الإعجاز التشريعي في تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم

علي شهوان

New member
إنضم
25/12/2009
المشاركات
3
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
الإقامة
الأردن
[align=center]الإعجاز التشريعي في تعدُّد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم
علي شهوان
عضو لجنة الإعجاز القرآني في جمعية المحافظة على القرآن الكريم[/align]

نَصَّ القرآن العظيم على جواز أن يجمع المسلم بين أربع زوجات في وقت واحد، وأقرَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن يُبقي على زوجاته -علماً أن عددهنَّ أكثر من أربع- دون جريان حُكْم الإبقاء على أربع زوجات عليه صلى الله عليه وسلم. فرأى المستشرقون -خصوصاً- وباقي أعداء الإسلام -عموماً- ما يظنونه مدخلاً لهم في الطَّعْن بالرسالة والرسول صلى الله عليه وسلم من خلال نظام تعدد الزوجات في الإسلام -عموماً-، وجمعه صلى الله عليه وسلم بين أكثر من أربع زوجات -خصوصاً-.
ويمكن إجمال الردِّ على هذه الشبهة من خلال النقاط التالية:

أولاً: لم يكن فعل النبي صلى الله عليه وسلم بدعاً من أفعال الأنبياء، فقد بيَّن القرآن العظيم أن تَزَوُّج النبي صلى الله عليه وسلم النساء لا يتعارض مع نبوته. قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} [الرعد:38]، فمن الأنبياء من جمع بين أكثر من زوجة(1).

ثانياً: بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم في بيئة تعرف التعدد؛ بل لم يكن لديهم حدٌّ مُعَيَّنٌ من العدد يقفون عنده، واستمر الأمر بهم على هذا الحال إلى أن نزل القرآن بتحديد الجمع بين أربع زوجات فقط، وكان ذلك في السنة الثامنة للهجرة(2)، أي بعد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم من جميع زوجاته، فكانت آخرهن ميمونة رضي الله عنها، التي تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم في عُمْرَة القضاء سنة سبعٍ من الهجرة.
وقد أسلم غيلان بن سلمة الثقفي وتحته عشر نسوة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "اختر منهن أربعاً"(3). وقال قيس بن الحارث الأسدي: أَسْلَمْتُ وعندي ثماني نسوة، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "اختر منهن أربعاً"(4).
إذاً لم يكن جَمْع النبي صلى الله عليه وسلم بين أكثر من أربع زوجات خَدْشاً لنبوته ولا لمجتمعه.
"ومن هنا يظهر لنا أن الخصوصية للنبي صلى الله عليه وسلم كانت بإبقائه على زوجاته؛ لا بإباحة التعدد له بأكثر من أربع زوجات"(5).

ثالثاً: جعل القرآن العظيم الإباحة عند أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم إباحة عدد بينما النبي صلى الله عليه وسلم ليس له العدد، وإنما المعدود. والفرق بين العدد والمعدود: أن المعدود إنما أبيح للرسول صلى الله عليه وسلم بذاته، بحيث لو ماتت واحدة من زوجاته صلى الله عليه وسلم لا يأتي بواحدة مكانها، بينما تابِعُ الرسول صلى الله عليه وسلم إن ماتت واحدة من زوجاته أو طلَّقها يأتي بأخرى مكانها.
ما دام قد أبيح له المعدود صلى الله عليه وسلم ، فإن تلك بخصوصيته كما قال تعالى: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} [الأحزاب:52].
وهذا الحُكْم ليس لتابع من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم ، إذ يمكن أن يدور عند تابع النبي صلى الله عليه وسلم العدد أربعة، فقد يتزوج أربعة ثم يطلقهن، ثم يتزوج غيرهن، بينما النبي صلى الله عليه وسلم لا يستطيع أن يتزوج غير زوجاته الموجودات ولا بواحدة؛ حتى لو مُتْن جميعاً(6).

رابعاً: قد يكون في إبقاء النبي صلى الله عليه وسلم لزوجاته جميعاً خصوصية لهنَّ أيضاً؛ لأن القرآن العظيم حرَّم على المسلمين نكاح زوجات النبي صلى الله عليه وسلم من بعده، وجعلهن أمهات المؤمنين، فإذا افترضنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أبقى على أربع زوجات، وسرَّح الأخريات، فحينها لا يجوز لأي مسلم أن يتزوجهنَّ لأنهن أمهاتهم؛ فيحصل بذلك إضرار بهنَّ لمنعهن الزواج من غيره صلى الله عليه وسلم.
ومن جهة أخرى: إذا أُمِر من كان عنده أكثر من أربع زوجات أن يمسك على أربعٍ منهن ويفارق الباقي، فإن من فارقها تجد في المسلمين من يساوي أو يفضل زوجها فتنكحه، لكن كيف يمكن أن تحظى امرأة من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذه المنقبة عند غيره؟! أنها زوجة نبيٍّ!!

خامساً: بالنسبة لمن زعم أن الرسول صلى الله عليه وسلم رجلٌ غارق في حُبِّ النساء، وأنه مطواع لِسَوْقِ غرائزه له، أقول لهم: تزوج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة وهو ابن خمسٍ وعشرين سنة، وكانت ثيباً في الأربعين من عمرها، ولم يَعْرِف رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء قبلها أبداً، ولم يَمَسَّ لحمه لحم امرأة لا تحل له، فبقي مع خديجة رضي الله عنها خمساً وعشرين سنة، دون أن يتزوج عليها قبل نبوته -وهو من أجلِّ قريش نسباً ومكانة- ولا بعدها، فلو كان شهوانيّاً لما أنفق شبابه على امرأة تزيد عنه في العمر هذه المدة الطويلة دون أن يتزوج غيرها، ولا شيء يمنعه من ذلك.
ثم يتزوج من سودة بنت زمعة رضي الله عنها، تلك المرأة الثَّيِّب التي لم تَشْتَهِر بصباها وجمالها، إلى أن تزوج عائشة رضي الله عنها وهي الزوجة البِكْر الوحيدة من بين زوجاته صلى الله عليه وسلم ، تزوجها وقد دخل في السنة الثالثة والخمسين من عمره، ثم بعدها بنى بباقي زوجاته رضي الله عنهن، ولكل زواج حكاية عجيبة وهدف نبيل.
أين يكون اتباع الشهوة والجري وراءها في زوجات تزوجهن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه السِّنِّ المتأخرة، ومن نساء ثيبات إلا واحدة، ولم يعرف عنهن في غالبهن جمال وشباب؟! ويظهر ذلك من خلال أحاديث وروايات فيها إشارات لما قلته؛ ليس من الأدب ذكرها في معرض الكلام هنا!
أين يكون اتباع الشهوة والجري وراءها في شخص جمع بين هذا العدد من النسوة -اللاتي عرفنا من حالهن- قبل لحاقه بربه بثماني سنين، جمع فيها بين جهد الدعوة والجهاد وتنظيم أمور الدولة والعبادة و..؟! لا أدري أين تكون الشهوة بين هذا الكَمِّ الكبير من المسؤوليات والأعباء!
أين يكون اتباع الشهوة والجري وراءها في حياة من إذا نام أَثَّرَ الحَصِير في جنبه؟! ويعيش وزوجاته في بيوت لا توقد فيها النار شهرين، لا يجد أهلها طعاماً غير التمر والماء، ويأتي ضيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيذهب النبي العظيم صلى الله عليه وسلم إلى بيوت نسائه فلا يجد ما يطعم به ضيفه؛ فَيُحَوِّلُهُ إلى أحد أصحابه(7)!
قال العقاد: "لقد أقام زوجات النبي صلى الله عليه وسلم في بيت لا يجدن فيه من الرَّغَد ما يجده الزوجات في بيوت الكثيرين من الرجال، مسلمين كانوا أو مشركين. وعلى هذا الشرف الذي لا يدانيه عند المرأة المسلمة شرف الملكات أو الأميرات، شَقَّت عليهن شدَّة العيش في بيت لا يُصِبْن فيه من الطعام والزينة فوق الكفاف، والقناعة بأيسر اليسير، فاتفقن على مفاتحته في الأمر، واجتمعن يسألنه المزيد من النفقة، وهي موفورة لديه لو شاء أن يزيد في حصته من الفيء، فلا يعترضه أحد ولا يحاسبه عليه.
إلا أن الرجل المُحَكََّم في الأنفس والأموال -سيد الجزيرة العربية- لم يستطع أن يزيدهن على نصيبه ونصيبهن من الطعام والزينة، فأمهلهن شهراً وخيَّرهن بعده أن يفارقنه، ولهن منه حق المرأة المفارقة من المتاع والحسنى، أو يَقْبَلْنَ ما قَبِلَه لنفسه معهن من ذلك العيش الكفاف.
ومن وقف على أسباب التنزيل، وليس بينها ما هو أشهر في كتب التفسير من أسباب نزول هذه الآيات من سورة الأحزاب: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً . وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الله وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ الله أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً}(8) [الأحزاب: 28-29]، تبيّن له أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يلتفت إلى الشهوة؛ فضلاً عن الجري وراءها.
وأَقول للمبشرين المحترفين ولعاً بالتفتيش عن خفايا السيرة النبوية: خليق أن يُطَّلَع على تفاصيل هذا الحادث بحذافيره؛ لأنه ورد في القرآن الكريم خاصّاً بالمسألة التي يتكالب المبشرون المحترفون على استقصاء أخبارها، وإحصاء شواردها، وهي مسألة الزواج وتعدد الزوجات"(9).

سادساً: لم يكن زواجه صلى الله عليه وسلم من زوجاته واختياره لهن لأجل الشهوة ولو مرة واحدة، فالذي يتتبع كيف تزوجهن صلى الله عليه وسلم ولماذا تزوجهن يرى فعلاً أن الشهوة ليست الدافع وراء زواجه منهن، وإنما كانت صلة الرحم ورفع المهانة هي الباعث الأكبر في نفسه الشريفة على التفكير في الزواج بهن، ومعظمهن كنَّ أرامل فقدن الأزواج أو الأولياء.
وباختصار سأطوِّف مع حِكَم وأسباب زواجه صلى الله عليه وسلم من أمهات المؤمنين:
تزوج النبي صلى الله عليه وسلم سودة بنت زمعة بعد موت خديجة رضي الله عنها، فبعد أن مات زوج سودة، لم تقدر أن ترجع إلى أهلها الكفار، وقد فرّت بدينها من قبل خوفاً منهم أن يعيدوها إلى الشرك، ولم يكن من يكفلها، فكفلها النبي صلى الله عليه وسلم بأن تزوجها.
ثم بعد شهر عقد على عائشة رضي الله عنها، والحكمة في ذلك كالحكمة في التزوج من حفصة رضي الله عنها، وهي إكرام صاحبيه -أبي بكر وعمر رضي الله عنهما- بمصاهرته لهما.
وأما التزوج بزينب بنت جحش فالحكمة فيه تعلو كل حكمة، وهي إبطال تلك البدع في الجاهلية التي كانت لاحقة ببدعة التبني كتحريم التزوج بزوجة المتبنى بعده.
وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم بجويرية بنت الحارث -سيد بني المصطلق- فقد كان المسلمون أسروا من قومها مئتي بيت بالنساء والذراري، فأراد صلى الله عليه وسلم أن يعتق المسلمون هؤلاء الأسرى، فتزوج بسيدتهم؛ فقال الصحابة عليهم الرضوان: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينبغي أسرهم وأعتقوهم؛ فأسلم بنو المصطلق لذلك أجمعون.
وقبل ذلك تزوج صلى الله عليه وسلم بزينب بنت خزيمة بعد أن قُتل زوجها عبدالله بن جحش، وذلك لفضلها وعطفها على المساكين، فكان زواجه صلى الله عليه وسلم مكافأة لها، وهذه ماتت في حياته.
وتزوج بعدها أم سلمة رضي الله عنها، وكان زوجها قبل النبي صلى الله عليه وسلم عبدالله أبو سلمة -ابن عمة النبي صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة-، ترك لها أيتاماً صغاراً، فتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم واحتضن أولادها.
وأما زواجه بأم حبيبة رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنهما فكان مواساة لها بعد تَنَصُّر زوجها أثناء هجرتها في الحبشة، وهو أيضاً من باب التقريب بين قومها -خصوصاً أبوها- وبين الإسلام.
وتظهر حكمة زواجه من صفية بنت حيي بن أخطب سيد بني النضير من قول الصحابة رضي الله عنهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها سيدة بني قريظة والنضير لا تصلح إلا لك، فاستحسن رأيهم وأبى أن تذل هذه السيدة؛ بأن تكون أسيرة عند من تراه دونها؛ فأعتقها وتزوجها.
وكانت ميمونة بنت الحارث آخر أزواجه صلى الله عليه وسلم ، والذي زوجها منه هو عمه العباس، وهي خالة عبدالله بن عباس وخالد بن الوليد، ولعل الحكمة في تزوجه  بها تَشَعُّب قرابتها في بني هاشم وبني مخزوم.
فلو كان عليه السلام أراد بتعدد الزواج ما يراه الملوك والأمراء من التمتع بالحلال فقط لاختار حسان الأبكار على أولئك الثيبات المكتهلات، كما قال لمن اختار ثيباً: "هلاّ بكراً تلاعبها وتلاعبك" والحديث في "الصحيحين" قاله صلى الله عليه وسلم لجابر بن عبدالله(10).

سابعاً: كان لتزوجه صلى الله عليه وسلم منهن رضي الله عنهن هدف آخر عظيم؛ وهو تبليغ الدعوة، لا سيما أنه النبي الخاتم، خصوصاً في الأمور التي تتعلق بأحكام النساء ويتحرج من ذكرها الرجال.
"وزوجات الرسول صلى الله عليه وسلم خير معاون على تبليغ الرسالة باعتبارهنَّ المصدر الأساسي في الوقوف على خصائص بيت النبوة وأسراره الداخلية والتشريعية، ومعرفة دقائق الأحكام، وخاصة فيما يتعلق بأحكام النساء، مما هو مناط التشريع، حيث لا يصلح أحد غيرهن في الوقوف على ما يريده الرسول صلى الله عليه وسلم دون حياء، أو تردد من الإفضاء به، لما يرافقه من الحساسية التي يتورع الرجل أن يتباسط فيها مع النساء الغريبات عنه، ومن هنا كانت زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم مشاعل حكمة ورسل دعوة"(11).
وبعد أن تبين الرشد من الغي، لا يسع المسلم إلا أن يفخر بدينه وبنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم ، الذي قال الله عنه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو الله وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ الله كَثِيراً} [الأحزاب:21].
"إن المبشرين لم يكشفوا من مسألة الزواج في السيرة النبوية مقتلاً يصيب محمداً، أو يصيب دعوته من ورائه، ولكنهم كشفوا منها حُجَّة لا حُجَّة مثلها في الدلالة على صدق دعوته، وإيمانه برسالته، وإخلاصه لها في سرِّه، كإخلاصه لها في علانيته، ولولا أنهم يعوّلون على جهل المستمعين لهم لاجتهدوا في السكوت عن مسألة الزواج خاصة أشد من اجتهادهم في التشهير بها واللغط فيها.
وقصارى القول في الخصوصية النبوية أنها لم تكن (امتيازاً) من امتياز القوة المسيطرة لتسخير المرأة في مرضاة خيلاء الرجل، وحبِّه للمتعة الجسدية، ولكنها كانت آية أخرى من معدن الأحكام القرآنية فيما تسفر عنه من عطف على المرأة وحياطة لها من مواقع الجَوْر والإذلال"(12).


الهوامش:
1. الغريب أن المستشرقين من أهل الكتاب خصوصاً يعيبون على النبي صلى الله عليه وسلم أنه تزوج النساء وجمع بين هذا العدد منهن، وهم يروون أن سليمان عليه السلام كان عنده ثلاثمئة امرأة مهيرة -لها مهر- وسبعمئة سرية، ولداود عليه السلام مئة امرأة، وهم من أنبياء بني إسرائيل. ينظر: تفسير الرازي (20/69).
2. ذكر المفسرون أن سورة النساء مدنية، وأنها نزلت في السنة الثامنة من الهجرة. ينظر: في ظلال القرآن (1/554).
3. رواه الترمذي في كتاب النكاح، باب (ما جَاءَ فِي الرَّجُلِ يُسْلِمُ وَعِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَة)، رقم (1128)، وابن ماجه في كتاب النكاح، باب (الرجل يسلم وعنده أكثر من أربع نسوة)، رقم (1953)، وابن حبان في "صحيحه"، رقم (4230).
4. رواه أبو داود في كتاب الطلاق، باب (في مَنْ أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ نِسَاءٌ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ أَوْ أُخْتَان)، رقم (1914)، وابن ماجه في كتاب النكاح، باب (الرَّجُلِ يُسْلِمُ وَعِنْدَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ)، رقم (1952)، وصححه الألباني. ينظر: صحيح سنن أبي داود.
5. عبد الرحمن الصابوني، أحكام الزواج في الفقه الإسلامي وما عليه العمل في دولة الإمارات العربية المتحدة، ص186.
6. للاستزادة حول هذه النقطة ينظر: الشعراوي، دروس في بناء الأسرة المسلمة، ص17-26.
7. كل ما قلته ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في كتب الصحاح، وهناك أحاديث أخرى ثابتة تدل على تقلَّله  من شهوات الدنيا، يمكن الرجوع إليها في كتب السنة والسيرة والزهد.
8. للوقوف على تفصيل سبب نزول الآية ينظر: تفسير أبي السعود (5/222)، وابن عجيبة، البحر المديد في تفسير القرآن المجيد (6/22).
9. عباس محمود العقاد، المرأة في القرآن، ص131-132.
10. ينظر: محمد رشيد رضا، تفسير المنار (4/ 305-308).
11. أبو ليلى، الزواج وبناء الأسرة، ص232.
12. العقاد، المرأة في القرآن، ص135.
 
مرحباً بالأخ العزيز الدكتور علي شهوان بين إخوانه في ملتقى أهل التفسير ، وأسال الله أن ينفع به وبعلمه . وسنترقب بشوق لمقالاتكم العلمية الثريَّة .

ومضة ..
ألا ترى يا دكتور علي أن إطلاق وصف الإعجاز بقولكم : (الإعجاز التشريعي في تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم) فيه نوع من التجوز في استخدام مصطلح الإعجاز. ولو قيل : الحكمة في تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم) لكان أدق، وكان في ذلك إبقاء لمصطلح الإعجاز في دائرته التي خصصه بها من كتب في إعجازالقرآن من المحررين ، حيث أكثر الباحثون المعاصرون من استخدام مصطلح (الإعجاز) حتى (ساحَ) معناه ودخل في كل شيء .
 
الإعجاز في حياة النبي صلى الله عليه وسلم:
* يقوم الليل حتى تتفطر قدماه.
* يبلغ الوحي
* يدعو إلى الله
* يربي أصحابه ويعلمهم
* يقضي بين الناس
* يدير شؤون الأمة ويتابع ما يدور من أحداث
* يجاهد في سبيل الله
* يتمثل الأحكام في حياته اليوميه: يوم الناس في الصلاة ،ويعود المريض ، ويتبع الجنازة،ويصلح بين الناس ،و يسعى في قضاء الحوائج............
*يقوم بواجبه نحو زوجاته
فمن مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
من يقدر على ما كان يقدر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
 
أنا مع الدكتور عبد الرحمن، في أن ما تفضل به الأخ علي، لا يعتبر من الإعجاز، وخصوصاً أن الإعجاز يقترن بالتحدي، فأين التحدي في تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم؟
الأمر لا يحتاج إلى تحدي، بل هو محرّم على غير نبينا عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
 
مرحباً بالأخ العزيز الدكتور علي شهوان بين إخوانه في ملتقى أهل التفسير ، وأسال الله أن ينفع به وبعلمه . وسنترقب بشوق لمقالاتكم العلمية الثريَّة .

ومضة ..
ألا ترى يا دكتور علي أن إطلاق وصف الإعجاز بقولكم : (الإعجاز التشريعي في تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم) فيه نوع من التجوز في استخدام مصطلح الإعجاز. ولو قيل : الحكمة في تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم) لكان أدق، وكان في ذلك إبقاء لمصطلح الإعجاز في دائرته التي خصصه بها من كتب في إعجازالقرآن من المحررين ، حيث أكثر الباحثون المعاصرون من استخدام مصطلح (الإعجاز) حتى ساح معناه ودخل في كل شيء .

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بداية أرحب بكم أخي الحبيب الدكتور علي شهوان في هذا الملتقى وإن كنت أعد نفسي ضيفا على أهله
وأثني على ما أضافه الأخ الحبيب الدكتور عبد الرحمن الشهري في أمر الإعجاز ، ذلك أن المعنى الظاهر للإعجاز هو إيقاع الغير في العجز ، وتعريف المعجزة وأركانها لا يخفى على حضراتكم ، وأقل ما يقال فيها أنها أمر خارق للعادة ....
وزواج النبي صلى الله عليه وسلم لا تتحقق فيه أركان المعجزة وشروطها ، فالأولى أن يوصف المقال بما أشار به الدكتور عبد الرحمن .
وبارك الله فيكم وسدد على طريق الخير خطاكم
 
بعد التأمل والنظر
أقف إلى جانب الدكتور علي شهوان
وأقول إنه يمكن أن نقول إن هناك إعجازا تشريعيا في تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم.
فلم يسبق في تاريخ البشرية أن عرفت أحكام تنظم حياة الأسرة من خلال القدوة إلا ما حدث في بيت النبوة.
وتأملوا لو أن هذه الأحكام قد جاءت في نصوص قرآنية غير مرتبطة بأحداث واقعية كالتي حدثت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم هل سيكون لها نفس الأثر؟

وتأملوا قول الله تعالى:
(وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ) سورة الأحزاب(34)
وتاملوا الفاصلة بالذات.

يقول الطاهر بن عاشور رحمه الله تعالى:

"لما ضمِن الله لهن العظمة أمرهن بالتحلي بأسبابها والتملّي من آثارها والتزود من علم الشريعة بدراسة القرآن ليجمع ذلك اهتداءَهن في أنفسهن ازدياداً في الكمال والعلم ، وإرشادَهن الأمة إلى ما فيه صلاح لها من علم النبي صلى الله عليه وسلم
وفعل { اذْكُرن } يجوز أن يكون من الذُّكر بضم الذال وهو التذكّر ، وهذه كلمة جامعة تشمل المعنى الصريح منه ، وهو أن لا ينسَيْن ما جاء في القرآن ولا يغفلن عن العمل به ، ويشمل المعنى الكنائي وهو أن يراد مراعاة العمل بما يتلى في بيوتهن مما ينزل فيها وما يقرأه النبي صلى الله عليه وسلم فيها ، وما يبيّن فيها من الدين ، ويشمل معنى كنائياً ثانياً وهو تذكر تلك النعمة العظيمة أَن كانت بيوتهن موقع تلاوة القرآن .
ويجوز أن يكون من الذِّكر بكسر الذال ، وهو إجراء الكلام على اللسان ، أي بلّغْنَه للناس بأن يقرأن القرآن ويبلغن أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته . وفيه كناية عن العمل به . والتلاوة : القراءة ، أي إعادة كلام مكتوب أو محفوظ ، أي ما يتلوه الرسول صلى الله عليه وسلم و { من آيات الله والحكمة } بيان لما يتلى فكل ذلك متلوّ ، وذلك القرآن ، وقد بين المتلو بشيئين : هما آيات الله ، والحكمة ، فآيات الله يعم القرآن كلَّه ، لأنه معجز عن معارضته فكان آية على أنه من عند الله .
وعطف { والحكمة } عطف خاص على عام وهو ما كان من القرآن مواعظ وأحكاماً شرعية ، قال تعالى بعد ذكر الأحكام التي في سورة الإِسراء ( 39 ) { ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة } أي ما يتلى في بيوتهن عند نزوله ، أو بقراءة النبي ودراستهن القرآن ، ليتجدد ما علِمْنه ويلمع لهن من أنواره ما هو مكنون لا ينضُب معينه ، وليكُنّ مشاركاتتٍ في تبليغ القرآن وتواتره ، ولم يزل أصحاب رسول الله والتابعون بعدهم يرجعون إلى أمهات المؤمنين في كثير من أحكام النساء ومن أحكام الرجل مع أهله ، كما في قوله تعالى : { اذكرني عند ربك } [ يوسف : 42 ] ، أي بلغ خبر سجني وبقائي فيه .
وموقع مادة الذكر هنا موقع شريف لتحملها هذه المحامل ما لا يتحمله غيرها إلا بإطناب . قال ابن العربي : إن الله تعالى أمر نبيئه عليه الصلاة والسّلام بتبليغ ما أنزل إليه فكان إذا قرأ على واحد أو ما اتفق سقط عنه الفرض ، وكان على من تبعه أن يبلغه إلى غيره ولا يلزمه أن يذكره لجميع الصحابة .
وقد تكرر ذكر الحكمة في القرآن في مواضع كثيرة ، وبيّنّاه في سورة البقرة .
وتقدم قريباً اختلاف القراء في كسر باء ( بيوت ) أو ضمها .
وجملة { إن الله كان لطيفاً خبيراً } تعليل للأمر وتذييل للجمل السابقة .
والتعليل صالح لمحامل الأمرِ كلها لأن اللطف يقتضي إسداء النفع بكيفية لا تشقّ على المُسدَى إليه .
وفيما وُجّه إلى نساء النبي صلى الله عليه وسلم من الأمر والنهي ما هو صلاح لهن وإجراء للخير بواسطتهن ، وكذلك في تيسيره إياهن لمعاشرة الرسول عليه الصلاة والسلام وجعلهن أهل بيوته ، وفي إعدادهن لسماع القرآن وفهمه ، ومشاهدة الهدي النبوي ، كل ذلك لطف لهن هو الباعث على ما وجهه إليهن من الخطاب ليتلقّيْن الخبرَ ويبلغنه ، ولأن الخبير ، أي العليم إذا أراد أن يُذهب عنهن الرجس ويطهرهن حصل مراده تاماً لا خلل ولا غفلة .
فمعنى الجملة أنه تعالى موصوف باللطف والعلم كما دلّ عليه فعل { كان } فيشمل عمومُ لطفِه وعلمِه لطفَه بهن وعلمَه بما فيه نفعهن ."
 
بارك الله فيكم
أتفق مع الدكتور عبد الرحمن في ملاحظته .. وأنا لما قرأت عنوان الموضوع هممت أن أدخل عليه لأضع هذا التعقيب.
أقول وبالله التوفيق،
إن إدخال مفهوم الإعجاز في التشريع فيه نظر. ذلك أن الإقرار بعلم الله تعالى وسعة حكمته أمر مبني على الإيمان به أولا، سبحانه وتعالى، والإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم! والحكمة من الشرائع الربانية قد تظهر للناس وقد لا تظهر، واستخراجها محل اجتهاد وظن كما لا يخفى، فكيف يقال إن تشريع الإسلام بتحليل كذا أو بتحريم كذا فيه إعجاز إذ الحكمة - كما نظن نحن اجتهادا - من ذلك التشريع هي كذا وكذا؟
ليس هذا بما يقال له إعجاز على وفق المفهوم الصحيح للإعجاز الذي تقوم به الحجة الرسالية..
ولعل الأقرب أن يقال إن الإعجاز بتشريع الله تعالى يمكن أن يقع بتحدي الكفار بأن يأتوا فيه بنقيصة أو بمأخذ معتبر عقلا أو بالدليل التجريبي، فهذا وجه صحيح من وجوه التحدي التي يمكن أن يقال إن فيها إعجازا لهم! إذ الخطأ والنقص يدخل في تشريع البشر ولكنه ممتنع على الله تعالى.. ولكن يشكل على هذا التوجيه للإعجاز أن أكثر أحكام الإسلام اجتهادية وقع فيها الخلاف .. والنص مبرأ من سوء فهم الناظر فيه، ومن اختلاف الأفهام عليه.. فإن أردنا الاحتجاج بإعجاز التشريع، فلعله ينبغي أن يُتنبه إلى ضرورة أن يُشترط على من نتحداه بهذا ألا يأتينا بقول واحد في مسألة فيها عدة أقوال، ويقول لقد تبين فيها النقص والضرر بالدليل (مثلا)! فاجتهادات البشر قابلة للإصابة والخطأ، ولكن إجماع الأمة معصوم، فلا يمكن أن يثبت بطلان سائر ما اجتمع للأمة من أقوال في مسألة من المسائل! وهذا وجه للتحدي بالتشريع معتبر كذلك، والله أعلم.

وعليه فكيف يقال إن في زواج النبي عليه السلام من أكثر من امرأة إعجازا، وقد كان تعدد الزوجات هو الأصل في الجاهلية، وكان كل أحد يفعله؟
فإن قيل إن الإعجاز في تشريع حد أقصى لعدد الزوجات، قلنا فأين البرهان الدامغ على أن من تزوج خمسة نسوة - مثلا - يتعرض لضرر أو لشر - مما يقبل القياس الإمبريقي أو الإثبات العقلي النظري - لا يتعرض لمثله من وقف عند حد الأربعة الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم؟ هذا لا يمكن إثباته! ثم إن محمدا عليه السلام كان مجاوزا لهذا الحد الذي شرع لبقية البشر، فما الضابط وما العلة؟ هنا محل اجتهاد يصيب فيه من يصيب ويخطئ من يخطئ، ولا يمكن جعله وجها من وجوه الإعجاز، والله أعلم.

كل هذا على التسليم بأن الإعجاز - بمعنى الإعجاز - يصح أن يوصف به ما لم يرد النص الصريح على تحدي الكفار به! وأنا لا أرى ذلك!
بل الصواب أن يقال إنها من دلائل صدق النبوة، إذ لو لم يكن هذا الشرع من عند رب العالمين حقا، لوجدتم فيه كذا وكذا ..
وهذا التوسع في إطلاق مصطلح الإعجاز في الحقيقة قد ضر الدعوة - في نظري - ضررا بالغا، إذ لما انضاف إلى دائرة ما نصفه نحن بالإعجاز أمور ظنية كثيرة، ونظريات وافتراضات وكذا، وأصبح عشرات من الأبحاث التي تدعي الإعجاز في الكتاب والسنة معرضة لأن تسقط وتنسف بقيام نظريات أخرى واكتشافات أخرى تبطل ما تمسك به أصحابها، أصبح المخاطبون بهذا الإعجاز معرضون للتشكيك والتشنيع علينا ورد مفهوم الإعجاز عندنا بمجمله! وقد رأيت بعض النصارى يقولون إن المسلمين يحسنون لي أعناق القرءان ليدخلوا فيه أي شيء يريدونه، ووالله ما كذبوا، إذ هذا حال كثير من تلك الأبحاث بكل أسف، والله المستعان.
 
وهذا التوسع في إطلاق مصطلح الإعجاز في الحقيقة قد ضر الدعوة - في نظري - ضررا بالغا، إذ لما انضاف إلى دائرة ما نصفه نحن بالإعجاز أمور ظنية كثيرة، ونظريات وافتراضات وكذا، وأصبح عشرات من الأبحاث التي تدعي الإعجاز في الكتاب والسنة معرضة لأن تسقط وتنسف بقيام نظريات أخرى واكتشافات أخرى تبطل ما تمسك به أصحابها، أصبح المخاطبون بهذا الإعجاز معرضون للتشكيك والتشنيع علينا ورد مفهوم الإعجاز عندنا بمجمله! وقد رأيت بعض النصارى يقولون إن المسلمين يحسنون لي أعناق القرءان ليدخلوا فيه أي شيء يريدونه، ووالله ما كذبوا، إذ هذا حال كثير من تلك الأبحاث بكل أسف، والله المستعان.

بارك الله فيك
أنا أقول استشهادك بكلام بعض النصارى في غير محله
وأنت تقول: ووالله ما كذبوا. وأنا أقول: والله ما صدقوا.
وأنا أوافقك ليس كل من تكلم في باب الاعجاز أصاب الحقيقة ولكنها اجتهادات كبقية اجتهادات المفسرين فلو جاز أن نرد كلام كل من تكلم في الإعجاز لأن البعض أخطأ فيه فإنه يجوز أن نرد كل التفسير لأن البعض أخطأ فيه.
وأرى أن الأجدى لمن ينتقد القول في الإعجاز أن يكف عن التنظير ويتناول الأبحاث التي يرى أن الصواب جانبها وليبين ذلك الناس وبهذا يقطع الطريق على من يحاول أن يطنع في الإسلام من هذا الجانب ويرد عليه مثل ما يرد على الطاعنين في القرآن من خلال التفسيرات المجانبة للصواب بالتفسير الحق.
والتشريع وجه من وجوه إعجاز القرآن ولا يرد عليه ما ذكرت من اختلاف الاجتهادات فالمتفق عليه كافٍ في ظهور الجانب الإعجازي.
وجوانب الإعجاز في القرآن من دلائل النبوة بل هو أعظمها فالتفريق بين دلائل النبوة والإعجاز غير دقيق من وجهة نظري.
ووجه الإعجاز في تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ليس في العدد وإنما هو في الأهداف التي تحققت من وراء هذا التعديد، ولو أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد تحقيق تلك الأهداف من خلال التعديد بمعزل عن توجيهات الوحي لما تحقق له ذلك لأن ذلك فوق الطاقة البشرية.
 
وأنا أوافقك ليس كل من تكلم في باب الاعجاز أصاب الحقيقة ولكنها اجتهادات كبقية اجتهادات المفسرين فلو جاز أن نرد كلام كل من تكلم في الإعجاز لأن البعض أخطأ فيه فإنه يجوز أن نرد كل التفسير لأن البعض أخطأ فيه.
أحسن الله إليك، قياسك اجتهادات الباحثين في الإعجاز على اجتهادات المفسرين قياس مع الفارق، فالمفسرون لم يخرجوا بأبحاث يربطون فيها بين نظريات العلوم الدنيوية وكلام رب العالمين على وجه التحدي! ونعم صحيح من المفسرين من يخطئ في اجتهاده، ولكنه لم يخرج يتحدى الكفار باجتهاده ذاك!
المشكلة يا أخي الكريم في تحدي الكفار بما لم يرد النص على التحدي به من القرءان أو السنة.. فهذا فضلا عن كونه تأليا على الشارع - إذ هو سبحانه لم يُنزل في الوحي هذا الكلام الذي تأولوه على هذا التأويل ليتحدى به أحدا (وفرق بين التحدي الذي هو معنى الإعجاز، وبين إضافة دليل جديد على صدق النبوة) - فإنه كذلك من المجازفة، ومن تعريض القرءان والسنة للعبث والتكذيب!

الاعتراض على استعمال لفظة إعجاز Miracle في أبحاث القوم اعتراض وجيه من هذه الجهة.. إذ صاحب النظرية مجتهد فيها قد يصيب وقد يخطئ، والذي يتأول النص القرءاني ليوافق تلك النظرية مجتهد في ذلك أيضا، فهو ظن فوق ظن..

ولو أنه خرج ليقول: لو صحت هذه النظرية وصح قبول هذا النص لهذا التفسير تفريعا على وجه من الوجوه الصحيحة التي لا تخرج على فهم السالفين له، فهذا من الأدلة على صدق الوحي إذ تكلم النص في مادة تلك النظرية ولم يخالفها، ومعلوم أن النبي تكلم بهذا الكلام قبل أربعة عشر قرنا، فلو كان من رأسه وليس من عند الخالق جل وعلا لتعرض للوقوع في الخطأ! فهذا مما يضاف إلى أدلة صدق النبوة من هذا الوجه.
فبمثل هذا الكلام يبين المتكلم أن هذا تفسيره الظني للنص، وهو يحتمل الصواب والخطأ، وأن النظرية تلك قد يثبت بطلانها في أي وقت، فيسقط حينئذ اجتهاده ذاك في إدخالها في التفسير ويسقط الاستدلال بها على صدق النبوة - وسقوط دليل مما استدل به بعض الناس اجتهادا على دعوى من الدعاوى التي لها مئات بل آلاف من الأدلة، لا يثبت به بطلان تلك الدعوى عند أحد من العقلاء. فنسلم بذلك من الاتهام بلي أعناق النصوص ويتضح للجميع مورد احتمال الخطأ في الكلام بما لا يضر الدعوة ولا يضر كتاب الله.

أما عندما يخرج يقول: "سأثبت لكم إعجاز القرءان، فتأملوا في هذا النص كيف أن صاحبه كان يعلم بهذا المعنى الذي تكلم به فلان في نظريته ولم يكن يعلمه أحد قبل أربعة عشر قرنا! فأتحداكم أن تأتوا بنص مثله من كتب الأولين فيه مثل تلك الموافقة!"
هذا يجازف مجازفة كبيرة، ويتحدى في غير محل التحدي! إذ هو يجزم - ولابد - أولا بأن النبي عليه السلام قد علمه ربه بهذا النص هذا المعنى وأن هذا هو مراده منه لا غير.. ويجزم ثانيا بأن أحدا من العلماء بالفلك وغيره في ذلك الزمان لم يكن قد توصل لمثل هذا الاكتشاف (وهذا في كثير من الأحيان يكون عرضة للأخذ والرد، إذ قد تثبت الاكتشافات الأركيولوجية خلافه).
والكلام فيه مجازفة أخرى إذ لازم التحدي أنك تقول: إيتوني بكتاب سماوي آخر مما ينسب إلى رب العالمين أو إلى كاتب من كتب البشر، جاء فيه كلام لم يعرف بالحس والمشاهدة إلا حديثا بالمكتشفات العلمية!
فعلى هذا المعنى، يدعي الباحث أنه لا يوجد في الأرض كتاب مما يقدسه أصحاب الملل الأخرى وافق بعض المكتشفات الحديثة، وهذا غير صحيح! بل عند النصارى مباحث مشابهة يردون بها على الملاحدة، يستخرجون بها نصوص موافقة لأمور لم تعرف إلا حديثا، ويمكنك مطالعة هذا الرابط لترى بعض ما عندهم من هذا:

http://www.livingwaters.com/witnessingtool/scienceconfirmsthebible.shtml

ونحن نقول: ليس هذا دليلا على صدق رسالتكم ولا كتابكم، لأن الكتاب ثابت فيه بما لا يقبل النفي وقوع التعارض والتناقض وأصول ملتكم فاسدة عقلا بما يغني عن بيانه!
فحتى لو صح أن شيئا من تلك النصوص التي عندكم قد وافق العلم الحديث بعضها، فإنه قد يكون سبب ذلك كون النص من بقايا الحق الذي كان عندكم وضيعتموه، وقد تكون تلك الموافقة من محض المصادفة ولا تدل على شيء!!
فإن كان هذا ما نرد به على دعوى النصارى صدق كتابهم بمثل هذه الأمور، فبمثله يرد على الباحثين عندنا إذ يريدون الإعجاز بها على المعنى الذي تقدم!
ولعل التحدي بأمثال هذه الموافقات يحتاج إلى نظرة أشمل من نظرة إخواننا الباحثين..
فأقول إنه يمكن إعجاز الكفار بتلك الموافقات - على المعنى الصحيح للإعجاز - بأن يطالَبوا بالإتيان بآية واحدة خالف فيها المكتشف العلمي الحديث نصا واحدا من نصوص القرءان! يعني يتحدوا بإثبات وجود المخالفة، لا بمجرد وقوع آحاد الموافقات!!
فهذا يكون حينئذ تفريعا على تحدي الله تعالى لهم بأن يأتوا بمثله، إذ ليس في الأرض كتاب واحد فيما عدا القرءان كُتب قبل ألف وأربعمئة سنة، وورد فيه كل هذا الكلام عن خلق المساوات والأرض وعن غير ذلك من آيات الكون، وليس فيه خطأ واحد ولا مخالفة واحدة لما توصل العلم الحديث لإثباته من الحقائق،
أما سائر الكتب الأخرى المنسوبة إلى الرب الخالق جل وعلا عند أهل الملل القديمة فحدث بما فيها من المخالفة ولا حرج!
هذا وجه صحيح للتحدي والإعجاز أقول به وأدعو إخواننا الباحثين في الإعجاز العلمي لاعتباره..
 
عودة
أعلى