الإجازة والاسناد بين التساهل والتشديد ( عند القراء )

إنضم
17 أغسطس 2003
المشاركات
9
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإن الله ـ نعالى ـ قد يسر القرآن لتاليه ، وأجزل الأجر لقاريه ، فإن تلا وأحسن تشرف بمرافقة السفرة الكرام البررة وإن تلعثم وتتعتع حصل له الأجر مرتين ، والله يضاعف لمن يشاء ، وأنت ـ أخي القارئ ـ تجد ذلك واضحا ً في قوله تعالى (( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر )).
وعطفاً لما سبق فإن الأجدر لطالب العلم أن يجتهد في التحصيل ، ويواظب حتى يكون ماهراً بقراءة التنزيل ، وليس من طريق قويم ، ومنهج مستقيم لتحصيل الثواب العظيم إلا بدخول البيوت من أبوابها ، ولزوم صاحب فن متقن لها .
ومع كثرة الصوارف ، وبعد المفاوز ، أصبح شاقاً على طالب العلم تحصيل إجازة في الإقراء من أهلها الذين ـ وفقهم الله ـ لنيلها على أساتذتهم .
وقد تياينت طرق الأداء لطالبي الإسناد والاقراء حسب الشيخ المقرئ فمنهم المتساهل الذي همه الإنجاز بالدرجة الأولى حتى إني قد لاحظت على بعضهم من الذين أجيزوا يقعون في بعض الأغلاط التي لا تقبل حتى من صبي وعلى النقيض من ذلك فمنهم المتشدد الذي يبقى الطالب عند سنوات طويلة بل بعضهم يفرط في ذلك فيبقي بعض طلابه في الفاتحة ما يربو على ثلاثة الأشهر وهذا لعمري من التكلف الذي نهينا عنه (( قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين )).
أرجو من الإخوة الأعضاء والضيوف الكرام عند قراءة هذا المقال أن يعلقوا عليه ، وأن يقترحوا بعض الحلول الناجعة التي تحصل بها الفائدة ويتم من خلالها النفع ، والله من وراء القصد.
 
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]
موضوع (إجازات قراء القرآن ) من الموضوعات الطريفة التي لم تفرد بالبحوث ، وقد قدم الدكتور محمد بن فوزان العمر في ندوة عقدتها الجمعية العلمية للقرآن بحثاً حول هذا الموضوع ، وطبعه بعد ذلك في دار الحضارة بالرياض ، ويقع البحث في 78 صفحة من القطع العادي.
والناظر في تراجم المقرئين يلحظ الفروق بينهم في التساهل والتشدد والتوسط في إجازاتهم ، من حيث طريقتهم في منحها ، أو صيغة الإجازة المكتوبة. ولو تتبع باحث جاد تاريخ الإجازات ، ومخطوطات الإجازات القرآنية خاصة ، والخطوط التي كتبت بها ، لكان في ذلك نفع وفائدة لطلاب العلم.
وقد مر بي في تراجم القراء ، ورأيت من مشايخنا أصنافاً من هؤلاء العلماء المقرئين ، فمنهم المتشدد الذي يبالغ في اشتراط منح الإجازات حتى لا يكاد يحصل الطالب على الإجازة إلا بعد مشقة شديدة ، وفي زمن متطاول . وربما مكث أحدنا السنة والسنتين في رواية واحدة ، لشدة الشيخ في الشرط ، وكثرة الطلاب الذين يقرأون على الشيخ ، وقلة المقرر كل يوم حتى ربما لا يتجاوز نصف الصفحة أو العشر آيات.
وقد ذكر ابن الجزري في ترجمة عبدالرحمن بن داود أبي القاسم ابن أبي طيبة المتوفى سنة 273هـ أنه لم يكن يزيد في إقرائه لطلابه في اليوم عن عشر آيات ، وربما خمس آيات ، ولم يكن يقرئ طلابه في المسجد الجامع . [انظر: غاية النهاية 1/368] .
بل إن أبا بكر بن عياش ذكر أنه قال له عاصم بن أبي النجود : ألا تقرأ علي كما قرأ يحيى على عبيد بن نضلة ، كل يوم آية ؟ ! [غاية النهاية 1/498] وهذه القراءة المتأنية هي قراءة التلقين ، ويأخذ معها الطالب التفسير والأحكام ، حيث يقرأ المعلم على الطالب الآية والعكس حتى يتقنها ، وقد ذكر عاصم بن أبي النجود أنه أخذ القرآن على زر بن حبيش ثلاثاً ثلاثاً ، وزر أخذه عن ابن مسعود آية آية . [انظر: جمال القراء للسخاوي 2/446].
فهذه الطريقة في الإقراء أثبت وأنفع للطالب ، ولكنها تستغرق وقتاً طويلاً جداً ، يصل إلى أكثر من عشر سنوات ، ولذلك ذكر ابن الجزري أن الطيب بن إسماعيل بن حمدون الذهلي المتوفى سنة 240هـ قرأ على حسين الجعفي القرآن الكريم يوم آية ، قال : وختمته عليه في خمس عشرة سنة .[غاية النهاية 1/344] وهي مدة طويلة لا تكاد تتيسر ملازمتها للشيخ في زماننا هذا إلا للقليل من الطلاب. غير أن المتشددين من الشيوخ يجدون في أمثال هؤلاء قدوة في التشدد مع الطلاب في منحهم الإجازات ، والضن بالإجازة إلا على أهلها.
ومن أمثلة التشدد في الإقراء والإجازة ما جاء في ترجمة محمد بن أحمد بن بضحان الدمشقي المتوفى سنة 743هـ أنه كان يجلس للإقراء وهو في غاية التصميم لا يتكلم ولا يتلفت ولا يبصق ولا يتنحنح ، وكذلك من عنده ، ويجلس القارئ عليه وهو يشير إليه بالأصابع لا يدعه يترك غنة ولا تشديداً ولا غيره من دقائق التجويد حتى يأخذه عليه ، ويرده إليه ، وإذا نسي أحدٌ وجهاً من وجوه القراءة يضرب بيده على الحصير ، فإن أفاق القارئ ورجع إلى نفسه أمضاه له ، وإلا لا يزال يقول للقارئ : ما فرغتَ ، حتى يعييه ، فإذا عيَّ رد عليه الحرف ، ثم يكتبه عليه ، فإذا ختم وطلب الإجازة سأله عن تلك المواضع التي نسيها أو غلط فيها في سائر الختمة ، فإذا أجاب عنها بالصواب كتب له الإجازة ، وإن نسي قال له : أعد الختمة ، فلا أجيزك على هذا الوجه . وهكذا كان دأبه على هذه الحال ، بحيث أنه لم يأذن لأحد سوى اثنين هما السيف الحريري ، وابن نملة فحسب لا غير في جميع عمره ، مع كثرة من قرأ عليه وقصده من الآفاق. [غاية النهاية 2/57-58] .
وقال أبو عمرو الداني : لم يمنعني من أن أقرأ على أبي طاهر إلا أنه كان فظيعاً ، وكان يجلس للإقراء وبين يديه مفاتيح ، فكان ربما يضرب بها رأس القارئ إذا لحن ، فخفت ذلك ، فلم أقرأ عليه ، وسمعت منه كتبه). [غاية النهاية 1/246].

وهناك صنف آخر من المقرئين يتساهلون في منح الإجازة قديماً وحديثاً ، وهم في المتأخرين أكثر منهم في المتقدمين ، وفي تراجم بعض المتقدمين شيء من هذا .
من ذلك ما ذكره الذهبي في ترجمة محمد بن أحمد بن مسعود الأزدي الشاطبي المتوفى سنة 625هـ ، من أنه قال عنه الأبار : لم آخذ عنه لتسمحه في الإقراء والإسماع ، سمح الله له. قال الذهبي : رأيت ما يدل على ذلك بخطه أن بعض القراء قرأ عليه في ليلة واحدة ختمة برواية نافع. [طبقات القراء الكبار 2/613]. بل إنه وجد في بعض التراجم من ختم القرآن بالقراءات السبع في ليلة واحدة [انظر: غاية النهاية 1/25] . وهذا كله من التساهل في الإقراء وإن كان لا يلزم منه الإجازة في كل حال ، فربما يختم بعض الطلبة على الشيخ دون أن يمنحه الشيخ إجازة .

** وللتساهل في الإجازة والإقراء صور كثيرة منها :
- عدم الحرص على توقيف الطالب على أحكام التجويد وتحقيقها ، فيمر الطالب بها ، ولا يتقنها.
- عدم الإصغاء للطالب أثناء القراءة ، فربما اشتغل الشيخ بأمر صارف عن الاستماع كقراءة في كتاب ، أو كلام مع طالب آخر ، والطالب يقرأ ، فيمر بأحكام لا يوقف على صوابها.
- إقراء أكثر من طالب في وقت واحد ، وإن أجازه بعض أهل العلم كعلم الدين السخاوي [انظر:إجازات القراء لمحمد بن فوزان 55] إلا أن فيه تساهلاً كبيراً ، وقد رأيت مثل هذا كثيراً.
- إقراء الطالب في السيارة ، وفي الطواف في الحرم ، وفي المسعى ، ونحو ذلك مما يكون معه الشيخ غير منصت للطالب تماماً ، ولا الطالب مجتمع الهم للقراءة والتحقيق في تصحيحها.
وهناك صور أخرى كالإقراء عبر الهاتف ، غير أنها متقاربة في الإخلال بواجب الإتقان وتصحيح القراءة ، وأخذها كما ينبغي فيما يظهر لي.

ولكن الغالب على المقرئين والمجيزين قديماً وحديثاً هو التوسط والاعتدال في هذا ، فنحن أمة الوسط ، فهم يأخذون الطالب بالجد والحزم فلا يتساهلون معه في أخذ القرآن ، ولا يضيقون عليه فينفر منهم ، وينصرف عن أخذ القرآن. والتساهل والتشديد طرفا نقيض ، وكما قال الشاعر:
[align=center]ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد * كلا طرفي قصد الأمور ذميمُ[/align]
فإذا قرأ الطالب القرآن كاملاً ، وأجاد التلقي والمخارج والصفات ، وأخذ الحروف كما تلقاها دون إخلال ، مع حسن الأدب ، والحرص على التخلق بأخلاق القرآن كان أهلاً للإجازة ، وأهلاً للتدريس ليستمر هذا الإسناد الشريف ، لهذا القرآن الكريم. ويبقى بعد ذلك التفاوت بين الطلاب في الإتقان ، فبعضهم أشد إتقاناً من بعض ، والصوت مواهب ومنح ربانية ، وسلامة آلات الصوت تتفاوت في الخلقة ، ويزيد الله مَنْ يشاء ما يشاء ، والله ذو الفضل العظيم . غير أن الحد الأدنى المتفق عليه ، هو ما تقدم.
ومن قصر في التلقي ، وأخلَّ بالقرآن في تلاوته ، ولم يبد عليه أثره كان قمناً أن يحرم من هذا الشرف لعدم أهليته ، فإنه ينبغي أن يبقى للقرآن هيبة في قلوب المؤمنين ، وللعلم حرمة تصان وتحترم ، وإلا لم يبق للمُجِدِّ فضيلة ، وللسابق مزية.
 
رأي الذهبي في بعض صور الإقراء ..

رأي الذهبي في بعض صور الإقراء ..

قال ابن خلكان(608-681هـ) في ترجمة العلامة علم الدين السخاوي (ت643هـ) رحمه الله :( ورأيته بدمشق والناس يزدحمون عليه في الجامع لأجل القراءة ، ولا تصح لواحدٍ منهم نوبةٌ إلا بعد زمان ، ورأيته مراراً راكباً بهيمةً وهو يصعد إلى جبل الصالحيين ، وحوله اثنان وثلاثة ، وكل واحد يقرأ ميعاده في موضع غير الآخر ، والكل في دفعة واحدة ، وهو يَردُّ على الجميع.) [وفيات الأعيان 3/340-341]
قال الإمام الذهبي تعليقاً على هذا الفعل من الإمام السخاوي :
( ما علمتُ أحداً من المقرئين ترخص في إقراء اثنين فصاعداً إلا الشيخ علم الدين ، وفي النفس من صحّة تحمل الرواية على هذا الفعل شيءٌ ؛ فإن الله تعالى ما جعل لرجل من قلبين في جوفه.
ولا ريب في أن هذا العمل خلاف السنة ؛ لأن الله تعالى يقول : ﴿وإذا قُرئ القُرآنُ فاستمعوا له وأنصتوا﴾ . فإذا كان هذا يتلو في سورةٍ ، وهذا في سورةٍ ، وهذا في سورةٍ في آنٍ واحدٍ ففيه جملة مفاسد:
أحدها : زوال بهجة القرآن عند السامعين.
وثانيها : أن كل واحد يشوش على الآخر ، مع كونه مأموراً بالإنصات.
وثالثها : أن القارئ منهم لا يجوز له أن يقول : قرأت على الشيخ علم الدين وهو يسمع ، ويعي ما تلوته ، كما لا يسوغ للشيخ أن يقول لكل فرد منهم : قرأ علي فلان القرآن جميعه ، وأنا منصت لقراءته ، فما هذا في قوى البشر ، بل هذا مقام الربوبية ، كما قالت أم المؤمنين عائشة :(سبحان من وسع سمعه الأصوات). وإنما يصحح تحملهم ، والحالة هذه إجازة الشيخ لهم ، ولكن تصير الرواية بالتلاوة إجازة لا سماعاً ، من كل وجهٍ).
[معرفة القراء الكبار للذهبي 3/1090-1091 ، وفي تاريخ الإسلام 10/329 باختصار]
قال الإمام محمد بن الجزري (ت833هـ) معقباً على كلام الإمام الذهبي :(بل في النفس مما قاله الذهبي شيءٌ . ألم يسمع : وهو يرد على الجميع ؟! مع أن السخاوي لا نشك في ولايته ، وقد أخبرني جماعة من الشيوخ الذين أدركتهم عن شيوخهم أن بعض الجن كان يقرأ عليه ، وقضيته التي حكاها العدل شمس الدين محمد بن إبراهيم الجزري في تاريخه مع تلميذه في حق جاريته معروفة ذكرتها في الطبقات الكبرى تدل على مقداره). [غاية النهاية في طبقات القراء 1/570]
 
لعل ابن خلكان لم ير ( العرفاء أو الملقنين ) الذين كان العلامة السخاوي يشرف عليهم ، وحسب أنه هو الذي يقرئهم ، فقد أورد السخاوي طريقة الإقراء هذه في كتابه ( جمال القراء 2/454 ) قال: فكان أبو الدرداء قاضي دمشق وسيد القراء فيها ، يجعل الناس حين يجتمعون عليه بعد صلاة الغداة للقراءة عشرة عشرة ، وعلى كل عشرة عريف أو ملقن ، حتى بلغ الذين يقرؤون القرآن عنده أزيد من ألف رجل ، وهو يقف في المحراب يرمقهم ببصره ، وقد يطوف عليهم قائماً ، فإذا أحكم الرجل منهم تحول إلى أبي الدرداء يعرض عليه ، وكان عبدالله بن عامر عريفاً على عشرة ، فلما مات أبو الدرداء خلفه ابن عامر .
فهذه هي طريقة الإقراء المعروفة لدى القراء ، فلا أظن أن السخاوي يخالف أشياخه في هذا .

د . خلف حسين صالح الجبوري
كلية التربية / جامعة تكريت / العراق
[email protected]
 
الأخ العزيز الدكتور خلف الجبوري بارك الله فيه .
الذي يبدو من وصف ابن خلكان لما رآه من حال السخاوي رحمه الله مع طلابه - من الاستماع لهم وهو راكب على دابته ، وأظنهم يمشون على أقدامهم ، ولعله يمتطي حماراً أو أتاناً - أنها تخالف ما كان يصنعه أبو الدرداء رضي الله عنه. فالسخاوي يستمع للثلاثة معاً ، وكل طالب يقرأ من موضع مختلف عن صاحبيه ، ويرد على كل واحد منهم خطأه ، وهذا الذي أنكره الذهبي ، أما فعل أبي الدرداء فظاهر ، ولا مؤاخذة فيه ، بل هو الذي عليه عمل الشيوخ الذين يقرأ عليهم عدد كبير من الطلبة .، فهم يكلفون الطلاب المتقدمين بتعليم زملائهم المبتدئين ، ثم بعد ذلك يعرض هؤلاء المبتدئون على الشيخ ، وقد استقامت ألسنتهم بالقراءة ، ولا نت بأحكام التجويد .
 
فوائد جليلة في موضوع الإقراء والإجازات ، شكراً للدكتور عبدالرحمن والدكتور خلف وبقية الإخوة على إثراء الموضوع . ولدي سؤال :
ما هو الفرق بين الإجازة للقارئ ، والإسناد ؟
 
ولدي سؤال :
ما هو الفرق بين الإجازة للقارئ ، والإسناد ؟
لعل الزملاء في القراءات يجيبون الأخ فهد على سؤاله مشكورين .
 
...
...
وقضيته التي حكاها العدل شمس الدين محمد بن إبراهيم الجزري في تاريخه مع تلميذه في حق جاريته معروفة ذكرتها في الطبقات الكبرى تدل على مقداره). [غاية النهاية في طبقات القراء 1/570]

جزاك الله خيراً على ما قدّمت ..

ولسان حالنا: هل من مزيد !

وهلاّ عرضت علينا - فضلاً - قضية الجزري مع تلميذه في حق جاريته ؟
 
جزى الله مشايخنا الكرام على ما تفضلوا به طرح جميل أثابكم الله ونفع بكم
 
فوائد جليلة في موضوع الإقراء والإجازات ، شكراً للدكتور عبدالرحمن والدكتور خلف وبقية الإخوة على إثراء الموضوع . ولدي سؤال :
ما هو الفرق بين الإجازة للقارئ ، والإسناد ؟
بارك الله فيكم ، اختصارا : الإجازة هي إذن الشيخ بالرواية لتلميذه وتصريحه بذلك ، والإسناد هو الطريق و سلسلة الرجال التي أدت إليه الْمَرْوِيّ .
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مع أن الموضوع قديم جدا، إلا أن موافقته لأمر طرأ معي قبل يومين حثني على المساهمة برأي، لعله يفيد من يعاني من مثل حالتي، وينبّه المسؤولين إلى من هم أمثالي.
قول الشيخ الكريم "بعضهم من الذين أجيزوا يقعون في بعض الأغلاط التي لا تقبل حتى من صبي" هو تماما الذي وقع معي. قبل عدة سنوات كنت قد اجتزت المرحلية التمهيدية في تعلم التجويد "بامتياز" حسب سجلات دار القرآن، ثم التحقت بالمتقدمة، وبغضون أيام قليلة من امتحانها، تبين لي بأن نطقي لأحد الأحرف به خلل تام. لم أعي ذلك، ولم تنبته له معلمتي، واجتزت الامتحان بنتيجة تؤهلني لتعليم القرآن (الله المستعان)، ومضيت قدما بالإجازة، وقبل يومين (حرفيا وليس مجازا) جلست مع امرأة مسلمة أجنبية، ظننت بأنني سأقوم بتعليمها القرآن، ولكن تبين لي بأنني كنت أنا المقصودة من هذا الاجتماع، فقد انتبهت هي بأن نطقي لأحد الحروف يتم بطريقة غير صحيحة، وهي أجنبية، لا تملك سوى دورة في القاعدة النورانية، ولم تبدأ حتى بأساسيات التجويد.
لا أقول هذا الآن إلا لأنني الآن في مرحلة الإجازة، واعتمادي بالكامل على توجيه معلماتي، والظاهر بأنني اجتزت ثلاث مراحل في امتحانات التجويد، ولا زلت أرتكب "الأغلاط التي لا تقبل حتى من صبي".
وكيف كان لي أن أعلم؟ ظاهر الأمر حاليا هو أنني إن استمررت، فإني كنت سأحصل على الإجازة بغضون أسابيع، ولكنني سأتوقف الآن، فلعلي لست أهلا للأمانة بعد، مع أن معلماتي لا زلن لم يدركن هذا، ومع أنه حسب مستوى التأهيل المطلوب للدار، فإني أهلا للإجازة، ولكنني لست كذلك.
يا ليت المعلمات تشدد علينا أكثر، ويا ليتنا ننتبه للأساسيات، ويا ليت النظام التعليمي يتم إحكامه جيدا، حتى لا يمرق أمثالي من مثل هذه الثغرات التعليمية، وينتهي بنا الأمر بتلقين أجيال من بعدنا ونحن لا زلنا لا نملك "ما يملكه الصبيان" في هذا العلم المبارك.
والله المستعان.
 
بارك الله في امشايخ الكرام على ما ذكروا وفي الأخت مها حمد الفرحان على ما قدمته، وأزيد على ما تقدم بأن بعض أصحاب الطرق الذين يدعون التصوف والأدب لا يأخذون الإجازة إلا على من هم في سلكهم وحزبهم ، أو من هو قريب له في النسب وإن كان لا يفهم عن هذا العلم أي شيء مع ادعائه العلم به، ولقد التقيت مع أحدهم وادعى أنه مجاز وسألته جملة من الأسئلة فتلعثم وطلبت منه أن أسمع تلاوته فإذا هو مفلس البضاعة ، وقال لي آخر غيره أن حرف ( الضاد ) من صفاته ( التفشي ) قلت له كيف ذلك ؟ طبقلي ما تقوله بنطقك للضاد مع إظهار صفة التفشي له كما تدعي ، فأجابني بأن شيخه في الطريقة يقول هذا !!! قلت له ألم تقرأ قول الإمام ابن الجزري رحمه الله في منظومته الجزري حيث يقول : وللتفشي الشين ؟
ورحم الله الإمام أبا مزاحم الخاقاني حيث يقول : فما كل من يتلو الكتاب يقيمه ....... ولا كل من في الناس يقرئهم مقري
 
وقال لي آخر غيره أن حرف ( الضاد ) من صفاته ( التفشي ) قلت له كيف ذلك ؟ طبقلي ما تقوله بنطقك للضاد مع إظهار صفة التفشي له كما تدعي ، فأجابني بأن شيخه في الطريقة يقول هذا !!! قلت له ألم تقرأ قول الإمام ابن الجزري رحمه الله في منظومته الجزري حيث يقول : وللتفشي الشين ؟
ذكر هذا القول الإمام ابن بري في "الدرر اللوامع" في باب مخارج الحروف وصفاتها ، قال - رحمه الله - :
والْمُتَفَشِّي الشِّينُ وَالْفَاءُ وَقِيلْ *** يَكُونُ فِي الضِّادِ وَيُدْعَى الْمُسْتَطِيلْ
وإن لم يُقوِّ هذا الحكم عنده بقوله "وقيل" صيغة التمريض ، ولكنه مما ذكر في الضاد .
ويمكن أن يظهر تفشي صوتها عند من يقول بالضاد الظائية ، وهم جماعة ، فربما يكون شيخ الشيخ المذكور الذي ناقشته منهم . والله أعلم .
 
للتفشي الشين

للتفشي الشين

شكرا لسيدي أحمد عاصم عامر على سرعة بديهته، وتوضيحه بأن ابن بري ذكر التفشي للضاد بصيغة التمريض، ونؤيد ما ذكره بما يلي:
علق أبو عبد الله محمد بن عبد الملك، المنتوري، القيسي، رحمه الله على إعطاء عَلِيِّ بنِ بري رحمه الله صفةَ التفشي للضاد، وقال: "قلت: من ذكر التفشي في الضاد فإن ذلك على جهة التسامح، سمَّى الاستطالةَ تفشيا، والله أعلم". شرح الدرر ص ٨٥٥
وأجمع قدامى شراح الدرر على تفسير وصفه الضاد بالتفشي بأنه يريد الاستطالة، وليس التفشي الذي في الشين.
 
شكر الله لك فضيلة الشيخ محمد الحسن بوصو على هذا التوضيح بأن الإجماع منعقد من قبل شراح الدرر على وصف الضاد بالتفشي على أنه تفسير للإستطالة
 
عودة
أعلى