الأحاديث المرفوعة الواردة في ذم الصحابي الوليد بن عقبة بن أبي معيط تخريجا ودراسة

إنضم
07/12/2011
المشاركات
7
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
الإقامة
أبها
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ,بعد :-
فيسعدني المشاركة في هذا المنتدى بهذا البحث الذي كتبته عام 1423هـ عن الصحابي الوليد بن عقبة رضي الله عنه وعنوانه ( الأحاديث المرفوعة الواردة في ذم الوليد بن عقبة رضي الله عنه تخريجا ودراسة) وسبق نشره في مجلة كلية التربية بجامعة كفر الشيخ عام 2004م .
وسأنشره على حلقات آملا التفاعل معه وسأكون سعيدا بما يدعم به البحث مما يكمله .
مقدمــــــة
الحمد لله والصلاة والسـلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :
فهذا جزء حديثي ضمنته الأحاديث التي وردت في حق الوليد ابن عقبة بن أبي معيط رضي الله عنه ونقدها تحت الميزان الحديثي ، إذ لم أر أحداً من الصحابة رضي الله عنهم وجهت إليه الطعون في دينه وأمانته مثلما ورد في حقه، وقد نقلها الأولون إلينا بأسانيدهم في كتبهم التي لم يشترطوا فيها ما يشترط في الكتب الصحيحة ، ثم تلقاها كثير من الخلف عنهم على معنى التسليم دون نظر في وزنها وصحة أسانيدها ، وقد كنت أعجب عندما تمر على هذه الأحاديث ـ مع ما فيها من طعن ظاهر ـ كيف أخذت على نحو التسليم ، بل يحكي بعضهم عدم خلاف أهل العلم على ما ورد في مضمونها ، ثم كان عجبي أيضاً مع ما تقــرر مـن هذه الأحاديث كيف يوليه عثمان بن عفان ـ الخليفة الراشد رضي الله عنــــه ـ الكوفة دونما نكير من الصحابة ، ودونما إشارة منهــم على تقدم ما حصل منه مع الرسولصلى الله عليه وسلم ، وكلها موجبة للحط منـــــه أو علـــى أقل الأحوال صرفها عنه ، فلما رأيت ذلك وقر في القلب العزم على جمع هذه الأحاديث التي نسبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حق الوليد بن عقبة ، وعرضها على الميزان الحديثي مطبقاً عليها القواعد الحديثية المعلومة ، دونما اعتسافٍ ولا تعدٍ ، وليس الغرض من هذا الجزء الترجمة للوليد رضي الله عنه ولا تتبع ما قيل فيه من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الحاكم في ذلك الوقت قد أقام عليه الحد مستوفياً لشروط إقامته على مشهد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما قصـدت ما ورد من كلام المعصوم صلى الله عليه وسلم فيه مما يوجب قدحاً له واستثناء مما يعـم الصحابة رضي الله عنهم من الفضل والخـيـرية ، وأما ما بعد ذلك فالصحابة رضي الله عنهم بشر يعتريهم ما يعتري البشر ، لم يعصمهـــم الله مـن الوقوع في رأي هو خلاف الأولى ، أو خطأ مجانب للصواب ، أو فعل لبعض المعاصي ، وكل هذا لا يبيح لأي مسلم كان أن يتعـدى بلسانه عليهم أو ينال منهم ، بل يترضى عنهم ، ويلتمس لهم المخارج ، ويكف لسانه أصلاً عن الوقوع في أعراضهم إذ من تعدى على صحابي فهو متهم في دينه ، ينطوي قلبه على غل ملتمساً غير طريق المؤمنين ، كما لم أتناول ما يتعلق بفضل الصحابة وعدالتهم وتحريم القدح فيهم ، ورواية أحاديث المثالب في حقهـــم ، فإن هـــذا ــ في ظنــي الغالب ــ مستقر في قلب كل مسلم حق بما لا يحتاج إلى تقرير إذ قد أفاض علماؤنا الكرام الحديث عن ذلك مستدلين بالآيات الصريحات من كتاب الله الكريم ،والأحاديث الصحيحة عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وما ورد عن أئمتنا الأعلام من سلف أئمتنا الأخيار (1) .
وقــــد قسمت البحث إلى مباحث حسب موضوعات الأحاديث الواردة فيه :ـ

المبحث الأول : في تعريف موجز بالوليد بن عقبة رضي الله عنه .
المبحث الثاني : ما ورد أن بعض آي القرآن وردت في حقه ذماً له وإسقاطاً لشأنه . وفيه مطلبان :
المطلب الأول : آية سورة السجدة .
المطلب الثاني : آية سورة الحجرات .
المبحث الثالث : ما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم بشّر أبناء عقبة بن أبي معيط بالنار .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وانظر على سبيل المثال / السنة للإمام أحمد بن حنبل ، والسنة لابن أبي عاصم ، العقيدة الطحاوية ، شرح أصول إعتقاد أهل السنة للالكائي، والسنة للخلال، والإبانة لابن بطة ، وكتب السنة بجميعها ، ومنهاج أهل السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية ، والعواصم من القواصم لابن الوزير ، وكتب المصطلح في نوع الصحابة وانظر ما سطـــــره د/ عيادة الكبيسي في كتاب الصحابة ، وما سطره د/ عداب الحمش في كتاب ثعلبة بن حاطب الصحابي المفترى عليه وغيرها .

(5)​
المبحث الرابع : ما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم أعرض عن مبايعته بل ودعى عليه . وفيه مطلبان : المطلب الأول : فيما ورد أنه دعى عليه .
المطلب الثاني : فيما ورد أنه أعرض عن مبايعته .
الخاتمة : وفيها أبرز النتائج .
وقد سرت في هذا البحث على معالم في المنهج وهي : ـ
1 ـ عزوت الآيات إلى موضعها عقب إيرادها .
2 ـ أثبت الإحالات عند تخريج الأحاديث في صلب البحث لطبيعة البحث المبني على التخريج .
3 ـ أثبت الإحالات في الحاشية فيما لم يكن في باب التخريج .
4 ـ إذا كان سبب ضعف الحديث أو حسنه روا من الرواة فأحيل إلى تهذيب الكمال ، أو لسان الميزان ، والإحالة إليهما من باب الاختصار ، إذ أني قد عدت إلى جملة من مصادر ترجمته .
5 ـ خرجت الأحاديث ، فإن كانت من الكتب الستة ، ذكرت الكتاب والباب والجزء، والصفحة، وأما من غيرها فإلى الجزء والصفحة، فإن كان الرقم المحال إليه بين قوس في جميع الكتب فهو رقم الحديث .
وأسأل الله أن يطهر قلوبنا ويوفقنا إلى ما يحب ويرضى .
 
أرحب بأخي الكريم الدكتور أحمد بن محمد بن حميّد عميد كلية الشريعة وأصول الدين بجامعة الملك خالد في أبها ، وهي فرصة طيبة يا أبا محمد أن تشاركنا في ملتقى أهل التفسير بهذا البحث وبغيره إن شاء الله .
في انتظار بقية البحث فالمسألة محل البحث من المسائل المشكلة التي نحتاج فيها إلى قولٍ يجلي وجه الحق فيها جزاكم الله خيراً .
 
الأحاديث المرفوعة الواردة في ذم الصحابي الوليد بن عقبة بن أبي معيط تخريجا ودراسة (2)

الأحاديث المرفوعة الواردة في ذم الصحابي الوليد بن عقبة بن أبي معيط تخريجا ودراسة (2)

(6)

[<H2 style="MARGIN: 0cm 0cm 0pt" dir=rtl>المبحث الأول

في التعريف الموجز بالوليد بن عقبة *



اسمه ونسبه وكنيته :
هو الوليد بن عقبة ابن أبي معيط واسمه أبان ـ بن أبي عمرو ـ واسمه ذكوان ـ ابن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب القرشي الأموي ، يكنى بأبي وهب وأمه هي أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف ، أم عثمان بن عفان تزوجها عقبة بعد عفان .
إسلامه وحياته :
أسلم الوليد بن عقبة عام الفتح ، وكان قد قدم إلى رسول الله e مشركاً وقت الهدنة لاسترجاع أخته أم كلثوم رضي الله عنها ، ولم يسمع له بذكر على عهـــــد النبي e إلا ما ورد فيما هو موضوع بحثنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* انظر مصادر ترجمته في حاشية تحقيق الطبقة الرابعة من الصحابة من طبقات ابن سعد 4/167 ، وأزيد ههنا مما استفدت منه جمل مــــن أنســــاب الأشــــــراف 9/339 ، وتاريخ دمشق ومنها جميعاً هذه الترجمة .


(7)

وستُعلم قيمته ، وذكر البلاذري أن النبي e توفي وهو والٍ له على عمل .
وقد ذكر سيف بن عمر التميمي أنه كان في جيش خالد بن الوليد رضي الله عنه الذي حارب أهل الردة ثم توجه إلى العراق ، وأنه وجهه إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه بغنائم غنمها قبل معركة المذار وبخبر الفتح(1) وأن أبا بكر أمد عياض بن غنم بالوليد بن عقبة لمعاونة خالد بن الوليد رضي الله عنهم في فتح دومة الجندل (2) وذكر أيضاً أن أبا بكر ولاه صدقات قضاعة مع عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، وفيه أنه ولاهما على الصدقـة لموعـدة وعدها إياهما رسول الله e ، ثم إنه اختار لهما الخروج إلى الجهاد فآثراه على الولاية فخرجا وحثَّا على الجهاد (3) ، وخرج الوليد بجيش إلى الأردن ، وذكر بلاءه في وقعة اليرموك ، ثم ذكر بلاءه في السنة السابعة عشرة حينما وجهه عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عرب ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تاريخ الأمم والملوك 4/7 .
(2) المصدر السابق 4/22 .
(3) المصدر السابق 4/290 .


(8)
الجزيرة وقتاله لهم (1) ، وكل هذا من رواية سيف بن عمر التميمي وهو ليس بحجة في الحديث من بابة الواقدي (2) ، ولم يذكر ابن إسحاق ولا البلاذري قصة الوليد في عرب الجزيرة (3) ، وإن ذكر ابن سعد وابن قتيبة والبلاذري تولية عمر له على صدقات تغلب (4) ، فالله أعلم .
ثم ولاه عثمان بن عفان رضي الله عنه الكوفة سنة خمس وعشرين ، وفتح خلالها أذربيجان وأرمينية ، ثم تمالأ عليه أهل الكوفة فشهدوا عليه بشرب الخمر ، فجلده عثمان حد الخمـر وعزله عن الكوفة في واقعة مشهورة رواها مسلم في صحيحه (5) .
وليس هذا مما يضره رضي الله عنه ، قال ابن العربي المالكي في العواصم : (( وليست الذنوب مسقطة للعدالة إذا وقعت منها ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المصدر نفسه 4/197 ، 198 .
(2) انظر تهذيب الكمال 12/326 وهناك مصادر ترجمته .
(3) تاريخ الأمم والملوك 4/196 ، فتوح البلدان 176 .
(4) الطبقات ( الرابعة ) 1/169 ، المعارف رقم 319 ، أنساب الأشراف 9/314 .
(5) صحيح مسلم بشرح النووي 11/216 في الحدود باب حد الخمر من حديث يحيى بن حماد حدثنا عبدالعزيز بن المختار حدثنا عبدالله بن فيروز مولى ابن عامر الداناج حدثنا حصين بن المنذر به .


(9)

التوبة (1) )) .
والعدالـة ههنا ليس المراد بها العصمة ، فلا يقول بهذا عاقل ، فالعصمة إنما هي للأنبياء عليهم السلام، إذ معنى العدالة أنهم لا يتعمدون الكذب على رسول الله e لما اتصفوا به من قوة الإيمان والتزام التقوى والمروءة ، وسمو الخلق والترفع عن سفاسف الأمور، ونقل السخاوي رحمه الله عن ابن الأنباري قوله : ((وليس المراد بعدالته م ثبوت العصمة لهم واستحالة المعصية منهم ، وإنما المراد قبول رواياتهم من غير تكلف يبحث عن أسباب العدالة وطلب التزكية ، إلا إن ثبت ارتكاب فادح ، ولم يثبت ذلك ولله الحمد ، فنحن على استصحاب ما كانوا عليه في زمن رسول الله e حتى يثبت خلافه ، والالتفات إلى ما يذكره أهل السير فإنه لا يصح ، وما صح فله تأويل صحيح)) (2) . فقد كانت تصدر من الصحابة الهفوات ويرتكبون المعاصي وبعضها مودٍ بفاعله ، ولكن الله تداركهم ببركة الصحبة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) العواصم من القواصم 75 .
(2) فتح المغيث 4/100، وابن الأنباري هو محمد بن القاسم بن بشار ، ابن الأنباري ، إمام مقريء محدث حافظ، لغوي ، مصنف ، ت305 ، انظر السير 15/274 .
(10)



للنبي e ،كما حصل من حاطب ابن أبي بلتعة رضي الله عنه في مكاتبتـــــه للكفار فعفى عنه e ،وذب عن عرضه وأخبر أنه قـد شهد بدراً وقــــــال في واقعة أخرى إنه قد شهد بدراً والحديبية فلن تمسه النار (1) ، وذب عن النعيمان الأنصاري لما أتى به في الخمر مراراً فجلد ، فقـــال : (( ما علمـت إلا أنه يحب الله ورسوله )) (2)، وأقام الحد على مسطح ابن أثاثة البدري وحسَّان ابن ثابت (3) المؤيد بروح القدس ، ورجم ما عز بن مالك الأسلمي(4) والأسلمية (5) ، وقطع يد المخزومية رضي الله عنهم أجمعين (6) ، وهو يخبر عن كل واحد بعد إقامته للحد عليه بفضيلة له ومنقبة ، ثم كان في عهد الخلفاء الراشدين جماعة منهم وقعوا في المعاصي فتابوا وأنابوا واستقامـــــــــوا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر الخبر في السير 2/43 وهناك مصادر ترجمته .
(2) انظر فتح الباري 12/77 .
(3) انظر فتح الباري 8/452 وما بعدها .
(4) انظر الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان 10/245 ، 247 ، 248 .
(5) الإحسان 10/289 وتخريج الأحاديث في الحاشية .
(6) انظر فتح الباري 12/87 فما بعدها .

(11)




كقدامة بن مظعون البدري المهاجري (1) ، وما الوليد إلا واحد منهم، وقد نقل طائفة من المؤرخين أن قذفه بشرب الخمر إنما هو مؤامرة صنعها ناقمون عليه من أهل الكوفة (2) . وليس هذا ببعيد، ولكن الحكم الظاهر استوفاه أمير المؤمنين رضي الله عنه ، وما كان في الباطن فحكمه إلى الله يحكم بينهم وهو أحكم الحاكمين .
ثم إن الوليد بن عقبة رضي الله عنه خرج من المدينة بعد مقتل أخيه لأمه عثمان ابن عفان رضي الله عنه إلى الرقة فنـزلها معتزلاً الفتنة فنـزل على البَلِيخ ـ نهر بها ـ فقال: منك المحشر فمات بها ، ولم يعجب مناوؤه اعتزاله فنسبوا ليه أشعاراً يحض فيها معاوية على علي رضي الله عنهما ، ولا أدري أين عقول هؤلاء كيف يعتزل ويحرض . وإن تعجب فعجب ما نقله البلاذري عنه في الأنساب أنه قال عند احتضاره : ـ (( اللهم إن كان أهل الكوفة صدقوا عليّ فلا تُلَقِّ روحي روحاً ولا ريحاناً ، وإن كذبوا عليّ فلا ترضهم بأمير ، ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر السير 1/161 وتخريج قصته في الحاشية .
(2) انظر ما سطّره الشيخ محب الدين الخطيب رحمه الله على كلام ابن العربي رحمه الله في العواصم الذي دافع فيه عن الوليد رضي الله عنه /75 ، وانظر فتح المغيث 4/98.
(12)

ولاتُرَضِّ عنهم أميراً وانتقم لي منهم ، واجعل قولهم كفارة لما لا يعلمون من ذنوبي )) (1) .
وكانت وفاتــــه رضــــي الله عنــــه سنـــة أربع وستــــين للهجـرة (2) .
وكان شاعراً جواداً سخياً له أخبار في ذلك انظرها غير مأمور في مصادر ترجمته .
ومما ينبغي أن تختم به هذه الترجمة أن من ترجم له من المتأخرين من أمثال ابن الأثير في أسد الغابة (3) ، والمزي فـي تهذيب الكمال (4) ، والذهبي في السير (5) ، رحمهم الله جميعاً وغيرهم تأثروا بما كتبه الحافظ الكبير أبو عمر بن عبد البر النمري رحمه الله في كتابه الاستيعاب ، فذكر شناعات نسبت إليه ومال إلى ترجيحها مما يسمج بي أن أذكره ههنا ، ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أنساب الأشراف 9/345 .
(2) البداية والنهاية 8/293 .
(3) أسد الغابة 5/90 .
(4) 31/53 .
(5) 3/412 .

(13)






وأفرط ابن الوزير في العواصم في تقرير هذا بما لا يستقيم (1) ، وابن عبدالبر إمام من أئمة أهل السنة وله جهود مشكورة في خدمة العلم ، ولكن كل أحد يؤخذ من كلامه ويرد إلا النبي e ، وقد انتقد الحافظ ابن الصلاح كتابه بقوله عندما عرّف ببعض كتب الصحابة : ـ</H2>(( ومن أجلها وأكثرها فوائد كتاب الاستيعاب لابن عبد البر ، لولا ما شانه به من إيراده كثيراً مما شجر بين الصحابة ، وحكاياته عن الأخباريين لا المحدثين، وغالب على الأخباريين الإكثار والتخليط فيما يروونه )) (2) .
ونظرة واحدة على كلام ابن الصلاح وتطبيقها على جملة من التراجم في كتاب الاستيعاب يتبين بها صدق ما انتقده به رحمهما الله . فلا يجوز بعد هذا أن نبني على كلام الأخباريين ومجّان المنتسبين إلى الأدب والتاريخ حكماً ولا أن نقرر بها واقعاً .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) العواصم والقواصم 3/263 .. 279 ، وهذا الكتاب جليل الشأن لولا ما كدره بذكر ما سبق .
(2) علوم الحديث لابن الصلاح /251 ، وانظر الاستيعاب 3/632 .

 
المبحث الثاني


فيما ورد من أن بعض الآيات نزلت في حقه وهي تتضمن ذماً له وإسقاطاً لقدره .
ذكر بعض أئمتنا رحمهم الله أن الوليد بن عقبة رضي الله عنه نزلت في حقه آيات من كتاب الله تتضمن ذماً له وإسقاطاً لقدره بل في إحداهما ما يفيد وصمه بالفسق واستحقاقه النار ، وفي الأخرى إثبات وصف الفسق له .
أما الأولى فهي قوله تعالى { أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلاً بما كانوا يعملون * وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيــــل لهم ذوقوا عذاب النــار الذي كنتم به تكذبون } السجدة 18 ـ 19 ــ 20 .
والثانية قولـه تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين } الحجرات : 6 .المطلب الأول : ما ورد من أحاديث تتعلق بنزول آية السجدة فيه : ـ
أولاً عن ابن عباس رضي الله عنهما وله عنه طرق :
عن سعيد بن جبير عنه قال: قال الوليد بن عقبة بن أبي معيط لعلي بن أبي طالب : أنا أحد منك سناناً، وأبسط منك لساناً، وأملأ للكتيبة منك ، فقال له علي : اسكت فإنما أنت فاسق، فنـزل ((أفمن كان مؤمناً كما كان فاسقاً الآية.... قال : يعني بالمؤمن عليّاً وبالفاسق الوليد بن عقبة )) .
أخرجه الأصفهاني في الأغاني 5/153 .
والواحدي في أسباب النـزول /291 من طريق أبي الشيخ الأصبهاني كلاهما عن إسحاق بن بيان الأنماطي ، حدثنا حبيش بن مبشر ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، حدثنا ابن أبي ليلى عن الحكم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس به .
وهذا إسناد ضعيف جداً من جهتين : ـ
1 ـ ابن أبي ليلى هو محمد الفقيه سيء الحفظ جداً (1) .
2 ـ عبيد الله بن موسى ثقة في حديثه إلا أنه شيعي محترق روى أحاديث سوء في التشيع ـ وهذا الحديث من هذا الباب ـ وقد أنكر عليه أحمد وابن سعد والجوزجاني هذه الأحاديث (2)، فمثله على أقل الأحوال يوجب التوقف في قبول هذا الخبر .
وتساهل الذهبي رحمه الله في السير فقال : إسناده قوي (3) .
ب ـ عن عمرو بن دينار عنه ولم يذكر المحادثة .
أخرجه الشاموخي في جزءه رقم (26) حدثنا أبو بكر ـ أحمد بن محمد بن العباس ، ثنا أبو جعفر ـ هو أحمد بن يحيى بن زهير التستري ـ ثنا عمر بن الخطاب ، ثنا عبد الله بن صالح ، ثنا ابن لهيعة ، عن عمرو ابن دينار ، عن ابن عباس به .
وهذا منكر إسناده ضعيف جداً : ـ
1 ــ أحمد بن محمد بن العباس الأسفاطي لم يذكر بجرح وتعديل (4) .
2 ــ عبد الله بن صالح هو كاتـب الليث ضعيف الحديث (5) .

3 ــ ابن لهيعة ضعيف الحديث أيضاً على الراجح من ترجمته وهو مدلس وقد عنعن (6) .
كما أن الشاموخي أيضاً مثل شيخه ، وجزءه يرويه عنه محمد بن الحسن بن باكير الشيرازي . قال الذهبي في الميزان (7):- " الكاتب الشيعي راوي ذاك الجزء عن الشاموخي" . قال ابن ناصر : "حاله أشهر من أن يذكر صاحب المظالم ، لا تحل الرواية عنه ".
وأما وجه نكارته ، فقد رواه الخطيب كما في تاريخ ابـــن عساكــــر 63/235 أخبرنا أبو الحسن ابن زرقويه ، أخبرناه محمد بن عبد الله الشافعي ، حدثنا أبو إسماعيل الترمذي ، حدثنا عبد الله عبد الله بن صالح به إلا أنه سمى الفاسق عقبة بن أبي معيط ، وعلى ضعف الإسناد بعد أبي إسماعيل الترمذي إلا أن رجال الحديث أشهر وأوثق من الإسناد السابق .
جـ ـ عن أبي صالح مولى أم هانيء مثل حديث سعيد بن جبير وليس عنده (( وأملأ منك للكتيبة )) .
أخرجه القطيعي في زوائده على فضائل الصحابة 5/(1043 ) .
وابن عدي في الكامل 6/2131 عن أبي يعلى كلاهما عن إبراهيم بن الحجاج حدثنا حماد بن سلمة ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس رضي الله عنهما به .
وهذا موضوع جزماً ، فقد اعترف الكلبي عند وفاته أن ما حدث به عن أبي صالح عن ابن عباس كذب فلا يروى (8) .
وذكر الرافعي في التدوين 3/163 أن بكر بن سهل الدمياطي روى عن ابن عباس مثله .
قلت : بكر هذا متهم بالوضع (9) ، يروي تفسيراً عن عبد الغني بن سعيد الثقفي - وقد ضعفه ابن يونس (10) -عـن موسى بن عبد الرحمن الثقفي الصنعاني ـ وهو ممن يضع الحديث ـ وضع كتاباً في التفسير يروى عن عطاء عن ابن عبــــاس رضي الله عنهما (11) .
ثانياً عن عطاء بن يسار قال : نزلت بالمدينة في علي بن أبي طالب والوليد بن عقبة بن أبي معيط ، كان بين الوليد وبين علي كلام ، فقال الوليد بن عقبة : (( أنا أبسط منك لساناً ، وأحدُّ منك سنانــــاً ،وأرد منك للكتيبة )) ، فقال علي ((أسكت فإنك فاسق)) ، فأنزل الله فيهما : (( أفمن كان مؤمناً إلى قوله تكذبون )).
أخرجه ابن جرير في التفسير 21/107 حدثنا ابن حميد حدثنا سلمة بن الفضل حدثنا ابن إسحاق ، عن بعض أصحابه ، عن عطاء بن يسار به .
وهذا إسناد ضعيف جدا فيه : ـ
1 ــ محمد بن حميد هو الرازي كُذِّبَ (12) .
2 ــ ابن إسحاق مدلس وقد عنعن .
3 ــ جهالة بعض أصحابه .
4 ــ عطاء بن يسار تابعي حديثه هنا مرسل .
وذكر ابن كثير في التفسير 3/462 أن عطاء بن يسار رواه وذكر عقبة بن أبي معيط ، وكذا السدي ، بدلاً من الوليد .
قــال الذهبي فـي السير: (( لكن سياق الآية يدل على أنها في أهل النار )) أ.هـ (13) ، وقد ذهب الزجاج والنحاس وبه قال ابن عطية أنها إنما أنزلت في عقبة بن أبي معيـــــط لا في ابنــــه (14) .
وقد ذكر السيوطي في الدر المنثور 6/553 أن ابن أبي حاتم رواه في تفسيره عن عبدالرحمن ابن أبي ليلى ، ولم أقف على إسناده ، وغاية ما يكون فيه أنه مرسل والمرسل ضعيف ، ولا يقوى بغيره لأن غيره لا يصلح للجبر ،والمرسل إلى ضعفه غير معتبر هنا لأن مخرجه كوفي ، وشنائتهم له معلومة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تهذيب التهذيب 9/268 .
(2) تهذيب الكمال 19/164 .
(3) سير أعلام النبلاء 3/415 .
(4) تكملة الإكمال 1/188 .
(5) تهذيب الكمال 15/88 .
(6) انظر ترجمته بتوسع عند شيخنا أحمد معبد عبد الكريم في تعليقه على النفح الشذي 2/94 .
(7) ميزان الاعتدال 3/421 .
(8) انظر تهذيب الكمال 25/246 .
(9) لسان الميزان 2/63 .
(10) السابق 4/53 .
(11) السابق 6/145 .
(12) تهذيب الكمال 25/97 .
(13) سير أعلام النبلاء 3/415 .
(14) تفسير القرطبي 14/105 .
 
المطلب الثاني : في أن آية الحجرات نزلت فيه : ـ
ورد هذا من حديث الحارث بن ضرار الخزاعي ، وعلقمة بن ناجية ، وأم سلمة ، وجابر وابن عباس ، ومجاهد ، وعبدىالرحمن بن أبي ليلى ، وقتادة رضي الله عنهم .
أولاً : عن الحارث بن ضرار الخزاعي ـ رضي الله عنه ـ : (( قال قدمت على رسول الله e فدعاني إلى الزكاة ، فأقررت بها ، وقلت : يا رسول الله أرجعُ إلي قومي ، فأدعوهم إلى الإسلام ، وأداء الزكاة ، فمن استجاب لي جمعـت زكاته ، فيرسل إليّ رسول الله e لإبّان (1) كذا وكذا وليأتيك بما جمعت من الزكاة ، فلما جمع الحارث الزكاة ممن استجاب لــه ، وبلغ الإبّان الذي أراد رسول الله e أن يبعث إليه احتبس عليه الرسول ، فلم يأته ، ففطن الحارث أن قد حدث فيه سخطه من الله ورسوله ، فدعا بسروات (2) قومه ، فقال : (( إن رسول الله e كان وقّت لي وقتاً يرسل إليَّ رسوله ليقبض ما كان عندي من الزكاة ، وليس من رسول الله e الخلف ولا أرى حبس رسول الله e إلا من سُخطةٍ كانـت ، فانطلقـــوا فنأتــي رسول الله e ))، فبعث رسول الله e الوليد بن عقبة إلى الحارث ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة ، فلما أن سار الوليد حتى بلغ بعض الطريق فرق فرجع فأتى رسول الله e ، وقال : (( يا رسول الله ، إن الحارث منعني الزكاة ، وأراد قتلي )) ، فضرب رسول الله e البعثَ إلى الحارث فأقبل الحارث بأصحابه إذ استقبل البعث وفصل من المدينة لقيهم الحارث ، فقالوا (( هذا الحارث )) فلما غشيهم ، قــال لهــم : (( إلــى من بعثتم ؟ )) قالوا : ((إليك )) ، قال : ((ولم ؟)) قالوا (( إن رسول الله e كان بعث الوليد بن عقبة ، فزعم أنك منعته الزكاة ، وأردت قتله )) ، قال : ((لا والذي بعث محمداً بالحق ما رأيته بتةًَ ولا أتاني )) ، فلما دخل علـى رسول e قال : (( منعت الزكاة وأردت قتل رسولي ؟ )) قال (( لا والذي بعثك بالحق ، ما رأيته ولا أتاني ، وما أقبلت إلا حين احتبس عليّ رسول الله e خشيت أن تكون بسخطة من الله ورسوله )) ، قال فنـزلت الحجرات : يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم .... إلى هذا المكان فضلاً من الله ونعمه والله عليم حكيم .
أخرجه أحمد واللفظ له 4/279 واللفظ له .
والبخاري في الأوسط 1/91 ولم يسق لفظه عن محمد بن الحكم .
وابن أبي حاتم كما في تفسير ابن كثير 4/209 عن المنذر بن شاذان .
والطبراني في الكبير 3/274 من طريق محمد بن أبـــي عتــاب وزياد القطواني ، ومحمد بن عيسى الزجاج .
وابن مندة كما في تاريخ ابن عساكر 63/228 من طريق جعفر بن شاكر .
وأبو نعيم في المعرفة 2/ (2081) من طريق عبد الله بن الحكم .
والواحدي في أسباب النـزول /328 من طريق سعيد بن مسعود تسعتهم عن محمد بن سابق ، حدثنا عيسى بن دينار، حدثني أبي أنه سمع الحارث به .
وهذا إسناد ضعيف : دينار هذا لم يرو عنه إلا ابنه عيسى ، قال ابن المدينــــــي : لا نعرف أباه ـ يعني والد عيسى (3) .

قال ابن حجر في الإصابة : وفي السند من لا يعرف (4) .
ومحمـد بن سابق تفرد به كما في ترجمة الحارث بن ضرار عند ابن أبي حاتم .(5)
وهو كوفي ، وثقة العجلي ، وقال النسائي : (( ليس به بأس)) ، قال محمد بن صالح كليجـة : (( كان خياراً لا بأس به )) ، أما ابن معين فقال : (( ضعيف )) ، وقال يعقوب بن شيبة : ((كان شيخاً صدوقاً ثقة، وليس ممن يوصف بالضبط للحديث )) .
وقال أبو حاتم : (( يكتب حديثه ولا يحتج به )) .
ومما يدل على عدم ضبطه لهذا الحديث أن ديناراً هذا إنما يروى عن عمرو بن الحارث بن ضرار ولا يروى عن الحارث (6) .
وقد تتبعت حديث عيسى بن دينار عن أبيه عن الحارث فيما بين يدي من كتب فلم أجدها إلا في رواية محمد بن سابق هذه فقط ، وأما سائر حديث عيسى فإنما هو عن أبيه عن عمرو بن الحارث فحسب ، هكذا رواه أصحابه أبو نعيم ، ويحيى بن زكريا ابن أبي زائدة ، وعثمان بن عمرو، ووكيع وأبو أحمد الزبيري ، وعبد العزيز بن أبان ، وأبو المنـذر وغيرهـم عن عيسى ، ومثـل هذا الحديــث لا يخفـــى عليهــم ، فكيف رواه محمد بن سابق !! ولذا قال ابن مندة (( هذا حديث غريب )) (7) .
ثانياً : عن علقمة بن ناجية رضي الله عنه قال :
بعث إلينا رسول الله e الوليد بن عقبة يصدق أموالنـا ، فسـار حتى إذا كان قريباً منا ــ وذلك بعد وقعة المريسيع ــ فرجع وركبنا في أثره ، وسقنا طائفة من صدقاتنا ونفقات يحملونها ، فقدم فذكر نحواً مما في حديث الحارث .
أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني 4/ (2335) عن يعقوب بن حميد، وابن مندة كما في تاريخ ابن عساكر 63/230 من طريق يعقوب ابن محمد الزهري كلاهما عن عيسى بن الحضرمي بن كلثوم بن علقمة ابن ناجية عن جده كلثوم عن علقمة به .
وهذا إسناد ضعيف كلثوم بن علقمة تابعي ولم أجد فيــه جرحاً ولا تعديـلاً ، إلا ابن حجر في التقريب فقال : ثقة ؟! (8) ولا أدري ما مستنده ، إذ لا ذكر لكلثوم هذا في كتب التواريخ التي بين يدي إلا في ترجمة حفيده عيسى ضمن مشايخه ، فهو كوفي مجهول ؟!
قال البيهقي في السنــــن بعــــد أن أخرجـه من طريـــق ابن أبي عاصم 4/150 : (( وهذا إسناد غير قوي )) .
قلت :المريسيع كانت سنة خمس (9) والوليد أسلم عام الفتح فكيف يكون ذلك .
ثالثاً : عن أم سلمة رضي الله عنها بمعنى حديث الحارث .
أخرجه إسحاق بن راهوية في مسنده 4/(72) عن روح بن عبادة .
وابن جريــــر 26/123 عــن جعفر بن عــون .ـ والطبرانـــــي فـي الكبير 23/400 عن عبدالعزيز بن محمد .
ثلاثتهم عن موسى بن عبيدة الربذي عن ثابت مولى أم سلمة عن مولاته به . وهذا إسناد ضعيف فيه : ـ
1 ـ موسى بن عبيدة ضعيف (10) .
2 ـ ثابت مولى أم سلمة ، لم يرو عنه إلا موسى (11) .
رابعاً : عن ابن عباس رضي الله عنهما بمعنى حديث الحارث .
أخرجه ابن جرير في التفسير 26/123 .
والبيهقي في السنن 9/54 عن أحمد بن كامل .
كلاهما عن محمد بن سعد العوفي ، حدثني أبي ، حدثني عمي ، حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما به .
وهذا إسناد واه مسلسل بالعوفيين ، وهم ضعاف (12) وآخرهم إلى ضعفه يدلس.
خامساً : عن جابـر رضي الله عنه قال :
بعث رسول الله e الوليد بن عقبة إلى بني وليعـة (13) وكانت بينهم شحناء في الجاهلية ، فلما بلغ بني وليعة استقبلوه فذكر معنى حديث الحارث وذكر آخره قال e : (( لينتهين بنى وليعة أو لأبعثن إليهم رجلاً عندي كنفسـي يقتل مقاتلتهم ، ويسبي ذراريهم ، وهو هنا )) يعني علياً رضي الله عنه وأنزل الله الآية في الوليد .
أخرجه الطبراني في الأوسط 4/ (3797) حدثنا علي بن سعيد الرازي ،
حدثنا الحسين بن عيسى بن ميسرة الرازي ، حدثنا عبدالله ابن عبدالقدوس ، حدثنا الأعمش عن موسى بن المسيب ، عن سالم ابن أبي الجعد ، عن جابر به
قال الطبراني : لم يرو هذا الحديث عن الأعمش إلا عبدالله بن عبدالقدوس .
قلت : وهذا إسناد منكر : ـ
1 ـ عبدالله ضعيف وهو ليس بأهل للتفرد عن الأعمش فحديثه هذا منكر، على أنه رافضي خبيث كما قال أحمد (14) .
2 ـ الأعمش مدلس وقد عنعن . والمعنى منكر مخالف لما ورد فيما سبق .


سادساً : عن مجاهد رحمه الله :
أرسل رسول الله e الوليد بن عقبة ابن أبي معيط إلى بني المصطلق ليصدقهم فتلقوه بالهدية فرجع إلى رسول الله e فقال : إن بني المصطلق جمعوا لك ليقاتلوك .
أخرجه آدم ابن أبي وحشيـة في تفســير مجاهد 2/606 . وابن جرير في تفسيره 26/124 من طريق محمد عيسى والحسن ، والطبراني في الكبـير 22/150 من طريق محمد بن يوسف .
أربعتهم عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد به .
وهذا مرسل صحيح الإسناد إلى مجاهد .
سابعاً : عن عبدالرحمن ابن أبي ليلى رحمه الله قال :
في الآية المذكورة : نزلت في الوليد أخرجه ابن جريــر فــي تفسيـره 26/124 حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا عبدالرحمن أخبرنا سفيان ، عن هلال الوزان ، عن ابن أبي ليلى به .
وهذا مرسل صحيح الإسناد إلى ابن أبي ليلى .
ثامناً : عن قتادة بمعنى حديث مجاهد وفيه :
أن النبي e أرسل إليهم خالد بن الوليد فلما دنا منهم بعث عيوناً ليلاً فإذا هم يصلون وينادون ، فأتاهم خالد فلم ير منهم إلا طاعةً وخيراً فرجع إلى النبي e
أخرجه عبدالرزاق في تفسيره 2/231 .
وابن جرير 26/124 عن ابن ثور .
كلاهما عن معمر عن قتادة به .
وهذا مرسل صحيح الإسناد إلى قتادة إلا أنه ليس بشيء فمراسيل قتادة ضعيفة (15) .
تاسعاً : عن يزيد بن رومان بمعنى حديث الحارث إلا انه قال : بعث إليهم بعد إسلامهم الوليد بن عقبة ابن أبي معيط .
أخرجه ابن هشام في السيرة 2/296 عن البكائي ، وابن جرير 2/124 من طريق سلمة بن الفضل ، وابن عساكر 63/231 من طريق يونس بن بكير ثلاثتهم عن ابن إسحاق،قال البكائي ويونس عنه: حدثني يزيد بن رومان به . وهذا مرسل حسن الإسناد إلا أن في متنه نكارة إذ إن بني المصطلق إنما أسلموا سنة خمس ، والوليد بن عقبة أسلم عام الفتح فمتى بعثه e لجبي الصدقات؟ وهذا مما يعم الروايات السابقة، فإن ظاهر متنها ونص بعضها يوجب أن يكون دفع الصدقات كان بعد إسلامهم ، ويبعد أن يتأخر بنو المصطلق في دفع الصدقات إلى ما بعد الفتح ؟!
فهذا الخبر على كل الأحوال ضعيف إذ إن هذه الأحاديث قاصرة عن الجبر فحديث الحارث بن ضرار وعلقمة بن ناجية تفرد بهما مجهولان كوفيان والأول فيه نكارة في سنده ، ومرسل ابن أبي ليلى مخرجه كوفي وخلاف أهل الكوفة للوليد معروف فيزيد الخبر به ضعفاً ، وأما حديث أم سلمة وجابر وابن عباس فلا تصلح إلا للمعرفة لا للشواهد والمتابعات لوهنها الشديد ، ومرسل قتادة عرفنا قيمته ، ومرسل يزيد عرفنا نكارته ، فلم يبق إلا مرسل مجاهد والمرسل ضعيف ، على أن مخرجه يحتمل أن يكون ما سبق ذكره في حديث ابن أبي ليلى ،وكذا ماورد في بعض الطرق أن القصة وقعت بعد المريسيع وإسلام الوليد إنما كان بعدها، وهذه القصة مما لايخفى مثلها على صغار الصحابة فضلا عن كبارهم ، فكيف لم يحتجوا على عثمان رضي الله عنه بها حينما ولاه الكوفة ؟ بل وانقيادهم تحت رايته في الفتوح التي توجه إليها ؟!
قال ابن عبدالبر في الاستيعاب 3/632 : (( ولا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن فيما علمـت أن قولـه عز وجل { إن جاءكم فاسق بنبأ } نزلت في الوليد بن عقبة)) ونقله عن مجاهد وقتادة وابن أبي ليلى . ونقل ابن كثير في التفسير (16) عمن سبق وعن الضحاك ، ومقاتل ابن حيان ويزيد بن رومان .
قلت : عمدة هؤلاء هو ما سبق من أحاديث وقد تبين ما فيها وأنها لا تصلح لشيء من الاحتجاج ، فلا تصلح أن تكون القصة سبباً لنـزول لآية ولو علم من هو أرسخ قدماً ممن اشترط لنفسه شرطاً في كتبه لأورد هذه الأخبار وأشار إليها في كتبه مع حاجته إليها .
ولذا فإن ابن كثير رحمه الله عندما أورد بعض هذه الأخبار قال عقبها : والله أعلم (16) كأنه يشير إلى ما فيها ، وأصرح منه ما قال في البداية والنهاية (17) : والله أعلم بصحة ذلك أ.هـ ومن قرأ الآية التالية وهي مرتبطة بما قبلها ، تبين له عدم تناسب ما ذكر أَنه سبب للنـزول معها ،ثم إن سياق القصة المذكورة لا يوجب الحكم بفسق الرجل عند عقلاء الناس ، فكيف برحمة الله للعالمين نبينا e ، وكيف بأحكم الحاكمين ففيها أنه رأى القوم مقبلين عليه بعدتهم وعتادهم فظن بهم شراً وأخبر حسب ما رأى ، هذا إن تنزلنا وقلنا بصحة الأحاديث وقد جاء بعض الصحابة رضي الله عنهم بأشد من هذا فما نزل في حق واحد منهم هذا الوصف الذميم فسبحانك ربنا هذا بهتان عظيم .
ـــــــــــــــــــــــــــــ

(1) إبان : بكسر الهمـــزة وفتـــــح البــاء المشددة ـ أي وقت كذا وكذا ، انظر النهاية 1/17
(2) سروات القوم : أي أشرافهم ، انظر : النهاية 2/363 .
(3) تهذيب التهذيب 8/188 .
(4) الإصابة 3/638 .
(5) الجرح والتعديل 3/77 .
(6) تهذيب الكمال 8/509 .
(7) تاريخ دمشق 63/229 .
(8) تقريب التهذيب /813 ،ووهم يعقوب الزهري فسمى والد عيسى حصيناً نبه على هذا ابن عساكر . ووهم ابن مندة فجعل الضمير في جده يعـــود إلى عيســـى وإنما هـو إلى الحضرمي كما قال ابن حجر في الإصابـــة 2/506 .

(9) اختلف أهل السير متى وقعت فقيل خمس وقيل ست وقيل أربع والصواب أنها سنة خمس كما قال ابن حجر في الفتح 7/495 .
(10) تهذيب الكمال 29/104 .
(11) الجرح والتعديل 2/461 .
(12) محمد بن سعد بن محمد بن الحسن بن عطية بن سعد العوفي لين كما في اللسان 5/197 ، وأبوه ضعفه أحمد كما في اللسان أيضاً 3/24 وعم أبيه الحسين بن الحسن بن عطية ضعيف كما في لسان الميزان 2/341 وعطية بن سعد العوفي ، ضعيف يدلس كما في ترجمته في تهذيب الكمال 20/145 .
(13) بطن من كنده من القحطانية ، انظر معجم قبائل العرب 3/1253 .
(14) انظر تهذيب الكمال 15/242 .
(15) انظر جامع التحصيل /89 ، 90 .
(16) تفسير القرآن العظيم 4/210 . (17) البداية والنهاية 8/214
 
المبحث الثالث
في أن النبي e بشر أبناء عقبة بن أبي معيط بالنار
عقبة بن أبي معيط أبان بن أبي عمرو ذكوان بن أمية بن عبد شمس القرشي (1) شيطان من شياطين قريش وكان شديد الأذى على رسول الله e وأصحابه ، وقد حاول قتله خنقاً ، ثم قتله e قبل الفداء عقب غزوة بدر ، وقد خلف أبناءً هم : الوليد ، وخالد ، وهشام ، وعمارة ، وأم كلثوم ، وأم حكيم ، وهند ،وأمهم هي أرْوى بن كُريز كما تقدم أم عثمان بن عفان رضي الله عنهما ، فهم أخوة لعثمان من أمه ، وكلهم من الصحابة رضي الله عنهم .
وقد ورد في الحديث ما يدل على تبشير النبي e لعقبة بن أبي معيط أن صبيته لهـــم النار من أحاديــث عن ابن مسعود ، وابن عباس ، وحنش الصنعاني ، وإبراهيم التيمي رضي الله عنهم .
أولاً : عن ابن مسعود رضي الله عنه فيما رواه النخعي قال : أراد الضحاك بن قيس أن يستعمــل مسروقاً ، فقال له عمارة بن عقبة : (( أتستعمل رجلاً من بقايا قتلة عثمان )) ، فقال له مسروق : حدثنا عبدالله بن مسعود ، وكان في أنفسنا موثوق الحديث أن النبي e لما أراد قتل أبيك ، قال : (( من للصبية ؟ )) قال " النار " فقد رضيت لك ما رضى لك رسول الله e .
أخرجه أبو داود في الجهاد باب في قتل الأسير صبراً 3/ (2686) عن علي بن الحسين الرقي .
وابن أبي عاصم في الآحاد 1/ (565) عن سلمة بن شبيب .
والطحاوي في شــرح المشكــل 11/ (4514) عن أبي أمية الطرسوسي ، وصححه الحاكم 2/135 على شرطهما .
والشاشي 2/405 عن أحمد بن زهير بن حرب .
أربعتهم عن عبدالله بن جعفر الرقي ، أخبرني عبيدالله بن عمرو، عن زيد ابن أبي أنيسة عن عمرو بن مرة ، عن إبراهيم به .
ورواه صالح بن مالك فقال حدثنا عبيدالله بن عمرو عن زيد عن عمرو بن مرة عن مسروق ولم يذكر إبراهيم أخرجه الطبراني في الأوسط3/(2949)حدثناإبراهيم بن أسباط بن السكن عن صالح به.


وصالح بن مالك هو أبو عبدالله الخوارزمي ذكره ابن أبي حاتم في الجرح (2) وسكت ، وذكره الخطيب في التاريخ (3) وقال : كان صدوقاً . قلت : هو ليس بمنزلة من خالفه فعبد الله بن جعفر الرقى أوثق منه وأشهر ، وإسناد عبدالله الرقى رجاله ثقات إلا من خوف إرسال براهيم للقصة فلم يصـرح بالسماع هنا من مسروق .
ثانياً : عن ابن عباس وقتادة رضي الله عنهم وفيه : وقتل عقبة ابن أبي معيط قبل الفداء فقام إليه علي بن أبي طالب فقتله صبراً ، قال : من للصبية يا محمد ؟ قال : ((النار )) .
أخرجه عبدالرزاق 5/(9394) عن معمر عن قتادة ، قال : وأخبرني عثمان الجزري عن مقسم عن ابن عباس .
وهذان حديثان يرويهما معمر أولهما عن قتادة ، والثاني عن عثمان الجزري وقد وهم المعلق على شرح مشكل الآثار (4) فظن أن عثمان تابع قتادة ، وليس كذلك فخبر قتادة عنه مرسـل ، وخبر عثمان الجزري متصل ، والإسناد الأول ضعيف لإرساله ، وقـد علمت قيمة مراسيل قتادة ، والثانـي ضعيف عثمان الجزري هو المشاهد ضعيف ، قال أحمد : (( روى أحاديث مناكير ، زعموا أنه ذهب كتابه )) (5) .

ثالثاً : عن أبي حثمة رضي الله عنه في قصة أسره وفيه أن النبي e أمر عاصم بن ثابت أن يضرب عنقه .
أخرجه الواقدي في المغازي 1/114 حدثني محمد بن يحيى بن سهل ابن أبي حثمة عن أبيه عن ، جده به .
وهذا إسناد واه الواقدي وهو متروك .
رابعاً : عن حنش الصنعاني قال : إن رسول الله e قتل سبعين أسيراً بعد الإثخان ، وقتل عقبة ابن أبي معيط أتى به أسـيراً يوم بدر ، فذبحه فقال : من للصبية ... الحديث .
أخرجه سحنون في المدونة 3/11 عن ابن وهب ، عن ابن لهيعة ، وعمرو بن الحارث عن عبيدالله بن أبي جعفر ، عن حنش بن عبدالله به ، وهذا مرسل رجاله ثقات إلا ابن لهيعة فمتابع .

خامساً : عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر بكلام عقبة وجواب الرسول e عليه ، وأن الذي قتله عاصم بن ثابت أخرجه ابن هشام في السيرة 1/644 عن البكائي عن ابن إسحاق ، حدثني أبو عبيدة وهذا مرسل حسن الإسناد لحال ابن إسحاق .
سادساً : عن إبراهيم التيمي قال : إن رسول الله e صلب عقبة ابن أبي معيط إلى شجرة فقال : أمن بين قريش ؟! قال : " نعم " ، قال : فمن للصبية ؟ قال : "النار " .
أخرجه عبدالرزاق 5/(9390) .
وأبو داود في المراسيل : (297) عن محمد بن كثير .
كلاهما عن إسرائيل حدثنا أبو الهيثم ، عن إبراهيم التيمي به وهذا معضل رجاله ثقات .
فكلام عقبة وجواب رسول الله e عليه حسن بمجموع أحاديث ابن مسعود ، وابن عباس ، ومرسلي حنش وأبي عبيدة .
وليس فيها دلالة على ما ذهب إليه مسروق بن الأجدع رحمه الله في حديث إبراهيم النخعي .
قال صاحب عون المعبود (6) : يحتمل وجهين .
أولهما : أن يكون النار عبارة عن الضياع يعني إن صلحت النار أن تكون كافلة فهي هي .
وثانيهما : أن الجواب من الأسلوب الحكيم أي لك النار ، والمعنى اهتم بشأن نفسك وما هييء لك من النار ، ودع عنك أمر الصبية فإن كافلهم هو الله .
ونقل الثاني عن الطيبي ، ونقل عن القاري ترجيح الأول لأنه لو أريد هذا المعنى ــ يعني الذي مال إليه الطيبي ــ لقال الله بدل النار.
قلت : وعندي وجه ثالث أن هذا خرج على معنى الغضب البشري الذي يعتري رسول الله e وهو الذي شارط عليه ربه أن ما صدر منه حال غضبه تجاه من سب أو شتم أو دعوة أن تكون له به كفارة عند ربه جل وعلا (7) ، وأبناء عقبة قد أسلموا جميعاً وكيف تكون النار لمن أسلم وصحب رسول الله e وفيهم مثل السيدة الجليلة العفيفة المؤمنة أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها صاحبة المناقب العظيمة ، فهذا الدعاء لصبية عقبة على الحقيقة لكنه مصروف عن ظاهره بشرط النبي e ،والنبي e لا يعلم من الغيب إلا بما أطلعه عليه ربه ، وقد عاتب الرب جـــــل وعلا نبيه e عندما دعا على جماعة من المشركين فقال : { ليس لـــــك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون } آل عمران : 128 (8) .
وعلى هذا فالحديث من مناقب الوليد بن عقبة لا من مثالبه والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر : السيرة النبوية ( الفهارس ) مغازي الواقدي ( الفهارس ) ، طبقات ابن سعد (الفهارس) ، نسب قريش /135 ، الكامل في التاريخ (الفهارس) ، البداية والنهاية (الفهارس ) .
(2) الجرح والتعديل 4/416 . (3) تاريخ بغداد 9/316 .
(4) شرح مشكل الآثار 11/403 . (5) الجرح والتعديل 6/174 .
(6) عون المعبود 7/350 .
(7) جاء هذا المعنى في أحاديث جماعة من الصحابة ، انظر كنـز العمال 3/609 فما بعدها.
(8) انظر تفسير ابن كثير 1/402 .
 
المبحث الرابع

في أن النبي e دعا عليه ، وأعرض عن الدعاء له .
المطلب الأول : في أن النبي e دعا عليه : ـ
جاء الأمر الأول في حديث رواه علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : إن امرأة الوليـد بن عقبة أتـت النبي e ، فقال : يا رسول الله إن الوليد يضربها قال : " قولي له قد أجارني " قال علي ، فلم تلبث إلا يسـيراً حـتى رجعـت ، فقالت : ما زادني إلا ضرباً ، فأخذ هُدْبةً من ثوبه ، فدفعها إليها ، وقال : (( قولي له إن رسول الله e قد أجارني )) ، فلم تلبث إلا يسيراً حتى رجعت ، فقالت ما زادني إلا ضرباً ، فرفع يديه ، وقال (( اللهـــــم عليك الوليد ، أثِمَ بي مرتين )) .
أخرجه عبدالله بن أحمد في زوائده على المسند 1/152 عن عبدالله ابن داود وعبيد الله بن موسى ، كلاهما عن نعيم بن حكيم، عن أبي مريم ، عن علي بـه .
وهذا إسناد ضعيف أبو مريم مجهول (1) وقد اختلف الرواة عن حكيم عنه في نسبته فروى هذا الحديث البزار 3/ (767) من طريق إبراهيم بن محمــد التيمي عن عبدالله بن داود وقال : الحنفي ، ونسبه الخطيب في تاريخه (1) فقال :المدائني .
وقد تتبعت سائر حديثه في الكتب التي بين يدي فجاء عند ابن أبي شيبة 2/40 عن وكيع فقال :الثقفي . وجاء عند الحاكم أيضاً 3/6 عن الخريبي فقال : الأسدي .
قلت: هو ليس بالحنفي يقيناً ، فقد نص ابن معين (2) والنسائي (3) ، وابن خراش (4) بأن أبا مريم المذكور في الحديث لم يرو عنه غير نعيم بن حكيم، أما الحنفي فقد روى عنه جماعة .
وهذا الاختلاف في نسبه إنما هو من نعيم بن حكيم هذا فلم يرو عنه إلا هو ولم يكن نعيم بالمتقن ، فقد وثقه ابن معين والعجلي ، وأما ابن سعد فقال : لم يكن بذاك ، وقال النسائي : ليس بالقوي ، ونقل الساجي عــن ابن معين تضعيفه ، وقال الأزدي : أحاديثه مناكير (5) .
وزاد ابن جرير في تهذيب الآثار عمن لا يصحح هذا الحديث: أنه خبر لا يعرف له مخرج صحيح يصح عن علي عن رسول الله e إلا من هذا الوجـه ، والخبر إذا انفرد به عندهم منفرد ، وجب التثبت فيه (6) .
قلت : وفي المتن ركاكة ظاهرة لا تخفى .
وجهدت في معرفــــة زوج الوليد هذه فعرفت أن أكبر أبناءه من أم ولد وهو عثمان وذكر من أزواجه أروى بنت أبي عقيل بن مسعـــود بـن عامر ، والربيع بنت ذي الخمار الأسدية (7) ، ولم أجد لهما ذكراً في الصحابيات ، فهذا مما يزيد المتن نكارة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تهذيب التهذيب 3/252 .
(1) تاريخ بغداد 12/445 .
(2) تاريخ الدوري عن ابن معين 4/167 .
(3) جزء في تسمية من لم يرو عنه غير رجل واحد /261 .
(4) تاريخ بغداد 12/455 .
(5) تهذيب الكمال 29/464 .
(6) تهذيب الآثار (مسند علي) 238 ، 245 .
(7) انظر الطبقات (الطبقة الرابعة ) 1/168 .
 
المطلب الثاني : في عدم مبايعة النبي e وإعراضه عن الدعاء له :
وأما عدم مبايعة النبي e وإعراضه عن الدعاء له فعن الوليد نفسه قال : (( لما فتح رسول الله e مكة ، جعل أهل مكة يأتونه بصبيانهم فيمسح على رؤوسهم ويدعو لهـــــم ، فجـــــــيء بي إليه وإني مطيَّب
بالخلوق ، فلم يمسح على رأسي ولم يمنعه من ذلك إلا أن أمي خلقتني بالخلوق ، فلم يمسني من أجل الخلوق )) .
أخرجه أحمد واللفظ له 4/32 عن فياض بن محمد الرقي (1) .
والبخاري في الأوسط 1/90 من طريق زيد بن أبي الزرقاء ويونس بن بكير،
وأبو أحمد الحاكم كما في تاريخ دمشق 63/225 من طريق حسين بن عباس .
أربعتهم عن جعفر بن برقان ، عن ثابت بن الحجاج الكلابي ، عن عبدالله الهمداني، عن الوليد به .
وأخرجه أبو داود في الترجل باب في الخلوق للرجال 4/ (4181) عن أيوب بن محمد الرقي ، ثنا عمر بن أيوب ، عن جعفر به .
وخالف المغيرة بن معمر الحراني أيوب فرواه عن عمر عن جعفر بن ثابت عن عبدالله الهمداني ، عن أبي موسى عن الوليد .
أخرجه العقيلي في الضعفاء 2/319 (2) عن علي بن موسى الحراني عن المغيرة به .
قال العقيلي في الرواية الأولى : هذه الرواية أصلح .
وقال المزي (3) في الرواية الثانية : وهو وهم .
قلت : مغيرة بن معمر بصري روى عنه أبو زرعة ولم أجد فيه جرحاً (4) .
وقد رواه زيد بن أبي الزرقاء عن جعفر ، واختلف عليه فيه فرواه عبد الله بن محمد الآذرمي عن جعفر ، عن ثابت ، عن عبد الله الفزاري ، عن أبي موسى ، عن الوليد به .
أخرجه ابن عساكر في تاريخه 63/226 أخبرناه أبو بكر المقريء حدثنا أبو الحسين بن المهتدي ، أخبرنا أبو أحمد الدهان ، حدثنا أبو علي الرقي ، حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن صدقة حدثنا عبدالله به .
ورواه محمد بن عبد الله العمــري حدثنا زيد ، حدثنا جعفر ، عن ثابت ، عن عبد الله الهمداني عن أبي موسى ، عن الوليد به .
أخرجه البخاري في الأوسط 1/90 من طريق محمد بن عبد الله العمري حدثنا زيد بن أبي الزرقاء الموصلي .
قلت : زيد هذا هو ابن يزيد الموصلي ثقة متقن ، إلا أن ابن حبان قال : يغرب (5) .
قال ابن عساكر : وعندي أن عبد الله هو أبو موسى ، وأخرج من طريق البغوي قال حدثنا أبو موسى إسحاق بن إبراهيم الهروي ، حدثنا عمر بن أيوب ، عن جعفر ، عن ثابت عن عبد الله أبي موسى المدائني عن الوليد به .(6)
قال البخاري (7) : وقال بعضهم أبو موسى الهمداني ليس يعرف أبو موسى ولا عبد الله وقد خولف .
قلت والحديـــث ضعيف الإسناد منكر ، عبد الله أبو موسى هذا مجهول ، قال البخاري (8) : لا يصح حديثه .
وقال ابن أبي خثيمة (9):وهذا حديث مضطرب الإسناد .
وقال ابن عبد البر (10) : وأبو موسى هذا مجهول ، والحديث منكر وقد بين ابن أبي خثيمـة وابن عبـد البر سبب نكارته بحديث سعايته إلى بني المصطلق وزاد الأول شكوى زوجته له إلى النبي e ، وروى أنه قدم على النبي e في فداء من أسر يوم بدر ، وزاد ابن عبدالبر أنه يخالف ما ورد أنه رد أخته أم كلثوم حين هاجرت بعد الهدنة ومثله يكون حينها كبيراً .
قلت : قدومه للفــــداء لمــــن أسرُ يوم بدر عند الواقدي في المغــــازي 1/130 ، 139 بدون إسناد ، والواقدي متروك لو أسند فكيف إذا لم يسند ؟!
وأما قدومه لرد أخته فقد ورد في أحاديث : ـ
أولاً : عن مروان والمسور بن مخرمة رضي الله عنهم قالا : وجاءت المؤمنات مهاجرات وكانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ممن خرج إلى رسول الله e يومئذ وهي عاتق ، فجاء أهلها يسألون النبي e أن يرجعها إليهم ، فلم يرجعها إليهم لما أنزل الله فيهن { إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن ، إلى قولـه : و لا هم يحلون لهم } .
أخرجه البخاري في الشروط باب ما يجوز من الشروط في الإسلام والأحكام والمبايعة 7/ (2711) عن عقيل .
وفي المغازي باب غزوة الحديبية 7/ (4180) عن ابن أخي ابن شهاب كلاهما عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن مروان والمسور به .
هكذا في هاتين الروايتين عن الزهري على الإبهام ، وقد عينت الأهل رواية عبد الرحمن بن عبد العزيز عنه بأنهم أخواها، أخرجه ابن سعد 8/231 أخبرنا خالد بن مخلد ، حدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز ، حدثني ابن شهاب قال : فلما جاءت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط مهاجرة جاء أخواها يريدان أن يخرجاها ويرداها إليهم فأنزل الله الآية .
وهذا مرسل ضعيف عبد الرحمن بن عبد العزيز هو الأمامي فيه لين(11).
وسماهما ابن إسحـاق عن الزهري ، فقال: الوليد وفلان بن عقبة أخرجه البيهقي في سننـه 9/229 من مغازي يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق ، قال حدثني الزهري ، وعبد الله ابن أبي بكر به .
وسماهما عند البكائي كما في السيرة 3/789 إلا أنه لم يسند الخبر ، فقال : عمارة والوليد ابن عقبة .
والأول مرسل حسن الإسناد .
وله شاهد في حديث عبد الله بن أبي أحمد بن جحش قال : هاجرت أم كلثوم بنت عقبة في الهدنة فخرج أخواها عمارة والوليد أبناء عقبة حتى قدما على رســول الله e، فكلماه في أمر أم كلثوم أن يردها إليهما ، فنقض الله العهد بينه وبين المشركين خاصة في النساء ، ومنعه أن يردهن إلى المشركين فأنزل الله آية الامتحان .
أخرجه المحاملي في الآمالي رقم (440) حدثنا عبد الله بن شبيب ، حدثنا عبد الجبار بن سعيد عن مجمع بن يعقوب عن حسين بن السائب بن أبي لبابة ، عن عبدالله بن أبي أحمد بن جحش به .
وهذا إسناد ة واه بمرة فيه : ـ
1 ـ عبد الله بن شبيب هذا هو أبو سعيد الربعي ، أخباري واه (12) .
2 ـ شيخه قال العقيلي: مدني في حديثه مناكير ما لا يتابع عليه (13) .
قلت : هو من شيوخ أبي زرعة والبخاري ، وصحح حديثه الحاكم .
ولم يتفرد عبد الجبار به ، فقد رواه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني
1/(609) قال : حدثنا محمد بن يحيى الباهـلـــــي ، حدثنا يعقوب بن
محمد، حدثنا عبد العزيز بن عمران ، عن مجمع (14) بن يعقوب به . وهذا إسناد واه بمرة أيضا: ـ
محمد بن يحيى هذا لم أجد من ترجمه . وشيخـه فيه لــين (15) . وشيخه متروك (16) .
فأصح ما ورد ههنا مرسل ابن إسحاق عن الزهري وعبد الله بن أبي بكر وواقع حال أولاد عقبة يوجب أن يكون الوليد هو من قدم لرد أخته لأنه أكبر إخوته ، فهذا يؤيد أن هذا الحديث منكر ، فكيف يكون الوليد يوم الفتح صبياً .
فحديث دعاء النبي e عليه ، وإعراضه عن مبايعته منكرة واهية ، والوليد بهذا على الحال الجميـل مع رسول الله e له فضل الصحبة ، وأنعم بها من رتبة ، جللها بثباته على الإسلام ، وثقة أخيه أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه بتوليته الكوفة .
وعليه يتبين أن الأحاديث المرفوعة التي وردت في ذم هذا الصحابي الجليل لا تثبت في الصناعة الحديثية ، وإن مضى على تصحيح بعضها
من سبق ذكـــره في هذا المبحث من العلماء الأجلاء ، ومن تبعهم في هذا العصر من فضلاء المحققين (17) ، وقد خالفهم ــ فيما سبق ــ ابن كثير رحمه الله وإن لم يجزم بحكم فيها ، وممن خالفهم في ذلك ابن القيّم رحمه الله في المنار المنيف (18) ، حيث ذكر في فصل من الكتاب جملة أحاديث وردت في حق جماعة من الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ وبني أمية وبني العباس وبعض القبائل والبقاع ، وحكم عليها بأنها كذب ثم قال : ـ
وكذلك أحاديث ذم الوليد وذم مروان بن الحكم ــ يعني أنها كذب .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) زاد البيهقي في السنن بعد أن أخرج الحديث من طريق الإمام أحمد : وقد رُوِيَ أنه سلح يومئذ فتقذره رسول الله e ولم يمسه ولم يدع له ومنع بركة رسول الله e لسابق علم الله فيه . قلت : سيأتي أن الحديث ضعيف منكر ، والإمام رحمه الله لم يجزم بل قال رُوَي ، فانظر الفرق ههنا وما جزم به ابن الوزير رحمه الله في العواصم والقواصم 3/276 .
(2) وتحرف ثابت عنده إلى ليث .
(3) تهذيب الكمال 16/340 .
(4) الجرح والتعديل 8/230 .
(5) الثقات 8/250 .
(6) تاريخ دمشق 63/227 .
(7) التاريخ الأوسط 1/91 .
(8) التاريخ الكبير 5/224 .
(9) الجرح والتعديل 8/230 .
(10) الاستيعاب 3/631 . \
(11) تهذيب الكمال 17/253 .
(12) لسان الميزان 3/307 .
(13) الضعفاء 3/86 .
(14) وتصحف فيه إلى محمد .
(15) تهذيب الكمال 23/367 .
(16) المصدر السابق 18/178
(17) سلسلة الأحاديث الصحيحة 7/1/230 .
(18) المنار المنيف /117 .

خاتمـــــة

وبعد أن يسر الله لي إتمام هذا المبحث الموجز عن الأحاديث الواردة في الوليد بن عقبة رضي الله عنه فلا بد من تسطير هذه النتائج التي توصلت إليها :

1 ـ أنه لم يثبت شيء من الأحاديث الواردة في حق الوليد بن عقبة، فجلها منكر واه ، وبعضها ضعيف لا تقوم به حجة .
2 ـ أن الوليد حاز على شرف الصحبة ، وهذه منـزلة جليلة توجب محبته ، والترضي عنه والكف عن ذكر مساوئه ، لو صحت ، فكيف إذا لم تصح ؟!.
3 ـ تبين لنا أثر الخلاف السياسي والمذهبي في ترويج هذه الأحاديث المنكرة وروايتها ، فإن جل ما سبق من أحاديث خارجة من الكوفة وجلهم من المتشيعة وخلافهم معروف للوليد .
4 ـ أن هذه الأحاديث لو كانت ثابتة لكانت سبيلاً للإنكار على عثمان رضي الله عنه لتوليته الوليد بن عقبة على الكوفة من قبل الصحابة الذين شهدوا التنزيـــــــل وعاصــــروا الوحـــي ، ومثلهم لا يسكت على مثل هذا لتضمن الحديث والآيات قدحاً يوجب سقوطه وفسقه ولم نر أحداً من الصحابة تفوه بشيء من هذا سواء كانوا ممن هم في المدينة أو الكوفة ، بسند صحيح يثبت هذا عنهم ، والخبر إذا توفرت دواعي شهرته أو تواتره ولم يحصل له هذا كان أدعى إلى تكذيبه لا إلى تضعيفه.
5 ـ وجوب التثبت في التصحيح والتضعيف ، وخصوصاً التحسين الذي توسع فيه كثير من المعاصرين دون نظر لطريقة أهل الصنعة فيه فيغر بعضهم كثرة الطرق للحديث، وكذلك إهمال جانب التفرد في الرواية وأهلية ذلك الراوي للتفرد .
 
عودة
أعلى