عيسى السعدي
New member
بسم الله الرحمن الرحيم
استدل السلف على صفات الكمال بالنقل والفطرة والعقل ؛ وأدلتهم على صفات الكمال عقلا كثيرة جماعها أربعة :١ - دليل الأفعال: فإن أفعال الله تعالى آيات بينات على صفات كماله، فالخلق يدل على العلم والقدرة والحكمة والحياة،وإتقان المخلوقات يدل كذلك على علم الرب وحكمته ووضع الأشياء في مواضعها اللائقة، والإحسان إلى العباد يدل على صفةالرحمة، وإكرام الطائعين يدل على صفة المحبة، وهكذا. وقد نبه الله لهذا الدليل بقوله : ( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ) يقول عبد الرحمن السعدي: "كثيرا ما يقرن بين خلقه وإثبات علمه.... لأن خلقه للمخلوقات أدل دليل على علمه وحكمته وقدرته"
٢ - دليل الترجيح والتفضيل: فإن صفات الكمال ثابتة لكثير من المخلوقات فيكون ثبوﺗﻬا للخالق من باب أولى، لأنه أفضل من خلقه مطلقا ؛ قال تعالى : ( أفمن يخلق كمن لايخلق ) ، وقال : ( إقرأ وربك الأكرم ) ؛ أي أنه أفضل وأحق من غيره في الكرم الجامع للمحاسن والمحامد، وهي صفات الكمال، فهو الأحق بالإحسان والرحمة والحكمة والعلم والحياة وسائر أوصاف الكمال المطلق .
٣ - الاستدلال بالأثر على المؤثر، فإن الله تعالى هو الخالق لذوات المخلوقات وصفاﺗﻬا وأفعالها، وكل ما فيها من صفات الكمال دليل على صفات الخالق من باب أولى، فقوة المخلوق دليل على أن الله أقوى وأشد، وعلم المخلوق ورحمته وسائر صفات كماله دليل على أن الله أعلم وأحكم وأكمل، لأن من فعل الكامل فهو أحق بالكمال، قال تعالى : ( وقالوا من أشد منا قوة أولم يروا أن الله الذي خلقهم أشد منهم قوة ) ؛ فما في المخلوقات من قوة وشدة يدل على أن الله أقوى وأشد، وما فيها من علم وحياة يدل على أن الله أولى بالعلم والحياة .
٤ - الاستدلال بانتفاء الوصف على ثبوت نقيضه ؛ فلو لم يتصف الرب بصفات الكمال للزم اتصافه بأضدادها، لأن القابل للضدين لا يخلو من أحدهما، وكل ما يضاد الكمال فهو نقص يناقض الألوهية، ولهذا أبطل الله الشرك بوجود صفات النقص فيما يعبد من دونه ؛ قال تعالى عن الخليل ( ياأبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْني عَنْكَ شَيْئا ) ، وقال : ( وَاتَّخذ قوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيهمْ عِجْلا جَسَدًا لهُ خُوَارٌ أَلمْ يَرَوْا أنَّهُ لا يُكلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهمْ سَبيلًا ) .
حقيقة المثل الأعلى وآثاره ص 19 - 20