الإعجاز التشريعي في القرآن الكريم : المواريث وصلتها بالاقتصاد 1

إنضم
31/07/2006
المشاركات
896
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
المغرب - الجديدة
1- تعريف الإرث لغة :

الإرث هو البقاء وانتقال الشيء من قوم إلى آخرين ، يقول ابن فــارس ( ت 395 هـ ) " الواو والراء والثاء : كلمة واحدة ، هي الورث . والميراث أصله الواو ، وهو أن يكون الشيء لقوم ثم يصير إلى آخرين بـنسب أو سبب " .
" و أورثه الشيء أبوه ، وهم ورثة فلان ، وورثه توريثا أي أدخله في ماله على ورثته ، وتوارثوه كابرا عن كابر... وأورثه الشيء : أعقبه إياه . وأورثه المرض ضعفا ، والحزن هما ، كذلك . وأورث المطر النبات نعمة ، وكله على الاستعارة والتشبيه بوراثة المال والمجد " .
و" أصل الوراثة انتقال قنية إليك من غيرك ، من غير عقد ولا جار مجرى العقد ، ثم تطلق الوراثة والإرث على نفس المال المنتقل عن الميت ، ويقال لها ميراث ، وإرث وتراث . وقد يكون الإرث بمعنى البقاء " .
ويقال الإرث في الحسب ، والورث في المال .


2- مفهوم الإرث في القرآن الكريم :

وردت مادة ( ورث ) ومشتقاته في القرآن الكريم خمسا وثلاثين مرة ، موزعة على عشرين سورة على الشكل التالي :

رقم السورة اسم السورة رقم الآية
2 البقرة 233
3 آل عمران 180
4 النساء 11
4 النساء 12
4 النساء 19
4 النساء 176
7 الأعراف 43
7 الأعراف 100
7 الأعراف 128
7 الأعراف 137
7 الأعراف 169
15 الحجر 23
19 مريم 6
19 مريم 40
19 مريم 63
19 مريم 80
21 الأنبياء 89
21 الأنبياء 105
23 المؤمنون 10
23 المؤمنون 11
26 الشعراء 59
26 الشعراء 85
27 النمل 16
28 القصص 5
28 القصص 58
33 الأحزاب 27
35 فاطر 32
39 الزمر 74
40 غافر 53
42 الشورى 14
43 الزخرف 72
44 الدخان 28
57 الحديد 10
89 الفجر 19

ويمكننا أن نجمل المعاني التي ورد بها لفظ ( ورث ) ومشتقاته في القرآن الكريم في المعاني التالية :
1- صفة لله تعالى : وذلك في قوله تعالى :
 إنا نحن نرث الأرض 
ومنه قوله تعالى :
 ولله ميراث السماوات والأرض 
فالله سبحانه هو " الباقي بعد فناء خلقه وزوال أملاكهم ، فيموتون ويرثهم " .
2 – المال المنتقل عن الميت ، ويقال ميراث ، وإرث ، وتراث ، كقوله  :
 وتأكلون التراث أكلا لما 
... ويتعدى ورث بنفسه لواحد ، فإذا دخلت عليه الهمزة أكسبته آخر ، قال  :
 وورث سليمان داود 
3- حصول الأشياء بلا تعب ، ويقال لكل من خول شيئا مهنئا أورث ، وما وصل إليه إرث ، قال  :
 تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا 
4 – بقاء العلم والنبوة ، ومنه قوله  :
 وليا يرثني ويرث من آل يعقوب 
" أي يرث العلم والنبوة ، تمنى بقاء العلم والنبوة في عقبه ، فإن الأنبياء لا يورثون المال ، إنما يبورثون العلم " .
5 – الاستخلاف والتمكين ، ومنه قوله تعالى :
 أن الأرض يرثها عبادي الصالحون 
وقوله تعالى :
 إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده 
وقوله تعالى :
 وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده و أورثنا الأرض 
" واستعمل لفظ الوراثة لكون ذلك بغير ثمن ولا منة " .
6- الاستفادة ، " ويقال ورثت علما من فلان أي استفدت منه " ، ومنه قوله تعالى :

 فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ 

 قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ 

3 – المبحث الثالث : تعريف الفرائض لغة :

الفرائض مشتق من مادة ( فرض ) ، ونص ابن فارس ( ت395 هـ ) في معجمه المقاييس أن " الفاء والراء والضاد أصل صحيح يدل على تأثير في شيء من حز أوغيره " .
ولمادة ( فرض) معان متعددة في اللغة ، نذكر منها ما له صلة مباسرة بموضوعنا :
1- الحز في الشيء والقطع ، والجمع فروض ، وفراض .
2- التوقيت ، وكل واجب مؤقت ، فهو مفروض .
3- التقدير ، أي بيان مقدار الشيء ، ومنه حديث الزكاة  هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله  على المسلمين  ، أي قدر صدقة كل شيء وبينها عن أمر الله تعالى .
4- الواجب ، سمي بذلك لأن له معالم وحدود ، وفرض الله علينا كذا وكذا ، وافترض أي أوجب . والفرض مصدر كل شيء تفرضه فتوجبه على إنسان بقدر معلوم ، وافترضه كفرضه ، والاسم الفريضة . وفرائض الله : حدوده التي أمر بها ونهى عنها ، وكذلك الفرائض بالميراث فهي حدود وأحكام مبينة. والفارض والفرضي : الذي يعرف الفرائض، ويسمى العلم بقسمة المواريث : فرائض ، ورجل فارض وفريض : عالم بالفرائض ، كقولك عالم وعليم .

4- الفرائض في القرآن الكريم :

وردت لفظة فرض ومشتقاتها في القرآن الكريم ثمانية عشر مرة ، موزعة على الشكل التالي :


رقم السورة اسم السورة رقم الآية
2 البقرة 68
2 البقرة 197
2 البقرة 236
2 البقرة 236
2 البقرة 237
2 البقرة 237
2 البقرة 237
4 النساء 7
4 النساء 11
4 النساء 24
4 النساء 24
4 النساء 118
9 التوبة 60
24 النور 1
28 القصص 85
33 الأحزاب 38
33 الأحزاب 50
66 التحريم 2

ويمكننا أن نجمل المعاني التي ورد بها لفظ ( فرض ) ومشتقاته في القرآن الكريم في المعاني الــتــالــيــة :
1- التقدير : قال تعالى :
 وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ 
أي قدرتم .
2- القطع : قال تعالى :
 نصيبا مفروضا 
أي مقطوعا محدودا . وقيل موفيا ، وقيل معلوما .
3- الإنزال : قال تعالى :
 إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد 
أي أنزله .
4- التبيين : قال تعالى :
 قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ 
أي بين .
5- الإحلال : قال تعالى :
 ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له 
أي أحل .
6- الواجب : قال : تعالى :
 فمن فرض فيهن الحج 
بمعنى : فمن أوجب فيهن الحج فأحرم .
ومنه قوله  :
 سـورة أنـزلناها وفرضناها 
أي أوجبنا العمل بها .
7- الطاعن في السن : قال تعالى :
 لا فارض ولا بكر 
الفارض من البقر التي طعنت في السن كأنها فرضت سنها ، أي قطعته .
8- الفريضة بعينها ، قالتعالى :
 فريضة من الله 
يعني قسمة المواريث لأهلها .


-5- تعريف الإرث إصطلاحا :

اختار أغلب الفقهاء الترجمة لهذا الباب الفقهي بالفرائض ، وذلـك لأنه " جمع فريضة من الفرض وهو التقدير ، لأن سهام الورثة مقدرة " .
وعلل الرازي ( ت 395 هـ ) تسمية الباب بالفرائض لأن " أصلها الحدود ... فكذلك الفرائض حدود وأحكام مبينة " .
و لما كان علم الفرائض مشتملا على المعاني الفرآنية السالفة الذكر " لما فيه من السهام المقدرة ، والمقادير المقتطعة ، والعطاء المجرد ، وتبيين الله تعالى لكل وارث نصيبه ، وإحلاله ، وإنزاله سمي بذلك " . ومن ثم فإن الفرائض شرعا هي " نصيب مقدر شرعا للوارث " .
وعرف علم الفرائض " بأنه الفقه المتعلق بالإرث ، ومعرفة الحساب الموصل إلى ذلك ، ومعرفة القدر الواجب من التركة لكل ذي حق " . وهو من فروض الكفاية .
ونخلص مما سبق أن علم الفرائض ، أو المواريث علم يتكلم عن الحقوق المتعلقة بالتركة وترتيبها ، وأسباب الميراث ، وشروطه ، وموانعه ، وأنواع الورثة ، وبيان نصيب كل واحد ، وحجب بعض الورثة حجبا كليا أو جزئيا ، والعول وتصحيح المسائل ، وغيرها من الأحكام والقضايا المتصلة بتوزيع التركة . ويسمى المستغل بعلم الفرائض : رجل فرضي ، وفارض .
وقد رغب الـرسـول صلى الله عليه وسلم في تعلمه وتعليمه ، يـقـول صلى الله عليه وسلم :
 العلم ثلاثة وما سوى ذلك فهو فضل ، آية محكمة ، وسنة قائمة ، وفريضة عادلة 
وقال صلى الله عليه وسلم :
 تعلموا الفرائض وعلموه فإنه نصف العلم ، وهو ينسى ، وهو أول شيء ينتزع من أمتي 
قال الماوردي ( ت 450 هـ) : " وإنما حثهم على تعلمه لقرب عهدهم بغير هذا التوارث أي وهو التوارث المتقدم ، واختلف العلماء في تأويل قوله  فإنه نصف العلم على أقوال أحسنها أنه باعتبار الحال فإن حال الناس اثنان حياة ووفاة فالفرائض تتعلق بحال الوفاة وسائر العلوم تتعلق بحال الحياة " .
كما أن الصحابة  كانوا يحثون الناس على تعلم علم المواريث ، ومن ذلك قول عمر رضي الله عنه : " تعلموا الفرائض فإنه من دينكم " .
ويحتاج علم الفرائض إلى ثلاثة علوم وهي :
1 - علم الفتوى ، بأن يعلم نصيب كل وارث من التركة .
2 – علم النسب ، بأن يعلم الوارث من الميت بالنسب ، وبكيفية انتسابه للميت .
3 – علم الحساب ، بأن يعلم من أي جنس تخرج المسألة ، وحقيقة مطلق الحساب أنه علم بكيفية التصرف في عدد لاستخراج مجهول من معلوم .
أما مصادر علم الفرائض فيمكننا إجمالها في ما يلي :
1 – الـقرآن الـكريم : ذلك أن الله  أنزل تشريعا مفصلا لأحكام المـواريث ، حيث قدرها بمقادير لايجوز الزيادة عليها ، ولا النقصان عنها .
2 – الـسـنـة النبوية الشريفة : فقد بين الرسول  أحكام المواريث الواردة في القرآن الكريم ، من ذلك قــوله صلى الله عليه وسلم :
 إن الله أعطى كل ذي حق حقه ، ألا لاوصية لوارث 
كما أكمل  أحكام المواريث ، من ذلك قــوله صلى الله عليه وسلم :
 ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر 
ومنه تحديده صلى الله عليه وسلم لميراث الجدة ، وبنت الإبن مع البنت ، والأخت مع البنت ، وميراث العصبات مع أصحاب الفروض ، والإرث بولاء العتاقة ، وبعض شروط الإرث .
3 – الصحابة رضي الله عنهم : وقد اشتهر منهم بعلم الفرائض أربعة : علي بن أبي طـــالب ( ت 40 هـ ) ، وزيد بن ثابت ( ت 45 هـ ) ، وعبد الله بن عــبـــاس ( ت 68 هـ ) ، وعبد الله بن مسعود ( ت 32 هـ ) . ولم يتفق هؤلاء في مسألة إلا وافقتهم الأمة ، وما اختلفوا إلا وقعوا فرادى ، ثلاثة في جانب ، وواحد في جانب ... وعن القفال ( ت 336 هـ ) : أن زيدا لم يهجرله قول ، بل جميع أقواله معمول بها بخلاف غيره " .
و قد أجمعوا على بعض الأحكام الأخرى ، كميراث الجد عند عدم الأب ، وكذا نصيب ابن الابن ، ونصيب الأخت لأب .
4 – الإجـمـاع : وهي المسائل المتعلقة بالميراث ، والتي اتفق عليها أكثر علماء المسلمين، " وجـلها له أصل من الـكـتـاب أوالـسـنـة ، بعضها غير قاطع الدلالة على المعنى " . وقد أوردها ابن المنذر في ( ت 318 هـ ) في كتابه الإجماع ، وقد بلغ عدد مسائل الميراث المجمع عليها ثلاث وخمسون مسألة .
وإذا أضفنا إليها مسائل كتاب الولاء ، وعددها خمسة مسائل ، ومسائل كتاب الوصايا وعددها أربعة عشر مســـألة - وذلك لصلتها الوثيقة بكتاب الـفرائض حيث تتضمن أحكاما متعلقة بالوصية والإرث – فإن عدد مسائل الباب تصبح إثنين وسبعين مسألة ، وإذا علمنا أن عدد المسائل المجمع عليها في الكتاب هي خمسة وستون وسبعمائة مسألة تبين أن المسائل المتصلة بالفرائض هي من أكثر القضايا الفقهية المجمع عليها ، مما يبين ثبات أحكام الميراث ، لأنها تشريع متصل بالأسرة ، وبتدبير تداول المال في المجتمع بشكل سلمي وعادل ، كما أنه يبين حرص المشرع على المحافظة على التكافل الأسري ، وصيانة الكيان الأسري مما يهدد سلامته واستقراره .
5 - الاجـتـهاد : ومجاله ضيق هنا للأسباب السالفة الذكر ، ويتمثل في ترتيب الورثة ، وتفصيل بعض أنواعهم التي أجملها القرآن الكريم ، ولم تبينها الـسـنة الـنـبـوية الشريفة .
ويبين السهيلي ( ت هـ ) كيف تتآزر هذه المصادر لإقرارصرح هذا العلم : " قال السلف من علماء الأمة : قد أبقى القرآن موضعا للسنة ، وأبقت السنة موضعا للاجتهاد والرأي ، ثم إن القرآن أحال على السنة بقوله  :
 وما آتاكم الرسول فخذوه 
وأحال الرسول صلى الله عليه وسلم بعدما بين من أصول الفرائض على زيد بن ثابت ( ت 45هـ ) بقوله  في الحديث :
 وأفرضهم زيد بن ثابت 

فصار قول زيد أصلا عول عليه الفقهاء ، واستقر العمل به " .
 
التطور التاريخي للمواريث .

التطور التاريخي للمواريث .

بسم الله الرحمن الرحيم
و الصلاة و السلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين
( سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ )
ـالبقرة:32 ـ​


لاتصال نظام المواريث بالبناء العقدي، والنظم الاجتماعية والسياسية، والاقتصادية للمجتمعات البشرية، فإن الأمم السابقة كانت لديها تشريعات سماوية أو وضعية، تتضمن أحكام المواريث، وقد كانت أحكام المواريث تختلف من أمة إلى أخرى لاختلاف تصوراتـها العقدية، ونظمها الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية .

نظام المواريث عند الأمم السابقة :

1 – الإرث عند قدماء المصريين : كانت الأرض ملكا للفراعنة، وكان أرشد أولاد الهالك يحل محله في زراعة الأرض والانتفاع بها ، ومن ثم فإن نظام المواريث عندهم قائم على توريث أرشد أولاد المورث ، فإن لم يوجد فإن التركة تنتقل إلى الأعمام ، فالأصهار، فسائر العشيرة .
2– الإرث عند اليونان والرومان : التركة عند اليونانيين من نصيب أكبر أبناء الأسرة ، وتكون رئاسة الأسرة له ، وقد تطور عندهم نظام الميراث في القرن السادس قبل الميلاد ، لتقسم التركة بين أبناء الهالك الذكور، فإن فقدوا، انتقلت التركة لأقرب عصباته .
أما الرومانيون فمن أجل المحافظة على الثروة، وتركيزها في أيدي الأسر النبيلة، وصيانته من التفتت، فإنهم ابتكروا نظاما خاصا بهم في الميراث، حيث يحرم من الميراث أولاد الصلب الذين زالت عنهم سلطة آبائهم بسبب التبني أو التحرير، ومن ثم حرموا التوارث بين الأم وأولادها، وذلك حتى لا تنتقل الثروة إلى أسر أخرى .
3- الإرث عند أهل الكتاب : لا يجعل اليهود للبنت حظا من ميراث الأب إذا كان له ولد ذكر، فالرجل هو عماد الأسرة عندهم، ومن ثم فإنهم لا يورثون المرأة سواء كانت أما، أم زوجة، أم بنتا، أم أختا للهالك، وتنتقل التركة إلى الإبن فإن لم يوجد فإلى الأخ أو العم .
وأسباب الميراث عند اليهود تتمثل في : البنوة، والأبوة، والأخوة، والعمومة. ولذلك فإن الزوجة لا ترث من تركة زوجها إذا توفي قبلها، وهو يرثها إذا توفيت قبله .
أما النصارى فليس لهم نظام خاص بالإرث، لأن الإنجيل لم يتعرض للتشريعات التي تنظم العلاقات المختلفة، بل اقتصرت المسيحية على معالجة النواحي الخلقية والوحية، ومن ثم استنبطوا أحكام الميراث من التوراة والنظام الروماني، وفي الأردن أخذ المسيحيون بنظام الإرث الإسلامي .
4- الإرث عند العرب : كان نظام الميراث عند العرب يقوم على الأسباب التالية :
أ – القرابة : وقد كان الإرث بالنسب عندهم مقصورا على الرجال الأشداء الأقوياء، الذين يجيدون ركوب الخيل، وحمل السلاح، ومن ثم فإنهم لايورثون الطفل الصغير ولو كان ذكرا، ولا المرأة مهما كانت درجة قرابتها، وكانوا يقولون : " لا يعطى إلا من قاتل على ظهور الخيل ، وطاعن بالرمح ، وضارب بالسيف ، وحاز الغنيمة " .
ب – الحلف : وقد كان يقوم على تعاقد بين رجلين على النصرة . فإذا قال رجل لآخر : " دمي دمك وهدمي هدمك، وترثني وأرثك "، وقال الآخر ذلك تم التحالف والتعاقد ، فإذا مات أحدهما أخذ صاحبه من ماله ما شرطه له، أو سدس ماله إن لم يكن بينهما شرط، وكان يسمى ميراث الحلف أو ميراث المعاقدة .
ج – التبني : إذا نسب الرجل إليه ولدا ، وإن كان أبوه معروفا، فقال له : أنت إبني، أرثك وترثني، يصبح ولده تجري عليه أحكام البنوة كلها من الإرث، والنكاح، والطلاق، ومحرمات المصاهرة، وغير ذلك مما يتعلق بأحوال الابن الصلبي على الوجه الشرعي المعروف . و من ثم فإنه يرثه مع أبنائه الذين من صلبه، فإذا لم يوجد من يستحق منهم الميراث انفرد به .
 
بسم الله ، والصلاة والسلام على رسول . أما بعد :
بارك الله في فضيلة الأستاذ أحمد بزوي الضاوي على هذه الدراسة ، ومما ينبغي التذكير به من القواعد في هذا المقام:
أولاً : المال مال الله والإنسان مستخلف فيه قال تعالى : " وآتوهم من مال الله الذي آتاكم " وقال تعالى :
ثانيا : المال محله الأيدي لا القلوب وروي عن الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز أنه قال : اجعلوا هذا المال في أيديكم ولا تجعلوه في قلوبكم . "
ثالثا : المال يجب أن يكون في الأيدي الأمينة التي تستثمره وتنميه وتزكيه وتصرفه فيما ينفع الأمة قال تعالى : " ولا توتوا السفهاء آموالكم التي جعل الله لكم قيما "
جزاك الله خيرا فضيلة الأستاذ ونحن في انتظار المزيد....وفقكم الله لما يحبه ويرضاه
 
العقيدة والاقتـصاد الإسلامي

العقيدة والاقتـصاد الإسلامي

إن فهم الأحكام الشرعية المتعلقة بالمواريث ذات الصلة الوثيقة بالاقتصاد الإسلامي يتطلب منا الرجوع إلى العقيدة الإسلامية باعتبارها المؤطر الحقيقي لكل جوانب حياة الإنسان المسلم .
فكثير من الناس لا يفهم سبب منع المالك من التصرف في ملكه بعد وفاته ، ويعتبرون ذلك تحجيرا على الحرية الشخصية ، بل هناك من يعتبر أن هناك تناقضا بين هذا الأمر وحرمة الملكية الخاصة وحمايتها .كما أنهم لا يفهمون لماذا منع المشرع التوارث بين أهل ملتين ، وحرمان الكافر ، والمرتد من الميراث ، فضلا عن استغرابهم لإدخال بعض الأموال والحقوق ضمن التركة ،وإخراج بعضها الآخر من التركة ، أي مما يجري فيه الإرث ،رغم أنهم يعتبرونه مالا متقوما ، أو حقا له صلة بالمال .
و لايمكن فهم هذه القضايا ، وإدراك الحقيقة و الحكمة ، إلا بالرجوع إلى العقيدة الإسلامية ، التي هي الأساس الذي تقام عليه الشريعة ، فتوحيد الربوبية ينص على أن الله تعالى هو الخالق ، و المالك ، و المدبر . ويرتبط بتوحيد العبودية أي إنه سبحانه هو وحده المعبود بحق ، فلما تفرد الله تعالى بالخلق تعين أن يتفرد بالعبادة . ويرتبط بهما توحيد الحاكمية، أي إنه سبحانه لما كان خالقا فإنه أعلم بمن خلق ، ومن ثم استأثر بالتشريع رعاية لمصالح وحقوق العباد ، فكان سبحانه مصدرا للتشريع والحقوق .
وتتجلى هذه العقيدة في المجال الاقتصادي ، حيث يستقر في وجدان الإنسان المسلم أن المال مال الله ، لأنهسبحانه وتعالى هو وحده المالك بحق :
(الحمد لله رب العالمــين )
(وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه )
( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم )
وأما العباد فهم مستخلفون من قبله ، يقول تعالى :
(وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة )
أو وكلاء في التصرف ، فهم لا يـملكون الأشياء ملكا حقيقيا ، وإنـما ملكا مجازيا، بناء على عقد الاستخلاف ، ومن ثم فإنـهم لا يـملكون التصرف في هذا المال تصرفا مطلقـا ، وإنـما يكون تصرفهم مقيدا بالشرع ، فهم يتصرفون وفق إرادة المالك الحقيقي ، بحيث يسعى لعمارة الأرض واستخراج ثـمراتـها ، والسعي فيها إصلاحا لا إفسادا .
ويمكن إجمال القواعد الشرعية في ما يلي :
1-كل حلال أو مباح تكمن فيه المنفعة فهو مال ، وكل ما حرمه الشرع وإن كان متقوما فإنه لا يعتبر في نظر الشرع مالا، فالخمر والمخدرات ، وريع الفسق والفجور، وحصيلة القمار والميسر ليست مالا ، فلا يحل امتلاكه بمختلف أوجه التملك الشرعية ، ومن ثم فإنه لا يورث، ولا يوصى به ، ولا يوقف .
2-يتعين أن تكون أسباب التملك شرعية، ويمكن إجمالها في ما يلي :
2 - 1 - العمل .
2 - 2 - الميراث .
2 - 3 - المعاوضات.
2 – 4 - الهبات .
2 –5 - الوصايا .
2–6 - الوقف .
2 –7 - الغنيمة .
2 -8 - إحياء الأرض المـوات ( استصلاح الأراضي ) .
2 – 9 - الصدقات .
2 –10 - الإقطاع( توزيع الدولة للأراضي على المنتفعين بها).
3 ـ التصرف في الملك ، ونقصد به مختلف أوجه الإنفاق والاستثمار،مقيد بأن يكون في ما يحقق المصلحة الخاصة ولا يلحق الضرر بالمصلحة العامة . وبدون إسراف أو تقتير . وفضلا عن ذلك فإن الاستثمار يتعين أن يكون في الحلال ، وفي الضروريات قبل الكماليات، سعيا لإشباع الضروريات،وتحقيقا للاكتفاء الذاتي الذي هو مدخل أساس للتحرر الاقتصادي .
4 ـ حمى المشرع الملكية الخاصة ، وقيدها بعدم الإضرار بالجماعة المسلمة ، وأوجب على صاحبها فرائض متمثلة في الزكاة ، والإنفاق في سبيل الله ، وأداء الحقوق للأجراء ، والتوسعة في النفقة على العيال وأهل بيته ، ومنعه من الإسراف أو التقتير ، فالملكية الخاصة بالشروط الذكورة محمية من كل اعتداء سواء بالسرقة أو غيرها من طرق الغش والاحتيال ،والنصب والتدليس . ولم يوجب قطع اليد إلا إذا توافر حد الكفاية ، أي ما يضمن للإنسان حياة كريمة ، لا حد الكفاف .وهو من أرقى ما وصل إليه العالم المتقدم اليوم، وهو من أهم الأهداف التي تسعى الدول إلى تحـقيقها والوصول إليها . مما حمل المنظومة الدولية على تضمينه الميثاق الدولي لحـقوق الإنسان .
 
الاقتصاد الإسلامي ومقاصد الشريعة

الاقتصاد الإسلامي ومقاصد الشريعة

عملت الشريعة الإسلامية على اعتبار المال مقصدا من مقاصد ها الضرورية وهي الكليات الخمس التي ينبغي أن تراعى وتحمى :
1 – حفظ الدين .
2 – حفظ النفس .
3 –حفظ العقل .
4 – حفظ النسل .
5 – حفظ المال .
ومن ثم نجد التشريع الإسلامي اهتم بتنظيم المعاملات المالية ، ووضع التشريعات التي تحمي الملكية الخاصة من كل اعتداء ، وبين حدودها ، ومنع الإضراربالمصلحة العامة ، وحرم الغش والغرر ، والتدليس والنصب و الاحتيال ، والربا والاحتكار والكـنـز ، وبين الحقوق والالتزامات .
والميراث يدخل ضمن هذا التوجه العام لصيانة المال وتنظيم نقله من جيل إلى آخر بطريقة سلمية ، حيث عمل على احترام فطرة الإنسان، فملك نتاج جهده وعنائه طوال حياته لأقرب الناس إليه ، وهم أصـوله وفروعـه ، الأقرب فـالأقـرب .
فالميراث يعمل على نقل ثروة الإنسان لمن يحبه ، وفي ذلك تشجيع على الادخار والاستثمار، ولا يخفى على أحد ما لهذين العنصرين الاقتصاديين من أهمية قصوى على اقتصاديات الأمة ، فضلا عن تفتيت الثروة ، ومنع تكديسها في أيد قليلــــة :
( حتى لا يكون دولة بين الأغنياء منكم )
 
مـا يـجـري فـيـه الـمـيـراث 1.

مـا يـجـري فـيـه الـمـيـراث 1.

ما يورث شرعا :​

هذه المسألة مرتبطة بمفهوم المال والملكية في الإسلام ، المرتبطين بدورهما بالعقيدة الإسلامية، مما يبين تكامل مكونات التصور الإسلامي ، مما يجعل من الإسلام نسقا متكاملا لا يمكن فهم إحدى جزئيا ته إلا في إطاره الكلي .
وما يجري فيه الميراث ليس هو كل ما يخلفه الميت من تركة ، والتي تختزل في الأموال المتعارف عليها ، وتسقط الحقوق الأخرى ، مما يبسط المسألة من جهة ، ويضيع على المرء إدراك تكامل المنظومة الإسلامية ، والوقوف على حكمة و عدالة التشريع الإسلامي من جهة أخرى.
ليس كل ما له قيمة مادية أو منفعة ، أو حقا من الحقوق العينية أو الشخصية يورث ، فما يورث شرعا هو كل ما له قيمة مادية بين الناس ،ويمكن تقويمه بالنقد سواء أكان عينا أم منفعة، أم حقا من الحقوق ، وأجاز المشرع الانتفاع به في حالة السعة والاختيار ، أي في الظروف العادية مع استثناء ما يباح في حالة الاضطرار والشدة، ومن ثم فإنه يشترط في ما يورث أن يكون معتبرا مالا في حكم الشرع بأن يتحقق فيه شرطان :
1- أن تكون له قيمة مادية بين الناس .
2 - أن يبيح الشارع الانتفاع به في الحالات العادية ، دون أن تلجئ إليه الضرورة، باعتبارها حالة استثنائية لها أحكامها الخاصة .
ونخلص مما سبق إلى هذه النتيجة ، وهي أن كل ما يحل تملكه يجري فيه الإرث ، سواء كان عينا أم منفعة ، ماديا أم معنويا ، لأن المنافع أموال مصدرها الأعيان ، كمـا أن الأعيان تراد لمنافعها .
 
الأموال والحقوق التي يجري فيها الميراث

الأموال والحقوق التي يجري فيها الميراث

أعيان الأموال وما يرتبط بها : ونقصد به كل ما أباح الشارع تملكه من المال، وله قيمة استبدالية أو انتفاعية كالذهب والفضة، والسندات، والأسهم والديون، والزروع والثمار، والأنعام، وعروض التجارة، والعلامة التجارية، والمحل التجاري، والأدوات الصناعية، والعقار . وبناء عليه "فالأرض التي جرى ملك مسلم معروف هي له و لورثته من بعده، كغيره من الأملاك ، ولا ينتقل عنه بصيرورة الأرض مواتا لأصالة بقاء الملك، وخروجه يحتاج إلى سبب ناقل وهو محصور في البيع أو الهبة، أو الوقف ، أو غيرها . وليس من الأسباب الناقلة للملكية الخراب " .
كما أن العطاء المستحق يورث، وكذلك دية القتيل موروثة على الفرائض، كما تورث معاشات العمال والموظفين وهي لأزواجهم ، وأولادهم المحتاجين.
واختلفوا في الثروات المعدنية هل تورث أم لا ؟ بناء على اختلافهم في ملكيتها،فذهب المالكية إلى أنها لا تملك ، لأنهم ينظرون إليها على أنها ملكية عامة ، ومن ثم فإنهم يقولون بأنها لا تورث . وذهب الظاهرية إلى جواز تملكها ومن ثم فإنهم يقولون بتوريثها .
– الحقوق التي يجري فيه الميراث :
1- حق الله : المقصود بحق الله حق المجتمع ،لأن الله تعالى غني عن العباد، وإنما نسب هذا الحق لله تعالى تعظيما لشأنه حتى لا يتجرأ أحد على انتهاكه، وحتى يعمل المجتمع كله على صيانته وحمايته من كل من يروم انتهاكه، لأن المصلحة العامة مرتبطة به، ويدخل ضمن هذا الحق الإيمان بالله، والعبادات،والحدود،والمرافق العامة، ويتميز حق الله بأنه لا مدخل للصلح فيه كالحدود والزكوات والكفارات، وإنما الصلح في إقامتها لا في إهمالها . كما أنه لا يجري فيه التوارث، لأنه حق عام لكافة أفراد المجتمع .
2 - حق الإنسان : وهو ينقسم إلى قسمين :
أ‌. 3-2-2-2-1- حقوق شخصية : كالوظيفة، والولاية، وحد القذف، والعواري، والودائع والنكاح، فهي لا تورث لأنها حقوق مرتبطة بذات الشخص، وبمواصفات معينة قد تحققت فيه.
ب‌. حقوق متصلة بالمال : ويمكننا إجمالها في الحقوق التالية :
- حق الشفعة .
-حق الانتفاع .
-حق الانتفاع بالموصى به .
-حق رهن العين حتى استيفاء الدين .
- حق حبس المبيع حتى استيفاء الثمن .
- حق التأليف والابتكار .
- حق الامتياز .
- حق الملكية التجارية ، سواء كانت علامة تجارية أو محلا.
- حق الانتفاع الشخصي ، كالإجارة وهو حق موقوت بأمد ينتهي عند حلوله، وهو حق اختلف العلماء في توريثه، وتحقيقا للعدالة الاجتماعية، واعتبارا للوضعية المزرية لكثير من فئات المجتمع في أغلب البلدان فإننا نرى أن توريث هذا الحق أصبح له ما يبرره، مع عدم الإضرار بمصلحة الملاك ، تطبيقا لقاعدة لا ضرر ولا ضرار .
-حقوق الارتفاق : وهي الحقوق المرتبطة بالشيء المملوك، الـذي لا يمكن الانتفاع به بدونها، أو تكون المنفعة ناقصة، ومن ثم فهو حق مرتبط وجوده بوجود الشيء المملوك، لا يزول إلا بزواله، ومن ثم فهو يورث لأنه حق من الحقوق المالية، ومن هذه الحقوق حق الشرب، والسقي، والمسيل، والمجرى والمرور، والتعلي أي ملكية الطبقات، أو ما يسمى اليوم بالملكية المشتركة .
 
الحقوق المتعلقة بالتركة

الحقوق المتعلقة بالتركة

حـــــق اللــــــه​

الحقوق المتعلقة بالتركة :

حــق اللــه :

وهو يتمثل في ديون الله المتعلقة بذمة الميت ، وقد سبق أن بينا أن المقصود بحق الله حق المجتمع ، وهي تتمثل في :
1 ـ الزكاة .
2 ـ الكفارات .
3 ـ الحج الواجب .
4 - النذر .
حصل خلاف بين العلماء في وجوب الوفاء بديون الله المتعلقة بذمة الهالك ، فالشافعي
( ت 204 هـ ) ـ رحمه الله ـ يرى أن الهالك إذا فرط في أداء الزكاة والحج ، وجب إخراجهما من التركة مهما كانت، وتقدم على الدين والوصية ، والميراث ، سواء تعلق الأمر بعين أو ماشية أو زرع .
وحجة الشافعي ( ت 204 هـ ) أن الزكاة والحج الواجب دين فيجب إخراجهما بناء على الآية الكريمــــــــــــة :

) من بعد وصية يوصي بها أو دين (
فهما دين تعلق بذمة المتوفى ، يتعين الوفاء به ، مثله مثل حقوق العباد ، خاصة الزكاة التي مصرفها للعباد .
وذهب مالك ( ت 179 هـ) إلى أن الهالك إذا فرط في إخراج الزكاة أكثر من سنة، فإنها لا تخرج عنه إلا أن يوصي بها ، فتكون من ثلث التركة مثلها مثل الوصية ، وقد علل ابن العربي ( ت 543 هـ ) موقف مالك ( ت 179 هـ ) ـ رحمه الله ـ بأن إخراج الزكاة التي فرط المتوفى في إخراجها قد يأتي على التركة كلها، وذلك إضرار بالورثة نهى الشرع عنه ، فضلا على أن المكلف إذا علم أن ورثته سيؤدون عنه الزكاة التي فرط في أدائها ، سيدفعه إلى التفريط في القيام بهذه العبادة المالية في وقتها، وتأجيلها إلى ما بعد موته . يقول ابن العربي( ت 543 هـ ) : " ومتعلق مالك أن ذلك موجب إسقاط الزكاة أو ترك الورثة فقراء، لأنه يتعمد ترك الكل، حتى إذا مات استغرق ذلك جميع ماله ، فلا يبقى للورثة حق ، فكان هذا قصد ا باطلا في الشريعة نقض عليه قصده ، تحقق ذلك منه أ, اتهم به إذا ظهرت علاماته، كما قضينا بحرمان الميراث للقاتل".
ويقول أبو حنيفة ( ت 150 هـ ) ـ رحمه الله ـ بسقوط وجوب الزكاة بوفاة الـمكلف ، إلا أن يوصي فتعتـبـر وصية فـي حدود الثلث . وهوما قرره الجصــــاص ( ت 370 هـ ) عند تفسيره لقوله تعالى :
 من بعد وصية يوصي بها أو دين 
" يدل على أن من ليس عليه دين لآدمي ، ولم يوص بشيء أن جميع ميراثه لورثته ، وأنه إن كان عليه حج أو زكاة لم يجب إخراجه إلا أن يوصي به ، وكذلك الكفارات والنذور، فإن قيل إن الحج دين ،وكذلك كل ما يلزمه الله تعالى من القرب في المال، لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ للخثعمية حين سألته عن الحج عن أبيها :  أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته أكان يجزئ؟  ، قالت : نعم. قال :  فدين الله أحق بالقضاء  . قيل إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إنما سماه دين الله ، ولم يسمه بهذا الاسم إلا مقيدا فلا يتناول الإطلاق . وقوله تعالى :
 من بعد وصية يوصي بها أو دين 
إنما اقتضى التبدئة بما يسمى به دينا على الإطلاق ، فلا ينطوي تحته ما لا يسمـى به إلا مقيدا ، لأن في اللغة والشرع أسماء مطلقة، وأسماء مقيدة ، فلا يتناول المطلق إلا ما يقع عليه الاسم على الإطلاق ، فإذا لم تتناول الآية ما كان من حق الله تعالى من الديون لما وصفنا اقتضى قوله تعالى :
 من بعد وصية يوصي بها أو دين 
إنه لم يوص ولم يكن عليه دين لآدمي أن يستحق الوارث جميع تركته ، وحديث سعد يدل على ذلك أيضا ، لأنه قال : أتصدق بمالي ، وفي لفظ آخر : أوصي بمالي .فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ :  الثلث ، والثلث كثير  ، ولم يستثن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الحج، ولا الزكاة ، ونحوه من حقوق الله تعالى، ومنع الصدقة والوصية إلا بثلث المال ، فثبت بذلك أنه إذا أوصى بهذه الحقوق كانت مكن الثلث … " .
ومن الفقهاء من يقدم الزكاة على سائر الحقوق والديون ، وذلك لأن الزكاة عبادة مالية أناط بها المشرع تحقيق مقصد اقتصادي وهو عدالة توزيع الثروةبين أفراد المجتـمع، ومقصد اجتماعي وهو الحد من الفوارق الطبقية ، وما يترتب عنها من تهديد للسلم الاجتماعي .
وذهب ابن أبي زيد القيرواني ( ت 387 هـ ) أن الزكاة لا تجب في التركة إلا بعد حولان الحول ، وفي ذلك مراعاة لمصلحة الورثة ، وحرصا على أن يؤدي الميراث الوظائف الاقتصادية والاجتماعية التي أناطها به المشرع ، والمتمثلة في توزيع الثروة بين أفراد المجتمع ،وتوسيع قاعدة الملاك ،مما يمكن من المنافسة الشريفة ،ويؤدي إلى الزيادة في الاستهلاك،الذي يشجع على الزيادة في الإنتاج المرتبط بالزيادة في الاستثمار، مما يحقق الرفاه الاقتصادي ، كما أنه يعمل على تحقيق التكافل الاجتماعي ، وإقرار مبدأ العدالة الاجتماعية والحقوقية المتمثلة في القاعدة الذهبية " الغنم بالغرم " والتي تترجم حقوقيا إلى تحقيق التوازن بين الحقوق والالتزامــــات .
وإخراج الزكاة عن المتوفى فيه إخلال بهذه القاعدة ، إذ إن الزكاة قد تأتي على كل التركة ، وهو غرم في مقابل غرم آخر ، يتمثل في إلزام الورثة بالنفقة على قريبهم في حالة العجز. كما أن هذا الأمر قد يعمل على الإخلال بقاعدة التكافل الأسري الذي عمل النظام الإسلامي على إقراره ، وصيانته عن طريق كثير من التشريعات منها الميراث .
 
حق الميت

حق الميت

للميت حقوق في المال الذي يتركه، ويمكن إجمال هذه الحقوق في :
1 ـ تكفينه ، ودفنه ، وهو من أولى الحقوق ، صيانة للكرامة التي ارتضاها الله لبني آدم :
( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا )
2- الوفاء بديونه المتعلقة بحقوق الله تعالى ، أو حقوق العباد .
3- حق الوصية لغير الورثة في حدود الثلث ، ويجب تنفيذ وصيته .
4- له كذلك أن يوقف ما يشاء في حال صحته على أوجه البر والإحسان، وهو ما - يسمى بالوقف الخيري - كل ما يمكن أن يحقق المصلحة العامة.
ودراسة الوقف الخيري في الإسلام تبين مدى رهافة حس الإنسان المسلم ، إذ إنه لم يترك مجالا لإسعاد المحرومين ، ومساعدة المحتاجين ، وإدخال البهجة والسرور على قلوب المكلومين إلا وجعل له وقفا ، فشمل إحسانه الإنسان ، فأوقف على التعليم ، والتطبيب ، ومرافق العبادة ، وأربطة الجهاد ،والزواج ،والأفراح ،والأتراح ،وعم فضله الخدم ، والمرضى ، والعجزة ، والمعوقين . وشملت رؤيتهم الحانية الطير ، والحيوان .
وهناك الوقف الأهلي ، وهو أن يوقف المالك ما يملك على أهله ، ولا يحق لهم التصرف فيه بالبيع أو الرهن ، أو الهبة ، فليس لهم إلا الانتفاع به . وهذا التصرف من قبل المالك في الملك بعد الوفاة مخالف ـ في اعتقادنا لمقصد المشرع ـ لما فيه من إخلال بقواعد الميراث ، التي تنعكس سلبا على المجالين الاقتصادي والاجتماعي .
ويشترط في الوقف أن يكون في حالة صحة المالك ، أما إذا مرض المرض الذي توفي فيه فإنها تكون وصية تمضى في حدود الثلث ، إلا أن يجيز الورثة ذلك . كما أنه إذا أوقف وقفا ولم يحز قبل موته فهو ميراث .
وليس للمالك الحق في أن يهب بعض ولده ماله كله ،لما في ذلك من إخلال بقاعدة المنافسة العادلة ، أما الشيء اليسير فجائز ، خاصة إذا كان هناك مبرر موضوعي كضعف البنية ، أوفي العقل ، وكثرة العيال ، أو كان إخوته ميسورون وبه فاقة .ولا يجوز للمالك التبرع بكل ماله لما فيه من إضرار بالورثة ، وإخلال بقواعد الميراث ، ومقاصده الشرعية . ويتعين على الموهوب له حيازة الهبة قبل موت الواهب ،وإلا فهـي ميراث .
كما أنه لا يجوز إقرار المريض لورثته بدين ، أو قبضه ، لما قد يكون فيه من نية الإضرار ببقية الورثة ، ولانعكاسه السلبي على عدالة التوزيع . وحرصا من المشرع على المسارعة إلى إيفاء الحقوق إلى أصحابها، وعدم تأجيلها إلى حين الوفاة ، حيث يعلم المالك يقينا أنه خارج عن ماله ، وأنه صائر إلى غيره ، فيريد إبراء ذمته مما سيملكه غيره فلم يعتد المشرع بصنيعه،لما في ذلك من إضاعة للحقوق ، وعدم الوفاء بها في وقتها ، مما يحمل الإنسان على التنزه عن الحرص والشح ، والمسارعة إلى أداء حقوق الغير، مما يملكه وهو في تمام الصحة والعافية .
 
حــق الــورثــة

حــق الــورثــة

بعد تجهيز الميت ودفنه ،وإخراج الدين ،سواء تعلق الأمربديون الله تعالى ، أو ديون العباد ، وتنفيذ الوصية ، ما بقي من مال الهالك يعتبر تركة من حق الورثة تقسم بينهم وفق القاعدة الذهبية الغنم بالغرم ، أي بقدر ما تستفيد بقدر ما يلحقك من ضرر ،ويمكن التعبير عنها حقوقيا بقولنا :" بقدر ما لك من حقوق بقدر ما عليك من واجبات "، وبحسب القرابة، والحاجة ، وذلك تحقيقا لعدالة التوزيع .

الـوصـيـة :

وردت الوصية في القرآن الكريم مقدمة على الدين ،وذلك في قوله تعالى:
( من بعد وصية يوصي بها أو دين ) سورة النساء ، الآية 88 .
وذلك لحض الورثة على تنفيذ وصية الراحل ، لأنها حق له ،فقد أباح المشرع للإنسان أن يمتد تصرفه إلى ما بعد الموت في حدود الثلث ،وقد مضى تقديم الدين على الوصية عملا بالسنة النبوية الشريفة ، ولأن الدين واجب ،والوصية تبرع ، والابتداء بالواجب أولى .
ولا ينبغي للمالك أن يتعمد الإضرار بالورثة إذا أدركه الموت ، كأن يوصي لمن ليس محتاجا، أو يقر بما ليس ثابتا عليه ، كالوفاء بالدين المتعلق بذمة الغير ، أو الإقرار بدين للغير .
ومن الناحية الاقتصادية تعتبر الوصية طريقا من طرق نقل الملكية ، متمثلا في نقل عين أو منفعة، جزئيا ، أو كليا إلى الموصى له بعد موت الموصي ، شريطة أن لا تتجاوز ثلث التركة، وأن لا يكون الموصى له وارثا . ويمكن تأويل هذين الشرطين اقتصاديا بحرص المشرع على المنافسة العادلة، فالوارث إذا أخذ نصيبه من الميراث بالإضافة إلى ما أوصى له به الهالك فإن حظوظه تكون أكثر ، ومن ثم ينعدم شرط المنافسة العادلة وهو المساواة .
أما الشرط الثاني فإنه يبين عدالة التوزيع التي أقرها الشارع الحكيم حيث يتم توزيع المال عن طريق الميراث بشكل دوري كل جيل ، مما يوسع قاعدة المالكين ،ويمكن من المنافسة العادلة ، ويحظ على الاستهلاك ، ويشجع الاستثمار .
كما يمكن تأويل هذين الشرطين اجتماعيا بحرص المشرع على التماسك الأسري،والتكافل بين أعضاء الأسرة ، فإذا أوصى المالك بكل ماله للغير ، أو بالقسم الأكبر فإن ذلك مدعاة لتفكك الأسرة، وملئ النفوس بالإحن والأحقاد،وكلها آفات نفسية تكون لها عواقب وخيمة تهدد سلم وأمن المجتمع .
وتعمل الوصية - بالشروط المذكورة - على توثيق الروابط الاجتماعية ، حيث يتاح للمالك التبرع بماله سواء كان عينا ، أو منفعة ، أو دينا.ولا تنتقل الملكية إلى الموصى له إلا بعد موت الموصي .
والوصية مكملة لما لا يمكن للميراث الوفاءبه ، عملا بـمبدأ تكامل أحكام الشريعة الإسلامية وتآزرها تحقيقا لمقاصدها السامية ، حيث تعمل على تدعيم قاعدة التوزيع ، وتوسيع نطاق المالكين ،بتجاوزها الورثة إلى غيرهم من الفقراء والمحتاجين ،مما يمكنهم من القدرة على المنافسة ، والقدرة على الاستـهلاك ، وتشجيع الاستثمار ، والزيادة فـي الإنتاج ، مما يعمل على تحقيق الرفاه الاقتصادي . وفي ذلك تحقيق للعدالة الاجتماعية ، المتمثلة في خلق مجتمع تعادلي ، يتساوى الناس فيه في الغنى ، بأن يضمن حد الكفاية ، ثم يفتح المجال بعد ذلك للمتفوقين ، والمتميزين ليبرزوا مهاراتهم ، ويحققوا بموازاة ذلك تميزا ماديا .
وينبغي أن نتبين أن الوصية لا تخرق القاعدة الشرعية المتمثلة في تحديد زمن الملكية في حياة المالك ، وأن التصرف ينتهي بوفاته ، ذلك أن الوصية بما أنها تصرف للمالك في ماله بعد وفاته استثناء تبرره الجوانب الاقتصادية والاجتماعية السالفة الذكر . ليظل التحديد الزمني للملكية هو القاعدة .
وقد حصل خلاف بين العلماء في أولى الحقوق بالتقديم ، ومدار الخلاف في اعتقادي يتعلق باختلاف وجهات النظر حول القضايا التالية :
أ ـ اعتبار المصلحة :حصل في هذه المسألة خلاف بين علماء الأمة ، فمنهم من اعتبر المصلحة العامة أولى بالتقديم ، وقد اصطلحوا عليها بحقوق الله . ومنهم من يقدم المصلحة الخاصة، وقد اصطلحوا عليها بحقوق العباد ، وبالنسبة للمواريث تدخل ضمنها مصالح :
1 ـ مصلحة الميت ، والمتمثلة في تجهيزه ودفنه .
2 ـ مصلحة أصحاب الحقوق :
- أصحاب الحقوق المتعلقة بذمة المتوفى كالدين .
ـ حق الموصى لهم .
ـ حق الورثة .
وفي اعتقادي فإن تقديم أحد هذه الحقوق على الحقوق الأخرى رهين بواقع الأمة ، ومراعاة المصلحة العامة دون الإضرار بالمصلحة الخاصة ، تحقيقا لمقصد المشرع في بناء مجتمع تعادلي، يضمن فيه حد الكفاية ، ويسمح فيه لأهل الكفاءة والخبرة بالتميز والتفوق، مما يفسح المجال للإبداع ، والتميز ، والتفوق ، دون الإخلال بالسلم النفسي والاجتماعي ، الذي لا يمكن أن نتصور تحقق الرفاه الاقتصادي بدونهما .
ب ـ النظر إلى مفهوم العبادة :العبادة في التصور الإسلامي هي كل أمر يصدر من الـله تعالى بالفعل أو الترك ، سواء تعلق الأمر بما يصطلح عليه بالعبادات أم المعاملات، فإذا أقامه المكلف فقد أقام العبادة لله تعالى . وللعبادة وظائف متعددة ، منها الوظيفة الاجتماعية، حيث تعمل العبادة على خلق مجتمع فاضل ، متعادل ، ومن ثم فإن المشرع اشترط فيها النية وهي القصد الحسن ، بأن تكون خالصة لله تعالى ، حتى تؤدي الوظائف التي أناطها بها الله سبحانه ، وحتى تتسم أعمالنا بالإبداع والإتقـان ، وهما من مقتضيات الإخلاص .
والعبادة فضلا عما سبق شأن شخصي ،بمعنى أنها فعل المكلف،ومن ثم فهي مسؤوليـة شخصية ،يتعين على الفرد القيام بهابأركانها وشروطه ، محققة لأهدافهـا ومقاصدها، ومن شروط صحة العبادة أداؤها في وقتها ، ذلك أن المقاصد والأهداف التي أناطها الله تعالى بها لا تحتمل التأجيل ،بل لابد من المبادرة إلى أدائها في وقتها ، حفاظا على السلم في النفس والمجتمع ، ونشر الفضيلة ، وتحقيقا للتعادلية .
ولما كانت الزكاة وغيرها من حقوق الله ـ بما أنها عبادة ـ شأنا شخصيا ، لابد فيه من نية وفعل المكلف ، فإذا فرط فيها المكلف حتى أدركته الوفاة فإنها تسقط ، لأنها حق متعلق بذمة الهالك ، مفتقر إلى نيته وعمله ، وقد فاتا بوفاته، ومن ثم فلا يمكن أن تؤدى عنه . وفي ذلك تحفيز للمكلف على المسارعة إلى الوفاء بها في حياته ، تحقيقا للنفع العام ، ووفاء بحقوق الغير التي لا تقبل التأجيل إلى ما بعــد وفاة المكلف . لأن ذلك من شأنه أن يؤثر على عدالة التوزيع ، حيث يظل المال محبوسا في أيد قليلة ، وعدم تمكين فئات المجتمع الفقيرة من حقهم في أموال الأغنياء ، قد تكون له آثار سلبية على اقتصاديات المجتمع ، حيث تضيق قاعدة المالكين ، مما يترتب عنه ضعف القوة الشرائية، مما يعني قلة الاستهلاك، الذي تكون له آثـار سـلـبـية على الإنتـاج .
كما أن القدرة على المنافسة العادلة تضيق ، وكلها معضلات اقتصادية يتسبب فيها تأجيل الوفاء بحقوق الله تعالى التي هي حق المجتمع إلى ما بعد الموت .
أما الآثار الاجتماعية السلبية فإنها تتمثل في تركز الثروة في أيد قليلة ، مما يجعل المجتمع ينقسم إلى طبقات ، إحداها تملك كل شئ ، والأخرى لا تملك شيئا ، مما يورث حقـدا اجتماعيا، يتهدد سلامة وأمن المجتمع .
ج - النظر إلى طبيعة الحق :اختلفت نظرة الفقهاء لطبيعة الحق المتعلق بالتركة ، هـل هو متعلق بالذمة ، أم متعلق بعين المال .
1 - فإذا كان الحق متعلقا بالذمة فإنه أحد أمرين :
- يؤخر ، إذا كان مستحقا عند الوفاة ، كالزكاة مثلا فإنها إذا كانت مستحقة عند وفاة المالك فإنها تخرج من التركة بعد أداء حق الميت، وحقوق العباد .
- يسقط ، إذا كان المكلف قد فرط في أدائه لسنوات خلـت، فإذا فرط المكلف في إخراج الزكاة لسنوات عدة فإنها تسقط لأنه متعلقة بذمته ، ومفتقرة لنيته وعمله كما سبق أن بينا.
- إذا كان الحق متعلقا بعين المال فإنه يقدم على غيره من الحقوق ن فهي كالرهن الذي لا بد من أدائه ليسلم المال، ومن ثم فإن من الفقهاء من اعتبر الزكاة الـتي يفرط المكلف في أدائها إلى أن يدركه الموت بمثابة رهن ، ويعتبر ذلك منهم حرص على مصلحة الفقراء والمساكين ، وتأمينا لحاجات المستضعفين ، تطبيقا لقاعـدة التوزيع العادل للثروة ، مما يعمل على توسيع قاعدة الملاك ، وتوفير القدرة على المنافسة العادلة، وحرصا منهم على إحداث التوازن بين أضلاع المثلث الاقتـصادي :
1 - الاستهلاك .
2 - الاستثمار .
3 - الإنتاج .
 
نظام الميراث وتوزيع الثروة :

نظام الميراث وتوزيع الثروة :

معايير توزيع التركة :​

وضعت الشريعة الإسلامية نظاما محكما لتوزيع التركة ، وهو يحتكم إلى المعايير التالية:
1- القرابة : يعطى الميراث للأقرب الذي يعتبر شخصه امتدادا في الوجود للشخص الهالك وذلك تمشيا مع الفطرة التي فطر الله الناس عليها ،مصداقا لقوله تعالى :
( زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب )
سورة آل عمران ، الآية 14
( المال والبنون زينة الحياة الدنيا )
سورة الكهف ، الآية 46
فحب التملك ، وحب الاستمرار سببان من أسباب عمارة الأرض ، تحقيقا لمبدأ الاستخلاف، والميراث سبب من أسباب التملك من جهة ، ومن جهة أخرى فإنه يعمل على نقل الملكية من السلف إلى الخلف بطرق سلمية ، فالنفس تستجيب لدواعـي الفطرة فالميراث يعمل على إعطاء ما يحبه الإنسان ( المال ) لمن يحـــبه
( أصوله وفروعه ) ، مصداقا لقوله تعالى :
( للرجال نصيب مما ترك الوالدان و الأقربون وللنساء نصيب )
سورة النساء ، الآية 7 .
فكما يرث الإنسان كل أو بعض صفات أبويه الخلقية والخلقية ، فإنه يرث عنهما كل أو بعض حصيلة جهدهما وعنائهما .
2- الحاجة : عمل المشرع في تقسيم التركة على ملاحظة الحاجة ، فكلما اشتدت الحاجة كان العطاء أكثر ، لذلك كان نصيب الأولاد أكثر من نصيب الوالديـن ، لأن حاجة الأولاد إلى الأموال أشد ، لأنهم في الغالب ذرية ضعاف يستقبلون الحياة بتكاليفها المالية، بينما الأبوان يستدبران الحياة ، ولهم في الغالب فضل مال ، فتكون حاجتهما إلى المال أقل. كما أن نصيب الذكر ضعف نصيب الأنثى لأنـه هو المطالب بنفقة الأولاد و الزوجة ، والمسؤول عن أمه و أخواته ، وبنات عمه إن لم يكن لهن عائل . فالمسألة ليست لها علاقة بتفضيل الرجل على المرأة ، كما تذهب إلى ذلك بعض الكتابات ، وإنما هي مرتبطة بتصور اقتصادي، وبناء اجتماعي ، يقوم على أساس الآية الكريمة :
( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة )
سورة البقرة ، الآية 228 .
أي لهن من الحقوق بقدر ما عليهن من الواجبات ، بل إن الواجب لا تكلف فيه إلا بقدر ما تستطيع وذلك هو مقتضى قوله تعالى :
( بالمعروف )
ومعنى ذلك أن كفة الحق ترجح كفة الواجب في حق المرأة . وهذا ما ذهبت إليه السنـة النبوية الشريفة ، وكرسته معاملة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأهله . ومقتضى قولــه تعالى:
( وللرجال عليهن درجة )
ليس تفضيل الذكر على الأنثى ، لأن السياق القرآني هو الحديث عن الحق والواجب ، وليس تفضيل جنس على آخر ، ومن ثم فإننا نرى أن المسألة ينبغي أن تجد تأويلها في إطار السياق القرآني ، بحيث نفهم من قوله تعالى :
( وللرجال عليهن درجة )
زيادة التكليف ، فالرجل مكلف بتكاليف إضافية لم تكلف بها المرأة ، كالجهاد ، والإنفاق - وهو موضوعنا هنا - حيث يجب على الرجل الإنفاق في جميع الحالات سواء كان ابنا، أم أبا ، أم أخا، أم زوجا ، أم حفيدا ، أم ابن عمومة . فـي حين لا يجب على المرأة الإنفاق في جميع الحالات ولو كانت غنية . ومن ثم فإن نظرة المشرع لا صلة لها بتفضيل الرجل على المرأة ، بقدر ما هي متصلة بتوزيع الأدوار الاجتماعية والاقتصادية بين مكونات المجتمع الإنساني ،والتي لا يمكن للحياة أن تستقيم بدونها، كما أن أي خلل يصيبها تكون له آثار سلبية على النفس والمجتمـع .
ولابد من الإشارة إلى أن نصيب الذكر ضعف نصيب الأنثى ليس قاعدة مطردة حيث نجـد في بعض الحالات نصيبهما يكون متساويا ، فنصيب الأبوين متساو مصداقا لقوله تعالى :
( ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك )
ونلاحظ هنا أن الله سبحانه قد ساوى بين الأب والأم رغم أن قاعدة الموازنة بيــن الحقوق و الواجبات لازالت قائمة ، فنفقة المرأة لازالت متعلقة بذمة زوجها ،والمشرع راعى هنا تقديم حق الأم على حق الأب ، كما بين الحديث النبوي الشريف ذلك .
وكذلك الشأن بالنسبة لميراث الكلالة ، حيث يتساوى نصيب الذكر والأنثى بالنسبة لأخوته من الأم ، يقول تعالى :
( وإن كان رجل يورث كــــــلالة ، أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس ، فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركــــــــاء في الثلث )
سورة النساء ، الآية 12 .
ويستفاد مما سبق أن الحاجة في الاقتصاد الإسلامي أداة لتوزيع الثروة في المجتمع شأنها شأن العمل الذي يعتبر أساس الملكية . ومن هنا تتضح عدالة الإسلام ، فالكل يعمل قدر طاقته، ويأخذ قدر كفايته ، أي ما يؤمن له حياة كريمة .
3 - التوزيع دون التجميع : عندما نتأمل في أسباب استحقاق الميراث نجد قاعـدة الورثة قاعدة عريضة، وهي تتمثل في :
1- الـبـنـوة .
2 - الأبـــوة .
3 - الأمومـة .
4 - الزوجية .
5 - الأخوة .
بل إن المشرع يرشد إلى توسيعها أكثر من ذلك لتشمل كل رحم المتوفى :
( وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا ) سورة النساء ، الآية 8 .
كما حرص المشرع على تحديد نصيب الورثة :
( يـوصـيـكـم اللـه فـي أولادكـم للـذكـر مــثــل حـظ الأنـثـيــيـن فـإن كــن نـسـاء فـوق اثـنـتـيـن فـلـهــن ثـلـثـا مـا تـرك وإن كـانـت واحـدة فـلهـا الـنـصـف ولأبـويـه لـكـل واحـد مـنـهـمـا الـسـدس مـمـا تـــــرك إن كـان لـه ولـد  سورة النساء ، الآيات 11/14.
يبين الحق سبحانه في هذه الآيات الكريما ت نصيب كل وارث من العصبات كالأبناء والآباء ، وأصحاب الفروض ، كالزوجين ، والإخوة للأم ، والبنت ، والأب حين يرث بالفرض فقط ، فقد تكفل سبحانه ببيان الورثة وأنصبتهم ، وذلك تحقيقا لهدف المشرع في تفتيت الملكيات الكبرى ، وتوسيع قاعدة الملاك ن وخلق مجتمع تعادلي ، ينعم أهله بالسلم في النفس ، والأهل ، والمجتمع ، يقول السهيلي ( ت 581 هـ ) تقريرا لهذه الحقيقة : " فلو وكلهم الله إلى آرائهم ، وتركهم مع أهوائهم ، لمالت بهم الأهواء عند الموت ، مع بعض البنين دون بعض ، فأدى ذلك إلى التشاجر ، والتباغض، أو الجور، وقلة النصفة " .
كل ذلك يجعلنا نخلص لما يلي :
أ ـ نادرا ما ينفرد شخص واحد بالتركة .
ب ـ غالبا ما يشارك أفراد أسرة المتوفى أولاده بنحو النصف أو أقل .
إن المشرع قد جعل من الميراث عنصرا أساسا من عناصر تحقيق المنهج الإسلامي في توزيع المال ، حيث يمنع تكدس الثروات ، وذلك بتوزيعها على نطاق واسع ، والعمل على تفتيتها على رأس كل جيل ، مما يعمل على توسيع قاعدة المالكين ، وتحقيق شروط المنافسة العادلة بين أفراد المجتمع . كما يشجع على الاستهلاك ، والاستثمار ، والإنتاج ، وهي عناصر اقتصادية ذات أهمية بالغة ، راعاها المشرع عند توزيع التركة ، تحقيقا للرفاه الاقتصادي .
5 -4 - الغنم بالغرم : وهذه القاعدة الذهبية تبنى عليها كثير من الأحكام الشرعية، ومنها أحكام المواريث ، ومقتضى هذه القاعدة أن الإنسان بقدر ما يستفيد بقدر ما يلحقه من الضرر، وتأول هذه القاعدة من حيث النظرة القانونية والحقوقية ، أن الإنسان بقدر ما عليه من الواجبات بقدر ما له من الحقوق ، ومن ثم فإن هذه القاعدة تقرر العدل في المعاملات . وقد طبقت هذه القاعدة تطبيقا محكما في المواريث، فمن تجب عليه النفقة في حالة العجز عن الكسب يجب له الميراث بالترتيب الذي تقتضيه آصرة القرابة ، ولذلك تورث القرابة الأقرب فالأقرب بناء على قاعدة الغنم بالغرم ، تحقيقا للعدل ، واحتراما للفطرة ، وحفاظا على تماسك العائلة ، وضمانا للتكافل والسلم الاجتماعي .
ويتضح لنا من خلال معايير توزيع التركة أن نظام الميراث في الإسلام يتصف بالعدالة والحكمة ،حيث نجد المشرع الحكيم قد أنزل الورثة منازل حسب قرابتهم من الراحل، وحسب وضعيتهم الاجتماعية ، ومقدار ما عليهم من الالتزامات .
كما أن نظام الميراث في الإسلام يعتبر عاملا مهما من عوامل حل المشكلة الاقتصادية، التي يحاول بعض الاقتصاديين ردها إلى قلة الموارد ، في الوقت الذي يؤكد فيه الواقع ، والدراسات العلمية الموضوعية ، أنه نتاج ظلم الإنسان لأخيه الإنسان في مسألة توزيع الثروة، وعدم استغلال جميع المصادر، وسوء التدبير والتصرف بالإسراف والتدمير . حيث يعمل نظام الميراث في الإسلام على إعادة توزيع الثروة بين أفراد المجتمع ،توزيعا عادلا، مما يعمل على توسيع قاعدة الملاك ، التي يترتب عنها الزيادة في الاستهلاك بتوفر القدرة الشرائية لدى قطاعات عريضة من المجتمع ، ويتبعه الزيادة في الاستثمار والإنتاج ، مع توفير ظروف المنافسة العادلة ، التي تمكن من الابتكار والإبداع ، والتــميز .
 
نظــام الميراث في الإسلام والملكية :

نظــام الميراث في الإسلام والملكية :

الميراث في الإسلام نتيجة طبيعية لحق الملكية المقرر شرعا ، فالإسلام يستجيب بذلك لفطرة من أقوى الفطر في الإنسان ألا وهي حب المال وحب الأبناء :
(المال والبنون زينة الحياة الدنيا )
سورة الكهف ، الآية 46 .
( زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة )
سورة آل عمران ، الآية 14 .

فشعور الفرد أن حصيلة جهده طوال حياته سيعود أثره على أبنائه ،و أحفاده، وذوي قرابته ، وخاصة على ذريته الذين يعتبرهم امتدادا له في الحياة ، يدفعه إلى بذل الجهد أكثر من أجل تحصيل الثروة ، وتنمية موارده المادية . وفي ذلك تحقيق لمصلحة المجتمع كما أن الإنسان على المستوى الشخصي يحقق مصلحته ، حيث يشعر بمتعة نفسية تحقق سلما في النفس ، مما يولد فيه الإيجابية والنزوع إلى الخير والصلاح، فهو يعلم أنه يستفيد بحصيلة جهده وعنائه في حياته، وبعد مماته ينتقل لمن يحبهم ويعتبرهم امتدادا له في الحياة ، من أبناء وأقارب .
إن الميراث من الناحية الاقتصادية عنصر أساس من عناصر تداول المال ،وانتقال الملكية من جيل إلى آخر بطريقة سلمية ، وذلك بتقسيم التركة على عدد كبير من أقرباء المتوفى بناء على قاعدة " الغنم بالغرم " .
حرص المشرع على تقديم الأولاد في الميراث تحفيزا للإنسان على الاستثمار والادخار والعمل الجاد والدؤوب ،فالله تعالى استخلف الإنسان في الأرض ، للسعى فيها إصلاحا لا إفسادا ، وأن يعمل على عمارتها بمختلف مظاهر العمارة ، وقد أشهد الله تعالى ملائكته على هذا الاستخــــــــلاف :
( وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة )
سورة البقرة ، الآية 30 .
" إن الإنسان مفطورعلى التسامي والاستكمال ، ومقتضى ذلك الاستزادة من نعم الله تبارك وتعالى ، ولا يتأتىله ذلك إلا بزيادة الإنتاج،ولايزيد الإنتاج إلا بالاستثمار" .
وجعل الحق سبحانه سعي الإنسان في الأرض تعميرا وبناء ( الاستثمار ) مظهرا من مظاهر التكريم:
(ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا )
سورة الإسراء ، الآية 70 .
وبما أن الإنسان عمره محدود ، وأن عقبه هم امتداد له في الزمان،فإن انتقال حصيلة عمله ،وكده ، وجهده ،وجهاده ،من ثروة إلى من يخلفه ،يكون حافزا مهما على العمل لإنتاج الثروة،بل الاستمرار في العمل إلى آخر رمق لتنمية هذه الثـروة والمحافظة عليها ،لتأمين مستقبل من سيخلفه في عمارة هذه الأرض ،وهم أبناؤه وعقـبه .
" إن انتقال ملكية المال إلى ورثة مالكه هو حق وعدل ، ونظام اقتصادي سليم ، فالذي يعمل ويكد، ويحصل ما يزيد عن حاجته ، ثم يجتمع له من هذا الفائـض شئ إلى أن يدنو أجله، فهذا المال هو حق لذوي قرابته من ولد ، وزوج ، وغيرهم، فإنه إذا لم يمكن الإنسان من الجمع للمال لهذا وذاك لانهار الاقتصاد ، إذ سيبدد مالك المال ماله فيما لا يفيد ، بل سيعمد حتما إلى التخريب الاقتصادي ، باستهلاك رأس المال فيما لا يدر نفعا ، ولا يقيم إنتاجا ، طالما المال لن تملكه ورثــتــه " .
و الميراث طريق مشروع من طرق الحصول على المال ، وهو خلافة إجبارية في المال الحلال. أما الكسب الحرام فإن حكمه إرجاعه إلى أصحابه إذا علموا ، أو التصدق به على ذوي الحاجات من فقراء المسلمين ، على نية التخلص من ابتلاء ابتلي به .
وحكم الملـك بالإرث بقاء الملـك ،لأن الوارث يتملـك مال مورثه بمجرد وفاته واستخلاص الحقوق المتعلقة بالتركة أو بذمة المتوفى ، و بذلك يكون الميراث بمثابة تصفية لتركة الميت ، فبعد الوفاء بحقوق الله ،وحقوق العباد . يتم اقتسام ما بقي من التركة على الورثة. ومن ثم فإن الميراث نظام شرعي لانتقال الملـك لما بعد وفاة المالـك .
كما أن الميراث من القيود التي فرضتها الشريعة الإسلامية على الملكية ، حماية لها من كل اعتداء ، وصيانة لها من أن تتحول إلى وسيلة للاستغلال ، والاستكبار ، حيث عمـل المشرع على تقييد حق تصرف المالـك في ملـكه تقييدا زمنيا ، بحصـره في حياته ، ولا يتجاوزه إلى ما بعد الموت،مع الالتزام بالقيود الشرعية والأخلاقية في تحصيل المال وفي إنفاقه ، ومن ثم حرم المشرع الاكتناز والتبذير ، مع الإرشاد إلى الاقتصاد في الإنفاق ، مع السعي الحثيث إلى الاستثمار في الضروريات قبل الـكماليات، لتحقيق الاكتفاء الذاتي ، الذي يعتبر مدخلا أساس التنمية الشاملة التي تحقق الكرامة التي ارتضاها الله لعباده ، وتفضي إلى العمران الذي هو مقصد الاستخلاف .
ومن ثم فإن المالـك لا يملك تدبير ماله بعد وفاته ،إلا في حدود الثلث ،أما ما عدا ذلك فإن المشرع قد تولى إعادة توزيع الثروة في المجتمع ، بنقل الملكية إلى الـورثة ، الـذين يصـبحـون المـالكــين الجــدد شـرعـا.
لا يملك المالك منع وارث من الميراث ، و لا يحق له التدخل في نصيب الورثة زيادة أو نقصانا. كما أن الوارث لا يحق له الامتناع عن أخذ نصيبه من التركة ، وإن فعل لا يعتد بصنيعه ، ويظل نصيبه ملكا خاصا به ، وينتقل بعد وفاته لورثته . ومن ثم يتبين لنا أن التوريث إجباري بالنسبة للمورث والوارث على حد سواء .
بهذا التشريع الحكيم ( الميراث ) عمل الإسلام على انتقال الملكية ، وإعادة توزيعها ، بكيفية تحقق السلم في النفس ، والمجتمع ، وتحفز على الادخار ،والاستثمار ، وتحث على العمل ، والإنتاج ، و تشجع على البذل ، والعطاء .
 
نظام المواريث وتداول المال في المجتمع .

نظام المواريث وتداول المال في المجتمع .

نظام المواريث من الوسائل التي نظمت بها الشريعة الإسلامية تداول المال في المجتمع في المجتمع الإسلامي. والملاحظ أن فلسفة المشرع في هذا المجال تقوم على الأسس التالية :
1 – حرص المشرع على التداول السلمي للمال في المجتمع ، ومن ثم منع القاتل عمدا من الميراث ،لأن القتل قطع للولاية، ولا ولاية لقاتل ، ومن ثم فلا ميراث له، يقول الإمام الشافعي (ت 204 هـ ) في تفسير الآية الكريمة :
(ومــــن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل )
" فكان معلوما عند أهل العلم ممن خوطب بهذه الآية أن ولي المقتول من جعل الله تعالى له ميراثا منه " حتى تنتقل الملكية بشكل طبيعي، وسلمي ، وردعا لمستعجلي الميراث، فلا يقدموا على هذه الجريمة الشنعاء ، بغية التعجيل بالميراث، لأنهم يعلمون بأن فعلتهم ستعود عليهم بعكس ما يؤملون ، حيث يعاقبون بضد مقصدهم فإذا كان القاتل يستعجل بقتل مورثه تملك التركة ، فإن المشرع يمنعه من الميراث، سواء من التركة أم من الدية وذلك بناء على القاعدة الشرعية " من استعجل الشئ قبل أوانه عوقب بحرمانه " . وفي هذا الإجراء حماية لحقين من حقوق الإنسان :
أ – الحق في الحياة .
ب – الحق في التملك .
ومن ثم فإن حرمان القاتل من الميراث هو من باب سد الذرائع ، أي إنه إجراء وقائي أقره المشرع صيانة للحياة ، وحماية للملكية الخاصة ، وتأمينا للتداول السلمي للمال فـي المجتمع، مع المحافظة على السلم داخل الأسرة والمجتمع ، وبناء مجتمع قوي وآمـن .
وأما القاتل خطأ فإنه يرث من المال ، ولا يرث من الدية .وذلك لأن القتل الخطأ لا يقطع الموالاة، ولكنه يؤثر فيها ، بعدم حرص القاتل خطأ على سلامة مورثه، وعدم اتخاذه كافة الإجراءات التي تؤمن سلامته ، ومن ثم فهو يحرم من الإرث من الدية نتيجـة تفريطه وإهماله، ولأن الدية وجبت بالقتل .
والرأي الراجح في المذهب الشافعي هو حرمان القاتل من الإرث في كل حال ، سواء كان القتل عمدا ، أم شبه عمد ، أم خطأ . وسواء كان مباشرة أم تسببا . وسواء كـان القتل بحق أم بغير حق .ويفهم هذا الاجتهاد الفقهي في إطار الأخذ بالاحتياط، حيث يمنع القاتل من الميراث صونا للدماء .
2- المحافظة على نظافة المال ، وطهر المجتمع ، لذلك منع المشرع التوارث بين المسلم والكافر ، لأن الكافر غيرملتزم بأحكام الشرع في إنتاج الثروة ، واستثمارها ، وتدبيرها ، وبناء على قاعدة المعاملة بالمثل منع الكافر من إرث المسلم حتى لا يتقوى أهل الكفر بأموال المسلمين .
وأما من حصل الثروة بطرق غير شرعية كالنصب ، والاحتيال ، والسرقة ، والغصب، والرشوة، والاعتداء على المال العام . بل يتعين على الورثة رد الحقوق إلى أصحابها إن عرفوا ، وإن لم يعرفوا وقف هذا المال على أعمال البر والإحسان .
3 – آصـرة الـعـقـيدة : يقوم التوارث على قاعدة الولاء العقدي يقول تعالى في سورة التوبة :
( المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض )
سورة التوبة ، الآية 71 .
ويقول سبحانه في سورة الأنفال :
( والذين كفروا بعضهم أولياء بعض )
سورة الأنفال ، الآية 73 .
يقول الإمام القرطبي ( ت 671 هـ ) في تفسيره لهذه الآية الكريمة : " قطع الله الولاية بين الكفار والمؤمنين ، فجعل المؤمنين بعضهم أولياء بعض ، والكفار بعضهم أولياء بعض يتناصرون بدينهم ، ويتعاملون باعتقادهم " . و يقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
( لا يتوارث أهل ملتين بشئ ، لا يرث المسلم الكافر ، ولا يرث الكافر المسلم )

" ليس بحديث واحد ، بل هو حديثان ، الأول ( لا يتوارث أهل ملتين بشيء ) السنن الكبرى : أحمد بن الحسين البيهقي ( ت 458 هـ ) ، تحقيق محمد عبد القادر عطا ، كتاب الفرائض ، باب لا يرث المسلم الكافر ، ولا الكافر المسلم ، ج 6 ، ص 218 ، مكتبة دار الباز ، مكة المكرمة ، 1994م ، 1414 هـ ".

وقال عمـر ( ت 23 هـ ) ـ رضي الله عنه ـ : ( أهل الشرك لا نرثهم ولا يرثوننا ) . يقول الإمام الشوكانـي ( ت 1255 هـ ) : " والحاصل أن أحاديث الباب قاضية بأن لا يرث المسلم من الكافر من غير فرق بين أن يكون حربيا، أو ذميا ، أو مرتدا ، فلا يقبل التخصيص إلا بدليل " . و في ذلك تأكيد على أن آصرة العقيدة أقوى من آصرة الدم والقرابة .
4 – الحرية ، فلا توارث بين الرقيق ، لأن الرق سلب أهلية الملك ، فالملكية تكليف بالاستثمار ، والتدبير ، والإنفاق .والرقيق لا يملك حرية التصرف ، ومن ثم فإنه لايمكن أن يكون مكلفا بأعباء الملكية ، لأن الملكية مسؤولية ، وفاقد الحرية غير
مسؤول .
ومما يؤكد حرص الإسلام على نظافة المال ، أن فقهاء الحنفية يفرقون في ميراث المرتد بين المال الذي حصله المال الذي حصله قبل ردته ، وبين المال الذي اكتسبه بعد الـردة ، فالأول للورثة أن يرثوه عنه في حالة موته أو قتله ، أما الثاني فإنه لا يجري فيه الميراث، ذلك أن المال الذي حصله وقت إسلامه، المفروض أنه التزم فيه أحكام الشرع في تحصيله وتنميته وأداء الحقوق المتعلقة به ، ومن ثم فإنه مال طـيب يجري فيه المـيراث .
أما المال المكتسب بعد الردة فإن المرتد قد صار غير متقيد بأحكام الشرع ، ومن ثم لا يكون بالضرورة قد التزم أحكام الشرع في جمعه وتنميته وأداء حقوقه ، فضلا على أن الأعمال لا قيمة لها في نظر المشرع ما لم تكن مبنية على عقيدة التوحيد .
5 - أحكام متعلقة بتداول المال في المجتمع الإسلامي :
5-1- ميراث المرتد : اختلف في ميراث المرتد ، فذهب الأحناف إلى أن" المرتد إذا قتل أو مات ، أو لحق بدار الحرب فما اكتسبه في حال إسلامه فهو ميراث لورثته المسلمين ، ترث زوجته من ذلك إذا كانت مسلمة ومات المرتد وهي في العــدة … وإن كانت قد ارتدت معه لم يكن لها منه ميراث ، كما لا يرثه أقاربه من المرتدين، لما بينا أن المرتد ليس من أهل الولاية ، فلا يرث أحدا ، ولأنه جان بالردة ، وهذه صلة شرعيـة ، فالجاني على حق الشرع يحرم هذه الصلة ، عقوبة عليه،كالقاتل بغير حق" .
ويرى المالكية أن المرتد " إذا لحق بدار الحرب يوقف ماله أبدا حتى يعرف أنه مات ، فإن رجع إلى الإسلام كان أولى بماله ، وإن مات على ارتداده كان ماله ذلك لجميع المسلمين، ولا يكون لورثته " . ويرى ابن قدامة ( ت 620هـ ) أن المرتد لا يرث أحدا ، إلا أن يرجع قبل قسمة الميراث .
وأما المرتدة فإن ورثتها يرثونها مطلقا " لأنها لا تقتل بسبب ردتها ، بل تستتاب وتعزر حتى تعود إلى الإسلام أو تموت ، فردتها لا تعتبر موتا ، والإسلام في حقها معتبر ، بخلاف المرتد فإنه يقتل بعد أن يستتاب ثلاثة أيام ولم يثب ، فردته تعتبر في حقه مـوتا . ولا يمكن اعتبار الإسلام في حقه حينئذ ، فلا يكون أهلا للملك ، فلا يثبت حق الورثة فيما اكتسبه في حال الردة ، فيصبح ككل الأموال التي لا مالك لها حق لبيت المال " .
5 – 2 – مواريث غير المسلمين : ذهب جمهور الفقهاء إلى أن غير المسلمين يرث بعضهم بعضا وإن اختلفت عقيدتهم ، إلا أن المالكية يرون أن التوارث متوقف على وحدة الاعتقاد ، ومن ثم لايرث اليهودي النصراني ، ولا عكسه ، ويعزز رأيهم قــوله ـ صلى الله عليه و سلم ـ : ( لا يتوارث أهل ملتين ) فهذا الحديث " دليل على أنه لا توارث بين أهل ملتين مختلفتين بالكفر " .
5 – 3 – مواريث أهل الذمة : تقسم مواريث أهل الذمة على أحكام دينهم، إلا أن يتحاكموا إلى المسلمين ، ومن ثم فقد يتوارثون في بعض حالات الزواج، والقرابة التي لا يتوارث بها المسلمون .
5 – 4 – اختلاف الجنسية ، أو الإقامة : إن اختلاف الجنسية أو الإقامة ليس من موانع الإرث ، ومن ثم فلو كان الهالك مسلما مقيما بديار الهجرة ، أو متجنسا بجنسية مخالفة لجنسية ورثته أو العكس ، فإن ذلك لا يمنع التوارث بينهم ، إذ العبرة بآصرة الدين ، والقرابة .
5 –4 – زمن القسمة : من أقضيته ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن كل ميراث قسم في الجاهلية فهو على قسمة الجاهلية ، وما أدرك الإسلام من ميراث فهو على قسمة الإسلام ، ومـن ثم فإن من ورث من آبائه أو أقاربه ميراثا قبل أن يسلم ، فإنه يقر على ذلك بعد إسلامه . أما إذا أسلم فإن التوارث يخضع لأحكام الشريعة الإسلامية . وذلك بناء على قاعدة " الإسلام يجب ما قبله " .
5 – 5 – ميراث المنافق : إن النافق الذي يظهر الإيمان ، ويبطن الكفر تجري عليـه أحكام الإسلام الظاهرة في المواريث ونحوها من الأحكام ، وكذلك الشأن بالنسبة للمتأول من أهل البدع فلا يجوز تكفيره ، بل هو من أهل القبلة ، له ما للمسلمين، وعليه ما عليهم ، حتى يظهر الكفر، أو ينكر معلوما من الدين بالضــرورة ، ومن ثم فإنهم يرثون ويورثون .
5 – 6 – ميراث من أسلم بعد وفاة مورثه :إذا توفي المورث ، وأسلم بعد وفاتـه بعض ورثته فإنه لا يرث عند المالكية ، والشافعية ، والحنفية ، سواء أسلم قبل قسمة التركة أم بعد قسمتها . أما إذا أسلم قبل اقتسام التركة فإنه يرث عند الحنابلة والإمامية .
5 – 7 – ميراث زوجة المرض : إذا تزوج الهالك امرأة في مرضه لم ترثه ولا يرثها . وذلك من باب سد الذرائع ، لما في فعله من نية الضرر بالورثة .
5 – 8 – ميراث الزوجة التي لم يبن بها : إذا توفي الزوج عن زوجته التي لم يبن بها، فللزوجة الميراث ولا صداق لها ، ولو دخل بها كان لها صداق المثل إن لم تكن رضيت بشيء معلوم .
5 – 9 – ميراث المطلقة ثلاثا في المرض : إذا طلق الهالك زوجته ثلاثا في مرضه الذي توفي فيه ، فإن الزوجة ترثه ولا يرثها ، وكذلك الأمر إذا كان الطلاق واحدة .
وإن طلق الصحيح امرأته طلقة واحدة ، فإنهما يتوارثان ما كانت في العدة ، فإن انقضت العدة فلا ميراث بينهما بعدها .
5 – 10 – ميراث الجنين : إذا توفي المورث وترك امرأته حامل ، فإن أمكن الانتظار إلى الولادة ، وإلا قسمت التركة ، ويحتفظ للحمل بحظ ابن واحد عند الأحناف، وبنصيب أربعة ذكور ، وأربعة بنات عند المالكية والشافعية .
وإنما يرث الحنين إذا سقط حيا ، وأن يتم ذلك في أدنى مدة الحمل وهي ستة أشهر ، وألا يتجاوز أقصى مدة الحمل ، والواقع أن تحديد أدنى مة الحمل ، وأقصاه ينبغي أن يوكل إلى الأطباء .
5 – 11 – ميراث الخنثى : الخنثى هو المشتبه فيه من حيث الجنس ، إما لأن له ذكرا وفرجا معا ، أو ليس له شيء منهما أصلا . وحكمه في الميراث أنه إذا تبين أنه ذكر ورث ميراث الذكر ، وإن تبين أنه أنثى ورث ميراثها . أما إذا أشكل أمره فإنه يأخذ المتوسط بين نصيبي الذكر والأنثى .
والواقع أننا اليوم وفي إطار التقدم العلمي والطبي ، فإن تحديد جنس الخنثى يوكل إلى الأطباء ، وبناء على ما يقررونه في شأنه تحدد أحكامه بالنسبة للميراث وغيره .
5 -12 – ميراث ذوي الأرحام : المقصود بذوي الأرحام هنا الأقارب الذين لا فرض لهم ، ولا تعصيب ، وهم أحد عشر :
1. ولد البنات .
2. ولد الأخوات .
3. ولد الإخوة من الأم .
4. بنات الإخوة .
5. العمات من جميع الجهات .
6. العم من الأم .
7. الأخوال .
8. الخالات .
9. بنات الأعمام .
10. الجد أبو الأم .
11. كل جدة أدلت بأب بين أمين أو بأب أعلى من الجد .
كان عمر ( ت 23 هـ ) ـ رضي الله عنه ـ يورثهم إذا لم يكن ذو فرض ولا عصبة ، ولا أحد من الوارث إلا الزوج والزوجة،وبذلك قال وعلي (ت 40 هـ)،ومـعاذ ( ت 18 هـ) وأبو عبيدة (ت 18 هـ ) وغيرهم من أعلام الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ ، كما قال به كثير من أهل العلم كشريح ( ت82 هـ) ، وعطاء (ت115هـ) ،وطاووس (ت 106هـ) ومسروق ( ت 63 هـ ) وابن عبد العزيز ( ت 104 هـ ) .
و ذهب مالك (ت179 هـ)،و الأوزاعي (ت157 هـ) ،والشافعي(ت204هـ ) وداود الظاهري ( ت 270 هـ )، وابن جرير ( ت 310 هـ ) إلى عدم توريثهم، ويجعل الباقي لبيت المال .
وروي عن الإمام أحمد ( ت 241 هـ ) أنه كان يورث الذكور والإناث من ذوي الأرحام بالسوية ، لأنهم يرثون بالرحم المجرد .
5 – 13 – ميراث ولد الملاعنة وولد الزنا : اتفق فقهاء الأمة أن ولد الـمـلاعنة وولد الزنا لا توارث بينهما وبين أبيهما ، ويكون التوارث بينهما وبين أمهما وقرابتها ، وذلك لانتفاء النسب الشرعي .
5 – 14 – تزامن الوفاة : إذا غرق الـمتوارثان ، أو ماتا تحت هدم ، فجهل أولهما موتا، ورث بعضهم من بعض ، وهو رواية عن عمر ( ت 23 هـ ) ، وابن مسعود ( ت 32 هـ)، والشعبي (ت104 هـ ) .وروي عن أبي بكر ( ت13هـ ) وابن عباس (ت 68 هـ)، ومعـاذ( ت 17 هـ ) ، والحسن بن علي ( ت 49هـ ) أنهم ورثوا بعضهم من بعض ، وجعلوا مال كل واحد للأحياء من ورثته ،وبه قال ابن عبد العزيز ( ت 104هـ ) ، وأبو الزناد (ت 130هـ) ،والزهري (ت124هـ)، والأوزاعي (ت 157هـ)، ومالك ( ت 179هـ)، والشافعي (ت 204 هـ) وأبو حنيفة ( ت 150 هـ ) ، وروي عن أحمد ( ت 241 هـ ) ما يدل عليه .
5 – 15 – ميراث المفقود : لايقسم مال المفقود بين ورثته ، حتى يتحقق موتـه بدليل قاطع ، أو يحكم القاضي بموته . أما إذا كان المفقود وارثا وقف له نصيـبه من تركة المورث فإن ظهر حيا أخذه ، وإن حكم بموته رد نصيبه إلى من يستحقه من الورثة وقت موت مورثه .
وقد اختلف الفقها ء في المدة التي يعتبر بعدها المفقود ميتا ، فذهب الشافعي ( ت 204 هـ ) ، وأبو حنيفة ( ت 150 هـ ) إلى عدم تقدير المدة ، أوكلوا ذلك إلى اجتهاد القاضي . بينما يحددها الإمام مالك ( ت 179 هـ ) في أربع سنوات .
والواقع أن تحديد مدة حياة المفقود ينبغي الرجوع فيها إلى متوسط سن أهل البلد الذي ينتمي إليه الـمـفـقـود .
5 - 16 – ميراث الأسير : يرث الأسير الذي يكون في أيدي الكفار ، أو المسلمين كأسرى حرب ، أو سجين الحق العام ، وهؤلاء جميعا يرثون ما دامت تعلم حياتهم على الإسلام ، وإذا لم تعلم حياته فحكمه حكم المفقود .
5 – 17 – ميراث اليتيم : اليتيم القاصر يمنع من التصرف في ميراثه ، خوفا من تضييعه نتيجة عدم الرشد العقلي ،و قلة التجربة ، مما يبين مسؤولية المجتمع في المحافظة على المال باعتباره عصب الحياة . وقد أرشد المشرع الوصي على اليتيم إلى استثمار ماله ورعايته ، بناء على قاعدة الرزق في المال لا منه ، حتى تؤول إليهم أموالهم عند بلوغ الرشد ، والبرهنة على حسن التصرف في المال .
5 – 18 – ميراث بيت المال : الإمام ولي من لا ولي له ، ووارث من لاوارث له ، بناء على قاعد ( العنم بالغرم ) ، فمادام المجتمع يتكفل بإعالته إذا لم يكن له من يقوم برعايته ، و في المقابل فإن تركته تؤول إلى بيت المال ، إذا لم يخلف وارثا.مما يبين أن التشريع الإسلامي يحدث التوازن بين الحق والواجب .
5 – 19 – من لا يرث لا يحجب : فالكافر والقاتل عمدا لا يجبان ولا يرثان ، وعمدة الجمهور أن الحجب في معنى الإرث، وأنهما متلازمان .
 
نظـام الـميراث في الإسلام وتحديد الـمـلـكـيـة :

نظـام الـميراث في الإسلام وتحديد الـمـلـكـيـة :

نظام المواريث في الشريعة الإسلامية شرعه الله تعالى للناس ، وهو يشمل جميع أنواع المال التي يملكها المورث ، وهو يهدف إلى تفتيت الملكية حتى لا تتجمع الثروة في أيـدي فئة قليلة من الناس ، أو تتحول إلى إقطاع رهيب كما كان يحدث في كثير مـن بقاع الأرض التي تقضي نظمها بانحصار الإرث في الابن الأكبر ، كما كان في القانون الإنجليزي ، حرصا على عدم تفتيت الملكية ، واستمرار النفوذ الإقطاعي الطاغي بقوة المال .
تقسم تركة الهالك في نظام الفرائض ( المواريث ) الإسلامي على عدد كبير من أقـاربه، مما يجعل دائرة الانتفاع بها تتسع لتشمل أكبر عدد من ممكن من المســتفيدين ، ومعنى ذلك توسيع قاعدة المالكين ، ولا يخفى ما لذلك من أهمية على اقتصاديات الأمة ، إذ إنها تعمل على توفير إمكانيات الإقبال على الاستهـلاك، الذي يترتب عنه الزيادة في الإنتاج، وبالتالي الزيادة في الاستثمار ، فضلا عما تحقــقه من القدرة على التنافس ، مما يفجر الطاقات ، ويبرز المواهب، ويتيح الفرصة للإبداع .
وفضلا عما سبق فإن نظام الميراث في الإسـلام، يحول دون وجود تمايز طبقي صـارخ ، فهو يورث الأبنـــاء ، والبنات ، والأمهات ، والأجداد ، والجدات، والأزواج ، والزوجات ، والاخوة ، وأولاد الأبناء . وهو يعمل بذلك على تفتيت الملكيات الكبيرة التي يتفق جمعها في أيدي بعض الناس ، بتوزيعها على أكبر عدد ممكن من الناس ، مما يجعلها تتحول إلى ملكيات متوسطة ، وصغيرة . عملا بقاعـدة ( التوزيع دون التجميع ) وذلك للمحافظة على التوازن الاقتصادي في المجتمع .
وبذلك يكون نظام الميراث في الإسلام من ضوابط نظام الملكية في الشريعة الإسلامية، مثله مثل الزكاة ، والصدقات ، والكفارات ، ومنع الترف ، والإنفاق في سبيل الله ، وتحريم الكنز ، وتشجيع الاستثمار .
 
الميراث والادخار

الميراث والادخار

من ضمن التشريعات التي شرعها الله تعالى لحض الإنسان على الادخار نظام المـواريث، الذي يحمل الإنسان على التمتع بحصيلة عمله دون تقتير أو تبذير :
( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا )
سورة الإسراء ، الآية 29 .
فالحق سبحانه يأمر عباده " بالاقتصاد في العيش ، ذاما البخل ، ناهيا عن الإسراف" . ومن ثم فإن الإنسان يدخر ما يفضل عن حاجاته ليورثه لأبنائه وأقاربه ، الذين يعتبرهم امتدادا طبيعيا له في الوجود .
ومعلوم أن الادخار هو مفتاح الاستثمار ، فما يستثمره الإنسان في مشاريع إنتاجية يعتبر حصيلة ما يدخره ، وكلما كانت المدخرات كبيرة ،كانت الاستثمارات متعددة وكبيرة ومهمة، مما ينعكس بشكل إيجابي على الحياة العامة ، بما يحقق من رفاه اجتماعي ، حيث تخلق فرص جديدة للعمل ، وزيادة القدرة الشرائية ، والإقبال على الاستهلاك ، والزيادة في الأنتاج ، وتشجيع الاستثمار ، مما ينشط الدورة الاقتصادية .
وتتجلى حكمة المشرع في الميراث حيث استجاب لدواعي الفطرة ، بتوريث المال الـذي يحبه الإنسان ، لمن يحبهم من ذرية وأقارب .وبذلك يكون الادخار من دوافعـه رغبة المورث في تأمين حياة أبنائه وأقاربه ، يقول الرســـول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( إنك إن تذر ورثتك أغنياء ، خير من أن تدعهم عالة يتكففون الــنـاس )
" صحيح البخاري : أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ( ت 256 هـ ) ، كتاب الوصايا ، باب أن يترك ورثته أغنياء ، ج 3 ، ص 186 ، دار الفكر ، بيروت ، بدون تاريخ .
- السنن الكبرى : أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي ( ت 303 هـ ) ، تحقيق عبد الغفار سليمان البندري ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1991 م / 1411 هـ ".

وحتى لا يتحول الادخار إلى اكتناز فإن المشرع حرم الاكتناز ، أي منع المال من التداول في المجتمع، والمشاركة في الدورة الاقتصادية ، مصداقا لقوله تعالى :
( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ماكنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون )
سورة التوبة ، الآية 34/35
والميراث نفسه يمنع الاكتناز بإعادة توزيعه المال الذي يجتمع في أيدي فئات قليلة من أبناء الجيل السابق ، على فئات عريضة من أبناء الجيل اللاحق ، بتوريث الأبناء جميعا ، ذكورا وإناثا ، كبارا وصغارا ،والأزواج ، والأقارب .
 
نظام المواريث و الاستـثمار

نظام المواريث و الاستـثمار

الاستثمار " استغلال المال بقصد الحصول على ثمرة منه ، أي على عائد يفيد منه صاحب المال ، وهو يتضمن استغلال المال في نشاط إنتاجي ، بقصد زيادة هذا النشاط " . أي توظيف المال في مشاريع إنتاجية صناعية ، أوفلاحية ، أو تجارية ، أو خدماتية ، بقصد تأمين الضروريات ،وبناء اقتصاد قوي ،ومن ثم فإنه من هذه الناحية يعتبر من فروض الكفاية ، وذلك بناء على قاعـدة ( ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ) فالمشكلة الاقتصادية في التصور الإسلامي ليست نتيجة شح الطبيعة، ونذرة الموارد الطبيعية بقدر ما هي نتاج " ظلم الإنسان في توزيع الثروة ، وكفرانه للنعمة بعدم أستغلال جميع المصادر التي تفضل الله بها عليه استغلال تاما ، هما السببان المزدوجان للمشكلة التي يعيشها الإنسان البائس منذ أبعد عصور التاريخ ، وبمجرد تفسير المشكلة على أساس إنساني يصبح بالإمكان التغلب عليها ، والقضاء على الظلم وكفران النعمة ، بإيجاد علاقات توزيع عادلة ، وتعبئة كل القوى المادية لايتثمار الطبيعة ، واستكشاف كل كنوزها" .
ومن ثم فإن رؤية الإسلام لتنمية الثروة وتنميتها رؤية إنسانية ، فالإنسان يتعين عليه السعي الدؤوب لإنتاج الثروة وتنميتها ، لارتباط ذلك بمفهوم الاستخلاف ، فما الخلافة إلا عمارة الأرض ، واستخراج ثمراتها ، والسعي فيها إصلاحا لا إفسادا ، فما الثروة وتنميتها إلا "وسيلة يؤدي بها الإنسان المسلم دور الخلافة ، ويستخدمها في سبيل تنمية جميع الطاقات البشرية ، والتسامي بإنسانية الإنسان في مجالاتها المعنوية ، والمادية ، فتنمية الثروة ، والإنتاج لتحقيق الهدف الأساسي من خلافة الإنسان في الأرض هي نعم العون على الآخرة،ولا خير فيمن لا يسعى إليها ،وليس من المسلمين - بوصفهم حملة رسالة في الحياة - من تركها وأهملها " .
وليحفز الإسلام الإنسان على إنتاج الثروة عن طريق الاستثمارفإنه شرع تشريعات متعددة منها الميراث ، الذي يحث الإنسان على إدامة التفكير في سبل الاستثمار ، وتنمية ثروته تأمينا لحياة ذريته وأقاربه بعد وفاته ، مما يدفعه إلى فتح آفاق جديدة لإنتاج الثروة وتنميتها ، مع ما يرتبط بذلك من توفير سوق العمل التي تستوعب اليد العاملة ، وتحد من البطالة ، وتؤمن ضروريات المجتمع ، مما يحقق للأمة أمنها الاقتصادي، ولا يخفى ما لذلك من انعكاسات إيجابية على سوق الاستهلاك ، مما يشجع على المزيد من الاستثمار .
وقد حرص المشرع في الميراث على تقديم الأبناء ، لأنهم آثر عند المورث من غيرهم ، مما يحفزه أكثر على استثمار أمواله بغية تنميتها ، تأمينا لحياة خلفه .
كما عملت الشريعة الإسلامية على حث ولي اليتيم على استثمار أمواله ، وتوظيـفها في مختلف الأنشطة الاقتصادية ، يقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
( من ولي يتيما له مال فليتجرله فيه ولا يتركه حتى تأكله الصدقة )
" سنن الترمذي : أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة ( ت 297 هـ ) ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ، كتاب الزكاة ، باب ماجاء في في زكاة مال اليتيم ، ج 3 ، ص 23 ، الطبعة 3 ، مكتبة الحلبي ، القاهرة ، 1396 هـ / 1976 م " .
والإسلام بتشريعه الميراث عمل على عدم تجمع الأموال في أيدي فئة قليلة من الناس، وذلك منعا للتضخم النقدي ، وآثاره السلبية على المجتمع ، المتمثلة في الغلاء، والاكتناز عن طريق تكديس الأموال في البنوك ، سعيا وراء الربح السهل والامتناع عن الاستثمار الذي قد يرى فيه بعض الملاك مغامرة محفوفة بالمخاطر ، ومن ثم فإن الميراث يعمل على إعادة توزيع الثروة داخل المجتمع موفرا بذلك ظروفا جديدة ، وإمكانيات متعددة للاستثمار ، وذلك عن طريق تمكين قطاع كبير من الأمة من فـرص الاستثمار ، بما يتملكه من أموال عن طريق الميراث .
كما أن الميراث بتوزيعه المال بين فئات عريضة من الناس فإنه يتيح فرصا جديدة للاستثمار، بما يملكه هؤلاء الملاك الجدد من مواهب ، وقدرات ، وتصورات متعددة وجديدة ليست بالضرورة هي ما كان يملكه مورثوهم ، مما يعمل على خلق دينامية جديدة داخل المجتمع عامة ، وفي بنائه الاقتصادي بصفة خاصة وذلك بما تضخه فيه من دماء جديدة .
وفضلا عما سبق فإن الميراث يساهم بشكل فعال في حل المشكلة الاقتصادية التي تتمثل كما قلنا في تصرفات الإنسان ، المتمثلة في موقفين سلبيين ، يتمثل الموقـف الأول في ظلم الإنسان لأخيه الإنسان ، وذلك بالاعتداء على حقه في الموارد الطبيعية، والخيرات التي أعدها الله لعباده ، والميراث يحمل الإنسان على التفكر في مستقبل أبنائه، فهو لا يريد أن يورث عقبه أموالا فقط ، لأن ذلك لا يحقق سعادتهم ، فلا سعادة في غياب الأمن في النفس وفي المجتمع، وهذا الأخير لا يمكن أن يتحقق إلا بتحقيق العدالة الاجتماعية بين فئات المجتمع .
فالميراث يجعل الإنسان يتمتع برؤية مستقبلية ، حيث يصبح الإنسان على قناعة تامة بأنه لايورث عقبه أمواله فقط ،بل يورثهم كذلك أمورا معنوية لها قيمتها وتأثيرها في حياتهم، فهو يورثهم السمعة والشرف ، كما يورثهم أوضاعا اجتماعية ، واقتصادية، وسياسية،وثقافية ساهم مع أبناء جيله في صنعها وصياغتها ،وقد عملت آيـات متعددة على استقرارهذا الاعتقاد في نفوس المسلمين ، يقول تعالى :
( وورث سليمان داوود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين )
سورة النمل ، الآية 16 .
كما أن الإنسان المسلم على اعتقاد تام بأن الله تعالى هو المالك الحقيقي للكون كله وأنه تعالى هو الوارث الحقيقي ، فمآل الكون وما فيه إليه عز وجل :
( ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير )
سورة آل عمران ، الآية 180 .
وأن الإنسان مستخلف في هذه الأرض التي هي جزء من ملك الله سبحانه ، بناء على عقد استخلاف بنده الأساس السعي في الأرض إصلاحا لا إفسادا ، فإذا تنكب الطـريق نزع منه عقد الاستخلاف ، ووكل لمن يفي بحقوقه كما أراد تعالى :
( إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين )
سورة الأعراف ، الآية 128 .
( كذلك وأورثناها قوما آخرين )
سورة الدخان ، الآية 28 .
والإنسان المسلم على يقين تام بأن العاقبة للمؤمنين ، الصالحين ، الصادقين ، الخــــيرين: ( وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم ، وأرضا لم تطؤوها وكان الله على كل شيء قديرا)
سورة الأحزاب ، الآية 27 .
(وأو رثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها )
سورة الأعراف ، الآية 137 .
(وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين )
سورة الزمر ، الآية 74 .
وأما الطغاة ، والعتاة ، والظلمة ، والمعتدون ، فإن مآلهم الخسران المبين في الدنيا والآخرة :
( كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ، ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قوما آخرين فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين )
سورة الدخان ، الآية 28/29 .
وهذا الإحساس بالمسؤولية عن مستقبل الذرية ، بهذه الرؤية الشمولية ، يدفع الإنسان إلى البذل ، والعطاء ، والعمل بكل جد وإخلاص وتفان ، لبناء مجتمع آمن ،يتمتع فيه كل الناس بالأمن في النفس والأهل والمجتمع ، ويخرج للوجود مجتمع الكفاية لا الكفاف، مجتمع عدل يتحقق فيه التوازن بين الحق والواجب ، ويؤمن للناس حياة كريمة .
يعمل الميراث - باعتباره محفزا على إنتاج الثروة وتنميتها ، تأمينا لحياة العقب- على مواجهة الموقف السلبي الآخر والمتمثل في تقاعس الإنسان عن العمل الجاد والإيجابي ، من أجل عمارة الأرض ، مع يتطلبه ذلك من تفكر وتدبر في الطبيعة ، بغية اكتشاف السنن الكونية ، لامتلاك القوة المذخورة في الطبيعة ، وتوظيفها لإشباع حاجات الإنسان .
 
الميراث والعمل

الميراث والعمل

المقصود بالعمل هنا النشاط الاقتصادي الذي يقوم به الإنسان ، ومن ثم فإنه يكون كل عمل يتجه إلى إنتاج سلعة ، أو خدمة ذات ثمن في المجتمع للوفاء بحاجاته ومطالبـه المادية والمعنوية .ومعنى ذلك أن العمل يتمثل في " كل إجهاد ذهـني أو عضلي، يهدف به الإنسان إلى إيجاد شئ يسد به حاجاته،والـعمل بهذه الصـفة واجب إسلامي يقول الله تعالى :
( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون )
سورة التوبة ، الآية 105
( فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور )
سورة الملك ، الآية 15 .
والعمل سلوك ظاهري يجد جذوته المتقدة في حرص الإنسان على الحياة،ومن ثم كان دافع العمل هو أقوى الدوافع النفسية وأولاها بالرعاية لأنه من الفطرة .
يعمل الميراث على نقل المال من المالك إلى عقبه وقرابته ، ومن ثم فهو ينقل ما يحبه الإنسان (المال) إلى من يحبهم ( الذرية والأقارب ) ، وهذا المال المنقول يكون صاحبه قد حصله بطرق شرعية ، أهمها العمل ، الذي يدمج المال في الدورة الاقتصادية ، فبتظافر المال والعمل يكون هناك الإنتاج .ومن ثم " فإن العمل في عرف الاقتصاد الإسلامي متقوم برأس المال ،وقد يكونان متساويين … فلا يحق لرأس المال أن ينفرد بالتمتع بأي امتياز أصلا تجاه ( العمل ) ، لأن العمل في نظره رأسمال معادل".
وقد شرع الإسلام تشريعات تحرر رأس المال من الكنز والإتلاف ، ويمكن إجمال هذه الإجراءات الحمائية في :
1 ـ صيانة الملكية الخاصة من كل اعتداء ، أي ضمان حق الإنسان في تملك ما اكتسبه عن طريق العمل ، وغيره من الطرق الشرعية .
2 ـ نقل ملكية المال بعد موت المالك لأحب الناس إليه ، وهم ذريته وقرابته ، وذلك بقدر الحاجة والمسؤولية ، وفق النظرية الإسلامية في توزيع الثروة .
وإذا لم يكن الإنسان يكد ، ويتعب ، ويبذل كل الجهد والمعاناة في تحصيل المال للانتفاع به في حياته ، وتأمين حياة ذريته وقرابته بعد وفاته ، فإن الإنسان سيسلك سلوكا مدمرا للاقتصاد ، إذ إنه سينزع إلى تبذير أمواله في سفاسف الأمور ،كما أنه سيتقاعس عن العمل، إذ لا جدوى من العمل ، والتعب ، والمعاناة ،ويصبح الإنسان متواكلا ،و عدميا ، و عبثيا .
ومن ثم الشرع الحكيم حمى الملكية الخاصة ، وصانها من كل عدوان في حياة المالك، ونقلها لمن يحب بعد موته ، كل ذلك تحفيزا له على العمل ، والأخذ بالأسباب ، وتحمل مسؤولية الاستخلاف في الأرض بكل إيجابية ، مصداقا لقوله تعالى :
( لقد خلقنا الإنسان في كبد )
سورة البلد ، الآية 4 .
فنتاج الجهد البشري هو القيمة ، فأساس الثروة في الأرض هو العمل ، والإنسان مطالب ببذل أقصى الجهد لتحصيل الثروة ، وذلك بعمارة الأرض ، واستخراج ثمراتها، والسعي فيها إصلاحا لا إفسادا .
والإنسان وهو يسعى في الأرضا تشييدا وبناء متأكد أن عمله هذا عبادة،فما العبادة إلا أمر يصدر من الله تعالى فإذا أقامه المكلف فقد أقام العبادة لله سبحانه ،ألم يؤمر بالسعي في مناكب الأرض مكتشفا السنن الكونية ، مستفيدا من القوى المذخورة في الطبيعة ، وتسخيرها لإشباع الضروريات ،وتلبية الحاجات ، محققا مجتمع الكفاية لا الكفاف ، نزولا عند أمر الله تعالى :
( ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش )
سورة الأعراف ، الآية 10 .
( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضله )
سورة الجمعة ، الآية 10 .
( هــو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبـها وكـــــــــــلوا من رزقه )
سورة الملك ، الآية 15 .
وتبين الآية الكريمة أن السعي مقدم على الأكل :
( فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه )
مما يفيد أن العمل هو أساس الحصول على ما تقوم به الحياة البشرية الطبيعية،فالسعي أساس الكسب .
والإسلام عندما جعل العمل أساس النظام الاقتصادي - أي إن القيمة هي نتاج الجـهد البشري ، أو ثمرة العمل حسب الاقتصاد الحديث - لا نجده يتطرف في مبادئه ، فلا يحرم العامل من ثمرة جهده بعدم الاعتراف بالملكية الخاصة ، إو بإلغاء الميراث كما فعـلت الشيوعية، لأنك إذا حرمت العامل من نتاج عمله فإنك تكون عمليا قد حرمت العمـل من ثمرثه ،ومن ثم قرر الإسلام حق العامل في التمتع بثمرة عمله ، مصداقا لقوله تعالى :
( للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن )
سورة النساء ، الآية 32 .
والإسلام عندما نقل المال بعد موت المالك إلى ذريته وقرابته عن طريق الميراث فإنه يحفز الإنسان على العمل ، وممارسته ألوان النشاط الاقتصادي خاصة في الأطوار الأخيرة من حياة الإنسان " التي تتضاءل فيها فكرة المستقبل عنده وتحتل موضعهـا فكرة الأبناء والقربى ، فيجد في أحكام الإرث التي توزع أمواله بعده بين أقرائه الأدنـيـن ما يغريه بالعمل ،ويدفعه إلى تنمية الثروة حرصا على مصالح أهليه بوصفهـم امتدادا لوجوده " .
 
الميراث والإنتاج

الميراث والإنتاج

الإنتاج هو " عملية تطوير الطبيعة إلى شكل أفضل بالنسبة إلى حاجات الإنسان " وذلك عن طريق توظيف فضول الأموال أو ما يمكن الاصطلاح عليه اليوم بالمدخـرات في مشاريع استثمارية صناعية ، أو تجارية ، أو زراعية ، أو خدماتية .
والإسلام له وسائله الخاصة في تنمية الإنتاج ، منها ما هو ذو طبيعة فكرية ونفسية، كالحث على العمل والإنتاج عبر آيات الذكر الحكيم ، والأحاديث النبوية الشريفة، " التي تستنهض همة الإنسان ، وتوجهه للقيام بواجب الخلافة عن الله في البحث ، والتنقيب ، والكد ، والكدح ، والتعمير ، والكشف ، والاختراع " . وهناك وسائل تشريعية متعددة يهمنا منها هنا نظام المواريث .
ويمكننا أن نتبين الانعكاسات الإيجابية لنظام المواريث على الإنتاج ، من جوانب ثلاث:
1 - يعمل الإنسان ، وينتج ، ويدخر ، ويستثمر ، ليورث نتاج جهده ومعاناته لأبنائه ، وأقاربه، حرصا منه على مصلحتهم ، باعتبارهم امتدادا له في الحياة .
2 - منع الإسلام المالك من التصرف في ماله بعد وفاته ، وعمل على توزيع تركته على ذريته وأقاربه، حسب الحاجة والمسؤولية ، و بذلك فتح المجال أمام فئات اجتماعية عريضة من امتلاك المال الذي هو عصب الحياة ، مما يمكنهم من القدرة على المنافسة العادلة، التي تتجلى فيها قدرات، ومهارات ، وإبداعات ، وجهد ، وتضحية المتنافسين من أجل توفير الإنتاج ، وتنميته ، وزيادة الثروة ، وتحقيق الرفاه الاقتصادي، والســلم الاجتــماعــي .
إن الإسلام عن طريق تشريعات متعددة ، منها نظام المواريث ، يحول دون تركيز الثروة في أيد قليلة ، حتى لا يعم البؤس ، وتنتشر الحاجة والفاقة ، ويعجز الناس عن استهلاك ما يشبع حاجاتهم من السلع ، بسبب انخفاض قوتهم الشرائية، مما يؤدي إلى تكدس المنتجات ، وعدم القدرة على تصريفها ، فيسيطر الكساد على الصناعة، والتجارة ، فيتوقف الإنتاج . ونظام المواريث بإعادة توزيعه الثروة داخل المجتمع ،فإنه يوفر المال لدى فئات الجيل اللاحق ، هي بالضرورة أعرض من فئات الملاك في الجيل السابق ، إذ ما يملكه فرد واحد في جيل ما ، يقسم بعد وفاته على ورثتـــه من أبناء ، وأزواج ، وقرابة ، حسب الحاجة والمسؤولية ، وبذلك تتمكن فـئـات جديدة ، وعريضة من القدرة الشرائية بما تملكته من أموال عن طريق الميراث، مما يجعلها تقبل على الاستهلاك،ويترتب على ذلك الزيادة في الإنتاج .
وهكذا يتبين لنا أنه كلما اتسعت قاعدة الملاك ، كلما ازدادت القدرة على الاستهلاك، مما يؤدي إلى الزيادة في الإنتاج ، مما يجعل نظام المواريث عاملا مهما من عوامل جودة الإنتاج، الزيادة فيه ، ويرتبط بكل ذلك تشجيع الاستثمار، وخلق فـرص جديدة للعمل ، وتضييق دائرة الفقراء ، وتوسيع دائرة الأغنياء .
3 - سبق أن بينا أن الميراث يدفع الإنسان إلى الاقتصاد في المعاش ، وادخار ما يزيد عن احتياجاته ، لتأمين حياة عقبه بعد وفاته . ومعلوم أن الإنتاج لا يحصل بما ينتجه الإنسان ، وما يستهلكه من مأكل ، وملبس ، ومسكن ، وإنما يتحقق بما يقضل عن الحاجة ، ويتجمع كمدخرات ، فالدولة القادرة على الدخول في مــــعركة الإنتـاج ، حكوميا، واجتماعيا ، هي التي تملك إلى جانب التقانة ، ما يفيض عن حاجاتـهـا الضرورية .
إن الإسلام عندما أقر حق الملكية ، وحق الميراث ، أفسح المجال " لشخصية الفرد، حتى يستطيع أن يحقق ذاته ، ويبرز مواهبه ، ويظهر كفايته ن فينتج وينظم ، ويتقن ويتفوق ، فيستفيد ويفيد ، وبذلك يكون المال عنده أداة صالحة ، في يد إنسان صـالح ، وكل ذلك نماء لثروة المجتمع ن ونفع لأبنائه كافة ، ورصيد لمن يعضه الفقر بنابه منهم " .
 
الميراث والتكافل الاجـتـمـاعـي

الميراث والتكافل الاجـتـمـاعـي

لقد شرع الحق سبحانه نظام الميراث وجعله نظاما عادلا ، وحكيما يستجيب للرغبات والنوازع الفطرية ، ويعمل على تنظيمها حتى لا تحيد عن أهدافها ومقاصدها. ومن ثم فإنه يعمل على خلق مجتمع متكافل ،تتسا وى فيه الحقوق مـع الواجبات . بل يقدم فيه الواجب على الحق ،لأن الإنسان يكون مقصده من الحياة أن ينال مرضاة الله تعالى ، ومن ثم فإنه يقدم على الحياة بكل إيجابية استجابة لرؤيته البعيدة، ألا وهي بلوغ الكمال الذي هو ابتغاء ما عند الله ، وفي طريق تحصيله فإنه يحصد كل المتع ، ويجني كل الفوائد التي ربطها الله تعالى بما خلق ، استجابة لقوله تعالى :
( قــــــل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الــــرزق )
سورة الأعراف ، الآية 32 .
والتكافل الاجتماعي في الإسلام مؤسس على جملة دعائم ، منها ما هو عقدي ،ومنها ماهو أخلاقي ، ومنها ما هو تشريعي ، والميراث يدخل في الجانب التشريعي حيث يؤكد على الروابط الأسرية ، وضرورة قيامها على قاعدة الحق والواجب ، فكل فرد من أفراد الأسرة يكفل له المشرع من الحقوق بقدر ما عليه من واجبات . فالوالدان مكلفان برعاية أبنائهما ، وحسن تأديبهما ، وتأهيلهما للاندماج في المجتمع ، كأفراد فاعلين ، مساهمين في عمارة الأرض ، محققين مبدأ الاستخلاف .والأبناء عليهما احترام والديهما ، وتقدير تضحياتهما ، ومعاملتهما بالبر والإحسان ، وتبادل الحب والمودة ، والسعي إلى إعزازهما ، وإكرامهما طيلة حياتهما ، وفي حالة عجزهما تزداد مسؤولية الأبناء ، بالتكفل بالإنفاق عليهما ، ورعايتهما، بما يحفظ كرامتهما ، وبعد الوفاة تنتقل التركة إلى أحب الناس إلى الهالك ، وآثرهم عنده أبناؤه ، وأقاربه ، بناء على القواعد التالية :
1 – " الغنم بالغرم " : أي بقدر ما تستفيد بقدر ما يلحقك من ضرر ،مما يحقق التوازن بين الحقوق والواجبات .ومن ثم فإن هذه القاعدة تقرر العدل في المعاملات .
2 – " الحاجة " : من كانت حاجته أكثر ، كان نصيبه أوفر ، فالأبناء حظهم من التركة أكبرمن حظ الوالدين ، لأنهم مقبلون على الحياة بكل تكاليفها ،في حين الآباء مدبرون عن الحياة ،مع ما لهم من فضل أموال حصولها طوال حياتهم ،وبالتالي تكون التزاماتهم وحاجياتهم أقل .
3 – " المسؤولية " : توزع التركة بحسب المسؤولية داخل الأسرة ، فمن كانت مسؤوليته أكبر، كان نصيبه أكبر ، ومن كانت مسؤولية أقل ، كان نصيبه أقل ، فالرجل يأخذ ضعف ما تحصله المرأة من تركة الوالدين ، لأن الرجل مسؤول بالإنـفاق في جميع الأحوال ، في حين لا تكلف المرأة بالإنفاق على نفسها ،أو ذويهـا ولو كانت غنية .
إن التعاون ، وتبادل المنافع يبدأ داخل الأسرة الصغيرة ، ليتوسع ويشمل المجتمع كله بحيث يستقر في وجدان الإنسان المسلم المبادرة إلى فعل الخير ، والمسارعة إلى تقديم المساعدة لذوي الحاجات والمعوزين ، باعتبار ذلك واجبا دينيا ، مما يعمل على خلق مجتمع متعادل، تتقارب فيه الفجوة بين فئاته ، ليعم السلم والأمن النفس ، والأهل ، والمجتمع .
 
خــاتــمــة

خــاتــمــة

إن أهم نتيجة يخلص إليها الباحث من دراسة نظام المواريث وصلته بالاقتصاد الإسلامي، هي شمولية الشريعة الإسلامية وواقعيتها، وأن الرؤية التجزيئية للإسلام لايمكن أن توصلنا إلى إدراك الحق ، والحقيقة ، وفهم الحكمة . فالإرث مثلا ليس حالة خاصة بالأحوال الشخصية، وتداول المال داخل الأسرة ، بل يتعداه إلى الحياة العامة، إذ يعمل على إعادة توزيع الثروة ، وما يترتب على ذلك من توسيع قاعدة الملاك ، والزيادة في القوة الشرائية ، مما يشجع على الاستــــثمار ، والزيادة في الإنتـاج، وتوسيـع سوق العمل ، وتضييق دائرة العطالة ، ومحاصرة آفة الفقر، وتحقيق الرفاه العام . /.
 
المصادر و المراجع

المصادر و المراجع

1 - أحكام القرآن : أبو بكر محمد بن عبد الله بن العـربي (ت543هـ)، تحقيق محمد عبد القادر عطا ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1408 هـ /1988م .
2 - أحكام القرآن : أحمد بن علي الرازي الــجـصــاص
( ت 370 هـ ) ، تحقيق محمدالصادق قمحاوي ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، 1405 هـ .
3 – الأحوال الشخصية : محمد أبو زهرة ، دار الـفكر العربي ، القاهرة ، الطبعة الثالثة، 1975 .
4 - اختلاف الحديث : محمد بن إدريس الشافعي ( ت 204 هـ ) ، تحقيق عامر أحمد حيدر ، مؤسسة الكتب الثقافية ، بيروت ، الطبعة الأولى 1405هـ / 1985م.
5- الإسلام عقيدة وشريعة : محمود شلتوت ، دار الشروق ، بيروت .
6- الأشباه والنظائر على مدهب أبي حنيفة النعمان : زين العابدين بن إبراهيم بن نجيم ، تحقيق عبد العزيز محمد الوكيل ، مؤسسة الحلبي ، القاهرة .
7- الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية : جلال الدين عبد الرحمن الــــــسيوطي
( 911هـ ) ، دار إحياء الكتب العربية ، القاهرة .
8- أصول التشريع الإسلامي : علي حسب الله ، دار المثقف العربي ، القاهرة ، الطبعة السادسة ، 1402هـ /1982م .
9- أضواء على الفكر الاقتصادي الإسلامي المعاصر : يوسف كمال ، دار الأنصار ، القاهرة.
10- إعانة الطالبين : السيد البكري محمد شطا الدمياطي ، دار الفكر ، بيروت .
11-الاقتصاد الإسلامي "المنهج والتطبيق " : زيدان أبو المكارم حسن ، مكتبة الخانجي ، مصر ، الطبعة الأولى ، 1397هـ /1977 م .
12- الاقتصاد الإسلامي بين الرأسمالية والشيوعية : محمد علي قطب ، دار الوفاء ، المنصورة، الطبعة الأولى ، 1985 .

13- الاقتصاد المالي الإسلامي : عبد الكريم صادق بركات ، و عوف محمود الكفراوي، مؤسسة شباب الجامعة ، الإسكندرية .
14- الاقتصاد الإسلامي " مدخل ومنهاج " : عيسى عبده ، دار الاعتصام ، القاهرة ، 1973 .
15- الاقتصاد الرأسمالي في مرآة الإسلام : محمد الخالدي ، دار الجيل بيروت ، الطبعة الأولى، 1984 .
16- الاقتصاد في القرآن والسنة : عيسى عبده ، دار المعارف ، القاهرة ، 1981م .
17- إقتصادنا : محمد باقر الصدر، دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1401 هـ/1981م.
18- إقتصاديات النقود في إطار الفكر الإسلامي ، أبو بكر الصديق عمر متولي ، وشوقي
إ سماعيل شحاته ، مكتبة وهبة ، القاهرة ، الطبعة الأولى ، 1983 .
19- الأم : مجمد بن إدريس الشافعي أبو ( 204 هـ ) ، دار المعرفة ، بيروت ، الطبعة الثانية ، 1393 هـ .
20- البحر الرائق ، شرح كنز الدقائق : زين بن محمد بن بكر (ت 970 هـ ) ، دار المعرفة ، بيروت .
21- بداية المجتهد ، ونهاية المقتصد : محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد القرطــبي ( ت 595 هـ ) ، مكتبة المعارف ، الرباط ، 1419 هـ .
22- البنوك الإسلامية ( مجلة ) : العدد الحادي عشر، رجب 1400 هـ/ مايو1980م.
23- التاج والإكليل : محمد بن يوسف بن أبي القاسم العبدري ( ت 897 هـ ) ، دار الفكر ، بيروت ، الطبعة الثانية ، 1398 هـ .
24- التشريع الجنائي الإسلامي : عبد القادر عودة ، دار التراث ، القاهرة ، 1977 م.
25- التعامل المالي في الإطار الإسلامي : محفوظ إبراهيم فرج ، دار الاعتصام ، القاهرة ، الطبعة الأولى ، 1404 هـ /1984 م .
26- تفسير المنار : الشيخ محمد عبده ، ومحمد رشيد رضا ، الهيئة العامة للكتاب ، القاهرة ، 1973.
27- التمهيد : أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري ( ت 463 هـ ) ، تحقيق مصطفى بن أحمد العلوي . وزارة الأوقاف ، المغرب ، 1387 هـ .
28- الجامع لأحكام القرآن : أبو عبد الله محمد القرطبي ( ت 671 هـ ) ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، الطبعة الأولى 1408 هـ / 1988م.
29- دراسات إسلامية في العمل و العمال : لبيب السعيد ، الهيئة العامة للكتاب ، القاهرة، 1985 م .
30- دليل الطالب : مرعي بن يوسف الحنبلي ، المكتب الإسلامي ، بيروت ، الطبعة الثانية، 1389 هـ .
31- ذاتية الاقـتصادية الإسـلامية : محمد شوقي الفنجري ، مكتبة السلام العالمية ، 1401 هـ / 1981 م .
32- رسالة أبي زيد القيرواني : عبد الله بن أبي زيد القيرواني (ت 387 هـ ) ، دار الفكر، بيروت .
33- روضة الطالبين ، وعمدة المفتين : الإمام النووي ( ت هـ ) ، المكتب الإسلامي ، بيروت ، الطبعة الثانية ، 1405هـ .
34- سبل السلام : محمد بن إسماعيل الصنعاني الأمير ( ت 852 هـ ) ، تحقيق محمد عبد العزيز الخولي ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، الطبعة الرابعة ، 1379 هـ .
35- سنن أبي داود : سليمان أبو داود السجستاني الأزدي ( ت 275 هـ ) ،تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد ، دار الفكر ، بيروت .
36- السياسة الاقتصادية ، والنظم المالية في الفقه الإسلامي : أحمد الحصري ، مكتبة الكليات الأزهرية ، القاهرة ، 1402هـ / 1982 .
37-شـرح الـزرقـاني على موطـأ الإمام مـالك : محمد بن يوسف الـزرقـــاني
(ت 1122هـ ) ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1411 هـ .
38- الـعمل الاقتصادي من وجهة نظر الإسلام : رؤوف شلبي ، دار الاعتصام ، القاهرة ، الطبعة الأولى ، 1399 هـ/ 1979م .
39-العدالة الاجتماعية في الإسلام : سيد قطب ، دار الشروق ، القاهرة ، ط7 ، 1400 هـ / 1980م .
40 فـتـح الـوهاب : زكريا محمد الأنصاري ( ت 926 هـ ) ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1418 هـ .
41- الفرائض للثوري : أبو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري (ت 161 هـ ) ، تحقيق عبد العزيز الهليل ، دار العاصمة ، الرياض ، الطبعة الأولى ، 1410 م .
42- الفرائض : عبد الرحمن بن عبد الله السهيلي أبو القاسم ( ت 581 هـ ) ، تحقيق محمد إبراهيم مهنا ، المكتبة الفيصلية ، مكة المكرمة ، الطبعة الثانية ، 1405 هـ .
43- الفقه الإسلامي وأدلته : وهبة الزحيلي ، دار الفكر ، دمشق ، الطبعة الثالثة ، 1409 هـ / 1989 م .
44- فـقـه السنة : السيد سابق ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، الطبعة الرابعة ، 1405 هـ / 1985 م .
45-فقه الزكاه : يوسف القرضاوي ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، الطبعة السادسة، 1401 هـ/1981 م .
46- في الاقتصاد الأسلامي : منشورات كلية الآداب والعلوم الانسانية ، سلسلة نـدوات
ومناظرات ، رقم 15 ، الرباط 1410هـ/1989 م.
47-في الاقتصاد الاسلامي : رفعت السيد العوضي ، كتاب الأمة ، العدد 24 ، مؤسسة الخليج ، قطر ، شعبان ، 1410 هـ .
48-فـي الـتشريع الاسـلامي : محمد نبيل غنايم ، دار الهداية ، القاهرة ، الطبعة الأولى، 1407هـ/1986 .
49-القوانين الفقهية على مذهب أهل المدينة : محمد بن جزي الكلبي الغرناطي ( ت هـ ) ، بدون طبعة ولا تاريخ .
50-المبسوط : محمد بن أبي سهل السرخسي ( ت هـ ) ، دار المعرفة ، بيروت، 1406هـ.
51-المجتمع الاسلامي وفلسفته المالية والاقتصادية .محمد الصادق عفيفي ، مكتبة الخانجي ، القاهرة ، 1980 م .
52-المحلى : علي بن حزم الظاهري ( ت 383 هـ ) ، تحقيق لجنة إحياء التراث العربي ، دار الآفاق الجديدة ، بيروت .
53- مختصر إحياء علوم الدين : أبو حامد محمد الغزالي ( 505 هـ ) ، تحقيق شعبان محمد إسماعيل ، مكتبة نصير ، القاهرة .
54- المدونة الكبرى : مالك بن أنس ( ت هـ ) ، دار صادر ، بيروت .
55- المسلم المعاصر ( مجلة ) ، العدد الثامن والعشرون 1401 هـ / 1981 م .
56- المشكلة الاقتصادية في ضوء تعاليم الإسلام الحنيف : رؤوف شلبي ، دار الاعتصام ، القاهرة ، 1981 م .
57- مشكلة الفقر " وكيف عالجها الإسلام " : يوسف القرضاوي ، مكتبة وهبة ، القاهرة، الطبعة الرابعة ، 1400 هـ / 1980 م .
58- المعيار المعرب ، والجامع المغرب ، عن فتاوي أهل إفريقيا والأندلس ، والمغرب : أبو العباس أحمد بن يحيى الونشريسي ( ت 914 هـ ) ، خرجه حماعة من الفقهاء بإشراف محمد حجي ، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ، المملكة المغربي ، 1401 هـ /1981م.
59- المـغـنـي : عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي ( ت 620 هـ ) ، دار الفكر ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1405 هـ .
60- مـفاتيح الغيب : فخر الدين الرازي ( ت 604 هـ ) ، دار الكتب العلمية ، بيروت، الطبعة الأولى ، 1411 هـ / 1990 م .
61- مفهوم الاقتصاد في الإسلام : محمود الجالدي ،دار الجيل ، بيروت ، الطبعة الأولى، 1404 هـ / 1984 م .
62- مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها : علال الفاسي ، مكتبة الوحدة العربية ، الدار البيضاء ، 1382 هـ /1963 م .
63- مقومات الاقتصاد الإسلامي : مكتبة وهبة ، القاهرة ، الطبعة الثالثة ، 1403 هـ / 1983 م .
64- الـمـلكية ونظرية العقد في الشريعة الإسلامية : أحمد فراج حسين ، مؤسسة الثقافة الجامعية ، الإسكندرية ، الطبعة الأولى .
65- منهج الإسلام في التعاملات المالية : أحمد عثمان ، دار الطباعة المحمدية ، القاهرة، الطبعة الأولى ، 1398 هـ / 1978 م .
66- منهج الاقتصاد الإسلامي في إنتاج الثروة واستهلاكها : أحمد لسان الحق ، دار الفرقان، الدار البيضاء ، المغرب ، الطبعة الأولى ، 1408 هـ / 1987 م .
67- الموافقات : إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المالكي ( ت 790 هـ ) ،تحقيق عبد الله دراز ، دار المعرفة ، بيروت .
68- الموطأ : الإمام مالك بن أنس ( ت 179 هـ ) ، دار الآفاق الجديدة ، بيروت ، الطبعة الثانية 1401 هـ / 1981 م .
69- الـنـظرية الاجـتماعية في الـفكر الإسـلامي : زينب رضوان ، دار المعارف ، القاهرة،الطبعة الأولى ، 1982 م .
70- نظرية التقعيد الفقهي وأثرها في اختلاف الفقهاء : محمد الروكي ، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية ، الرباط ، الطبعة الأولى ، 1414 هـ / 1994 م .
71- نيل الأوطار : محمد بن علي الشوكاني ( ت 1255 هـ ) ، دار الجيل ، بيروت ، 1973 م .
72- الوجيز في الاقتصاد الإسلامي : محمد شوقي الفنجري ، دار الصحوة ، القاهرة، الطبعة الأولى ، 1405 هـ / 1985 م .
 
فهر س الموضوعات

فهر س الموضوعات

1- مقدمة .
2- تعريف الميراث لغة و اصطلاحا .
3- التطور التاريخي للمواريث .
4- الاقتصاد الإسلامي و العقيدة .
5- الاقتصاد الإسلامي ومقاصد الشريعة .
6- الحقوق المتعلقة بالتركة .
7- الأموال و الحقوق التي يجري فيها الميراث .
8- نظام المواريث في الإسلام و الملكية.
9- نظام المواريث في الإسلام وتحديد الملكية .
10- نظام المواريث في الإسلام وتوزيع الثروة .
11- نظام المواريث في الإسلام وتداول المال في المجتمع .
12- الميراث والعمل .
13- الميراث والادخار .
14- الميراث والاستثمار .
15- الميراث و الإنتاج .
16- الميراث و التكافل الاجتماعي .
17- خاتمة .
18- قائمة المصادر و المراجع .
19- فهرس الموضوعات .
 
نسخة كاملة

نسخة كاملة

بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين .
الإخوة الأفاضل : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
أما بعد ، فهذه نسخة كاملة ، مهداة للإخوة رواد الموقع .
وتفضلوا بقبول خالص التحيات و التقدير .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
 
شكر وتقدير

شكر وتقدير

بسم الله الرحمن الرحيم
و الصلاة و السلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين
الأخ الفاضل : علال بوربيق ـ حفظه الله ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
وبعد فإني أسكركم على اهتمامكم وتقديركم وتواصلكم ، وتنبيهاتكم .جزاكم الله خيرا .
وتفضلوا بقبول خالص التحيات و التقدير .
 
عودة
أعلى