الإقلاب بين أهل مصر وأهل الشام

  • بادئ الموضوع بادئ الموضوع طارق
  • تاريخ البدء تاريخ البدء

طارق

New member
إنضم
16/04/2003
المشاركات
17
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الإقلاب هو قلب النون الساكنة أو التنوين ميماً عند الباء مع مراعاة الغنة والإخفاء.
وهذا ما نعرفه .
لكني وجدتُ في كتاب الشيخ الفاضل صفوان عدنان داوودي
(( قواعد التجويد )) ما يدل على أن الإخفاء لديه هنا ليس صحيحاً ، ويقول : (( وأهل الشام يقلبونها ميماً خالصة ، وبه قال أئمة الأداء المتقدمين .......................... وأهل مصر يقلبونها ميماً مخفاة ، والأول الصحيح والأقوى حتى لا يتحد الإقلاب والإخفاء الشفوي )) .
فأيهما أصح ؟

أم يجوز فيها الوجهان ؟

وجزاكم الله خيراً
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل
السلام عليكم
وبعد إليك بحثان كلاهما يحمل وجه نظر تحتلف عن الأخرى فانظر إليهما وحقق لنفسك ، لعل الله يشرح صدرك للحق .
فالرأي الأول
رسالة فاصلة في صحة الفرجة في الميم المخفاة الساكنة ذكرها عنه الأخ إبراهيم

--------------------------------------------------------------------------------

رسالة فاصلة في صحة الفرجة في الميم المخفاة الساكنة
للمقرئ أبى عمر عبد الحكيم




إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله (صلى الله عليه وسلم) وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد ....
فقد كثر الكلام منذ فترة عن الطريقة الصحيحة في أداء الإخفاء في الميم الساكنة إذا وليها باء أو النون عند القلب حتى وصل الأمر إلى أنهم بدعوا من قرأ بفرجة الشفتين ، فأردت أن أوضح لإخواني ما أخفى عليهم بطريقة سهلة واقعية دون تعصب لشيخ أو قطر من الأقطار حيث إننا قرأنا ونقرئ في مصر بوجه الإخفاء مع الفرجة وعليه أغلب القراء في مصر، وقد وجدت معظم الذين قرءوا على الشيخ (الزيات) أيضا يقرؤون بهذه الفرجة، ولذلك شرعت في توضيح الأمر لإخواني عسى الله أن يهدينا إلى الحق ، وقبل الشروع في كيفية الإخفاء أبين أحكام الميم الساكنة باختصار ثم أتطرق إلى موضوع الإخفاء وكيفية أدائه. وقد سمميت هذه الرسالة



"رسالة فاصلة في صحة الفرجة في الميم المخفاة الساكنة "


الميم الساكنة :
إما أن تكون ميما أصلية مثل " أم من " أو ميم جمع " أنفسكم "
للميم الساكنة أحكام ثلاثة : الإدغام – الإخفاء – الإظهار

الإدغام :
تدغم الميم الساكنة إذا وليها ميم بعدها سواء في كلمة مثل ( الم – المص – المر ) أو في كلمتين مثل ( كم من فئة –لكم ما كسبتم )

الإخفاء :
تخفى الميم الساكنة إذا وليها حرف الباء مثل ( ءامنتم به – ترميهم بحجارة )
وسيأتي التفصيل فيه بإذن الله.

الإظهار:
تظهر الميم الساكنة عند بقية الأحرف ماعدا (الميم – الباء – الألف )
والألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا .

هذه أحكام الميم الساكنة باختصار.

وحديثنا سيكون على حكم الإخفاء ويندرج معه حكم القلب في النون الساكنة إذا وليها باء، لأنه لا فرق بين ( أن بورك – وماهم بمؤمنين ) لأن طريقة أدائهما واحدة.

ولكن إذا تحدثنا عن حكم الإخفاء بالنسبة للميم الساكنة ، فقد اختلف أهل الأداء بالنسبة لحكمها.
منهم من قال بالإظهار المحض أي – بإظهار الميم بدون غنة – وهذا ما عليه عامة العراقيين وحكى بعضهم الإجماع عليه كما نقل ابن الجزرى ومنهم من أخفي الميم عند الباء مع الغنة ، والوجهان صحيحان مقروء بهما كما قال ابن الجزرى ثم رجح الإخفاء وقال إنه الأولى ..........وأخفين الميم إن تسكن بغنة لدى .. باء على المختار من أهل الأدا

فإذا تحدثنا عن كيفية الإخفاء ، هل بإطباق الشفتين دون فرجة أم بإطباق الشفتين مع فرجة بسيطة ؟
فإذا أردنا التحدث في هذا الموضوع فيجب علينا أولاً أن نعرف الإخفاء من جهة اللغة الستر

ومن جهة الاصطلاح:
قال أبو عمرو الداني في كتاب التيسير – عند حديثه عن أحكام النون الساكنة والتنوين صــ44 " والإخفاء حال بين الإظهار والإدغام وهو عار من التشديد فاعلمه وبالله التوفيق أ. هـ.

قال أبو شامة عند الحديث عن الإخفاء في إبراز المعاني (.......... فلما توسطت أعطيت حكما وسطا بين الإظهار والإدغام وهو الإخفاء) .

قال الإمام ابن الجزرى في النشر صـ27 الجزء الثاني عند حديثه عن الإخفاء " واعلم أن الإخفاء عند أئمتنا هو حال بين الإظهار والإدغام، قال الداني وذلك أن النون والتنوين لم يقربا من هذه الحروف كقربها من الإدغام فيجب إدغامها فيهن من أجل القرب ولم يبعدا منهن كبعدهما من حروف الإظهار فيجب إظهارها عندهن من أجل البعد فلما عدم القرب الموجب للإدغام والبعد الموجب للإظهار وأخفيا عندهن فصارا لا مدغمين ولا مظهرين إلا أن إخفاءهما على قدر قربهما منهن وبعدهما عنهن فما قربا منه كانا عنده أخفى مما بعدا عنده قال:الفرق عند القراء والنحويين بين المخفي والمدغم ، أن المخفي مخفف ، والمدغم مشدد والله أعلم " أ. هـ.
قال النويرى في شرحه لطيبة النشر صـ42 –43 الجزء الثالث " حروف الإخفاء لما تراخت وباينت ناسبت أن تعطى حكما مخالفا للحكمين لكن من كل وجه لأن مخالفتها لم تقع من كل وجه لما في حروف الإخفاء من حيث هي من قربها من يرملون والحلقية فعلى هذا لابد في الإخفاء من جهة بها تشبه الإظهار والإدغام وجهة بها تفارقهما فالأولى أن الإخفاء يشبه الإظهار من جهة عدم الممازجة والدخول.

ولهذا يقال : أظهر عند كذا وأخفى عند كذا وأدغم في كذا ويفارقه من بقاء الغنة.
والثانية أنه يشبه الإدغام من جهة الغنة ويفارقه من جهتين: التشديد والقلب مع الباء ضرب من الإخفاء وفيه مناقضة قلت : إنما يعتبر بما يتلفظ به دون ما فعل قبل ذلك ولم ينطبق مع الباء إلا بإخفاء فقط " أ. هـ
وقال المرصفى في هداية القاري صـ168 عند الحديث عن الإخفاء "........... وفى الاصطلاح : هو عبارة عن النطق بحرف ساكن عار من التشديد على صفة بين الإظهار والإدغام مع بقاء الغنة في الحرف الأول وهو هنا النون الساكنة والتنوين ، والميم الساكنة في الإخفاء الشفوي " أ.هـ
وهذا التعريف يكاد يكون موافقاً لما في كتاب نهاية القول المفيد لمحمد مكي نصر ، وكذلك قال الملا على القارى نحوا من تعريفهم .

وبعد سرد أقوال الأئمة فى تعريف الإخفاء اصطلاحا ، نتكلم عن طريقة الإخفاء.
أقول : إن طبقنا هذا التعريف على إخفاء الميم الساكنة مع الباء وأيضا القلب فى النون الساكنة- فلا فرق بينهما نطقا – (انظرتعريف النويرى) يتضح لك الفرق فى إطباق الشفتين ، فالشفتان لا تنطبقان كما في انطباق ( الميم المظهرة) فى مثل "إنهم كانوا " ولا انطباقة (الميم المشددة ) فى مثل (أمّن ) لأنه قد ظهر لك أن الإخفاء حالة بين الإظهار والإدغام ، فإذا كان إنطباق الشفتين عند الإخفاء لا يكون ( كالميم المظهرة) ولا (كالميم المشددة ) فكيف إذا ؟!!

وما يستدل به إخواننا من أن كلمة " إنطباق " تدل على الملامسة المحضة فأقول لهم : إن هذه الكلمة لاتدل على إلصاق الشفتين إلصاقا تاما فى كل موضع ، وقد يعبر بعضهم – من القدامى – عن مخرج"الواو " بلفظة إنطباق الشفتين دون ذكر وجود الفرجة التى فى الواو لوضوح الأمر فيه ،وأيضا ماعبر به الشاطبى فى باب الوقف على أواخر الكلم فى معرض حديثه عن الإشمام حيث قال :
والاشمام إطباق الشفاه بعيد ما .. يسكن لاصوت هناك فيصحلا

والإشمام كما هو معروف ضم الشفتين مع ترك فرجة لأنه إشارة للحرف المضموم ، والمضموم لايمكن نطقه نطقا صحيحا إلابضم الشفتين مع وجود فرجة .

وكل مضموم فلن يتما ... إلا بضم الشفتين ضما

فكلمة انطباق لا تدل هنا على الإلصاق التام ولكن لما كان هناك إطباق فى غالب الشفتين عبر به على أساس الغالب ، ثم إن شراح الشاطبية لم يتعرضوا إلى تصحيح الكلمة ، ولكنهم شرعوا في توضيح الإشمام مباشرة

ومعلوم أن الإمام أبا شامة له تعقيبات كثيرة على الشاطبى إلا إنه لم يعقب بشىء فى ذلك الأمر وفى التيسير قال الدانى " أما حقيقة الإشمام فهو ضمك شفتيك بعد سكون الحرف أصلا إذ هو إيماء بالعضو إلى الحركة " أ.هـ بتصرف

فقوله " ضمك شفتيك " يقصد به ضم الشفتين طبقا لأنه يتكلم عن الإشمام – مع وجود الفرجة.
وأما بخصوص الشيخ (عامر ) فقد أخبرني الدكتور (عوض ) وكان ملازما للشيخ (عامر ) إن الشيخ عامر أخبره بأن قراء مصر اجتمعوا وناقشوا موضوع الإخفاء وتبين لهم أن هذا النطق بضم الشفتين بدون فرجة لا ينطبق عليه تعريف الإخفاء حيث إن الإخفاء حالة بين الإظهار والإدغام وأما بضم الشفتين بدون فرجة فهي ميم صريحة ولكن زيدت فيها الغنة

أقول : وأضرب لك مثلا عندما تنطق بكلمة فيها إخفاء مثل كلمة (عند) بنون مظهرة مصاحبة للغنة ، ثم انطقها مرة أخرى بالإخفاء لعلمت الفرق بين النطقين فالإخفاء يخالف في النطق الغنة بنون مظهرة وكذلك إخفاء الميم .

وإخواننا ينطقون الميم المخفاة صريحة بانطباق الشفتين كالميم المظهرة ، ويطلقون عليها لفظة الإخفاء ، أي إخفاء في هذا ؟! أم هي إطلاق مصطلحات دون معرفة دلالات الألفاظ ؟ وأعود لكلام الدكتور (عوض ) قال له الشيخ عامر : ( إنهم أجمعوا على النطق بهذا الإخفاء – بالفرجة – ولذلك رجع الشيخ الزيات والسمنودى وغيرهم وكان الشيخ الضباع حيا وقتها وكذلك الشيخ عبد الفتاح القاضي وأجمعوا على القراءة – بفرجة الشفتين – أليس لهذا الإجماع اعتبار ؟!

وخاصة أنه إجماع قراء مصر . والأسانيد الموجودة تصب عند شيخ مصري وهو الشيخ العبيدى ، وكذلك فضل الشيخ عامر الشيخ الزيات الشيخ الضباع الشيخ السمنودى والشيخ عبد الحكيم خاطر والشيخ عبد الفتاح المر صفى وغيرهم معروف ممن قرءوا – بالفرجة – الشيخ عبد العزيز عيون السود – والشيخ الغول وغيرهم من غير المصريين ، ولا أعلم بلدا يزخر بعدد وافر من القراء كمصر ولهم فضل على قراء العالم ، أي إن إجماعهم ليس بالشيء الهين ، وخاصة أنها موافقة للنصوص التي تعرف الإخفاء .
وقد يقول قائل : إذا كانت القراءة – بعدم الفرجة – فلم عدلوا إلى الفرجة ؟
أقول : إن الإمام ابن الجزرى كان يقول " بترقيق الألف مطلقا ثم تبين له بأن الألف تتبع ما قبلها تفخيما وترقيقا " فقد عدل الإمام ابن الجزرى عن ما كان يقرأ به وانظر فيما قاله " وقد تبين لي بعد ذلك " وهذا ما تبين لقراء مصر في الإخفاء أي بالفرجة بعدما كانوا يقرءون بغير فرجة .
وهذا رد على الشيخ كريم راجح عندما قال " إن التلقي يفسر النصوص وليست النصوص التجويدية هي التي تفسر التلقي " فهذا إمام الفن ابن الجزرى عدل عن قراءته ، فإن قلنا كيف له أن يرجع عن قراءة قرأها ؟
وكيف قرأها على شيخه ؟ أم كان يقولها من جهة نظرية دون تطبيق ؟ وهذا ابن الجزرى بمفرده ، فما قولك في إجماع قراء مصر ؟! والشيخ كريم راجح لم يبين لنا الإخفاء فيمن قرأ بدون فرجة ، ولم أسمع أحدا أجاب على القول بأنا إذا أطبقنا الشفتين أين الإخفاء ؟ إلا الشيخ أيمن السويد – حفظه الله – وليته ما فعل لأنه قال كلاما لا أظن أنه سبق بهذا التوجيه وإليك كلامه:

قال الشيخ أيمن سويد – كما نقل عنه أخونا عبد الله المهيب على موقع ملتقى أهل القرآن ونقل غيره كذلك – : أنه سأل الشيخ الزيات عن الفرجة في إخفاء الميم قال الزيات بالعامية
" إحنا ماقرأناش كده لكن هيه كده " ونقل ما يشبه هذا الكلام عن السمنودى .
وقد علق الشيخ أيمن على هذه المقولة " بأنهما ذهبا لرأى الشيخ عامر بناء على قوة شبهة هذه المسألة ، وهو أن يقال " إذا أطبق الشفتين فأين الإخفاء؟.

ورد الشيخ أيمن على هذه الشبهة فقال "... أن الأصل أن يقرع اللسان كل حرف على حدة فعندما نقول " ترميهم بحجارة " نطبق الشفتين على الميم ونفتحهما على الباء – فهذا العمل يشبه الإدغام – فلذلك هل نقول ذلك إدغام بالطبع لا ، لأن الإدغام يذهب معه الحرف الأول ويكون النطق بباء مشددة ، فلو نطقنا باء مشددة لكان إدغامان ولو قلنا " ترميهم بحجارة " بإظهار الميم – فهذا يسمى إظهارا – فنحن عندما ننطق الإخفاء الشفوي : نطبق الشفتين على ميم ونفتحها على باء فهذا عمل بين الإظهار والإدغام اسمه الإخفاء ، وتعريف الإخفاء منطبق عليه .... " أ.هـ

هذا ما نقل عنه ، ويا ليته أحال المسألة إلى المشافهة لكان أوجه. وما قاله الشيخ في طريقة الإخفاء حيث قال " نطبق الشفتين على ميم ونفتحها على باء " فهذا كلام ينقض أوله آخره وآخره أوله.

كيف يا شيخ تطبق الشفتين على الميم وتفتحها على باء ؟ ! ، فإنك إن فتحت على باء فقد انتهت غنة الميم وذهبت إلى الحرف الذي بعده أى – الباء – فقد ذهب محل النزاع لأن محل النزاع إنما هو على غنة الميم وإن فتحت الشفتين على باء فإن الباء لا تنطق بفتح الشفتين بل بإطباقهما والفتحة – أي فتح الشفتين – التى تعقب الباء إنما هى حركة الباء – فتحة أو ضمة أو كسرة – فعند قولنا (ب) نجد أن الصوت اعتمد على مخرج الباء وهو مخرج محقق حيث التقى طرفي المخرج – باطن الشفة العليا بباطن الشفة السفلي – ثم تباعد الطرفان لأجل الحركة التى تكون على الباء – فكيف لك النطق بميم أو باء ساكنتين مع فتح الشفتين ؟! ثم تقول إن هذا عمل بين الإظهار والإدغام اسمه الإخفاء !!! فالشيخ حفظه الله أراد أن يأتي بمعنى الإخفاء فقال كلاما عجيبا !!

إن هذا ليس إخفاء ، إنما هي ميم مظهرة مصاحبة للغنة ثم انتقلت إلى مخرج الباء بانطباق الشفتين ثم فتحها لأجل حركة الباء ، لأن الحركات جزء من حروف المد ، فقولك انطباق الشفتين في الميم ثم فتحها على باء كلام لا يستقيم ،

وأعلم أن إخواني لن يستطيعوا أن يأتوا بتعريف الإخفاء ويطبقونه على هذه الغنة – بدون فرجة – فإذا كان الشيخ أيمن سويد ـ حفظه الله ـ أراد أن يطبق الإخفاء على ما يقرءون به فأتى بعجيبة ، فما بالك بمن هو دونه ؟ ثم "إذا كان معظم من قرأ عليهم الشيخ أيمن رجعوا إلى هذا الإخفاء – بالفرجة – فكان أحرى بالشيخ أن يعود مثلهم ، ثم ألم يكف هؤلاء أن انتشار القراءة وذيوعها في قطر من الأقطار مثل مصر " كافية فى الأخذ بهذا الوجه؟! فالتواتر عند القراء يخالف التواتر عند أهل الحديث ، فالقراءة لها شروط في القبول كما هو معلوم ولكن في موضوعنا انتشاره يكفى ، وهذا أصل التواتر عند القراء. لأنك إن طبقت تعريف التواتر عند المحدثين على القراء لم يستقم لك التواتر ولكان ذلك حديثا غريبا وهو من قسم الأحاد ، لأن حفصا ثم عاصما ، ثم عبد الله بن حبيب السلمي ثم ابن مسعود ثم النبي (صلى الله عليه وسلم ) فتجد في كل طبقة رجلا واحدا

ولكن انتشار قراءة القارئ وأخذ الناس بها في قطر من الأقطار كان ذلك تواترا، ففي المدينة كانت قراءة نافع وأبى جعفر ، وفى مكة ابن كثير وفى الشام ابن عامر وفى البصرة أبو عمرو ويعقوب ، وفى الكوفة عاصم وحمزة والكسائى وخلف العاشر ، فهل يعقل أنه لم يكن في هذه البلاد سوى هؤلاء؟ بالطبع لا ، كان يوجد الكثير من القراء ولكن قراءتهم لم يكتب لها الذيوع والانتشار ، وهذا الوجه لا ينكر أحد انتشاره ، وقبول كثير من القراء له أمثال الشيخ الزيات والسمنودى وعبد الحكيم عبد السلام خاطر والشيخ محمد أحمد معبد والشيخ أحمد أحمد سعيد والشيخ عبد الله الجوهري والشيخ حسنين جبريل والشيخ عبد العزيز عبد الحفيظ والشيخ عبد الباسط هاشم والشيخ عبد الفتاح القاضي والشيخ محمد شحاذة الغول والشيخ عبد العزيز عيون السود والشيخ سيد لاشين والحذيفى
وجميع من قرءوا على الشيخ عامر إلا الشيخ أيمن سويد ، والقراء في مصر يقرءون بالفرجة بنسبة تزيد على أكثر من تسعين في المائة أليس قبول أمثال هؤلاء يعد انتشارا للقراءة بهذا الوجه؟ وقد أطلت في ذكر الأسماء مع تركي للكثير والكثير من أهل العلم الذي يقرءون بهذا الوجه والكثير منهم لم يقرءوا على الشيخ عامر ولا على تلامذته فإن أخطأ هذا الجمع من القراء فمن المصيب إذا ؟ والخلاصة إن القراءة بوجه الفرجة جائزة كما أثبت لك والذين يحتجون بكلام الأقدمين لا يتعرضون لتعريف الإخفاء وكيفتها مع عدم الفرجة لأنه يعلم أنه إذا دخل في هذا الموضوع لم يخرج ، ولقال كلاما لم يسبق إليه.
ولكننا أثبتنا هذه القراءة لأنها بالمشافهة في بعض الأقطار .
هذا وأسأل الله التوفيق والسداد .


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
أبو عمر عبد الحكيم

وزاد الأخ محمد عماد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الشيخ الجليل/ إبراهيم الجوريشي
ما شاء الله - ما شاء الله

والله لقد هممت أكثر من مرة أن أكتب حول هذا الموضوع
ودوما كنت أتحرج من الكتابة لأنني رأيت بعض الأخوة قد بدا منهم بعض التعصب
في هذه المسألة بعينها

كما أنني كنت أيضا أتحرج أن أكتب لئلا أتعرض لما نقل عن الدكتور/ أيمن سويد
حيث ذكر لي بعض الأخوة الدارسين
أن قال: أن الإخفاء الشفوي يكون بإطباق الشفتين
وهذا أمر لم ألتفت إليه لأنني أتفهم أن هذا سنده في قراءته على شيخه
ولقد تعلمت من مشايخي أن كلّ واحد يقرأ بسنده
ولكن ليته قال هذا وسكت - فأمر الأداء دوما يجب أن يرد إلى المشافهة
ولكنه أردف كلامه بهذا الـ !!!!!!!!!
فقال: ولم يخالفنا في هذا إلا الشيخ/ رزق خليل حبة
وكأن الشيخ/ رزق خليل (قارئ والسلام)
الشيخ/ رزق خليل حبة -رحمه الله تعالى-.
هو شيخ عموم المقارئ المصرية
هل يعرف أحد كيف يتم الوصول لهذه الرتبة بمصر
أنا الآن أعرف
بعدما عانيت -خمسة عشر عاما- لأكون فقط أحد أعضاء المقارئ المصرية
وبصراحة شديدة أنا لم يعجبني منه هذا القول
فالشيخ/ رزق خليل حبة -رحمه الله تعالى-. متقدم على الدكتور أيمن سويد
وهذا من باب الإنصاف وذكر الحق
وإليه كان يرجع القول الفصل في مصر كلها عند أئمة القراء فهو شيخهم
وكان الأولى بالدكتور أيمن أن يقول
ولم أعلم أحدا خالف الشيخ/ رزق خليل حبة -رحمه الله تعالى-. سوى فلان وفلان
ولكنه رفع سنده فوق سند الشيخ/ رزق خليل حبة -رحمه الله تعالى-.
فكنت دوما أجدها غصة في حلقي لا أستطيع أن أنطق بها ولا أن أكتمها
والآن ربما أشعر بالراحة
فالشيخ/ رزق خليل حبة -رحمه الله تعالى-.
شيخ مقرئ مسند بينما كنا نحن وأمثالنا أجنة في بطون أمهاتنا
وهذا بعض حقه علينا ونحن كما يقول شيخي مدّ الله في عمره بكل الخير والبركة (عيال عند عياله)


شيخنا الفاضل/ إبراهيم الجوريشي
مرة أخرى
أشكر لك شرحك -الرائع بل والأكثر من رائع -

وأقول لمن لم يفهم الكلام فهما دقيقا

إلزم شيخك
واقرأ بسنده
والأمر أوسع مما تظن

****************************
وعودا حميدا يا منتدى البحوث والدراسات القرآنية
للبحوث والدراسات القرآنية
****************************

وفقكم الله تعالى للخير وصنيعته،،،
أبو عبد الرحمن
محمد عماد


وقال الشيخ أبو عمرعبد الحكيم
حكم إطباق الشفتين في الإخفاء الشفوي

--------------------------------------------------------------------------------

حكم إطباق الشفتين في الإخفاء الشفوي ، للشيخ جمال القرش.

اختلف القراء في كيفية تحقيق الإخفاء الشفوي، فبعضهم يرى الإطباق، وبعضهم يرى إبقاء فرجة صغيرة جدًا، وهذا الموضع أشغل الكثير من طلبة هذا العلم، أضمن ما نقلته عن المشايخ :

- حدثني فَضيلَةُ الشَّيْخ العلامةُ أحمدُ الزَّياتُ: قال: الراجح في الإخفاء الشفوي أن تبقي فرجة .
- حدثني فَضِيلَةُ الشَّيْخ رزق خليل حبَّه: الانفراج أولى، لأنَّنا لمَّا نُطبق الشفتين يصيرُ وكأنَّه مُظهرٌ، فالصواب أن يكون هناك انفراج خفيفٌ بين الشفتين، ليس مُبالغٌ فيه حتى لا تضيعَ صفة الحرف.
- حدثني فَضِيلَةُ الدكتورعبْدُ العزيزِ القاري: قال: الذي قرأتُ به على مشايخي أنَّه لايكون هناك انطباقٌ تامٌّ من الشفتين، ولا يكون هناك انفراج بين الشفتين بحيث يُخِلُّ بالنطق بالإخفاء .
- حدثني فَضِيلَةُ الشيخ علي الحُذيفي: قال: الإخفاء الشفوي قرأناه بحيث يكون هناك فرجةٌ في أول الإخفاء، وإطباق الشفتين في آخر النطق به.
- حدثني فَضِيلَةُ الشيخ عبدُ الرَّافع ِبنُ رِضْوَان: " ينبغي أن تُخْفَي الميمَ الساكنة عند الباء بحيث تجعل الشفتين لاينطبقان انطباقًا كاملاً عند إخراج الميم، لأنك لو أطبقت الشفتين سينقلب الحكم من الإخفاء إلى الإظهار، وفي الوقت نفسه الإظهار سوف يكون مصحوبًا به غنة، ومافي التجويد شيء اسمه إظهار بغنة .
- حدثني فَضِيلَةُ الشيخ محمدُ أبو روَّاش: قال : الرأي الراجح في الإخفاء الشفوي أن تُترك فرجةٌ بين الشفتين حتى يمكن أن يتحقق الإخفاء .
- حدثني فَضِيلَةُ الشيخ إبراهيمُ الأخضرُ: قال: وجود الإخفاء يستلزم عدم إطباق الشفاه في الإقلاب لأنه انقلب إلى إخفاء شفوي، فلابد من فرجة بسيطة جدًا بين الشفتين .
- حدثني فَضِيلَةُ الدكتور إبراهيمُ الدُّوسَري: قال: أذكر أنَّ من المشايخ من يشدِّد في هذا قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ومنهم من يقول يخرج نفسٌ خفيفٌ جداً، أذكر أنَّ الشَّيْخَ عبدَ الحكيم بنَ عبد اللطيف قرأت عليه من القرآن بالقراءات العشر، وهو شيخ مَقْرَأة الأزهر، كان يقول يخرجُ نفسٌ خفيفٌ جدًا جدًا لا يصلُ إلى حدِّ الانفتاح الكامل، وهذا هو رأي الحُذاقِ، والشَّيْخ إبراهيم الأخضر أيضًا نفسُ الشيء، لا هو إطباقٌ شديدٌ، ولا هو يفتحُ فتحًا شديدًا.
- حدثني فَضِيلَة الشَّيْخ رشاد السيسي: " الإخفاء الشفوي عند النطق به ألاَّ يَكِزَّ الشفتين لا بدَّ أن يوجد فرجةُ بين الشفتين.
- حدثني فَضِيلَةُ الشيخ أَحْمَدُ مُصْطفَى: قال: الأولى بقاء فرجة.
- حدثني فَضِيلَة الدُّكتُور عبد العزيز بن عبد الحفيظ: تُبْقي فرجة خفيفة جدًا بدون مبالغة .
- حدثني فَضِيلَة الشيخ أسامة بن عبد الوهاب: أنَّ الراجح في الإخفاء الشفوي إبقاء فرجة صغيرة جدًا بين الشفتين.
من كتاب زاد المقرئين / للشيخ جمال القرش حفظه الله.
والرأي الثاني رأي الأخ فرغلي عرباوي
الأبحاث الصوتية التجويدية

















للباحث أ / فرغلي سيد عرباوي

باحث في علم الأصوات التجويدية

1425 هـ 2005 م






الفهرست
1. مدخل لهذا البحث
الفصل الأول :
1. التعريف بالشفتين مخرج صوت الميم
2. أهمية دور الشفتين في أصوات الكلام
3. التعريف بالمجــرى الخيشــومي مخرج صـفة الميم
4. الميم صــوت شفــوي خيشــومي مجهــور مرقــــق
5. مخرج صوت الميم من نصفين شفـوي وخيشــومي
6. صفات صوت الميم من نصفين شــــــديد ورخـــــــو
7. شـــــــروط النطــــق بصوت مـيــم خالصـــــة كاملة
8. التعريف بالقـلـــــــــب والإخـــــفاء الشـفــــــــــــوي

الفصل الثاني :
1. القائلون بإظهار المـــــــــيم الساكنة وإخفائها قديما
2. الإقلاب يســــــــمى قـــــديمـــــا بــــالإبــــــــــــــــدال
3. الإخفاء الشفوي يســـــــــمى قديما بالإدغام الناقص
4. القائلون بإطباق الشفتين على الميم الساكنة المخفاة


الفصل الثالث :
1. نصــوص الأئمـة القـدماء والمحـدثيـن القائلون بالإطبــــــاق
2. الحافظ أبو عمرو البصري أحد القـراء السَّبع قال بالإطـبـــاق
3. الحافظ طاهــر بن غلبون شيخ الداني ومكـيّ قال بالإطبـــاق
4. الحافظ أبو عمرو الداني الأندلسي في مصنفاته قال بالإطباق
5. الحافظ عبد الوهاب القرطبي معاصـر للـداني قال بالإطبــــاق

6. الحافظ الشاطبــي الأندلـسي شيخ السخــاوي قال بالإطبـــاق
7. الحافظ علم الدين السخــاوي تلميـذ الشاطبـي قال بالإطبــاق
8. الحافظ أبو جعفر بن الباذش في كتابه الإقناع قال بالإطبــاق
9. الحافظ أبو شامة المقدسي تلميذ السخـــاوي قال بالإطبــــاق

10. الحافظ بن الجزري في نشره ومصنفاته قال بالإطبـــاق
11. الحافظ الإمام الــنويــري شــارح الطـيبة قال بالإطبـــــاق
12. الشيخ ملا على قــارئ فــي المنـح الفكـرية قال بإطبـــاق
13. الشيخ محمـد بن يالــوشة شيخ قراء تونس قال بالإطباق
14. الشيخ إبراهيـــم المـارغني مفتي المـالكية قال بالإطبـاق
15. الشيخ ناصر الدين محمد بن سالم الطبلاوي قال بالإطباق
16. الشيخ أحمد بن محمد البنا صاحب الإتحاف قال بالإطباق

17. الشيخ القسطلاني في اللآلــئ السنيــة قال بالإطباق
18. الشيخ محمد المتولي شيـخ الضبـاع قال بالإطبـــاق
19. الشيخ الضـبـاع فـي كتابه الإضــاءة قال بالإطبـــاق
20. الشيخ محمد مكي نصــر الجريســـي قال بإطبـــــاق
21. د/ غانم قدوري الحمد شيخ المحققين قال بالإطباق

22. الشيخ أحمــد بن عبد العـزيــز الزيات قال بالإطباق
23. الشيخ الدكتور أيمـــن رشــدي سـويد قال بإطبـــاق
24. شيخي الدكتور يحيـي الغــوثانــي قال بالإطبـــــــاق
25. قرار مجلس شيوخ دمشــق الشــام قالوا بالإطبــاق
26. الشيخ محمد رفعت القارئ المشهور يقرأ بالإطباق

27. الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي القارئ المشهور يقرأ بالإطباق
28. الشيخ محمد الصيفــي القارئ المشهـــور يقـــرأ بالإطبـــــاق
29. الشيخ صديق المنشاوي أبو القارئ المشهور يقرأ بالإطبــاق
30. الشيخ محمود خليل الحصري القارئ المشهور يقرأ بالإطباق
31. الشيخ محمود علي البنا القارئ المشهـــور يقــــرأ بالإطبـاق
32. شيخ عموم المقارئ المصــرية المعصـراوي يقرأ بالإطبـــاق

الفصل الرابع :
1. أول من قال بتغيير صـــــــوت الميم الساكنة المخفاة
2. كيف انتشر القول بالفرجة في الميم الساكنة المخفاة
3. الرد على من أشكل علـيه معنى إخفاء الميم الساكنة
4. سـبع أقوال في كيفية النطق بالميم الساكنة المخفاة
5. الرد على شبهات القائلون بترك فرجة بين الشفتين

الفصل الخامس :
1. التلقي من المشـــــــايخ المــــــــــسندين بالإطــــباق
2. ذكر الأخطاء في القلب والإخفـــــــــــــــاء الشفـوي
3. خاتمة هذا البحث ونتائجه

الفصل الأول
{مدخل لهذا البحث}
بسم الله القائل ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) والصلاة والسلام على خير من تلا القرآن حق تلاوته المرشد لأمته بقوله ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه ) صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد : فأقول وبالله التوفيق والسداد
أحببت أن أتحف إخواني على الإنترنت الداخلين لموقعي بهذا البحث الفريد في نوعه المهم في مادته لرد القراء إلى رفع الظلم عن صوت الميم الساكنة المخفاة, فهذا الحرف يظلم في وقتنا المعاصر , وينادي ويستغيث هلا من جند يدافع عني , ولكن لا مجيب . وقد انتشر ما أحدثه بعض القراء المحدثين من أداءٍ لا يمثل بشكل صحيح صوت الميم المتلقاة عن الأئمة المعتبرين , المتصل سندهم بالحضرة النبوية , ولم يرد التصريح به عن أي عالم قديم , أو كتاب معتمد من كتب اللغة أو التجويد والقراءات , ومنذ بزوغ شمس مصنفات التجويد القديمة اتسمت بالشمول لكل جوانب الدرس الصوتي التجويدي الدقيق , أما بعض الكتب المتأخرة يغلب عليها إيجاز العبارة غالبا , وغموضها أحيانا , أما ما سطره علماء التجويد الأوائل فقد سمو بأداء الحرف العربي إلى الإتقان .
ولا ينبغي لذي لبٍ أن يتجاوز ما مضى عليه أئمة علماء التجويد القدماء بوجه يراه جائزا في اللغة العربية , ويجب ألا نتجاوز ما رسموه لنا من قواعد التجويد , إذ كان ذلك بنا أولى , وكنا إلى التمسك بمصنفاتهم أحرى , والبُعد عما سطره الأوائل مرتع خصب للاختلاف والخلل في أداء القراءة وذلك ناتج عن إعمال بعض الآراء الشخصية في فهم نصوص التجويد .
وأردت أن أنبه القراء الحفَّاظ إلى أن قراءة القرآن عبادة , والعبادات الشأن فيها التوقيف , فصفة العبادات وهيئتها وطرق أدائها وفعلها توقيفي لا تترك للاجتهاد أبدا , ومن ذلك قراءة القرآن , ولذا قال صلى الله عليه وسلم " اقرءوا كما علمتم " وهذا فعل أمر والأصل في الأمر أنه للوجوب إلا إذا صرفه صارف , فمن كان عنده صارف لهذا الأمر فليأتنا به حتى نترخص القراءة حينئذ كما يتيسر لكل واحد منا , حتى النبي  لم يأذن له أن يتلوه كما يشاء بل عُلِّمَ القراءة تعليما من جبريل وكان يتعلمها عنه مشافهة .
والقاعدة عند المحدثين والقراء أن من حفظ حجة على من لم يحفظ . فقراءة القرآن توقيفية تتلقى صفتها وهيئتها عن رسول الله  إما عنه مباشرة أو بالواسطة أي بواسطة الرواية وأعلى درجات الرواية المشافهة . وقد سخر الله لكتابه جنودا وهم علماء السلف فقد قعَّدوا للقراءة النبوية كما تلقاها منه الرعيل الأول وهذه القواعد تؤخذ مما سطره العلماء الأوائل في القراطيس .
وكل الطوائف المتصدرة للإقراء والتعليم في وقتنا المعاصر يدعون أنهم يمتلكون مفاتيح فهم نصوص التجويد ويدعون سداد رأيهم ويسفهون قول من خالفهم حتى لو كان معه دليل قطعي الدلالة .
والحق الذي لا ريبة فيه أن مفاتيح فهم قواعد التجويد تؤخذ مما سطره علماء السلف الأوائل ويجب على شيوخ العصر ومدرسي القرآن وأخص منهم من ضيَّق عقله وفهمه على بعض الكتب المعاصرة المتأخرة التي صنفت في التجويد مما فيها إعمالا للرأي والاجتهاد وأخص أيضا من نصَّب نفسه مُقَعِّدا ومطورا لقواعد التجويد أن يعلموا أن قواعد التجويد التي سطرها العلماء القدماء شرح لكيفية قراء النبي  لا تقبل التطوير والاجتهاد مثلها مثل ثوابت الإسلام كالصلاة وأركان الحج , بل تؤخذ من فعل النبي  وما رواه عنه علماء السلف الذين نقلوا كيفية أداء النبي لهذه العبادات. والنبي قال " صلوا كما رأيتموني أصلي " وقال في حديث آخر " خذوا عني مناسككم" وهو نفسه القائل " اقرءوا كما علمتم " وليس كما تيسر على ألسنتكم .
بعض الشيوخ في وقتنا المعاصر يتذوق الحروف – بلهجته العامية - ويقولوا هي تخرج معي هكذا , ونحن لسنا متعبدين بكيفية إخراجه هو للحرف بل كيف نطق النبي  بهذه الحروف وعلماء السلف لم يتركوا شيئا عن النبي  إلا وسطروه لنا والمصنفات القديمة خير دليل على ذلك .
والناظر في بعض كتب التجويد المعاصرة يجد فيها بعض التناقض الشديد والتضاد في كثير من المسائل بينها وبين مصنفات الأئمة المعتبرين القدامى ومرجع الترجيح في ذلك عند الخلاف لما سطره الأوائل مع ضبط ذلك بالتلقي من الشيوخ المتصل سندهم بالنبي  .
قال الدكتور مساعد طيار حفظه الله :
(( بل إنني أدعو إلى صياغة علم التجويد صياغة تتناسب مع التطبيق ، وتقلل من التنظيرات والعلل التي ليست من صلب هذا العلم ، وكذا ما دخله من اجتهادات متأخرة صار العمل عليها عند بعض المقرئين ، وليس فيها سند عن المتقدمين ممن ألف في هذا العلم ، وهذه مسألة أراها مهمة للغاية للتجديد في طرح هذا العلم ، وتقريبه بصورة واضحة مشرقة بعيدة عن التعقيد والتطويل الذي لا يفيد كثيرين ممن يريدون تعلم هذا العلم ))
وأعلم وفقني الله وإياك لما يحب ويرضى أن المراجع البحثية المتعلقة بعلوم التجويد تنقسم إلى ثلاثة أقسام : أولا مراجع أصلية ثانيا مراجع ثانوية ثالثا مراجع يستأنس بها لا تقدم ولا تأخر في إثبات أي قضية بحثية تجويدية .
فالمراجع الأصلية : مثل أقوال الأئمة المعتبرين سواء كانوا من علماء المائة الثانية إلى المائة العاشرة مثل أقول أئمة القراء العشرة وابن مجاهد وأبو مزاحم الخاقاني والداني ومكي وعبد الوهاب القرطبي والشاطبي والسخاوي والجزري ومن في عصرهم أقوالهم حجة تثبت بأقوالهم أي قضية في التجويد .
والمراجع الثانوية : مثل أقوال علماء المائة الحادية عشر إلى المائة الثالثة عشر .
والمراجع التي يستأنس بها : أقوال علماء المائة الرابعة عشر إلى وقتنا المعاصر وإن كان كلامهم لا يقدم أو يؤخر في القضية شيئا . وذلك لأن علم علماء السلف أفضل من علماء الخلف بكثير لقوبهم من عصر النبوة ومن أراد المزيد في بحث هذه المسألة عليه بكتاب العلامة ابن رجب ( فضل علم السلف على علم الخلف ) ففيه الفائدة لمن كان له قلب
ومن مناهج البحث التي تعلمتها في كلية القرآن بالمدينة المنورة لو كانت هناك مسألة خلافية بين المتقدمين والمتأخرين نقدم أقوال المتقدمين لأنهم عرب فصحاء وليس كما يزعم من باعه في التجويد أقل من شبر من قوله : " أقوال الورق الأصفر الذي عفا عليه الزمن لا يؤخذ بقولهم " .
والحذر كل الحذر من تطوير وتجديد قواعد التجويد وهذا التجديد قد وقعت فيه بعض الكتب المعاصرة من قولهم بالفرجة وتقدير زمن الغنة بحركتين وتعريف الحركة بقبض الإصبع أو بسطه وإمالة القلقلة ناحية الحركة .
وتعتبر كتب التجويد القديمة رافدا من الروافد الثرية في ثبوت أي قضية من قضايا التجويد , ويجب على القارئ أن يعرض ما يتلقاه عن شيخه على الأصول المقررة في كتب التجويد للأئمة الأوائل خشية أن يكون شيخك وهِم في بعض ما يلقنك إياه , وإياك أن تأخذ كل ما يقوله شيخك بالمسلمات , فإن بعض الشيوخ يصيبهم الكبرياء في الرجوع عن بعض أقواله وعند سؤاله عن الدليل لما يقول يستدل بأنه تلقها هكذا , حتى ولو جاءه النص عن ابن الجزري فيما يخالف قوله لا يقبل به ’ ويلزم من يقرأ عليه برأيه ولا يقبل المساومة عليه وهذا العمل أشبه ما يكون بنظرية فرعون في الاستدلال " ما أريكم إلا ما أرى " وقد غلب على العصور المتأخرة نزعة التقليد وجمود العبارة وغموضها في بعض الأحيان , ولا يساورك شك في أن ما سطره العلماء الأوائل تقعيد لكيفية قراءة النبي  . وهذا الكلام الأخير مسوق للاستدلال به على أن ما في بعض كتب التجويد المعاصرة ليس بالمسلمات , بل يجب عرض هذه القواعد على كلام وقواعد الأوائل فما وافق أخذنا وما خالف رددنا بالتي هي أحسن بلسان الأوائل لا بلساننا.
وفي الآخر , ليس هدفي بهذا البحث لنيل رسالة الماجستير أو الدكتوراه بل لأنال به رضى الله تعالى , وأسأله تعالى أن يتقبله مني خالصا وجهه , وأن يضع له القبول عند الناس , فإن القبول عند الناس رزق يوسعه الله – تعالى – على قوم , ويضيقه على آخرين , ولا معقب لحكمه . والله تعالى أسأله التوفيق والسداد آمين.

أ/ فرغلي سيد عرباوي
باحث في علم الأصوات التجويدية

{التعريف بالشفتين مخرج صوت الميم}

خلق الله الشفتين للإنسان وهما من أعضاء النطق المهمة, فهما يتحركان بحرية في اتجاهات متعددة , وتأخذان أوضاعا مختلفة حال النطق ، ويؤثر ذلك في نوع الأصوات المسماة بالحركات , وقد تنطبق الشفتان انطباقا تاما كما قد تنفرجان ويتباعد ما بينهما إلى أقصى حد . ومن بين هاتين الدرجتين من الانطباق والانفراج درجات مختلفة, ويحدث الانطباق التام في نطق الباء, ويحدث انفراج كبير في كثير من الأصوات كالكسرة العربية ومع بعض الأصوات الأخرى . وتختلف عادات البشر في استغلال حركة الشفتين والانتفاع بهما في إنتاج الأصوات فمن الشعوب من تتميز عادات النطق لديهم بكثرة الحركة في الشفتين, ومنهم من يقتصد...
قال تعالى ممتنُّا على عباده بنعمة اللسان والشفتين ( أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ) ( وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ) والله سبحانه وتعالى خلق الشفتين لفوائد كثيرةٍ , ومن هذه الفوائد : إضفاءُ مسحةٍ خاصةٍ على جمال منطق الإنسان , وهيَّأ فيهما عضلاتٍ تستجيب لأوامر الإنسان في أي لحظة , فإذا نشّط هذه العضلات , وأيقظها بالضم والفتح , والإطباق , والضغط عليها وترويضها , فإنها ستستجيب له وتعطيه الهيئة المطلوبة لنطق أي حرفٍ , ولا شك أن ذلك سيساعد الفك على المرونة في النطق , فعلى من يرغب بتحسين تلاوته أن يتنبَّهَ إلى هذا , وأن يسمع النطق الصحيح من المشايخ , ثم يتدرّب عليه , وَيُرَوْضَ شفتيه على تحسينه , ورحم الله الإمام ابن الجزريّ إذ يقول عن التجويد :
وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَرْكِهِ إلاّ رِياضَةُ امْرِىء بِفَكِّهِ
وقال الشاطبي
- وَخَيْرُ جَلِيسٍ لاَ يُمَلُّ حَدِيثُهُ وَتَرْدَادُهُ يَزْدَادُ فِيهِ تَجَمُّلاً

ويبدو أن بروز الشفتين للعيان جعل علماء الأصوات المحدثين يكتفون في حديثهم عنهما ببيان الوظيفة التي تقومان بها في إنتاج بعض الأصوات , وهو عين السبب الذي جعل علماء العربية والتجويد يسلكون الطريق نفسه , فاكتفوا ببيان دور الشفتين في إنتاج الأصوات اللغوية , إلا أن الدركزلي ذكر بعض خصائصهما الحركية فقال : " ... بالشفتين المشتملتين على انطباق وانفتاح وحركة محكمة " يتم التغيير في مدارج الصوت .

{أهمية دور الشفتين في أصوات الكــــــلام}
بعد التأمل الدقيق في مخارج الحروف نجد أن الشفتين لهما دور كبير جداً وأهمية في نطق جميع الحروف المفردة والمجتمعة , ويظهر دورهما بشكل بارز عند توالي الحروف المتباينة في الحركات كالضم مع الكسر , مثل : (أُمِرُوا) أو الضم مع السكون , مثل: (وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُحْضَرُونَ). وهذه ملاحظةٌ يغفل عنها الكثيرون , ولذلك فإن من لم يهتم بهيئة شفتيه عند نطق الحروف فإنها تخرج غير متقنة , فمثلاً عندما تنطق : إِيْ , تكون هيئة الشفتين مختلفة تماماً عندما أُوْ ...وإلخ...

{التعريف بالمجرى الخيشومي مخرج صفة الميم}

كان سيبويه أول من استخدم كلمة الخياشم , ووضح أن الهواء يأخذ طريقه فيها عند نطق الميم ولكنه لم يبين المقصود منها . وتابع علماء التجويد سيبويه في استخدام كلمة الخياشم ومنهم الداني في التحديد وعبد الوهاب القرطبي في الموضح , لكنهم قدموا لنا توضيحا مناسبا لها , فقال مكي : " والخيشوم الذي تخرج منه الغنة , هو المركب فوق غار الحنك الأعلى " وجاء تعريف الداني للخيشوم أكثر وضوحا , وذلك حيث قال : " والخيشوم خرق الأنف المنجذب إلى داخل الفم " واستخدم عدد من المحدثين عبارة ( الفراغ الأنفي ) و ( التجويف الأنفي ) و ( البلعوم الأنفي ) بدل كلمة الخياشم , وهم يقصدون بذلك التجويف الذي يندفع خلاله الهواء حتى يخرج من الأنف . وعرَّفه الدكتور : خليل إبراهيم العطية في كتابه البحث الصوتي عند العرب بقوله : " وهو فراغ يندفع فيه الهواء عند انخفاض الطبق ليمر الهواء الخارج من الرئتين من خلاله عن طريق الآنف وعن طريق التجويف الأنفي تنطق النون والميم العربيتين "

والجمهور من العلماء يعرف الغنة بأنها مجرد خروج النفس المجهور من المجرى الخيشومي , قليلا كان ذلك النفس أم كثيرا , طويلا أم قصيرا , وقد أكدوا على ملازمة الغنة للنون والميم , كيفما جاءتا , فقال عبد الوهاب القرطبي عنهما : " ولأجل جريان الغنة فيها وفي الميم إذا طرأت على الخيشوم آفة تمنع الجريان رأيت النون أقرب إلى التاء , والميم أمسَّ بالباء "
وكان الجعبري قد قال كلمة موجزة جامعة عنها , هي : " والغنة صفة النون , ولو تنوينا , والميم , تحركتا أم سكنتا , ظاهرتين أو مخفاتين أو مدغمتين , ... قال : وهذا معنى قول الداني : وأما الميم والنون فيتجافى بهما اللسان إلى موضع الغنة من غير قيد , وبرهانه سد الأنف , وهي في الساكن أكمل من المتحرك , وفي المخفي أزيد من المظهر , وفي المدغم أوفى من المخفي "
والغنة ليست بحرف كما ورد عن بعض العلماء بل هي صفة وصاحب هذا القول مكي رحمه الله فقد قال في رعايته " والغنة حرف مجهور شديد , لا عمل للسان فيها , والخيشوم الذي تخرج منه هذه الغنة هو المركب فوق غار الحنك الأعلى فهي صوت يخرج من ذلك الموضع " ومن ثَمَّ اعترض الجعبري على قول مكي السابق وأنكره وصنف في ذلك شعرا للرد عليه بقوله " جعله الغنة حرفا غير سديد بالمهملة , وإن أراد أنها ذات محل مغاير فلا يلزم منه حرفيتها قال: وإلى هذا أشرنا في العقود بقولنا :

والغنة أبْطلْ قولَ مكيًّ بها *** في أنها حرفٌ وأمَّ بياني
في أنها لا تَسْتِقيلُ بنفسها *** وتحلُّ حرفاً رَبَّةَ اسْتعلانِ "

والغنة تابعة لما بعدها من حيث التفخيم والترقيق أما من أجرى مراتب التفخيم الخمسة على الغنة الفخيمة فهو من عمل المحدثين ولا دليل أو نص عليه من علماء التجويد المتقدمين القدامى , بل هم أطلقوا العبارة , ونحن كذلك نطلق العبارة مثلهم .

{الميم صوت شفوي خيشومي مجهور مرقق}
قال سيبويه عن مخارج أصوت الشفة : " ومما بين الشفتين مخرج الباء , والميم والواو " وقد ردد بعض علماء التجويد عبارة سيبويه من غير زيادة ومنهم الداني في الإدغام الكبير وأحمد بن أبي عمر : في الإيضاح والمرادي في المفيد , وحاول بعضهم توضيح حالة الشفتين مع كل حرف من الحروف الثلاثة , فقال الداني : " غير أن الشفتين تنطبقان في الباء والميم , ولا تنطبقان في الواو بل تنفصلان " وقال على القارئ : " إلا أن الواو بانفتاح , والباء والميم بانطباق " وعلق المرعشي التركي على قول على القارئ فقال : " المراد من انفتاحهما في الواو انفتاحهما قليلا , وإلا فهما ينضمان في الواو , ولكن لا يصل انضمامهما إلى حد الانطباق "
الميم صوت شفويٌّ خيشومي مجهور مرقق , ويتم صوته بأن تلتصق الشفتان التصاقا تامَّا , يمنع مرور الهواء , وفي أثناء ذلك ينخفض الطبق نحو الجدار الخلفي للحلق , وينغلق التجويف الفموي , ويغير الهواء مجراه , فيخرج عن طريف المجرى الخيشومي , وتضيق المسافة بين الوترين الصوتيين ضيقا شديدا , يسمح بمرور الهواء , ويتذبذب الوتران الصوتيان , ويخرج الصوت مجهورا , وينخفض مؤخرة اللسان , بعيدا عن الطبق , وتضيق غرفة الرنين , ويخرج الصوت مرققا .
{مخرج صوت الميم من نصفين شفـوي وخيشــومي}
صوت الميم يخرج من بين الشفتين, ويتحقق ذلك بتصادم الشفة العليا بالسفلى كالباء , وهذا هو نصفها الأول, وعند إنتاج صوتها في المخرج يصاحبها مرور صوت من الجزء الخلفي للفم عبر الخيشوم , ويَحْدُث هناك رنين في صوتها , وهو ما يسميه العلماء بالغنة , وهذا نصفها الثاني , فيستنتج من ذلك أن صوت الميم يتحقق بمجموع عملين , الأول : أن تنطبق الشفتين على بعضهما , والثاني : وبسبب هذا الانطباق يغلق المخرج تماما فيتحول الصوت الخارج من الحنجرة عبر التجويف الأنفي في استمرار لتدفق الصوت من الأنف , فالصوت الخيشومي مصاحب لصوت الميم كيفما كانت سواء كانت ساكنة أو متحركة . قال مكي بن أبي طالب القيسي في كتابه الكشف عن وجوه القراءات : " ... وأما حروف الشفتين فأربعة : الفاء منفردة , ثم الباء والميم والواو أخوات ... "

{صفات صوت الميم من نصفين شـــديد ورخـــو}
من أحد الصفات التي لا تنفك عن الميم أن فيها نصفا شديدا ونصفا آخر رخوا من حيث جريان وحبس الصوت معها , فأما الشدة فيها فعندما تنطبق الشفتين ينحبس صوتها , والنصف الرخو فبسبب هذا الحبس لهواء الصوت في المخرج , يتحول الصوت ناحية المجرى الخيشومي , ولهذا اعتبرها علماء التجويد حرف بين الرخو والشديد . ووصفه الإمام النويري شارح طيبة النشر في القراءات العشر بأنه صوت مشوب : أي مخلوط من الرخاوة والشدة وذلك عند شرحه للأحرف البينية التي نظمها الحافظ ابن الجزري حيث قال : " فالجهر ضد الهمس والرخوة ضد الشدة الخالصة أو المشوبة : وهي ما بين الرخوة والشديدة... " .

والميم صوت يتذبذب معه الوتران الصوتيان في داخل الحنجرة , وهو صوت مجهور بحبس جريان هواء النفس معه , وصوت بينيّ أي بين الشدة والرخاوة , يجري معه الصوت جريانا جزئيا لا كليا , وصوت مستفل تنخفض مؤخرة اللسان به إلى قاع الفم , وصوت مرقق أي نحولٌ يدخُلُ على صوت الحرفِ فلا يملتىء الفمُ بصداه. وصوت منفتح لأنَّ اللسان ينفتحُ ما بينه وبين الحنك الأعلى ليخرج هواء الصوت عند التلفظ به , وصوت أغنُّ يعمل معه المجرى الخيشومي في جميع حالاته من حيث الحركة والسكون .
وصوت الميم من حيث الحركات والسكون له أربع حالات : أولا يجب المباعدة بين الشفتين والفكين العلوي والسفلي حال حركتها بالفتح . ثانيا : يجب ضم ومط الشفتين للأمام حال حركتها بالضم . ثالثا : يجب خفض الفك السفلي عند التلفظ بها وهو مكسور الحركة . رابعا : في حال سكونها تخرج من مخرجها الأصلي بانطباق الشفتين والحذر من مطهما للأمام حال سكونها فيما لو سبقت بحرف مضموم الحركة , والخلل بهذه الشروط الأربعة السابقة فيه نقصان لكمال الصوت بالميم .

وهذا الحرف يظلم في وقتنا المعاصر بترك فرجة عند التلفظ به وهو ساكن عند ملاقاته حرف الباء ولم يثبت هذا عمن لهم قصب السبق في علوم التجويد أمثال أبو عمرو الداني والشاطبي وبن الجزري رحمهم الله تعالى فاحذر من ترك فرجة عند الميم الساكنة وحذٍّرْ منه غيرك مع مطالبة نفسك بكمال الإخلاص لله تعالى .
{شـروط النطق بصوت مـيم خالصة كاملة}

يشرط لتحقيق صوت الميم في حاسة السمع أن يتم تصادم وانطباق للشفة العليا على أختها السفلي , وهذا هو الشرط في نطق صوت ميم خالصة ساكنة , وهو نفس الشرط في نطق صوت باءٍ خالصةٍ , فمثلا , حاول أخي القارئ أن تنطق بصوت الباء الساكنة من غير تصادم للشفتين واستمع للصوت الناتج عن ذلك لا يمثل في حقيقته نطق باء أبدا , بل فيه فناء لصوتها بالكلية, ونفس الملاحظة أفعلها مع صوت الميم الساكنة , ليثبت لديك من خلال التجربة الصوتية أن من شروط النطق بميم خالصةٍ لابد من تصادم الشفتين وانطباقهما أما صوت الغنة فمَقَرُّه المجرى الخيشومي.
قال أبو عمر الداني في كتابه النادر الإدغام الكبير :" ... والباء والميم والواو من مخرج واحد وهو ما بين الشفتين , وهن مجهورات ..." فأشار رحمه الله إلى كيفية التلفظ بميم تامة وغيرها من الأصوات الشفوية .


{التعريف بالقـلب والإخـفاء الشـفوي}
التعريف بالقلب :
القلب لغة : تَحْوِيلُ الشَّيْءِ عَنْ وَجْهِهِ , أو جَعْلُ حَرْفٍ مَكَانَ آخَر. والقلب أفصح من المنتشر بين كتب المعاصرين بتسميته الإقلاب . واصطلاحاً : إبدالُ النُّون السَّاكنة أو التنوين ميمًا خالصة عند الباء مع الْغُنَّة وهو حكم مجمع عليه عند القراء.وعندما تبدل النون الساكنة ميما يتحول الحكم من القلب إلى الإخفاء الشفوي , فعندما نتكلم على الإخفاء الشفوي فالقلب داخل تحته كما قرر ذلك الحافظ بن الجزري في النشر من قوله : " (فلا فرق حينئذ بين ( أَنْ بُورِكَ) و( وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ) ... " شرح التعريف : إذا جاء بعد النُّون الساكنة أو التنوين حَرْفُ الباء فتُقْلّبُ النون الساكنة أو التنوين ميماً خالصةً مخفاةً مع إطباق الشفتين ليتحقق صوت الميم مصاحبا ذلك غنة الإخفاء من الخيشوم. مثل : ( لَيُنْبَذَنَّ ) , ( عَلِيمٌ بِذَاتِ) فيصير النطق هكذا: [ لَيُمْبَذَنَّ , عليمُمْبِذَات ]. قال ابن الجزريّ :

والقّلْبُ عِنْدَ الْبَا بِغُنَّةٍ كَذَا الاخْفَا لَدَى بَاقِي الحُرُوفِ أُخِذَا

التعريف بالإخفاء الشفوي :

وذلك إذا وقع بعد الميم الساكنة حرف الباء مثل : (تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَة) , فتُخْفى الميمُ عندَ الباء مع إطباق الشفتينِ ومَعَ بَقاء غُنَّة الإخفاء من الخيشوم .
قال ابن الجزريّ :
........................ ......................وَأَخْفِيَنْ
الْمِيمَ إِنْ تَسْكُنْ بِغُنَّةٍ لَدَى بَاءِ عَلَى المُخْتَارِ مِنْ أَهْلِ الأدَا
الفصل الثاني : وفيه عدة مباحث :
{القائلون بإظهار المـــــــــيم الساكنة وإخفائها قديما}
قال أبو عمرو الداني في كتابه التحديد :" وإذا التقى الميم بالفاء أنعم ببيانه للغنة التي فيه ( أي أصل الغنة المظهرة ) ... روى عن الكسائي وذلك غير صحيح ولا جائز ... فإن تلقت الميم بالباء فعلماؤنا مختلفون في العبارة عنهما : فقال بعضهم هي مخفاة لانطباق الشفتين عليهما كانطباقهما على أحدهما وهذا مذهب بن مجاهد , وإلى هذا ذهب شيخنا علي بن بشر ... قال أبو الحسن ابن المنادى : أخذنا عن أهل الأداء بيان الميم الساكنة عند الواو والفاء ... وقال أحمد بن يعقوب التائب : أجمع القراء على تبين الميم الساكنة وترك إدغامها إذا لقيت باء في جميع القرآن , قال : وكذلك الميم عند الفاء وذهب إلى هذا جماعة من شيوخنا ... وبالأول أقول ... "
فهذه النصوص صريحة من أقوال العلماء شيوخ أبي عمرو الداني أن الخلاف كان دائرا بين إظهار الميم الساكنة أو إخفائها وأشار في آخر كلامه أنه يقول بالأول وهو إخفاء الميم مع إطباق الشفتين.
وقال مكي في كتابه الرعاية: " وإذا سكنت الميم وجب أن يتحفظ بإظهارها ساكنة عند لقائها باء أو فاء أو واوا ... لا بد من بيان الميم الساكنة في هذا كله ساكنة من غير أن يحدث فيها شئ من حركة وإنما ذلك خوف الإخفاء والإدغام ... "
قال الحافظ بن الجزري في تمهيده :
فإذا سكنت الميم وأتى بعدها فاء أو واو فلا بد من إظهارها، كقوله: ( هُمْ فِيهِ ) ( وَيَمُدُّهُمْ فِي) ( وَعِدْهُمْ وَمَا ) ونحوه. وإذا سكنت وأتى بعدها باء فعن أهل الأداء فيها خلاف، منهم من يظهرها عندها، ومنهم من يخفيها، ومنهم من يدغمها، وإلى إخفائها ذهب جماعة، وهو مذهب ابن مجاهد و ابن بشر وغيرهما، وبه قال: [ الداني . وإلى إدغامها ذهب ابن المنادي وغيره. وقال] أحمد ابن يعقوب التائب : أجمع القراء على تبيين الميم الساكنة وترك إدغامها إذا لقيها باء في كل القرآن. وبه قال مكي . وبالإخفاء أقول، قياساً على مذهب أبي عمرو بن العلاء، قال شيخنا ابن الجندي -رحمه الله- واختلف في الميم الساكنة إذا لقيت باء، والصحيح إخفاؤها مطلقاً، أي سواء كانت أصلية السكون كـ ( أَمْ بِظَاهِرٍ ) أو عارضة كـ ( يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ ) . ومع ذلك فلا بد من ترقيقها وترقيق ما بعدها، إذا كان ألفاً.

وقال أيضا ابن الجزري في كتابه النشر: (الثاني الإخفاء) عند الباء على ما اختاره الحافظ أبو عمرو الداني وغيره من المحققين. وذلك مذهب أبي بكر بن مجاهد وغيره. وهو الذي عليه أهل الأداء بمصر والشام والأندلس وسائر البلاد الغربية وذلك نحو: ( يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ) ،و ( رَبَّهُمْ بِهِمْ ) ، ( يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ) . فتظهر الغنة فيها إذ ذاك إظهارها بعد القلب في نحو: ( مِنْ بَعْدِ ) ، ( أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ ) ، وقد ذهب جماعة كأبي الحسن أحمد بن المنادي وغيره إلى إظهارها عندها إظهاراً تاماً وهن اختيار مكي القيسي وغيره. وهو الذي عليه أهل الأداء بالعراق وسائر البلاد الشرقية. وحكى أحمد بن يعقوب التائب إجماع القراء عليه (قلت) والوجهان صحيحان مأخوذ بهما إلا أن الإخفاء أولى للإجماع على إخفائها عند القلب. وعلى إخفائها في مذهب أبي عمرو حالة الإدغام في نحو: ( بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) .
فهؤلاء الأئمة المعول عليهم في علوم التجويد لم يصرح أي فريق من القائلين بالإخفاء بترك فرجة عند التلفظ بالميم الساكنة عند ملاقاتها الباء فتبين للباحث أن القول بترك فرجة أمرٌ حادثُ لا يعرف إلا من خلال السنوات المتأخرة من خلال َفهْم بعض العلماء المَُْحدثِين لنصوص التجويد .
.

{الإقلاب يســمى قـــــديمـــــا بــــالإبـــــــدال}
في كتاب ( تلخيص العبارات بلطف الإشارات في القراءات السبع للحافظ ابن بليمة وصف أن العمل الذي يتم مع مجاورة النون لصوت الباء يسمى بالابدال ولم يصرح بلفظ القلب أو الإقلاب , وهذا الكتاب أحد الكتب التي اعتمد عليها الحافظ بن الجزري في نشره .
ونص بن بليمه فيما يتعلق بما نحن بصدده كالآتي :
قال رحمه الله : " باب اختلافهم في النون الساكنة والتنوين ... إلا أن التنوين يبدل عند الباء ميما . وأجمعوا على إدغامها عند هجاء " يرملون " إذا كنم في كلمتين احترازا من ( صِنْوَانٍ) و ( قِنْوَانٌ) و( بُنْيَانٌ) فأربعة منها بغنة يجمعها هجاء حروف " يومن " واثنان بلا غنة يجمعها هجاء " ر ل " وتفرد خلف بإدغام الغنة عند الياء والواو " والشاهد من كلامه السابق قوله : " إلا أن التنوين يبدل عند الباء ميما " فسمَّى هذا العمل إبدالا .
وسمَّاه بنفس التسمية" إبدالا " ابن جزي الكلبي الغرناطي ( ت 488 هـ) في كتبه المختصر النافع في قراءة نافع بقوله في باب النون الساكنة والتنوين : " لها أربعة أحكام : إظهار وإدغام وإبدال وإخفاء ... والإبدال عند الباء : تبدل النون والتنوين ميما نحو ) مِنْ بَعْدِ ) ... "
{الإخفاء الشفوي يســـــــــمى قديما بالإدغام الناقص}
ففي باب إدغام الحروف المتقاربة عند أبي عمرو وهو يسكن الحرف المتحرك ثم يدغمه فيما بعده بما يسمى بالإدغام الكبير قال الإمام الشاطبي
:وتسكن عنه الميم من قبل بائها *** على إثر تحريك فتخفى تنزلا

.قال الإمام الحافظ أبو شامة في إبراز المعاني وقوله على إثر تحريك أي تكون الميم بعد محرك نحو: ( آدَمَ بِالْحَقّ) ، ( بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) ، ( عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) ، ( حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ) والمصنفون في التعبير عن هذا مختلفون فمنهم من يعبر عنه بالإدغام كما يطلق على ما يفعل بالنون الساكنة والتنوين عند الواو والياء أنه إدغام وإن بقي لكل واحد منهما غنة، كما يبقى الإطباق في الحرف المطبق إذا أدغم، ومنهم من بعبر عنه بالإخفاء لوجود الغنة وهي صفة لازمة للميم فلم يكن إدغاما محضا. ـ كلام أبو شامة فيه تصريح أن القدماء كانوا يسمونه إدغاما ولكن إدغاما ناقصا لبقاء صوت الحرف الأول وهو الغنة , .فلو سميته بالإخفاء الشفوي فبها ونعمت وإن سميته إدغاما ناقصا فليس ذلك بدعا من القول بل صرح به العلماء المتقدمين . ومن ذلك قول الحافظ أبو عمرو الداني في كتابه النادر الإدغام الكبير حيث جعل تسميته بالإدغام من باب المجاز : "قال أبو عمرو : والقراء يعبرون عن الميم عند الباء بالإدغام , وكذا ترجم له اليزيدي عن أبي عمرو . وليس بإدغام في الحقيقة لامتناع قلب الميم باء وإدخالها فيها إدخالا شديدا في ذلك , إذ هو حقيقة باب الإدغام , وإنما استثقلت الحركة على الميم فأزيلت تخفيفا فخفيت الميم لذلك . وهذا قول جميع من يقتدى به من علمائنا , وهو قول النحويين . والعبارة عن ذلك بالإدغام إنما هي مجاز واتساع لما بيناه "
{القائلون بإطباق الشفتين على الميم الساكنة المخفاة}
نصوص المصنفات القديمة في التجويد والقراءات تصرح وتنص نصا صريحا بإطباق الشفتين, وسوف أسْرِد أقوالهم جملة ثم أذكر بعض نصوص بعضهم ومن أراد التوسع فعليه بكتابي الذي يحمل هذا الاسم ومن هؤلاء الأئمة الحافظ أبو عمرو البصري أحد القراء السَّبع قال بالإطباق في كتابه الإدغام الكبير طبع حديثا , و الحافظ شيخ النحويين بلا منازع سيبويه قال بالإطباق في كتبه المشهور , و الحافظ طاهر بن غلبون شيخ الداني ومكيّ قال بالإطباق وسوف أنقل نصه عن قريب , و الحافظ أبو عمرو الداني الأندلسي في مصنفاته الكثيرة المشهورة ومنها كتابه الشهير " التيسير في القراءات السبع " وكتابه " التحديد والإتقان في صنعة التجويد " وفي كتابه " الإدغام الكبير " قال بالإطباق .

والحافظ الشاطبي الأندلسي صاحب اللامية المشهورة المسماة " حرز الأماني ووجهة التهاني في القراءات السبع, وهو أحد شيوخ علم الدين السخاوي قال بالإطباق, ومن أراد معرفة راية في هذه المسألة فليرجع إلى أصل منظومته وهو كتاب " التيسير " للداني, وصرح علم الدين السخاوي في كتابه شرح الوصيد أول من شرح الشاطبية, وأخذ العلم عن الشاطبي بأعلى درجات الرواية وهو المشافهة , وسوف أنقل نص السخاوي عن قريب , والحافظ أبو جعفر بن الباذش في كتابه الإقناع قال بالإطباق وسوف أنقل نصه قريبا والحافظ الجعبري قال بالإطباق في شرحه للشاطبية المسمى " كنز المعاني " .


والحافظ أبو شامة المقدسي تلميذ السخاوي قال بالإطباق في كتابه الرائع المسمى " إبراز المعاني " , والحافظ ابن شعلة في شرحه للشاطبية قال بالإطباق , والحافظ المقرئ عبد الغني الحصري في قصيدته الحصرية في قراءة الإمام نافع قال بالإطباق , والحافظ بن الجزري في نشره ومصنفاته قال بالإطباق وسوف أذكر رأيه قريبا , والحافظ أحمد بن الحافظ بن الجزري قال بالإطباق في شرحه لطيبة النشر وهذا الشرح أثنى عليه خيرا بن الجزري , والحافظ الإمام النويري شارح الطيبة قال بالإطباق وهو أحد تلاميذ ابن الجزري أخذ عنه العلم والقراءات في مكة ثم أجازه بالنشر وغيرها ثم رجع إلى مصر وصنف شرحه الفريد في نوعه على طيبة النشر , والشيخ الحافظ بن القاصح العذري قال بالإطباق في كتابه سراج القارئ , والشيخ ملا على قارئ في المنح الفكرية قال بإطباق وهذا الكتاب أحد شروح الجزرية المتوسعة , والشيخ محمد بن يالوشة شيخ قراء تونس قال بالإطباق , والشيخ إبراهيم المارغني مفتي المالكية قال بالإطباق في كتابه " النجوم الطوالع على الدرر اللوامع في أصل مقرا الإمام نافع ", والشيخ أحمد بن محمد البنا صاحب الإتحاف قال بالإطباق وهو أحد شيوخ في سندي المتصل بالنبي  والشيخ القسطلاني في اللآلئ السنية قال بالإطباق.

والشيخ سليمان الجمزوري ناظم التحفة قال بالإطباق , والشيخ محمد المتولي شيخ الضباع قال بالإطباق والشيخ أحمد المتولي أحد شيوخ سندي إلى النبي  بحفص من طريق الشاطبية وأحد رجال سندي كذلك في حفص بجميع طرق الطبية , والشيخ الضباع في كتابه الإضاءة وشرحه على الشاطبية المسمى " إرشاد المريد إلى مقصود القصيد " قال بالإطباق , والشيخ محمد مكي نصر الجريسي في كتابه " نهاية القول المفيد قال بإطباق وهو أحد تلاميذ الشيخ المتولى وأخذ العلم عن الشيخ الدري التهامي شيخ الشيخ عامر عثمان , و
الدكتور غانم قدوري الحمد شيخ المحققين قال بالإطباق وناقش هذه المسألة بتوسع في رسالة الدكتوراه المسماه " الدراسات الصوتية عند علماء التجويد " وسوف أنقل كلامه في هذا البحث لأهميته , والشيخ عبد العزيز الزيات قال بالإطباق وهو شيخ شيخنا الدكتور يحيي الغوثاني وحدثني الشيخ يحيي أكثر من مرة مشافهة أنه قرأ بالإطباق على الشيخ الزيات .

والشيخ الدكتور أيمن رشدي سويد قال بإطباق , والشيخ محمد رفعت القارئ المشهور يقرأ بالإطباق , والشيخ عبد الفتاح الشعشاعي القارئ المشهور يقرأ بالإطباق , والشيخ محمد الصيفي القارئ المشهور يقرأ بالإطباق والشيخ صديق المنشاوي أبو محمد صديق المنشاوي القارئ المشهور يقرأ بالإطباق والشيخ محمود خليل الحصري القارئ المشهور يقرأ بالإطباق والشيخ محمود علي البنا القارئ المشهور يقرأ بالإطباق وتسجيلات هؤلاء خير دليل على ذلك وعندي " كليب " صوت وصورة لبعضهم ورأيتهم رَأْيَ العين يطبقون الشفتين وسوف أذكر ذلك بالتفصيل في المبحث الآتي .وغير هؤلاء كثير يقرءون بالإطباق وسوف أسرد أقوالهم بتوسع وتفصيل أكثر في كتابي السالف الذكر .


الفصل الثالث
{نصوص الأئمة القدماء والمحدثين القائلون بالإطباق}
العلماء قديما مجمعون على إطباق الشفتين ولم يصرح أحدهم بمسألة ترك الفرجة أبدا , ومن هؤلاء العلماء من قال بإخفائها عند ملاقاتها باء ومنهم من قال بالإظهار , ومنهم من سمى هذا العمل بالإدغام الناقص ومن أراد بحث هذه المسألة والتنصيص عليها عليه بالبحث في كتب القراءات والتجويد تحت هذه المواضيع التالية :
• الإقلاب للنون الساكنة والتنوين
• الإخفاء الشفوي
• حكم الإدغام الكبير لأبي شعيب السوسي من قراءة أبي عمرو البصري رحمهما الله تعالى .عند كلامه فيما لو تلاقت الميم مع الباء في الخط .

وقال شيخ هذا الفن بلا منازع العلامة الحافظ بن الجزري في نشره بعد أن تبدل النون الساكنة أو التنوين ميما فلا فرق بين الإخفاء الشفوي والقلب .
وإني لأرجو بشدة من أي عالم أو باحث أو طالب علم إن وقف على أي تصريح لأي عالم قديم بترك تلك الفرجة، فليأتنا به مشكورا، لأني مع شدة التتبع , ومن قرأت عليهم من المجازيين المتصل سندهم بالنبي  لم أر إلا التصريح بالإطباق مع العلم أني قرأت على المشايخ المسندين بالإطباق وكل من أعرفهم من أصحاب الأسانيد العالية مطبقون للشفتين على الميم الساكنة عند ملاقاتها حرف الباء. والفيصل في هذه المسألة نص صريح من القدماء . وهذه نصوص الأئمة المعتبرين صريحة لا تحتمل التأويل تنص نصا صريحا بالإطباق وإليكها .

{الحافظ أبو عمرو البصري أحد القراء السَّبع قال بالإطباق}
في كتاب الإدغام الكبير لأبي عمرو البصري لم يصرح رحمه الله بترك فرجة عند ملاقاة الميم للباء وكل الآخذين عنه لم يصرحوا بهذه الفرجة فعُلم إبقاء الميم على أصلها . وهذا الكتاب عبارة عن مخطوطة طبع وحقق مرتين الأولى بتحقيق الشيخ : أنس بن محمد حسن مُهرة طبعة دار الكتب العلمية بيروت وهذه الطبعة متوسعة وفيها كلام ابن الجزري والمرة الثانية طبع بتحقيق : د عبد الكريم محمد حسين من منشورات مركز المخطوطات والتراث والوثائق – الكويت وهذه الطبعة موجزة ومختصرة لبحث الإدغام الكبير .


{الحافظ طاهر بن غلبون شيخ الداني ومكيّ قال بالإطباق}
نصوص العلماء في إطباق الميم المخفاة مع الباء التصريح بها هو الأكثر أو الإشارة بقولهم ميما خاصة ولا يوجد أدنى تنويه بترك الفرجة ومن ذلك ما جاء عن الإمام طاهر بن غلبون بن عبد المنعم ثقة ضابط ( ت 399 ) من قوله في فصل: الإشمام عن الإدغام الكبير لأبي عمرو وبعد ذكره لاختلاف الطرق عن أبي عمرو في جواز الإشمام وامتناعه عند إدغام الباء في الباء، والميم في الميم ، والميم في الباء:" وبما رواه اليزيدي آخذ لصحته، وذلك أنه إنما يعني بالإشمام هاهنا أنه يشير إلى حركة الرفع والخفض في حال الإدغام، ليدل على أن الحرف المدغم يستحق هذه الحركة في حال الإظهار حرصا عل البيان، وذلك متعذر في الميم مع الميم ، وفي الباء مع الباء، من أجل إطباق الشفتين فيهما، وأما الميم مع الباء فهي مخفاة لا مدغمة، والشفتان ينطبقان أيضاً معهما " نقلا من كتاب التذكرة في القراءات الثمان بتحقيق الشيخ أيمن سويد , وهذا نص صريح لا يحتمل التأويل و فيه رد وإقامة للحجة على من تعصب لترك الفرجة في الميم من غير دليل . فقد أشار أن الميم عند ملاقاتها الباء تنطبق الشفتين عليها وسمَّى هذا العمل عندهم إخفاءً , وهذا النص الصريح أيضا فيه رد على بعضِ شيوخ العصر القائلون كيف تنطبق الشفتين ونسميه إخفاءً ؟.

{الحافظ أبو عمرو الداني الأندلسي في مصنفاته قال بالإطباق}
قول الإمام أبي عمرو الداني المتوفى سنة 444 هـ في التيسيرعند حديثه عن الإدغام الكبير للسوسي عندما بين أن السوسي إذا أدغم الميم في الباء في مثل ( عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) ( يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ ) - ومعلوم أن إدغامه هنا هو إخفاء شفوي - لا روم عنده معللا ذلك بقوله : " من أجل انطباق الشفتين " وهذا أيضا نص صريح بالإطباق لمن كان له قلب , أو أذن واعية . وهذا الكتاب مطبوع . وقال بذلك أيضا في كتابه الإدغام الكبير ص 81 طبعة عالم الكتب – بيروت .
وفي كتابه التحديد في علم التجويد وهو مطبوع قال: “ فإن التقت الميم بالباء فعلماؤنا مختلفون في العبارة عنها، فقال بعضهم هي مخفاة لانطباق الشفتين عليهما كانطباقها على أحدهما، وهذا مذهب ابن مجاهد وإلى هذا ذهب شيخنا علي بن بشر..قال أحمد بين يعقوب التائب: أجمع القراء على تبيين الميم الساكنة وترك إدغامها إذا لقيها باء في جميع القرآن قال الداني وبالأول أقول " . فأنت ترى أن المذهب الأول والذي هو الإخفاء هو الذي صرحوا فيه بالإطباق، إذ أن الإطباق في هذا النوع مفروغ منه وسوف ألحق لك صورة في آخر هذا البحث عبارة عن صورة فوتوغرافية مصورة من كتاب التمهيد وفي الهامش كلام أبي عمرو الداني تحته في الهامش ينص نصا صريحا بإطباق الشفتين على الميم المخفاة وهذا النص لا مجال معه للتأويل . وبعض الصور الأخرى من نصوص وكتب الأئمة المعتبرين القدماء .
وقال أيضا ابو عمرو الداني في كتبه النادر المطبوع قريبا المسمى " الأرجوزة المنبهة على أسماء القراء والرواة وأصول القراءات وعقد الديانات بالتجويد والقراءات " – باب القول في قلبهما أي النونين الساكنة والتنوين
القول في قلبهما
والنون والتنوين عند الباء *** حكمهما في النحو والأداء
أن يُقلبا ميما بلا إدغام *** في اللفظ في القرآن والكلام
من أجل صوت الميم والنداوه *** وشركها للباء في التلاوة
انقلبا ميما بلا خلاف *** فلا تكن في لفظها بالجاف

فأين الدليل من في هذه الأبيات للداني لترك الفرجة بل حذر من جفاء صوتها , وهذا الكتاب للداني عبارة عن منظومة كبيرة جمع فيها جميع علوم القراءات والتجويد وعدد أبياتها 1311 بيتا شملت جميع أبحاث التجويد والقراءات جملة وتفصيلا .
{الحافظ عبد الوهاب القرطبي معاصر للداني قال بالإطباق}
قال عبد الوهاب القرطبي ( ت 461 هـ ) في كتابه النادر الموضح في التجويد عند كلامه على الميم الساكنة عند ملاقاتها صوت الباء ما نصه :
الميم : إذا سكنت وبعدها باء وجب إخفاء الميم كقوله تعالى ( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ ) ( أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ) ( هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ) وذلك أن الباء قربت من الميم في المخرج فامتنع الإظهار , واستوتا في أن كل واحدة منهما تنطبق بها الشفتان فتحقق الاتصال والاستتار , وامتازت الميم عنها بمزية الغنة فامتنع الإدغام فلم يبق إلا 0
وقد اختلف القراء في العبارة عنها , فقال بعضهم : هي مخفاة لانطباق الشفتين عليهما كانطباقهما على أحدهما , وهو مذهب ابن مجاهد , قال ابن مجاهد : والميم لا تدغم في الباء لكنها تخفى لأن لها صوتا من الخياشم تؤاخي به النون الخفية ... وهذا نص صريح أيضا بإطباق الشفتين وتسميته بالإخفاء , ولم يسم أحد من الرعيل الأول هذا العمل بالإظهار بغنة , بل قالوا الشفتين تنطبقان وسموا ذلك إخفاءً .
{الحافظ الشاطبي الأندلسي شيخ السخاوي قال بالإطباق}
الإمام الشاطبي رحمه الله نظم لاميته المسماه " حرز الأماني ووجه التهاني " في القراءات السبع وهذه اللامية أصلها كتاب التيسير وقد سبق وذكرت نص كتاب التيسير والتصريح بالإطباق بين وواضح فيه , وجميع شراح الشاطبية القدماء ينصون بالإطباق عند الحديث على الإدغام الكبير لأبي عمرو البصري . ومن أخذ عن الشاطبي مشافهة ينصون على الإطباق فعُلم أن الشاطبي من أهل الإطباق .
{الحافظ علم الدين السخاوي تلميذ الشاطبي قال بالإطباق}
قال الإمام القسطلاني في كتابه فتح المواهبي في مناقب الإمام الشاطبي أن أول من شرح الشاطبية علم الدين الدين السخاوي بقوله : " اعلم أنه قد اتفق الجمهور على أن أول شارح لها علم الدين السخاوي وسمى شرح اللامية " فتح الوصيد " قال الشيخ أبو إسحاق الجعبري : وكلُ كَلٌ على فتح وصيدها ومانح نضيدها الشيخ العلامة تاج القراء , وسراج الأدباء علم الدين السخاوي لأنه قرأها على مؤلفها غير مرة وهو أعلم بها من غيره من الشارحين وقال ابن الجزري : بل هو والله السبب في شهرتها في الآفاق وإليه أشار الشاطبي بقوله : يقيض الله لها فتى يشرحها .
قال الحافظ علم الدين السخاوي تلميذ الشاطبي , في كتابه فتح الوصيد في شرح القصيد عند قول الناظم وأشمم ورم في غير باء وميمها" .... يعني أن لك أن تروم وتُشم في ما أدغمه مما ذكره في الباب كله إلا في باء أو ميم جاءت كل واحدة منهما ملاقيةً باء أو الميم ؛ لأن مذهب أبي عمرو ... الإشارة إلى حركة الحرف المدغم في حل إدغامه تنبيها عليها ما لم تكن الحركة فتحة ؛ لأنه لو رامها , لظهر المدغم لخفة الفتحة وسرعة ظهورها , ولمَّا تعذرت الإشارة بانطباق الشفتين في الباء مع الباء والميم , وفي الميم مع الميم والباء ... "
فقول الشارح تعذرت الإشارة بسبب انطباق الشفتين فيه دلالة واضحة أن ملاقاة الميم الساكنة للباء مخفاة والشفتان ايضا ينطبقان , ولم يصرح بترك الفرجة في كتابه جمال القراء أو منظومته الرائعة في التجويد .

{الحافظ أبو جعفر بن الباذش في كتابه الإقناع قال بالإطباق}
في كتاب الإقناع في القراءات السبع لأبي جعفر ابن الباذش المتوفى سنة 540 هـ نص صريح بإطباق الشفتين عليهما انطباقة واحدة أي : نطبق على ميم وفتح الشفتين على باء ، لما تكلم حول الميم مع الباء حيث قال: " (... و قال لي أبو الحسن بن شريح فيه بالإظهار و لفظ لي به فأطبق شفتيه على الحرفين إطباقا واحدا ... " و قال في موضع آخر : " إلا أن يريد القائلون بالإخفاء : انطباق الشفتين على الحرفين انطباقا واحدا ... " وهذا النص من ابن الباذش رحمه الله فيه إشارة أن الميم لا يتأتى إدغامها إدغاما كاملا في الباء لأنها تدغم ولا يدغم فيها وفيه ورد على من ادعى أن إطباق الشفتين قبل الباء يسمى إظهارا بغنة فإذا انتفى الإظهار تعين الإخفاء وامتنع الإدغام لأن الميم لها صوت ولم تفنَ بالكلية في الباء وفناؤها يسمى بالإدغام الكامل ولا إدغام كاملا هنا .

{الحافظ أبو شامة المقدسي تلميذ السخاوي قال بالإطباق}
, قال الإمام أبو شامة ت 665 هـ في إبراز المعاني عند قول الناظم الإمام الشاطبي ت 590 هـ
وتسكن عنه الميم من قبل بائها *** على إثر تحريك فتخفى تنزلا

: " وقوله على إثر تحريك أي تكون الميم بعد محرك نحو: ( آدَمَ بِالْحَقّ) ، ( بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) ، ( عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) ، ( حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ) , والمصنفون في التعبير عن هذا مختلفون فمنهم من يعبر عنه بالإدغام كما يطلق على ما يفعل بالنون الساكنة والتنوين عند الواو والياء أنه إدغام وإن بقي لكل واحد منهما غنة، كما يبقى الإطباق في الحرف المطبق إذا أدغم، ومنهم من بعبر عنه بالإخفاء لوجود الغنة وهي صفة لازمة للميم فلم يكن إدغاما محضا... " وهذا نص واضح وفيه إشارة أن المصنفين قديما كانوا يسمونه بالإدغام الناقص بدل الإخفاء ولو اتفق أهل عصرنا القائلون بترك الفرجة على هذه التسمية لذهب الخلاف الذي بيننا وبينهم البتة.

{الحافظ بن الجزري في نشره ومصنفاته قال بالإطباق}
قول الإمام شمس الدين محمد بن محمد بن محمد ابن الجزري المتوفى سنة 833 هـ في النشر في الجزء الأول عند حديثه عن الإدغام الكبير للسوسي . قال بعد (ذكر المتقاربين) تحت عنوان (فصل) اعلم ... وفي آخر الفصل قال ما نصه: ثم إن الآخذين بالإشارة عن أبي عمرو أجمعوا على استثناء الميم عند مثلها وعند الباء وعلى استثناء الباء عند مثلها وعند الميم قالوا: لأن الإشارة تتعذر في ذلك من أجل انطباق الشفتين
..."
فماذا يريد القائلون بالفرجة بعد قول علامة القراءات الذي ولو سمعنا بقراءة غير موجودة في النشر أثبتناها في الشواذ مباشرة , فقوله رحمه الله ( من أجل انطباق الشفتين ) حسم الخلاف بين الجميع . وتأمل كلامه في التمهيد،الذي صنفه في القاهرة وكان عمره وقتها سبعة عشر عاما, إذ لا توجد له أدنى إشارة لترك الفرجة بين الشفتين قال رحمه الله : " الإقلاب، وقد تقدم الكلام على معناه، فإذا أتى بعد النون الساكنة والتنوين باء قلبت ميما، من غير إدغام، وذلك نحو: ( َ أَنْ بُورِكَ) ، ( أَنْبِئْهُمْ ) ، ( جُدَدٌ بِيضٌ ) والغنة ظاهرة في هذا القسم. وعلة ذلك أن الميم مؤاخية للنون في الغنة والجهر، ومشاركة للباء في المخرج، فلما وقعت النون قبل الباء، ولم يمكن إدغامها فيها، لبعد المخرجين، ولا أن تكون ظاهرة لشبهها بأخت الباء وهي الميم، أبدلت منها لمؤاخاتها النون والباء ... " . ولم يشر رحمه في أي منظومة من منظوماته المشهور بترك فرجة أو بتقليل الاعتماد على الشفتين أو غير ذلك مما انتشر القول به في الآونة الأخيرة .

{الحافظ الإمام النويري شارح الطيبة وتلميذ ابن الجزري قال بالإطباق}
قال الإمام النويري عند شرحه للإدغام الكبير لأبي عمرو البصري : " ... ثم اختلفوا في المراد بهذه الإشارة : فحمله ابن مجاهد على الروم , والشنبوذي على الإشمام , ثم قال الشنبوذي : الإشارة إلى الرفع في المدغم مرئية لا مسموعة , وإلى الخفض مضمرة في النفس غير مرئية ولا مسموعة,
وحملة الجمهور على الروم والإشمام معا , فقال الداني : الإشارة عندنا تكون روما وإشماما , والروم آكد في البيان عن كيفية الحركة ؛ لأنه يقرع السمع , غير أن الإدغام الصحيح والتشديد التام يمتنعان معه , ويصاحبه مع الإشمام ؛ لأنه إعمال العضو وتهيئته من غير صوت إلى اللفظ , فلا يقرع السمع ويمتنع في المخفوض لبعد ذلك العضو من مخرج الخفض .
... وقوله ( في غير با ) يعنى أن الآخذين بالإشارة أجمعوا على استثناء الميم عند مثلها وعند الباء , وعلى استثناء الباء عند مثلها وعند الميم , قالوا : لتعذر الإشارة فيهما من أجل انطباق الشفتين , وهو إنما يتجه إذا قيل : إن المراد بالإشارة الإشمام إذ تعز الإشارة بالشفة , والباء والميم من حروف الشفة , والإشارة غير النطق بالحرف ... فقول النويري تعذر الإشارة بالروم والإشمام من أجل انطباق الشفتين في الميم الساكنة التي بعدها باء فيه دلالة واضحة أن الإطباق هو السائد عندهم وهو المأخوذ به عند الجميع , وهو الذي عليه العمل عند جميع القراء . .
{ابن القاصح العذري في سراج القارئ قال بإطباق}
قال رحمه الله في كتابه الرائع سراج القارئ عند شرحه للإدغام الكبير لأبي عمرو البصري : " ... وتلتقي الباء بمثلها تحو قوله تعالى ( نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا ) أو مع الميم نحو قوله تعالى ( يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ) وتلتقي الميم مع مثلها نحو ( يَعْلَمُ مَا ) أو مع الباء نحو ( أَعْلَمُ بِمَا ) فإن الروم والإشمام يتعذران في ذلك لانطباق الشفتين بالباء والميم " أين التصريح بترك الفرجة لا يوجد بل كلامه صريح بالإطباق . وقال أيضا في كتابه النادر " نزهة المشتغلين في أحكام النون الساكنة والتنوين : " الحكم الثالث : القلب فينقلبان فيهما عند حرف واحد وهو الباء , وسواء اتصلت النون بالباء في كلمة أو انفصلت عنها في كلمة أخرى ؛ نحو ( أَنْبِئْهُمْ) ( وَمِنْ بَعْدُ) و ( صُمٌّ بُكْمٌ) " . ولم يشر أدنى إشارة لترك الفرجة .
{الشيخ ملا على قارئ في المنح الفكرية قال بإطباق}
كلام الشيخ ملا علي القاري المتوفى سنة 1014 هـ في المنح الفكرية شرح المقدمة الجزرية قال:"‏ وقلب النونين (يقصد النون والتنوين) ميما عند ملاقاتهما الباء كما قال الشاطبي وقلبهما ميما لدى الباء ‏حال كونها مقرونة بغنة كما هو شأن الميم الساكنة عند الباء من إخفائها لديها مع الغنة كما سبق عن أجلاء أرباب القراءة في نحو ‏قوله:‏ ( وَهُمْ بِرَبِّهِمْ ) ‏ ( أَنْبِئْهُمْ ) ( أَنْ بُورِكَ) و( عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) ووجه القلب عسر الإتيان بالغنة في النون والتنوين مع إظهارهما ثم إطباق الشفتين لأجل الباء، ولم يدغم لاختلاف نوع المخرج وقلة ‏التناسب، فتعين الإخفاء.‏ويتوصل إليه بالقلب ميما لتشاركه الباء مخرجا والنون غنة " .
‏ وهذا كلام الشيخ ملا علي لا يوجد فيه أدنى إشارة بترك الفرجة, ولو كان التلقي قديما بالفرجة في صوت الميم الساكنة لصرحوا به ولتوافرت النصوص الكثيرة لبيانه فكيف غاب هذا البيان عن القدماء ويأتي علماء العصر للتصريح به من غير دليل عليه من كتب المتقدمين بل بمجرد استشكال منهم في فهم معنى كلمه إخفاء مع إطباق الشفتين على الميم .
وأقول لهم التلقي من المشايخ المسندين يفسر النصوص التجويدية وليست النصوص التجويدية يفسر بها كيفية القراءة فمثلا لو هناك رجل لم يدرس التجويد البتة وأخذ كتابا من السوق ووجد فيه عبارة ( الروم والإشمام ) فلن يستطيع فهم معناهما إلا بالتلقي من الشيوخ فكذلك لا يفسر كيفية الإخفاء الشفوي إلا بالتلقي من المسندين وليس بالتلقي من المصحفيين وجميع من عرفتهم من المجازيين بالقراءة قرأت عليهم بإطباق الشفتين بل وينكرون على من يقرأ بالفرجة ويسمونه الشيخ " أبو فرجة ".

{الشيخ محمد بن يالوشة شيخ قراء تونس قال بالإطباق}
العلامة محمد بن يالوشة شيخ قراء تونس المتوفى سنة 1314 في كتابه شرح الجزرية الذي فرغ منه عام 1301 هـ قال : أما القلب فعند حرف واحد وهو الباء نحو ( انْبَعَثَ) ( أَنْ بُورِكَ) (صُمٌّ بُكْمٌ ) فينقلبان ميما خالصة مع الغنة وهذا معنى قوله: " والقلب عند الباء بغنة) لكن في الحقيقة هو إخفاء الميم المقلوبة لأجل الباء قال في النشر فلا فرق حينئذ بين ( أَنْ بُورِكَ) و( وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّه) " . فهذا العلامة بن يالوشة لم يصرح بالفرجة .

{الشيخ إبراهيم المارغني مفتي المالكية قال بالإطباق}
قال الشيخ إبراهيم المارغيني مفتي المالكية في النجوم الطوالع شرح الدرر اللوامع والذي أنهاه سنة 1320 هـ : فتقلب النون الساكنة والتنوين عند الباء ميما خالصة كما أشار إليه بقوله وقلبوهما لحرف الباء ميما أي ابن البري صاحب النظم) أي قلب القراء نافع وغيره النون الساكنة والتنوين ميما عند الباء وحينئذ تخفي عند الباء بغنة من غير إدغام كما تخفى الميم الأصلية عند الباء في نحو ( وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ ) فلا فرق في اللفظ بين ( َ أَنْ بُورِكَ) مثلا وبين ( وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ) ،وأما الإخفاء: فمعناه لغة الستر واصطلاحا النطق بحرف ساكن عار أي خال عن التشديد على صفة بين الإظهار والإدغام مع بقاء الغنة . فهذا أيضا مفتي الديار المصرية في وقته , قال ميما خالصة وكيف تكون الميم خاصة إلا بإطباق الشفتين .
{الشيخ ناصر الدين محمد بن سالم الطبلاوي قال بالإطباق}
قال شيخ شيوخنا العلامة ناصر الدين الطبلاوي الذي عليه مدار الأسانيد اليوم في كتابه " مرشدة المشتغلين في أحكام النون الساكنة والتنوين : " الحكم الثالث من أحكام النون الساكنة والتنوين : الإقلاب ويسمى القلب أيضا , وهو قلبهما ميما مخفية بغنة عند حرف واحد وهو الباء الموحدة ومن ثم كان الإقلاب نوعا من الإخفاء وسوغه توسط الميم بين الحرفين ؛ لأنها توافق النون في الغنة والباء في المخرج , وسواء اتصلت بالباء في كلمة أم انفصلت عنها . ومثال قلب النون ميما مخفية بغنة عند الباء من كلمة ( وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ) ... ومثال قلب التنوين ميما مخفية بغنة عند الباء ( سَمِيعاً بَصِيراً) .
فائدة : الميم تظهر عند جميع الحروف إلا عند ميم مثلها , فتدغم إدغاما صغيرا متفق عليه إن سكنت نحو ( وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ) وكبيرا مختلفا فيه إن تحركت نحو ( تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ) أو باء وتحرك ما قبلها فتخفى بغنة إخفاء صغيرا متفقا عليه إن سكنت ؛ نحو ( فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ) وكبيرا مختلفا فيه إن تحركت نحو ( بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) فإن سكن ما قبلها أظهرت نحو ( وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ) ... والحاصل أن لها عند حروف المعجم ثلاثة أحكام كالنون ؛ إظهار وإدغام وإخفاء وقلب , والله أعلم . فهذا الكلام الطويل للعلامة ناصر الدين الطبلاوي لم يصرح بأدنى إشارة لترك الفرجة , مع العلم أنه لا يخلو إسناد اليوم من ذكر اسمه .
{الشيخ أحمد بن محمد البنَّا صاحب الإتحاف قال بالإطباق}
ذكر الشيخ أحمد بن محمد البنا في كتابه إتحاف فضلاء البشر بالقراءات الأربعة عشر قوله :" والثالث : القلب وهو في الباء الموحدة فقط نحو ( أَنْبِئْهُمْ ) ( أَنْ بُورِك) ( عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) فاتفقوا على قلب النون الساكنة والتنوين ميما خالصة وإخفائها بغنة عند الباء من غير إدغام وحينئذ فلا فرق في اللفظ بين ) أَنْ بُورِك)(النمل: من الآية8) و ) أَمْ بِهِ جِنَّةٌ)(سـبأ: من الآية8) ..." وهذا كلام صاحب الإتحاف لم يصرح بترك الفرجة عند التلفظ بالميم الساكنة أبدا , فسؤالي كيف غاب البيان عن المتقدمين وجاء أهل العصر ببيان ترك الفرجة أرجو الإجابة مع الدليل لمن عنده دليل مقنع من أقوال المتقدمين ؟ والشيخ أحمد البنا أحد شيوخ سندي المتصل بالنبي  من رواية حفص من طريق الشاطبية وكذلك من رواية حفص من جميع طرق الطبية .


{الشيخ الضباع في كتابه الإضاءة قال بالإطباق}
قال الشيخ الضباع شيخ عموم المقارئ المصرية رحمه الله تعالى عند شرحه لحكم قلب النون الساكنة والتنوين من الإضاءة في أصول القراءة:" وهو أبدالهما عند ملاقاتهما الباء ميما خالصة تعويضا صحيحا ..." . وهنا لم يشر العلامة الضباع إلى ترك الفرجة بل قال ميما خالصة . وقال الشيخ الضباع في نهاية حديثه عن الإقلاب: " وليحترز القارئ عند النطق به من كز الشفتين على الميم المقلوبة في اللفظ، لئلا يتولد من كزهما غنة من الخيشوم ممطة، فليسكن الميم بتلطف من غير ثقل ولا تعسف)
وقد نقل الشيخ عبد الفتاح المرصفي هذا النص حرفيا في هداية القاري: , والمقصود بالكز عدم الضغط الزائد على الشفتين بحيث لا يرى الاحمرار , وهذا الاحتراز لا يترتب عليه أي تغيير في صوت الميم وتفصيل ذلك في أصل كتابي .
وحدثنا بعض الشيوخ الأصدقاء أن الشيخ : عبد العزيز عيون السود رحمه الله صهر أيمن سويد وهو من تلامذة الضباع كان يقرئ بالإطباق –حسب ما تلقى عن شيخه-إلى أن وصله اجتهاد الشيخ عامر، فاجتهد هو اجتهادا آخر في الستينات الميلادية وهو النطق بالنون المخفاة والميم المخفاة بغنة خالصة مع عدم إعمال عضو النطق –لسانا أو شفة- بتاتا ، اعتمادا على ظاهر كلام ابن الجزري ومكي في الرعاية. فكلام الضباع يدل على الإطباق من عدة وجوه ، وإن وجد أدنى لبس فإنه يزال بتلقي الشيخ عيون السود عنه ، وإقرائه بالإطباق قبل ظهور الفرجة.
وأود التنبيه هنا إلى أن القائلين بالفرجة يختلفون في مقدارها فبعضهم يقول بأنها بمقدار ورقة ، أو رأس قلم ، أو حتى يرى بياض الأسنان ، أو إطباق الشفتين من طرفيهما وفتحهما من الأمام ، أو فتحهما بمقدار حركة ثم إطباقهما بمقدار حركة , وبعضهم يقول بقدر شعرة , فأقول لهم ما حكم من زاد شعرتين أو ثلاث هل يأثم ؟!!!!!!!! وهناك تسجيل كامل على هذا النحو الأخير!! ونقول : لا فرق بين كل تلك الأقوال حيث لم يثبت منها شيء علميا ولا تُلقيا مسندا متصلا. بل إن تضارب هذه الأقوال دليل على الإطباق، من حيث أن الفرجة حيث وجدت- وجد الاختلاف في مقدارها، وما كان للعلماء أن يدعوا مثل هذا الاختلاف دهورا طويلة دون بيان
وكما قال علماء السلف قديما إذا كثرت الأقوال في مسألة عادة عليه بالجهالة أكثر ما تعود عليه بالعلم فإذا دخل الاجتهاد في مسألة كثرت الأقوال , فنسأله تعالى التوفيق للعمل بالنص لا العمل بالرأي والاجتهاد .

قال الشيخ مهيب وهو أحد الأصدقاء في بعض مقالاته المنشورة : أود التنبيه إلى أنه ورد نص أيضا عن الإمام طاهر بن غلبون ( ت 399 ) وهو قوله: (وأما الميم مع الباء فهي مخفاة لا مدغمة ، والشفتان أيضاً ينطبقان معهما) التذكرة بتحقيق الشيخ أيمن سويد وبعد تتبعنا للأسانيد التي جاءت بالفرجة وجدنا أنها لابد وأن تنتهي في طبقة من الطبقات إلى الإطباق.
وقد تلقيت القرآن الكريم بالقراءات العشر على الشيخ : عبد الرازق بن إبراهيم موسى وهو عضو لجنة تصحيح المصاحف بالمدينة النبوية ، ومن المشايخ الأجلاء الذين ألفوا في علم القراءات ، وكنت قد تلقيت عليه بالفرجة ، ولا أعلم إلا أن الإطباق خطأ ، وحين تبين لي أن التلقي كله بالإطباق اتصلت به وسألته –حفظه الله- كيف تلقيتم؟ فقال لي : بالإطباق ، فسألته : وكيف تُلقى المشايخ عندكم؟ فقال: بالإطباق ، وأكثرت الأسئلة عليه فقال لي مختصراً: "التلقي كله بالإطباق".
كما تلقيت على الشيخ الزيات بالفرجة، وبعد أن علمنا بالإطباق سافر إليه أحد الأخوة الفضلاء ممن قرؤوا علي وسأله هل تلقيتم بالفرجه ؟ فأجاب رحمه الله : لا . ومن ذلك: الأسانيد المنتهية إلى الضباع وتلميذه الشيخ عبد العزيز عيون السود رحمهما الله حيث كان الشيخ عبد العزيز يقرئ بالإطباق أول أمره – حسب ما تلقى من شيخه الضباع- ، وكذلك الأسانيد المنتهية إلى الشيخ/ الزيات ، والشيخ/ عامر السيد عثمان ، والشيخ السمنودي ، حيث تلقى هؤلاء كلهم بالإطباق وأقرؤوا به أول حياتهم ، وإن أقرؤوا بالفرجة فيما بعد، اجتهادا منهم رحمهم الله.
وقد تبين من الفتوى المتقدمة أن قراء الشام قرؤوا ويقرئون بالإطباق لم يجاوزوه إلى غيره وبعض تلامذتهم الذين قرؤوا عليهم أول حياتهم بالإطباق حسب ما تلقوه لا يزالون أحياء فالتلقي بالإطباق، وجاءت الفرجة اجتهادا من غير تلقي، نسأل الله تعالى أن يجزل الأجر لجميع هؤلاء العلماء الأفذاذ، ويجزيهم عنا أفضل الجزاء ... اهـ .

{الشيخ محمد مكي نصر الجريسي قال بإطباق}
قال الشيخ محمد مكي نصر الجريسي من تلاميذ الشيخ محمد المتولي ومن طبقة الشيخ الضباع في كتابه نهاية القول المفيد : " ... وتجعل المنطبق من الشفتين في الباء أدخل من المنطبق في الميم , فزمان انطباقهما في ) أَنْ بُورِكَ) أطول من زمان انطباقهما في الباء لأجل الغنة ... " فقوله فزمان انطباقهما . يدل أن التلقي في عصره كان بالإطباق وعلل ذلك أن زمن الغنة كان هو العامل في طول زمن انطباق الشفتين على الميم أكثر من الباء ,.
ففي كلامه نص صريح بالإطباق , وكتابه من الكتب ا لمنشرة بين المدرسين وطلاب العلم . وكذلك كتاب السلسبيل الشافي للشيخ عثمان بن سليمان مراد تلميذ حسن الجريسي الكبير لم يصرح في منظومته الرائعة بأي شئ عن ترك الفرجة والشيخ عثمان مراد أصله تركي و ممن أخذ عنه وتتلمذ عليه الشيخ محمود على البنا القارئ المشهور والشيخ المشهور أبو العنين شعيشع . وكذلك كتاب غاية المريد في علم التجويد لم يصرح مصنفه بترك الفرجة بل ذكر الاحتراز المسمى"بالكز "
{العلامة الصفاقسي في تنبيه الغافلين قال بالإطباق}
وقال الشيخ علي النوري الصفاقسي كتاب صاحب غيث النفع المتوفى سنة 1053 هـ في كتابه الرائع تنبيه الغافلين وإرشاد الجاهلين :" وأما القلب فعند حرف واحد وهو الباء نحو انبعث، أن بورك، صم بكم فيقلبان ميما خالصة مع الغنة فهو في الحقيقة إخفاء الميم المقلوبة لأجل الباء قال في النشر فلا فرق حينئذ في اللفظ بين (أَنْ بُورِكَ) وبين (يَعْتَصِمْ بِاللَّه) " فهذا العلامة الصفاقسي قال ميما خاصة ولم يشر أدنى إشارة للفرجة . وكذلك لم يشرح بذلك في كتابه غيث النفع في القراءات السبع , وهو من الشروح الرائعة لمنظومة الشاطبي .
{الدكتور غانم قدوري الحمد شيخ المحققين قال بالإطباق}
ذكر الشيخ الدكتور غانم قدوري الحمد خير من ابرز وأخرج مخطوطات التجويد القديمة للنور والطباعة في رسالته لنيل درجة الدكتوراه قال الآتي : " يفسر بعض المجودين المعاصرين إخفاء النون عند الباء على نحو لا يتضح له أصل في كلام علاء التجويد الذين اطلعت على كتبهم , وهو أنهم يرون أن الإخفاء هو أن تجافي بين شفتيك حين تنطق بالميم شيئا قليلا , ثم تطبقهما عند الباء بعدها . وكان الشيخ عامر السيد عثمان , هو أحد علماء القراءة في الأزهر , ومحقق الجزء الأول من كتاب ( لطائف الإشارات لفنون القراءات ) للقسطلاني بالاشتراك مع الدكتور عبد الصبور شاهين – لا يقبل ممن يقرأ عنده إطباق الشفتين عند نطق الميم قبل الباء ويأبى إلا انفراجهما , وذلك عند ترددي عليه للقراءة سنة 1975 م وقت إقامتي في القاهرة لدراسة الماجستير . ولكني لم أجد في كتب التجويد ما يؤكد هذا الاتجاه في فهم إخفاء الميم "

وإليكم هذا البحث أيضا في حكم الميم مع الباء للدكتور غانم قدوري الحمد من أهل العراق البارزين والمحققين العارفين في علم الأصوات والتجويد وله قصب السبق في تحقيق مصنفات التجويد القديمة المخطوطة فقد نفض غبار الأتربة عنها وأخرجها للنور ليعلم القاصي والداني دقة ما سطره العلماء الأوائل .
قال الدكتور غانم في كتابه" أبحاث في علم التجويد " طبعة دار عمَّار عمان الأردن :

مبحث في حقيقة النطق بالميم الساكنة قبل الباء :

المتأمل لنطق المجيدين من قراء القرآن في زماننا يجد أنهم ينقسمون على قسمين في كيفية النطق بالميم المخفاة قبل الباء :فمنهم من يجافي بين شفتيه قليلا عند النطق بالميم ، ثم يُطبق شفتيه إذا انتقل إلى نطق الباء بعدها ، وهو المشهور في الديار المصرية ومن أخذ القراءة عن قرائها . ومنهم من لا يجافي بين شفتيه عند النطق بالميم ويُطبق شفتيه للميم والباء ، وهو المشهور في الديار العراقية . وقد تحققتُ من ذلك بالأخذ عن الشيوخ والسؤال عنه ، ففي سنة 1975 ، وقت إقامتي في القاهرة لدراسة الماجستير ، حيث أتردد على الشيخ عامر السيد عثمان ، أحد مشايخ الإقراء في القاهرة ، فكان لا يقبل ممن يقرأ عليه أن يطبق شفتيه عند نطق الميم الساكنة قبل الباء ، ويأبى إلا انفراجهما . وقد صرت أسأل قراء العراق الذين ألتقي بهم عن كيفية إخفاء الميم الساكنة قبل الباء ، فكانوا يقرؤون بإطباق الشفتين للصوتين معاً ، ولا يأخذون بانفراجهما مع الميم ، وكان آخر مرة سألت عن ذلك في صيف سنة 1995 عند التقائي بالشيخ إبراهيم المشهداني ، أحد مشايخ الإقراء في مدينة الموصل ، فقال : نحن لا نعرف إلا إطباق الشفتين عند النطق بالميم المخفاة، وأن روايتهم للقراءة كانت هكذا عن شيوخهم .

ولم أجد في كتب علم التجويد القديمة من أشار لانفراج الشفتين عند النطق بإخفاء الميم الساكنة عند الباء ، بل وجدت المؤلفين ينصون على انطباق الشفتين للصوتين معاًُ ، فيقول الداني : " هي مخفاة لانطباق الشفتين عليهما ، كانطباقهما على إحداهما " . وقال والد ابن الباذش : " إلا أن يريد القائلون بالإخفاء انطباق الشفتين على الحرفين انطباقا واحدا ، فذلك ممكن في الباء وحدها في نحو أكرمْ بزيد " . ووجدت المصادر المتأخرة تشير إلى عدم المبالغة في إطباق الشفتين مع الميم قبل الباء ، فقال الشيخ عبد الغني النابلسي وهو يتحدث عن النون الساكنة قبل الباء : " وأما الإقلاب فهو جعل النون الساكنة المتوسطة والمتطرفة والتنوين عند الباء الموحدة ميما خالصة، ثم إخفاؤها بغنة من غير تشديد ، كما ذكرنا نحو ( أَنْ بُورِكَ ) ، (ُ أَنْبِئْهُمْ) ، ( عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) . وليحترز القارئ عند التلفظ بالإقلاب من كزّ الشفتين على الميم المقلوبة في اللفظ ، لئلا يتولد التشديد عند كزها " . وصرح المرعشي بذلك أيضا فقال : " وبالجملة إن الميم والباء يخرجان بانطباق الشفتين ، والباء أدخل وأقوى انطباقا ، كما سبق بيان المخارج فتلفظ بالميم في ( أَنْ بُورِكَ ) بغنة ظاهرة وبتقليل انطباقهما ، وتجعل المنطبق من الشفتين في الباء أدخل من المنطبق في الميم " .


وقد أثبت بعض المؤلفين المعاصرين القول بانفراج الشفتين عند النطق بالميم المخفاة في رسالة له في التجويد ، كما نقل ذلك الأستاذ محمد عبد القادر الخلف في رسالته للماجستير عن (قراءة عاصم) ، وهذه قضية تستدعي النظر والتأمل ، ومن المحتمل أنها تطورت عن تأكيد العلماء المتأخرين على تقليل انطباق الشفتين عند النطق بالميم المخفاة ، فبالغ بعضهم في تقليل الانطباق حتى أدى ذلك إلى انفراجهما ، وهذا أمر لا نملك القطع به ، لأن كلا الفريقين يحتج بالرواية عن الشيوخ والمشافهة عنهم . والله أعلم .


الخاتمـــة
إن الإشكال الذي يثيره موضوع نطق الميم الساكنة قبل الباء يتلخص في أمرين :
الأول : هل حكم الميم في هذه الحالة هو الإظهار أو الإخفاء ؟ وقد انقسم العلماء في ذلك إلى قسمين : منهم من قال إنه إظهار ، ومنهم من قال إنه إخفاء . وقد حاول بعض العلماء المتقدمين التوفيق بين المذهبين بالقول إن حقيقة النطق واحدة وإنهم اختلفوا في التسمية فقط . وأنا أميل إلى ترجيح هذا القول ، لأن طبيعة نطق الصوتين تؤكد ذلك .
الثاني :إن كتب التجويد تشير إلى انطباق الشفتين عند النطق بالميم الساكنة قبل الباء للصوتين معا ، لكن أهل الأداء في عصرنا منقسمون على قسمين ، فنمهم من ينطق على ما نحو ما وصف المتقدمون ، ومنهم من يجافي بين شفتيه عند نطق الميم ، وقد أثبت ذلك بعض المؤلفين المعاصرين ، وكل منهم بتمسك بروايته معتقد بصحتها دون ما سواها .
ولا أملك في هذا البحث ردًّ أيٍّ من المذهبين ، ولكني أُرجح الرواية التي تتطابق مع وصف علماء التجويد المتقدمين لنطق الميم المخفاة ، وهي التي تؤكد على انطباق الشفتين عند النطق بالميم ، لأن القول بانفراجهما لم تشر إليه المصادر القديمة ، ولأنه لا يتوافق مع نظرية السهولة في نطق الأصوات التي تتحقق عند النطق بانطباق الشفتين أكثر مما تتحقق عند النطق بانفراجهما . وبعد فإن هذه القضية الصغيرة في الأداء القرآني تستدعي أن يتبادل حولها المعنيون بالأداء القرآني وعلم الأصوات العربي الرأي من أجل أن نحافظ علي النطق العربي صحيحاً موحداً . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

{الشيخ عامر السيد عثمان قال بإطباق}
الشيخ عامر السيد عثمان من تلاميذ الشيخ الدري التهامي أحمد شيوخي في السند كان يقول بالإطباق وكان الشيخ عامر عثمان في نصف عمره الأول يقرأ هكذا كما تلقى و صرح الشيخ أيمن سويد حفظه الله أن الشيخ محمد صلاح الدين كبّارة المقرئ المشهور بطرابلس لبنان أنه قرأ على الشيخ عامر عثمان القراءات السبع بإطباق الشفتين على الميم المقلوبة وعلى الميم المخفاة ثم عاد إلى بلدته طرابلس لبنان وبعد سنوات عاد إلى مصر ليقرأ على الشيخ عامر القراءات الثلاثة فوق السبع فأمره بعدم الإطباق للشفتين إذن طرأ عليه التعديل في آخر عمره.

{الشيخ عبد العزيز الزيات قال بالإطباق}
من تلامذة الزيات الشيخ أحمد مصطفى فقد قال أن جميع من أخذ عن الزيات فبالإطباق ويقول الدكتور يحيى عبد الرَّزَّاق الغوثاني ( صاحب كتاب علم التجويد أحكام نظرية .. وملاحظات تطبيقية ) : وقد سألت كبار العلماء المجودين المعاصرين عن انفراج الشفتين فأجابني الجميع بأنه قرؤوا على مشايخهم بالإطباق , وذلك مثل المقرىء الشيخ أحمد عبد العزيز الزيات أعلى القراء إسناداً في مصرفي وقته .
{الشيخ الدكتور أيمن رشدي سويد قال بإطباق}
أكثر من مرة صرح فضيلة الشيخ الدكتور أيمن رشدي سويد في قناة اقرأ الفضائية أنه بحث هذه المسألة أكثر من خمسة وعشرين عاما فتبين له من خلال نصوص المتقدمين فساد من قال بالفرجة في صوت الميم الساكنة عند ملاقاتها حرف الباء وأنا متتبع له عندما يقرأ فأجده نعم القارئ الذين يطبق الشفتين على الميم وشفتاه آخذة لأشكال الحروف من فتح وضم وكسر , أطال الله لنا في عمره وبارك لنا في علمه .
{شيخي الدكتور يحيي الغوثاني قال بالإطباق}
قال شيخي الفاضل الدكتور يحيي عبد الرازق الغوثاني في كتابة الفريد في نوعه : علم التجويد أحكام نظرية ... عند حديثه عن القلب وا؛فاء الشفوي ما نصه :
الإقلاب لغة : تَحْوِيلُ الشَّيْءِ عَنْ وَجْهِهِ , أو جَعْلُ حَرْفٍ مَكَانَ آخَر.
واصطلاحاً : قَلْبُ النُّون السَّاكنة أو التنوين ميمًا عند الباء مع الْغُنَّة وهو حكم مجمع عليه عند القراء.
شرح التعريف : إذا جاء بعد النُّون الساكنة أو التنوين حَرْفُ الباء فتُقْلّبُ النون الساكنة أو التنوين ميماً خالصةً مخفاةً عند الباء بغُنَّة. مثل : ( لَيُنبّذَنَّ , عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُرِ ) ...
ملاحظات حول الإقلاب :
الملاحظة الأولى : كيفية نطق الإقلاب هي : أن نقْلَبَ النُّون الساكنة أو التنوين - الذي بعده باءٌ – ميماً ثم نُطْبِقَ الشَّفَتَيْن إطْباقًا خفيفاً بلُطْفِ ولينٍ , بدون كزٍّ للشفتين لئلا يتولد عند كَزَّهما غُنَّة ممطَّطَةٌ من الخيشوم - ونخرج غُنَّة الميم من الأنف ثم ننطق بالباء مجهورة شديدة بتَقْويَةِ كَزِّ الشَّفتَيْن والضَّغْطِ عليهما قليلاً , ثم بِتَبَاعُدِهما.

الملاحظة الثانية : كثيرٌ من الناس يخرج الباء ضعيفةً متأثرةً بضعف الغُنّة التي في الميم قبلها ( أي المنقلبة عن النون ) مع العلم بأن الباء حَرْفٌ شديدٌ , مجهورٌ , قوي , ونطقه يكون بتقْوية كزِّ الشَّفَتَيْن والضغط عليهما قليلاً بُعَيدَ نطق الميم كما ذكر سابقاً.

الملاحظة الثالثة : ما ذكره بعض المعاصرين الفضلاء من أن شكل الشفتين أثناء نطق الميم التي بعدها باء – سواء أكانت مخفاة أم منقلبة عن النون أو التنوين – يكون متفاوتًا فيما إذا كان الحرف الذي قبلها مضموماً , أو مكسوراً , أو مفتوحاً , وذلك مثل : ( لَيُنبَذَنَّ , مِّن بَعْدِ , أَن بُورِكَ ) فكأنه يقول : إن هيئة الشفتين في حالة الإخفاء الشفويّ والإقلاب تتبع الحرف الذي قبلها , فتضم إن كان مضموماً , وتتمدد إن كان مكسوراً أو مفتوحاً . وهذا الكلام ليس دقيقاً .

الصواب : الذي عليه أهل التحقيق أن هيئة الشفتين واحدةٌ في جميع حالات الإقلاب والإخفاء الشَّفويِّ , وهي أن تكون الشفتان منطبقتين بدون كَزِّ , لا مضمومَتَيْن مُقَبَّبتين أو مكوَّرتين.

الملاحظة الرابعة : قد يسأل سائلٌ لماذا وقع الإقلاب للنون الساكنة والتنوين , بعد حرف الباء ؟
والجواب : أن التقاء النون الساكنة والتنوين بالباء يؤدي إلى تعذر الإدغام للتباعد في المخرج والاختلاف في الصفات , فإن حرفي النون الساكنة والتنوين أغنان بخلاف الباء فإنه حرف غير أغن . كما سيؤدي إلى تعذر الإظهار لثقل النطق بهما , والكلفة عند التلفظ بهما , وذلك لما بين النون والباء من اختلاف في المخرج , فتوصل بقلب النون الساكنة والتنوين إلى ميم تمهيداً لحصول الإخفاء , وذلك لقرب مخرجهما _ أي الباء , والميم – ولمشاركتهما النون في الغنة والجهر والتوسط والاستفال والانفتاح والإذلاق. كما أنه تعذر الإخفاء مباشرة – أعني إخفاء النون عند الباء – وذلك لأنه لم يحسن الإدغام والإظهار فلم يحسن الإخفاء لأنه منزلة بينهما. فلما تعذر الإدغام والإظهار والإخفاء , أبدل من النون الساكنة والتنوين حرفاً يجانسهما في الغنة والجهر , ويجانس الباء في المخرج والجهر, وهو الميم , فزالت الكلفة الحاصلة من إظهار النون قبل الباء , وكما بينت سابقاً بأن هذا تعليل للرواية , وتوجيهها في العربية , وإلا فإن الأصل في القراءة الرواية والمشافهة , فإن القرآن عربي , وهو حجة على العربية كما هو مقرر عند المحققين من علماء العربية.

أَحْكَامُ الْمِيمِ السَّاكِنَةِ
المِيمَ أحَدُ الحرُوفِ التي تَخْرُجُ من الشَّفَتَيْنِ أَثْناءَ انْطِبَاقِهِما
ولها ثلاثة أحكام :
1- الإِخْفَاءُ الشَّفَوِيُّ.
وذلك إذا وقع بعد الميم الساكنة حرف الباء مثل : ( تَرْمِيهِم بَحِجَارَةٍ ) , ( وَهُم بالأخِرَةِ ) فتُخْفى الميمُ عندَ الباءِ مَعَ بَقاء الغُنَّة.
قال ابن الجزريّ :
........................ ......................وَأَخْفِيَنْ
الْمِيمَ إِنْ تَسْكُنْ بِغُنَّةٍ لَدَى بَاءِ عَلَى المُخْتَارِ مِنْ أَهْلِ الأدَا

الملاحظة الأولى : ما يذكره بعض القُرَّاء المعاصرين من ضَرورة انفراج الشَّفَتَيْن عند الإقلاب , والإخفاء الشفوي , بل يبالغ بعضهم فيقول : لا بُدَّ أن يَرَى الناظرُ أسنانَ القارىء , وبعضهم يقول : يجب أن تكون هذه الفُرجة بمقدار رأس القلم , وبعضهم يقول : إنما هي بقد رأس الإبرة .. فهذا مما هو غير موجود في كتابٍ معتمدٍ عند السابقين ولم يتلقى بهذا الشَّكْل من المشايخ المتقنين , ولعله من اجتهادات العلماء. ومن الغريب جداً أن بعض الناس ينطقون الغُنَّة المخفاة كأنها غَيْنٌ بغُنَّة , فيصبح النطق هكذا ( تَرْمِيهِنغْبِحِجَارَةٍ ) غيناً مُشْرَبَةً بغُنَّة مع العلم بأَنَّ هذا الصَّوت الغريب لا يوجد في اللغة العربية , إنما هو موجود في اللغة الأندونيسية والماليزية.

وبعضهم يخرجُها من الشَّفَةِ السُّفْلى مع أطراف الثَّنايا العليا فتخرج الميم كأنها حرف (v) في الإنجليزية , وبعضهم يُكَوِّرُ شفتيه تكويراً وينطق بصوت غريب ممزوج بين الباء والميم والغنة , وهذا كله خطأ وتحريف لها.
وما قيل هنا يمكن أن يقال عن الإقلاب , إلا أنه في الإخفاء الشَّفَويّ يوجد قَولٌ بجواز الإظهار في الميم , والله أعلم . وقد سألت كبار العلماء المجودين المعاصرين عن انفراج الشفتين فأجابني الجميع بأنه قرؤوا على مشايخهم بالإطباق , وذلك مثل المقرئ الشيخ أحمد عبد العزيز الزيات أعلى القراء إسناداً في مصر , وقد ناهز عمره التسعين , وقد أخبرني مشافهة في بيته في المدينة المنورة بعد أن قرأت عليه سورة الفاتحة وسألته عن انفراج الشفتين في الميم عند الباء فقال: لم نعهد ذلك في مشايخنا ولم نكن نسمع عنه من قارئ معتبر من قراء الأزهر , ولا أعرف أحداً قال به إلا بعض القراء المعاصرين من بضعة وعشرين سنة تقريباً , ولم نقرأ على شيوخنا إلا بالإطباق , ولكن لا بأس أن يكون الإطباق خفيفاً بدون كز الشفتين .

وكذلك شيخ القراء في دمشق المقرئ الشيخ حسين خطاب –رحمه الله- ومن بعده المقرئ الشيخ محمد كريم راجح شيخ القراء في دمشق والمقرئ الشيخ محمد سكر وهو من أبرز شيوخ القراءة في دمشق , والمقرئ الشيخ أبو الحسن الكردي شيخ مقارئ جامع زيد في دمشق , وشيخ القراء في حلب المقرئ الشيخ محمد عادل الحمصي , والمقرئ الشيخ محمد كلال الطحان الحلبي وكلهم سألتهم فأجابوني بأنهم قرؤوا بالإطباق. وتأمل هذا النص حول الميم عند الباء من قارئ كبير هو أبو جعفر ابن الباذش ( ت 540هـ ) حيث قال : وقال لي أبو الحسن ابن شريح فيه بالإظهار , ولفظ لي به , فأطبق شفتيه على الحرفين إطباقاً واحداً.

الملاحظة الثانية : ذكر الإمام الجزريّ أن هناك وجهاً مقروءاً به في الميم التي بعدها باء ألا وهو الإظهار , حيث قال : (( وقد ذهب جماعة كأبي الحسن أحمد بن المنادى وغيره إلى إظهارها عندها إظهاراً تاماً , وهو اختيار مكيّ القيسيّ وغيره , وهو الذي عليه أهل الأداء بالعراق وسائر البلاد الشرقية , وحكى أحمد بن يعقوب إجماع القراء عليه , قلت : والوجهان صحيحان مأخوذ بهما إلا إن الإخفاء أولى للإجماع على إخفائها عند القلب )) بارك الله في شيخي وأطال الله لنا عمره كم يمتعنا بنوادره التجويدية التي نسمعها منه في غرفته الصوتية بالإنترنت .

{قرار مجلس شيوخ دمشق الشام قالوا بالإطباق}
وجاء في نص قرار مجلس شيوخ القراء في دمشق حول النطق بالإخفاء ( ولقد اجتمعت هذه اللجنة ببعض علماء الأزهر الطاعنين في السن في مكة المكرمة وهو من العلماء الأفاضل فأخبرني بأن علماء الأزهر كانوا ينطقون بهذه الغنن إي بالإخفاء الشفوي أو بالإدغام الشفوي أو بالإخفاء الآخر لبقية حروف الإخفاء ما عدا الإظهار والإدغام وكذلكم كانوا ينطقون بالإدغام على هذه السبيل ، وكذلكم تلقوا هذه الإخفاءات دونما تغيير ولا تبديل ، وكانت النصوص بكل ما فيها تحمل على هذا التلقي ، لأن التلقي هو الذي يفسر النصوص وليست النصوص التجويدية في كتب التجويد هي التي تفسر التلقي ، إلى أن جاء أحد القراء وكانت له مشيخة القراء وهو الشيخ عامر عثمان فجاء بهذا النطق الجديد الذي ما كان يعرفه القراء ولا علماء القراءة ولا علماء الأزهر وأيضاً هو ما كان يعرفه من قبل وما تلقاه عن مشايخه فكان يقول (تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ) ، ( مِنْ بَعْدِ ) ( وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ) ، وهكذا كان ينطق [ أي بفرجة بين الشفتين ] ، وأنكروا عليه ولكنه بقي آخذاً برأيه وحمل الكثيرين من الناس - باعتباره كان شيخ القراء - على ما أراد أن ينطق ، أيها الأخوة الذين تسمعونني : النطق الذي نطقت به أمامكم بحضور شيخ القراء وهؤلاء العلماء الأفاضل هو النطق الذي أجمع عليه العلماء [ وهو إطباق الشفتين في الإخفاء الشفوي ] .
أما أن اللسان يرتفع أو ينخفض فهذا لا علاقة له بالغنة ، وإنما هو تابع للحرف الذي ينطق به ، فشتان بين قولنا ( أَنْ سَلامٌ ) وبين قولنا ( عَنْ صَلاتِهِمْ ) فإن الصاد حرف مفخم فيرتفع اللسان عنده وعند النطق بغنته ، والسين حرف مستفل مرقق فينخفض اللسان عنده وعند النطق بغنته ، لأن الغنة تابعة للحرف من حيث تفخيمه ومن حيث ترقيقه ، فإذا كان مفخماً ارتفع اللسان عنده ، وإذا كان مرققاً انخفض اللسان عنده . وعلى كل حال هذا موضوع مرجعه التلقي ، فإنك لا تستطيع أن تفهم كيفية النطق بمجرد العبارة ولكن إذا نطق بالكلمة أمامك فإنك تستطيع أن تقلدها ، فمهما أردت أن أعبر لكم عن حرف ( B ) باللغة الأجنبية لا أستطيع أن أعرف لك النطق حق التعريف حتى أنطق أمامك ، وهكذا الحروف العربية والحروف القرآنية لابد أن ينطق الإنسان بها .

وهكذا تلقى القرآن الكريم العلماء كابراً عن كابر ، ولا يعقل أبداً أن يكون جميع العلماء في العالم الإسلامي ينطقون بشيء خطأ وقد أجمعوا على خطئه ، فإن القرآن الكريم منزه عن ذلك ولا شك ، ومن عاد إلى تسجيلات الشيخ العظيم على محمود أو محمود هاشم أو الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي ، أو الشيخ محمد رفعت ، وما شاكل هؤلاء من الذين لا تزال تسجيلهم محفوظة فإنه لا يجدهم ينطقون بهذه الغنن إلا كما نطقنا نحن الآن ، وقراءة القرآن الكريم في سورية وفي الأزهر أو في غيرها من البلاد العربية من قبل القراء المتقنين على وتيرة واحدة حرف واحد . ) ]] انتهى

{ محمد رفعت والشعشاعي والصيفي يقرأون بالإطباق}
يوجد لدي تسجيلات نادرة عبارة عن ( كليب ) صوت وصورة للقراء المشاهير وكذلك لدي تسجيلات قديمة للشيخ رفعت والشعشاعي والصيفي وغيرهم قبل عصر الشيخ عامر عثمان يطبقون الشفتين واستمع إن شئت إلى هذه الآية للشيخ محمد رفعت لكي تتأكد بنفسك عند قوله تعالى(وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ) (هود:84) فسوف تجده يطبق الشفتين بقوة ووضوح , وتسجيلاته النادرة مليئة بهذا الأداء الجيد .

{الشيخ صديق المنشاوي أبو محمد القارئ المشهور يقرأ بالإطباق}
يوجد لدي ثلاث تسجيلات نادرة للشيخ صديق المنشاوي رحمه الله يطبق فيهما الشفتين على الميم المخفاة بوضوح في سور الحديد و الحجرات والمجادلة .
{الشيخ محمود خليل الحصري القارئ المشهور يقرأ بالإطباق}
يوجد لدي فيديو ( كليب ) صوت وصورة للشيخ محمود خليل الحصري في سورة الحجرات ورأيت فمه وشفتيه عند قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا) وهو يطبق الشفتين على الميم المخفاة وظللت أعيد هذا المقطع أكثر من مرة لأتأكد من الإطباق وهو يطبق الشفتين بوضوح على الميم وقد طلب مني كثير من الشيوخ رؤية هذا الكليب فرأوه رأي العين فصدقوا وتعجبوا .
{الشيخ محمود علي البنا القارئ المشهور يقرأ بالإطباق}
رأيت الشيخ محمود على البنا في التلفاز وهو يقرأ سورة يونس ويطبق الشفتين بوضوح عند قوله تعالى ( أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) . وله كليب عندي صوت وصورة في سورة آل عمران وتسجيل نادر في سورة الانفطار .
{الشيخ عبد الباسط عبد الصمد القارئ المشهور يقرأ بالإطباق}
يوجد لدي فيديو ( كليب ) صوت وصورة للشيخ عبد الباسط عبد الصمد في سورة البقرة عند قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ) وفي نفس الآية عند قوله تعالى ( وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ ) وهو يطبق الشفتين بوضوح على الميم وقد طلب مني كثير من الشيوخ رؤية هذا الكليب فرأوه رأي العين فصدقوا وتعجبوا أيضا والشيخ عبد الباسط يكزُّ على شفتيه على الميم بوضوح في هذا التسجيل وهو من أهل الإطباق وكلامه بذلك فسوف يأتي عن قريب عند الحديث على المصاحف المرتلة المشهورة .
{شيخ عموم المقاريء المصرية المعصراوي قال بإطباق}
حدثني أكثر من شيخ مشافهة أن الشيخ المعصراوي حفظه الله عندما جاء مؤسسة شبان المسلمين بديارنا المنيا وسأله أكثر من شيخ هل يصح القول بإطباق الشفتين على الميم الساكنة المخفاة ؟ فأجاب الشيخ بصحة ذلك , فاقتنع الجميع وأصبحوا لا يخطئون من يقرأ بالإطباق . وذكر أستاذنا وشيخنا الفاضل : محمود بن عبد الوهاب في بحثه الرائع الفريد في بابه حول القلب والإخفاء الشفوي ما نصه :
... الشيخ أحمد المعصراوي أستاذ القراءات بكلية القرآن الكريم ونائب رئيس لجنة مراجعة المصاحف بالأزهر , سألته : مشافهة وكان معي أخي وزميلي الشيخ أحمد خلف الكريم – عن القلب والإخفاء الشفوي فقال : " ( أَنْ بُورِكَ ) ( أَمْ بِهِ) وأطبق فأطبق ... فسأله الشيخ أحمد خلف قائلا : والذي ينطقها هكذا( أَنْ بُورِكَ ) فأطبق إطباقا شديدا ؟ قال : صحيح هذا ما حدث معه دون زيادة أو نقصان . انتهى ففي هذا الكلام للمعصراوي إشارة أن من كز على الشفتين فهو صحيح . والشيخ سيد دراز ممن يرون الإطباق وله بحث رائع حول ذلك .والشيخ محمد بن نبهان المصري في كتبه الرائعة ينص نصا صريحا بالإطباق وعدم الفرجة وجميع كتبه متوفرة لدي لم أنقل عنها لكي لا يطول البحث وتفصيل ذلك في كتابي السالف الذكر .
روى لنا أحد الشيوخ الفضلاء أن الشيخ شحاتة على السمنودي صاحب للآلئ البيان يقرأ بالإطباق ويروي ذلك عن الشيخ المتولي , ولم يوجد للسمنودي في منظوماته أدنى إشارة بالفرجة .
قال الأستاذ محمد منيار في الملاحظات الهامة ص 68 : ... ويزعم بعض القراء أنه لا بد من ترك فرجة بين الشفتين , حالة أداء القلب والإخفاء الشفوي , لتحقيق الإخفاء في الميم عند الباء , فيقعون غي خطأين :
• ذهاب الميم بالكلية , وإبدالها بنطق مُبهم .
• مدّ الحرف المبهم بحيث يتولد منه حرف من قبيل حركة الحرف الذي قبل النون الساكنة مثل : ( مين بعد ) و( هوم بارزون ) والنطق الصحيح : بإطباق الشفتين بخفة كما سلف .

فأنت ترى- أخي القارئ - هذه النصوص السالفة للأئمة المعتبرين صريحة بالإطباق , أو قول أحدهم ميم خالصة , وأن العبرة ليست بالمصطلح بل بما تلقاه المئات عن المئات جيلا عن جيل وهذا التلقي لابد له أن يضبط بما نص عليه الأئمة الأوائل , وذلك لإغلاق الباب على بعض شيوخ العصر الذين يقولون تلقيت الفرجة بالسند, فكل من قال تلقيتها بالسند, هناك شيخ واحد وَهِم ثم جاء من بعده أخذه عنه , وسلسلة الأسانيد اليوم يوجد فيها الحافظ ابن الجزري وكلامه معروف مشهور في هذه المسألة وهو الإطباق , فعلى كل شيخ مسند أن يتق الله وليحذر من اقراء الناس بإسقاط الميم من التلاوة المسمى حديثا بالفرجة.
أما مسألة التبعيض هذه، أطلب من البعض إثباتها بخصوص الميم المخفاة من كتب الأقدمين، أقصد بمعني الفرجة.لأن تعريفهم للإخفاء هو النطق بحرف عار من التشديد بحالة بين الإظهار والإدغام مع بقاء الغنة أما التبعيض بهذا الفهم فأرجو التكرم ببيان مصدره، ثم أن التبعيض ممكن بكل وضوح أن يحمل على عدم الكز على الشفتين بل بالإطباق الخفيف، وصرح به المرعشي التركي.( ت 1150هـ ) مع وضوح كلامه في كونه لا يخرج عن الإطباق فقد قال بأنه أطباق أخف دون الإطباق الأقوى أي لا يخرج عن كونه إطباقا ثم إن من الأقدمين من عده من الإدغام الناقص أي يشبه في تركيبته النطق بنحو ( بَسَطْتَ) فقد بقيت صحة الاستعلاء ثم انتقلت للتاء وختمت بها. وهنا تنطق بالميم تعويضا صحيحا كما صرح العلامة الضباع، وتأتي بالغنة من غير كز على الشفتين ثم تنتقل للباء ولو نطقت بقوله تعالى ( مِنْ مَاءٍ )(البقرة: من الآية164) فهذا مثلا إدغام ناقص فهذه كتلك.
وهكذا نرى توفر جميع صفات الإدغام الناقص أو سمِّه إن شئت بالإخفاء الشفوي على إطباق الميم .فالعبرة بالتلقي والمشافهة أما المصطلحات فهي وصف للتلقي وليس العكس. لأن غايتهم تقريب وصف هذا الذي يتلقوه لتسهل مدارسته، وما كان في ذهنهم أبدا أن هناك من سيترك التلقي ويبحث في كيفية التطبيق من كلام نظري لا يستند على المشافهة.ثم أني أرى أن الاحتجاج عند الاختلاف في مثل هذا لا يكون إلا بكلام الأوائل أعنى أمثال الداني وابن غلبون والشاطبي أو من قبلهم فإنه لم أر حتى الآن أي نص قبل السيد عثمان ومن سار على نهجه، بترك الفرجة.ومن عنده الدليل فليأت به غير مأمور.

أما الاحتجاج بأحد القراء المعاصرين فليس فيه الحجة أبدا لأنه يوجد غيره مئات يقرؤون بالإطباق وفيهم من هو شيخ قراء بلده كالشيخ كريم راجح والشيخ أبو الحسن الكردي والشيخ محمد طه سكر.والأمثلة أكثر من أن تحصر،بل حتى الأقدمين من تلامذة الزيات كالشيخ أحمد مصطفى فقد قال لنا أن جميع من أخذ عن الزيات فبالإطباق ثم أن من يقولون بترك الفرجة يصرحون بأنها اجتهاد منهم أما ما تلقوه من مشايخهم فبالإطباق. وزاد الآن أن النصوص التي كانت غائبة عمن اجتهد بترك هذه الفرجة قد ظهرت مع تحقيق كثير من الكتب النفيسة المخطوطة ككتب ابن غلبون والداني وفيها التصريح بالإطباق، فحين يرى المجتهد هذه النصوص الصريحة فأي حاجة للاجتهاد مع وجود النص.
{الشيخ عمَّار الخطيب قال بالإطباق ونظم في ذلك شعرا}
قال الشيخ عمار الخطيب في منظومته الرائعة حول التجويد وقواعده الراسخة :

وَلْتَحْذَرَنْ قِرَاءَةً بِالفُرْجَةْ وَمَا رَوَى الأَسْلافُ فَهْوَ حُجَّةْ
إِذْ لا دَلِيلَ قَدْ رُوِيْ عَنِ السَّلَفْ إِلاّ اجْتِهَادُ "عَامِرٍ" مِنَ الخَلَفْ
وَالْمِيمُ تَبْقَى حَالَةَ الإِطْبَاقِ لَفْظَاً، وَتَسْقُطُ دُونَمَا إِطْبَاقِ
فَأَطْبِقِ الشِّفَاهَ في الإِخْفَاءِ وَمِثْلُهُ الإِقْلابُ فِي الأَدَاءِ
كَـ" أَنْبِئُونِي " أَوْ كَنَحْوِ "هُمْ بِهِ" كَمَا رَوَى ابْنُ الْجَزَرِيْ وَصَحْبِهِ


{أول من قال بتغيير صوت الميم الساكنة المخفاة}

جميع العلماء المعاصرين أجمعوا أن القائل الوحيد بترك فرجة عند الميم الساكنة هو فضيلة الشيخ عامر عثمان رحمه الله وهو من العلماء المتأخرين أما العلماء المتقدمون المعول على علمهم فهو الحجة الكافية لم يقل أحدهم بذلك .

{الرد على من أشكل عليه معنى إخفاء الميم الساكنة}

فصل القول في ذلك فضيلة الشيخ أيمن سويد في كيفية الإخفاء فقال الشيخ : كل عدول عن الإظهار إلى غيره لا بد أن يكون عدول إلى الأسهل لأن الأصل عند إلتقاء الأحرف أن تظهر الحروف , وقلب الميم الساكنة عند الباء إلى الميم قلب فطري يفعله الإنسان فطرة لذلك لو سألنا عاميا في الشارع لم يدرس التجويد ولم يشم رائحته ثم أشممناه عطر ( العنبر ) لقال هذا عطر العمبر فيطبق شفتيه ولا يقول عنبر ولا يظهر النون عند الباء بل يقلبهما ميما قلبا فطريا والعامة تقول موجز الأمباء) ولا يقولون الأنباء حتى في اللغة الإنجليزية والفرنسية لا يوجد n بعدها b بل يوجد m –b لكن شاع منذ ثلاثين سنة على يد شيخنا الشيخ عامر عثمان رحمه الله شيخ عموم القراء المصرية وهو شيخي وأستاذي وقرأت عليه القراءات العشر إلى آخر سورة البقرة شاع إبقاء بين الشفتين فرحة وهو كان متحمسا لهذا الموضوع استشكالا منه لكلمة إخفاء .. لكن مشايخ الأرض قاطبة في مصر والشام وشرق البلاد الإسلامية وغربها كلهم يطبقون بل إنه حدثني الشيخ صلاح الدين كبارة رحمه الله شيخ قراء طرابلس في لبنان أنه قرأ على الشيخ عامر عثمان القراءات السبع بإطباق الشفتين على الميم المقلوبة وعلى الميم المخفاة ثم عاد إلى بلدته طرابلس لبنان وبعد سنوات عاد إلى مصر ليقرأ على الشيخ عامر القراءات الثلاثة فوق السبع فأمره بعدم الإطباق للشفتين ..
إذا طرأ عليه التعديل في آخر عمره , وكان شيخي عبد العزيز عيون السود كان يقرأ ويقرئ بالإطباق، وهكذا روى عن مشايخه في مصر، ثم سافر إلى مصر وعاد بالقراءة مع انفراج الشفتين رواية عن الشيخ عامر سيد عثمان رحمه الله تعالى، . وإن كنتم قرأتم على أستاذ أو شيخ فبين لكم أن هذه المسألة قد وَهِم فيها الشيخ أو توهم فيها الصواب وليست كذلك علينا أن نعود إلى الصواب قال تعالى ( الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَع)(يونس: من الآية35) قال ابن الجزري رحمه الله قرأت على بعض الشيوخ بترقيق الألف مطلقا ثم تبين لي بعد ذلك فساده فرجعت عنه . وذكر بأن الألف تتبع الحرف الذي قبلها تفخيما وترقيقا أما الرد على استشكال الشيخ عامر كيف نقول أم بإطباق الشفتين ونسميه إخفاء ؟ والجواب
أن الأصل أن يقرع مخرج اللسان كل حرف على حدة فعندما نقول (تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ) نطبق الشفتين على ميم ونفتحهما على باء فهذا العمل يشبه الإدغام فلذلك هل نقول ذلك إدغام بالطبع لا لأن الإدغام يذهب معه الحرف الأول ويكون النطق بباء مشددة فلو نطقنا بباء مشددة لكان إدغاما ولو قلنا ترميهم بحجارة ) بإظهار الميم فهذا يسم إظهارا فنحن عندما ننطق الإخفاء الشفوي نطبق الشفتين على ميم ونفتحهما على باء فهذا عمل بين الإظهار والإدغام اسمه الإخفاء وتعريف الإخفاء منطبق عليه ( وهو النطق بحرف بصفة بين الإظهار والإدغام عار عن التشديد مع بقاء الغنة في الحرف الأول نفسه ) ...اهـ .

{كيف انتشر القول بالفرجة في الميم الساكنة المخفاة}

قال الشيخ عامر عثمان في كتابه كيف يتلى القرآن والإخفاء هو النطق بحرف من الخيشوم بصفة بين الإظهار والإدغام عار عن التشديد , وليحذر القارئ من إطباق الشفتين عند النطق بها حالة إخفائها , وسمى شفهيا أو شفويا نسبة إلى الشفة وهي مخرج الميم وعلامته في المصحف ترك الميم بدون السكون .
لمعرفة كيف انتشر القول بالفرجة في الميم الساكنة المخفاة لا بد من ترجمة للشيخ عامر عثمان وتلاميذه لمعرفة كيف استفحل القول بتغيير الصوت القرآني في الميم الساكنة المخفاة , والذي ترجم له الشيخ عبد الفتاح المرصفي في كتابه هداية القاري بقوله :
الشيخ عامر بن السيد بن عثمان , ولد بقرية ملامس مركز منيا القمح من أعمال محافظة الشرقية بجمهورية مصر العربية في 16 مايو سنة 1900 م عالم مصري مبرز في علم التجويد والقراءات والرسم والضبط والفواصل , حفظ القرآن الكريم على معلم القرية الشيخ عطية سلامة ثم في سنة 1911 م ذهب إلى بلدة التّلين مركز منيا القمح بالقرب من قرية ملامس, فأخذ علم التجويد وطبّقه برواية حفص عن عاصم على الأستاذ الجليل الشيخ إبراهيم موسى بكر البناسي كبير المقرئين في وقته , ثم عرض عليه بعد ذلك القرآن الكريم بالقراءات العشر من طريقي الشاطبية والدرة وأجازه بها وبرواية حفص من الشاطبية من قبل .

ثم رحل إلى القاهرة بعد ذلك , وقرأ على العلامة المحقق الشيخ على بن عبد الرحمن سبيع المقرئ الكبير بالقاهرة المحروسة, فقرأ عليه القراءات العشر من طريق طيبة النشر إلى قوله تعالى ( وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) ثم انتقل الشيخ سبيع إلى رحمة الله تعالى . فاستأنف من جديد القراءة على تلميذ شيخه المذكور الأستاذ الجليل صاحب الفضيلة الشيخ همام قطب عبد الهادي فقرأ عليه القرآن كله بالقراءات العشر من طريق طيبة النشر, وأجازه بها وذلك في عام 1972 م , ثم التحق بالأزهر الشريف طالبا فحصّل كثيرا من العلوم العربية والشرعية, وجلس للإقراء في منزله بالقاهرة ليقرئ الناس التجويد والقراءات إلى أن اختير مدرسا في قسم تخصص القراءات بكلية اللغة العربية بالأزهر سنة 1945 م وظل هكذا إلى أن أحيل إلى التقاعد سنة 1968 م . ثم عينا مفتشا بمشيخة عموم المقارئ المصرية , ثم وكيلا لتلك المشيخة ثم عين شيخا لعموم المقارئ بالديار المصرية سنة 1980 م . ومن نشاط الشيخ عامر عثمان أنه أشرف على تسجيل المصاحف القرآنية المرتلة لمشاهير القراء في مصر مع آخرين في إذاعة جمهورية مصر العربية . وعين عضوا لاختيار القراء الذين يقرءون القرآن الكريم في الإذاعتين المرئية والمسموعة بالجمهورية المصرية . واشتغل بإلقاء المحاضرات في علم التجويد والقراءات في مختلف المدن المصرية مما كان له الأثر الطيب في نشر القراءات والتجويد وحسن الأداء .
تلامذة المترجم له :
أما تلامذته فكثيرون يخطئهم العد ولا يأتي عليهم الحصر منهم :
الأستاذ إبراهيم سالم وزير الصناعة بمصر ,
والمهندس سليمان عبد الحي وزير النقل والمواصلات بمصر ,
الأستاذ حسن حسان مدير شركة الأهرامات بقطاع الجمعيات الاستهلاكية بمصر ,
فضيلة الشيخ سليمان إمام الصغير من خيرة علماء الأزهر قرأ عليه القراءات الثلاثة المتممة للقراءات العشر من طريق الدرة وهذا الشيخ الجليل حضرت عليه في قسم القراءات مادة النحو والصرف وكذلك فقه الإمام الشافعي رضى الله عنه وعمل أستاذا بجامعة أم القرى بمكة المشرفة إلى عهد قريب جدا ,
ومن تلاميذه الشيخ محمود خليل الحصري القارئ المشهور بالقاهر ,
والشيخ مصطفى إسماعيل القارئ المشهور بالقاهرة ,
والشيخ كامل يوسف البهتيمي القارئ المشهور بالقاهرة
والشيخ عبد الباسط عبد الصمد
والشيخ محمد تميم الزعبي قرأ عليه القراءات العشر الكبرى من طريق الطيبة ,
والشيخ أيمن سويد من دمشق قرأ عليه طيبة النشر ,
والشيخ محمد صلاح الدين كبّارة المقرئ المشهور بطرابلس لبنان قرأ عليه القراءات العشر من طريقي الشاطيبة والدرة ,
والشيخ كرامة الله البخاري من المدينة المنورة قرأ عليه القراءات العشر من طريقي الشاطبية والدرة .... والشيخ صادق قمحاوي رحمه الله تعالى
والشيخ رزق خليل حبة والشيخ محمود عمر سكّر وغيرهم .... اهـــ
وهذه ترجمة مفصلة للشيخ عامر عثمان رحمه الله فالمتأمل في حاله وتلاميذه يعلم يقينا كيف انتشر الأمر بترك الفرجة في الميم الساكنة لأنهم قراء الإذاعة والعالم كله يعرف هؤلاء القراء ويحبهم ويتأثر بهم وظهر لهؤلاء القراء من يقلدهم لحسن أدائهم الذي يذهب بالأفئدة , وجميع الذين تلقوا العلم عن الشيخ عامر يروون عنه أنه كان يتعصب جدا للقول بترك فرجة عند الميم الساكنة وحمل رحمه الله قراء المصاحف المرتل على ترك فرجة عند التلفظ بالميم الساكنة وخاصة أنه كان من مراقبى لجنة ترتيل المصاحف الصوتية بالإذاعة المصرية والشيخ عبد الباسط عبد الصمد رحمه الله صرح بذلك في بعض مقالاته أن القارئ الذي كان يطبق الشفتين على الميم الساكنة كان لا يقبلها منه ويأمره بإعادة تسجيلها مره أخرى , وهو كذلك الذي حمل الحصري والبنا ومصطفى إسماعيل والمنشاوي علي ذلك .
وبسبب انتشار هذه المصاحف في العالم الإسلامي , انتشر ترك الفرجة في الميم وكذلك من تولوا مشيخة عموم المقارئ المصرية بعده قالوا بما قال الشيخ عامر لأنهم تلاميذه في هذا الدرب وكل من قال بها من العلماء فإنما أخذها عنه رحم الله الجميع .
ولكن قبل عصر الشيخ عامر عثمان لا يوجد القول بترك الفرجة أبدا واستمعوا للشيخ رفعت والشعشاعي والصيفي لا تجد منهم الفرجة عند الميم الساكنة أبدا وهناك بعض تلاميذ الشيخ عامر رجع عن قوله وأطبق الشفتين على الميم الساكنة مثل الشيخ أيمن سويد والشيخ محمود عمر سكر قال بعض مشايخ الأردن : عندنا في الأردن الشيخ محمود إدريس وهو من تلاميذ الشيخ عبد الودود الزراري والشيخ سعيد سمور . أقرءوه بالإطباق ومازال يقرئ الشيخ كما تلقى عن شيخيه مع العلم أن الشيخ عبد الودود من تلاميذ الشيخ عامر السيد عثمان .والشيخ سعيد سمور من تلاميذ الشيخ عثمان سليمان مراد اهـ .
وقراء دمشق على الإطباق , وأرجو ممن يقول بترك فرجة بسيطة عند الميم الساكنة أن يأتي بدليل واحد عليها من كتب المتقدمين أمثال بن الجزري وأبو عمرو الداني وغيرهم وهكذا تلقينا وهكذا ينبغي المحافظة عليه لاتفاق الطريقين عليه أقصد المشافهة والسند ثم النصوص القديمة كلها على الإطباق .

{سبع أقوال في كيفية النطق بالميم الساكنة المخفاة}

القدماء قالوا بإطباق الشفتين على الميم والبعض الآخر من المعاصرين قال بالفرجة بين الشفتين , والبعض الآخر قال زمن الغنة حركتين حركة بترك الفرجة والحركة الثانية بإطباق الشفتين وبعضهم قال نترك فرجة بقدر شعرة أو شعرتين , والبعض الآخر قال بتبعيض حركة الميم , وهذا لم يقل به المتقدمون بل تبعيض الحركة عندهم يعرف بالروم أو الاختلاس, والبعض الآخر قال أن تقرع الثنايا العليا عند النطق بالميم الساكنة على ظاهر الشفة السفلى , والبعض الآخر يقول إن هيئة الشفتين في حالة الإخفاء الشفويّ والقلب تتبع الحرف الذي قبلها , فتضم إن كان مضموماً , وتتمدد إن كان مكسوراً أو مفتوحاً . وهذا الكلام ليس دقيقاً . الصواب : الذي عليه أهل التحقيق أن هيئة الشفتين واحدةٌ في جميع حالات القلب والإخفاء الشَّفويِّ , وهي أن تكون الشفتان منطبقتين بدون كَزِّ , لا مضمومَتَيْن مُقَبَّبتين أو مكوَّرتين إذا ملخص هذه الأقوال كالآتي :
1. إطباق الشفتين على الميم
2. انفراج الشفتين عند نطق الميم
3. حركة بفرجة والأخرى بإطباق
4. تبعيض الميم المخفاة الساكنة
5. تصادم الثنايا العليا على ظاهر الشفة السفلى
6. شكل الشفاة تابع لحركة ما قبله
7. ترك فرجة بقدر شعرة أو شعرتين
والراجح الذي لا ريب فيه الأول إطباق الشفتين لأن الأصل في صوت الميم الساكنة الإطباق فمن خالف الأصل طولب بالدليل وحذاري من قول البعض يجوز الكل فعلى الجميع أن يعلموا أن الحق واحد لا يتعدد ومن قال الحق يتعدد فقد قال بما تقول به المعتزلة. ولكن منهج السلف الصالح أن الحق واحد ولا يتعدد دليلهم قوله تعالى ( فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ) وما زلت أنادي من عنده دليل من كتب المتقدمين على ترك الفرجة فيأتنا به مشكورا .

{الرد على شبهات القائلون بترك فرجة بين الشفتين}
تفصيل القول في هذا الموضوع تجده في كتابي الذي يحمل اسم عنوان هذا البحث , وقد جمعت فيه قول كل من قال بالفرجة , مع الرد عليه بلسان العلماء الأوائل .
{التلقي من المشايخ المسندين بالإطباق}

للكلام على مشايخ الأسانيد ,أهمية قصوى , فلا بد لك أخي القارئ بعد أن أكرمك الله بحفظ القرآن الكريم كاملا عن ظهر قلب , أن تبحث عن شيخ متقن مجاز ولديه سند عال إلى رسول الله  بالقرآن الكريم , لتعرض عليه القرآن من أوله إلى آخره غيبا بالتجويد والإتقان برواية حفص عن عاصم أو غيرها من القراءات العشر المتواترة .
وحذاري أن تكتفي بحفظك الشخصي أو حفظك المدرسي أو حفظ حلقات تحفيظ القرآن , فإن من حفظ القرآن ولم يعرض حفظه وحروفه على شيخ متقن مجاز لديه سند فحفظه ناقص ولا يخلو من خطأ ربما لا يتنبه له . والمقصود من قولي متقن : أي لأحكام قواعد التجويد جملة تفصيلا , ومخارج الحروف والصفات والمقصود بالمجاز : من لديه إجازة وهي شهادة تمنح من الشيخ الذي اخذ عنه وقرأ عليه وذلك أمر معروف ومتعارف عليه بين القراء . والمقصود بقولي السند : هو عبارة عن سلسلة المشايخ والقراء الذين وصلنا القرآن عن طريقهم وسلاسل إسنادهم باتصال من رسول الله  إلى عصرنا هذا , ولله الحمد والمنة على ذلك وعلو الإسناد معناه : أن يقل عدد رجال السند الذي بينك وبين رسول الله  فتكون السلسلة قصيرة فكلما كان عدد هذه السلسلة قليلا وصف بالسند العالي , وأعلى سند في الدنيا في حدود علمي أن يكون بين الشيخ وبين رسول الله  ستة وعشرون أو سبعة وعشرون قارئا . فإذا قرأت أخي الحبيب على قارئ مسند مجاز سوف يقرئك بإطباق الشفتين على الميم الساكنة لأنه لو قال لك أترك فرجة عند تلفظ الميم ويكون هو لم يتلقاها من شيخه المسند بهذه الكيفية فهذا كذب في رواية الإسناد سوف يحاسب عليه يوم القيامة .
وجميع مشايخ الحرم المسندين الذين سمعت بهم وقرأت علي بعضهم يقرءون بالإطباق ويوجد شيخ قرأت عليهم مسند مجاز بالقراءات السبع من طريق الشاطبية قرأت عليه بالإطباق ولم يأمرنِ بترك الفرجة لماذا لأنه تلقاها هكذا من شيخة ومن شيخة إلى آخر السند. والحمد لله أجازني بالقراءات السبع من طريق الشاطبية أصل صورة السند منشورة
بموقعي. وحاليا أعرض على أعلى القراء سندا في المنيا القراءات العشر الصغرى من طريق الشاطبية والدرة وأقرأ عليه بإطباق الشفتين في الإقلاب والإخفاء الشفوي . وأسأل الله تعالى أن يرزقني وإياكم الإتقان وتحقيق لفظ تلاوة كلام ربنا .

{خلل و أخطاء في التلفظ بالقلب والإخفاء الشفوي}

1. عُلِمَ من هذا البحث أن الميم المخفاة تنطق بإطباق الشفتين , والعلماء يطلقون على هذا العمل إخفاء شفويا , أما أهل ترك الفرجة يسمون ذلك إظهارا بغنة , وهذه التسمية غير صحيحة , ولا يوجد شئ أسمه الإظهار بغنة .

2. كيفية نطق القلب هي : أن نقْلَبَ النُّون الساكنة أو التنوين - الذي بعده باءٌ – ميماً ثم نُطْبِقَ الشَّفَتَيْن إطْباقًا ً بحيث تطبق على ميم وفتح الشفتين على باء - ونخرج غُنَّة الميم من الأنف ثم ننطق بالباء مجهورة شديدة واحذر عند تلفظك بهذه الباء أن يجري معها أدنى نفس لأن جريان النفس مع الباء يقليها إلى الـ ( p ) الثقيلة في الإنجليزية .

3. كثيرٌ من الناس يخرج الباء ضعيفةً متأثرةً بضعف الغُنّة التي في الميم قبلها ( أي المنقلبة عن النون ) مع العلم بأن الباء حَرْفٌ شديدٌ , مجهورٌ , قوي , وعلى القارئ أن يحذر من انسحاب غنة الميم المخفاة على حرف الباء والباء العربية لا علاقة لها بالخيشوم ..

4. ما ذكره بعض المعاصرين الفضلاء من أن شكل الشفتين أثناء نطق الميم التي بعدها باء – سواء أكانت مخفاة أم منقلبة عن النون أو التنوين – يكون متفاوتًا فيما إذا كان الحرف الذي قبلها مضموماً , أو مكسوراً , أو مفتوحاً , فكأنه يقول : إن هيئة الشفتين في حالة الإخفاء الشفويّ والقلب تتبع الحرف الذي قبلها , فتضم إن كان مضموماً , وتتمدد إن كان مكسوراً أو مفتوحاً . وهذا الكلام ليس دقيقاً ولا يصح شئ منه البتة بل هو مجرد اجتهاد , بل أغلب كتب المعاصرين يأتون بأشياء ما أنزل الله بها من سلطان وهناك بحث لي منشور حاليا على الإنترنت نبهت فيه على الجزئيات الموجودة في كتاب نهاية القول المفيد وكتاب حق التلاوة, وكتاب غاية المريد , وغيرها من الكتب الحديثة والصواب لمن أراد الحق العودة لكلام المتقدمين فعندهم هيئة الشفتين واحدة مع الإخفاء الشفوي والقلب.


5. على القارئ أن يعلم أن التقاء النونين, النون الساكنة والتنوين بالباء يؤدي إلى تعذر الإدغام للتباعد في المخرج والاختلاف في الصفات , فإن حرفي النون الساكنة والتنوين أغنان بخلاف الباء فإنه حرف غير أغن . كما سيؤدي إلى تعذر الإظهار لثقل النطق بهما , والكلفة عند التلفظ بهما , وذلك لما بين النون والباء من اختلاف في المخرج , فتوصل بقلب النون الساكنة والتنوين إلى ميم تمهيداً لحصول الإخفاء , وذلك لقرب مخرجهما _ أي الباء , والميم – ولمشاركتهما النون في الغنة والجهر والتوسط والاستفال والانفتاح والإذلاق. كما أنه تعذر الإخفاء مباشرة – أعني إخفاء النون عند الباء – وذلك لأنه لم يحسن الإدغام والإظهار فلم يحسن الإخفاء لأنه منزلة بينهما. فلما تعذر الإدغام والإظهار والإخفاء , أبدل من النون الساكنة والتنوين حرفاً يجانسهما في الغنة والجهر , ويجانس الباء في المخرج والجهر, وهو الميم , فزالت الكلفة الحاصلة من إظهار النون قبل الباء , وكما بينت سابقاً بأن هذا تعليل للرواية , وتوجيهها في العربية , وإلا فإن الأصل في القراءة الرواية والمشافهة , فإن القرآن عربي , وهو حجة على العربية كما هو مقرر عند المحققين من علماء العربية.

6. ما يذكره بعض القُرَّاء المعاصرين من ضَرورة انفراج الشَّفَتَيْن عند القلب , والإخفاء الشفوي , بل يبالغ بعضهم فيقول : لا بُدَّ أن يَرَى الناظرُ أسنانَ القارىء , وبعضهم يقول : يجب أن تكون هذه الفُرجة بمقدار رأس القلم , وبعضهم يقول : إنما هي بقد رأس الإبرة .. فهذا مما هو غير موجود في كتابٍ معتمدٍ عند السابقين ولم يتلقى بهذا الشَّكْل من المشايخ المتقنين , ولعله من اجتهادات العلماء. ومن الغريب جداً أن بعض الناس ينطقون الغُنَّة المخفاة كأنها غَيْنٌ بغُنَّة , فيصبح النطق هكذا ( تَرْمِيهِنغْبِحِجَارَةٍ ) غيناً مُشْرَبَةً بغُنَّة مع العلم بأَنَّ هذا الصَّوت الغريب لا يوجد في اللغة العربية , إنما هو موجود في اللغة الأندونيسية والماليزية.

7. وبعضهم يخرجُها من الشَّفَةِ السُّفْلى مع أطراف الثَّنايا العليا فتخرج الميم كأنها حرف (v) في الإنجليزية , وبعضهم يُكَوِّرُ شفتيه تكويراً وينطق بصوت غريب ممزوج بين الباء والميم والغنة , وهذا كله خطأ وتحريف لها. وما قيل هنا يمكن أن يقال عن القلب , إلا أنه في الإخفاء الشَّفَويّ يوجد قَولٌ بجواز الإظهار في الميم , والله أعلم .

8. هناك من يرى أن الفرجة تكون بقدر شَعرة أو شَعرتين , ومن رأيي أن حلاَّق الشَّعر هو الذي يحسن هذا الضابط بحيث لا يستطيع الزيادة عن قدر شعرة أو قدر شعرتين ,أما غيره فلعله يزيد عن شَعرتين ويقع في الخلل , على حد زعم القائلون بترك قدر شَعرة , وهذا القول لا يعرف في كتب التجويد القديمة , ولعل البعض بنقله عن الحلاّقين فهم من أهل التخصص في تصفيف الشَّعر وهم أدرى بالشَّعر من غيرهم!!!!!!!!!!!!! .

9. والبعض الآخر يقول ترك فرجة بقدر ورقة سجائر رقيقة , الله المستعان أين الدليل لترك تلك الورقة ؟!!! .

10. ذكر الإمام الجزريّ أن هناك وجهاً مقروءاً به في الميم التي بعدها باء ألا وهو الإظهار , حيث قال : (( وقد ذهب جماعة كأبي الحسن أحمد بن المنادى وغيره إلى إظهارها عندها إظهاراً تاماً , وهو اختيار مكيّ القيسيّ وغيره , وهو الذي عليه أهل الأداء بالعراق وسائر البلاد الشرقية , وحكى أحمد بن يعقوب إجماع القراء عليه , قلت : والوجهان صحيحان مأخوذ بهما إلا إن الإخفاء أولى للإجماع على إخفائها عند القلب )) فمن قرأ بالإظهار لا نقول أنه أخطاء لأن هذا الوجه كان مقروءا به كما قرره بن الجزري والعمل عليه في وقتنا الإخفاء بسبب انقطاع الأسانيد التي فيها القول بالإظهار.

11. والبعض الآخر يقول بتبعيض الميم بمعنى أن الميم نصفها من الشفتين والنصف الآخر من عمل الخيشوم فلنأخذ القسم المتعلق بالخيشوم ونترك القسم المتعلق بالشفة وذلك , وهذا تعليل لا دليل عليه وفيه إسقاط للميم بالكلية . ومن عنده الدليل والحجة القاطعة فليأتنا به وأكون له من الشاكرين.

12. والبعض الآخر عند تلفظه للٌخفاء الشفوي لا ينطق ميما البتة بل ينطق بهاء ممطوطة نحو قوله تعالى (تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ )(الفيل: من الآية4) والسبب الذي أدى لهذا النطق الخاطئ أن القارئ وسع فرجة الشفتين , بل لا بد أن تخرجها مُسَلَمَة لا شية فيها بالإطباق للشفتين, مصاحبا ذلك غنة من الخيشوم وإن شئت أن تسمي ذلك إدغاما ناقصا فسمه صرح بذلك بعض العلماء المتقدمين .

{خاتمة البحث}

على القارئ أن يطبق شفتيه على الميم الساكنة عند القلب والإخفاء الشفوي واحذر من تغيير الصوت القرآني في الميم الساكنة واعلم أخي الحبيب أنك لو تركت فرجة عند الميم الساكنة فإنك لم تنطق بميم البتة لأن صوت الميم الساكنة لا يتحقق إلا بإطباق الشفتين فمثلا ا لو قرأ القارئ قوله تعالى (تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ)(الفيل: من الآية4) بترك فرجة بين الشفتين في صوت الميم فهو في الحقيقة لم ينطق ميما أبدا بل نطق بهاء ممطوطة وقال بعض العلماء أنه حذف حرف من التلاوة ولا أؤيد قول بعض إخواننا في موقع أهل القرآن بأن المصريين يقرءون بالفرجة حاليا ولكن العبرة بعصر الاحتجاج , وترك الفرجة بدعة صوتية حادثة في كتاب الله لا تعرف إلا في السنوات الخميس الأخيرة .

ومن نتائج هذا البحث التي توصلت إليها الآتي :
1. القول السائد عند علماء السلف الأوائل الإطباق . ومصنفاتهم تشهد بذلك .
2. القدماء قالوا بالإطباق للشفتين , وسمُّوا هذا العمل بالإخفاء الشفوي .
3. المعاصرون قالوا كيف نطبق الشفتين ونسميه إخفاء شفويا؟ فمن نقدم !!!!
4. التلامس والإطباق والكز على الشفتين لا يؤد إلى تغير صوت الميم .
5. الاحتراز المسمى ( بالكز ) من قول المُحدثين , قديما أطلقوا العبارة .
6. القول بالفرجة لا يمثل الصوت الصحيح للميم , بل هي من الأمر المحدثة .
7. القول بالفرجة , فيه إسقاط لصوت الميم بالكلية من لفظ التلاوة .
8. القول بالفرجة ينتشر بين المصريين بكثرة وغيرهم الكثير على الإطباق .
9. أجاز بعض العلماء المُحدثين العمل بالقولين في حد زعمه , ولا يصح ذلك .
10. أول من قال بترك الفرجة الشيخ السيد عامر عثمان رحمه الله .
11. قرأت على جميع شيوخي بالسند مطبقا للشفتين لم يشذ منهم رجل .

ولعلي أكون قد وفقت في تسليط الأضواء على هذه القضية, وهذا البحث جزء من أبحاثي في التجويد ولدي أبحاث أخرى بما أحدثه بعض العلماء المعاصرين الذين صنفوا في التجويد ووضعوا بعض المسائل في كتبهم , لا تعرف إلا من خلال مصنفاتهم , ولم يكن لها ذكر عند العلماء المتقدمين ومن على شاكلتهم من جيل الداني والشاطبي وبن الجزري .

ومن أبحاثي التي نشرت بالمواقع سابقا :
1. بحث ( صوت الميم الساكنة المخفاة بإطباق الشفتين )
2. بحث( التحذير من تلاوة القرآن بهذه الأحرف الإنجليزية)
3. بحث ( خلل وأخطاء التلفظ بأصوات الجوف )
4. بحث ( خلل وأخطاء التلفظ بأصوات الحلق )
5. بحث ( خلل وأخطاء التلفظ بأصوات اللسان )
6. بحث ( خلل وأخطاء التلفظ بأصوات الشفتين )
7. بحث ( أبحاث التجويد الصوتية لأحرف فاتحة الكتاب)
8. بحث ( شروط وضوابط الإجازة القرآنية )
9. بحث( كتاب أصوات القلقلة بين المتقدمين والمتأخرين )
10. بحث ( كتاب صوت الضاد الفصيحة التي نزل بها القرآن )
11. بحث ( طرق وتدريس القرآن والتجويد للشباب والفتيات )
12. بحث ( القواعد الأساسية لطرق حفظ ومراجعة القرآن الكريم)
وتحت الإنشاء أبحاث :
1. ( قاموس مخارج الأصوات العربية الفصيحة) نشرت بعضه بالمواقع وسوف أنشره بموقعي عن قريب .
2. بحث (خلل وأخطاء التلفظ بأصوات الحركات الثلاث الضمة والفتحة والكسرة) وهو من أهم أبحاث علم التجويد الصوتية .
3. شرح كتاب ( منظومة المفيد في علم التجويد للطيبي)
4. شرح كتاب ( التحديد في الإتقان والتجويد لأبي عمرو الداني )
5. شرح كتاب ( تنبيه الغافلين في تجويد الحروف للصفاقسي )
6. شرح كتاب( منظومة نونية السخاوي في التجويد ) خرج جزء منه بالموقع .
7. بحث ( نشأة علم التجويد وتاريخه إلى وقتنا المعاصر )
8. بحث ( الغنة ومراتبها بين المتقدمين والمتأخرين )
9. بحث ( القول بقبض وبسط الإصبع بين المتقدمين والمتأخرين )
10. بحث ( تقدير زمن الغنة بين المتقدمين والمتأخرين )
11. بحث ( تقدير زمن أصوات المد بين المتقدمين والمتأخرين )
12. بحث ( مراتب التفخيم بين المتقدمين والمتأخرين )
13. بحث ( مخارج أصوات الصفير ( الصاد والَّزاي والسين ) بين المتقدمين والمتأخرين )
14. بحث ( الظواهر الصوتية القرآنية والظواهر الصوتية العامية ) وهذا الأخير مهم جدا لكل قارئ ليُميز بين صوت الحرف القرآني وصوت الحرف العامي وغير ذلك كثير وعلى الجميع أن يعلموا ما أردت بذلك إلا وجه الله تعالى .
ملحوظة : هذه المادة مخصصة للنشر على الإنترنت ومن أراد نشرها أرضيا عليه الإذن الخطي من الباحث , وفي الأخر أسأله تعالى بأسماءه الحسنى وصفاته العلى أن يجعل لنا من لدنه سلطانا نصيرا ويزدنا بسطة في العلم وأن يتقبل منا صالح الأعمال وجميع المسلمين آمين .
بحث للباحث أ / فرغلي سيد عرباوي
باحث في علم الأصوات التجويدية
بريد إلكتروني :
[email protected]
[email protected]
موقعي المسمى ( موقع الشيخ فرغلي عرباوي للتجويد ) هذا رابطه
http://www.ammar-ca.com/Fargali/
 
الأخ الفاضل مصطفى علي

بحث كبير ومفيد

بارك الله فيكم

وجزاكم الله خيراً
 
وجزاك الله خيراً

وجزاك الله خيراً

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الكريم
السلام عليكم
وبعد
هناك عدة مواقع مهمة جداً في بحوثك التجويدية ، إلى وهي
ملتقى البحوث القراآنية
ملتقى أهل القرآن
فادخل على موقع
www.google.com
فابحث عنهم
كما ابحث عن لفظ ( إطباق الشفتين ) ، ( بفرجة خفيفة )
ستجد بحوثاً أخرى
وفقك الله تعالى إلى العلم وزادك حرصاً عليه
والسلام عليكم
 
الأخ الفاضل مصطفى علي

بارك الله لك

وبارك فيك

وسدد للحق خطاك
 
المشاركة الأصلية لمصطفى على
(تدغم الميم الساكنة إذا وليها ميم بعدها سواء في كلمة مثل ( الم – المص – المر )
لم أفهم هذه الأمثلة المذكورة هنا للحكم المذكور إذ لا نجد في هذه الكلمات ميمان وهذه الألفاظ الثلاثة حروف متقطعة ليست كلمات قال عبد الرحمن بن ناصر السعدي في تفسير (الم) -الكلمة الأولى حسب تعبير الأخ مصطفى- :[أما الحروف المتقتعة في أوئل السور ...] . وأرى أن هذا قد يكون خطأ مطبعي وإلا فهذه الحروف لا تصح مثالا للحكم المذكر . والله أعلم
 
الأخ الكريم لم أذكر شيئاً من قولي وإنما ذكرت بحثين في موضوع الإقلاب أحدهما لأستا كريم يرى أن لا بد من إحداث فرجة في نطق إخفاء الميم
وبحث آخر لأستاذ كريم يرى أنه يجب ألا تحدث فرجة ونسخت لك البحثان ولعلي وأنا أنسخ نسخ معهما أببحاث أخرى .
أما الكلام الذي ظننت حضرتك أنه لفظي ، فهو لفظ الأخ صاحب
رسالة فاصلة في صحة الفرجة في الميم المخفاة الساكنة
للمقرئ أبى عمر عبد الحكيم وهو من أعضاء منتدى البحوث القرآنية فشارك هناك وراسله بالذي تريد
 
المشاركة الأصلية لمصطفى على لم أفهم هذه الأمثلة المذكورة هنا للحكم المذكور إذ لا نجد في هذه الكلمات ميمان وهذه الألفاظ الثلاثة حروف متقطعة ليست كلمات قال عبد الرحمن بن ناصر السعدي في تفسير (الم) -الكلمة الأولى حسب تعبير الأخ مصطفى- :[أما الحروف المتقتعة في أوئل السور ...] . وأرى أن هذا قد يكون خطأ مطبعي وإلا فهذه الحروف لا تصح مثالا للحكم المذكر . والله أعلم

السلام عليكم
الأخ الفاضل : الحروف المقطعة تنطق بأسمائها ( لام ـ ميم ) فتلتقي الميم من (لام) مع الميم الأولي من ( ميم ) فيدغمان وبذلك يصح المثال، وهي كالكلمة الواحدة رسما بخلاف المعني ، ولا مشاحة في الاصطلاح إذا عرفت الحقائق والله أعلم .
 
عودة
أعلى