التكوين ، مثل علوم الفيزياء والأحياء والجينوم الاحفورات التاريخية وغيرها .
5 – إرسال البعثات والقوافل الدعوية: إلى المدارس، والنوادي، والجامعات، وتحصين الشباب مما يمكن أن يعرض لهم في المستقبل من أفكار قد تثير شكوكًا عند البعض، وكيفية مواجهتها، والإجابة عن الشبهات المثارة بعبارة واضحة وبشكل جماعي وموسوعي، مفندين للشبهات مع مراعاة الطبيعة النفسية والعقلية للفئة المستهدفة.
6 – تحسين الخطاب الديني: وذلك بالتزام الخطاب المعتدل، وتعزيز ركائز الإيمان والعقيدة السليمة، وإبراز محاسن الإسلام وكماله، والتصدي لمظاهر تشويهه من قبل المتطرفين والإرهابيين، وفك أي ارتباط يرمي إلى ربط الدين بأي ممارسة خاطئة، وتصحيح المفاهيم المغلوطة حول العلاقة بين الدين والعلوم الطبيعية وغيرها، وتجديد لغة الخطاب، وتقديم المادة العلمية والوعظية بأسلوب متميز ووفق معايير تراعي المعاصرة وتواكب التحديات.
7 - الانتقال من حال الرد إلى النقد:
فليست قضية الإيمان بالخالق أمراً هامشيًّا وإنما هي أساس التعاطي مع الوجود كله، والتوقف عند الرد معضلة توحي بالانهزام والفراغ العلمي؛ إذ إن التيار الإلحادي تيار هدمي؛ يسعى أفراده إلى هدم التصورات الدينية دون أن يقدموا فلسفتهم الخاصة للوجود، ومتى ما سعوا في ذلك فمن السهل ملاحظة حالة التعجل والسطحية والحيدة عن مواضع الإشكال، وهو ما يكشف عن مشكلات كثيرة تعصف بهذا الخطاب.
ثالثًا: دور المثقفين والإعلاميين:
وذلك عبر مسارات عدة، منها:
1 - التوعية بخطورة هذه المشكلة، وبيان مفاسدها، وعمل البرامج والمبادرات التي تُعنى بهذا الأمر، والاستعانة بالمتخصصين فيه، والتزام الثقافة الإيجابية، والإعلام الهادف.
2 - تأهيل طلبة العلم الشرعي والباحثين لمواجهة هذه المشكلة بالطرق السديدة، ووضع برامج لأطروحات الماجستير والدكتوراة تُعنى بجوانب هذا الموضوع من كافة أبعاده، وتواكب ما يستجد حوله؛ لإثراء المكتبة العربية والإسلامية وتزويد القرَّاء بالتصانيف المتميزة.
3 - تضافر الجهود على مستوى المجامع الإسلامية الكبرى مثل منظمة التعاون الإسلامي، وإنشاء مجمع إسلامي دولي يُعنى بهذه المشكلة وغيرها، يجمع بين علماء الشريعة وعلماء التخصصات الأخرى.
4 - فتح قنوات للحوار مع الملحدين، وإدارة الحوار معهم بالحسنى لأن الإيمان والإلحاد أمر فكري، والفكر لا يواجه إلا بفكر تصحيحي دون الاستماتة في إرجاعهم لحظيرة الإيمان فإنما علينا البيان وليس الهدى، مع ضرورة العناية بالرسوخ العلمي والخطاب العقلي الذي يناقش تفاصيل القضايا العقدية والفكرية القديمة والمعاصرة.
5 - الإلحاد باعتباره مشكلة فكرية لها آثار سلوكية فلابد من الحدّ من النفوذ الإعلامي لدعاة الإلحاد ومروجيه في جانبه الفكري الفلسفي وفي جانبه الخلقي الإباحي.
رابعًا: دور الأفراد والأسر:
1 – العكوف على كتاب الله وسنة رسوله تلاوة وتدبرا, وتذوق طعم الإيمان من خلال التأمل في صفات الله وسيرة رسوله صلى الله عليه وسلم, وغرس العقيدة الصحيحة في النفس بكل الوسائل.
2 - التزام الوصايا النبوية العظيمة الواردة في هذا الباب، ومنها: الإكثار من ذكر الله تبارك وتعالى فإن الإلحاد ليس قضية علمية ثابتة، وإنما هو مجموعة وساوس، والوساوس إنما تنفذ من خلال الشيطان .
3 - تأسيس أصل التوحيد في قلب الطفل والشعور برقابة الله للإنسان، وبناء مفهوم الرقابة الذاتية، الذي يربى المسلم على رقابة الله عز وجل في جميع أعماله وأحواله كأنه يراه، قال تعالى: ﴿الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾[ الشعراء: 218 – 219].
4 – معرفة الشبهات التي تنتشر في أوساط الأبناء في كل مرحلة وسن معين وطرحها في جلسة عائلية أسبوعية ومناقشتها من الأسرة بكل أفرادها، وترك الحرية للأبناء لإبداء رأيهم بكل شفافية، والمناقشة الهادئة مع التوجيه السليم.
5 - على الأسرة أن تقيم علاقات مطمئنة مع أبنائها، علاقات تجعلهم أكثر إقبالًا على غيرهم وعلى الحياة، عليهم أن يغرسوا فيهم الفضيلة والأخلاق وضروراته منذ صغرهم، وأن يربطوهم بالواقع المحيط بهم، وإحياء روح المعاني في أنفسهم لأنها هي ما ستبقى صامدة أمام الشكوك التي من الممكن أن تزورهم.
المطلب الثاني: كيفية دعوة الملحدين:-
يذكر أحد الباحثين في ظاهرة الإلحاد ثلاثة تنبيهات قبل الخوض في دعوة أو مناقشة أحد الملحدين، وهي:
الأول: أن القراءة في هذا الموضوع ينبغي أن تكون على قدر الحاجة، وأن من لم يُبتل بمقارعة الإلحاد فليس له أن يكثر النظر في شبهات القوم والرد عليها، بل تكفيه المعرفة الفطرية، وأصول الاستدلال العقلي على وجود الله، الموجودة في كتب العقيدة.
الثاني: أنه لا بد من التمكن في العلوم الشرعية عمومًا، وفي العقيدة خصوصًا لمن يخوض هذا المجال. وما أكثر من أقبل على مناقشة الملاحدة بزاد قليل من العلم، فوقع في مزالق عقدية خطيرة، وهو يحسب أنه يحسن صنعا! كما أن مناقشة الملاحدة لا بد أن تتطرق إلى مناقشة الشبهات اللادينية؛ ولا سبيل إلى كشف هذه الشبهات إلا من طريق العلم الشرعي.
الثالث: لا بد من الاعتصام بالله وصدق الملجأ إليه، وعدم الاعتداد بالعقل ولا التعويل على قدرته في التعامل مع الشبهات دون عون من القدير سبحانه. وما أكثر المنتكسين الذين سقطوا في مستنقع الحيرة أو الإلحاد الصريح، بسبب كثرة اعتدادهم بعقولهم، وخوضهم في محاراتها، دون اعتماد على الباري سبحانه([23]).
1 – تصحيح النية من أنّ الغاية من الحوار والمناظرة أو الدعوة هي هداية الملحد، وتبيين ضلاله بأدلة العقل الصريح والعلم الصحيح، وهذا يحتم توخي الحذر من الشرك الخفي، أعني: الغرور، العجب، الرياء، السمعة، وغير ذلك.
2 - مراعاة أدب الحوار والأسلوب الراقي، والدعوة والحوار بالتي هي أحسن، فحسن الأدب وجمال الأداء في عرض الأفكار له تأثير قوي على النفس، ولو شعوريًّا. ولهذا أمر الله سيدنا موسى عليه السلام أن ينهج هذا النهج مع أعتى طاغية عرفه تاريخ البشريّة، فقال: ﴿ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ﴾ [طه : 44].
3 - علينا ونحن ندرس هذه الظاهرة دراسة نقديّة، أن نعتمد منهجيّة علميّة ترتكز على أسس يقينية، بعيداً عن الظنون والأوهام، يحكمها المنهج المنطقي العقلي المستند إلى الحجّة والذي لا يقتصر على مجرّد الكلام الوعظي الخطابي، فضلاً عن أن يكتفي بتوجيه كلمات التكفير والحكم بالارتداد، ونحو ذلك.
4 – أن تقوم الدعوة والمناقشة على أسس منهجية في الحوار، ومنها ما يلي:

  • أنّ النفي كالإثبات يحتاج إلى دليل، وكلّ تصوّر فكري لا يعضده الدليل ولا تنصره الحجة، فهو مجرد دعاوى واهية.، وعلى ضوء هذا، فإنّنا نسأل الملحد هل تملك دليلاً على نفي وجود الله؟
  • عدم الخلط بين الفرضيات العلميّة والحقائق العلميّة. فالافتراضات العلميّة بحكم أنّها غير يقينية وفي معرض الخطأ لا يمكن أن تشكّل أساساً لبناء رؤية فلسفية إزاء الكون والوجود، فرؤية كهذه تحتاج إلى أدلّة وبراهين يقينيّة.
وعليه فإن الفرضيات العلمية الحديثة التي يتعمد عليها الملحد لا ترقى إلى مستوى الحقيقة العلميّة وإنّما هي مجرد فرضيّة علميّة، فلا تصلح مستنداً لرفض فكرة الخالق أو إبطال المعتقدات الدينيّة.

  • أنّ العقل من أهمّ المصادر للمعرفة البشرية، وأن قواعدنا المعرفيّة تبني الإيمان على أساس العقل، ولا ترى منافاةً بين العلم والدين، بل وتعتبر أنّ العلم يؤكّد الإيمان ولا ينفيه.
  • لا بدّ أن نفرّق بين حقائق الدين ونظرياته، يقينياته وظنّياته، وكلياته وجزئياته، فالحقائق الدينية هي القطعيات والبديهيات التي لا تخضع للاجتهاد، بينما النظريّات هي القضايا الاجتهاديّة، ومنها المعطيات العلميّة.
وعليه فلا يخرج بك الملحد عن أصل دائرة الحوار، ويأخذك إلى قضايا ظنية، ومسائل جزئية، فغالباً ما يحيد الملحد عن قضية وجود الله من عدمه ويشغب بأسئلة أخرى، لماذا شرع الله كذا وحرم كذا؟

  • تأكد بصورة مطلقة أنّ الملاحدة على باطل وضلال مهما زخرفوا القول وزيّنوا الحديث، ذلك لأنّهم ناقضوا صريح المعقول، ورفضوا دلائل العلوم، وعاندوا بديهيات الفطرة.
  • العقل الإلحادي يعجز عن فهم مستويات الوجود: الواجب، الممكن، المستحيل. ولهذا تراه يخلط في أسئلته وافتراضاته، ويؤسس عليها كمًّا هائلًا من النتائج. ومعلوم في قوانين العقل أنّ المقدمة إذا كانت خطأ، فبالضرورة تكون النتيجة خطأً، ولهذا يشدّدون على: من خلق الله؟! علمًا أن صيغة هذا السؤال مثلًا تهدم نفسها بنفسها؛ لأنّه إذا كان الإله مخلوقًا من طرف الله، إذًا فالله هو الإله والخالق الوحيد، أما الآخر فهو مخلوق وليس إلهًا، وقِس على هذا.
  • يرفض الفكر الإلحادي الاعتراف باللغة وسعة دلالاتها المتنوعة؛ سواء الفكريّة، أم الأخلاقيّة، أم النفسيّة، ولهذا تجد لديه حساسيّة شديدة تجاه المفردات اللغويّة التّي تحمل - من بين ما تحمل - شحنات دينيّة؛ مثل: عقيدة، عبادة، تقليد.. إلخ.
  • من خُدع الإلحاد الماكرة أنّه يعتمد على طرح أسئلة هي في أساسها مبنيّة على أصول أخرى، وبدون التسليم بتلك الأصول والاقتناع بها، تجرّ تلك الأسئلة الماكرة صاحبها إلى بلبلة فكريّة واضطراب عقائدي مثل: لماذا خلقنا الله بدون أن يأخذ رأينا (أنت مخلوق فكيف يأخذ رأيك؟) إذا كان الله - سبحانه - يريد الخير لنا، فلماذا خلق النّار قبل أن يخلقنا: (أنت مخلوق عاجز عن فهم طبيعة روحك، فكيف تريد أن تحيط علما بحكمة الله المطلقة؟)([24]).
5 - بعض الحقائق العلمية الموجودة في هذا الكون تستطيع أن ترد بها على الذين ينكرون وجود الله تعالى، ومنها الآتي:

  • الماء واحد والأرض واحدة والنبات مختلف الألوان والطعوم والروائح .
  • اختلاف بصمات الإنسان، وشفرة الدي إن إيه (DNA) التي تقوم ببرمجة سلوك الخلية.
  • ما السبب في نشأة الكون؟ ولماذا يعمل الكون بالقوانين الموحدة للطبيعة؟
  • الإنسان لم يخلق نفسه ولا أولاده ولا الأرض التي تقله ولا السماء التي تظله، والبشر الذين ادعوا الألوهية من دون الله لم يزعموا لأنفسهم خلقاً ولا نفعاً ولا ضراً.
6- أهم شبهات الملحدين والرد عليها، وشبهتهم حول وجود الإله لا حول الإسلام، وقد بينا سابقًا أن الملحد لا يناقش إلا بمسألة وجود الخالق، فهي لب مشكلته، ومن ذلك:
س / من خلق الله؟
ج / 1 - الله ليس مخلوقا لنسأل من خلقه.
2 - لو قلنا أن الله مخلوق فإن لخالقه خالق ولخالقه خالق وهكذا، وهذا يؤدي في التسلسل في المؤثر، وهذا ممتنع.
3 - قانون السببية لا يعمل في مسألة الخالق لأنه متعلق بالمخلوقات وإسقاطه على الله يؤدي إلى التسلسل في المؤثر وهو ممتنع عقلا.
4 - ثبت منطقيًا وعلميًا أن الكون محدث وله بداية، وما ثبت هذا على الخالق سبحانه، فلا مبرر لسؤال من أحدث الخالق وأوجده! بل هو أزلي قديم.
س / هل يستطيع الله خلق صخرة لا يستطيع حملها؟!
ج / 1 - الخلل في نفس السؤال، لأن هذا الأمر لا يُتصور عقلا، فهناك في علم المنطق أمر يسمى المستحيلات، وهي الأمور التي لا يتصورها العقل السليم.
2 - مثل أن يكون الإنسان موجودًا وغير موجود في نفس اللحظة والمكان، فقدرة الله هنا لا تتعلق بالمستحيلات لأنها - أي المستحيلات - غير موجودة.
وهناك شبهات كثيرة أخرى رددها الملحدون وتم الجواب عنها، ويمكن الرجوع في ذلك إلى بعض المواقع التالية:

مركز براهين لدراسة الإلحاد ومعالجة النوازل العقدية .
كما يوجد أيضًا كتب كثيرة في الرد على الإلحاد والملحدون، منها ما يلي:

  • قصة الإيمان بين الفلسفة والعلم والقرآن, لنديم الجسر.
  • الإسلام يتحدى, لوحيد الدين خان .
  • الدين في مواجهة العلم, لوحيد الدين خان .
  • الفيزياء ووجود الخالق، لجعفر شيخ إدريس .
  • عقيدتنا في الخالق والنبوة والآخرة, لعبد الله نعمة .
  • الفجوة المفتعلة بين العلم والدين, لمحمد علي يوسف .
  • براهين وأدلة إيمانية, لعبد الرحمن حسن حبنكة .
  • صراع مع الملاحدة حتى العظم, لعبد الرحمن حبنكة .
  • الله يتجلى في عصر العلم, مجموعة من العلماء الأمريكيين , ترجمة: محمد جمال الدين الفندي .
  • حوار مع صديقي الملحد, لمصطفي محمود .
  • عقائد المفكرين في القرن العشرين, لعباس محمود العقاد .
  • دلائل التوحيد, لجمال الدين القاسمي .
  • الدين, بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان, لمحمد عبد الله دراز .

الخاتمــــة
اختتمت بحثي حول قضية الإلحاد بهذه الرسـالة الجميلة التي كتبها أمير الشعراء / أحمد شوقي، إلى كل ملحد، تحت عنوان «الحقيقة الواحدة».
قال فيها: يا مُتابعَ المَلاحِدَة، مُشايِعَ العُصْبةِ الجاحدة، منكرَ الحقيقة الواحدة: ما للأعمى والمرآة، وما لِلمُقْعَد والمِرْقاة، ومالَكَ والبحثَ عن الله؟
قُم إلى السماءِ تَقَصَّ النظر، وقُصَّ الأثر، واجمع الخُبْرَ والخَبَر.
كيف ترى ائتلافَ الفَلَك، واختلافَ النسور والحَلَك، وهذا الهواء المشترك، وكيف ترى الطيرَ تحسَبُه تُرِك، وهو في شَرَك، استهدَف فما نجا حتى هَلَك، وتعالى الله! دلَّ المُلْك على المَلِك!.
وقِفْ بالأرضِ سَلْهَا من زَمَّ السحابَ وأجراها، ورَحَل الرياحَ وعَرَّاها، ومن أقعد الجبالَ وأنهضَ ذُراها، ومن الذي يَحُلُّ حُباها، فتخِرُّ له في غدٍ جِباها؟
أليس الذي بدأها غَبَرات، ثم جمعها صخّرات، ثم فرَّقها مُشمَخِرَّات؟
ثم سَلِ النملَ مَنْ أدَقَّها خَلْقا، ومَلأها خُلُقا، وسَلَكهَا طُرُقا تبتغي رزقا؟
وسلِ النحلَ مَنْ أَلْبَسَها الحِبَر، وقَلَّدها الإبَر، وأطعْمَها صَفوَ الزَّهر، وسخَّرَها طاهيةً للبشر؟
لقد نبذتَ الذَّلولَ المُسْعِفَة، وأخذتَ في معامِي الفَلْسَفَة، على عَشواءَ من الضلالِ مُعْسِفَة.
أوْلاَ فَخبِّرْني: الطبيعةُ من طبَعَها، والنُظُم المتقادمَةُ مَنْ وضَعَها، والحياةُ الصانِعَةُ مَنْ صَنَعهَا، والحركة الدافعةُ مَن الذي دَفَعَها؟!
عرَفْنا كما عرفتَ المادَّة، ولكنْ هُدينا وضَلَلْتَ الجادّة، وقُلنا مِثَلكَ بالهَيولَى ولكنْ لَمْ نَجْحدِ اليدَ الطُّولَى ولا أنكرْنا الحقيقةَ الأولى.
أتينا العناصرَ مِنْ عُنْصُرها، ورَدَدْنا الجواهرَ إلى جوهرِها؛ اطَّرَحنا فاستَرَحْنا، وسلَّمْنا فَسَلِمْنا، وآمَنَّا فأُمِنَّا.
وما الفَرقُ بيننَا وبينَك إلا أنكَ قد عَجَزْتَ فقلتَ: سرٌّ مِنَ الأسرار، وعَجزنا نحن فقلنا: اللهُ وراءَ كل سِتار!! ([25])
صل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.



([2]) انظر: الأزهري، تهذيب اللغة، ط1/ إحياء التراث العربي – بيروت (4/224)، ابن منظور، لسان العرب، ص3/ دار صادر – بيروت ( 3/389 )، الفيومي، المصباح المنير، ط/ المكتبة العلمية – بيروت (2 / 550).
([3]) ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر، ت/ أحمد الزاوي، ط/ المكتبة العلمية – بيروت (4/236).

([4]) انظر: الجوهري، الصحاح، ط4/ دار العلم للملايين – بيروت (2/534)، ابن فارس، مقاييس اللغة، ط/ دار الفكر – بيروت (5/236).

([5]) الراغب الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن، ت/ صفوان عدنان الداودي، ط1/ دار القلم – دمشق (ص 737).

([6]) انظر: عبد الرحمن الميداني، كواشف زيوف، ط2/ دار القلم – دمشق (ص 464)، محمد قطب، مذاهب فكرية معاصرة، ط1/ دار الشروق – القاهرة (ص 605).

([7]) انظر: كواشف زيوف (ص 463) مرجع سابق، مذاهب فكرية معاصرة (ص 259) مرجع سابق، د. غالب عواجي، المذاهب الفكرية المعاصرة، ط1/ المكتبة العصرية الذهبية - جدة (2/1225).

([8]) انظر: كواشف زيوف (ص317 - 318) مرجع سابق، مذاهب فكرية معاصرة (ص93 - 94) مرجع سابق، الندوة العالمية بإشراف د. مناع الجهني، الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب، ط4/ دار الندوة العالمية (2/925).

([9]) انظر: كواشف زيوف (ص361) مرجع سابق، الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب (2/818) مرجع سابق، د. غالب عواجي، المذاهب الفكرية المعاصرة (2/857) مرجع سابق.

([10]) انظر: كواشف زيوف (ص159) مرجع سابق، مذاهب فكرية معاصرة (ص500) مرجع سابق، الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب (2/796) مرجع سابق.

([11]) انظر: المستشار/ سالم البهنساوي، تهافت العلمانية، ط1/ دار الوفاء – المنصورة – مصر (ص5)، د . عبد الوهاب المسيري، موسوعة اليهود واليهودية، ط1/ دار الشروق – القاهرة (1/446).

([12]) انظر: د . حسن الأسمري، النظريات العلمية الحديثة، ط1/ مركز التأصيل للدراسات والبحوث – جدة (1/198)، د . عبد الوهاب المسيري، موسوعة اليهود واليهودية، (2/811).

([13]) انظر: د. غالب عواجي، المذاهب الفكرية المعاصرة (2/1008 وما بعدها) مرجع سابق، بتصرف يسير.

([14]) انظر: د . صالح سندي، الإلحاد خطره وسبل مواجهته، ط1/ دار اللؤلؤة – بيروت (ص21).، د.عصام البشير، الإلحاد العاطفي، مقال بموقع إسلام ويب بتاريخ / 13 – 12 – 2015م.

([15]) انظر: الموسوعة الحرة ويكيبيديا – الإلحاد . [url]https://ar.wikipedia.org › wiki › [/URL]

([16]) انظر: د. غالب عواجي، المذاهب الفكرية المعاصرة (2/1011 وما بعدها) مرجع سابق بتصرف، علي بن نايف، موسوعة الرد على المذاهب الفكرية المعاصرة، قسم العقيدة – الموسوعة الشاملة (45/148 وما بعدها) بتصرف.

([17]) موسوعة الرد على المذاهب الفكرية المعاصرة (45/150) مرجع سابق، بتصرف يسير.

([18]) انظر: د. غالب عواجي، المذاهب الفكرية المعاصرة (2/1014) مرجع سابق بتصرف وزيادة.

([19]) انظر: د. هشام عزمي، أسباب الإلحاد في العالم العربي، مقال بمجلة براهين لدراسة الإلحاد ومعالجة النوازل العقدية – العدد الثاني بتاريخ / مايو 2014م – رجب 1435 هـ.

([20]) انظر: د . صالح بامبا، الإلحاد وآثاره في الحياة الأوربية (2/621 وما بعدها) ترقيم مسلسل، رسالة ماجستير مقدمة لكلية الشريعة – جامعة أم القرى بإشراف الأستاذ/ محمد الغزالي سنة 1981 م /1401 هـ. بتصرف .

([21]) انظر: شبكة الإلحاد العربي، الحرية الجنسية (المثلية بشكل خاص) بتاريخ 4/10/2016م.

([22]) انظر: أنور قاسم الخضري، آثار ونتائج الانحرافات الفكرية ( الإلحاد إنموذجًا ) ص15 وما بعدها بتصرف، مؤتمر الانحرافات الفكرية بين حرية التعبير ومحكمات الشريعة – المجمع الفقهي / رابطة العالم الإسلامي.

([23]) انظر: د. البشير عصام، مقال بعنوان/ منهج الرد على الإلحاد، مركز يقين الالكتروني بتاريخ / 1-11-2018م.

([24]) انظر: نور الدين قوطيط، مقال بعنوان/ النصائح الذهبية في مناقشة الملحدين، شبكة الألوكة – المجلس العلمي بتاريخ / 16 – 6 – 2014م.

([25]) أمير الشعراء/ أحمد شوقي، أسواق الذهب، مطبعة الهلال – مصر (ص6-7).
 
نسال الله ان يجعل لك بكل حرف ماشاء من الحسنات انه جواد كريم ، اجدت واحسنت ووفيت
نرجوا من يتحرك بهذا التوجيه بين الناشئه للوقاية فهى خير من العلاج
وها نحن نرى فيروس ضعيف يدك فكرهم ويشتت رأيهم
اين من يقول بالصدفه ؟
 
عودة
أعلى