أبو الهمام البرقاوي
New member
كتبتُ قديمًا عن المقامات في مقال سابق، فأكتفي بنقلها هنا (بسم الله الرحمن الرحيم :
أخي الحبيب / عمرو جمال.
أنصحك أولا بانتخاب الكلمات من مقامات الحريري، فقد جُرِّب حفظُها كاملة، ولم تفِ بالغرض المطلوب، بل لعلها تتعبُ قليلًا.
وفائدةُ مثل هذه المقامات = أنها تطبيقية للقواميس العربية، فهي تأتيك بالكلمة الغريبة، أو غير الغريبة، فتنسجها لك في قصة، وفي جملة مفيدة، تستفيد منها معنى الكلمة، وكيفية استخدامها، والتشبيه إن وجد لها.
ـــــ
وقد بدأت في عملية الانتخاب، انتخبتُ كمية كبيرة منها، وكتبتها في ورق، وبقي الصف منها على الجهاز، وأسأل الله أن أنشط يوما لنشرها.
وأما سؤالك عن التخير من المقامات، فيوجد بعض الطبع في فهرسة كل مقدمة، تلخيص لما حوتها من معنى، فاقرأ العنوان، ثم ابدأ في المقامة؛ حتى تكون على علم بفحواها، ثم انتقِ ما فيها موعظة به ترق القلوب، وفيه وصفُ للجمال، والمقدمات للمقالات والخطب المنبرية ، والتشبيهات البليغة إلخ..
وعليك بـ : المقامة الأولى، واختر منها " حمد الله عزوجل والدعاء " ومن الثانية " الصلاة على النبي " وعليك بالخامسة، ولو حفظتها فلا بأس، وعليك بـ " الدمياطية " ولو حفظتها فلا حرج، وفي " الكوفية " الكلام الحسن عن الأضياف وفي " المعرية " كلام جميل عن الجمال، وكذلك " الساوية " و" الدمشقية " و في " الفرضية " و " النصيبية " و " الفراتية " كلمات واجبٌ حفظها، وفي " القهقهرية " كل طريف لطيف، ومثلها " السنجارية "ولو قرأت " الرازية " فلن تملك دموعك.
وليس مثلي من يتعدى هذا المقام، فيتكلم عن المقامات، لكنها مشاركة أسأل الله لك بها وللجميع التوفيق والسداد والرشاد.)
ونعوذ بك من إطراء المادح وإغضاء المسامح.
ونستغفرك من سَوْق الشهوات، إلى سوق الشبهات، ونقل الخطُوات إلى خطط الخطيئات.
ونسألك توفيقًا قائدًا إلى الرشد، ولسانًا متحليًا بالصدق، ونطقًا مؤيدة بالحجة، وعزيمة قاهرة هوى النفس.
اللهم أظلنا بظلك السابغ، ولا تجعلنا مضغة للماضغ، ونعوذ بك من الافتتان بإطراء المادح، وإغضاء المسامح.
فقد مددنا إليك يد المسألة، وأذعنا بالاستكانة لك والمسكنة.
واستنزلنا كرمك الجم، وفضلك الذي عم.
اللهم صل على محمد سيد البشر، الشفيع المشفع في المحشر، ختمت به النبيين، وأعليت درجته في عليين، ووصفته في كتابك المبين، فقلت وأنت أصدق القائلين (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).
اللهم فصلّ عليه وعلى آله الهادين، وأصحابه الذين شادوا الدين، واجعلنا لهديه وهديهم متبعين، وانفعنا بمحبته ومحبتهم أجمعين، إنك على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.
أنتَ مجهولٌ لا يعرف، ونكرةٌ لا تَتعرّف.
فأشارَ من إشارتُه حكم، وطاعتُه غنم، أن أنشأ مقاماتٍ أتلو فيها تلوَ البديع، وإن لم يدركِ الظالعُ فيها شأوَ الضليع.
قلما سلمَ مكثار، او أقيل له عِثار.
غريب المقامة: (أسبلتَ) أرخيتَ (اللسن) الفصاحة (الهذر) الهذيان (الإغضاء) كف البصر عن الشيء (لا تُضِحْنا) لا تزل عنا ظلّ رحمتك (مضغة للماضغ) لا تجعلنا أحدوثة في أفواه الناس (الضليع) السمين القوي (الضلاع) قوّة الضلاعة (التمويه) الإتيان بقول ظاهره حسن وباطنه قبيح.
يطبعُ الأسجاع بجواهرِ لفظِه، ويقرع الأسماع بزواجر وعظه.
السادل في غلوائه، السادل ثوب خيلائه، الجامح في جهالاته، الجانح إلى خزعبلاته، إلامَ تستمر على غيّك، وتستمرئُ مرعى بغيِك، وحتّام تتناهي في زهوِك؟
تجتبرئ بقبح سيرتك على عالم سريرتك، لن تنفعك حالك، إذا آن ارتحالُك، ولا مالك، حين توبِقك أعمالك، ولا يغني ندمُك إذا زلت قدمك، أو يعطف عليك معشرك حين يضمك محشرك.
أما الحمام ميعادك، فما إعدادك؟ وبالمشيبِ إنذارُك فما أعذارك؟
وفي اللحدِ مقيلك، فما قيلك؟ وإلى الله مصيرك، فمن نصيرك؟
طالما أيقظك الدهرُ فتناعست، وجذبك الوعظ فتقاعست، وتجلت لك العبرُ فتعاميت، وحصحص لك الحق فتماديت، وأذكركَ الموت فتناسيت.
ترغبُ عن هادٍ تستهديه، إلى زاد تستهديه، وتغلب حبّ ثوبٍ تشتهيه، على ثواب تشتريه.
ومغالاةُ الصدقات آثرُ عندك من موالاةِ الصّدقَات.
ودعابةُ الأقرانِ، آنسُ لك من تلاوةِ القرآن.
تأمُرُ بالعرف وتنتهك حماه، وتحمي عن المنكر ولا تتحاماه، وتزحزح عن الظلم ثم تغشاه، وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه.
فلما أن خبَتْ نارُه، وتوارَى أوارُه، سراجُ الغرباء، وتاجُ الأدباء.
غريبُ المقامة: (خاوي الوفاض) فارغ الخريطة التي هي من أدم يجعل الراعي زاده (السادر) لا يبالي بما صنع (غلوائه) علوه (السادل) من سدل الثوب (الجامح) من جمحِ الفرس (الجانح) المائل (تستمرئُ) تستطيبه (زهوك) كبرك (مقيلك) مصيرك (تستهديه) تسترشدُ، والثانية تطلب أن يُهدى إليك (العُرف) المعروف (توارى أوارُه) اختفى احتدادُه.
مقالٌ يحوي على جدّ القول وهزله، ورقيق اللفظ وجزله، وغرر البيان ودرره، وملح الأدب ونوادره.
أعلقُ منهُ بما يكونُ لي زينةً بين الأنام، ومُزْنةً عند الأوام.
تعلقتُ بأهدابِه، لخصائصِ آدابِه، ونافستُ في مُصافاته، لنفائسِ صفاتِه.
بالله أعتقد فيما أعتمد، وما المفزعُ إلا إليه، ولا الاستعانة إلا به، ولا التوفيق إلا منه، ولا الموؤل إلا هو، به نستعين، وهو نعمُ المعين.
ما تعليقاتي إلا للتنبيه، لا للتمويه.
ما هو إلا بمنزلة من انتدبَ لتعليم، أو هدى إلى صراطٍ مستقيم.
دخل رجل ذو لحية كثة، وهيئة رثة، فسلم على الجلّاس، وجلس في أخرياتِ الناس.
يا للعجب، ولضيعةِ الأدب، لقد استسمنتَ ذا ورم، ونفختَ في غير ضرَم.
أيم اللهِ للحقّ أحق أن يتّبع، وللصدق حقيقٌ بأن يُستمع.
عندَ الامتحان، يكرمُ المرءُ أو يهان.
أعرفُ بيتًا لم يُنسج على منواله، ولا سمحت قريحةٌ بمثاله.
حارَ الحاضرون لبداهته، واعترفوا بنزاهته، فلما رأيتُ تلهّب جَذوتِه، وتألّق حَلوتِه، أمعنتُ النظر في توسُّمِه، وسرّحتُ الطَّرفَ في ميسَمِه.
غريب المقامة: (المُزْنة) السحابة (الأوام) شدّة الحر والعطس (الورم) رأيتَ صاحب الورم سمينًا (ضرم) يضع الشيء في غير موضعه (جَذوته) جمرة نار غير متلهبة (الجلوة) اسم من جلوتُ العروس إذا زينتها، يريد لمعان وجهه (الميسم) أثر الحُسن من الوسامة.
المرجع : مقامات الحريري، دار صادر، تعليق: عيسى سابا
أخي الحبيب / عمرو جمال.
أنصحك أولا بانتخاب الكلمات من مقامات الحريري، فقد جُرِّب حفظُها كاملة، ولم تفِ بالغرض المطلوب، بل لعلها تتعبُ قليلًا.
وفائدةُ مثل هذه المقامات = أنها تطبيقية للقواميس العربية، فهي تأتيك بالكلمة الغريبة، أو غير الغريبة، فتنسجها لك في قصة، وفي جملة مفيدة، تستفيد منها معنى الكلمة، وكيفية استخدامها، والتشبيه إن وجد لها.
ـــــ
وقد بدأت في عملية الانتخاب، انتخبتُ كمية كبيرة منها، وكتبتها في ورق، وبقي الصف منها على الجهاز، وأسأل الله أن أنشط يوما لنشرها.
وأما سؤالك عن التخير من المقامات، فيوجد بعض الطبع في فهرسة كل مقدمة، تلخيص لما حوتها من معنى، فاقرأ العنوان، ثم ابدأ في المقامة؛ حتى تكون على علم بفحواها، ثم انتقِ ما فيها موعظة به ترق القلوب، وفيه وصفُ للجمال، والمقدمات للمقالات والخطب المنبرية ، والتشبيهات البليغة إلخ..
وعليك بـ : المقامة الأولى، واختر منها " حمد الله عزوجل والدعاء " ومن الثانية " الصلاة على النبي " وعليك بالخامسة، ولو حفظتها فلا بأس، وعليك بـ " الدمياطية " ولو حفظتها فلا حرج، وفي " الكوفية " الكلام الحسن عن الأضياف وفي " المعرية " كلام جميل عن الجمال، وكذلك " الساوية " و" الدمشقية " و في " الفرضية " و " النصيبية " و " الفراتية " كلمات واجبٌ حفظها، وفي " القهقهرية " كل طريف لطيف، ومثلها " السنجارية "ولو قرأت " الرازية " فلن تملك دموعك.
وليس مثلي من يتعدى هذا المقام، فيتكلم عن المقامات، لكنها مشاركة أسأل الله لك بها وللجميع التوفيق والسداد والرشاد.)
(مقدمة).
اللهم إنا نحمدُ على البيان، وألهمتَ من التِّبيان، كما نحمدك على ما أسبغتَ من العطاء، وأسبلتَ من الغِطاء، ونعوذ بك من شرّ اللسَن، وفضول الهذر، ومعرّة اللكن، وفضوح الحصر.
ونعوذ بك من إطراء المادح وإغضاء المسامح.
ونستغفرك من سَوْق الشهوات، إلى سوق الشبهات، ونقل الخطُوات إلى خطط الخطيئات.
ونسألك توفيقًا قائدًا إلى الرشد، ولسانًا متحليًا بالصدق، ونطقًا مؤيدة بالحجة، وعزيمة قاهرة هوى النفس.
اللهم أظلنا بظلك السابغ، ولا تجعلنا مضغة للماضغ، ونعوذ بك من الافتتان بإطراء المادح، وإغضاء المسامح.
فقد مددنا إليك يد المسألة، وأذعنا بالاستكانة لك والمسكنة.
واستنزلنا كرمك الجم، وفضلك الذي عم.
اللهم صل على محمد سيد البشر، الشفيع المشفع في المحشر، ختمت به النبيين، وأعليت درجته في عليين، ووصفته في كتابك المبين، فقلت وأنت أصدق القائلين (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).
اللهم فصلّ عليه وعلى آله الهادين، وأصحابه الذين شادوا الدين، واجعلنا لهديه وهديهم متبعين، وانفعنا بمحبته ومحبتهم أجمعين، إنك على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.
أنتَ مجهولٌ لا يعرف، ونكرةٌ لا تَتعرّف.
فأشارَ من إشارتُه حكم، وطاعتُه غنم، أن أنشأ مقاماتٍ أتلو فيها تلوَ البديع، وإن لم يدركِ الظالعُ فيها شأوَ الضليع.
قلما سلمَ مكثار، او أقيل له عِثار.
غريب المقامة: (أسبلتَ) أرخيتَ (اللسن) الفصاحة (الهذر) الهذيان (الإغضاء) كف البصر عن الشيء (لا تُضِحْنا) لا تزل عنا ظلّ رحمتك (مضغة للماضغ) لا تجعلنا أحدوثة في أفواه الناس (الضليع) السمين القوي (الضلاع) قوّة الضلاعة (التمويه) الإتيان بقول ظاهره حسن وباطنه قبيح.
المقامة الأولى (الصنعانية).
دخلتُها خاوي الوِفَاض، باديَ الإنفاض، لا أملكُ بُلغة ولا أجدُ في جرابي مضغة.
يطبعُ الأسجاع بجواهرِ لفظِه، ويقرع الأسماع بزواجر وعظه.
السادل في غلوائه، السادل ثوب خيلائه، الجامح في جهالاته، الجانح إلى خزعبلاته، إلامَ تستمر على غيّك، وتستمرئُ مرعى بغيِك، وحتّام تتناهي في زهوِك؟
تجتبرئ بقبح سيرتك على عالم سريرتك، لن تنفعك حالك، إذا آن ارتحالُك، ولا مالك، حين توبِقك أعمالك، ولا يغني ندمُك إذا زلت قدمك، أو يعطف عليك معشرك حين يضمك محشرك.
أما الحمام ميعادك، فما إعدادك؟ وبالمشيبِ إنذارُك فما أعذارك؟
وفي اللحدِ مقيلك، فما قيلك؟ وإلى الله مصيرك، فمن نصيرك؟
طالما أيقظك الدهرُ فتناعست، وجذبك الوعظ فتقاعست، وتجلت لك العبرُ فتعاميت، وحصحص لك الحق فتماديت، وأذكركَ الموت فتناسيت.
ترغبُ عن هادٍ تستهديه، إلى زاد تستهديه، وتغلب حبّ ثوبٍ تشتهيه، على ثواب تشتريه.
ومغالاةُ الصدقات آثرُ عندك من موالاةِ الصّدقَات.
ودعابةُ الأقرانِ، آنسُ لك من تلاوةِ القرآن.
تأمُرُ بالعرف وتنتهك حماه، وتحمي عن المنكر ولا تتحاماه، وتزحزح عن الظلم ثم تغشاه، وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه.
فلما أن خبَتْ نارُه، وتوارَى أوارُه، سراجُ الغرباء، وتاجُ الأدباء.
غريبُ المقامة: (خاوي الوفاض) فارغ الخريطة التي هي من أدم يجعل الراعي زاده (السادر) لا يبالي بما صنع (غلوائه) علوه (السادل) من سدل الثوب (الجامح) من جمحِ الفرس (الجانح) المائل (تستمرئُ) تستطيبه (زهوك) كبرك (مقيلك) مصيرك (تستهديه) تسترشدُ، والثانية تطلب أن يُهدى إليك (العُرف) المعروف (توارى أوارُه) اختفى احتدادُه.
المقامة الثانية (الحلوانية).
فحوى المقامة : تتضمّن محاسن من التشبيهات والاعتراضات.
مقالٌ يحوي على جدّ القول وهزله، ورقيق اللفظ وجزله، وغرر البيان ودرره، وملح الأدب ونوادره.
أعلقُ منهُ بما يكونُ لي زينةً بين الأنام، ومُزْنةً عند الأوام.
تعلقتُ بأهدابِه، لخصائصِ آدابِه، ونافستُ في مُصافاته، لنفائسِ صفاتِه.
بالله أعتقد فيما أعتمد، وما المفزعُ إلا إليه، ولا الاستعانة إلا به، ولا التوفيق إلا منه، ولا الموؤل إلا هو، به نستعين، وهو نعمُ المعين.
ما تعليقاتي إلا للتنبيه، لا للتمويه.
ما هو إلا بمنزلة من انتدبَ لتعليم، أو هدى إلى صراطٍ مستقيم.
دخل رجل ذو لحية كثة، وهيئة رثة، فسلم على الجلّاس، وجلس في أخرياتِ الناس.
يا للعجب، ولضيعةِ الأدب، لقد استسمنتَ ذا ورم، ونفختَ في غير ضرَم.
أيم اللهِ للحقّ أحق أن يتّبع، وللصدق حقيقٌ بأن يُستمع.
عندَ الامتحان، يكرمُ المرءُ أو يهان.
أعرفُ بيتًا لم يُنسج على منواله، ولا سمحت قريحةٌ بمثاله.
حارَ الحاضرون لبداهته، واعترفوا بنزاهته، فلما رأيتُ تلهّب جَذوتِه، وتألّق حَلوتِه، أمعنتُ النظر في توسُّمِه، وسرّحتُ الطَّرفَ في ميسَمِه.
غريب المقامة: (المُزْنة) السحابة (الأوام) شدّة الحر والعطس (الورم) رأيتَ صاحب الورم سمينًا (ضرم) يضع الشيء في غير موضعه (جَذوته) جمرة نار غير متلهبة (الجلوة) اسم من جلوتُ العروس إذا زينتها، يريد لمعان وجهه (الميسم) أثر الحُسن من الوسامة.
يتبع - إن شاء الله -.
تنبيه: سأضع في آخر الانتخاب من هذا الكتاب، (الأمثال والتشبيهات من مقامات الحريري) بإذن الله.
المرجع : مقامات الحريري، دار صادر، تعليق: عيسى سابا
أخوكم ومحبكم
أبو الهُمام البرقاوي
أبو الهُمام البرقاوي