نايف الزهراني
New member
الأثر اللغوي في براءة يوسف عليه السلام ـــ د.عمر مصطفى(1)
قال الله تعالى في مطلع سورة يوسف عليه السلام: (ألر تلك آيات الكتاب المبين، إنَّا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون((2)، وفي ذلك إشارة ظاهرة إلى أهمية تفسير ما في هذه السورة من مواضع خلافية بأدوات لغوية، والنظر فيها بمنظور لغوي سليم، إذ يحتاج بعضها إلى جهد كبير لمعرفة المقصود من ذلك، والوجهِ المراد من هذا الأسلوب الدلالي الذي يُظهر وجهاً من وجوه الإعجاز البياني للقرآن الكريم.
قال مصطفى صادق الرافعي: "ومن أعجب ما رأينا في إعجاز القرآن وإحكام نظمه، أنك تحسب ألفاظه هي التي تنقاد لمعانيه، ثم تتعرّف ذلك وتتغلغل فيه فتنتهي إلى أنّ معانيه منقادة لألفاظه، ثم تحسب العكس، وتتعرفه متثبّتاً، فتصير منه إلى عكس ما حسبت، وما إن تزال متردداً على منازعة الجهتين كلتيهما، حتى تردّه إلى الله الذي خلق في العرب فطرة اللغة، ثم أخرج من هذه اللغة ما أعجز تلك الفطرة.لأن ذلك التوالي بين الألفاظ ومعانيها، وبين المعاني وألفاظها، مما لا يعرف إلا في الصفات الروحية العالية، إذ تتجاذب روحان، قد ألفت بينهما حكمة الله، فركّبتهما تركيباً مزجياً بحيث لا يجري حكم في هذا التجاذب على إحداهما حتى يشملها جميعاً"(3).
وبدهيٌ أن يتساءل الباحث عن سبب مطلع هذه السورة بهاتين الآيتين الكريمتين، ولو لم يكن لورودهما في هذا الموضع من السورة أولاً، ومن القرآن الكريم ثانياً قصدٌ معيّن؛ لما بُدئ بهما في هذه السورة ذات المدلول السياقي اللغوي الواضح، وهذا أمر مهمٌّ من حيث الدلالة الرمزية الموحية إلى أثر اللغة فيما يمكن كشفه في الآيات التي تحتمل غير وجه أو رأي.
قال الدكتور منير سلطان: "وإثبات خروج النظم القرآني عن المعهود من كلام العرب، لا يتأتَّى بالموازنة، وإنما بالكشف عن الإعجاز الذي تحقق في جعل أداة التعبير عن الذات البشرية صالحة للتعبير عن الذات الإلهية وحكمة الربوبية في جعلها تخرج من الخصوص إلى العموم، من المحدود إلى المطلق، منفكّة من قيود الزمان والمكان، وتذبذب العواطف، وشطط الخيال وغلبة الأحلام، وسخف الأوهام"(4).
وليس من أغراض هذا البحث الإحاطة بالقصة بتمامها، بل الإلمام ببعض جوانبها ذات الدلالة الأسلوبية اللغوية المتباينة والتأثير المراد في جوهر اختلافات المفسرين، بقصد تبيان الدليل اللغوي على براءته عليه السلام ممَّا اتُّهم به، ولا سيما أن بعضهم يرى أن نسبة الهمّ إلى يوسف بما يعنيه الهمّ في السياق ذاته، لا تسيء إليه، بل ترفع من شأنه، لأن وقوع الهمّ منه في النيّة ثم العودة عن فعل الفاحشة ذو أثر إيجابي أكثر منه من عدم وقوعه. ولهذا محذور، إذ إن تحرُّك الطبيعة البشرية لا يكون إلا بعد مراحل معينة، أهمُّها النظر العميق الواعي والتفكير به، وهو مما لا يليق بنبيّ معصوم.
وقد حاول هذا البحث أن يفيد مما ورد من آيات كريمة في السورة ذاتها، يدلُّ بعضها على ما ذهب إليه في بعض المواضع، ويشير بعضها الآخر إلى توضيح مراد في سياقه، قال الدكتور صبحي الصالح: "القرآن يفسر بعضه بعضاً"، يردد المفسرون هذه العبارة كلما وجدوا أنفسهم أمام آية قرآنية، تزداد دلالتها وضوحاً بمقارنتها بآية أخرى، وإن لهم أن ينهجوا في تأويل القرآن هذا المنهج، لأن دلالة القرآن تمتاز بالدقة والإحاطة والشمول، فقلما نجد فيه عاماً أو مطلقاً أو مجملاً ينبغي أن يخصص أو يقيد أو يفصل، إلا تمَّ له في موضع آخر ما ينبغي له من تخصيص أو تقييد أو تفصيل"(5).
انقسم السلف من العلماء الناظرين في قوله تعالى: (ولقد همّت به وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه((6)، إلى فريقين: الأول يقرُّ بوقوع الهمّ في نفس يوسف عليه السلام، والثاني لا يقرُّ بذلك، وكذا فعل المحدثون منهم. فما معنى الهمّ؟ وأين محلّه؟ أَلَه تأثير يظهر بالأفعال؟ أي هل ينتقل من النفس إلى عمل الجوارح؟ إن هذه الأسئلة وما يقاربها قد تفيد في تبيان حقيقة وقوع الهمّ منه عليه السلام.
ومما مسّت إليه حاجة البحث الاتفاقُ على معرفة معنى الهمِّ كما ورد في اللغة والقرآن الكريم قبل الخوض فيما قاله الآخرون، لأن ذلك قد يدفع عدداً من الآراء في هذه المسألة. جاء في اللسان قولـه: "وهمَّ بالشيء يهمُّ همَّاً: نواه وأراده وعزم عليه"، وقوله: "والهمُّ: ما همَّ به في نفسه، تقول: أهمني الأمر. والهَمَّة والهِمَّة: ما همَّ به من أمر ليفعله"(7).
وهذا القول ظاهر في وضوح النية والعزم على الفعل في نفس الهامّ بالشيء، ومحلّ ذلك النفْس، لكنّ الهمّ لا يتوقف أثره في النفس فحسب، بل يتعدّى ذلك إلى عمل ما، ففي قوله تعالى: (وهمّوا بما لم ينالوا((8) دلالة واضحة على أن النيّة بفعل شيء لا ترقى إلى الهمّ به، لأن الهمّ بالشيء أعمّ من نيّته، إذ إن الهمّ يشمل النيّة بالإضافة إلى عمل ما يقوم به صاحبه، وهذا ما فعله الذين عزموا على اغتيال سيّدنا محمد (، لكنّ الله جعل كيدهم في نحورهم، غير أن فعلهم لم يتوقف عند حدود النيّة فحسب، بل تجاوز ذلك إلى القيام ببعض الأعمال التي من شأنها أن تؤدي إلى قتله عليه الصلاة والسلام: (وردّ الله الذين كفروا بغيظهم، لم ينالوا خيراً((9).
وقد ورد هذا الفعل في مواضع من القرآن الكريم(10)، تدلُّ على ما ذهبنا إليه، وذلك نحو قوله تعالى: (وإذ غدوت من أهلك تبوّئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم، إذ همّت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليّهما وعلى الله فليتوكل المتوكلون((11)، وقوله تعالى: (ثم أنزل عليكم من بعد الغمّ أمنة نعاساً يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحقّ ظنّ الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شيء قل إن الأمر كلّه لله يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قُتلنا ههنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كُتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحّص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور((12)، وقوله تعالى: (ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمّت طائفة منهم أن يُضلوك وما يُضلون إلا أنفسهم وما يضرّونك من شيء وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلّمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً((13)، وقولـه تعالى: (كذّبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمّت كلّ أمّة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليُدحضوا به الحقّ فأخذتُهم فكيف كان عقاب((14).
فالمقرّ بأن الهمّ وقع من يوسف عليه السلام مُلزمٌ بأن يُقرّ بأنه قام ببعض الأعمال المؤدية إلى فعل الفاحشة، قال الشيخ محمد رشيد رضا: "إن الهم لا يكون إلا بفعل للهامّ"(15)، وهذا مما لا يتناسب مع نبيٍّ كريم للأسباب الآتية:
أولاً: الآيات لا تشير إلى أن يوسف عليه السلام قد تاب ممّا فعل، إن سلّمنا بأنه فعل شيئاً ما، وذلك بما يدلّ عليه معنى الهمّ، يقوّي هذا أن الهمَّ بالمعنى الذي تقدّم متوافقٌ مع ما أقدمت عليه امرأة العزيز.
ثانياً: السياق القرآن يقتضي أن نجعل الهمَّين بمعنى واحد، وأن نقول: إن بين الهمّين فرقاً أمرٌ لا يستقيم مع البيان الإلهي الذي يبلغ من الإعجاز ما لا يُقبل فيه بالتفسير التوفيقي، قال الدكتور فتحي أحمد عامر: "فدلالة الألفاظ على معانيها الظاهرة أمر جليّ في آيات القرآن، لا يحتاج إلى بيان ولا إلى عسر في الفهم، وتعمّل في الفكر، لو كانت المسألة وقوفاً عند المعاني الأولى، أو الدلالات اللغوية، وذلك لا يتناقض بحال مع دلالات أخرى تفهم من النظم، ويوحي بها التركيب"(16).
وليس ثمة ما يدلّ على أن بين الكلمتين فرقاً من حيث المعنى، قال الإمام ابن الجوزي: "واختلفوا في همّه بها على خمسة أقوال: أحدها: أنه كان من جنس همِّها، ولولا أن الله تعالى عصمه الفعل، وإلى هذا المعنى ذهب الحسن، وسعيد بن جبير، والضحاك، والسدي، وهو قول عامة المفسرين المتقدمين، واختاره من المتأخرين جماعة منهم ابن جرير، وابن الأنباري، وقال ابن قتيبة: لا يجوز في اللغة: هممت بفلان وهمّ بي، وأنت تريد اختلاف الهمّين. واحتجّ مَن نصر هذا القول بأنه مذهب الأكثرين من السلف والعلماء الأكابر"(17). والصواب أن يكون المعنى واحداً، ويكون الاجتهاد في معرفة وقوع الهمّ منه أو عدمه.
ثم قال في اللسان: "وسئل ثعلب عن قوله عزّ وجل: (ولقد همّت به وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربّه(؛ قال: همَّت زَليخا بالمعصية مصرّة على ذلك، وهمَّ يوسف عليه السلام بالمعصية، ولم يأتها ولم يصرّ عليها، فبين الهمّتَين فرق. قال أبو حاتم: وقرأت غريب القرآن على أبي عبيدة، فلما أتيت على قوله: (ولقد همّت به وهمّ بها( (الآية)، قال أبو عبيدة: هذا على التقديم والتأخير، كأنه أراد: ولقد همّت به ولولا أن رأى برهان ربِّه لهمَّ بها"(18).
وليس في الآية ما يدلّ على ما ذهب إليه ثعلب، فهو لا يستقيم والمعنى اللغوي للهمّ، ولا يقتضيه السياق القرآني كما تقدّم. وأمّا قول أبي حاتم عن أبي عبيدة؛ ففيه ما ينقض ما أراده ثعلب، وإن كان ثمة كلام عليه سيأتي في موضعه من هذا البحث.
ثالثاً: اشتراط يوسف عليه السلام للخروج من السجن معرفة الحقيقة، وهذا مدعاة إلى أنه بريء كل البرء مما نُسب إليه، لأن من توافرت لديه النيَّة لفعل ذلك الأمر، لا يتَّخذ هذا الموقف، ولا سيما أنه ما اشترط ذلك لتأويل الرؤيا، وإنما اشترطه عندما طلب الملك إخراجه من السجن.
وهذا هو العنصر الجديد في القصة، وهو ظهور الملك في سياق النص، إذ كان الأمر محصوراً ضمن دائرة لم تتجاوز العزيز، وهذا يفسِّر ما حصل في الظرف (الآن( في قوله تعالى على لسان امرأة العزيز: (الآن حصحص الحق((19)، فما الذي وقع أو تغيَّر أو حصل حتى تعترف امرأة العزيز بفعلها؟ ما حصل أن الأمر تجاوز قدرة زوجها وسلطانه، ووصل إلى الملك، وهو ذو السلطان الأعلى، وأمامه لا يقوى الناس إلا على قول الحقيقة. فزوجها هو العزيز، وهو بمنزلة الوزير هذه الأيام، فالملك كان يجهل ما حصل ليوسف عليه السلام إلا بعد أن وصل الأمر إليه، فجمع النسوة، أمَّا العزيز؛ فكان على علم بكلِّ ما جرى ليوسف عليه السلام، ودليل آخر يؤكد أن العزيز لم يكن الملك نفسه كما ذهب إلى ذلك بعضهم ـ هو أن يوسف نفسه عليه السلام أصبح عزيزاً فيما بعد، وهذا ظاهر في قوله تعالى: (قالوا يا أيها العزيز إن له أباً شيخاً كبيراً فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين((20).
وأمَّا قول من قال: إن امرأة العزيز خشيت من النسوة؛ فيُردُّ بأنهن يفتقدن الدليل على ذلك، لأنهن لا يعرفن حقيقة الأمر كما هي، فهن يعرفن ما قالته لهن بسبب لومهن لها، والصواب أن ذكر الملك لم يظهر في القصة إلى أن جمع النسوة وهو الأمر الذي أصر عليه يوسف عليه السلام لإظهار براءته.
وما يقويه أن يوسف نفسه عليه السلام طلب ممن نجا من صاحبيه في السجن أن يذكره عند ربه، فهو يريد أن يوصل أمره إلى الملك، ولما وصل أمرُه حدث ما حدث، غير أنه ما كان يستطيع أن يقرن تأويل حلم الملك بإظهار الحقيقة، لأن خلقه يأبى ذلك أولاً، وهذه ليست بتلك ثانياً، ولا على سياقها، ولمّا طلب الملك الإتيان به؛ اشترط ظهور الحقيقة، وبها تتبيَّن براءته، لأن ذلك علَّةُ ما هو فيه، والبريء ذو الصفات الخاصة لا يجبّ أن يخرج من السجن إلا إذا ثبتت براءته، فهو يريد الخروج المبني على حقّه، لا على عفو الملك أو ما شابهه، ولو قبل بالخروج دون طلبه معرفة الحقيقة؛ لما وصلت قصته إلى الأسماع والأصقاع. وسياقنا هذا يبيّن أن يوسف لمّا طلب من أحد صاحبيه أن يذكره عند ربه، أراد بذلك أن يوصل أمره إلى الملك، وهذا معنى (اذكرني((21)، أي اذكر أمر قصتي وظلمي.
رابعاً: ظهور علم يوسف عليه السلام وأنه رجل صالح، ومثله لا يفعل ما نُسب إليه، وهذا ظهر من سؤال الملك للنسوة في قوله تعالى: (قال ما خطبكنّ إذ راودتنّ يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحقّ أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين((22). واشتراط يوسف عليه السلام للخروج من السجن ظهورَ الحقيقة ـ بالإضافة إلى ما ذُكر سابقاً ـ جعل امرأة العزيز تعلم علم اليقين أن حقيقة الأمر ستظهر، ومكرها سينكشف، وكذبها لن ينفعها، ولذلك أكدت صدقه بـ "إن واللام"، بالإضافة إلى إقرارها بالمراودة بصريح الكلام.
خامساً: الهاء في قوله تعالى على لسان قائلها: (لم أخنه((23) عائدة على يوسف عليه السلام، وأرادت امرأة العزيز أن تقول: لما وصل الأمر إلى خارج استطاعتها وقدرتها، وأصبح يوسف في خطر، أقرت بالصحيح لتنقذه، ففي السابق كانت تحاول أن تجبره على المثول لرغباتها، والآن هي لا تستطيع فعل ذلك، لأنها تخشى عاقبة ذلك لا على نفسها، لأنها امرأة العزيز نفسه، وإنما على يوسف نفسه عليه السلام، فقالت: ليعلم يوسف أنني ما خنته في قول الصحيح في غيابه، إذ أصبح الأمر بين يدي الملك خوفاً عليه، لأنها كانت تستطيع أن لا تقول الحقيقة، إذ لا شيء يجبرها على ذلك، وكانت تظنُّ أنها لو فعلت ذلك لقضت على يوسف بسبب أن أمره أصبح بيد مَن سلطته تفوق سلطتها. وهذا ما يفسر قوله تعالى على لسانها: (لم أخنه بالغيب(.
قال الأستاذ أحمد مصطفى المراغي: "أي ذلك الاعتراف مني بالحقّ له والشهادة بالصدق الذي علمته منه، ليعلم أني لم أخنه بالغيب عنه منذ سُجن إلى الآن، فلم أنَلْ من أمانته، أو أطعن في شرفه وعفّته، بل صرّحت لأولئك النسوة بأني راودته عن نفسه فاستعصم، وهأنذا أقرّ بهذا أمام الملك ورجال دولته، وهو غائب عنا"(24).
وأمّا من قال: إنّه ليوسف عليه السلام يخاطب فيه العزيز؛ فيُردُّ بأن علم العزيز ببراءته حصل مسبقاً عندما شهد الشاهد بذلك، ولا مناسبة أن يقول يوسف للعزيز ذلك في هذا الموقف الذي ظهر فيه الحقُّ للناس، إذ إن العزيز وامرأته نفسيهما يعلمان الحقيقة، وقد اُضطرَّ العزيز إلى سجنه مع معرفته ببراءته، لكيلا يقال عن امرأته ما يمكن قوله.
وما قوله تعالى على لسان الشاهد: (فلما رأى قميصه قدّ من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم، يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين( إلا دليل على ذلك، وهذا مما يبطل معنى (بالغيب( في هذا السياق لو سُلّم بالرأي، لأنّ العزيز كان حاضراً لما تبيَّن الحقّ، وأن (ذلك( تشير إلى ما قامت به امرأة العزيز، وهو الإقرار بالمراودة، وأن الكلام متصل مع الآية قبلها، وهو من مفعول "قالت"، وأن تكون (وما أبرئ نفسي( من كلام امرأة العزيز أشدَّ تعبيراً لحالها وأكثر التصاقاً بواقعها من كونها ليوسف عليه السلام، لأن من يقرّ بالذنب يعلن عدم تبرئة نفسه منه.
ولذلك لا يستقيم أن يوجه يوسف عليه السلام هذا الكلام إلى العزيز، ولا سيما أن قوله تعالى: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين، و ما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم(، يؤكد أن الكلام يستقيم إذا كان لامرأة العزيز، تريد فيه يوسف عليه السلام. وطبيعي أن تطلب المغفرة وأن تطمح برحمته، لأنها المذنبة المتجنية.
ويُضاف إلى ما ذُكر أن يوسف عليه السلام ما زال في سجنه لما قيل هذا الكلام في الجمع أمام الملك بدليل أن قوله تعالى: (وقال الملك ائتوني به استخلصه لنفسي((25) جاء بعد ذلك الكلام مباشرة، وورود قوله تعالى السابق في هذا الموضع، له دلالة خاصة، ويوحي بأن يوسف عليه السلام ما زال في سجنه لما قيل هذا الكلام.
وأما من قال: إنه لامرأة العزيز تعني فيه العزيز نفسه، فهو من الضعف من غير ما وجه، ولا سيما أن يوسف عليه السلام هو جوهر القصة، قال تعالى: (لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين((26)، وعليه تدور أحداثها، وتوجيه الكلام من امرأة العزيز إلى العزيز خروج عن أصل القصة وجوهرها، غير أن امرأته حاولت خيانته باعترافها بمراودة يوسف عليه السلام، ولم تفلح، وهي الآن في معرض قول الحقيقة، والكلام لا يستقيم صناعة، لأن العزيز كان حاضراً بين الجمع، ولم يكن غائباً. ولا مناسبة للالتفات أو غيره هنا.
سادساً: إن تغليق الأبواب باهتمام ـ وهو ما تدلّ عليه صيغة "فعّل" بتشديد العين ـ دليلٌ على خشيتها من هربه، لأنها تمكنت منه بعد محاولات كثيرة، ولا سيما أن الدخول إلى بيت مثلها، يقتضي ترتيباً معيناً، أقلُّه الاستئذان، فهي امرأة عزيز. وقوله تعالى: (واستبقا الباب((27) نصٌّ على صحة ما ذهبنا إليه، فهو يجري إلى الباب طلباً للهرب، وهي تجري إليه طلباً لمنعه.
سابعاً: قوله تعالى على لسان امرأة العزيز: (ولقد راودته عن نفسه فاستعصم((28)، يجعل رأي من سلَّم بأن الهمَّ وقع منه غيرَ مسلَّم به، لأنها في هذا السياق لم تقرّ بالمراودة فقط، بل أقرَّت بأنه استعصم أيضاً، ولأن الاستعصام(29) ينفي عن صاحب الهمّ الذي يرون في وقوعه من الأنبياء أمراً عادياً(30). وكذا قوله تعالى على لسان يوسف عليه السلام: (معاذ الله((31)، وهو وارد في السورة قبل آية الاختلاف.
ثامناً: المراودة عن النفس، تدلُّ على عدم وقوع الهمِّ، لأنه من النفس، والمراودة ثابتة في حصولها من امرأة العزيز في غير ما موضع من السورة، ولا سيما أنها كانت عملاً مكروراً منها. قال الشوكاني: "المراودة: الإرادة والطلب برفق ولين، وقيل: هي مأخوذة من الرود أي: الرفق والتأني، يقال أرودني: أمهلني؛ وقيل: المراودة مأخوذة من راد يرود إذا جاء وذهب. كأن المعنى: أنها فعلت في مراودتها له فعل المخادع، ومنه الرائد لمن يطلب الماء والكلأ، وقد يخص بمحاولة الوقاع، فيقال: راود فلان جاريته عن نفسها وراودته هي عن نفسه: إذا حاول كل واحد منهما الوطء والجماع، وهي مفاعلة، وأصلها أن تكون من الجانبين، فجعل السبب هنا في أحد الجانبين قائماً مقام المسبب، فكان يوسف عليه السلام لما كان ما أعطيه من كمال الخلق والزيادة في الحسن سبباً لمراودة امرأة العزيز له مراود"(32).
تاسعاً: قال الطبري: "وأما آخرون ممن خالفوا أقوال السلف، وتأولوا القرآن بآرائهم؛ فإنهم قالوا في ذلك أقوالاً مختلفة، فقال بعضهم: معناه: ولقد همت المرأة بيوسف، وهم بها يوسف أن يضربها، أو ينالها بمكروه، لهمِّها به مما أرادته من المكروه لولا أن يوسف رأى برهان ربه، وكفَّه ذلك عما همَّ به من أذاها، لا أنها ارتعدت من قِبَل نفسِها، قالوا: والشاهد على صحة ذلك قوله: (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء(، قالوا: فالسوء هو ما كان همَّ به من أذاها، وهو غير الفحشاء"(33).
قال الشيخ محمد رشيد رضا: "أجمع أهل اللغة على أن الهمّ إنما يكون بالأعمال، لا بالشخوص والأعيان، وتحقيق معناه أنه مقاربة فعل تعارض فيه المانع والمتقضي، فلم يقع لرجحان المانع، وهو الموافق لقول علماء الأصول في التعارض الأعمّ، ولكن رجحان المانع هنا قد يكون بإرادة صاحب الهمّ، ومنه همُّ يوسف، وقد يكون من غيرهن ومنه همُّ هذه المرأة، كان همّهما واحداً، وهو البطش بالضرب، أو ما في معناه، وكان المانع منه إرادته هو وعجزها هي بهربه"(34).
وأقول: تفسير الهمّ منها ومنه بعيداً عن الميل العاطفي وأن البرهان منْعُه عن ضربها أو غير ذلك خروجٌ على السياق المراد في القصة، وابتعاد عن جوّ الآيات السابقة واللاحقة، وهروب من الإقرار بوقوع الهمّ العاطفي منه عليه السلام، وعدم الإقرار بوقوع ذلك منه مطلوبٌ في سياق الآيات، لا في الخروج الظاهر على المراد، وعدم الإقرار يحتاج إلى سوق الأدلة التي تؤكد عدم وقوعه منه في جوهر الأمر، لا في تفسير بعيدٍ عما تقتضيه الآيات الأخرى في السياق ذاته.
وقوله تعالى: (واستبقا الباب( نصٌّ على ضعف أنها همّت بنهره وزجره لعدم امتثاله لما تريده، وأنه همّ بإبعادها عنه، وأنّ البرهان منعه عن ضربها، قال في اللسان: "وقوله تعالى: (إنا ذهبنا نستبق((35)؛ قيل: معناه نتناضل، وقيل: هو نفتعل من السبق. (واستبقا الباب(: يعني تسابقا إليه، مثل قولك: "اقتتلا بمعنى تقاتلا"، ومنه قوله تعالى: (فاستبقوا الخيرات((36)؛ أي بادروا إليها"(37).
فهذه الصيغة تدلُّ على المبالغة في افتعال الأمر(38)،ولو كان أمر الضرب وما إلى ذلك وارداً؛ لَمَا استبقا الباب، ولا سيما أن الفعل جاء بصيغة المثنى، فدلَّ بذلك على أن التسابق إلى الباب كان بسبب الرفض القاطع من يوسف عليه السلام لما دعته إليه، وهذا مدعاة إلى أن حالته العاطفية لم تكن حاضرة، وفي ذلك إشارة إلى خلوِّ قلبه من الخطرات، فالجري إلى الباب يشير إلى أنه لما تفاجأ بمنظر امرأة العزيز، وقد هيأت نفسها، ذهب إلى الباب جارياً، يريد الهرب من هذا، والتخلص منه، فلحقت به تمنعه عما أراد، فأصبحا بمنزلة المتسابقَين إلى الباب. فأين هذا المشهد الذي دلَّت عيه صيغة الفعل من أي شبهة في وقوع الهمِّ منه، إذ لا شيء يدعو مَن وقع منه الهمُّ إلى الهرب، قد يدعوه البرهان إلى الخروج من بيتها، لكن لا يُلجئه إلى الهرب، أو يضطره إلى ذلك.
عاشراً: قوله تعالى: (وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن((39) يدلُّ على أن يوسف عليه السلام، ما زال ضابطاً لنفسه، ولم يصب إلى امرأة العزيز على الرغم من محاولاتها المكرورة معه، لأن الصبابة تعني الميل إلى الجهل، وهذا مرشِّح لئلا يكون الهمُّ وقع في نفسه أيضاً.
الحادي عشر: قال ابن كثير: وقوله: (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء((40)، أي كما أريناه برهاناً صرفه عما كان فيه، كذلك نقيه السوء والفحشاء في جميع أموره، إنه من عبادنا المخلَصين، أي من المجتبين المطهرين المختارين المصطفين الأخيار، صلوات الله وسلامه عليه"(41).
قال الزمخشري: "سوأ: فعل سيئ، وأفعال سيئة، وأتى بالسيئة والسيئات، وفلان يُحبط الحسنى بالسوء، وقد ساء عمله، وساءت سيرته، ولساء ما وُجد منه، وساء به ظناً، وساءني أمرك"(42).
وقال القرطبي: "والسوء: الشهوة، والفحشاء: المباشرة، وقيل السوء: الثناء القبيح، والفحشاء: الزنى، وقيل السوء: خيانة صاحبه، والفحشاء: ركوب الفاحشة، وقيل: السوء: عقوبة الملك العزيز. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر(43) (المخلِصين( بكسر اللام، وتأويلها: الذين أخلصوا طاعة الله، وقرأ الباقون بفتح اللام، وتأويلها: الذين أخلصهم الله لرسالته، وقد كان يوسف عليه السلام بهاتين الصفتين، لأنه كان مخلِصاً في طاعة الله تعالى مستخلَصاً لرسالة الله تعالى"(44).
ومعاني السوء السابقة تنفي أن يكون الهمُّ قد وقع منه، ولا سيما أن الفحشاء في سياق المشهد الذي مرَّ فيه يوسف عليه السلام واضحة جلية، وذكر السوء في هذا الموضع مع الفحشاء مقدماً عليها مقصودٌ لتوضيح معنى الآية موضعِ اختلاف المفسرين، وصرف الله تعالى السوء والفحشاء عن يوسف عليه السلام ظاهرٌ في سياق الآية، لأنه من المخلَصين، ولو كان غير ذلك، لصُرف يوسف عليه السلام عن السوء والفحشاء، كأن يقول: كذلك لنصرفه عن السوء والفحشاء، لكن الآية تدلُّ على أن الله تعالى صرف عنه السوء والفحشاء، ومن يُصرف عنه ذلك، يكن ـ بلا شك ـ من عباد الله المخلَصين، إذ كيف يمكن لإنسان، أخلصه الله أن يفكِّر بالمعصية، فضلاً عن أن يهمّ بها، وأي معصية؟ إنها ما لا تغتفر لإنسان مؤمن فضلاً عن كونه نبياً مخلَصاً.
ولو كان الرهان منعه عن الفاحشة فقط، ولم يمنعه عن الهمِّ بها، وهو نبيٌّ مخلَص، لتساوى مع غيره، وافتقر إلى ما يميزه منه، إذ إن الإنسان الذي يهمُّ بفعل الفاحشة، سينتهي عنه إذا ما توافر له أي برهان، فكيف إذا كان البرهان صورة أبيه أو ما يقرب من هذا مما ذُكر في روايات تفسير كلمة البرهان(45)، فهذا لا يستقيم مع سياق قصة، هي أحسن القصص، فالإنسان بطبعه وطبيعته قد يُقدم على الفاحشة أو الهمّ بها، فإذا ظهر له عارض؛ فإنه سيمتنع عنها، ولا غرابة في ذلك، فهو أمر طبيعي، بل إن الإنسان قد يتمنّع عن امرأة ذات جمال وسلطان دعته إلى ذلك، فيكون ممن يظلّهم الله يوم لا ظلَّ إلا ظله، فكيف الحال، والأمر يتعلق بنبي كريم؟ أين ميزته من غيره إذا كان قد همّ بالمعصية، ثم امتنع لمَّا ظهر لـه ما لو ظهر لغيره لمنعه عن الإقدام على فعلها، ولا سيما أنه هو الجميل، والقرآن الكريم لم يأت على ذكر شيء يتعلق بجمالها.
وأما من ذهب إلى أنه لم يكن نبياً، لمَّا حدث لـه هذا الأمر، فيُردُّ بأن قوله تعالى: (وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتمّ نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتّمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق إن ربك عليم حكيم((46)، وقوله تعالى: (وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً وكذلك مكّنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون((47)، وقوله تعالى: (ولمَّا بلغ أشدَّه آتيناه حكماً وعلماً وكذلك نجزي المحسنين((48)، تؤكد أنه كان نبياً، ولا سيما أنها وردت قبل الآيات التي تدلّ على حدوث المراودة(49).
ثم إن هذه المسألة لا تتعلق بأمر، يمكن للأنبياء أن يقعوا في أمثاله، فنتساهل في ما ذهبوا إليه، فالعين فيه قد تكون زانية، فكيف بمن يُتبع ذلك أفعالاً معينة، إذ إن كل ما يسبق الفعل يُعدُّ هماً، فيتساوى بذلك مع السوء، إذ كل ما يسبق الفاحشة سوء، وكل ما يسبق الزنى همٌّ به، فإذا كان الزنى فاحشة؛ فإن الهمَّ به سوء، وهذا من الأمور التي يكون فيها الأنبياء أبعد ما يكونون عنها(50).
الثاني عشر: قوله تعالى على لسان يوسف عليه السلام: (قال معاذ الله((51) بعد قوله تعالى على لسان امرأة العزيز: (وقالت هيت لك( مباشرة دون أي انقطاع أو انفصال دليلٌ على أنه عليه السلام لم يغفل عن ربّه، ولم يستسلم لنفسه فيما يمليه منظر امرأة العزيز، إذ لا مدَّة تفصل بين الأمرين، حتى يكون ثمة همٌّ منه، وإن كانت يسيرة.
الثالث عشر: أمّا جواب "لولا" في هذه الآية فمُختلفٌ فيه، وهذا البحث بما أورده من أدلة سابقة تنفي الهمَّ عنه عليه السلام، يؤكد أن جوابها إما تقدّم عليها، أو يُقدّر من نفس الكلام الذي تقدمها، إذا منع عن ذلك مانع صناعي، ولا سيما أن البرهان منع يوسف عليه السلام عن الهمِّ، وليس من فعل الفاحشة، لأن البرهان قد يمنع الإنسان المؤمن عن فعل مثل هذه الفاحشة، لا من الهمّ بها، وهذه ميزة يوسف عليه السلام من غيره، إذ إن عظمة الموقف في القصة أنه امتنع من الهمّ، وأما الامتناع من الفاحشة نفسها بسبب البرهان؛ فليس فهي ما يدعو إلى الإعجاب به عليه السلام.
انقسم النحويون في هذه المسألة بين مجيز تقديم جواب "لولا" عليها، وهم قلة، وبين غير مجيز، وهم كثرة. وقد بسط الطبري الأمرين في تفسيره بقوله: "وقال آخرون منهم: معنى الكلام:(ولقد همت به(، فتناهى الخبر عنها، ثم ابتدئ الخبر عن يوسف، فقيل: "وهم بها يوسف لولا أن أرى برهان ربه"، كأنهم وجهوا معنى الكلام إلى أن يوسف لم يهمَّ بها، وأن الله إنما أخبر أن يوسف لولا رؤيته برهان ربه لهمَّ بها، ولكنه رأى برهان ربه فلم يهمَّ بها، كما قيل: (ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتَّبعتم الشيطان إلا قليلا(.
ويفسد هذين القولين أنَّ العرب لا تقدِّم جواب "لولا" قبلها، لا تقول: "لقد قمت لولا زيد"، وهي تريد: "لولا زيد لقد قمت"، هذا مع خلافهما جميع أهل العلم بتأويل القرآن الذين عنهم يؤخذ تأويله. وقال آخرون منهم: بل قد همّت المرأة بيوسف، وهمّ يوسف بالمرأة، غير أن همَّهما كان تمثيلاً منهما بين الفعل والترك، لا عزماً ولا إرادة. قالوا: ولا حرج في حديث النفس ولا في ذكر القلب إذا لم يكن معهما عزمٌ ولا فعل"(52).
قال البغوي: "وزعم بعض المتأخرين: أن هذا لا يليق بحال الأنبياء عليهم السلام، وقال: تمَّ الكلام عند قوله: (ولقد همّت به(، ثم ابتدأ الخبر عن يوسف عليه السلام، فقال: (وهمَّ بِها لولا أن رأى برهان ربِّه( على التقديم والتأخير، أي: لولا أن رأى برهان ربه لهمَّ بها، ولكنه رأى البرهان فلم يهم.
وأنكره النحاة وقالوا: إن العرب لا تُؤخّر "لولا" عن الفعل، فلا تقول: "لقد قمتُ لولا زيد"، وهو يريد: لولا زيد لقمتُ"(53). وقال الزجاج: "وليس في الكلام بكثير أن تقول: "ضربتك لولا زيد"، ولا "هممت بك لولا زيد"، إنما الكلام: "لولا زيد لهممت بك"، و"لولا" تجاب باللام، فلو كان: "ولقد همّت به ولهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه"؛ لكان يجوز على بعد(54). وقال النحاس: "وزعم الخليل أن "قد" للتوقع، و"همّ بها" قد ذكرنا معناه(55)، وأنّ قوماً قالوا هو على التقديم والتأخير. وهذا القول عندي محال، ولا يجوز في اللغة ولا في كلام من كلام العرب، لا يقال "قام فلان إن شاء الله"، ولا "قام فلان لولا فلان"(56).
قال الزمخشري: "فإن قلت: قوله: (وهمّ بها( داخل تحت حكم القسم في قوله: "ولقد همّت به(، أم هو خارج منه، قلت: الأمران جائزان، ومن حقّ القارئ إذا قدّر خروجه من حكم القسم وجعْله كلاماً برأسه أن يقف على قوله: (ولقد همّت به(، ويبتدئ قوله: (وهمَّ بها لولا أن رأى برهان ربِّه("(57).
قال أبو البركات ابن الأنباري: "لولا" حرف، يمتنع له الشيء لوجود غيره، و"أن رأى" في موضع رفع، لأنه مبتدأ، ولا يجوز إظهار خبره بعد "لولا" لطول الكلام بجوابها، وقد حُذف خبر المبتدأ ههنا والجواب معاً، والتقدير: لولا رؤية برهان ربّه موجودةٌ لهمّ بها، ولا يجوز أن يكون
(وهمّ بها( جواب (لولا(، لأن جواب "لولا" لا يتقدم عليه"(58).
وقال العكبري: "قوله تعالى: (لولا أن رأى( جواب (لولا( محذوف، تقديره: لهمَّ بها، والوقف على هذا: (ولقد همت به(، والمعنى: أنه لم يهمَّ بها. وقيل التقدير: لولا أن رأى البرهان لواقع المعصية"(59).
ويلاحظ أن الأمر محصور في جواز أن يكون جوابها متقدماً عليها، أو في عدم ذلك، ومن لا يجيز منهم جعل الجواب متقدماً، قدَّره بـ "لهمّ بها"(60)، فالاتفاق بين هؤلاء على معنى الجواب، والخلاف في كونه متقدماً، أو مقدَّراً. قال الزركشي: "وقد قيل في قوله تعالى: (وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربّه(، لهمّ بها، لكنه امتنع همُّه بها لوجود رؤية برهان ربّه، فلم يحصل منه همّ البتة، كقولك: لولا زيد لأكرمتك؛ المعنى أن الإكرام ممتنع لوجود زيد، وبه يتخلَّص من الإشكال الذي يورد، وهو: كيف يليق بهم الهمّ؟"(61).
غير أنهم لا يجيزون تقديم الشرط على الجواب لافتقار ذلك لعلة الجزم(62)، فهل يجري ذلك على "لولا"، ولا سيما أنها غير جازمة. قال ابن جني في الخصائص: "ولا يجوز تقديم الجواب على المجاب، شرطاً كان أو قسماً أو غيرهما، ألا تراك لا تقول: "أقم إن تقم"، فأما قولك: "أقوم إن قمت"، فإن قولك: "أقوم" ليس جواب شرط، ولكنه دالّ على الجواب، أي: إن قمت قمت، ودلت "أقوم" على "قمت".
ومثله "أنت ظالم إن فعلت"، أي: إن فعلت ظلمت، فحذفت "ظلمت"، ودل قولك: "أنت ظالم" عليه"(63). وقال في سرِّ صناعة الإعراب: "ولا تدخل اللام في جواب "لو ولولا" إلا على الماضي دون المستقبل، وكان أبو عبي قد قال لي قديماً: إن اللام في جواب "لولا" زائدة مؤكدة، واستدلَّ على ذلك بجواز سقوطها"(64).
قال الزمخشري: "فإن قلت: لِمَ جعلت جواب لولا محذوفاً، يدلّ عليه "همّ بها"، وهلا جعلته هو الجواب مقدماً؟ قلت: لأن "لولا" لا يتقدّم عليها جوابها من قبل أنه في حكم الشرط، وللشرط صدر الكلام، وهو مع ما في حيّزه من الجملتين مثل كلمة واحدة، ولا يجوز تقديم بعض الكلمة على بعض، وأمّا حذف بعضها إذا دلّ الدليل عليه فجائز"(65).
وكلام أبي عبيدة لأبي حاتم في قوله تعالى: (ولقد همّت به وهمّ بها(: "هذا على التقديم والتأخير، كأنه أراد: ولقد همَّت به ولولا أن رأى برهان ربِّه لهمَّ بها" نصٌّ على جواز التقديم والتأخير، وإن كان كلامه، لا يبطل أن يكون الجواب مقدّراً من جنس ما تقدَّمها. ولا سيما أن الكوفيين أجازوا تقديم جواب الشرط(66)، وكذا بعض البصريين، ومنهم أبو زيد الأنصاري، والمبرد(67).
قال أبو حيان: "لم يقع منه عليه السلام هم بها البتة(68)، بل هو منفي لوجود رؤية البرهان كما تقول: "قارفت الذنب لولا أن عصمك الله تعالى"، ولا نقول:
إن جواب "لولا" متقدِّم عليها، وإن كان لا يقوم دليل على امتناع ذلك، بل صريح أدوات الشرط العاملة مختلف في جواز تقديم أجوبتها عليها، وقد استدل من ذهب إلى الجواز بوجوده في لسان العرب، فقد قال سبحانه: (إن كادت لتبدي بِهِ لولا أَن ربطنا على قلبها((69)، فقوله سبحانه: (إن كادت( إما أن يكون هو الجواب على ما ذهب إليه ذلك القائل، وإما أن يكون دليل الجواب على ما قررناه"(70).
على أن حذف جواب لولا في كلامهم كثير(71)، وفي القرآن الكريم جملة منه، قال أبو البركات ابن الأنباري: "وقد حذف الجواب في كتاب الله تعالى وكلام العرب كثيراً... قال تعالى: (ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رؤوف رحيم((72)، فحذف جواب لولا، والتقدير فيه: ولولا فضل الله عليكم ورحمته لفضحكم بما ترتكبون من الفاحشة، ولعاجلكم بالعقوبة"(73). وهذا الحذف الكثير يدلُّ على أنّ ما تقدّم "لولا" أغنى عن ذكر جوابها، وأن تقدُّم ما يدلُّ على الجواب يبلغ حدَّ القياس، فإذا كان ما تقدَّمها لا يدلُّ دلالة واضحة على جوابها؛ فإنّ التقدير يُستخلص من شرطها نفسه، كما هو ظاهر في الآية السابقة.
وفي المسألة ثلاثة أوجه: أن يكون الجواب مقدراً من نفس ما تقدمها، وهو أقواها، أو أن يكون متقدماً عليها، فيكون الأمر قائماً على التقديم والتأخير، ويكون الوقف على قوله تعالى: (ولقد همّت به(، أو أن يكون الجواب محذوفاً، وتقديره: لولا أن رأى برهان ربّه لارتكب الفاحشة، والعياذ بالله، وهو أضعفها.
وقد تتبعت هذا الأسلوب في القرآن الكريم، فوجدت أنّ المواضع التي ذُكر فيها الجواب، جاءت "لولا" فيها مقترنة بالواو على الأغلب، وأن التي لم يُذكر فيها الجواب ولم يتقدّمها ما يدلّ عليه، جاءت فيها "لولا" مقترنة بالواو أيضاً، وأن التي لم يُذكر فيها الجواب، وقد تقدمها ما يدلّ عليه، جاءت فيها "لولا" خلواً من الواو.
فأمّا التي ذُكر فيها الجواب، وكانت مقترنة بالواو؛ فنحو قوله تعالى: (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين((74)، وقوله تعالى: (ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتّبعتم الشيطان إلا قليلاً((75)
وقوله تعالى: (ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمّت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء((76)، ومثل هذا كثير في القرآن الكريم(77).
وأمّا التي لم يُذكر فيها الجواب، ولم يتقدم عليها ما يدل عليه، وكانت "لولا" فيها مقترنة بالواو أيضاً؛ فنحو قوله تعالى: (ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم((78)، وقوله تعالى: (ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رؤوف رحيم((79)، ومثل هذا أقلّ مما سبق(80).
وأمّا التي لم يُذكر فيها الجواب، وقد تقدّمها ما يدلّ عليه، وجاءت فيها "لولا" خلواً من الواو؛ فنحو قوله تعالى: (وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله((81)، وقوله تعالى: (ولما فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف لولا أن تُفنّدون((82)، وقوله تعالى: (إن كاد ليُضلّنا عن آلهتنا لولا أن صبرْنا عليها وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضلّ سبيلا((83)، ومثل هذا يكاد يكون كثيراً في القرآن الكريم(84). ولا شاهد في "لولا" إذا جاءت خلواً من الواو، وكان جوابها مذكوراً، كقوله تعالى: (لولا كتاب من الله سبق لمسّكم فيما أخذتم عذاب عظيم((85)، وقوله تعالى: (لولا أن منَّ الله علينا لخسف بنا ويكأنّه لا يفلح الظالمون((86).
فالملاحظ في هذا أن "لولا" جاءت غير مقترنة بالواو في المواضع التي تقدّم فيها جوابها عليها، وأنها تأتي مقترنة بالواو في المواضع التي لا يتقدم فيها جوابها عليها. وهذا هو الشاهد مما سبق، إذ يدلُّ ذلك على أن جواب لولا في قوله تعالى: (ولقد همّت به وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربّه( متقدِّمٌ عليها، ولو كان غير ذلك؛ لجاءت مقترنة بالواو، أي: "ولولا أن رأى برهان ربه"، لأن هذا هو نمط هذا الأسلوب في القرآن الكريم، كما دلّ على ذلك ما تقدّم من الآيات الكريمة. والله أعلم.
وفي هذا السياق قال الشيخ محمد رشيد رضا: "لو أن ذلك وقع لكان الواجب في التعبير عنه أن يقال: "ولقد همّ بها وهمّت به"، لأنّ الأوّل هو المقدَّم بالطبع والوضع، وهو الهمّ الحقيقي، والهمّ الثاني متوقِّف عليها، لا يتحقَّق بدونه"(87),
وخلاصة ما تقدّم قولُ الفخر الرازي: "إنّ يوسف عليه السلام قد شهد الله تعالى ببراءته بقوله تعالى: (إنه من عبادنا المخلصين((88)، وشهد الشيطان ببراءته بقوله: (فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين((89)، وشهد ببراءته الشاهد من أهل امرأة العزيز إذ قال: (إن كان قميصه قدّ من قبل فصدقت وهو من الكاذبين، وإن كان قميصه قدّ من دبر فكذبت وهو من الصادقين، فلما رأى قميصه قدّ من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم، يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين((90)، وشهد ببراءته النسوة اللائي قطعن أيدهن بقولهن: (ما علمنا عليه من سوء(، وشهدت ببراءته زوجة العزيز بقولها: (الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين(، فالذي يريد أن يتهم يوسف بالهمّ عليه أن يختار أن يكون من حزب الله أو حزب الشيطان، وكلاهما شهد ببراءة يوسف، فلا مفرّ له من الإقرار بالحق على أي حال، وهو براءة سوف من الهمّ بها"(91).
على أنه ثمة من يذهب إلى غير هذا، ولديه ما يقوله في هذا الأمر، ولعلّ أثر اللغة كان واضحاً في أن الهمَّ لم يقع منه عليه السلام، وقد ظهر ذلك بما تقدّم من أدلة لغوية وأخرى أسلوبية تقطع بذلك، فإذا أضفنا إليها ما ذُكر في البحث من أدلة أخرى، تتعلَّق بالتفسير؛ كان الأمر ـ والله أعلم ـ في غاية الوضوح.
ثبت المصادر والمراجع
ـ القرآن الكريم.
ـ الإتقان في علوم القرآن للسيوطي، تقديم وتعليق د. مصطفى ديب البغا، دار ابن كثير، دمشق، ط 1، 1987.
ـ أساس البلاغة للزمخشري، تحقيق عبد الرحيم محمود، دار المعرفة، بيروت.
ـ إعجاز القرآن والبلاغة النبوية للرافعي، دار الكتاب العربي، بيروت، 1990.
ـ إعراب القرآن للنحاس، تحقيق زهير غازي زاهد، عالم الكتب، ط 3، 1988.
ـ البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي، مطبعة السعادة، مصر، ط 1.
ـ البرهان في علوم القرآن للزركشي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، مكتبة دار التراث، القاهرة.
ـ البيان في غريب إعراب القرآن لأبي البركات ابن الأنباري، تحيق د. طه عبد الحمد طه، الهيئة المصرية العامة، 1970.
ـ تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة، شرحه السيد أحمد صقر، دار التراث، القاهرة، ط 2، 1973.
ـ التبيان في إعراب القرآن للعكبري، (إملاء ما منَّ به الرحمن)، تحقيق علي محمد البجاوي، دار إحياء الكتب العربية.
ـ تفسير البغوي، (معالم التنزيل في التفسير والتأويل)، دار الفكر، بيروت، 1985.
ـ تفسير الطبري (جامع البيان في تأويل القرآن)، دار الفكر، بيروت، 1405 هـ.
ـ تفسير الفخر الرازي (التفسير الكبير ومفاتيح الغيب)، دار الفكر، بيروت، 1990.
ـ تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن)، تحقيق الدكتور محمد إبراهيم الحفناوي، والدكتور محمد حامد عثمان، دار الحديث، القاهرة.
ـ تفسير ابن كثير (تفسير القرآن العظيم)، دار الفكر، بيروت، 1401 هـ.
ـ تفسير المراغي، تأليف الأستاذ الكبير أحمد مصطفى المراغي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط 3، 1974.
ـ تفسير المنار، تأليف الشيخ محمد رشيد رضا، دار المعرفة، بيروت، ط 2.
ـ التفسير المنير للدكتور وهبة الزحيلي، دار الفكر، دمشق، ط 1، 1991.
ـ تفسير النسفي، دار الكتاب العربي، بيروت، 1982.
ـ جامع العلوم والحكم لأبي الفرج عبد الرحمن بن أحمد الحنبلي البغدادي، دار المعرفة، بيروت، ط 1، 1408هـ.
ـ الجواهر في تفسير القرآن العظيم، تأليف الشيخ طنطاوي جوهري، دار الفكر.
ـ الخصائص لابن جني، تحقيق محمد علي النجار، دار عالم الكتب، بيروت.
ـ دراسات لأسلوب القرآن الكريم، تأليف محمد عبد الخالق عضيمة، دار الحديث، القاهرة.
ـ الدُّر المنثور في التفسير المأثور للسيوطي، دار الفكر، ط 1، 1983.
ـ روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، محمود أبو الفضل الألوسي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
ـ زاد المسير في علم التفسير للإمام ابن الجوزي، تحقيق محمد بن عبد الرحمن عبد الله، دار الفكر، بيروت، ط 1، 1987.
ـ سر صناعة الإعراب لابن جني، تحقيق حسن هنداوي، دار القلم، دمشق، ط 1، 1985.
ـ شرح ابن عقيل، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
ـ شرح مجموعة الشافية من علمي الصرف والخط للجاربردي، مكتبة المتنبي، القاهرة، 1988.
ـ شرح المفصل لابن يعيش، مكتبة المتنبي، القاهرة.
ـ فتح الرحمن بكشف ما يُلتبس في القرآن، زكريا الأنصاري، تحقيق بهاء الدين عبد الموحود محمد، دار الكتاب الجامعين القاهرة.
ـ فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، ط 2، 1964م.
ـ في ظلال القرآن لسيد قطب، دار الشروق.
ـ القراءات العشر المتواترة، محمد كريم راجح، دار المهاجر، المدينة المنورة.
ـ الكتاب، سيبويه، تحقيق عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1992.
ـ الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل للزمخشري، رتّبه وضبطه وصحّحه مصطفى حسن أحمد، دار الريان للتراث، القاهرة، ط 3، 1987.
ـ اللباب في علل البناء والإعراب للعكبري، تحقيق غازي طليمات، دار الفكر، دمشق، ط 1، 1995.
ـ مباحث في علوم القرآن، الدكتور صبحي الصالح، دار العلم للملايين، ط 16، 1985.
ـ المعاني الثانية في الأسلوب القرآنّي للدكتور فتحي أحمد عامر، منشأة المعارف، الإسكندرية.
ـ معاني القرآن للأخفش، تحقيق عبد الأمير محمد أمين الورد، عالم الكتب، ط 1، 1985.
ـ معاني القرآن للفراء، تحقيق محمد علي النجار، الدار المصرية للتأليف والترجمة.
ـ معاني القرآن للنحاس، تحقيق محمد علي الصابوني، مركز إحياء التراث الإسلامي، مكة المكرمة.
ـ معاني القرآن وإعرابه المنسوب إلى الزجاج، تحقيق عبد الجليل شلبي، دار الحديث، القاهرة، ط 1، 1994.
ـ مغني اللبيب عن كتب الأعاريب لابن هشام، خرج آياته وعلق عليه أبو عبد الله علي عاشور الجنوبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط 1، 2001.
ـ المقتضب للمبرد، تحقيق محمد عبد الخالق عضيمة، عالم الكتب، بيروت.
ـ مناهج في تحليل النظم القرآني للدكتور منير سلطان، منشأة المعارف، الإسكندرية.
ـ مناهل العرفان في علوم القرآن، محمد عبد العظيم الزرقاني، دار إحياء الكتب العربية.
ـ من بلاغة القرآن الكريم في سورة يوسف عليه السلام للدكتور فتحي عبد القادر فريد، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، ط 1، 1985.
ـ النشر في القراءات العشر للجزري، أشرف على تصحيحه علي محمد الضباع، دار الكتب العلمية، بيروت.
(1) كاتب سوري، جامعة دمشق.
(2) سورة يوسف، الآيتان 1و 2.
(3) إعجاز القرآن والبلاغة النبوية ص 48.
(4) مناهج في تحليل النظم القرآني، ص 62 ـ 63.
(5) مباحث في علوم القرآن ص 299، وانظر البرهان في علوم القرآن للزركشي 3/175.
(6) سورة يوسف، الآية 24.
(7) اللسان، "همم".
(8) سورة التوبة، الآية 74.
(9) سورة الأحزاب، الآية 25.
(10) انظر مفردات القرآن "همم".
(11) سورة آل عمران، الآيتان 121 و122.
(12) سورة آل عمران، الآية 154.
(13) سورة النساء، الآية 113.
(14) سورة غافر، الآية 5.
(15) تفسير المنار 12/285.
(16) المعاني الثانية في الأسلوب القرآني، ص 25.
(17) زاد المسير في علوم التفسير 4/156 ـ 157 وانظر بقية الأقوال ثمة.
(18) اللسان، "همم". وانظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 5/151.
(19) في قوله تعالى: (قال ما خطبكنّ إذ راودتنّ يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحقّ أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين(. سورة يوسف، الآية 51.
(20) سورة يوسف، الآية 78.
(21) في قوله تعالى: (وقال للذي ظنّ أنه ناجٍ منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن سنين(، سورة يوسف، الآية 42.
(22) سورة يوسف، الآية 51.
(23) في قوله تعالى: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين(، سورة يوسف، الآية 52.
(24) تفسير المراغي 12/158 ـ 159.
(25) تتمتها (فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين( سورة يوسف، الآية 54.
(26) سورة يوسف، الآية 7.
(27) (واستبقا الباب وقدّت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً إلا أن يسجن أن عذاب أليم(، سورة يوسف، الآية 25.
(28) (قالت فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونن من الصاغرين(، سورة يوسف، الآية 32.
(29) في اللسان "عصم" قوله: فاستعصم: أي تأبى عليها، ولم يجبها إلى ما طلبت". وقوله: "العصمة في كلام العرب: المنع، وعصمة الله عبدَه: أن يعصمه مما يُوبِقه، عصمه يعصِمه عصماً: منعه ووقاه".
(30) انظر تفسير النسفي 2/217.
(31) في قوله تعالى: (وراودته التي هي في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون(، سورة يوسف، الآية 23.
(32) فتح القدير 3/16.
(33) تفسير الطبري 12/185.
(34) تفسير المنار 12/284، وردّ هذا الرأي سيد قطب في ظلال القرآن 4/1981، وذهب ثمة إلى أن الهمّ وقع من يوسف على سبيل ميل النفس وخطرات القلب.
(35) (قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين(، سورة يوسف، الآية 17.
(36) سورة البقرة، الآية 148.
(37) اللسان "سبق".
(38) انظر شرح مجموعة الشافية من علمي الصرف والخط 1/25، وشرح ابن عقيل 2/602.
(39) في قوله تعالى: (قال رب السجن أحب إليّ مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلي(، سورة يوسف، الآية 33.
(40) (ولقد همّت به وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين(، سورة يوسف، الآية 24.
(41) تفسير ابن كثير 2/476، وانظر جامع العلوم والحكم لأبي الفرج البغدادي 1/188.
(42) أساس البلاغة، "سوأ"..
(43) ويعقوب أيضاً، النشر في القراءات للجزري 2/295، وانظر القراءات العشر المتواترة لمحمد كريم راجح.
(44) تفسير القرطبي 5/155.
(45) انظر الدر المنثور في التفسير المأثور للسيوطي 4/521، قال الشيخ طنطاوي جوهري: "وفي التعبير بلفظ الربّ نكتة لطيفة، وأي برهان أعظم من هذه الفضيلة، وهي أن الإنسان يجب أن يحفظ نعمة المربّي والسيد، سواء أكان خالقاً أم مخلوقاً، فهذا هو البرهان، وهذه صورته هذا ربي أحسن مثواي، وكل من أحسن إلى إنسان وجب عليه تكبيره، فتكون النتيجة هكذا،: هذا العزيز يجب شكر نعمته ولا شكر لمن خان سيده، فهذا برهان منطقي ديني حسن، فالبرهان في الآية مذكور، فكيف كثر فيه الاختلاف، ولا حاجة إلى الإطالة في هذا المقام". الجواهر في تفسير القرآن العظيم 7/36.
(46) سورة يوسف، الآية 6.
(47) سورة يوسف، الآية 21.
(48) سورة يوسف، الآية 22.
(49) سورة يوسف، الآية 22.
(50) سورة يوسف، الآية 22.
(51) في قوله تعالى: (وراودته التي هي في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون(، سورة يوسف، الآية 23.
(52) تفسير الطبري 12/185.
(53) تفسير البغوي 4/228، وانظر روح المعاني 12/213.
(54) سورة يوسف، الآية 22.
(55) يوسف يوسف، الآية 22.
(56) سورة يوسف، الآية 22.
(57) الكشاف 2/456.
(58) البيان في غريب إعراب القرآن 2/38، وانظر شرح المفصل لابن يعيش 8/145 ـ 146، وشرح ابن عقيل 2/393.
(59) التبيان في إعراب القرآن 2/51.
(60) سورة يوسف، الآية 22.
(61) البرهان في علوم القرآن 4/377.
(62) انظر سيبويه 3/62 ـ 63، وانظر اللباب في علل البناء والإعراب 1/145.
(63) الخصائص 2/387 ـ 388.
(64) سر صناعة الإعراب 1/395.
(65) الكشاف 2/456.
(66) سورة يوسف، الآية 22.
(67) سورة يوسف، الآية 22.
(68) وقد نفى الدكتور وهبة الزحيلي في التفسير المنير 12/242 وقوع الهمّ، وارتضى حذف الجواب المدلول عليه بما تقدّم.
(69) سورة القصص، الآية 10.
(70) البحر المحيط 5/294 ـ 295.
(71) سورة يوسف، الآية 22.
(72) سورة النور، الآية 20، وفيها قوله تعالى: (ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم(، الآية 10، وقدّر ابن هشام الجواب بقوله: "لهلكتم". مغني اللبيب 2/273.
(73) الإنصاف في مسائل الخلاف 2/460 ـ 461.
(74) سورة البقرة، الآية 251.
(75) سورة النساء، الآية 83.
(76) سورة النساء، الآية 113.
(77) من ذلك: سورة يونس، الآية 19، وسورة هود، الآيتان 91 و110، وسورة الإسراء، الآية 74، وسورة طه، الآية 129، وسورة الحج، الآية 40، وسورة النور، الآيتان 14 و21، وسورة العنكبوت، الآية 53، وسورة سبأ، الآية 31، وسورة الصافات، الآيتان 57 و143، وسورة فصلت،الآية 45، وسورة الشورى، الآيتان 14 و21، وسورة الزخرف، الآية 33، وسورة الفتح، الآية 25، وسورة الحشر، الآية 3، وسورة القلم، الآية 49.
(78) سورة النور، الآية 10.
(79) سورة النور، الآية 20.
(80) من ذلك: سورة القصص، الآية 47.
(81) سورة الأعراف، الآية 43.
(82) سورة يوسف، الآية 94.
(83) سورة الفرقان، الآية 42.
(84) من ذلك: سورة الفرقان، الآية 77، وسورة القصص، الآية 10.
(85) سورة الأنفال، الآية 68.
(86) سورة القصص، الآية 82.
(87) تفسير المنار 12/285.
(88) سورة يوسف، الآية 24.
(89) سورة ص،الآيتان 82، 83.
(90) سورة يوسف، الآيات 26، 27، 28، 29.
(91) تفسير الفخر الرازي 18/165، وانظر "من بلاغة القرآن الكريم في سورة يوسف عليه السلام" للدكتور فتحي عبد القادر فريد، ص 79 ـ 80.
-------------------------
مجلة التراث العربي - العدد 105 - السنة السابعة والعشرون - كانون الثاني 2007 - المحرم 1428 .
قال الله تعالى في مطلع سورة يوسف عليه السلام: (ألر تلك آيات الكتاب المبين، إنَّا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون((2)، وفي ذلك إشارة ظاهرة إلى أهمية تفسير ما في هذه السورة من مواضع خلافية بأدوات لغوية، والنظر فيها بمنظور لغوي سليم، إذ يحتاج بعضها إلى جهد كبير لمعرفة المقصود من ذلك، والوجهِ المراد من هذا الأسلوب الدلالي الذي يُظهر وجهاً من وجوه الإعجاز البياني للقرآن الكريم.
قال مصطفى صادق الرافعي: "ومن أعجب ما رأينا في إعجاز القرآن وإحكام نظمه، أنك تحسب ألفاظه هي التي تنقاد لمعانيه، ثم تتعرّف ذلك وتتغلغل فيه فتنتهي إلى أنّ معانيه منقادة لألفاظه، ثم تحسب العكس، وتتعرفه متثبّتاً، فتصير منه إلى عكس ما حسبت، وما إن تزال متردداً على منازعة الجهتين كلتيهما، حتى تردّه إلى الله الذي خلق في العرب فطرة اللغة، ثم أخرج من هذه اللغة ما أعجز تلك الفطرة.لأن ذلك التوالي بين الألفاظ ومعانيها، وبين المعاني وألفاظها، مما لا يعرف إلا في الصفات الروحية العالية، إذ تتجاذب روحان، قد ألفت بينهما حكمة الله، فركّبتهما تركيباً مزجياً بحيث لا يجري حكم في هذا التجاذب على إحداهما حتى يشملها جميعاً"(3).
وبدهيٌ أن يتساءل الباحث عن سبب مطلع هذه السورة بهاتين الآيتين الكريمتين، ولو لم يكن لورودهما في هذا الموضع من السورة أولاً، ومن القرآن الكريم ثانياً قصدٌ معيّن؛ لما بُدئ بهما في هذه السورة ذات المدلول السياقي اللغوي الواضح، وهذا أمر مهمٌّ من حيث الدلالة الرمزية الموحية إلى أثر اللغة فيما يمكن كشفه في الآيات التي تحتمل غير وجه أو رأي.
قال الدكتور منير سلطان: "وإثبات خروج النظم القرآني عن المعهود من كلام العرب، لا يتأتَّى بالموازنة، وإنما بالكشف عن الإعجاز الذي تحقق في جعل أداة التعبير عن الذات البشرية صالحة للتعبير عن الذات الإلهية وحكمة الربوبية في جعلها تخرج من الخصوص إلى العموم، من المحدود إلى المطلق، منفكّة من قيود الزمان والمكان، وتذبذب العواطف، وشطط الخيال وغلبة الأحلام، وسخف الأوهام"(4).
وليس من أغراض هذا البحث الإحاطة بالقصة بتمامها، بل الإلمام ببعض جوانبها ذات الدلالة الأسلوبية اللغوية المتباينة والتأثير المراد في جوهر اختلافات المفسرين، بقصد تبيان الدليل اللغوي على براءته عليه السلام ممَّا اتُّهم به، ولا سيما أن بعضهم يرى أن نسبة الهمّ إلى يوسف بما يعنيه الهمّ في السياق ذاته، لا تسيء إليه، بل ترفع من شأنه، لأن وقوع الهمّ منه في النيّة ثم العودة عن فعل الفاحشة ذو أثر إيجابي أكثر منه من عدم وقوعه. ولهذا محذور، إذ إن تحرُّك الطبيعة البشرية لا يكون إلا بعد مراحل معينة، أهمُّها النظر العميق الواعي والتفكير به، وهو مما لا يليق بنبيّ معصوم.
وقد حاول هذا البحث أن يفيد مما ورد من آيات كريمة في السورة ذاتها، يدلُّ بعضها على ما ذهب إليه في بعض المواضع، ويشير بعضها الآخر إلى توضيح مراد في سياقه، قال الدكتور صبحي الصالح: "القرآن يفسر بعضه بعضاً"، يردد المفسرون هذه العبارة كلما وجدوا أنفسهم أمام آية قرآنية، تزداد دلالتها وضوحاً بمقارنتها بآية أخرى، وإن لهم أن ينهجوا في تأويل القرآن هذا المنهج، لأن دلالة القرآن تمتاز بالدقة والإحاطة والشمول، فقلما نجد فيه عاماً أو مطلقاً أو مجملاً ينبغي أن يخصص أو يقيد أو يفصل، إلا تمَّ له في موضع آخر ما ينبغي له من تخصيص أو تقييد أو تفصيل"(5).
انقسم السلف من العلماء الناظرين في قوله تعالى: (ولقد همّت به وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه((6)، إلى فريقين: الأول يقرُّ بوقوع الهمّ في نفس يوسف عليه السلام، والثاني لا يقرُّ بذلك، وكذا فعل المحدثون منهم. فما معنى الهمّ؟ وأين محلّه؟ أَلَه تأثير يظهر بالأفعال؟ أي هل ينتقل من النفس إلى عمل الجوارح؟ إن هذه الأسئلة وما يقاربها قد تفيد في تبيان حقيقة وقوع الهمّ منه عليه السلام.
ومما مسّت إليه حاجة البحث الاتفاقُ على معرفة معنى الهمِّ كما ورد في اللغة والقرآن الكريم قبل الخوض فيما قاله الآخرون، لأن ذلك قد يدفع عدداً من الآراء في هذه المسألة. جاء في اللسان قولـه: "وهمَّ بالشيء يهمُّ همَّاً: نواه وأراده وعزم عليه"، وقوله: "والهمُّ: ما همَّ به في نفسه، تقول: أهمني الأمر. والهَمَّة والهِمَّة: ما همَّ به من أمر ليفعله"(7).
وهذا القول ظاهر في وضوح النية والعزم على الفعل في نفس الهامّ بالشيء، ومحلّ ذلك النفْس، لكنّ الهمّ لا يتوقف أثره في النفس فحسب، بل يتعدّى ذلك إلى عمل ما، ففي قوله تعالى: (وهمّوا بما لم ينالوا((8) دلالة واضحة على أن النيّة بفعل شيء لا ترقى إلى الهمّ به، لأن الهمّ بالشيء أعمّ من نيّته، إذ إن الهمّ يشمل النيّة بالإضافة إلى عمل ما يقوم به صاحبه، وهذا ما فعله الذين عزموا على اغتيال سيّدنا محمد (، لكنّ الله جعل كيدهم في نحورهم، غير أن فعلهم لم يتوقف عند حدود النيّة فحسب، بل تجاوز ذلك إلى القيام ببعض الأعمال التي من شأنها أن تؤدي إلى قتله عليه الصلاة والسلام: (وردّ الله الذين كفروا بغيظهم، لم ينالوا خيراً((9).
وقد ورد هذا الفعل في مواضع من القرآن الكريم(10)، تدلُّ على ما ذهبنا إليه، وذلك نحو قوله تعالى: (وإذ غدوت من أهلك تبوّئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم، إذ همّت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليّهما وعلى الله فليتوكل المتوكلون((11)، وقوله تعالى: (ثم أنزل عليكم من بعد الغمّ أمنة نعاساً يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحقّ ظنّ الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شيء قل إن الأمر كلّه لله يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قُتلنا ههنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كُتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحّص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور((12)، وقوله تعالى: (ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمّت طائفة منهم أن يُضلوك وما يُضلون إلا أنفسهم وما يضرّونك من شيء وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلّمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً((13)، وقولـه تعالى: (كذّبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمّت كلّ أمّة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليُدحضوا به الحقّ فأخذتُهم فكيف كان عقاب((14).
فالمقرّ بأن الهمّ وقع من يوسف عليه السلام مُلزمٌ بأن يُقرّ بأنه قام ببعض الأعمال المؤدية إلى فعل الفاحشة، قال الشيخ محمد رشيد رضا: "إن الهم لا يكون إلا بفعل للهامّ"(15)، وهذا مما لا يتناسب مع نبيٍّ كريم للأسباب الآتية:
أولاً: الآيات لا تشير إلى أن يوسف عليه السلام قد تاب ممّا فعل، إن سلّمنا بأنه فعل شيئاً ما، وذلك بما يدلّ عليه معنى الهمّ، يقوّي هذا أن الهمَّ بالمعنى الذي تقدّم متوافقٌ مع ما أقدمت عليه امرأة العزيز.
ثانياً: السياق القرآن يقتضي أن نجعل الهمَّين بمعنى واحد، وأن نقول: إن بين الهمّين فرقاً أمرٌ لا يستقيم مع البيان الإلهي الذي يبلغ من الإعجاز ما لا يُقبل فيه بالتفسير التوفيقي، قال الدكتور فتحي أحمد عامر: "فدلالة الألفاظ على معانيها الظاهرة أمر جليّ في آيات القرآن، لا يحتاج إلى بيان ولا إلى عسر في الفهم، وتعمّل في الفكر، لو كانت المسألة وقوفاً عند المعاني الأولى، أو الدلالات اللغوية، وذلك لا يتناقض بحال مع دلالات أخرى تفهم من النظم، ويوحي بها التركيب"(16).
وليس ثمة ما يدلّ على أن بين الكلمتين فرقاً من حيث المعنى، قال الإمام ابن الجوزي: "واختلفوا في همّه بها على خمسة أقوال: أحدها: أنه كان من جنس همِّها، ولولا أن الله تعالى عصمه الفعل، وإلى هذا المعنى ذهب الحسن، وسعيد بن جبير، والضحاك، والسدي، وهو قول عامة المفسرين المتقدمين، واختاره من المتأخرين جماعة منهم ابن جرير، وابن الأنباري، وقال ابن قتيبة: لا يجوز في اللغة: هممت بفلان وهمّ بي، وأنت تريد اختلاف الهمّين. واحتجّ مَن نصر هذا القول بأنه مذهب الأكثرين من السلف والعلماء الأكابر"(17). والصواب أن يكون المعنى واحداً، ويكون الاجتهاد في معرفة وقوع الهمّ منه أو عدمه.
ثم قال في اللسان: "وسئل ثعلب عن قوله عزّ وجل: (ولقد همّت به وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربّه(؛ قال: همَّت زَليخا بالمعصية مصرّة على ذلك، وهمَّ يوسف عليه السلام بالمعصية، ولم يأتها ولم يصرّ عليها، فبين الهمّتَين فرق. قال أبو حاتم: وقرأت غريب القرآن على أبي عبيدة، فلما أتيت على قوله: (ولقد همّت به وهمّ بها( (الآية)، قال أبو عبيدة: هذا على التقديم والتأخير، كأنه أراد: ولقد همّت به ولولا أن رأى برهان ربِّه لهمَّ بها"(18).
وليس في الآية ما يدلّ على ما ذهب إليه ثعلب، فهو لا يستقيم والمعنى اللغوي للهمّ، ولا يقتضيه السياق القرآني كما تقدّم. وأمّا قول أبي حاتم عن أبي عبيدة؛ ففيه ما ينقض ما أراده ثعلب، وإن كان ثمة كلام عليه سيأتي في موضعه من هذا البحث.
ثالثاً: اشتراط يوسف عليه السلام للخروج من السجن معرفة الحقيقة، وهذا مدعاة إلى أنه بريء كل البرء مما نُسب إليه، لأن من توافرت لديه النيَّة لفعل ذلك الأمر، لا يتَّخذ هذا الموقف، ولا سيما أنه ما اشترط ذلك لتأويل الرؤيا، وإنما اشترطه عندما طلب الملك إخراجه من السجن.
وهذا هو العنصر الجديد في القصة، وهو ظهور الملك في سياق النص، إذ كان الأمر محصوراً ضمن دائرة لم تتجاوز العزيز، وهذا يفسِّر ما حصل في الظرف (الآن( في قوله تعالى على لسان امرأة العزيز: (الآن حصحص الحق((19)، فما الذي وقع أو تغيَّر أو حصل حتى تعترف امرأة العزيز بفعلها؟ ما حصل أن الأمر تجاوز قدرة زوجها وسلطانه، ووصل إلى الملك، وهو ذو السلطان الأعلى، وأمامه لا يقوى الناس إلا على قول الحقيقة. فزوجها هو العزيز، وهو بمنزلة الوزير هذه الأيام، فالملك كان يجهل ما حصل ليوسف عليه السلام إلا بعد أن وصل الأمر إليه، فجمع النسوة، أمَّا العزيز؛ فكان على علم بكلِّ ما جرى ليوسف عليه السلام، ودليل آخر يؤكد أن العزيز لم يكن الملك نفسه كما ذهب إلى ذلك بعضهم ـ هو أن يوسف نفسه عليه السلام أصبح عزيزاً فيما بعد، وهذا ظاهر في قوله تعالى: (قالوا يا أيها العزيز إن له أباً شيخاً كبيراً فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين((20).
وأمَّا قول من قال: إن امرأة العزيز خشيت من النسوة؛ فيُردُّ بأنهن يفتقدن الدليل على ذلك، لأنهن لا يعرفن حقيقة الأمر كما هي، فهن يعرفن ما قالته لهن بسبب لومهن لها، والصواب أن ذكر الملك لم يظهر في القصة إلى أن جمع النسوة وهو الأمر الذي أصر عليه يوسف عليه السلام لإظهار براءته.
وما يقويه أن يوسف نفسه عليه السلام طلب ممن نجا من صاحبيه في السجن أن يذكره عند ربه، فهو يريد أن يوصل أمره إلى الملك، ولما وصل أمرُه حدث ما حدث، غير أنه ما كان يستطيع أن يقرن تأويل حلم الملك بإظهار الحقيقة، لأن خلقه يأبى ذلك أولاً، وهذه ليست بتلك ثانياً، ولا على سياقها، ولمّا طلب الملك الإتيان به؛ اشترط ظهور الحقيقة، وبها تتبيَّن براءته، لأن ذلك علَّةُ ما هو فيه، والبريء ذو الصفات الخاصة لا يجبّ أن يخرج من السجن إلا إذا ثبتت براءته، فهو يريد الخروج المبني على حقّه، لا على عفو الملك أو ما شابهه، ولو قبل بالخروج دون طلبه معرفة الحقيقة؛ لما وصلت قصته إلى الأسماع والأصقاع. وسياقنا هذا يبيّن أن يوسف لمّا طلب من أحد صاحبيه أن يذكره عند ربه، أراد بذلك أن يوصل أمره إلى الملك، وهذا معنى (اذكرني((21)، أي اذكر أمر قصتي وظلمي.
رابعاً: ظهور علم يوسف عليه السلام وأنه رجل صالح، ومثله لا يفعل ما نُسب إليه، وهذا ظهر من سؤال الملك للنسوة في قوله تعالى: (قال ما خطبكنّ إذ راودتنّ يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحقّ أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين((22). واشتراط يوسف عليه السلام للخروج من السجن ظهورَ الحقيقة ـ بالإضافة إلى ما ذُكر سابقاً ـ جعل امرأة العزيز تعلم علم اليقين أن حقيقة الأمر ستظهر، ومكرها سينكشف، وكذبها لن ينفعها، ولذلك أكدت صدقه بـ "إن واللام"، بالإضافة إلى إقرارها بالمراودة بصريح الكلام.
خامساً: الهاء في قوله تعالى على لسان قائلها: (لم أخنه((23) عائدة على يوسف عليه السلام، وأرادت امرأة العزيز أن تقول: لما وصل الأمر إلى خارج استطاعتها وقدرتها، وأصبح يوسف في خطر، أقرت بالصحيح لتنقذه، ففي السابق كانت تحاول أن تجبره على المثول لرغباتها، والآن هي لا تستطيع فعل ذلك، لأنها تخشى عاقبة ذلك لا على نفسها، لأنها امرأة العزيز نفسه، وإنما على يوسف نفسه عليه السلام، فقالت: ليعلم يوسف أنني ما خنته في قول الصحيح في غيابه، إذ أصبح الأمر بين يدي الملك خوفاً عليه، لأنها كانت تستطيع أن لا تقول الحقيقة، إذ لا شيء يجبرها على ذلك، وكانت تظنُّ أنها لو فعلت ذلك لقضت على يوسف بسبب أن أمره أصبح بيد مَن سلطته تفوق سلطتها. وهذا ما يفسر قوله تعالى على لسانها: (لم أخنه بالغيب(.
قال الأستاذ أحمد مصطفى المراغي: "أي ذلك الاعتراف مني بالحقّ له والشهادة بالصدق الذي علمته منه، ليعلم أني لم أخنه بالغيب عنه منذ سُجن إلى الآن، فلم أنَلْ من أمانته، أو أطعن في شرفه وعفّته، بل صرّحت لأولئك النسوة بأني راودته عن نفسه فاستعصم، وهأنذا أقرّ بهذا أمام الملك ورجال دولته، وهو غائب عنا"(24).
وأمّا من قال: إنّه ليوسف عليه السلام يخاطب فيه العزيز؛ فيُردُّ بأن علم العزيز ببراءته حصل مسبقاً عندما شهد الشاهد بذلك، ولا مناسبة أن يقول يوسف للعزيز ذلك في هذا الموقف الذي ظهر فيه الحقُّ للناس، إذ إن العزيز وامرأته نفسيهما يعلمان الحقيقة، وقد اُضطرَّ العزيز إلى سجنه مع معرفته ببراءته، لكيلا يقال عن امرأته ما يمكن قوله.
وما قوله تعالى على لسان الشاهد: (فلما رأى قميصه قدّ من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم، يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين( إلا دليل على ذلك، وهذا مما يبطل معنى (بالغيب( في هذا السياق لو سُلّم بالرأي، لأنّ العزيز كان حاضراً لما تبيَّن الحقّ، وأن (ذلك( تشير إلى ما قامت به امرأة العزيز، وهو الإقرار بالمراودة، وأن الكلام متصل مع الآية قبلها، وهو من مفعول "قالت"، وأن تكون (وما أبرئ نفسي( من كلام امرأة العزيز أشدَّ تعبيراً لحالها وأكثر التصاقاً بواقعها من كونها ليوسف عليه السلام، لأن من يقرّ بالذنب يعلن عدم تبرئة نفسه منه.
ولذلك لا يستقيم أن يوجه يوسف عليه السلام هذا الكلام إلى العزيز، ولا سيما أن قوله تعالى: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين، و ما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم(، يؤكد أن الكلام يستقيم إذا كان لامرأة العزيز، تريد فيه يوسف عليه السلام. وطبيعي أن تطلب المغفرة وأن تطمح برحمته، لأنها المذنبة المتجنية.
ويُضاف إلى ما ذُكر أن يوسف عليه السلام ما زال في سجنه لما قيل هذا الكلام في الجمع أمام الملك بدليل أن قوله تعالى: (وقال الملك ائتوني به استخلصه لنفسي((25) جاء بعد ذلك الكلام مباشرة، وورود قوله تعالى السابق في هذا الموضع، له دلالة خاصة، ويوحي بأن يوسف عليه السلام ما زال في سجنه لما قيل هذا الكلام.
وأما من قال: إنه لامرأة العزيز تعني فيه العزيز نفسه، فهو من الضعف من غير ما وجه، ولا سيما أن يوسف عليه السلام هو جوهر القصة، قال تعالى: (لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين((26)، وعليه تدور أحداثها، وتوجيه الكلام من امرأة العزيز إلى العزيز خروج عن أصل القصة وجوهرها، غير أن امرأته حاولت خيانته باعترافها بمراودة يوسف عليه السلام، ولم تفلح، وهي الآن في معرض قول الحقيقة، والكلام لا يستقيم صناعة، لأن العزيز كان حاضراً بين الجمع، ولم يكن غائباً. ولا مناسبة للالتفات أو غيره هنا.
سادساً: إن تغليق الأبواب باهتمام ـ وهو ما تدلّ عليه صيغة "فعّل" بتشديد العين ـ دليلٌ على خشيتها من هربه، لأنها تمكنت منه بعد محاولات كثيرة، ولا سيما أن الدخول إلى بيت مثلها، يقتضي ترتيباً معيناً، أقلُّه الاستئذان، فهي امرأة عزيز. وقوله تعالى: (واستبقا الباب((27) نصٌّ على صحة ما ذهبنا إليه، فهو يجري إلى الباب طلباً للهرب، وهي تجري إليه طلباً لمنعه.
سابعاً: قوله تعالى على لسان امرأة العزيز: (ولقد راودته عن نفسه فاستعصم((28)، يجعل رأي من سلَّم بأن الهمَّ وقع منه غيرَ مسلَّم به، لأنها في هذا السياق لم تقرّ بالمراودة فقط، بل أقرَّت بأنه استعصم أيضاً، ولأن الاستعصام(29) ينفي عن صاحب الهمّ الذي يرون في وقوعه من الأنبياء أمراً عادياً(30). وكذا قوله تعالى على لسان يوسف عليه السلام: (معاذ الله((31)، وهو وارد في السورة قبل آية الاختلاف.
ثامناً: المراودة عن النفس، تدلُّ على عدم وقوع الهمِّ، لأنه من النفس، والمراودة ثابتة في حصولها من امرأة العزيز في غير ما موضع من السورة، ولا سيما أنها كانت عملاً مكروراً منها. قال الشوكاني: "المراودة: الإرادة والطلب برفق ولين، وقيل: هي مأخوذة من الرود أي: الرفق والتأني، يقال أرودني: أمهلني؛ وقيل: المراودة مأخوذة من راد يرود إذا جاء وذهب. كأن المعنى: أنها فعلت في مراودتها له فعل المخادع، ومنه الرائد لمن يطلب الماء والكلأ، وقد يخص بمحاولة الوقاع، فيقال: راود فلان جاريته عن نفسها وراودته هي عن نفسه: إذا حاول كل واحد منهما الوطء والجماع، وهي مفاعلة، وأصلها أن تكون من الجانبين، فجعل السبب هنا في أحد الجانبين قائماً مقام المسبب، فكان يوسف عليه السلام لما كان ما أعطيه من كمال الخلق والزيادة في الحسن سبباً لمراودة امرأة العزيز له مراود"(32).
تاسعاً: قال الطبري: "وأما آخرون ممن خالفوا أقوال السلف، وتأولوا القرآن بآرائهم؛ فإنهم قالوا في ذلك أقوالاً مختلفة، فقال بعضهم: معناه: ولقد همت المرأة بيوسف، وهم بها يوسف أن يضربها، أو ينالها بمكروه، لهمِّها به مما أرادته من المكروه لولا أن يوسف رأى برهان ربه، وكفَّه ذلك عما همَّ به من أذاها، لا أنها ارتعدت من قِبَل نفسِها، قالوا: والشاهد على صحة ذلك قوله: (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء(، قالوا: فالسوء هو ما كان همَّ به من أذاها، وهو غير الفحشاء"(33).
قال الشيخ محمد رشيد رضا: "أجمع أهل اللغة على أن الهمّ إنما يكون بالأعمال، لا بالشخوص والأعيان، وتحقيق معناه أنه مقاربة فعل تعارض فيه المانع والمتقضي، فلم يقع لرجحان المانع، وهو الموافق لقول علماء الأصول في التعارض الأعمّ، ولكن رجحان المانع هنا قد يكون بإرادة صاحب الهمّ، ومنه همُّ يوسف، وقد يكون من غيرهن ومنه همُّ هذه المرأة، كان همّهما واحداً، وهو البطش بالضرب، أو ما في معناه، وكان المانع منه إرادته هو وعجزها هي بهربه"(34).
وأقول: تفسير الهمّ منها ومنه بعيداً عن الميل العاطفي وأن البرهان منْعُه عن ضربها أو غير ذلك خروجٌ على السياق المراد في القصة، وابتعاد عن جوّ الآيات السابقة واللاحقة، وهروب من الإقرار بوقوع الهمّ العاطفي منه عليه السلام، وعدم الإقرار بوقوع ذلك منه مطلوبٌ في سياق الآيات، لا في الخروج الظاهر على المراد، وعدم الإقرار يحتاج إلى سوق الأدلة التي تؤكد عدم وقوعه منه في جوهر الأمر، لا في تفسير بعيدٍ عما تقتضيه الآيات الأخرى في السياق ذاته.
وقوله تعالى: (واستبقا الباب( نصٌّ على ضعف أنها همّت بنهره وزجره لعدم امتثاله لما تريده، وأنه همّ بإبعادها عنه، وأنّ البرهان منعه عن ضربها، قال في اللسان: "وقوله تعالى: (إنا ذهبنا نستبق((35)؛ قيل: معناه نتناضل، وقيل: هو نفتعل من السبق. (واستبقا الباب(: يعني تسابقا إليه، مثل قولك: "اقتتلا بمعنى تقاتلا"، ومنه قوله تعالى: (فاستبقوا الخيرات((36)؛ أي بادروا إليها"(37).
فهذه الصيغة تدلُّ على المبالغة في افتعال الأمر(38)،ولو كان أمر الضرب وما إلى ذلك وارداً؛ لَمَا استبقا الباب، ولا سيما أن الفعل جاء بصيغة المثنى، فدلَّ بذلك على أن التسابق إلى الباب كان بسبب الرفض القاطع من يوسف عليه السلام لما دعته إليه، وهذا مدعاة إلى أن حالته العاطفية لم تكن حاضرة، وفي ذلك إشارة إلى خلوِّ قلبه من الخطرات، فالجري إلى الباب يشير إلى أنه لما تفاجأ بمنظر امرأة العزيز، وقد هيأت نفسها، ذهب إلى الباب جارياً، يريد الهرب من هذا، والتخلص منه، فلحقت به تمنعه عما أراد، فأصبحا بمنزلة المتسابقَين إلى الباب. فأين هذا المشهد الذي دلَّت عيه صيغة الفعل من أي شبهة في وقوع الهمِّ منه، إذ لا شيء يدعو مَن وقع منه الهمُّ إلى الهرب، قد يدعوه البرهان إلى الخروج من بيتها، لكن لا يُلجئه إلى الهرب، أو يضطره إلى ذلك.
عاشراً: قوله تعالى: (وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن((39) يدلُّ على أن يوسف عليه السلام، ما زال ضابطاً لنفسه، ولم يصب إلى امرأة العزيز على الرغم من محاولاتها المكرورة معه، لأن الصبابة تعني الميل إلى الجهل، وهذا مرشِّح لئلا يكون الهمُّ وقع في نفسه أيضاً.
الحادي عشر: قال ابن كثير: وقوله: (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء((40)، أي كما أريناه برهاناً صرفه عما كان فيه، كذلك نقيه السوء والفحشاء في جميع أموره، إنه من عبادنا المخلَصين، أي من المجتبين المطهرين المختارين المصطفين الأخيار، صلوات الله وسلامه عليه"(41).
قال الزمخشري: "سوأ: فعل سيئ، وأفعال سيئة، وأتى بالسيئة والسيئات، وفلان يُحبط الحسنى بالسوء، وقد ساء عمله، وساءت سيرته، ولساء ما وُجد منه، وساء به ظناً، وساءني أمرك"(42).
وقال القرطبي: "والسوء: الشهوة، والفحشاء: المباشرة، وقيل السوء: الثناء القبيح، والفحشاء: الزنى، وقيل السوء: خيانة صاحبه، والفحشاء: ركوب الفاحشة، وقيل: السوء: عقوبة الملك العزيز. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر(43) (المخلِصين( بكسر اللام، وتأويلها: الذين أخلصوا طاعة الله، وقرأ الباقون بفتح اللام، وتأويلها: الذين أخلصهم الله لرسالته، وقد كان يوسف عليه السلام بهاتين الصفتين، لأنه كان مخلِصاً في طاعة الله تعالى مستخلَصاً لرسالة الله تعالى"(44).
ومعاني السوء السابقة تنفي أن يكون الهمُّ قد وقع منه، ولا سيما أن الفحشاء في سياق المشهد الذي مرَّ فيه يوسف عليه السلام واضحة جلية، وذكر السوء في هذا الموضع مع الفحشاء مقدماً عليها مقصودٌ لتوضيح معنى الآية موضعِ اختلاف المفسرين، وصرف الله تعالى السوء والفحشاء عن يوسف عليه السلام ظاهرٌ في سياق الآية، لأنه من المخلَصين، ولو كان غير ذلك، لصُرف يوسف عليه السلام عن السوء والفحشاء، كأن يقول: كذلك لنصرفه عن السوء والفحشاء، لكن الآية تدلُّ على أن الله تعالى صرف عنه السوء والفحشاء، ومن يُصرف عنه ذلك، يكن ـ بلا شك ـ من عباد الله المخلَصين، إذ كيف يمكن لإنسان، أخلصه الله أن يفكِّر بالمعصية، فضلاً عن أن يهمّ بها، وأي معصية؟ إنها ما لا تغتفر لإنسان مؤمن فضلاً عن كونه نبياً مخلَصاً.
ولو كان الرهان منعه عن الفاحشة فقط، ولم يمنعه عن الهمِّ بها، وهو نبيٌّ مخلَص، لتساوى مع غيره، وافتقر إلى ما يميزه منه، إذ إن الإنسان الذي يهمُّ بفعل الفاحشة، سينتهي عنه إذا ما توافر له أي برهان، فكيف إذا كان البرهان صورة أبيه أو ما يقرب من هذا مما ذُكر في روايات تفسير كلمة البرهان(45)، فهذا لا يستقيم مع سياق قصة، هي أحسن القصص، فالإنسان بطبعه وطبيعته قد يُقدم على الفاحشة أو الهمّ بها، فإذا ظهر له عارض؛ فإنه سيمتنع عنها، ولا غرابة في ذلك، فهو أمر طبيعي، بل إن الإنسان قد يتمنّع عن امرأة ذات جمال وسلطان دعته إلى ذلك، فيكون ممن يظلّهم الله يوم لا ظلَّ إلا ظله، فكيف الحال، والأمر يتعلق بنبي كريم؟ أين ميزته من غيره إذا كان قد همّ بالمعصية، ثم امتنع لمَّا ظهر لـه ما لو ظهر لغيره لمنعه عن الإقدام على فعلها، ولا سيما أنه هو الجميل، والقرآن الكريم لم يأت على ذكر شيء يتعلق بجمالها.
وأما من ذهب إلى أنه لم يكن نبياً، لمَّا حدث لـه هذا الأمر، فيُردُّ بأن قوله تعالى: (وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتمّ نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتّمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق إن ربك عليم حكيم((46)، وقوله تعالى: (وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً وكذلك مكّنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون((47)، وقوله تعالى: (ولمَّا بلغ أشدَّه آتيناه حكماً وعلماً وكذلك نجزي المحسنين((48)، تؤكد أنه كان نبياً، ولا سيما أنها وردت قبل الآيات التي تدلّ على حدوث المراودة(49).
ثم إن هذه المسألة لا تتعلق بأمر، يمكن للأنبياء أن يقعوا في أمثاله، فنتساهل في ما ذهبوا إليه، فالعين فيه قد تكون زانية، فكيف بمن يُتبع ذلك أفعالاً معينة، إذ إن كل ما يسبق الفعل يُعدُّ هماً، فيتساوى بذلك مع السوء، إذ كل ما يسبق الفاحشة سوء، وكل ما يسبق الزنى همٌّ به، فإذا كان الزنى فاحشة؛ فإن الهمَّ به سوء، وهذا من الأمور التي يكون فيها الأنبياء أبعد ما يكونون عنها(50).
الثاني عشر: قوله تعالى على لسان يوسف عليه السلام: (قال معاذ الله((51) بعد قوله تعالى على لسان امرأة العزيز: (وقالت هيت لك( مباشرة دون أي انقطاع أو انفصال دليلٌ على أنه عليه السلام لم يغفل عن ربّه، ولم يستسلم لنفسه فيما يمليه منظر امرأة العزيز، إذ لا مدَّة تفصل بين الأمرين، حتى يكون ثمة همٌّ منه، وإن كانت يسيرة.
الثالث عشر: أمّا جواب "لولا" في هذه الآية فمُختلفٌ فيه، وهذا البحث بما أورده من أدلة سابقة تنفي الهمَّ عنه عليه السلام، يؤكد أن جوابها إما تقدّم عليها، أو يُقدّر من نفس الكلام الذي تقدمها، إذا منع عن ذلك مانع صناعي، ولا سيما أن البرهان منع يوسف عليه السلام عن الهمِّ، وليس من فعل الفاحشة، لأن البرهان قد يمنع الإنسان المؤمن عن فعل مثل هذه الفاحشة، لا من الهمّ بها، وهذه ميزة يوسف عليه السلام من غيره، إذ إن عظمة الموقف في القصة أنه امتنع من الهمّ، وأما الامتناع من الفاحشة نفسها بسبب البرهان؛ فليس فهي ما يدعو إلى الإعجاب به عليه السلام.
انقسم النحويون في هذه المسألة بين مجيز تقديم جواب "لولا" عليها، وهم قلة، وبين غير مجيز، وهم كثرة. وقد بسط الطبري الأمرين في تفسيره بقوله: "وقال آخرون منهم: معنى الكلام:(ولقد همت به(، فتناهى الخبر عنها، ثم ابتدئ الخبر عن يوسف، فقيل: "وهم بها يوسف لولا أن أرى برهان ربه"، كأنهم وجهوا معنى الكلام إلى أن يوسف لم يهمَّ بها، وأن الله إنما أخبر أن يوسف لولا رؤيته برهان ربه لهمَّ بها، ولكنه رأى برهان ربه فلم يهمَّ بها، كما قيل: (ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتَّبعتم الشيطان إلا قليلا(.
ويفسد هذين القولين أنَّ العرب لا تقدِّم جواب "لولا" قبلها، لا تقول: "لقد قمت لولا زيد"، وهي تريد: "لولا زيد لقد قمت"، هذا مع خلافهما جميع أهل العلم بتأويل القرآن الذين عنهم يؤخذ تأويله. وقال آخرون منهم: بل قد همّت المرأة بيوسف، وهمّ يوسف بالمرأة، غير أن همَّهما كان تمثيلاً منهما بين الفعل والترك، لا عزماً ولا إرادة. قالوا: ولا حرج في حديث النفس ولا في ذكر القلب إذا لم يكن معهما عزمٌ ولا فعل"(52).
قال البغوي: "وزعم بعض المتأخرين: أن هذا لا يليق بحال الأنبياء عليهم السلام، وقال: تمَّ الكلام عند قوله: (ولقد همّت به(، ثم ابتدأ الخبر عن يوسف عليه السلام، فقال: (وهمَّ بِها لولا أن رأى برهان ربِّه( على التقديم والتأخير، أي: لولا أن رأى برهان ربه لهمَّ بها، ولكنه رأى البرهان فلم يهم.
وأنكره النحاة وقالوا: إن العرب لا تُؤخّر "لولا" عن الفعل، فلا تقول: "لقد قمتُ لولا زيد"، وهو يريد: لولا زيد لقمتُ"(53). وقال الزجاج: "وليس في الكلام بكثير أن تقول: "ضربتك لولا زيد"، ولا "هممت بك لولا زيد"، إنما الكلام: "لولا زيد لهممت بك"، و"لولا" تجاب باللام، فلو كان: "ولقد همّت به ولهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه"؛ لكان يجوز على بعد(54). وقال النحاس: "وزعم الخليل أن "قد" للتوقع، و"همّ بها" قد ذكرنا معناه(55)، وأنّ قوماً قالوا هو على التقديم والتأخير. وهذا القول عندي محال، ولا يجوز في اللغة ولا في كلام من كلام العرب، لا يقال "قام فلان إن شاء الله"، ولا "قام فلان لولا فلان"(56).
قال الزمخشري: "فإن قلت: قوله: (وهمّ بها( داخل تحت حكم القسم في قوله: "ولقد همّت به(، أم هو خارج منه، قلت: الأمران جائزان، ومن حقّ القارئ إذا قدّر خروجه من حكم القسم وجعْله كلاماً برأسه أن يقف على قوله: (ولقد همّت به(، ويبتدئ قوله: (وهمَّ بها لولا أن رأى برهان ربِّه("(57).
قال أبو البركات ابن الأنباري: "لولا" حرف، يمتنع له الشيء لوجود غيره، و"أن رأى" في موضع رفع، لأنه مبتدأ، ولا يجوز إظهار خبره بعد "لولا" لطول الكلام بجوابها، وقد حُذف خبر المبتدأ ههنا والجواب معاً، والتقدير: لولا رؤية برهان ربّه موجودةٌ لهمّ بها، ولا يجوز أن يكون
(وهمّ بها( جواب (لولا(، لأن جواب "لولا" لا يتقدم عليه"(58).
وقال العكبري: "قوله تعالى: (لولا أن رأى( جواب (لولا( محذوف، تقديره: لهمَّ بها، والوقف على هذا: (ولقد همت به(، والمعنى: أنه لم يهمَّ بها. وقيل التقدير: لولا أن رأى البرهان لواقع المعصية"(59).
ويلاحظ أن الأمر محصور في جواز أن يكون جوابها متقدماً عليها، أو في عدم ذلك، ومن لا يجيز منهم جعل الجواب متقدماً، قدَّره بـ "لهمّ بها"(60)، فالاتفاق بين هؤلاء على معنى الجواب، والخلاف في كونه متقدماً، أو مقدَّراً. قال الزركشي: "وقد قيل في قوله تعالى: (وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربّه(، لهمّ بها، لكنه امتنع همُّه بها لوجود رؤية برهان ربّه، فلم يحصل منه همّ البتة، كقولك: لولا زيد لأكرمتك؛ المعنى أن الإكرام ممتنع لوجود زيد، وبه يتخلَّص من الإشكال الذي يورد، وهو: كيف يليق بهم الهمّ؟"(61).
غير أنهم لا يجيزون تقديم الشرط على الجواب لافتقار ذلك لعلة الجزم(62)، فهل يجري ذلك على "لولا"، ولا سيما أنها غير جازمة. قال ابن جني في الخصائص: "ولا يجوز تقديم الجواب على المجاب، شرطاً كان أو قسماً أو غيرهما، ألا تراك لا تقول: "أقم إن تقم"، فأما قولك: "أقوم إن قمت"، فإن قولك: "أقوم" ليس جواب شرط، ولكنه دالّ على الجواب، أي: إن قمت قمت، ودلت "أقوم" على "قمت".
ومثله "أنت ظالم إن فعلت"، أي: إن فعلت ظلمت، فحذفت "ظلمت"، ودل قولك: "أنت ظالم" عليه"(63). وقال في سرِّ صناعة الإعراب: "ولا تدخل اللام في جواب "لو ولولا" إلا على الماضي دون المستقبل، وكان أبو عبي قد قال لي قديماً: إن اللام في جواب "لولا" زائدة مؤكدة، واستدلَّ على ذلك بجواز سقوطها"(64).
قال الزمخشري: "فإن قلت: لِمَ جعلت جواب لولا محذوفاً، يدلّ عليه "همّ بها"، وهلا جعلته هو الجواب مقدماً؟ قلت: لأن "لولا" لا يتقدّم عليها جوابها من قبل أنه في حكم الشرط، وللشرط صدر الكلام، وهو مع ما في حيّزه من الجملتين مثل كلمة واحدة، ولا يجوز تقديم بعض الكلمة على بعض، وأمّا حذف بعضها إذا دلّ الدليل عليه فجائز"(65).
وكلام أبي عبيدة لأبي حاتم في قوله تعالى: (ولقد همّت به وهمّ بها(: "هذا على التقديم والتأخير، كأنه أراد: ولقد همَّت به ولولا أن رأى برهان ربِّه لهمَّ بها" نصٌّ على جواز التقديم والتأخير، وإن كان كلامه، لا يبطل أن يكون الجواب مقدّراً من جنس ما تقدَّمها. ولا سيما أن الكوفيين أجازوا تقديم جواب الشرط(66)، وكذا بعض البصريين، ومنهم أبو زيد الأنصاري، والمبرد(67).
قال أبو حيان: "لم يقع منه عليه السلام هم بها البتة(68)، بل هو منفي لوجود رؤية البرهان كما تقول: "قارفت الذنب لولا أن عصمك الله تعالى"، ولا نقول:
إن جواب "لولا" متقدِّم عليها، وإن كان لا يقوم دليل على امتناع ذلك، بل صريح أدوات الشرط العاملة مختلف في جواز تقديم أجوبتها عليها، وقد استدل من ذهب إلى الجواز بوجوده في لسان العرب، فقد قال سبحانه: (إن كادت لتبدي بِهِ لولا أَن ربطنا على قلبها((69)، فقوله سبحانه: (إن كادت( إما أن يكون هو الجواب على ما ذهب إليه ذلك القائل، وإما أن يكون دليل الجواب على ما قررناه"(70).
على أن حذف جواب لولا في كلامهم كثير(71)، وفي القرآن الكريم جملة منه، قال أبو البركات ابن الأنباري: "وقد حذف الجواب في كتاب الله تعالى وكلام العرب كثيراً... قال تعالى: (ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رؤوف رحيم((72)، فحذف جواب لولا، والتقدير فيه: ولولا فضل الله عليكم ورحمته لفضحكم بما ترتكبون من الفاحشة، ولعاجلكم بالعقوبة"(73). وهذا الحذف الكثير يدلُّ على أنّ ما تقدّم "لولا" أغنى عن ذكر جوابها، وأن تقدُّم ما يدلُّ على الجواب يبلغ حدَّ القياس، فإذا كان ما تقدَّمها لا يدلُّ دلالة واضحة على جوابها؛ فإنّ التقدير يُستخلص من شرطها نفسه، كما هو ظاهر في الآية السابقة.
وفي المسألة ثلاثة أوجه: أن يكون الجواب مقدراً من نفس ما تقدمها، وهو أقواها، أو أن يكون متقدماً عليها، فيكون الأمر قائماً على التقديم والتأخير، ويكون الوقف على قوله تعالى: (ولقد همّت به(، أو أن يكون الجواب محذوفاً، وتقديره: لولا أن رأى برهان ربّه لارتكب الفاحشة، والعياذ بالله، وهو أضعفها.
وقد تتبعت هذا الأسلوب في القرآن الكريم، فوجدت أنّ المواضع التي ذُكر فيها الجواب، جاءت "لولا" فيها مقترنة بالواو على الأغلب، وأن التي لم يُذكر فيها الجواب ولم يتقدّمها ما يدلّ عليه، جاءت فيها "لولا" مقترنة بالواو أيضاً، وأن التي لم يُذكر فيها الجواب، وقد تقدمها ما يدلّ عليه، جاءت فيها "لولا" خلواً من الواو.
فأمّا التي ذُكر فيها الجواب، وكانت مقترنة بالواو؛ فنحو قوله تعالى: (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين((74)، وقوله تعالى: (ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتّبعتم الشيطان إلا قليلاً((75)
وقوله تعالى: (ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمّت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء((76)، ومثل هذا كثير في القرآن الكريم(77).
وأمّا التي لم يُذكر فيها الجواب، ولم يتقدم عليها ما يدل عليه، وكانت "لولا" فيها مقترنة بالواو أيضاً؛ فنحو قوله تعالى: (ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم((78)، وقوله تعالى: (ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رؤوف رحيم((79)، ومثل هذا أقلّ مما سبق(80).
وأمّا التي لم يُذكر فيها الجواب، وقد تقدّمها ما يدلّ عليه، وجاءت فيها "لولا" خلواً من الواو؛ فنحو قوله تعالى: (وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله((81)، وقوله تعالى: (ولما فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف لولا أن تُفنّدون((82)، وقوله تعالى: (إن كاد ليُضلّنا عن آلهتنا لولا أن صبرْنا عليها وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضلّ سبيلا((83)، ومثل هذا يكاد يكون كثيراً في القرآن الكريم(84). ولا شاهد في "لولا" إذا جاءت خلواً من الواو، وكان جوابها مذكوراً، كقوله تعالى: (لولا كتاب من الله سبق لمسّكم فيما أخذتم عذاب عظيم((85)، وقوله تعالى: (لولا أن منَّ الله علينا لخسف بنا ويكأنّه لا يفلح الظالمون((86).
فالملاحظ في هذا أن "لولا" جاءت غير مقترنة بالواو في المواضع التي تقدّم فيها جوابها عليها، وأنها تأتي مقترنة بالواو في المواضع التي لا يتقدم فيها جوابها عليها. وهذا هو الشاهد مما سبق، إذ يدلُّ ذلك على أن جواب لولا في قوله تعالى: (ولقد همّت به وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربّه( متقدِّمٌ عليها، ولو كان غير ذلك؛ لجاءت مقترنة بالواو، أي: "ولولا أن رأى برهان ربه"، لأن هذا هو نمط هذا الأسلوب في القرآن الكريم، كما دلّ على ذلك ما تقدّم من الآيات الكريمة. والله أعلم.
وفي هذا السياق قال الشيخ محمد رشيد رضا: "لو أن ذلك وقع لكان الواجب في التعبير عنه أن يقال: "ولقد همّ بها وهمّت به"، لأنّ الأوّل هو المقدَّم بالطبع والوضع، وهو الهمّ الحقيقي، والهمّ الثاني متوقِّف عليها، لا يتحقَّق بدونه"(87),
وخلاصة ما تقدّم قولُ الفخر الرازي: "إنّ يوسف عليه السلام قد شهد الله تعالى ببراءته بقوله تعالى: (إنه من عبادنا المخلصين((88)، وشهد الشيطان ببراءته بقوله: (فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين((89)، وشهد ببراءته الشاهد من أهل امرأة العزيز إذ قال: (إن كان قميصه قدّ من قبل فصدقت وهو من الكاذبين، وإن كان قميصه قدّ من دبر فكذبت وهو من الصادقين، فلما رأى قميصه قدّ من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم، يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين((90)، وشهد ببراءته النسوة اللائي قطعن أيدهن بقولهن: (ما علمنا عليه من سوء(، وشهدت ببراءته زوجة العزيز بقولها: (الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين(، فالذي يريد أن يتهم يوسف بالهمّ عليه أن يختار أن يكون من حزب الله أو حزب الشيطان، وكلاهما شهد ببراءة يوسف، فلا مفرّ له من الإقرار بالحق على أي حال، وهو براءة سوف من الهمّ بها"(91).
على أنه ثمة من يذهب إلى غير هذا، ولديه ما يقوله في هذا الأمر، ولعلّ أثر اللغة كان واضحاً في أن الهمَّ لم يقع منه عليه السلام، وقد ظهر ذلك بما تقدّم من أدلة لغوية وأخرى أسلوبية تقطع بذلك، فإذا أضفنا إليها ما ذُكر في البحث من أدلة أخرى، تتعلَّق بالتفسير؛ كان الأمر ـ والله أعلم ـ في غاية الوضوح.
ثبت المصادر والمراجع
ـ القرآن الكريم.
ـ الإتقان في علوم القرآن للسيوطي، تقديم وتعليق د. مصطفى ديب البغا، دار ابن كثير، دمشق، ط 1، 1987.
ـ أساس البلاغة للزمخشري، تحقيق عبد الرحيم محمود، دار المعرفة، بيروت.
ـ إعجاز القرآن والبلاغة النبوية للرافعي، دار الكتاب العربي، بيروت، 1990.
ـ إعراب القرآن للنحاس، تحقيق زهير غازي زاهد، عالم الكتب، ط 3، 1988.
ـ البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي، مطبعة السعادة، مصر، ط 1.
ـ البرهان في علوم القرآن للزركشي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، مكتبة دار التراث، القاهرة.
ـ البيان في غريب إعراب القرآن لأبي البركات ابن الأنباري، تحيق د. طه عبد الحمد طه، الهيئة المصرية العامة، 1970.
ـ تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة، شرحه السيد أحمد صقر، دار التراث، القاهرة، ط 2، 1973.
ـ التبيان في إعراب القرآن للعكبري، (إملاء ما منَّ به الرحمن)، تحقيق علي محمد البجاوي، دار إحياء الكتب العربية.
ـ تفسير البغوي، (معالم التنزيل في التفسير والتأويل)، دار الفكر، بيروت، 1985.
ـ تفسير الطبري (جامع البيان في تأويل القرآن)، دار الفكر، بيروت، 1405 هـ.
ـ تفسير الفخر الرازي (التفسير الكبير ومفاتيح الغيب)، دار الفكر، بيروت، 1990.
ـ تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن)، تحقيق الدكتور محمد إبراهيم الحفناوي، والدكتور محمد حامد عثمان، دار الحديث، القاهرة.
ـ تفسير ابن كثير (تفسير القرآن العظيم)، دار الفكر، بيروت، 1401 هـ.
ـ تفسير المراغي، تأليف الأستاذ الكبير أحمد مصطفى المراغي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط 3، 1974.
ـ تفسير المنار، تأليف الشيخ محمد رشيد رضا، دار المعرفة، بيروت، ط 2.
ـ التفسير المنير للدكتور وهبة الزحيلي، دار الفكر، دمشق، ط 1، 1991.
ـ تفسير النسفي، دار الكتاب العربي، بيروت، 1982.
ـ جامع العلوم والحكم لأبي الفرج عبد الرحمن بن أحمد الحنبلي البغدادي، دار المعرفة، بيروت، ط 1، 1408هـ.
ـ الجواهر في تفسير القرآن العظيم، تأليف الشيخ طنطاوي جوهري، دار الفكر.
ـ الخصائص لابن جني، تحقيق محمد علي النجار، دار عالم الكتب، بيروت.
ـ دراسات لأسلوب القرآن الكريم، تأليف محمد عبد الخالق عضيمة، دار الحديث، القاهرة.
ـ الدُّر المنثور في التفسير المأثور للسيوطي، دار الفكر، ط 1، 1983.
ـ روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، محمود أبو الفضل الألوسي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
ـ زاد المسير في علم التفسير للإمام ابن الجوزي، تحقيق محمد بن عبد الرحمن عبد الله، دار الفكر، بيروت، ط 1، 1987.
ـ سر صناعة الإعراب لابن جني، تحقيق حسن هنداوي، دار القلم، دمشق، ط 1، 1985.
ـ شرح ابن عقيل، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
ـ شرح مجموعة الشافية من علمي الصرف والخط للجاربردي، مكتبة المتنبي، القاهرة، 1988.
ـ شرح المفصل لابن يعيش، مكتبة المتنبي، القاهرة.
ـ فتح الرحمن بكشف ما يُلتبس في القرآن، زكريا الأنصاري، تحقيق بهاء الدين عبد الموحود محمد، دار الكتاب الجامعين القاهرة.
ـ فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، ط 2، 1964م.
ـ في ظلال القرآن لسيد قطب، دار الشروق.
ـ القراءات العشر المتواترة، محمد كريم راجح، دار المهاجر، المدينة المنورة.
ـ الكتاب، سيبويه، تحقيق عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1992.
ـ الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل للزمخشري، رتّبه وضبطه وصحّحه مصطفى حسن أحمد، دار الريان للتراث، القاهرة، ط 3، 1987.
ـ اللباب في علل البناء والإعراب للعكبري، تحقيق غازي طليمات، دار الفكر، دمشق، ط 1، 1995.
ـ مباحث في علوم القرآن، الدكتور صبحي الصالح، دار العلم للملايين، ط 16، 1985.
ـ المعاني الثانية في الأسلوب القرآنّي للدكتور فتحي أحمد عامر، منشأة المعارف، الإسكندرية.
ـ معاني القرآن للأخفش، تحقيق عبد الأمير محمد أمين الورد، عالم الكتب، ط 1، 1985.
ـ معاني القرآن للفراء، تحقيق محمد علي النجار، الدار المصرية للتأليف والترجمة.
ـ معاني القرآن للنحاس، تحقيق محمد علي الصابوني، مركز إحياء التراث الإسلامي، مكة المكرمة.
ـ معاني القرآن وإعرابه المنسوب إلى الزجاج، تحقيق عبد الجليل شلبي، دار الحديث، القاهرة، ط 1، 1994.
ـ مغني اللبيب عن كتب الأعاريب لابن هشام، خرج آياته وعلق عليه أبو عبد الله علي عاشور الجنوبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط 1، 2001.
ـ المقتضب للمبرد، تحقيق محمد عبد الخالق عضيمة، عالم الكتب، بيروت.
ـ مناهج في تحليل النظم القرآني للدكتور منير سلطان، منشأة المعارف، الإسكندرية.
ـ مناهل العرفان في علوم القرآن، محمد عبد العظيم الزرقاني، دار إحياء الكتب العربية.
ـ من بلاغة القرآن الكريم في سورة يوسف عليه السلام للدكتور فتحي عبد القادر فريد، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، ط 1، 1985.
ـ النشر في القراءات العشر للجزري، أشرف على تصحيحه علي محمد الضباع، دار الكتب العلمية، بيروت.
(1) كاتب سوري، جامعة دمشق.
(2) سورة يوسف، الآيتان 1و 2.
(3) إعجاز القرآن والبلاغة النبوية ص 48.
(4) مناهج في تحليل النظم القرآني، ص 62 ـ 63.
(5) مباحث في علوم القرآن ص 299، وانظر البرهان في علوم القرآن للزركشي 3/175.
(6) سورة يوسف، الآية 24.
(7) اللسان، "همم".
(8) سورة التوبة، الآية 74.
(9) سورة الأحزاب، الآية 25.
(10) انظر مفردات القرآن "همم".
(11) سورة آل عمران، الآيتان 121 و122.
(12) سورة آل عمران، الآية 154.
(13) سورة النساء، الآية 113.
(14) سورة غافر، الآية 5.
(15) تفسير المنار 12/285.
(16) المعاني الثانية في الأسلوب القرآني، ص 25.
(17) زاد المسير في علوم التفسير 4/156 ـ 157 وانظر بقية الأقوال ثمة.
(18) اللسان، "همم". وانظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 5/151.
(19) في قوله تعالى: (قال ما خطبكنّ إذ راودتنّ يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحقّ أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين(. سورة يوسف، الآية 51.
(20) سورة يوسف، الآية 78.
(21) في قوله تعالى: (وقال للذي ظنّ أنه ناجٍ منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن سنين(، سورة يوسف، الآية 42.
(22) سورة يوسف، الآية 51.
(23) في قوله تعالى: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين(، سورة يوسف، الآية 52.
(24) تفسير المراغي 12/158 ـ 159.
(25) تتمتها (فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين( سورة يوسف، الآية 54.
(26) سورة يوسف، الآية 7.
(27) (واستبقا الباب وقدّت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً إلا أن يسجن أن عذاب أليم(، سورة يوسف، الآية 25.
(28) (قالت فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونن من الصاغرين(، سورة يوسف، الآية 32.
(29) في اللسان "عصم" قوله: فاستعصم: أي تأبى عليها، ولم يجبها إلى ما طلبت". وقوله: "العصمة في كلام العرب: المنع، وعصمة الله عبدَه: أن يعصمه مما يُوبِقه، عصمه يعصِمه عصماً: منعه ووقاه".
(30) انظر تفسير النسفي 2/217.
(31) في قوله تعالى: (وراودته التي هي في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون(، سورة يوسف، الآية 23.
(32) فتح القدير 3/16.
(33) تفسير الطبري 12/185.
(34) تفسير المنار 12/284، وردّ هذا الرأي سيد قطب في ظلال القرآن 4/1981، وذهب ثمة إلى أن الهمّ وقع من يوسف على سبيل ميل النفس وخطرات القلب.
(35) (قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين(، سورة يوسف، الآية 17.
(36) سورة البقرة، الآية 148.
(37) اللسان "سبق".
(38) انظر شرح مجموعة الشافية من علمي الصرف والخط 1/25، وشرح ابن عقيل 2/602.
(39) في قوله تعالى: (قال رب السجن أحب إليّ مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلي(، سورة يوسف، الآية 33.
(40) (ولقد همّت به وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين(، سورة يوسف، الآية 24.
(41) تفسير ابن كثير 2/476، وانظر جامع العلوم والحكم لأبي الفرج البغدادي 1/188.
(42) أساس البلاغة، "سوأ"..
(43) ويعقوب أيضاً، النشر في القراءات للجزري 2/295، وانظر القراءات العشر المتواترة لمحمد كريم راجح.
(44) تفسير القرطبي 5/155.
(45) انظر الدر المنثور في التفسير المأثور للسيوطي 4/521، قال الشيخ طنطاوي جوهري: "وفي التعبير بلفظ الربّ نكتة لطيفة، وأي برهان أعظم من هذه الفضيلة، وهي أن الإنسان يجب أن يحفظ نعمة المربّي والسيد، سواء أكان خالقاً أم مخلوقاً، فهذا هو البرهان، وهذه صورته هذا ربي أحسن مثواي، وكل من أحسن إلى إنسان وجب عليه تكبيره، فتكون النتيجة هكذا،: هذا العزيز يجب شكر نعمته ولا شكر لمن خان سيده، فهذا برهان منطقي ديني حسن، فالبرهان في الآية مذكور، فكيف كثر فيه الاختلاف، ولا حاجة إلى الإطالة في هذا المقام". الجواهر في تفسير القرآن العظيم 7/36.
(46) سورة يوسف، الآية 6.
(47) سورة يوسف، الآية 21.
(48) سورة يوسف، الآية 22.
(49) سورة يوسف، الآية 22.
(50) سورة يوسف، الآية 22.
(51) في قوله تعالى: (وراودته التي هي في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون(، سورة يوسف، الآية 23.
(52) تفسير الطبري 12/185.
(53) تفسير البغوي 4/228، وانظر روح المعاني 12/213.
(54) سورة يوسف، الآية 22.
(55) يوسف يوسف، الآية 22.
(56) سورة يوسف، الآية 22.
(57) الكشاف 2/456.
(58) البيان في غريب إعراب القرآن 2/38، وانظر شرح المفصل لابن يعيش 8/145 ـ 146، وشرح ابن عقيل 2/393.
(59) التبيان في إعراب القرآن 2/51.
(60) سورة يوسف، الآية 22.
(61) البرهان في علوم القرآن 4/377.
(62) انظر سيبويه 3/62 ـ 63، وانظر اللباب في علل البناء والإعراب 1/145.
(63) الخصائص 2/387 ـ 388.
(64) سر صناعة الإعراب 1/395.
(65) الكشاف 2/456.
(66) سورة يوسف، الآية 22.
(67) سورة يوسف، الآية 22.
(68) وقد نفى الدكتور وهبة الزحيلي في التفسير المنير 12/242 وقوع الهمّ، وارتضى حذف الجواب المدلول عليه بما تقدّم.
(69) سورة القصص، الآية 10.
(70) البحر المحيط 5/294 ـ 295.
(71) سورة يوسف، الآية 22.
(72) سورة النور، الآية 20، وفيها قوله تعالى: (ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم(، الآية 10، وقدّر ابن هشام الجواب بقوله: "لهلكتم". مغني اللبيب 2/273.
(73) الإنصاف في مسائل الخلاف 2/460 ـ 461.
(74) سورة البقرة، الآية 251.
(75) سورة النساء، الآية 83.
(76) سورة النساء، الآية 113.
(77) من ذلك: سورة يونس، الآية 19، وسورة هود، الآيتان 91 و110، وسورة الإسراء، الآية 74، وسورة طه، الآية 129، وسورة الحج، الآية 40، وسورة النور، الآيتان 14 و21، وسورة العنكبوت، الآية 53، وسورة سبأ، الآية 31، وسورة الصافات، الآيتان 57 و143، وسورة فصلت،الآية 45، وسورة الشورى، الآيتان 14 و21، وسورة الزخرف، الآية 33، وسورة الفتح، الآية 25، وسورة الحشر، الآية 3، وسورة القلم، الآية 49.
(78) سورة النور، الآية 10.
(79) سورة النور، الآية 20.
(80) من ذلك: سورة القصص، الآية 47.
(81) سورة الأعراف، الآية 43.
(82) سورة يوسف، الآية 94.
(83) سورة الفرقان، الآية 42.
(84) من ذلك: سورة الفرقان، الآية 77، وسورة القصص، الآية 10.
(85) سورة الأنفال، الآية 68.
(86) سورة القصص، الآية 82.
(87) تفسير المنار 12/285.
(88) سورة يوسف، الآية 24.
(89) سورة ص،الآيتان 82، 83.
(90) سورة يوسف، الآيات 26، 27، 28، 29.
(91) تفسير الفخر الرازي 18/165، وانظر "من بلاغة القرآن الكريم في سورة يوسف عليه السلام" للدكتور فتحي عبد القادر فريد، ص 79 ـ 80.
-------------------------
مجلة التراث العربي - العدد 105 - السنة السابعة والعشرون - كانون الثاني 2007 - المحرم 1428 .