[align=center]الإعجاز التشريعي في تعدُّد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم
علي شهوان
عضو لجنة الإعجاز القرآني في جمعية المحافظة على القرآن الكريم[/align]
نَصَّ القرآن العظيم على جواز أن يجمع المسلم بين أربع زوجات في وقت واحد، وأقرَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن يُبقي على زوجاته -علماً أن عددهنَّ أكثر من أربع- دون جريان حُكْم الإبقاء على أربع زوجات عليه صلى الله عليه وسلم. فرأى المستشرقون -خصوصاً- وباقي أعداء الإسلام -عموماً- ما يظنونه مدخلاً لهم في الطَّعْن بالرسالة والرسول صلى الله عليه وسلم من خلال نظام تعدد الزوجات في الإسلام -عموماً-، وجمعه صلى الله عليه وسلم بين أكثر من أربع زوجات -خصوصاً-.
ويمكن إجمال الردِّ على هذه الشبهة من خلال النقاط التالية:
أولاً: لم يكن فعل النبي صلى الله عليه وسلم بدعاً من أفعال الأنبياء، فقد بيَّن القرآن العظيم أن تَزَوُّج النبي صلى الله عليه وسلم النساء لا يتعارض مع نبوته. قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} [الرعد:38]، فمن الأنبياء من جمع بين أكثر من زوجة(1).
ثانياً: بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم في بيئة تعرف التعدد؛ بل لم يكن لديهم حدٌّ مُعَيَّنٌ من العدد يقفون عنده، واستمر الأمر بهم على هذا الحال إلى أن نزل القرآن بتحديد الجمع بين أربع زوجات فقط، وكان ذلك في السنة الثامنة للهجرة(2)، أي بعد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم من جميع زوجاته، فكانت آخرهن ميمونة رضي الله عنها، التي تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم في عُمْرَة القضاء سنة سبعٍ من الهجرة.
وقد أسلم غيلان بن سلمة الثقفي وتحته عشر نسوة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "اختر منهن أربعاً"(3). وقال قيس بن الحارث الأسدي: أَسْلَمْتُ وعندي ثماني نسوة، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "اختر منهن أربعاً"(4).
إذاً لم يكن جَمْع النبي صلى الله عليه وسلم بين أكثر من أربع زوجات خَدْشاً لنبوته ولا لمجتمعه.
"ومن هنا يظهر لنا أن الخصوصية للنبي صلى الله عليه وسلم كانت بإبقائه على زوجاته؛ لا بإباحة التعدد له بأكثر من أربع زوجات"(5).
ثالثاً: جعل القرآن العظيم الإباحة عند أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم إباحة عدد بينما النبي صلى الله عليه وسلم ليس له العدد، وإنما المعدود. والفرق بين العدد والمعدود: أن المعدود إنما أبيح للرسول صلى الله عليه وسلم بذاته، بحيث لو ماتت واحدة من زوجاته صلى الله عليه وسلم لا يأتي بواحدة مكانها، بينما تابِعُ الرسول صلى الله عليه وسلم إن ماتت واحدة من زوجاته أو طلَّقها يأتي بأخرى مكانها.
ما دام قد أبيح له المعدود صلى الله عليه وسلم ، فإن تلك بخصوصيته كما قال تعالى: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} [الأحزاب:52].
وهذا الحُكْم ليس لتابع من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم ، إذ يمكن أن يدور عند تابع النبي صلى الله عليه وسلم العدد أربعة، فقد يتزوج أربعة ثم يطلقهن، ثم يتزوج غيرهن، بينما النبي صلى الله عليه وسلم لا يستطيع أن يتزوج غير زوجاته الموجودات ولا بواحدة؛ حتى لو مُتْن جميعاً(6).
رابعاً: قد يكون في إبقاء النبي صلى الله عليه وسلم لزوجاته جميعاً خصوصية لهنَّ أيضاً؛ لأن القرآن العظيم حرَّم على المسلمين نكاح زوجات النبي صلى الله عليه وسلم من بعده، وجعلهن أمهات المؤمنين، فإذا افترضنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أبقى على أربع زوجات، وسرَّح الأخريات، فحينها لا يجوز لأي مسلم أن يتزوجهنَّ لأنهن أمهاتهم؛ فيحصل بذلك إضرار بهنَّ لمنعهن الزواج من غيره صلى الله عليه وسلم.
ومن جهة أخرى: إذا أُمِر من كان عنده أكثر من أربع زوجات أن يمسك على أربعٍ منهن ويفارق الباقي، فإن من فارقها تجد في المسلمين من يساوي أو يفضل زوجها فتنكحه، لكن كيف يمكن أن تحظى امرأة من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذه المنقبة عند غيره؟! أنها زوجة نبيٍّ!!
خامساً: بالنسبة لمن زعم أن الرسول صلى الله عليه وسلم رجلٌ غارق في حُبِّ النساء، وأنه مطواع لِسَوْقِ غرائزه له، أقول لهم: تزوج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة وهو ابن خمسٍ وعشرين سنة، وكانت ثيباً في الأربعين من عمرها، ولم يَعْرِف رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء قبلها أبداً، ولم يَمَسَّ لحمه لحم امرأة لا تحل له، فبقي مع خديجة رضي الله عنها خمساً وعشرين سنة، دون أن يتزوج عليها قبل نبوته -وهو من أجلِّ قريش نسباً ومكانة- ولا بعدها، فلو كان شهوانيّاً لما أنفق شبابه على امرأة تزيد عنه في العمر هذه المدة الطويلة دون أن يتزوج غيرها، ولا شيء يمنعه من ذلك.
ثم يتزوج من سودة بنت زمعة رضي الله عنها، تلك المرأة الثَّيِّب التي لم تَشْتَهِر بصباها وجمالها، إلى أن تزوج عائشة رضي الله عنها وهي الزوجة البِكْر الوحيدة من بين زوجاته صلى الله عليه وسلم ، تزوجها وقد دخل في السنة الثالثة والخمسين من عمره، ثم بعدها بنى بباقي زوجاته رضي الله عنهن، ولكل زواج حكاية عجيبة وهدف نبيل.
أين يكون اتباع الشهوة والجري وراءها في زوجات تزوجهن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه السِّنِّ المتأخرة، ومن نساء ثيبات إلا واحدة، ولم يعرف عنهن في غالبهن جمال وشباب؟! ويظهر ذلك من خلال أحاديث وروايات فيها إشارات لما قلته؛ ليس من الأدب ذكرها في معرض الكلام هنا!
أين يكون اتباع الشهوة والجري وراءها في شخص جمع بين هذا العدد من النسوة -اللاتي عرفنا من حالهن- قبل لحاقه بربه بثماني سنين، جمع فيها بين جهد الدعوة والجهاد وتنظيم أمور الدولة والعبادة و..؟! لا أدري أين تكون الشهوة بين هذا الكَمِّ الكبير من المسؤوليات والأعباء!
أين يكون اتباع الشهوة والجري وراءها في حياة من إذا نام أَثَّرَ الحَصِير في جنبه؟! ويعيش وزوجاته في بيوت لا توقد فيها النار شهرين، لا يجد أهلها طعاماً غير التمر والماء، ويأتي ضيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيذهب النبي العظيم صلى الله عليه وسلم إلى بيوت نسائه فلا يجد ما يطعم به ضيفه؛ فَيُحَوِّلُهُ إلى أحد أصحابه(7)!
قال العقاد: "لقد أقام زوجات النبي صلى الله عليه وسلم في بيت لا يجدن فيه من الرَّغَد ما يجده الزوجات في بيوت الكثيرين من الرجال، مسلمين كانوا أو مشركين. وعلى هذا الشرف الذي لا يدانيه عند المرأة المسلمة شرف الملكات أو الأميرات، شَقَّت عليهن شدَّة العيش في بيت لا يُصِبْن فيه من الطعام والزينة فوق الكفاف، والقناعة بأيسر اليسير، فاتفقن على مفاتحته في الأمر، واجتمعن يسألنه المزيد من النفقة، وهي موفورة لديه لو شاء أن يزيد في حصته من الفيء، فلا يعترضه أحد ولا يحاسبه عليه.
إلا أن الرجل المُحَكََّم في الأنفس والأموال -سيد الجزيرة العربية- لم يستطع أن يزيدهن على نصيبه ونصيبهن من الطعام والزينة، فأمهلهن شهراً وخيَّرهن بعده أن يفارقنه، ولهن منه حق المرأة المفارقة من المتاع والحسنى، أو يَقْبَلْنَ ما قَبِلَه لنفسه معهن من ذلك العيش الكفاف.
ومن وقف على أسباب التنزيل، وليس بينها ما هو أشهر في كتب التفسير من أسباب نزول هذه الآيات من سورة الأحزاب: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً . وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الله وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ الله أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً}(8) [الأحزاب: 28-29]، تبيّن له أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يلتفت إلى الشهوة؛ فضلاً عن الجري وراءها.
وأَقول للمبشرين المحترفين ولعاً بالتفتيش عن خفايا السيرة النبوية: خليق أن يُطَّلَع على تفاصيل هذا الحادث بحذافيره؛ لأنه ورد في القرآن الكريم خاصّاً بالمسألة التي يتكالب المبشرون المحترفون على استقصاء أخبارها، وإحصاء شواردها، وهي مسألة الزواج وتعدد الزوجات"(9).
سادساً: لم يكن زواجه صلى الله عليه وسلم من زوجاته واختياره لهن لأجل الشهوة ولو مرة واحدة، فالذي يتتبع كيف تزوجهن صلى الله عليه وسلم ولماذا تزوجهن يرى فعلاً أن الشهوة ليست الدافع وراء زواجه منهن، وإنما كانت صلة الرحم ورفع المهانة هي الباعث الأكبر في نفسه الشريفة على التفكير في الزواج بهن، ومعظمهن كنَّ أرامل فقدن الأزواج أو الأولياء.
وباختصار سأطوِّف مع حِكَم وأسباب زواجه صلى الله عليه وسلم من أمهات المؤمنين:
تزوج النبي صلى الله عليه وسلم سودة بنت زمعة بعد موت خديجة رضي الله عنها، فبعد أن مات زوج سودة، لم تقدر أن ترجع إلى أهلها الكفار، وقد فرّت بدينها من قبل خوفاً منهم أن يعيدوها إلى الشرك، ولم يكن من يكفلها، فكفلها النبي صلى الله عليه وسلم بأن تزوجها.
ثم بعد شهر عقد على عائشة رضي الله عنها، والحكمة في ذلك كالحكمة في التزوج من حفصة رضي الله عنها، وهي إكرام صاحبيه -أبي بكر وعمر رضي الله عنهما- بمصاهرته لهما.
وأما التزوج بزينب بنت جحش فالحكمة فيه تعلو كل حكمة، وهي إبطال تلك البدع في الجاهلية التي كانت لاحقة ببدعة التبني كتحريم التزوج بزوجة المتبنى بعده.
وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم بجويرية بنت الحارث -سيد بني المصطلق- فقد كان المسلمون أسروا من قومها مئتي بيت بالنساء والذراري، فأراد صلى الله عليه وسلم أن يعتق المسلمون هؤلاء الأسرى، فتزوج بسيدتهم؛ فقال الصحابة عليهم الرضوان: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينبغي أسرهم وأعتقوهم؛ فأسلم بنو المصطلق لذلك أجمعون.
وقبل ذلك تزوج صلى الله عليه وسلم بزينب بنت خزيمة بعد أن قُتل زوجها عبدالله بن جحش، وذلك لفضلها وعطفها على المساكين، فكان زواجه صلى الله عليه وسلم مكافأة لها، وهذه ماتت في حياته.
وتزوج بعدها أم سلمة رضي الله عنها، وكان زوجها قبل النبي صلى الله عليه وسلم عبدالله أبو سلمة -ابن عمة النبي صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة-، ترك لها أيتاماً صغاراً، فتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم واحتضن أولادها.
وأما زواجه بأم حبيبة رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنهما فكان مواساة لها بعد تَنَصُّر زوجها أثناء هجرتها في الحبشة، وهو أيضاً من باب التقريب بين قومها -خصوصاً أبوها- وبين الإسلام.
وتظهر حكمة زواجه من صفية بنت حيي بن أخطب سيد بني النضير من قول الصحابة رضي الله عنهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها سيدة بني قريظة والنضير لا تصلح إلا لك، فاستحسن رأيهم وأبى أن تذل هذه السيدة؛ بأن تكون أسيرة عند من تراه دونها؛ فأعتقها وتزوجها.
وكانت ميمونة بنت الحارث آخر أزواجه صلى الله عليه وسلم ، والذي زوجها منه هو عمه العباس، وهي خالة عبدالله بن عباس وخالد بن الوليد، ولعل الحكمة في تزوجه بها تَشَعُّب قرابتها في بني هاشم وبني مخزوم.
فلو كان عليه السلام أراد بتعدد الزواج ما يراه الملوك والأمراء من التمتع بالحلال فقط لاختار حسان الأبكار على أولئك الثيبات المكتهلات، كما قال لمن اختار ثيباً: "هلاّ بكراً تلاعبها وتلاعبك" والحديث في "الصحيحين" قاله صلى الله عليه وسلم لجابر بن عبدالله(10).
سابعاً: كان لتزوجه صلى الله عليه وسلم منهن رضي الله عنهن هدف آخر عظيم؛ وهو تبليغ الدعوة، لا سيما أنه النبي الخاتم، خصوصاً في الأمور التي تتعلق بأحكام النساء ويتحرج من ذكرها الرجال.
"وزوجات الرسول صلى الله عليه وسلم خير معاون على تبليغ الرسالة باعتبارهنَّ المصدر الأساسي في الوقوف على خصائص بيت النبوة وأسراره الداخلية والتشريعية، ومعرفة دقائق الأحكام، وخاصة فيما يتعلق بأحكام النساء، مما هو مناط التشريع، حيث لا يصلح أحد غيرهن في الوقوف على ما يريده الرسول صلى الله عليه وسلم دون حياء، أو تردد من الإفضاء به، لما يرافقه من الحساسية التي يتورع الرجل أن يتباسط فيها مع النساء الغريبات عنه، ومن هنا كانت زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم مشاعل حكمة ورسل دعوة"(11).
وبعد أن تبين الرشد من الغي، لا يسع المسلم إلا أن يفخر بدينه وبنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم ، الذي قال الله عنه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو الله وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ الله كَثِيراً} [الأحزاب:21].
"إن المبشرين لم يكشفوا من مسألة الزواج في السيرة النبوية مقتلاً يصيب محمداً، أو يصيب دعوته من ورائه، ولكنهم كشفوا منها حُجَّة لا حُجَّة مثلها في الدلالة على صدق دعوته، وإيمانه برسالته، وإخلاصه لها في سرِّه، كإخلاصه لها في علانيته، ولولا أنهم يعوّلون على جهل المستمعين لهم لاجتهدوا في السكوت عن مسألة الزواج خاصة أشد من اجتهادهم في التشهير بها واللغط فيها.
وقصارى القول في الخصوصية النبوية أنها لم تكن (امتيازاً) من امتياز القوة المسيطرة لتسخير المرأة في مرضاة خيلاء الرجل، وحبِّه للمتعة الجسدية، ولكنها كانت آية أخرى من معدن الأحكام القرآنية فيما تسفر عنه من عطف على المرأة وحياطة لها من مواقع الجَوْر والإذلال"(12).
الهوامش:
1. الغريب أن المستشرقين من أهل الكتاب خصوصاً يعيبون على النبي صلى الله عليه وسلم أنه تزوج النساء وجمع بين هذا العدد منهن، وهم يروون أن سليمان عليه السلام كان عنده ثلاثمئة امرأة مهيرة -لها مهر- وسبعمئة سرية، ولداود عليه السلام مئة امرأة، وهم من أنبياء بني إسرائيل. ينظر: تفسير الرازي (20/69).
2. ذكر المفسرون أن سورة النساء مدنية، وأنها نزلت في السنة الثامنة من الهجرة. ينظر: في ظلال القرآن (1/554).
3. رواه الترمذي في كتاب النكاح، باب (ما جَاءَ فِي الرَّجُلِ يُسْلِمُ وَعِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَة)، رقم (1128)، وابن ماجه في كتاب النكاح، باب (الرجل يسلم وعنده أكثر من أربع نسوة)، رقم (1953)، وابن حبان في "صحيحه"، رقم (4230).
4. رواه أبو داود في كتاب الطلاق، باب (في مَنْ أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ نِسَاءٌ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ أَوْ أُخْتَان)، رقم (1914)، وابن ماجه في كتاب النكاح، باب (الرَّجُلِ يُسْلِمُ وَعِنْدَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ)، رقم (1952)، وصححه الألباني. ينظر: صحيح سنن أبي داود.
5. عبد الرحمن الصابوني، أحكام الزواج في الفقه الإسلامي وما عليه العمل في دولة الإمارات العربية المتحدة، ص186.
6. للاستزادة حول هذه النقطة ينظر: الشعراوي، دروس في بناء الأسرة المسلمة، ص17-26.
7. كل ما قلته ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في كتب الصحاح، وهناك أحاديث أخرى ثابتة تدل على تقلَّله من شهوات الدنيا، يمكن الرجوع إليها في كتب السنة والسيرة والزهد.
8. للوقوف على تفصيل سبب نزول الآية ينظر: تفسير أبي السعود (5/222)، وابن عجيبة، البحر المديد في تفسير القرآن المجيد (6/22).
9. عباس محمود العقاد، المرأة في القرآن، ص131-132.
10. ينظر: محمد رشيد رضا، تفسير المنار (4/ 305-308).
11. أبو ليلى، الزواج وبناء الأسرة، ص232.
12. العقاد، المرأة في القرآن، ص135.
علي شهوان
عضو لجنة الإعجاز القرآني في جمعية المحافظة على القرآن الكريم[/align]
نَصَّ القرآن العظيم على جواز أن يجمع المسلم بين أربع زوجات في وقت واحد، وأقرَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن يُبقي على زوجاته -علماً أن عددهنَّ أكثر من أربع- دون جريان حُكْم الإبقاء على أربع زوجات عليه صلى الله عليه وسلم. فرأى المستشرقون -خصوصاً- وباقي أعداء الإسلام -عموماً- ما يظنونه مدخلاً لهم في الطَّعْن بالرسالة والرسول صلى الله عليه وسلم من خلال نظام تعدد الزوجات في الإسلام -عموماً-، وجمعه صلى الله عليه وسلم بين أكثر من أربع زوجات -خصوصاً-.
ويمكن إجمال الردِّ على هذه الشبهة من خلال النقاط التالية:
أولاً: لم يكن فعل النبي صلى الله عليه وسلم بدعاً من أفعال الأنبياء، فقد بيَّن القرآن العظيم أن تَزَوُّج النبي صلى الله عليه وسلم النساء لا يتعارض مع نبوته. قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} [الرعد:38]، فمن الأنبياء من جمع بين أكثر من زوجة(1).
ثانياً: بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم في بيئة تعرف التعدد؛ بل لم يكن لديهم حدٌّ مُعَيَّنٌ من العدد يقفون عنده، واستمر الأمر بهم على هذا الحال إلى أن نزل القرآن بتحديد الجمع بين أربع زوجات فقط، وكان ذلك في السنة الثامنة للهجرة(2)، أي بعد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم من جميع زوجاته، فكانت آخرهن ميمونة رضي الله عنها، التي تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم في عُمْرَة القضاء سنة سبعٍ من الهجرة.
وقد أسلم غيلان بن سلمة الثقفي وتحته عشر نسوة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "اختر منهن أربعاً"(3). وقال قيس بن الحارث الأسدي: أَسْلَمْتُ وعندي ثماني نسوة، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "اختر منهن أربعاً"(4).
إذاً لم يكن جَمْع النبي صلى الله عليه وسلم بين أكثر من أربع زوجات خَدْشاً لنبوته ولا لمجتمعه.
"ومن هنا يظهر لنا أن الخصوصية للنبي صلى الله عليه وسلم كانت بإبقائه على زوجاته؛ لا بإباحة التعدد له بأكثر من أربع زوجات"(5).
ثالثاً: جعل القرآن العظيم الإباحة عند أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم إباحة عدد بينما النبي صلى الله عليه وسلم ليس له العدد، وإنما المعدود. والفرق بين العدد والمعدود: أن المعدود إنما أبيح للرسول صلى الله عليه وسلم بذاته، بحيث لو ماتت واحدة من زوجاته صلى الله عليه وسلم لا يأتي بواحدة مكانها، بينما تابِعُ الرسول صلى الله عليه وسلم إن ماتت واحدة من زوجاته أو طلَّقها يأتي بأخرى مكانها.
ما دام قد أبيح له المعدود صلى الله عليه وسلم ، فإن تلك بخصوصيته كما قال تعالى: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} [الأحزاب:52].
وهذا الحُكْم ليس لتابع من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم ، إذ يمكن أن يدور عند تابع النبي صلى الله عليه وسلم العدد أربعة، فقد يتزوج أربعة ثم يطلقهن، ثم يتزوج غيرهن، بينما النبي صلى الله عليه وسلم لا يستطيع أن يتزوج غير زوجاته الموجودات ولا بواحدة؛ حتى لو مُتْن جميعاً(6).
رابعاً: قد يكون في إبقاء النبي صلى الله عليه وسلم لزوجاته جميعاً خصوصية لهنَّ أيضاً؛ لأن القرآن العظيم حرَّم على المسلمين نكاح زوجات النبي صلى الله عليه وسلم من بعده، وجعلهن أمهات المؤمنين، فإذا افترضنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أبقى على أربع زوجات، وسرَّح الأخريات، فحينها لا يجوز لأي مسلم أن يتزوجهنَّ لأنهن أمهاتهم؛ فيحصل بذلك إضرار بهنَّ لمنعهن الزواج من غيره صلى الله عليه وسلم.
ومن جهة أخرى: إذا أُمِر من كان عنده أكثر من أربع زوجات أن يمسك على أربعٍ منهن ويفارق الباقي، فإن من فارقها تجد في المسلمين من يساوي أو يفضل زوجها فتنكحه، لكن كيف يمكن أن تحظى امرأة من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذه المنقبة عند غيره؟! أنها زوجة نبيٍّ!!
خامساً: بالنسبة لمن زعم أن الرسول صلى الله عليه وسلم رجلٌ غارق في حُبِّ النساء، وأنه مطواع لِسَوْقِ غرائزه له، أقول لهم: تزوج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة وهو ابن خمسٍ وعشرين سنة، وكانت ثيباً في الأربعين من عمرها، ولم يَعْرِف رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء قبلها أبداً، ولم يَمَسَّ لحمه لحم امرأة لا تحل له، فبقي مع خديجة رضي الله عنها خمساً وعشرين سنة، دون أن يتزوج عليها قبل نبوته -وهو من أجلِّ قريش نسباً ومكانة- ولا بعدها، فلو كان شهوانيّاً لما أنفق شبابه على امرأة تزيد عنه في العمر هذه المدة الطويلة دون أن يتزوج غيرها، ولا شيء يمنعه من ذلك.
ثم يتزوج من سودة بنت زمعة رضي الله عنها، تلك المرأة الثَّيِّب التي لم تَشْتَهِر بصباها وجمالها، إلى أن تزوج عائشة رضي الله عنها وهي الزوجة البِكْر الوحيدة من بين زوجاته صلى الله عليه وسلم ، تزوجها وقد دخل في السنة الثالثة والخمسين من عمره، ثم بعدها بنى بباقي زوجاته رضي الله عنهن، ولكل زواج حكاية عجيبة وهدف نبيل.
أين يكون اتباع الشهوة والجري وراءها في زوجات تزوجهن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه السِّنِّ المتأخرة، ومن نساء ثيبات إلا واحدة، ولم يعرف عنهن في غالبهن جمال وشباب؟! ويظهر ذلك من خلال أحاديث وروايات فيها إشارات لما قلته؛ ليس من الأدب ذكرها في معرض الكلام هنا!
أين يكون اتباع الشهوة والجري وراءها في شخص جمع بين هذا العدد من النسوة -اللاتي عرفنا من حالهن- قبل لحاقه بربه بثماني سنين، جمع فيها بين جهد الدعوة والجهاد وتنظيم أمور الدولة والعبادة و..؟! لا أدري أين تكون الشهوة بين هذا الكَمِّ الكبير من المسؤوليات والأعباء!
أين يكون اتباع الشهوة والجري وراءها في حياة من إذا نام أَثَّرَ الحَصِير في جنبه؟! ويعيش وزوجاته في بيوت لا توقد فيها النار شهرين، لا يجد أهلها طعاماً غير التمر والماء، ويأتي ضيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيذهب النبي العظيم صلى الله عليه وسلم إلى بيوت نسائه فلا يجد ما يطعم به ضيفه؛ فَيُحَوِّلُهُ إلى أحد أصحابه(7)!
قال العقاد: "لقد أقام زوجات النبي صلى الله عليه وسلم في بيت لا يجدن فيه من الرَّغَد ما يجده الزوجات في بيوت الكثيرين من الرجال، مسلمين كانوا أو مشركين. وعلى هذا الشرف الذي لا يدانيه عند المرأة المسلمة شرف الملكات أو الأميرات، شَقَّت عليهن شدَّة العيش في بيت لا يُصِبْن فيه من الطعام والزينة فوق الكفاف، والقناعة بأيسر اليسير، فاتفقن على مفاتحته في الأمر، واجتمعن يسألنه المزيد من النفقة، وهي موفورة لديه لو شاء أن يزيد في حصته من الفيء، فلا يعترضه أحد ولا يحاسبه عليه.
إلا أن الرجل المُحَكََّم في الأنفس والأموال -سيد الجزيرة العربية- لم يستطع أن يزيدهن على نصيبه ونصيبهن من الطعام والزينة، فأمهلهن شهراً وخيَّرهن بعده أن يفارقنه، ولهن منه حق المرأة المفارقة من المتاع والحسنى، أو يَقْبَلْنَ ما قَبِلَه لنفسه معهن من ذلك العيش الكفاف.
ومن وقف على أسباب التنزيل، وليس بينها ما هو أشهر في كتب التفسير من أسباب نزول هذه الآيات من سورة الأحزاب: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً . وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الله وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ الله أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً}(8) [الأحزاب: 28-29]، تبيّن له أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يلتفت إلى الشهوة؛ فضلاً عن الجري وراءها.
وأَقول للمبشرين المحترفين ولعاً بالتفتيش عن خفايا السيرة النبوية: خليق أن يُطَّلَع على تفاصيل هذا الحادث بحذافيره؛ لأنه ورد في القرآن الكريم خاصّاً بالمسألة التي يتكالب المبشرون المحترفون على استقصاء أخبارها، وإحصاء شواردها، وهي مسألة الزواج وتعدد الزوجات"(9).
سادساً: لم يكن زواجه صلى الله عليه وسلم من زوجاته واختياره لهن لأجل الشهوة ولو مرة واحدة، فالذي يتتبع كيف تزوجهن صلى الله عليه وسلم ولماذا تزوجهن يرى فعلاً أن الشهوة ليست الدافع وراء زواجه منهن، وإنما كانت صلة الرحم ورفع المهانة هي الباعث الأكبر في نفسه الشريفة على التفكير في الزواج بهن، ومعظمهن كنَّ أرامل فقدن الأزواج أو الأولياء.
وباختصار سأطوِّف مع حِكَم وأسباب زواجه صلى الله عليه وسلم من أمهات المؤمنين:
تزوج النبي صلى الله عليه وسلم سودة بنت زمعة بعد موت خديجة رضي الله عنها، فبعد أن مات زوج سودة، لم تقدر أن ترجع إلى أهلها الكفار، وقد فرّت بدينها من قبل خوفاً منهم أن يعيدوها إلى الشرك، ولم يكن من يكفلها، فكفلها النبي صلى الله عليه وسلم بأن تزوجها.
ثم بعد شهر عقد على عائشة رضي الله عنها، والحكمة في ذلك كالحكمة في التزوج من حفصة رضي الله عنها، وهي إكرام صاحبيه -أبي بكر وعمر رضي الله عنهما- بمصاهرته لهما.
وأما التزوج بزينب بنت جحش فالحكمة فيه تعلو كل حكمة، وهي إبطال تلك البدع في الجاهلية التي كانت لاحقة ببدعة التبني كتحريم التزوج بزوجة المتبنى بعده.
وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم بجويرية بنت الحارث -سيد بني المصطلق- فقد كان المسلمون أسروا من قومها مئتي بيت بالنساء والذراري، فأراد صلى الله عليه وسلم أن يعتق المسلمون هؤلاء الأسرى، فتزوج بسيدتهم؛ فقال الصحابة عليهم الرضوان: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينبغي أسرهم وأعتقوهم؛ فأسلم بنو المصطلق لذلك أجمعون.
وقبل ذلك تزوج صلى الله عليه وسلم بزينب بنت خزيمة بعد أن قُتل زوجها عبدالله بن جحش، وذلك لفضلها وعطفها على المساكين، فكان زواجه صلى الله عليه وسلم مكافأة لها، وهذه ماتت في حياته.
وتزوج بعدها أم سلمة رضي الله عنها، وكان زوجها قبل النبي صلى الله عليه وسلم عبدالله أبو سلمة -ابن عمة النبي صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة-، ترك لها أيتاماً صغاراً، فتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم واحتضن أولادها.
وأما زواجه بأم حبيبة رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنهما فكان مواساة لها بعد تَنَصُّر زوجها أثناء هجرتها في الحبشة، وهو أيضاً من باب التقريب بين قومها -خصوصاً أبوها- وبين الإسلام.
وتظهر حكمة زواجه من صفية بنت حيي بن أخطب سيد بني النضير من قول الصحابة رضي الله عنهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها سيدة بني قريظة والنضير لا تصلح إلا لك، فاستحسن رأيهم وأبى أن تذل هذه السيدة؛ بأن تكون أسيرة عند من تراه دونها؛ فأعتقها وتزوجها.
وكانت ميمونة بنت الحارث آخر أزواجه صلى الله عليه وسلم ، والذي زوجها منه هو عمه العباس، وهي خالة عبدالله بن عباس وخالد بن الوليد، ولعل الحكمة في تزوجه بها تَشَعُّب قرابتها في بني هاشم وبني مخزوم.
فلو كان عليه السلام أراد بتعدد الزواج ما يراه الملوك والأمراء من التمتع بالحلال فقط لاختار حسان الأبكار على أولئك الثيبات المكتهلات، كما قال لمن اختار ثيباً: "هلاّ بكراً تلاعبها وتلاعبك" والحديث في "الصحيحين" قاله صلى الله عليه وسلم لجابر بن عبدالله(10).
سابعاً: كان لتزوجه صلى الله عليه وسلم منهن رضي الله عنهن هدف آخر عظيم؛ وهو تبليغ الدعوة، لا سيما أنه النبي الخاتم، خصوصاً في الأمور التي تتعلق بأحكام النساء ويتحرج من ذكرها الرجال.
"وزوجات الرسول صلى الله عليه وسلم خير معاون على تبليغ الرسالة باعتبارهنَّ المصدر الأساسي في الوقوف على خصائص بيت النبوة وأسراره الداخلية والتشريعية، ومعرفة دقائق الأحكام، وخاصة فيما يتعلق بأحكام النساء، مما هو مناط التشريع، حيث لا يصلح أحد غيرهن في الوقوف على ما يريده الرسول صلى الله عليه وسلم دون حياء، أو تردد من الإفضاء به، لما يرافقه من الحساسية التي يتورع الرجل أن يتباسط فيها مع النساء الغريبات عنه، ومن هنا كانت زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم مشاعل حكمة ورسل دعوة"(11).
وبعد أن تبين الرشد من الغي، لا يسع المسلم إلا أن يفخر بدينه وبنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم ، الذي قال الله عنه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو الله وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ الله كَثِيراً} [الأحزاب:21].
"إن المبشرين لم يكشفوا من مسألة الزواج في السيرة النبوية مقتلاً يصيب محمداً، أو يصيب دعوته من ورائه، ولكنهم كشفوا منها حُجَّة لا حُجَّة مثلها في الدلالة على صدق دعوته، وإيمانه برسالته، وإخلاصه لها في سرِّه، كإخلاصه لها في علانيته، ولولا أنهم يعوّلون على جهل المستمعين لهم لاجتهدوا في السكوت عن مسألة الزواج خاصة أشد من اجتهادهم في التشهير بها واللغط فيها.
وقصارى القول في الخصوصية النبوية أنها لم تكن (امتيازاً) من امتياز القوة المسيطرة لتسخير المرأة في مرضاة خيلاء الرجل، وحبِّه للمتعة الجسدية، ولكنها كانت آية أخرى من معدن الأحكام القرآنية فيما تسفر عنه من عطف على المرأة وحياطة لها من مواقع الجَوْر والإذلال"(12).
الهوامش:
1. الغريب أن المستشرقين من أهل الكتاب خصوصاً يعيبون على النبي صلى الله عليه وسلم أنه تزوج النساء وجمع بين هذا العدد منهن، وهم يروون أن سليمان عليه السلام كان عنده ثلاثمئة امرأة مهيرة -لها مهر- وسبعمئة سرية، ولداود عليه السلام مئة امرأة، وهم من أنبياء بني إسرائيل. ينظر: تفسير الرازي (20/69).
2. ذكر المفسرون أن سورة النساء مدنية، وأنها نزلت في السنة الثامنة من الهجرة. ينظر: في ظلال القرآن (1/554).
3. رواه الترمذي في كتاب النكاح، باب (ما جَاءَ فِي الرَّجُلِ يُسْلِمُ وَعِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَة)، رقم (1128)، وابن ماجه في كتاب النكاح، باب (الرجل يسلم وعنده أكثر من أربع نسوة)، رقم (1953)، وابن حبان في "صحيحه"، رقم (4230).
4. رواه أبو داود في كتاب الطلاق، باب (في مَنْ أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ نِسَاءٌ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ أَوْ أُخْتَان)، رقم (1914)، وابن ماجه في كتاب النكاح، باب (الرَّجُلِ يُسْلِمُ وَعِنْدَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ)، رقم (1952)، وصححه الألباني. ينظر: صحيح سنن أبي داود.
5. عبد الرحمن الصابوني، أحكام الزواج في الفقه الإسلامي وما عليه العمل في دولة الإمارات العربية المتحدة، ص186.
6. للاستزادة حول هذه النقطة ينظر: الشعراوي، دروس في بناء الأسرة المسلمة، ص17-26.
7. كل ما قلته ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في كتب الصحاح، وهناك أحاديث أخرى ثابتة تدل على تقلَّله من شهوات الدنيا، يمكن الرجوع إليها في كتب السنة والسيرة والزهد.
8. للوقوف على تفصيل سبب نزول الآية ينظر: تفسير أبي السعود (5/222)، وابن عجيبة، البحر المديد في تفسير القرآن المجيد (6/22).
9. عباس محمود العقاد، المرأة في القرآن، ص131-132.
10. ينظر: محمد رشيد رضا، تفسير المنار (4/ 305-308).
11. أبو ليلى، الزواج وبناء الأسرة، ص232.
12. العقاد، المرأة في القرآن، ص135.