الأمة المسلمة..غلبة أزمنة الاستضعاف لماذا

إنضم
26/12/2005
المشاركات
770
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الأمة المسلمة..غلبة أزمنة الاستضعاف لماذا


استقراء تاريخ الإسلام مقارناً بتاريخ الأمم الأخرى سواء كانت تلك الأمم دينية أو قومية أو إمبراطورية = يُجلي للذهن حقيقة صلبة تنتج سؤالاً يدور في الأذهان دوران العجب تارة ودوران الفتنة تارة أخرى ..

سؤال حاصله :

كيف يستقيم،وما وجه أن تكون تلك الأمة هي خير أمة أخرجت للناس،وهي حاملة الرسالة الخاتمة،وأهلها وأتباع دينها هم أكثر أهل الجنة،ونبيهم هو سيد سادات الأنبياء،وقرآنهم هو كلام الله المحفوظ المعجز،وجيلها الأول هو خير أجيال أصحاب الأنبياء طراً،وتاريخها يحوي سلسلة من العظماء إذا فاخرنا بهم الأمم عجزت أعظمها في أحسن أحوالها عن المفاخرة إلا بعُشر رجالنا ثم تنقطع ولا تعود.

كيف يكون الحال كذلك وأعظم منه مما تقصر عنه العبارة ثم تكون أزمنة المحن والاستضعاف والانحطاط عن التمكين أغلب على أمتنا من أزمنة التمكين وشمول نصرة الدين؟

وحتى أزمنة التمكين على قصر مدتها لا تخلو من محن وابتلاءات هي نفسها ما يعجل بأزمنة الاستضعاف..

كيف تكون اليهود والنصارى أسرع إلى التمكين وأهنأ بالخروج عن أزمنة الاستضعاف منا؟
لماذا يكون دوران دائرة التدافع علينا أطول زمناً من دورانها لنا حتى نوشك أن نقول لم يعد يصلح أن تبقى الدائرة علينا إلا ويزول الدين؟
الحقبة المكية كانت أغلب استضعافاً بما لا يحُتاج معه إلى بينة.

انتصار بدر لم يمر عليه عام واحد حتى كانت وقعة أحد مع ما يحوط المسلمين من بلاء كيد النفاق وأهله.
فتحت مكة وكاد المسلمون بعدها أن ينكسروا في حنين.
ثم مات صلى الله عليه وسلم ببقية سم.
لتعقب موته صلى الله عليه وسلم ردة العرب عن بكرة أبيهم.
ولما قيض لهم أبو بكر = مات من القراء جم غفير وتلك في حسابات الأمم العظيمة مصيبة كبيرة.
ولم تنعم الأمة بالفاروق عشرين سنة حتى قتلته يد الغدر.
ولم تنعم بالحيي الجواد عثمان إلا أكثر من نصفها بقليل حتى قتله ثوار السوء لتشتعل الفتنة الشمطاء بين أتباع سيد الأنبياء فلا تسكن إلا وقد قد قتل من صفوة صحابة رسول الله من قتل وانتقل نظام الحكم من الخلافة على منهاج النبوة إلى الملك العضوض.
ولم يمكن للإسلام في ظل دولة بني أمية إلا وقد احتوش هذا التمكين تنازع الملك وظلم الولاة وتفاوت الخلفاء عدلاً وديناً.
وقامت دولة بني العباس في حروب وفتن ولم يعز الإسلام في ظلها نصف قرن حتى تنازع الترك والديلم والفرس قوائم كرسي الخلافة ،وحتى انتهك المسجد الحرام ونزع القرامطة منه الحجر الأسود،وحتى عم الضعف أطراف الخلافة وحواشيها؛ ليبدأ عصر الدول والإمارات ولا يبقى للخلافة العباسية إلا الخطبة والسكة حتى أسقطهما الزحف المغولي في مقتلة عظيمة لم يقع في الإسلام مثلها إلا يوم عامت القدس في بحر الدم وقلب الصليبيون المسجد الأقصى حظيرة خنازير.
لتقوم دويلات المماليك وينقطع الجهاد وتصك الأسماع أنباء سقوط الأندلس .
حتى إذا أعاد الله على يد العثمانيين شيئاً من سيرة التمكين الأولى= لوثوا أيديهم بنقص ففقه ولوثة تصوف وقصور في رعاية ما ملكهم الله إياه من بلاد المسلمين وشعبة من عنصرية قومية لا يمكن للدين معها تمكيناً على منهاج النبوة أبداً.
ليبدأ عصر الاستعمار وتقطع أوصال الأمة الإسلامية بسكين القوميات الحدودية،ولتنزع للمرة الأولى شريعة الله عن السيادة ،ويبدأ أعظم عصور الاستضعاف في تاريخ هذه الأمة،وليعود زمن المذابح الصليبية فلا تيمم وجهك شطر الإسلام في بلد إلا وجدته كالطير مقصوصاً جناحاه.

كل تلك الرحلة الطويلة التي خاضتها الأمة في نهر التاريخ،تُمكن تارة وتستضعف تارات،ما وجهها،ولم كانت،وما دمنا أولياء الله وأحباءه وناصري دينه فلم لم يكتب لنا النصر أبداً والتمكين غالباً ؟

ونقول في جواب هذا السؤال بعون الله وتوفيقه :

إن الثابت بيقين أن الله تبارك وتعالى قد تكفل بحفظ هذا الدين؛فلا يحرف كتابه،وتعهد لنبيه ألا يسوؤه في أمته؛فلا نهلك بسنة عامة،ولا يسلط علينا عدواً يستبيح بيضتنا ويستأصل شأفتنا.

والثابت بيقين أيضاً أن الله عز وجل ما خلق الإنس والجن إلا ليعبدوه،وليس أحب إلى الله من بقاء حبل التعبد موصولاً بينه وبين خلقه.

إذا تقرر هذا = فليُعلم أن غلبة أزمنة الاستضعاف وكثرة المحن في الأمة،وقلة أزمنة التمكين هي من أعظم الأسباب التي سبب الله بها حفظ الدين وبقاء جذوته مشتعلة في النفوس،وهي في الوقت نفسه من أعظم أسباب بقاء حبل التعبد موصولاً بين الله وبين الناس.

فإن الأمم إذا زادت فترات التمكين فيها وطال أمدها = فشا فيهم الترف ونسوا حظاً مما ذكروا به.

وإن الأمم إذا أراد الله لها طول المدة واستمرار البقاء = زاد لهم في حجم التحديات التي تواجههم وزاد من أعدائهم،وأطال أمد النصر فتستجيب الأمم لهذا التحدي فتظل نار الحركة للدين فيها مشتعلة ويظل حبل التضرع موصولاً بين أفرادها وبين الله ؛إذ النصر لا ينال إلا من عنده وبما يرضيه،ولا تموت حينها جذوة العمل للدين في النفوس ؛إذ هي في حال استجابة متواصلة يدفعها التحدي المتتابع.


يقول الله : ((وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)).



فما عمت أزمنة الاستضعاف في تاريخ هذه الأمة،ولا تسلط علينا عدونا إلا استفزازاً لطاقات التضرع والدعاء ولتبقى القلوب معلقة بربها تطلب نصره الذي وعد،وليظهر في الأمة أفذاذ من الرجال والنساء يسطرون أروع آيات التضحية والفداء في سبيل هذا الدين وفي سبيل بقاء رايته مرفوعة خفاقة.



يقول الله سبحانه : ((وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (75) وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ)).



والله أعلم بخلقه لو بسط لنا في أزمنة التمكين = لأترفنا فيما نحن فيه ولخمدت جذوة التحرك لهذا الدين،ولعدمت فينا تلك الروح المشبوبة التي تتنفس بها صدور أفراد هذه الأمة رجالاً ونساء.


ولصار حالنا كحال الذين قال الله فيهم : ((وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)).



أو كحال الذين قال الله فيهم : ((وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)).



الإخوة الكرام : ألستم تقرؤون قول الله : ((وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)).



كيف بنا لو بسط الله لنا أزمنة التمكين وزاد فيها،وصار المسلمون سادة الأرض أبداً،وعم ملكهم البلاد والعباد دائماً ،هل يكون حالنا


إلا كحال الذين قال الله فيهم : ((وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53) ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ


وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (21) هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)).



فإذا التفت قلبك إلى ما فيه اليهود والنصارى وأمم الكفر من عز وتمكين وسعة ورخاء فاذكر ما قال ربك إنه هو العليم الخبير : ((فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ))



وقول ربك : ((فلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ))



وقول ربك : ((فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (54) أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ)).



فالله عز وجل يحفظ هذا الدين الخاتم باستفزاز طاقات أتباعه للعمل له،والقوى الكامنة في النفوس المؤمنة تظل هاجعة حتى توقظها المحن والأزمات من سباتها فتراها منطلقة تسطر أروع آيات نصرة الحق والقيام به،ولولا ذلك = لترهلت الأمة وخانها الرخاء وأترفت فيما هي فيه ولزالت كأن لم تكن شيئاً مذكوراً،فالحمد لله أن ذلك لم يكن.



والله لا يحاسب هذه الأمة على ما يصيبها من بلاء ومحن،وإنما يؤاخذهم بأعمالهم فيها،وكيف كان مكانهم من تلك الأزمات،وما الذي أظهروه لله سبحانه من أنفسهم عملاً للدين ونصرة للحق وقياماً بالواجب.



فاتقوا الله واسعوا في ذكره وشكره وحسن عبادته والقيام بنصرته، ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين،والله معكم ولن يتركم أعمالكم.

 
جزاكم الله خيرا أخي الكريم ,ولكن أخي اراك لم تمر الا على المر من بين ما انقضت فيه ساعات العمر.
ألا ترى أن ما ذكرته هو اختصار لما حدث في الإسلام من مصائب عظام ؟ألا ترى أن في تاريخ الأمة يمكن أن ننظر اليه بطريقة مختلفة ؟ ألم يكن ما يحدث للأمة شبيها بما حدث لبني اسرائيل؟أيام سعد وأيام شقاء .
أليس زمننا هذا من أصعب ما تراه في تاريخ الأمة بعد تعلقها بتيارات منحرفة وأفكار جديدة كلهم يقولون عندي الحل ؟
أنا معك في موضوع الابتلاء والتمكين وحكمته ولكنك عرضت تاريخ الأمة بشكل مرير ,وإن كان هذا المر موجودا ,فلكل زمن حلاوات .
 
عودة
أعلى