الآية العاشرة لموسى - عليه السلام-

إنضم
20 أبريل 2003
المشاركات
507
مستوى التفاعل
9
النقاط
18
الآية العاشرة لموسى - عليه السلام-

وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا [الإسراء : 101]

وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ [النمل : 12]

هي آيات تسع....

ومعها آية عاشرة....!

للمفسرين اختلاف يسير في تحديد الآيات التسع- تراجع في مظانها- لكنها كلها من نوع واحد فهي:

- حسية

- محدودة في الزمان والمكان

- موجهة للمصريين، لفرعون وملئه خاصة....

لكن الآية العاشرة - التي نقترحها- تختلف نوعيا عن الآيات التسع فهي:

- عقلية معنوية

- موجهة إلى العالمين لمن تدبر منهم القرآن...

عندما يستعرض المتدبر قصة موسى عليه السلام في القرآن كله ويستجمع فصولها ونتفها المتفرقة فسيلحظ - بقليل من التأمل - تلك الآية العاشرة ...

الآية التي نصوغها على شكل سؤال :

لماذا لم يستطع فرعون قتل موسى؟

سؤال وجيه جدا بلا شك...فلفرعون كل الدواعي والمبررات لقتل موسى، لكنه لم يفعل......

له القدرة والفرصة المواتية ، لكنه لم يفعل...

لم يكن موسى مختبئا أو محصنا كان قريبا جدا منه بحيث تكفي إشارة واحدة منه لحارس أو جندي لينهي القصة ، لكنه لم يفعل...

....لم يفعل ، مع أن الدواعي قوية جدا :

1- نفسيا :

هذا الفرعون المتكبر المغرور يهينه موسى في مجلسه (على مسمع من حاشيته التي زعم لهم اتصافه بالربوبية العليا ) فيقول له:

وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا [الإسراء : 102]

ابتلعها الجبار وسكت....!

2- سياسيا:

لم تكن في حاشيته معارضة لقتل موسى فيقال إنه أحجم عن ذلك لاعتبارات سياسية :

وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ [غافر : 26]

فقد يفهم من قوله" ذَرُونِي" أنهم يعارضون أو على الأقل يتحفظون، كلا.. الواقع مختلف تماما فهم - على العكس- يستنكرون صبر ملكهم وتلكؤه وعدم الحسم في النازلة بسرعة ...وليس قوله" ذروني" إلا حيلة بلاغية/ نفسية يخفي بها ما كمن في نفسه، فيوهم الناس- أو يوهم نفسه - أنه يريد قتل موسى ولكن الناس يمنعونه...وهذا المسلك شائع فقد يشتبك خصمان في صراع بالأيدي فتجد الأجبن منهما يتمنى لو يجتمع الناس ليفصلوا بينهما حتى إذا وقع ما تمنى وجاء الناس يباعدونهما تراه يزيد من الصراخ والتهديد ويتظاهر بالتملص ممن يحجزه ملوحا إلى خصمه: لولا أنهم أمسكوني لأهلكتك ..!

وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ [الأعراف : 127]

القوم يستنكرون سكوته على موسى ، وهو يقول: ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى، فكيف يتحد التحفيز والتثبيط !

ثم ما هذا الاختيار الغريب ...فبدل أن يقتل موسى وتنتهي الحكاية يعمد إلى حل عجيب: قتل الولدان واستحياء النساء!

وهذا السلوك الغريب سيتكرر منه عندما سجد السحرة لله، فأصدر أمره بالصلب والتعذيب :

قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى [طه : 71]

كيف يعدم الأذناب ويترك الهامة ..كيف يعاقب الأتباع ويترك الرأس المدبر....لا شك أن فرعون لم يقم بالاعتقال بنفسه ولكن أصدر الأمر إلى الحرس والجنود فلماذا عين السحرة جميعا واستثنى موسى وهرون! لم لم يقل لأتباعه خذوا السحرة وموسى معهم ....وكلهم كانوا في صعيد واحد...ألا إن الأمر من الغرابة بمكان!

3- أمنيا :

لم يكن لموسى رهط ذو شوكة كما كان لأخيه شعيب - عليه السلام - فيمنعونه من فرعون:

قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ [هود : 91]

رهط موسى كانوا مستضعفين في مصر وكان فرعون يقتل ولدانهم كما يشاء ....بل لو قتل موسى لربما فرح بعض المتشائمين من بني إسرائيل الذين

قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا [الأعراف : 129]

4- خلقيا :

لم يكن في قلب فرعون ذرة رحمة ولا رأفة وقتله للولدان الأبرياء شاهد على قسوة منقطعة النظير....فلم لم يقتل موسى!

5- قانونيا :

موسى يعترف بلسانه أمام فرعون وحاشيته أنه قتل منهم رجلا:

وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ [الشعراء : 20]

هي مناسبة لإنهاء المشكلة جذريا فما على فرعون إلا أن يسلم موسى للسلطة الجنائية لتنفيذ القصاص ...ولا نظن أن التقادم في شرع فرعون يلغي العقوبة فقد قال موسى لربه عندما كلفه بالذهاب إلى فرعون :

قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ [القصص : 33]

ألم يكن للماكر الخبيث أن يركب على الجانب الجنائي فيقتل موسى قصاصا وتطوى كل الجوانب الأخرى....

قد يقال لم يأمر فرعون بقتل موسى لأنه كان يخشى من "سحره".

هذا مردود من وجهين :

الأول ، أنه أمر بصلب سحرته ولو كان يخشى السحر لم يفعل.

ثانيا ، على فرض أنه يخشى من موسى دون غيره من السحرة لأنه أمهرهم ، فلماذا خرج بنفسه لمطاردة موسى والخارجين معه ! فمن يهاب أسدا ويحذره فهل سيبتهج إذا رآى الأسد منصرفا أم سيجري خلفه يستفزه ليفترسه!

الآية العاشرة مبينة لا شك....كل الطرق تؤدي إلى قتل موسى...لكن موسى صلى الله عليه وسلم لم يقتل لأن معه ربه يسمع ويرى:

قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه : 46]

قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء : 62]

معية وأية معية....!

وما أشبه اليوم بالبارحة !

ألم يوح الله إلى أمه من قبل:

فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي [القصص : 7]

أما اليوم ، فكأن موسى الذي يأمره ربه بالذهاب إلى فرعون يلقى به بين مخالب أسد شرس...نعم...هوكذلك... لكن موسى نجا والأسد هلك!!
 
عودة
أعلى