اقرأوا هذا البحث في إجازة العيد فهو مهم

إنضم
1 مارس 2005
المشاركات
1,063
مستوى التفاعل
3
النقاط
38
العمر
60
الإقامة
الأردن - عمان
هذا بحث قدمه الدكتور شريف الخطيب استاذ العقيدة في جامعة آل البيت وهو يتناول موضوعا مهما جدا وهو يدور حول مشروعية الاجتهاد في فروع العقيدة أضعه لكم لعله يسهم في تقريب وجهات النظر وتقبلوا تحياتي .
[line]
مشروعيّة الاجتهاد في فروع الاعتقاد
إعداد الدكتور شريف "الشيخ صالح" أحمد الخطيب
الأستاذ المساعد بكلية الدراسات الفقهية والقانونية جامعـة آل البيت
قسم أصول الدين

المقدمة

الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على أشرف المرسلين سيّدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد..



فإن شريحة من المسلمين تقوم بتكفير المسلمين الذين هم مثلهم، بحجة أن مسائل الاعتقاد لا تقبل الاجتهاد ولا تقبل الخلاف، وكل طائفة من هذه الطوائف تعتقد أنها على الحق وأنها هي الطائفة الناجية وان غيرها على الباطل، وهذا الاعتقاد يسهم إلى حد كبير في تعميق الخلاف بين المسلمين، والذي يبدأ بعدم الإقرار بالخلاف ثم بالتبديع والتفسيق إلى التكفير والقتل؛ لأنه –كما يزعمون-من بدل دينه فاقتلوه.

والحقيقة التي ينبغي أن يعتقد بها المسلمون جميعا بغض النظر عن فرقهم وتوجهاتهم ومدارسهم الفكرية، أن هناك مسائل في العقيدة لا يجوز الخلاف فيها لكونها ليست محلا للاجتهاد وهذه هي أصول العقيدة، ومسائل أخرى يجوز الخلاف فيها لكونها محلا للاجتهاد وهذه هي فروع الاعتقاد.

وانقسام العقيدة إلى أصول وفروع منصوص عليه،وتدل عليه نصوص كثيرة وأقوال للعلماء عديدة.

وإذا كانت نصوص الكتاب والسنة على ما هو معلوم؛ منها ما يقبل الخلاف والاجتهاد ومنها ما لا يقبلهما، ولا فرق بين هذه النصوص سواء أكانت تدل على مسائل علمية وهي مسائل العقيدة، أم كانت تدل على مسائل عملية وهي مسائل الفقه، والنصوص التي جاءت بفرضية الاجتهاد لا تفرق بين هذه النصوص أو تلك، وإذا كان الأمر كذلك فإنا نجد أن الصحابة والتابعين ومن بعدهم اجتهدوا في مسائل فروع الاعتقاد، واختلفت آراؤهم فيها من غير حدوث إنكار من بعضهم على بعضهم الآخر إلى حد التبديع أو التكفير أو القتل، وبقوا محافظين على وحدة كلمتهم واعتصامهم بحبل الله كما أمرهم الله بقوله: )يا أيها الّذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون*واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرّقوا((103: آل عمران). ولم يقعوا فيما نهاهم عنه وحذرهم منه بقوله تعالى: )ولا تكونوا كالّذين تفرّقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البيّنات وأولئك لهم عذاب عظيم( (105:آل عمران)

وهكذا جمعوا بين الاختلاف في مسائل فروع الاعتقاد ووحدة الأمة ووحدة ولائها ووقوفها أمام أعدائها.

ولعل هذا البحث يسهم في إعادة تلك الصورة المشرقة من الاختلاف في الرأي مع وحدة القلوب والمواقف جمعاً بين الأمر بالاجتهاد والأمر بالوحدة وعدم الاختلاف والنظر إلى المخالف على أنه معذور ومأجور وإن أخطأ في اجتهاده.



الدّراسات السّابقة:

لم أطّلع على دراسة مستقلّة تشير إلى مشروعيّة الاجتهاد في مسائل الاعتقاد، وإن كانت هناك نصوص تحدثت عن هذا الموضوع متفرّقة في بطون الكتب كما سيظهر من خلال استعراض بعضها في ثنايا البحث.

منهجيّة الدراسة:

قامت الدّراسة على المنهج العلميّ القائم على الاستقراء والتّحليل والاستنتاج، حيث قام الباحث:

-باستقراء الأدلّة على مشروعيّة الاجتهاد في مسائل الاعتقاد، وتحليلها، واستنتاج هذه المشروعية منها.

-وعزو الآيات إلى مواضعها من السّور، وتخريج الأحاديث النبويّة، والحكم عليها حيث لزم الأمر.

إشكاليّة البحث: ما حكم الاجتهاد في مسائل الاعتقاد ؟ وهل هو نفس الحكم في مسائل الفقه ؟.

وهل في مسائل الاعتقاد ما يجوز الاجتهاد فيه وما لا يجوز كما هو الحال في مسائل الفقه ؟.

وهل يعذر المخطئ والمخالف في مسائل الاعتقاد كما هو الحال في مسائل الفقه؟.

وهل الحكم في المخطئ والمخالف في مسائل الاعتقاد كما هو الحال في مسائل الفقه ؟، وهو عدم التّكفير أو التّبديع هذا ما سيحاول البحث الإجابة عنه.

محددات البحث: سيكون هذا البحث مقتصرا على نظرة أهل السنة والجماعة في هذه المسألة، واقتصر على ذلك خشية الإطالة، وليكون الخطاب من كل طائفة من طوائف المسلمين من خلال علمائها وكتبها؛ وهذا ادعى للإقناع والقبول.



خطّة البحث:

لقد قسم البحث إلى مقدمة وتمهيد، وأربعة مباحث وخاتمة.

التمهيد: مصطلحات البحث: تعريف الاجتهاد والأصل والفرع والعقيدة.

المبحث الأول: حكم الاجتهاد عمومًا وفي مسائل الاعتقاد خصوصًا.

المبحث الثاني: أدلّة وقوع الاجتهاد في فروع الاعتقاد.
المبحث الثالث: أقوال العلماء في حكم المخالف في مسائل الاجتهاد في الاعتقاد.

المبحث الرابع:نظرية ابن تيمية في الاجتهاد في فروع الاعتقاد.

الخاتمة: وفيها أهم النّتائج التي توصّلت إليها.

وختاما، فأسأل الله القدير أن يجعل عملنا خالصًا لوجهه الكريم، إنّه وليّ ذلك والقادر عليه.




التمهيد: تعريف بمصطلحات البحث



1. الاجتهاد لغة واصطلاحًا:


الكلام في مفهوم الاجتهاد يكون في معناه لغة، واصطلاحًا، وذلك ضمن النقاط التالية:

أولا: الاجتهاد لغة: مصدر مأخوذ من الجَهْد، والجُهْد: وهو بالفتح المشقة، وقيل: المبالغة والغاية، وبالضم، الوسع والطاقة، وقيل: هما لغتان في الوسع والطاقة () وهو كما قال الفيروزآبادي: " الجَهْدُ الطاقَةُ، ويضمُّ، والمَشَقَّةُ. واجْهَدْ جَهْدَكَ ابْلُغْ غايَتَكَ" ([ii]).

وغاية الأمر: أن معنى الاجتهاد لغة يدور حول بذل الوسع والطاقة في طلب أمر من الأمور؛ ويصل إلى غايته ونهايته ومقصوده.

وهذا المعنى هو المقصود في تعريفنا الاصطلاحي له حيث يستفرغ المجتهد([iii]) وسعه وطاقته العقلية ضمن قواعد معينة للوصول إلى حكم شرعي باستثماره الأدلة النقلية ([iv]).

ثانيا: الاجتهاد اصطلاحا ([v]):

عرف الأصوليون الاجتهاد اصطلاحًا ([vi]) بتعاريف عدة، ومنها ما عرفه به الإمام الغزالي بقوله: " بذل المجتهد وسعه في طلب العلم بأحكام الشريعة " ([vii]) وعرفه ابن الحاجب بقوله: " هو استفراغ الفقيه الوسع لتحصيل ظن بحكم شرعي"([viii]).



2- تعريف الأصول والفروع لغة واصطلاحا:

ففي اللغة "الأصل واحد الأصول، يقال: أصل مؤصل، واستأصله، أي قلعه من أصله"([ix]).

والفرع في اللغة: "فرع كل شيء أعلاه"([x]) وعلى هذا يكون المعنى اللغوي للأصل والفرع هو الذي يبنى عليه غيره ويكون أساساً له، والفرع هو الذي يقوم على ذلك الأساس ويتشعّب منه.

وأما المعنى الاصطلاحي للأصل في عرف علماء العقيدة، فقد يراد به الأحكام الاعتقادية والتي تتفرع عنها الأحكام العملية، وهذا ما يبدو من تعريف الكلام عند التفتازاني والذي يراد به –علم العقيدة - حيث يقول في تعريفه: "إنه العلم بالقواعد الشرعية الاعتقادية المكتسب من أدلتها اليقينية"([xi]) ويوضح ذلك بقوله: "الأحكام المنسوبة إلى الشرع منها ما يتعلق بالعمل وتسمى فرعية وعملية، ومنها ما يتعلق بالاعتقاد، وتسمى أصلية واعتقادية"([xii]).

وقد يراد بالأصل القاعدة الكلية في العقيدة والمتفق عليها والمجمع عليها والتي تكون قطعية الثبوت والدلالة و التي تتشعب منها فروع تلك العقيدة الكلية وجزئياتها، التي تكون في محل الاجتهاد والاختلاف, وهذا ما أقصده في الفروع في هذا البحث .

وهذا التفريق بين الأصول والفروع في الاعتقاد أمر ثابت عند أهل السنة والجماعة، وغيرهم من الفرق والمذاهب الإسلامية، فهم يفرقون بين الأصول والفروع من حيث المفهوم، ومن حيث حكم المخالف في كل منهما.

فالأصل عندهم هو: ما كان ثابتًا بدليل قطعي الثبوت، قطعي الدلالة، وبالتالي فإن هذا الأصل يكون موضع إجماع من المسلمين، ولا يدخله الاجتهاد ولا التأويل، ويكون معلومًا من الدين بالضرورة([xiii]).

وقد يرى بعضهم مثل المعتزلة: أن الأصل في الدين، هو ما دل العقل عليه دون ما دلّ عليه الشرع([xiv]) والصحيح: أن الأصل في الدين هو ما كان ثابتًا بدليل سمعي شرعي قطعي الثبوت قطعي الدلالة، وأن ما دون ذلك يكون فرعًا يدخله الاجتهاد.

ورتبوا على ذلك أن المخالف في الأصل يعتبر كافرًا، بينما المخالف في الفرع يعتبر مجتهدًا مصيبًا، أو مخطئًا في اجتهاده.

وقد نص العلماء على تقسيم المسائل الاعتقادية إلى أصول وفروع، وإليك بعض أقوالهم في ذلك([xv]): قال ابن تيمية: "وقال المفسرون لمذهبهم – مذهب أهل السنة – أن له أصولاً وفروعًا، وهو مشتمل على أركان وواجبات – ليس بأركان ومستحبات – " وهذا في معرض حديثه عن أهل السنة حيث يعتقدون أن للإيمان أصولاً وفروعًا. وقال: فصل فيما اختلف فيه المؤمنون من الأقوال والأفعال في الأصول والفروع، فان هذا من اعظم أصول الإسلام الّذي هو معرفة الجماعة وحكم الفرقة والتقاتل والتكفير والتلاعن والتباغض وغير ذلك([xvi]) ويقسم ابن تيمية([xvii]) أمور الشرع إلى أصول وفروع ويبين أن الأصول هي ما جاء في حديث جبريل عليه السلام عندما سأل الرسول e عن الإيمان فقال:أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره([xviii]).

-وقال الإمام البغوي: "إن سوء الفهم عن الله ورسوله أصل كل بدعة وضلالة نشأت في الإسلام وهو أصل كل خطأ في الأصول والفروع"([xix]).

-وقال ابن دقيق العيد: " والبداءة في المطالبة بالشهادتين؛ لأن ذلك أصل الدين، الّذي لا يصح شيء من فروعه إلا به "([xx]).

-وقال الإمام السمعاني فيما نقله عنه الإمام ابن القيم: " وبهذا يظهر مفارقة الاختلاف في مسائل الفروع اختلاف العقائد في الأصول " ([xxi])

وقال أحمد بن الحسين البيهقي: "وفي حديث عبد الله بن عمرو: (إلا واحدة، ما أنا عليه وأصحابي) وإنما اجتمع أصحابه على مسائل الأصول، فإنه لم يُرْوَ عن واحدٍ منهم خلاف ما أشرنا إليه في هذا الكتاب. فأما مسائل الفروع فما ليس فيه نص كتاب ولا نص سنة فقد اجتمعوا على بعضه واختلفوا في بعضه، فما اجتمعوا عليه ليس لأحد مخالفتُهم فيه، وما اختلفوا فيه فصاحب الشرع هو الذي سوّغ لهم هذا النوع من الاختلاف؛ حيث أمرهم بالاستنباط وبالاجتهاد مع علمه بأن ذلك يختلف، وجعل للمصيب منهم أجرين، وللمخطئ منهم أجرًا واحدًا، وذلك على ما يحتمل من الاجتهاد، ورُفع عنه ما أخطأ فيه "([xxii]). ونجد إشارات متعددة للعلماء في التفريق بين الأصول والفروع من حيث الحكم بالكفر أو عدمه للمخالف فيرى القرطبي أن التأويل يعتبر باطلا إذا كان في موضع إجماع المسلمين([xxiii]) ويرى ابن حجر أن الكفر إنما يكون فيما خالف المعلوم من الدين بالضرورة([xxiv]) ويجمع ابن دقيق العيد بين الأمرين السابقين وينص على التواتر في النص([xxv]) وكذلك يشير السيوطي إلى المعنى نفسه([xxvi]).

3. الاعتقاد لغة واصطلاحاً:

العقيدة لغة: مشتقة من العقد، ومعناه نقيض الحل، وعقد الحبل شد بعضه إلى بعض، والعقود أوثق العهود

ومنه قوله تعالى: )يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود((1: المائدة) والعقيدة هي فعيل بمعنى مفعول أي المعتقدات، ومادة عقد في اللغة مدارها على اللزوم والتأكد والاستيثاق([xxvii]) ففي القران: )لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان((89: المائدة).

والعقيدة اصطلاحا: "هي القواعد أو الأحكام الشرعية الاعتقادية التي يطلب من المكلف الاعتقاد بها أي الإيمان بصحتها " ([xxviii]) ويمكن تعريف العقيدة: "وهي الأمور التي تصدق بها النفوس،وتطمئن إليها القلوب وتكون يقينا عند أصحابها لا يمازجها ولا يخالطها شك"([xxix]). وبعد أن عرفت الاجتهاد والفرع والاعتقاد يمكن أن اعرف الاجتهاد في فروع الاعتقاد فأقول: بذل المجتهد وسعه في تحصيل حكم شرعي في مسالة من مسائل فروع الاعتقاد.






المبحث الأول
حكم الاجتهاد عمومًا وفي مسائل الاعتقاد خصوصًا.


أولاً: حكم الاجتهاد عمومًا:

مما هو معلوم أن حكم الاجتهاد فرض كفاية على الأمّة إذا قام به بعض المجتهدين فيها، سقط الإثم عن الآخرين، وإلا أثمت الأمّة كلها ([xxx]).

والنصوص الدالة على هذا الحكم من الكتاب والسنة والإجماع مشهورة معروفة، منها قوله سبحانه وتعالى: )ولو ردوه إلى الله والرسول لعلمه الّذين يستنبطونه منهم((83: النساء).

وقوله تعالى: )فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون((122: التوبة).

ومن السنة حديث معاذ t أن رسول الله e لما أراد أن يبعثه إلى اليمن قال: (كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟) قال: أقضي بكتاب الله، قال: (فإن لم تجد في كتاب الله؟) قال: فبسنة رسول الله e قال: (فإن لم تجد في سنة رسول الله e ولا في كتاب الله؟) قال: أجتهد رأيي ولا آلو، فضرب رسول الله e صدره وقال: (الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله)([xxxi]).

وإذا كانت هذه النصوص تدل على فرضية الاجتهاد فإنها ليست مقيدة بأحكام الفقه دون أحكام العقيدة لأن النصوص الشرعية تأتي بالحكم الفقهي والاعتقادي؛ فيجوز الاجتهاد فيهما والتفريق بين هذه الأحكام لم يحدث إلا في العصور المتأخرة من باب التبويب والتقسيم، وإلا فإن الفقهاء كانوا فقهاء الفقه الأكبر وفقه الفروع، كما ذهب إلى ذلك الإمام أبو حنيفة عندما قال في تعريف الفقه: "الفقه هو ما يجب على النفس من معرفة، فإذا كان في الأصول كان الفقه الأكبر، وإذا كان في الفروع كان معرفة الأحكام العملية التفصيلية"([xxxii]). ويسوي ابن تيمية بين الاجتهاد في مسائل الفقه والعقيدة حيث يعطي نفس الحكم لهما بقوله: "وعامة ما تنازعت فيه فرقة المؤمنين من مسائل الأصول وغيرها في باب الصفات والقدر والإمامة وغير ذلك هو من هذا الباب، فيه المجتهد المصيب، وفيه المجتهد المخطئ، ويكون المخطئ باغياً، وفيه الباغي من غير اجتهاد، وفيه المقصر فيما أمر به من الصبر"([xxxiii]).

ومن هنا وجدنا الاجتهاد في مسائل الاعتقاد منذ عهد الصحابة y إلى يومنا هذا.


ثانياً: حكم الاجتهاد في فروع الاعتقاد.
إذ تبين من الفقرة السابقة أن الاجتهاد في النصوص الشرعية لاستخراج الحكم هو فرض كفاية، إلا أن طبيعة النصوص مختلفة، فهناك نصوص لا يمكن الاجتهاد والاختلاف فيها، حيث أنها قطعية الثبوت قطعية الدلالة، وهي المسائل الثابتة التي لا تتغير ولا مجال فيها للتفسير أو التأويل أو المعارضة، أو المخالفة، لكون دلالتها على الأحكام قطعية، مثل المسائل العقائدية الأصلية المتعلقة بأصل الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره؛ وأن القرآن حق، ومنزل من عند الله عز وجل، وأن الرسول e أُرسل للناس كافة، وهي الأحكام الاعتقادية الكلية التي لم يخالف فيها أحد من المسلمين،وكذلك كل ما علم من الدين بالضرورة ([xxxiv]) وكقطعية بعث الرسل بالنسبة للأحكام العقدية، وكقطعية تحريم الأمهات في قوله تعالى: )حرمت عليكم أمهاتكم((23: النساء) بالنسبة للأحكام العملية، ولذلك لم تكن محلا للاجتهاد، وهي محل اتفاق الأمّة سابقها ولاحقها، متقدّمها ومتأخرها.

وهناك نوع آخر من النصوص الشرعية يمكن أن يدخلها التأويل والمعارضة أو المخالفة لكونها ظنيّة الثبوت والدلالة، أو قد تكون ظنيّة الثبوت قطعية الدلالة، أو قطعية الثبوت ظنيّة الدلالة ([xxxv]).

-ومنها: بعض المسائل الاعتقادية الفروعية، وبعض النظريات الكلامية التي اختلف فيها العلماء، وجرت بينهم فيها مناظرات ومناقشات عائدة لظنية الأدلة الدالة على هذا الحكم العقدي([xxxvi]).

وهذه الأحكام يكون فيها مجال للاجتهاد للوصول إلى الرأي الصائب، أو القريب من الصواب، ومعلوم أن هذه الأحكام هي الأحكام الاعتقادية الفرعية، والأحكام العملية الظنية.

وهذا النوع من الأحكام يتجاذبه جملة من القواعد والمبادئ المتصلة بمقاصد الشريعة العامة وكلياتها اعتقادية أو عملية، ([xxxvii]).

و يؤكد الشاطبي ما سبق بقوله: " فان الله تعالى حكم بحكمته أن تكون فروع هذه الملة قابلة للانظارومجالا للظنون وقد ثبت عند النظار أن النظريات لا يمكن الاتّفاق عليها عادة، فالظنيات عريقة في إمكان الاختلاف فيها، لكن في الفروع دون الأصول، وفي الجزئيات دون الكليات، فلذلك لا يضر هذا الاختلاف" ([xxxviii]). ويظهر من النص أن النظربات يقصد بها المعتقدات وانه يصح الخلاف في فروع الاعتقاد دون الأصول.

ويفرق الشاطبي أيضا في الاختلاف بين الأصول والفروع بقوله: "إن هذه الفِرَق إنما تصير فرقًا بخلافها للفرقة الناجية في معنى كلي في الدين وقاعدة من قواعد الشريعة لا في جزئية من الجزئيات إذ الجزئي والفرع الشاذ لا ينشا عنه مخالفة يقع بسببها التفرق شيعا و إنما ينشأ المخالفة في الأمور الكلية " ([xxxix]) ومن هذا النص يظهر أن الشاطبي يرى جواز المخالفة في الفروع والجزئيات دون الأصول والكليات.



ويرى ابن تيمية أن المسائل الأصولية والمجمع عليها والتي دلالة النصوص عليها قطعية لا يجوز الاجتهاد فيها ومنكرها كافر بينما المسائل الفروعية وغير المجمع عليها والتي دلالة النصوص عليها غير قطعية يجوز الاجتهاد فيها ومنكرها ليس كافرًا"([xl]).

ويجعل ابن تيمية "الأصول الثابتة بالكتاب والسنة والإجماع هي بمنزلة الدين المشترك بين الأنبياء، ليس لأحد خروج عنها، ومن دخل فيها كان من أهل الإسلام المحض، وهم أهل السنة والجماعة، وما تنوعوا فيه من الأعمال والأقوال المشروعة فهو بمنزلة ما تنوعت فيه الأنبياء... وإن تنوعت الأفعال في حق أصناف الأمّة فلم يختلف اعتقادهم ولا معبودهم... والمذاهب والطرائق، والسياسات للعلماء والمشايخ والأمراء إذا قصدوا بها وجه الله تعالى دون الأهواء... بحسب الإمكان بعد الاجتهاد التام، هي لهم من بعض الوجوه بمنزلة الشرع والمناهج للأنبياء، وهم مثابون على ابتغائهم وجه الله تعالى وعبادته وحده" ([xli]). ويفرق ابن الوزير بين ما كان معلوما من الدين بالضرورة وما ليس كذلك ولا يرى كفر المتأول والمخالف في ذلك فيقول: والدليل على أنه لا يكفر أحد من المخالفين في التأويل إلا من بلغ الحد في جحد المعاني المعلوم ثبوتها بالضرورة 000 إن الكفر هو تكذيب النبي r إما بالتصريح أو ما يستلزمه استلزامًا ضروريًا لا استدلاليًا([xlii]).

ويقول محمد بن عبد الوهاب: " ثم اعلموا وفقكم الله، إن كانت المسألة إجماعاً فلا نزاع، وإن كانت مسائل اجتهاد فمعلومكم أنه لا إنكار في من يسلك الاجتهاد"([xliii]).

وإذا كانت النصوص القطعية لا مجال للاجتهاد فيها وأما الظنية فيجوز الاجتهاد فيها فانه لابد من وجود الضوابط لهذا الاجتهاد حتى نصل للرأي الصحيح ولا نقع في الخطأ وفي ذلك يبين شارح العقيدة الطحاوية مسوغات الاجتهاد والتأويل الصحيح لذلك الاجتهاد بحيث لا يقع صاحب الاجتهاد في خطأ التأويل الفاسد، وهذا إقرار منه بالاجتهاد والاختلاف في مسائل الاعتقاد فيقول:

" فالتأويل الصحيح هو الّذي يوافق ما جاءت به السنة، والفاسد المخالف له. فكل تأويل لم يدل عليه دليل من السياق، ولا معه قرينة تقتضيه، فإن هذا لا يقصده المبين الهادي بكلامه، إذ لو قصده لحف بالكلام قرائن تدل على المعنى المخالف لظاهره، حتى لا يوقع السامع في اللبس والخطأ، فإن الله أنزل كلامه بياناً وهدى، فإذا أراد به خلاف ظاهره، ولم يحف به قرائن تدل على المعنى الّذي يتبادر غيره إلى فهم كل أحد-لم يكن بياناً ولا هدى. فالتأويل إخبار بمراد المتكلم، لا إنشاء.

وفي هذا الموضع يغلط كثير من الناس، فإن المقصود فهم مراد المتكلم بكلامه، فإذا قيل: معنى اللفظ كذا وكذا، كان إخباراً بالذي عنى المتكلم فإن لم يكن الخبر مطابقاً كان كذباً على المتكلم. ويعرف مراد المتكلم بطرق متعددة، منها: أن يصرح بإرادة ذلك المعنى. ومنها: أن يستعمل اللفظ الّذي له معنى ظاهر بالوضع، ولا يبين بقرينة تصحب الكلام أنه لم يرد ذلك المعنى، فكيف إذا حف بكلامه ما يدل على أنه إنما أراد حقيقته وما وضع له، كقولهِ: )وكلم الله موسى تكليمًا(( 146: النساء ). وكما في الحديث: (أنكم ترون ربكم عياناً كما ترون الشمس في الظهيرة ليس دونها سحاب)([xliv]).

فهذا مما يقطع به السامع له بمراد المتكلم، فإذا أخبر عن مراده بما دل عليه حقيقة لفظه الّذي وضع له مع القرائن المؤكدة، كان صادقاً في إخباره.

وأما إذا تأول الكلام بما لا يدل عليه ولا اقترن به ما يدل عليه، فإخباره بأن هذا مراده كذب عليه، وهو تأويل بالرأي، وتوهم بالهوى " ([xlv]).




المبحث الثاني

أدلة وقوع الاجتهاد في فروع الاعتقاد وأقوال العلماء فيه



وإذا كان العلماء قد أقروا بالاجتهاد كما بينا في المطلب السابق في فروع الاعتقاد دون الأصول من حيث التصور فإن الاجتهاد والاختلاف قد وقعا بين الصحابة والتابعين ومن بعدهم من العلماء، وسأورد بعض الأمثلة في فروع الاعتقاد الثلاثة في الإلهيات والنبوات والسمعيات.



أولا: الإلهيات:
1-الاجتهاد في رؤية النبي r لله عز وجل في معراجه إلى السماء: فقد حكى القاضي عياض في كتابه "الشفا" اختلاف الصحابة ومن بعدهم في رؤيته r، وإنكار عائشة رضي الله عنها أن يكون r رأى ربه بعين رأسه، وإنها قالت لمسروق حين سألها: هل رأى محمد ربه؟ فقالت: لقد قف شعري مما قلت، ثم قالت: من حدثك أن محمداً رأى ربه فقد كذب([xlvi]).

ثم قال: وقال جماعة بقول عائشة رضي الله عنها، وهو المشهور عن ابن مسعود وأبي هريرة واختلف عنه، وقال بإنكار هذا وامتناع رؤيته في الدنيا جماعة من المحدثين والفقهاء والمتكلمين.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه r رآه بعينه، وروى عطاء عنه: إنه رآه بقلبه. ثم ذكر أقوالاً وفوائد، ثم قال: وأما وجوبه لنبينا r والقول بأنه رآه بعينه. فليس فيه قاطع ولا نص، والمعول فيه على آيتي النجم، والتنازع فيهما مأثور، والاحتمال لهما ممكن.

وهذا القول الّذي قاله القاضي عياض رحمه الله هو الحق، فإن الرؤية في الدنيا ممكنة، إذ لو لم تكن ممكنة لما سألها موسى u، لكن لم يرد نص بأنه r رأى ربه بعين رأسه، بل ورد ما يدل على نفي الرؤية، وهو ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي ذر t قال: "سألت رسول الله r هل رأيت ربك؟ فقال: نور أنى أراه" وفي رواية: "رأيت نوراً".

وقد روى مسلم أيضاً عن أبي موسى الأشعري t أنه قال: "قام فينا رسول الله r بخمس كلمات، فقال: (إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور) وفي رواية: (النار، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه) ([xlvii]) فيكون -والله أعلم- معنى قولهِ: لأبي ذر (رأيت نوراً) ([xlviii]): أنه رأى الحجاب، ومعنى قولهِ: (نور أنّى أراه) ([xlix]): النور الّذي هو الحجاب يمنع من رؤيته، فأنّى أراه؟ أي فكيف والنور حجاب بيني وبينه يمنعني من رؤيته فهذا صريح في نفي الرؤية، والله أعلم ([l]).

وقد تقدم ذكر اختلاف الصحابة في رؤيته r ربه عز وجل بعين رأسه، وأن الصحيح أنه رآه بقلبه، ولم يره بعين رأسه.

وقولهِ: )ما كذب الفؤاد ما رأى((11: النجم ) ).... ولقد رآه نزلة أخرى((13: النجم ) صح عن النبي r أن هذا المرئي جبرائيل، رآه مرتين على صورته التي خلق عليها.

وأما قوله تعالى في سورة النجم: )ثم دنى فتدلى(( 8: النجم ) فهو غير الدنو والتدلي المذكورين في قصة الإسراء، فإن الّذي في سورة النجم هو دنو جبرائيل وتدليه كما قالت عائشة وابن مسعود رضي الله عنهما فإنه قال: )علمه شديد القوى، ذو مرة فاستوى، وهو بالأفق الأعلى، ثم دنا فتدلى(( 5-8 النجم ) فالضمائر كلها راجعة إلى هذا المعلم الشديد القوى، وأما الدنو والتدلي الّذي في حديث الإسراء فذلك صريح في أنه دنو الرب تعالى وتدليه. وأما الّذي في سورة النجم أنه رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى، فهذا هو جبرائيل رآه مرتين مرة في الأرض، ومرة عند سدرة المنتهى([li]).

2-الاجتهاد في جواز الإقسام على الله عز وجل: إن كان مراده الإقسام على الله بحق فلان فذلك محذور أيضاً لأن الإقسام بالمخلوق على المخلوق لا يجوز، فكيف على الخالق وقد قال r ( مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ )([lii]) ولهذا قال أبو حنيفة وصاحباه y يكره أن يقول الداعي : "أسألك بحق فلان أو بحق أنبيائك ورسلك وبحق البيت الحرام والمشعر الحرام" ونحو ذلك حتى كره أبو حنيفة ومحمد أن يقول الرجل: "اللهم إني أسألك بمعقد العز من عرشك" ولم يكرهه أبو يوسف لما بلغه الأثر فيه، وتارة يقول بجاه فلان عندكَ أو يقول نتوسل إليكَ بأنبيائك ورسلك وأوليائك، ومراده لأن فلاناً عندك ذو وجاهة وشرف ومنزلة فأجب دعانا ([liii]).

3-الاجتهاد في أول مخلوقات الله عز وجل: ولا يخلو قولهِ : (أول ما خلق الله القلم...) إما أن يكون جملة أو جملتين. فإن كان جملة وهو الصحيح كان معناه أنه عند أول خلقه قال له اكتب، كما في اللفظ (أول ما خلق الله القلم قال له اكتب ) بنصب "أول" والقلم، وإن كان جملتين وهو مروى برفع "أول والقلم" فيتعين حمله على أنه أول المخلوقات من هذا العالم، فيتفق الحديثان، إذ حديث عبد الله بن عمرو صريح في أن العرش سابق على التقدير، والتقدير مقارن لخلق القلم. وفي اللفظ الآخر لما خلق الله القلم قال له: اكتب ([liv]). وسبب الخلاف كما يظهر يعود إلى ناحية الإعراب والى أن هذا النص جملة أو جملتين.

4-الاجتهاد في صفة علو الله عز وجل: يرى ابن تيمية أن الاجتهاد منه الصواب ومنه الخطأ وفي ذلك يقول وكذلك كثير ممن يتنازعون في أن الله في السماء ومقصو دهم بان الله في السماء أو ليس في السماء فالمثبتة تطلق القول بأن الله في السماء كما جاءت به النصوص ودلت عليه بمعنى انه فوق السماوات على عرشه بائن عن خلقه. وآخرون ينفون القول بان الله في السماء ومقصودهم أن السماء لا تحويه ولا تحصره ولا تقله ولا ريب أن هذا المعنى صحيح فان الله لا تحصره مخلوقاته ثم قال ولكن هؤلاء أخطئوا في نفي اللفظ الّذي جاء به الكتاب والسنة وفي توهم أن إطلاقه دال على معنى فاسد ([lv]).

5-الاجتهاد في معنى صفة: " وجه الله عز وجل ": فقد اجتهد الصحابة والتابعون في تفسير قوله تعالى: )ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم (( 115: البقرة ) فعن ابن عمر –رضي الله عنهما- أنه كان يصلي حيث توجهت به راحلته ويذكر أن رسول الله r كان يفعل ذلك ويتأول الآية([lvi]))فأينما تولوا فثم وجه اللـه( . ( 115: البقرة ).

ونقل ابن كثير عن ابن عباس -رضي الله عنهما– في قوله تعالى: )فأينما تولوا فثم وجه اللـه( ( 115: البقرة ) أن معناه: قبلة الله، أينما توجهت شرقا أو غربا، وقال مجاهد: فأينما تولوا فثم وجه الله: حيث ما كنتم فلكم قبلة تستقبلونها الكعبة ([lvii]).

وكما اختلف الصحابة في معنى الوجه في الآية الكريمة، اختلف من بعدهم التابعون، قال الترمذي: ويروى عن مجاهد في هذه الآية، )فأينما تولوا فثم وجه الله(( 115: البقرة ) قال: فثم قبلة الله، وقال حدثنا بذلك أبو كريب، حدثنا وكيع عن النضر بن عربي عن مجاهد بهذا ([lviii]).

ونقل عن طائفة أخرى منهم عامر بن ربيعة عن أبيه الصحابي، وعن حماد عن إبراهيم النخعي أن الوجه هنا بمعنى القبلة ([lix]).

ونقل الرأي الثاني: أن " فثم وجه الله " أي: فثم الله تبارك وتعالى، وقال آخرون: عني بالوجه ذا الوجه ([lx])

وظاهر من هذا الخلاف أن منهم من حملها على الحقيقة ومنهم من حملها على المجاز ثم اختلفوا في تأويلها على آراء.

6-الاجتهاد في حقيقة الكرسي لله عز وجل: فقد اجتهد الصحابة في معنى قوله تعالى: )وسع كرسيه السماوات والأرض(( 255: البقرة ) فاختلفت الآراء في المسألة إلى الآراء التالية: فقال بعضهم: أنه الكرسي علم الله، وذهب آخرون إلى أن الكرسي موضع القدمين، وذهب آخرون إلى أن الكرسي هو العرش نفسه، فذهب على القول الأول من الصحابة ابن عباس – رضي الله عنهما – وابن جبير من التابعين، وذهب إلى القول الثاني: أبو موسى الأشعري والسّدي وطائفة من السلف، وإلى الرأي الثالث: الحسن البصري، نقل هذه الأقوال الطبري وعقب عليها: ولكل من هذه الأقوال وجه ومذهب ثم مال هو إلى تأويل الكرسي بالعلم ([lxi]).



ثانيا: النبوات:
1-الاجتهاد في حقيقة الرسل هل هم من الإنس فقط أم من الإنس والجن معا: فمنهم من ذهب إلى انهم من الإنس والجن وهو ما رواه ابن جرير عن الضحاك بن مزاحم لقوله تعالى: )يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم( ( 130: الأنعام ) وقال مجاهد وغيره من السلف والخلف،الرسل من الإنس فقط، وليس من الجن رسول،، وقال ابن عباس الرسل من بني آدم ومن الجن نذر([lxii]).

وسبب الخلاف في هذه المسالة أن من حمل الآية على عممومها فقد ذهب إلى أن الله يرسل الرسل من الإنس والجن ومن حملها على وجه التخصيص فقد ذهب إلى أن الرسل من الإنس فقط، وفهم الآية السابقة على مثل قول الله تعالى: )يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان(( 22: الرحمن ) والمراد من أحدهما([lxiii]).

2- الاجتهاد في حقيقة الفرق بين النبي والرسول: فقد اختلف في حقيقة النبي والرسول فمن العلماء من ذهب انه لا فرق بين معنى الرسول والنبي، ومنهم من فرق بين النبي والرسول فجعل الرسول من أمر بالتبليغ والنبي من لم يؤمر بالتبليغ ([lxiv]). ومنهم من قال بل من نزلت عليه شريعة مستقلة فهو الرسول لأنه خص بشريعة وكتاب ومن بلغ شريعة الرسول الّذي سبقه فهو النبي ([lxv]).

3- الاجتهاد في عدد الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام -: فقد أختلف في عدد الأنبياء فالبعض ذهب إلى أن عدد الأنبياء غير محصور بعدد ومنهم من حصره بمائة وأربعة وعشرين ألف نبي ورسول ([lxvi]). وقد كان سبب الخلاف هو صحة الحديث الذي ورد بالعدد فعن أبي أمامة قال أبو ذر: قلت: يا رسول الله كم وفاء عدة الأنبياء؟ قال:( مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً من الرسل من ذلك ثلاث مائة وخمسه عشر جماً غفيراً)([lxvii]) ومعارضته لإطلاق العدد في القران الكريم في مثل فوله تعالى ) وان من أمة إلا خلا فيها نذير( ( 24: فاطر )

4- الاجتهاد في نبوة النساء: فقد أختلف في نبوة النساء، فقد ذهب بعض العلماء إلى نبوة بعض النساء، ومن هؤلاء أبو حسن الأشعري والقرطبي وابن حزم، وقد خالفهم في ذلك جمهور العلماء، وهناك من نقل الإجماع على عدم نبوة النساء ([lxviii]).

وهذا الخلاف إنما وقع لان النصوص في هذه المسالة ليست قطعية الدلالة([lxix]).

5 - الاجتهاد فيما عصم الله عز وجل أنبياءه –عليهم الصلاة والسلام- منه: فقد اختلف فيما عصم الله سبحانه وتعالى أنبياءه منه من الكبائر أو من الكفر أو من الصغائر قبل النبوة أو بعدها ويقول التفتازاني: "واستقر الخلاف بين المسلمين في عصمتهم وفي فضلهم على الملائكة ولا قاطع في أحد الجانبين"([lxx]).

6- الاجتهاد في تفضيل الأنبياء وصالحي البشر على الملائكة: فقد نقل ابن أبي العز الحنفي الخلاف في تفضيل الأنبياء وصالحي البشر على الملائكة، فقد ذهب أهل السنة والجماعة إلى تفضيل صالحي الأنبياء فقط على الملائكة، وذهب المعتزلة إلى تفضيل الملائكة، وأما الأشاعرة، فذهب بعضهم إلى التوقف في هذه المسالة، وذهب آخرون إلى الميل لتفضيل الملائكة، وذهب آخرون إلى تفضيل الأنبياء وصالحي البشر على الملائكة، وأما الشيعة، فقد ذهبوا إلى أن الأئمة أفضل من الملائكة.

وقد توقف الإمام أبو حنيفة في هذه المسألة، ولذا، فلم يوردها الطحاوي في نصه، وذهب شارح الطحاوية إلى أن الأدلة في هذه المسالة متكافئة([lxxi]). وقال الامدي بعد أن أورد الخلاف في هذه المسالة قال: ( فهذه المسالة ظنية سمعية والترجيح فيها لكل أحد على حسب ما يتفضل الله تعالى عليه من المنة وجودة القريحة كما في غيرها من المسائل الاجتهادية )([lxxii]).



ثالثا: السّمعيات:

ومن الأدلة على وقوع الاختلاف والاجتهاد في مسائل السمعيات، ما يأتي:

1- الاجتهاد في الدخان والوارد في قوله تعالى: " فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم "( 10-11 الدخان ) وفي المراد بهذا الدخان، وهل وقع، أو من الآيات المرتقبة قولان:

القول الأول: أن هذا الدخان هو ما أصاب قريشا من الشدة والجوع، عندما دعا عليهم النبي e حين لم يستجيبوا له، فأصبحوا يرون في السماء كهيئة الدخان، وإلى هذا القول ذهب عبد الله ابن مسعود t وغيره من التابعين ([lxxiii]) وهذا اجتهاد منه t على واقعة بعينها.

القول الثاني: أن الدخان آية من آيات الله مرسلة على عباده قبل مجيء الساعة، فيأخذ المؤمن كهيئة الزكمة، ويدخل في مسامع الكافر والمنافق حتى يكون كالرأس الحنيذ، وإلى هذا القول ذهب ابن عباس رضي الله عنهما وبعض الصحابة والتابعين([lxxiv]).

2- اجتهاد بعض العلماء في النار التي تخرج في آخر الزمان: ظن بعض الناس عندما ظهرت نار عظيمة في المدينة في جزيرة العرب أنها هي النار المقصودة كعلامة من علامات الساعة الكبرى، ولكن الحقيقة أن الرأي الراجح أن علامة الساعة الكبرى هي النار التي تخرج آخر الزمان وتحشر الناس إلى محشرهم تبيت معهم([lxxv]) وهذا إنزال النص على واقعة معينة ومخالفة الغير في ذلك.

3- الاجتهاد في اسم الدَّجّال وحقيقة ما معه ممن جنة أو نار:

لقد اختلف الصحابة ومن بعدهم من العلماء في من هو الدَّجّال؛ فمنهم من قال: أنه ابن الصياد، ومنهم من قال: أنه الرجل الذي رؤي في حديث الجساسة، وهذا ما رجحه ابن حجر في فتح الباري([lxxvi]).

ومما يدل على أن ابن الصياد هو الدَّجّال حديث جابر t الّذي في البخاري أنه كان يحلف أن ابن الصياد هو الدَّجّال ويقول: سمعت عمر t يحلف عند رسول الله r فلم ينكر عليه.

ولكن الأصح أن الدَّجّال غير ابن صياد وإن شاركه ابن صياد في كونه أعور ومن اليهود وأنه ساكن في يهودية أصبهان إلى غير ذلك؛ وذلك لأن أحاديث ابن صياد كلها محتملة وحديث الجساسة نصّ فيقدم.

ومما يرجح أن الدجال ليس هو ابن الصياد أن ابن الصياد كان في المدينة و قد أشارت الأحاديث أن ابن الدجال في بحر الشام أو بحر اليمن أو هو في قبل المشرق([lxxvii]).

وأما الاجتهاد في حقيقة النار التي معه، هل هي حقيقة أم تخيل؟ مال ابن حبان في صحيحه([lxxviii]) إلى أنه تخيل واستدل بحديث المغيرة بن شعبة في الصحيحين أنه قال: "ما سأل أحد النبي e ما سألته، وأنه قال لي: (ما يضرك منه؟) قلت: لأنهم يقولون: معه جبل خبز ونهر ماء، قال: (هو أهون على الله من ذلك)([lxxix]).

فمعناه: أنه أهون على الله من أن يكون معه ذلك حقيقة بل يرى كذلك وليس بحقيقة.

وقال جماعة منهم القاضي ابن العربي: بل هي على ظاهرها أي: فيكون ذلك امتحاناً من الله لعباده ويكون معنى الحديث: هو أهون من أن يخاف أو أن يضل الله به من يحبه([lxxx]).

ويدل على ذلك: "قولُ رَسُولِ اللَّهِ e: (لأَنَا أَعْلَمُ بِمَا مَعَ الدَّجَّالِ مِنْهُ، مَعَهُ نَهْرَانِ يَجْرِيَانِ أَحَدُهُمَا: رَأْيَ الْعَيْنِ مَاءٌ أَبْيَضُ، وَالآخَرُ: رَأْيَ الْعَيْنِ نَارٌ تَأَجَّجُ، فَإِمَّا أَدْرَكَنَّ أَحَدٌ فَلْيَأْتِ النَّهْرَ الَّذِي يَرَاهُ نَارًا، وَلْيُغَمِّضْ ثُمَّ لْيُطَأْطِئْ رَأْسَهُ فَيَشْرَبَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مَاءٌ بَارِدٌ"([lxxxi]) أساس الخلاف في هذه المسالة كما أرى اعتبار الحقيقة والمجاز.

4-الاجتهاد في المهدي: قال الحافظ ابن القيّم: "قد اختلف الناس في المهدي على أربعة أقوال:

أحدها: أنه المسيح بن مريم عليه السلام وأنه هو المهدي على الحقيقة واحتج أصحاب هذا القول بحديث محمد بن خالد الجندي([lxxxii]) أي المتقدم وقد بينا حاله وأنه لا يصحّ، ولو صحّ لم يكن فيه حجة لان عيسى عليه السلام أعظم مهدي بين يدي الساعة فيصح أن يقال: لا مهدي في الحقيقة سواه إن كان غيره مهدياً يعني هو المهدي الكامل المعصوم.

ثانيها: أنه المهدي الّذي ولي من بني العباس قد انتهى واحتج أصحاب هذا القول بما رواه أحمد في مسنده عن ثوبان مرفوعاً: (إذا رأيتم الرايات السود أقبلت من خراسان فأتوها ولو حبواً على الثلج فإن فيها خليفة الله المهدي)([lxxxiii]) وفيه على بن زيد ضعيف وله مناكير فلا يحتجّ بما ينفرد به.

وبما روى ابن ماجة من حديث الثوري عن ثوبان نحوه وتابعه عبد العزيز بن المختار عن خالد.

وفي سنن ابن ماجة عن عبد الله بن مسعود t مرفوعاً: (إن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاءً وتشريداً وتطريداً حتى يأتي قوم من أهل المشرق ومعهم رايات سود…)([lxxxiv]) الحديث، وفي إسناده يزيد بن أبى زياد وهو سيء الحفظ في آخر عمره وكان يقبل الفلوس.

قال: وهذا الّذي قبله لو صحّ لم يكن فيه دليل على أن المهدي هو الّذي تولى من بني العباس.

ثالثها: أنه رجل من أهل بيت النبي r من ولد الحسن أي: أو ولد الحسين بن علي يخرج في آخر الزمان وقد ملئت الأرض جوراً فيملؤها قسطاً وعدلاً واكثر الأحاديث على هذا.

أقول: وقد ادعى قومَ من السلف في محمد بن عبد الله المحض النفس الزكية أنه المهدي وقد مرّت الإشارة، والله أعلم([lxxxv]).

وفيما سبق يظهر اختلاف الأقوال نظرًا لاعتماد البعض على أحاديث ضعيفة ظنوها صحيحة، واختلاف العلماء في تصحيح الحديث أو تضعيفه.

5- الاجتهاد في أول علامات الساعة وقوعًا ليوم القيامة: فقد ورد في بعض الروايات: أن أول الآيات خروج الدَّجّال.

وفي بعضها: أن أولها طلوع الشمس من مغربها.

وفي بعضها: الدابة.

وفي بعضها: نار تحشر الناس إلى محشرهم.

قال الحافظ ابن حجر: "وطريق الجمع: أن الدَّجّال أول الآيات العظام المؤذنة بتغيير أحوال العامّة في الأرض أي: فلا ينافي تقدّم المهدي عليه. قال: "وينتهي ذلك بموت عيسى بن مريم عليه السّلام ومن بعد القحطاني وغيره، وإن طلوع الشمس من المغرب هو أول الآيات المؤذنة بتغيير أحوال العالم العلوي، وينتهي ذلك بقيام السّاعة أي: والدابة معها فهي والشمس كشيء واحد، وإن النار أول الآيات المؤذنة بقيام الساعة" انتهى([lxxxvi]).

وهذا جمع حسن له رحمه الله تعالى، ويدل على ذلك ما في بعض الروايات: "وآخر ذلك – يعني الآيات- نار تحشر الناس إلى محشرهم" ([lxxxvii]).

وروى نعيم بن حماد عن وهب بن منبه قال: "أول الآيات الروم، ثم الدجال، والثالثة يأجوج ومأجوج، والرابعة عيسى بن مريم، والخامسة الدخان، والسادسة الدابة"([lxxxviii]).

أي: وكون عيسى عليه السلام رابعًا باعتبار تأخره عن يأجوج ومأجوج، وإن كان باعتبار وقت نزوله مقدما عليهما، فهو باعتبار ثالث، وباعتبار أخر رابع.

والخامسة: الدخان – وقد سبق بيانه– والسادسة: الدابة أي وعده هذا باعتبار الآيات الأرضية ومن ثم لم يعد طلوع الشمس فهو أيضا يؤيد ما ذكره الحافظ لكن لو قال: وينتهي ذلك بخروج الدابة بدل قوله: بموت عيسى عليه السلام لكان أولى وأوضح وكون الروم أولا حقيقي وكون الدَّجّال أولا إضافي لأنه أعظم من الروم وكان الروم بالنظر إليه ليس بشيء"([lxxxix]).

والاختلاف في أول العلامات ظهوراً وفي ترتيب تلك العلامات، مرده إلى تعدد الروايات واختلافهم في الجمع أو التوفيق بينها أو صحتها وضعفها.

6- الاجتهاد في وصف الدابة ومكان خروجها:

أما الاجتهاد في وصف الدابة:

فعن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن لها عنقًا مشرفًا –أي طويلاً- يراها من بالمغرب، ولها وجه الإنسان ومنقار كمنقار الطير، ذات وبر وزغب"([xc]).

وعن أبي هريرة t: "أنها ذات عصب وريش"([xci]).

وعن ابن عمر رضي الله عنهما: "زغباء ذات وبر وريش"([xcii]).

وعن حذيفة t: إنها ملمّعة ذات وبر وريش، لن يدركها طالب ولن يفوتها هارب([xciii]).

وعن علي بن أبى طالب كرم الله وجهه وقد قيل له: أن ناساً يزعمون أنك دابة الأرض فقال: والله إن لدابّة الأرض ريشاً وزغباً، ومالي ريش ولا زغب، وإن لها حافراً ومالي حافر، إنها تخرج حضر الفرس الجواد ثلاثاً، وما أخرج ثلثاها"([xciv]).

وعن عمرو بن العاص t: أن رأسها يمسّ السحاب وما خرجت رجلها من الأرض([xcv]).

وعن ابن عمرو رضي الله عنهما: إنها تخرج كجري الفرس ثلاثة أيام لم يخرج ثلثها، وهذا يقرب من رواية علي كرم الله وجهه المارة([xcvi]).

وعن أبى هريرة t: أن فيها من كل لون ما بين قرنيها فرسخ للراكب([xcvii]).

وعن ابن عباس رضي الله عنهما: "أنها مؤلفة ذات زغب وريش فيها من ألوان الدواب كلّها، وفيها من كل أمة سيما، وسيماهم من هذه الأمّة أنها تكلم الناس بلسان عربي مبين تكلمهم بكلامهم"([xcviii]).

هذه الروايات التي ذكرناها عن الصحابة رضي الله عنهم قد يصحّ بعضها وقد يضعف، فيعتمد البعض عليها في إثبات أوصاف الدابة كما فعل البرزنجي حيث ساق هذه الأقوال دون تعليق عليها وكأنه يقرها، مع العلم أنه لم يثبت في وصف الدابة حديث صحيح عن رسول الله e([xcix]).

وأما الاجتهاد في مكان خروجها: فقد اختلفت الروايات الواردة عن رسول الله e ([c]) كما اختلفت الروايات عن الصحابة رضي الله عنهم([ci]) ومن ثم اختلفت آراء العلماء في ذلك، ففي بعضها: أنها تخرج من إنطاكية، وفي بعضها: أنها تخرج من المروة، وفي بعضها: من مدينة قوم لوط، وفي بعضها: من وراء مكة.

ووجه الجمع بين هذه الروايات من وجهين:

أحدهما: أن لها ثلاث خرجات، ففي بعضها تخرج من مدينة قوم لوط، ويصدق أنها من أقصى البادية، وفي بعضها تخرج من بعض أودية تهامة، ويصدق عليها أنه من وراء مكة، ومن اليمن لان الحجاز يمانية، ومن ثم قيل: الكعبة يمانية. وفي المرة الأخيرة تخرج من مكة وهي من أعظم جثتها وطولها يمكن أن تخرج من بين المروة والصفا وأجياد، فإنها تمسك مقدار ثلاثة أيام واكثر وحينئذ يصدق عليه أنها خرجت من المروة ومن الصفا ومن أجياد ومن المسجد، وبالله التوفيق.

الوجه الثاني: أنها تخرج من جميع تلك الأماكن في آن واحد خرقاً للعادة في صور مثالية، وهذا أيضا مبني على تحقيق المثال المحسوس([cii]) وفي هذه المسالة كان الخلاف في مسالة صحة الروايات أو ضعفها أو التوفيق بين الروايات.

7- الاجتهاد في الميزان والحوض أيهما يكون قبل الآخر؟ فهناك أقوال منها: أن الميزان قبل الحوض، وقيل الحوض قبل الميزان، قال أبو الحسن القابسي: والصحيح أن الحوض قبل الميزان، قال القرطبي: "والمعنى يقتضيه، فإن الناس يخرجون عطاشًا من قبورهم كما تقدم فيقدم قبل الميزان والصراط".ويظهر من قول القرطبي انه اعتمد على مرجح عقلي وقد تختلف العقول في ذلك.

قال أبو حامد الغزالي في كتاب كشف علم الآخرة: حكى بعض السلف من أهل التصنيف أن الحوض يورد بعد الصراط، وهو غلط من قائله، قال القرطبي: هو كما قال، وذهب إلى أنَّ الرأي الصحيح هو أن للنبي حوضان: أحدهما: في الموقف قبل الصراط، والثاني: يكون في الجنة ([ciii]). ويظهر أن منشأ هذا الخلاف إنما هو ترجيح دليل على آخر، أو هو على قاعدة الجمع بين الأدلة عند صحتها([civ]).

8- الاختلاف فيما يوزن يوم القيامة: ومن أمثلة ذلك الاجتهاد والاختلاف في الشيء الّذي يوزن يوم القيامة، فمنهم من جمع بين الأدلة التي وردت فيما يوزن، ومنهم من أخذ بحديث واعتمده في المسألة، ومن هنا وقع الخلاف في المسألة.

فقد وردت النصوص على ثلاثة أقسام في هذه المسألة واختلفت الآراء إلى أربعة، وهي: أن الّذي يوزن هو الأعمال نفسها عندما تتحول إلى أعيان ومما يدل على ذلك: حديث النبي r: (أن البقرة وآل عمران يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف)([cv]).

ومما يدل على القول الثاني أن الصحف هي التي توزن هو حديث البطاقة المشهور، وهي أن صحف السيئات توضع في كفة ثم يوضع بطاقة مكتوب عليها: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فلا يثقل شيء باسم الله ([cvi]).

وأما القول الثالث: فهو أن الإنسان نفسه هو الّذي يوزن، ومما يدل عليه حديث رسول الله r عن ثقل ساقي عبد الله بن مسعود عند الله يوم القيامة وأنهما أثقل عند الله من جبل أحد([cvii]) وأما القول الرابع فهو الجمع بين الآراء فقالوا بوزن الأمور الثلاثة على قاعدة العمل بالدليل أولى من إهماله، والملاحظ في هذه أن الأحاديث المتعارضة كلها صحيحة.

أكتفي بهذا القدر من الأمثلة والتي كانت في كافة أقسام العقيدة، وبذلك يظهر بوضوح وقوع الاجتهاد والاختلاف في فروع الاعتقاد بين الصحابة والتابعين والعلماء دون أن يكفر بعضهم بعضاً، وهذا تطبيق عملي في إقرار مشروعية الاجتهاد، نظراً للاختلاف في فهم النصوص أو نظراً للاختلاف في الجمع بين النصوص أو لاعتماد البعض على دليل لم يصل إلى الآخر أو نظراً لتصحيح أو تضعيف يعض الأدلة إلى غير ذلك من مبررات واقعية للاجتهاد والاختلاف، وعلينا أن نسلك مسلك من سبقنا في الإقرار بتلك الشرعية ولا ينكر بعضنا على بعض إذا خالفه الرأي.




المبحث الثالث:

أقوال العلماء في حكم المخالف في مسائل الاجتهاد في الاعتقاد.


وإذا كان العلماء قد أقروا بجواز الاجتهاد في مسائل فروع الاعتقاد من الناحبة النظرية، فقد وقع ذلك منهم فعلا، فاجتهدوا في فروع الاعتقاد كما بينا في المطلب السابق؛ فإنهم قد ارتضوا بنتائج الاجتهاد، فأقروا بأن حكم المخالف والمجتهد في فروع الاعتقاد هو حكم المجتهد في مسائل الفقه، يؤجر على اجتهاده أجرين إن كان صائبا، ويؤجر أجرا واحدا إن كان مخطئا، إذا بذل وسعه في استنباط الحكم من النص، وبناء عليه: فإنهم لم يكفروا صاحب الرأي المخالف في فروع الاعتقاد، وكانوا يصلون وراء من يخالفهم في فروع الاعتقاد، ولم يزيلوا الولاء بين المسلمين للاختلاف في تلك الفروع من الاعتقاد، وإليك بعض أقوال العلماء في بيان هذه المسألة بدءا من الإمام أحمد بن حنبل وانتهاء بالعلماء المعاصرين في زماننا.

يقول الإمام أحمد بن حنبل: "لم يعبر الجسر إلى خراسان مثل إسحاق وإن كان يخالفنا في أشياء، فإن الناس لم يزل يخالف بعضهم بعضاً" ([cviii]).

ويقول: "ولو أنا كلما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأ مغفوراً له قمنا عليه وبدعناه وهجرناه لما سلم معنا لا ابن نصر، ولا ابن منده، ولا من هو أكبر منهما، والله هو هادي الخلق إلى الحق وهو أرحم الراحمين([cix]).

يرى الإمام أحمد – رحمه الله – أنه لا يصح هجر المخالف والمجتهد في فروع الاعتقاد، كما كان يخالفه إسحاق وابن نصر في مسألة خلق القرآن([cx]) وابن مندة في مسألة أمية النبي – e–([cxi]).

وهاتان القضيتان العقديتان من القضايا الاجتهادية المهمة ومع ذلك فقد أعذر الإمام أحمد وهو إمام أهل السنة والجماعة مخالفيه في ذلك.

ويقول الإمام الطحاوي: "ونسمي أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين ما داموا بما جاء به النبي r معترفين، وله بكل ما قاله وأخبر مصدقين "([cxii]) فالمسلم عند الإمام الطحاوي هو من يشهد أن لا اله إلا الله ويؤمن ويصدق بكل ما جاء به الرسول e وإن كانوا متأولاً أو مخالفا في بعض القضايا باجتهاده.

وقال الإمام أبو الحسن الأشعري في بداية كتابه مقالات الإسلاميين قبل أن يورد اختلافات المسلمين في مسائل الاعتقاد ( اختلف الناس بعد نبيهم r في أشياء كثيرة ضلل بعضهم بعضا وبرئ بعضهم من بعض فصاروا فرقًا متباينين وأحزابا مشتتين إلا أن الإسلام يجمعهم ويشمل عليهم ) ([cxiii]).

وقد ذكرت كلام البيهقي في انقسام المسائل إلى أصول وفروع، وقد أعذر من خالف في الفروع ورتب عليه الأجر من الله تعالى([cxiv]).

وروى ابن عساكر عن أبي زاهر علي بن زاهر بن أحمد السرخسي يقول: " لما قرب حضور أجل أبي الحسن الأشعري – رحمه الله – في داري ببغداد دعاني فأتيته، فقال: أشهد أني لا أكفر أحداً من أهل هذه القبلة، لأن الكل يشيرون إلى معبود واحد، وإنما هذا كله، اختلاف العبارات"([cxv]). وفي كلام الأشعري تركيز على القواسم المشتركة بين المسلمين من شهادتهم أن لا اله إلا الله وأن معبودهم واحد وإيمانهم بالإسلام واحد، وعدم اعتبار للقضايا الجزئية التي يخالف بعض المسلمين بعضهم فيها، واعتبارهم مسلمين لا يجوز تكفيرهم، فإذا اعتبرهم مسلمين فانه ينتقد انقسام المسلمين إلى فرق وأحزاب متطاحنة فيجب عند ذلك ولاؤهم ونصرتهم.

ويقرر ابن حزم إعذار المجتهد فيما ذهب إليه في اجتهاده، فيقول: "ومن بلغه الأمر عن رسول الله r من طريق ثابتة وهو مسلم فتأول في خلافه إياه، أو رد ما بلغه بنص آخر، فما لم تقم عليه الحجة في خطئه في ترك ما ترك، وفي الأخذ بما أخذ، فهو مأجور معذور، لقصده على الحق، وجهله به، وإن قامت عليه الحجة في ذلك فعاند، فلا تأويل بعد قيام الحجة " ([cxvi]).

ويذكر ابن حزم مبررات الخلاف بين المجتهدين من حيث النصوص ثبوتا ودلالة ومن حيث وصولها للمجتهد أو عدم وصولها ويعذره فيما يذهب إليه في مخالفته فان أقيمت عليه الحجة فعليه أن يرجع للحجة الراجحة.

ويقدم إلينا الإمام الغزالي رحمه الله نصاً محكماً في الاجتهاد والاختلاف فيقول: " اعلم أن شرح ما يكفر به وما لا يكفر به يستدعي تفصيلا طويلا يفتقر إلى ذكر كل المقالات والمذاهب، وذكر شبهة كل واحد، ودليله، ووجه بعده عن الظاهر، ووجه تأويله، وذلك لا تحويه مجلدات، ولا تتسع لشرح ذلك أوقات، فاقتنع الآن بوصية وقانون، أما الوصية فأن تكف لسانك عن أهل القبلة ما داموا قائلين لا إله إلا الله محمد رسول الله بعذر أو غير عذر، فإن التكفير فيه خطر والسكوت لا خطر فيه، أما القانون فهو أن تعلم أن النظريات قسمان: قسم يتعلق بأصول الدين، وقسم يتعلق بالفروع، وأصول الإيمان ثلاثة: الإيمان بالله وبرسوله واليوم الآخر، وما عداه فروع، وأعلم أنه لا تكفير في الأصول أصلا إلا في مسالة واحدة، وهي أن ينكر أصلا دينيا علم من الرسول r بالتواتر، ولكن في بعضها تخطئة كما في الفقهيات وفي بعضها تبديع كالخطأ المتعلق بالإمامة وأحوال الصحابة " ([cxvii]). ويظهر من كلام الغزالي عدم تكفير المسلم سواء كان خطؤه بعذر أو بغير عذر احتياطا للدين، ويرى انه لا يجوز التكفير للمسلم المخالف إلا في قضايا الأصول من الدين وهي الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر دون الفروع في الدين وهي ما سوى ذلك.

ويقول الذهبي عن التابعي قتادة السدوسي: "كان يرى القدر نسأل الله العفو ومع هذا فما توقف أحد في صدقه وعدالته وحفظه، ولعل الله يعذر أمثاله ممن تلبس ببدعة يريد بها تعظيم الباري وتنزيهه وبذل وسعه.. ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه، وعلم تحريه للحق، واتسع علمه وظهر ذكاؤه وعرف صلاحه وورعه واتباعه يغفر له زللـه ولا نضلله ونطرحه وننسى محاسنه، نعم ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبة من ذلك"([cxviii]).

ويتحدث الذهبي عن ابن خزيمة وتأويله حديث الصورة فيقول: "فليُعذر من تأول بعض الصفات، وأما السلف فما خاضوا في التأويل بل آمنوا وكفوا وفوضوا علم ذلك إلى الله ورسوله، ولو أن كل من أخطأ في اجتهاده مع صحة إيمانه وتوخيه لاتباع الحق أهدرناه وبدعناه لقل من يسلم من الأئمة معنا رحم الله الجميع بمنه وكرمه" ([cxix]).

ويقول: "ولو أنا كلما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأ مغفوراً له قمنا عليه وبدعناه وهجرناه لما سلم معنا لا ابن نصر ولا ابن مندة ولا من هو أكبر منهما، والله هو هادي الخلق إلى الحق وهو أرحم الراحمين فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة"([cxx]).

ويقول الذهبي في تعليقه على اختلاف الناس في أبي حامد الغزالي بين مادح وذام: "مازال العلماء يختلفون ويتكلم العالم في العالم باجتهاده، وكل منهم معذور مأجور، ومن عاند أو خرق الإجماع فهو مأزور، وإلى الله ترجع الأمور" ([cxxi]).

ويظهر من أقوال الذهبي بوضوح انه يقر بالاجتهاد ويعذر المخالف فلا يبدعه أو يكفره ولو كان الخلاف في مسالة تأويل الصفات أو في نفي القدر وهو ما ذهب إليه المعتزلة.

ويبين الشاطبي الفرق بين الخلاف السائغ وغيره " وقد ثبت عند النظار أن النظريات لا يمكن الاتّفاق عليها عادة، فالظنيات عريقة في إمكان الاختلاف فيها، لكن في الفروع دون الأصول، وفي الجزئيات دون الكليات، فلذلك لا يضر هذا الاختلاف" ([cxxii]). ويقول الشاطبي: "إن هذه الفِرَق إنما تصير فرقًا بخلافها للفرقة الناجية في معنى كلي في الدين وقاعدة من قواعد الشريعة لا في جزئي من الجزئيات"([cxxiii]).

ويقول الشاطبي أيضا: "الاجتهاد الواقع في الشريعة ضربان، أحدهما الاجتهاد المعتبر شرعاً، وهو الصادر عن أهله الّذين اضطلعوا بمعرفة ما يفتقر الاجتهاد إليه... والثاني: غير المعتبر، وهو الصادر عمن ليس بعارف بما يفتقر الاجتهاد إليه، لأن حقيقته أنه رأي بمجرد التشهي.. فكل رأي صادر عن هذا الوجه فلا مرية في عدم اعتباره، لأنه ضد الحق الّذي أنزله..."([cxxiv]). ويظهر من كلام الشاطبي إقراره بالاجتهاد في المسائل الظنية وليست القطعية أي في الفروع دون الأصول، وفي المسائل الجزئية دون الكلية، وان هذا الاجتهاد والخلاف معتبر.

ويقول القرطبي مبينا العلاقة بين المسلم وأخيه المسلم ولو كان مخالفا له: " وهذا كله حض على مكارم الأخلاق، فينبغي للإنسان أن يكون قوله للناس ليناً، ووجهه منبسطاً طلقاً مع البر والفاجر والسني والمبتدع من غير مداهنة، ومن غير أن يتكلم معه بكلام يظن أنه يرضي مذهبه،

ثم قال: وقال طلحة بن عمر: قلت لعطاء: إنك رجل يجتمع عندك ناس ذوو أهواء مختلفة، وأنا رجل فيَّ حدة، فأقول لهم بعض القول الغليظ، فقال: لا تفعل، يقول الله تعالى: )وقولوا للناس حسنًا(( 83: البقرة ) فدخل في هذه الآية اليهود والنصارى فكيف بالحنيفي" ([cxxv]) وتبين من كلام القرطبي أن أصحاب الأقوال الخاطئة و أصحاب الأهواء طالما انهم حنفاء فيجب معاملتهم معاملة طيبة وان يقال لهم قولا لينا وفي هذا الكلام دعوة للتسامح بين المسلمين.

وقال محمد بن أحمد الغنجار:" كان لابن سلام مصنفات في كل باب من العلم، وكان بينه وبين أبي حفص أحمد بن حفص الفقيه مودة وأخوة مع تخالفِهِما في المذهب" ([cxxvi]).

فمذهب ابن سلام هو مذهب أهل الحديث والأثر، ومذهب أبي حفص مذهب الحنفية في الإرجاء وغيره، ومع الاختلاف بينهما في مسائل الاعتقاد الفرعية، إلا أنهما كانا على مودة([cxxvii]).

ويقول التفتازاني: "والمجتهد في العقليات والشرعيات الأصلية والفرعية قد يخطئ ويصيب... والمجتهد غير مكلّف بإصابته لغموضه وخفائه فلذلك كان المخطئ معذورًا بل مأجورًا، فلا خلاف على هذا المذهب في أن المخطئ ليس بآثم"([cxxviii]). وكلام التفتازاني ظاهر في إقراره بالاجتهاد وبالتالي بالخلاف وأعذاره وعدم تأثيم المخطئ لأنه غير مكلف بالوصول إلى الحق وان كان مكلفا بالاجتهاد للغموض الذي قد يكون موجودا في النصوص. ونجد الشيخ جمال الدين الغزنوي يعرض الخلاف في مسائل عصمة الأنبياء والخلاف في مسالة القدر وفي مسالة أطفال المشركين ويقول بعد كل مسالة: (والقول السديد..) في هذه المسألة كذا وكذا.. دون أن يشنع على المخالف، وهذا إقرار منه باجتهاد وعدم تكفير المخالف في مثل تلك المسائل الفرعية([cxxix]).

ويقول محمد بن عبد الوهاب: "ثم اعلموا وفقكم الله، إن كانت المسألة إجماعاً فلا نزاع، وإن كانت مسائل اجتهاد فمعلومكم أنه لا إنكار في من يسلك الاجتهاد" ([cxxx]). ويظهر من هذا الكلام تفريقه بين المسائل المجمع عليها وفي الغالب يكون الإجماع على القضايا الكلية والتي دلالة النصوص عليها قطعية،وبين المسائل الاجتهادية فيرى أن الأولى لا يصح الاختلاف فيها و أما الثانية فلا ينكر من اجتهد واختلف معه فيها.

وفيما يلي أورد أقوال ومواقف بعض العلماء المعاصرين في الإقرار بمبدأ الاجتهاد في فروع الاعتقاد وإعذار المخالف وعدم تكفيره:

فيقول الشيخ عبد الرحمن السعدي: " إن المتأولين من أهل القبلة الّذين ضلوا وأخطأوا في فهم ما جاء في الكتاب والسنة مع إيمانهم بالرسول واعتقادهم صدقه في كل ما قال، وأن ما قاله كان حقًا، والتزموا ذلك لكنهم أخطأوا في بعض المسائل الخبرية أو العلمية، فهؤلاء قد دلّ الكتاب والسنة على عدم خروجهم من الدّين، وعدم الحكم لهم بأحكام الكافرين، وأجمع الصّحابة والتابعون ومن بعدهم من أئمة السلف على ذلك"([cxxxi]) ويرى في هذا القول أن المجتهد المتأول المخطئ لا يكفر ولا يخرج من دائرة الإسلام.

ويستنكر الشيخ محمد الغزالي رحمه الله على المسلمين تكفير بعضهم بعضا فيقول " واني لأقرأ في صحفنا الدينية اليوم نزاعاًً بين أتباع السلف والخلف –كما سموا أنفسهم – واسمع ألفاظ الكفر تتبادل كما تتبادل الكرة أرجل اللاعبين فأهز رأسي عجبا "([cxxxii]) وعبارته واضحة بإعذار المخالف في الاجتهاد وعدم تكفيره.

وأجد الشيخ عبد الرحمن حبنكة الميداني يورد الآراء الثلاثة المعتبرة في مسالة الصفات الخبرية من إثباتها أو تفويضها أو تأويلها، ثم يقول في معرض تعليقه على مذهب المؤولة: "وحين نلاحظ أن كبارًا من علماء المسلمين الذين هم مرجع للمسلمين في علوم الفقه والتفسير والحديث قد أخذوا بهذه الطريقة، يتأكد لدينا أن لهم رأيا لا يصح أن نضللهم فيه، مادام لهم وجهة نظر ذات حجة، ولهم نظائر في الشريعة مما اتفق المسلمون جميعا عليه. ولئن كانوا مخطئين في هذا، فهم ضمن شروط الاجتهاد المقبول، ولهم اجر على اجتهادهم الذي بذلوه ليصلوا إلى ما ينشدونه من حق "([cxxxiii]) ويظهر من كلامه أن المكلف به المسلم هو الاجتهاد وليس الوصول إلى الحق أو الصواب؛ فان اخطأ فانه يؤجر على اجتهاده ويعذر في خطئه.



ويفرق أ.د قحطان الدوري بين الأصل الديني وهو المتفق عليه بين المسلمين من الإيمان بالله وبالنبوة واليوم الآخر... والأصل المذهبي الذي يخص فرقة معينة ويرى أن المخالف في الديني كافر وان المخالف في الأصل المذهبي ليس من مذهب مخالفه ولكنه مسلم وليس بكافر([cxxxiv]) وهذا القول يقرر مبدأ الخلاف بين المسلمين وان المخالف في الفروع دون الأصول ليس بكافر.




المبحث الرابع

نظرية ابن تيمية في الاجتهاد في فروع الاعتقاد وضوابطه.



لابن تيمية نظرية في الاجتهاد في فروع الاعتقاد والاختلاف فيها، ويمكن من خلال استقراء النصوص الواردة عن ابن تيمية في هذا الموضوع استخلاص مفاصل هذه النظرية، وذلك وفق النقاط التالية:

أولا: يقرر مشروعية الاجتهاد في فروع الاعتقاد فيقول: " وعامة ما تنازعت فيه فرقة المؤمنين من مسائل الأصول وغيرها في باب الصفات والقدر والإمامة، وغير ذلك، فهو من هذا الباب، فيه المجتهد المصيب، وفيه المجتهد المخطئ "([cxxxv]).

ويظهر من كلام ابن تيمية في الاختلاف في مسائل الصفات في كون الصفات زائدة على الذات، أو غير زائدة، وفي تأويل الصفات الخبرية، وفي مسائل القدر حيث كان الخلاف في التفريق بين القضاء والقدر والتعليل في حكمة القدر، واختلافهم في الإمامة بين أبي بكر وعلي – رضي الله عنهما -، وغير ذلك من مسائل الخلاف بين الأمة في هذه القضايا وأمثالها، أن فيها المجتهد المصيب، والمجتهد المخطئ، فقد سماه مجتهدا، مع كونه مخطئا، وهذا إقرار منه بمشروعية الاجتهاد.



ثانيا: أن اختلاف الصحابة في فروع الاعتقاد مؤيد من مؤيدات المشروعية للاجتهاد في فروع الاعتقاد: وفي ذلك يقول: "وتنازعوا في مسائل علمية اعتقادية، كسماع الميت صوت الحي، وتعذيب الميت ببكاء أهله، ورؤية محمد ربه قبل الموت، مع بقاء الجماعة والألفة. وهذه المسائل منها ما أحد القولين خطأ قطعا،ً ومنها ما المصيب في نفس الأمر واحد عند الجمهور أتباع السلف، والآخر مؤد لما وجب عليه بحسب قوة إدراكه. وهل يقال له: مصيب أو مخطئ؟ فيه نزاع. ومن الناس من يجعل الجميع مصيبين ولا حكم في نفس الأمر، ومذهب أهل السنة والجماعة أنه لا إثم على من اجتهد وإن أخطأ"([cxxxvi]).

فقوله: " وتنازعوا في مسائل علمية اعتقاديه كسماع الميت صوت الحي...: فيه دلالة واضحة على اختلاف الصحابة – رضي الله عنهم – في فروع الاعتقاد من غير نكير بينهم، فدل ذلك على المشروعية.

ثالثا: يرى ابن تيمية عدم التفرقة بين مسائل الاعتقاد والفقه في جواز الاجتهاد فيهما، فيقول: " فمن كان من المؤمنين مجتهدا في طلب الحق، فإن الله يغفر له خطأه كائنا ما كان، سواء كان في المسائل النظرية أو العملية، هذا الذي عليه أصحاب النبي –e– وجماهير أمة الإسلام " ([cxxxvii]).

فقوله سواء كان في المسائل النظرية أو العملية، يدل دلالة صريحة على عدم التفرقة بينهما، حيث عبر عن المسائل الاعتقادية بالنظرية، والمسائل الفقهية بالعملية، ورأى أن القول بعدم التفريق بينهما في جواز الاجتهاد هو قول صحابة النبي –e– وجماهير أمة الإسلام.

رابعا: يفرق ابن تيمية بين الأصول والفروع من حيث جواز الاجتهاد، فيرى جوازه في الفروع دون الأصول، ويعبر عن ذلك بقوله: "الأصول الثابتة بالكتاب والسنة والإجماع هي بمنزلة الدين المشترك بين الأنبياء، ليس لأحد خروج عنها، ومن دخل فيها كان من أهل الإسلام المحض، وهم أهل السنة والجماعة، وما تنوعوا فيه من الأعمال والأقوال المشروعة فهو بمنزلة ما تنوعت فيه الأنبياء "([cxxxviii]).

فقوله: الأصول الثابتة بالكتاب والسنة والإجماع، هي الأصول التي لا يجوز الاجتهاد والاختلاف فيها،وقد شبهها بالدين المشترك بين الأنبياء من توحيد الله عز وجل والإيمان به والجزاء على ذلك يوم القيامة التي لا يجوز الخروج عنها، وأما فروع الاعتقاد فقد شبهها – رحمه الله – باختلاف شرائع الأنبياء، التي تنوعت عندهم، فإقراره بتنوعها يعني إقرارا بجوازالاجتهاد والاختلاف في هذه الفروع.

خامسا: ويضع ابن تيمية شروطا للاجتهاد، أساسها النظر في الأدلة الشرعية المعتبرة بقصد الوصول إلى الحق الذي أراده الله وأراده رسوله e، وعليه: فلا كرامة لمن صدر في رأيه عن العقل المجانب للشرع، أو عن الرؤى المنامية ولا لمن صدر عن الهوى والعصبية، وفي هذا المعنى يقول: "فالمذاهب والطرائق والسياسات للعلماء والمشايخ والأمراء إذا قصدوا بها وجه الله دون الأهواء ليكونوا مستمسكين بالملة والدين الجامع الذي هو عبادة الله وحده لا شريك له، واتبعوا ما أنزل إليهم من ربهم من الكتاب والسنة بحسب الإمكان بعد الاجتهاد التام، هي لهم من بعض الوجوه بمنزلة الشرع والمناهج للأنبياء، وهم مثابون على ابتغائهم وجه الله وعبادته وحده لا شريك له، وهو الدين الأصلي الجامع"([cxxxix]).

ويظهر من خلال هذا النص ما يضع ابن تيمية من شروط للاجتهاد من الإخلاص وعدم اتباع الهوى والتمسك بالملة و الدين الجامع الذي يجمع بين المسلمين ولا يفرقهم من عبادة الله وحده لا شريك له وأن يكون أساس الاجتهاد مبنيا على الكتاب والسنة وليس على العقل أو على غيره من الأدلة غير المعتبرة في الشرع.

سادسا: مسوغات الاجتهاد في فروع الاعتقاد: فيقول: " وكثير من مجتهدي السلف والخلف قد قالوا وفعلوا ما هو بدعة ولم يعلموا أنه بدعة، إما لأحاديث ضعيفة ظنوها صحيحة، وأما لآيات فهموا منها ما لم يُرد منها، وأما لرأي رأوه، وفي المسألة نصوص لم تبلغهم، وإذا اتقى الرجل ربه ما استطاع دخل في قوله تعالى: " ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا" ( 286: البقرة ) وفي الصحيح قال: قد فعلت "([cxl]).

ويظهر من هذا النص مبررات الاجتهاد والاختلاف عند ابن تيمية، نظرا لاختلاف المجتهدين في صحة الأحاديث أو ضعفها، أو أن بعض النصوص لم تصلهم، أو أنهم اختلفوا في فهمهم لتلك النصوص، أو أخطأوا فان الله لا يؤاخذهم، كما أشار دعاء المؤمنين في الآية ويستجيب الله دعاءهم كما اخبر الحديث.

سابعا:أنه يعذر المخالف([cxli]) وفي ذلك يقول: "والخطأ المغفور في الاجتهاد هو في نوعي المسائل الخبرية والعلمية كما قد بسط في غير موضع كمن اعتقد ثبوت شيء لدلالة آية أو حديث وكان لذلك ما يعارضه ويبين المراد ولم يعرفه مثل من اعتقد أن الذبيح إسحاق لحديث اعتقد ثبوته أو اعتقد أن الله لا يُرى لقوله: )لا تدركه الأبصار(( 103: الأنعام ) ولقوله: )وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أو مِن وَرَاء حِجَابٍ(( 51: الشورى ) نقل عن بعض التابعين أن الله لا يرى، وفسروا قوله )وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَىٰ رَبّهَا نَاظِرَةٌ(( 22-23: القيامة) بأنها تنتظر ثواب ربها كما نقل عن مجاهد وأبي صالح.. أو اعتقد أن الله لا يعجب كما اعتقد ذلك شريح لاعتقاده أن العجب إنما يكون من جهل السبب، والله منزه عن الجهل.

وكما أنكر طائفة من السلف والخلف أن الله يريد المعاصي لاعتقادهم أن معناه أن الله يحب ذلك ويرضاه ويأمر به.. وكالذي قال لأهله: (إذا أنا متُّ فأحرقوني ثم ذروني في اليم فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين) ([cxlii]) وكثير من الناس لا يعلم ذلك إما لأنه لم تبلغه الأحاديث وأما لأنه ظن أنه كذب وغلط"([cxliii]).

ويقول: "وأما غير هؤلاء فيقول هذا قول السلف وأئمة الفتوى كأبي حنيفة والشافعي والثوري وداود بن علي وغيرهم لا يؤثمون مجتهدًا مخطئًا في المسائل الأصولية الفروعية كما ذكر عنهم ابن حزم وغيره ولهذا كان أبو حنيفة والشافعي وغيرهما يقبلون شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية ويصححون الصلاة خلفهم" ([cxliv]).

فقوله: "لا يؤثّمون مجتهدًا مخطئًا في المسائل الأصولية الفروعية كما ذكر عنهم ابن حزم وغيره" يدل دلالة صريحة على إعذار المجتهد المخطىء، خاصة إذا بذل جهده في الوصول إلى الحق ثم لم يصل إليه، وفي ذلك يقول: "... إن الله أمر كلاًّ منهم أن يطلب الحق بقدر وسعه وإمكانه، فإن أصابه كان خيرا، وإلا فلا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، وقد قال المؤمنون: )رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أو أَخْطَأْنَا( " (286: البقرة ) وقال الله قد فعلت، وقال تعالى: ) وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ("( 5: الاحزاب ) فمن ذمهم ولامهم على ما لم يؤاخذهم الله عليه، فقد اعتدى، ومن أراد أن يجعل أقوالهم وأفعالهم بمنزلة قول المعصوم وفعله وينتصر لها بغير هدى من الله فقد اعتدى، واتبع هواه بغير هدى من الله، ومن فعل مثلما أمر به بحسب حاله من اجتهاد يقدر عليه أو تقليد إذا لم يقدر على الاجتهاد، وسلك في تقليده مسلك العدل، فهو مقتصد، إذ الأمر مشروط بالقدرة) لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ("( 286: البقرة ) فعلى المسلم في كل موطن أن يسلم وجهه لله وهو محسن، ويدوم على هذا الإسلام "([cxlv]).

وقد كانت عبارته صريحة في إعذار المخالف، وأن عدم الإعذار اعتداء على شرع الله، فقد قال: "فمن ذمهم ولامهم على ما لم يؤاخذهم الله به، فقد اعتدى".



ثامنا: عدم تكفير المجتهد المخالف: يقول في ذلك " ولا يجوز تكفير المسلم بذنب يفعله ولا خطأ أخطأ فيه كالمسائل التي تنازع فيها أهل القبلة"([cxlvi]) ويقول: " وأهل السنة لا يبتدعون قولاً ولا يكفرون من اجتهد فأخطأ، وإن كان مخالفهم مكفراً لهم مستحلاً لدمائهم"([cxlvii]) ويقول: "وكذلك سائر الثنتين والسبعين فرقة... ومن كان منهم مؤمنا بالله ورسوله في الباطن لم يكن كافرا,وإن كان أخطأ التأويل كائنا من كان أخطاؤه ومن قال:إن هذه الثنتين والسبعين كل واحد منهم يكفر كفرا ينقل عن الملة فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع الصحابة, بل وإجماع الأئمة الأربعة وغير الأربعة,فليس فيهم من كفر كل واحد من الثنتين و السبعين فرقة"([cxlviii]) وفي هذه الأقوال يظهر جليًا أن ابن تيمية لا يكفر أحدًا من المسلمين إذا كان قوله صادرًا عن اجتهاد في النص، وإنما يكفر من يخالف كتاب الله عزّ وجلّ وسنة نبيه e وإجماع الأمة.



تاسعا: أن المصيب فيها له أجران، والمخطئ له أجر: وفي ذلك يقول معلقا على حديث النبي e: "خير الكلام كلام الله عز وجل، وخير الهدي هدي محمد e وشر الأمور محدثاتها ([cxlix]) ولم يقل: وكل ضلالة في النار، بل لا يضل عن الحق من قصد الحق واجتهد في طلبه فعجز عنه، فلا يعاقب، وقد يفعل بعض ما أمر به، فيكون له أجر على اجتهاده، وخطؤه الذي ضل فيه عن حقيقة الأمر مغفور له"([cl]).

وظاهر من كلامه أنه رتب الأجر للمجتهد المخطئ، وخطؤه مغفور له عند الله سبحانه وتعالى

عاشرا: الاجتهاد والاختلاف في فروع الاعتقاد لا يزيل الولاء بين المسلمين: ويرى أن الاختلاف في مسائل الاعتقاد لا يفرق الأمّة، ولا يزيل الوحدة بينهم، و يبقي الولاء بين المسلمين، ويصلى المسلم المخالف لهم بصلاتهم ويحضر الأعياد معهم، بل إن الإمام ابن تيميه يمدح ويثني على المخالف المستحق للمدح من أشاعرة وصوفية وغيرهم ونجد في هذه المعاني عدة نصوص منها قوله في وصف السلف.: "كانوا يتناظرون في المسائل العلمية والعملية مع بقاء الألفة والعصمة وأخوة الدين، ولو كان كلما اختلف مسلمان في شيء تهاجرا لم يبق بين المسلمين عصمة ولا أخوة" ([cli]). ثم يورد أدلة واستنباطات تدلل على ما ذهب إليه فيورد قصة أسامة بن زيد حيث قتل رجلاً بعد ما قال: لا إله إلا

الله، وعظم على النبي r ذلك لما أخبره وقال: (يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟) وكرر ذلك عليه حتى قال أسامة: تمنيت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ([clii]). ومع هذا لم يوجب عليه قودًا, ولا دية, ولا كفارة, لأنه كان متأولاً ظن جواز قتل ذلك القائل لظنه أنه قالها تعوذًا و حاميا لنفسه من القتل فقال له النبي e:(هلا شققت عن قلبه).

ومع قتال المسلمين بعضهم لبعض في قتال الفتن فانهم لم يكفروا من قاتلوه وهكذا السلف قاتل بعضهم بعضا من أهل الجمل وصفين ونحوهم وكلهم مسلمون مؤمنون كما قال تعالى: )وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين(( 9: الحجرات ) فقد بين الله تعالى أنهم مع اقتتالهم, وبغي بعضهم على بعض إخوة مؤمنون, وأمر بالإصلاح بينهم بالعدل، ولهذا كان السلف مع الاقتتال يوالي بعضهم بعضا موالاة الدين, لا يعادون كمعاداة الكفار, فيقبل بعضهم شهادة بعض, ويأخذ بعضهم العلم عن بعض ويتوارثون ويتناكحون ويتعاملون بمعاملة المسلمين بعضهم مع بعض, مع ما كان بينهم من القتال والتلاعن وغير ذلك.

وقد ثبت في الصحيح أن النبي r سأل ربه(أن لا يهلك أمته بسنة عامة فأعطاه ذلك, وسأله أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم فأعطاه ذلك, وسأله أن لا يجعل بأسهم بينهم فلم يعط ذلك، وأخبر أن الله لا يسلط عليهم عدوًا من غيرهم يغلبهم كلهم حتى يكون بعضهم يقتل بعضًا وبعضهم يسبي بعضًا)([cliii]).

وثبت في الصحيحين لما نزل قوله تعالى: )قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم(( 65: الأنعام ) قال: "أعوذ بوجهك" )أومن تحت أرجلكم(( 65: الأنعام ) قال "أعوذ بوجهك" )أو يلبسكم شيعًا ويذيق بعضكم بأس بعض(( 65: الأنعام ) قال "هاتان أهون"([cliv]).

هذا مع أن الله أمر بالجماعة والائتلاف, ونهى عن البدعة والاختلاف, وقال: )إن الّذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في شيء(( 159: الأنعام ) وقال النبي r: (عليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة)([clv]) وقال: (الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد) ([clvi]) وقال: (الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم والذئب إنما يأخذ القاصية والنائية من الغنم) ([clvii]).

ثم يبين جوانب الولاء العملي بين المسلمين ويذكر بالواجب على المسلم إذا صار في مدينة من مدائن المسلمين أن يصلي معهم الجمعة والجماعة ويوالي المؤمنين ولا يعاديهم, وإن رأى بعضهم ضالاً أو غاويًا وأمكن أن يهديه ويرشده فعل ذلك, وإلا فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها, وإذا كان قادراً على أن يولي في إمامة المسلمين الأفضل ولاه, وإن قدر أن يمنع من يظهر البدع والفجور منعه. وإن لم يقدر على ذلك فالصلاة خلف الأعلم بكتاب الله وسنة نبيه الأسبق إلى طاعة الله ورسوله أفضل, كما قال النبي r في الحديث الصحيح: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله, فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة, فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة, فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا) ([clviii]).

وإن كان في هجره لمظهر البدعة والفجور مصلحة راجحة هجره, كما هجر النبي r الثلاثة الّذين خلفوا حتى تاب الله عليهم. وأما إذا ولي غيره بغير إذنه وليس في ترك الصلاة خلفه مصلحة شرعية كان تفويت هذه الجمعة والجماعة جهلاً وضلالاً, وكان قد رد بدعة ببدعة.
حتى أن المصلي الجمعة خلف الفاجر اختلف الناس في إعادته الصلاة وكرهها أكثرهم, حتى قال أحمد بن حنبل في رواية عبدوس: من أعادها فهو مبتدع. وهذا أظهر القولين, لأن الصحابة لم يكونوا يعيدون الصلاة إذا صلوا خلف أهل الفجور والبدع, ولم يأمر الله تعالى قط أحدا إذا صلى كما أمر بحسب استطاعته أن يعيد الصلاة. ولهذا كان أصح أقوال العلماء أن من صلى بحسب استطاعته أن لا يعيد حتى المتيمم لخشية البرد ومن عدم الماء والتراب إذا صلى بحسب حاله, والمحبوس وذوو الأعذار النادرة والمعتادة والمتصلة والمنقطعة لا يجب على أحد منهم أن يعيد الصلاة إذا صلى الأولى بحسب استطاعته.

وقد ثبت في الصحيح أن الصحابة صلوا بغير ماء ولا تيمم لما فقدت عائشة عقدها ولم يأمرهم النبي e بالإعادة([clix]) بل أبلغ من ذلك أن من كان يترك الصلاة جهلا بوجوبها لم يأمره بالقضاء, فعمرو وعمار لما أجنبا وعمرو لم يصل وعمار تمرّغ كما تتمرّغ الدابة لم يأمرهما بالقضاء, وأبو ذر لما كان يجنب ولا يصلي لم يأمره بالقضاء, والمستحاضة لما استحاضت حيضة شديدة منكرة منعتها الصلاة والصوم لم يأمرها بالقضاء.

والذين أكلوا في رمضان حتى يتبين لأحدهم الحبل الأبيض من الحبل الأسود لم يأمرهم بالقضاء, وكانوا قد غلطوا في معنى الآية فظنوا أن قوله تعالى: )حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر(( 187: البقرة ) هو الحبل فقال النبي r: (إنما هو سواد الليل وبياض النهار) ([clx]) ولم يأمرهم بالقضاء؛ والمسيء في صلاته لم يأمره بإعادة ما تقدم من الصلوات, والذين صلوا إلى بيت المقدس بمكة والحبشة وغيرهما بعد أن نسخت (بالأمر بالصلاة إلى الكعبة) وصاروا يصلون إلى الصخرة حتى بلغهم النسخ لم يأمرهم بإعادة ما صلوا, وإن كان هؤلاء أعذر من غيرهم لتمسكهم بشرع منسوخ.

ويتضح من أقوال ابن تيمية رأيه بوضوح انه لا يكفر المسلمين عموما سواء كان المخالف من أهل السنة والجماعة أو من غيرهم ([clxi]).

وقد أكثرت من أقوال ابن تيميه لبيان رأيه بوضوح لأن بعض من ينتسب إليه ينسب مبدأ تكفير المخالف ولو في مسائل جزئية إليه، وأن بعض من لم يطلع على مثل هذه الأقوال يتهمه بتكفير المسلمين.

وبعد فهذه هي بعض الأقوال من مختلف المذاهب والمدارس الفكرية سواء المذهب الحنبلي أو الشافعي أو المالكي أو الحنفي أو السلفي أو الأشعري أو الماتردي أو الظاهري أو غيرهم تجمع على حقيقة؛ أنه يجوز الاجتهاد والاختلاف في المسائل الظنية الثبوت أو الدلالة والتي يطلق عليها مصطلح فروع الاعتقاد.






الخاتمة

بعد استكمال عناصر هذا البحث فقد توصل الباحث إلى النّتائج التالية:



أولا: أن الاجتهاد لا يدخل في المسائل الأصوليّة –التي ثبوتها قطعي ودلالتها قطعية - في الاعتقاد كما هو في الفقه.



ثانيا: أن الاجتهادَ فيما كان ظنّيّ الثبوت، ظني الدلالة أو كان قطعي الثبوت ظني الدلالة جائز، ولا خلاف فيه.



ثالثا: إنّه لا فرقَ بين الاجتهاد في مسائل الاعتقاد، ومسائل الفقه فيما يصح الاجتهاد والاختلاف فيه.



رابعا: الخلاف بين الأصول والفروع في الاعتقاد من حيث الاجتهاد لابد من حسمه، فأجاز جمهور العلماء الاجتهاد في فروع الاعتقاد، وأما الاجتهاد في أصول الاعتقاد فلم يجزه أحد من علماء الأمة.



خامساً: أن هناك أدلة من الكتاب والسنة اختلف فيها الصحابة y ومن بعدهم من التابعين والعلماء.



سادساً: إنه كما يؤجر المجتهد المخطئ في مسائل الفقه، كذلك يؤجر المخطئ في مسائل الفروع في الاعتقاد التي تقبل الاجتهاد.



سابعاً: أقر العلماء المحققون بنتائج الاجتهاد في فروع الاعتقاد واعتبروها، ولم يفسقوا المخالف ولم يبدعوه، وأبقوا على الوحدة والموالاة بين المسلمين.



ثامناً: أظهر البحث مبررات الاجتهاد ومسوغاته عموماً، وفي فروع الاعتقاد بوجه خاص.



وبعد فإن الباحث يوصي علماء المسلمين أن يميّزوا للأمة بين أصول الاعتقاد وفروعها، وأن يوضحوا حكم الاختلاف في أصول العقائد وفروعها، وأن يعتبروا الإيمان بأصول الاعتقاد هو الأساس في اعتبار الرجل مسلمًا دون الفروع التي هي محل للاجتهاد والاختلاف، واعتبار هذه الأصول هي مناط الأخوة و الولاء بين المسلمين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.



--------------------------------------------------------------------------------

()جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور(توفي 711هـ) ، لسان العرب، دار الفكر، بيروت، مادة: "جهد": 3/ 133.

([ii]) محمد بن يعقوب الفيروز آبادي(توفي826 هـ)، القاموس المحيط، مؤسسة الرسالة، بيروت، د.ت: ص: 269.

([iii]) يذكر الأصوليون للمجتهد شروطا لابد من توافرها حتى يكون أهلا للاجتهاد، وهي أن يكون مسلمًا بالغًا عاقلاً، فقيه النفس، صحيح الفهم عالما بمصادر الأحكام من كتاب وسنة وإجماع وقياس، وبالناسخ والمنسوخ، عالما بآيات الأحكام، وعالما بالحديث متنا وسندا عالما باللغة العربية نحوها وصرفها وبلاغتها، عالما بأصول الفقه هذا ما يتعلق بالمجتهد المطلق، أما مجتهد المسألة، فيشترط فيه أن يكون عارفا بما تتطلبه المسألة والحكم الشرعي الخاص، وانظر هذه الشروط: علي محمد الآمدي(توفي 632هـ)، الإحكام في أصول الأحكام، تعليق: عبد الرزاق عفيفي،: 4/ 162-164، وبدر الدين محمد بن بهادر بن عبد الله الشافعي الزركشي، البحر المحيط حرره عبد الستار ابو غدة 1992ط2: 6/ 199-206، و محمد بن علي بن محمد الشوكاني(توفي 1250هـ)، إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، دار المعرفة، بيروت.، ص: 251 –252، والشنقيطي، محمد الأمين، مذكرة أصول الفقه، المكتبة السلفية، باب الرحمة، المدينة النبوية، ص: 311-312، وسليم رستم، شرح المجلة، المطبعة الأدبية، بيروت، ط3. ص: 25-26.

([iv]) يذكر الأصوليون أن معرفة الحكم الشرعي من دليله القطعي لا يسمى اجتهادا، الأنصاري، مسلم الثبوت، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، المصورة من ط1 بالمطبعة الأميرية ببولاق، مصر 1324هـ. 2/ 362.

([v]) انظر تعريف الاجتهاد: ، عثمان بن عمرو ابن الحاجب(توفي 646هـ) ، منتهى الوصول والأمل في علمي الأصول والجدل، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1985م. ص: 209.

([vi]) وانظر تعريفات أخرى للاجتهاد، الشوكاني، إرشاد الفحول، ص: 250-251، ويذكر الفقهاء نوعا آخر من الاجتهاد سوى الاجتهاد في الأدلة الشرعية، وذلك ما يحتاجه المسلم عند قيامه ببعض العبادات عند حصول الاشتباه؛ كأن يجتهد في تحديد القبلة؛ لأجل استقبالها في صلاته، والاجتهاد عند اشتباه الثياب الطاهرة بالنجسة إذا لم يجد غيرها، أو ماء طهور بماء نجس لم يجد غيرهما، وانظر: وزارة الأوقاف الكويتية، الموسوعة الفقهية، 1/ 318.

([vii])الإمام أبو حامد محمد بن محمد الغزالي(توفي505 هـ) المستصفى من علم الأصول، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، المصورة من ط1 بالمطبعة الأميرية ببولاق، مصر 1324هـ.: 2/ 101.

([viii]) ابن الحاجب، ، منتهى الوصول والأمل في علمي الأصول والجدل، ص: 209. ومن أراد التوسع في مفهوم الاجتهاد، ومجالاته، فليرجع إلى بحث الدكتور محمد خالد منصور بعنوان: "دلالة قاعدة لا مساغ للاجتهاد في مورد النص قطعي الثبوت والدلالة عند الأصوليين وتطبيقاتها في الفقه الإسلامي والقانون المدني الأردني، مجلة دراسات، الجامعة الأردنية، علوم الشريعة والقانون، مجلد 27، العدد 2/ 2000.

[ix]) ) اسماعيل بن حماد الجوهري، الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية،تحقيق احمد عبد الغفور عطار، طبع على نفقة السيد حسن عباس الشربتلي 1982، 4/ 1623

[x]) ) المصدر السابق 3/ 1256

[xi]) ) الإمام مسعود بن عمر بن عبد الله سعد الدين التفتازاني ( توفي793 هـ )، شرح المقاصد، تحقيق د: عبد الرحمن عميرة، عالم الكتب بيروت، ط1 1409 هـ -1989م، 1/ 29.

[xii]) ) المصدر السابق 1/ 28

([xiii])أبو حامد محمد بن محمد الغزالي( توفي 505 هـ )، فيصل التفرقة،ضبطه وقدم له: رياض مصطفى العبد الله، دار الحكمة دمشق، 1986م. ص: 147 أبو عبد الله محمد بن المرتضى اليماني بن الوزير،إيثار الحق على الخلق، كتب هوامشه وصححه جماعة من العلماء بإشراف الناشر دار الكتب العلمية بيروت لبنان ط1 1983. ص: 376، محمد بن إبراهيم الوزير اليماني، العواصم من القواصم في الذب عن سنة أبي القاسم، حققه شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، ط 1 1992 م: 4/ 177.

([xiv])أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية(توفي728 ه) ، منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية، مكتبة الرياض الحديثة، الرياض السعودية، 3/ 22-23.

([xv]) وقد توسع في بحث هذه المسألة، ونصوص العلماء في التفريق بين الأصول والفروع في مسائل الاعتقاد أبو العلا بن راشد بن أبي العلا الراشد، في كتابه: عارض الجهل وأثره على أحكام الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة، مكتبة الرشد، الرياض، ط2، 2003 م. " ص: 78-98.

([xvi])أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية (توفي 728هـ)، تحقيق د0 محمد رشاد سالم، الاستقامة، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ط1، 1403هـ، 1983، 1/ 24.

([xvii])أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية(توفي 728هـ) مجموع الفتاوى، جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد العاصمي، تصوير ط 1 1398هـ. 15/ 158- 161.

([xviii])مسلم بن حجاج النيسابوري(توفي 261ه)، صحيح مسلم، طبعة دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1374هـ، 1954م الصحيح: 1/ 36 (8).

([xix]) الحسين بن مسعود البغوي، شرح السنة، المكتب الإسلامي، تحقيق: شعيب الأرناؤوط وزهير الشاويش، د.ت.ط.: 1/ 229.

([xx]) الإمام أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الآمدي (توفي632هـ) ، أبكار الأفكار، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 20023/ 183

([xxi])محمد بن أبى بكر بن أيوب بن سعد بن حريز الزرعي ، شمس الدين أبي عبد الله بن قيم الجوزية (توفي751 هـ)، مختصر القواعد المرسلة على الجهمية والمعطلة، تحقيق سيد إبراهيم، دار الحديث 1994 م، ص: 572.

([xxii])أحمد بن حسين البيهقي(توفي 458هـ) ، الاعتقاد، أحمد عصام الكاتب، دار الآفاق الجديدة، بيروت، 1401هـ، ط1، ص: 234.

([xxiii])شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد ابن أبي بكر، الجامع لأحكام القرآن، ط2 سنة1372، دار الشعب، 15/ 86

([xxiv])أحمد بن علي ابن حجر(توفي 852هـ)، العسقلاني، فتح الباري شرح صحيح البخاري، دار المعرفة، بيروت: 10/ 466.

([xxv]) فتح الباري: 12/ 202.

([xxvi])عبد الرحمن بن الحديثة، أبي بكر السيوطي(توفي 911هـ) ،تدريب الراوي، تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف، مكتبة الرياض الرياض، 1/ 324.

[xxvii]) ) راجع ابن منظور ، لسان العرب 3/ 296-299

[xxviii]) ) د: حسن الشافعي، المدخل إلى دراسة علم الكلام، ص: 25.

[xxix]) ) د:عمر سليمان الأشقر، العقيدة في الله، مكتبة الفلاح الكويت، ط6 1989م، ص: 9.

([xxx]) وليس المجال للتفصيل في حكم الاجتهاد، ولا عرض أدلته، وإنما المقصود التنبيه إلى أصل حكمه.

([xxxi]) أخرجه سليمان بن الأشعث بن اسحق أبو داود السجستاني(توفي 275هـ) فيسنن أبو داود: 3/ 303 (3592) والترمذي في سننه، محمد بن عيسى بن سورة(توفي 279هـ)، الجامع الصحيح (سنن الترمذي) مراجعة أحمد شاكر، دار إحياء التراث العربي، بيروت: 3/ 616 (1327) وقال الألباني: ضعيف، وأحمد بن حنبل في، المسند انظر: الإمام أحمد بن حنبل(توفي 241هـ)، مسند الإمام احمد شرح وتحقيق: أحمد شاكر، دار المعارف بمصر 1365هـ: 5/ 230 (22060).

([xxxii]) أنظر د: حسن الشافعي،المدخل إلى دراسة علم الكلام،إدارة القران والعلوم الإسلامية كراتشي باكستان، 1988م، ص: 26. وقد نسب سعد الدين التفتازاني هذا القول إلى بعض علماء الملة، شرح المقاصد: 1/ 29.

([xxxiii]) ابن تيمية، الاستقامة: 1/ 37.

([xxxiv]) وانظر: هيتو، محمد حسن، الوجيز في أصول التشريع الإسلامي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1983م.، ص: 506، ومحمد سعيد الباني، عمدة التحقيق في التقليد والتلفيق، المكتب الإسلامي، بيروت، 1981م، ص: 49.

([xxxv]) إذا كان النص قرآنًا، فهو قطعي الثبوت، ولكن قد تكون دلالته قطعية أو ظنية، وإذا كان النص سنة فقد يكون قطعي الثبوت والدلالة، وقد يكون ظني الثبوت والدلالة، وقد يكون قطعي الثبوت ظني الدلالة، وقد يكون ظني الثبوت قطعي الدلالة انظر ما سبق بتصرف، شعبان زكي الدين، أصول الفقه الإسلامي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2. ص: 416، والأيوبي، محمد هشام، الاجتهاد ومقتضيات العصر، دار الفكر، عمان. ص: 45- 46.

([xxxvi])محمد الدسوقي، الاجتهاد والتقليد في الشريعة الإسلامية، دار الثقافة، قطر، ط 1: ص: 82.

([xxxvii]) وانظر المعنى السابق بتصرف، محمد الدسوقي، الاجتهاد والتقليد في الشريعة الإسلامية، ص: 78-80.

([xxxviii])أبو إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المالكي الشاطبي، ، ( ت: 790هـ ) الاعتصام، دار إحياء الكتب العربية فيصل عيسى البابي الحلبي.: 2/ 168.

([xxxix]) الشاطبي، الاعتصام: 2/ 200.201

([xl]) ابن تيمية،مجموع الفتاوى: 19/ 117-126.

([xli]) ابن تيمية، مجموع الفتاوى: 19/ 117-126.

([xlii])محمد بن إبراهيم الوزير اليماني، العواصم من القواصم في الذب عن سنة أبي القاسم، حققه شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، ط 1 1992 م: 4 / 176-177.

([xliii]) عبد الرحمن بن القاسم القحطاني النجدي، الدرر السنية ، الدرر السنية، دار العربية للطباعة والنشر، ط 3، 1978م: 1/ 43.

([xliv])أبو عبد الله، محمد بن إسماعيل البخاري(توفي 256هـ)، صحيح البخاري، ترتيب مصطفى ديب البغا، دار ابن كثير، بيروت، 1407هـ = 1988م حديث رقم: (733) 1/ 277، ومسلم ، صحيح مسلم،: 1/ 163 (299).

([xlv])انظر علي بن علي بن محمد بن أبي العزّ الحنفي(توفي 792هـ)، شرح العقيدة الطحاوية، ضبط: أحمد شاكر، الناشر: زكريا علي يوسف، د.ت. ص: 118.

([xlvi])أحمد بن علي بن المثنى أبو يعلى الموصلي التميمي(توفي 307هـ)، مسند أبي يعلى، تحقيق: حسين سليم أسد، دار المأمون للتراث – دمشق، ط 1، 1404 – 1984، الأحاديث مذيلة بأحكام حسين سليم أسد عليها: 8/ 305 (4901) قال حسين سليم أسد: إسناده صحيح.

([xlvii]) أخرجه مسلم في الصحيح: 1/ 161 (179).

([xlviii]) أخرجه مسلم في الصحيح: 1/ 161 (178).

([xlix]) أخرجه مسلم في الصحيح : 1/ 161 (178).

([l]) ابن أبى العز الحنفي، شرح العقيدة الطحاوية ص: 116-117.

([li]) ابن أبي العز الحنفي، شرح العقيدة الطحاوية ص: 145 -146.

55)) الترمذي، السنن :4/110 (1535) وقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.

([liii]) ابن أبي العز الحنفي، شرح العقيدة الطحاوية ص: 156-158

([liv]) ابن أبي العز الحنفي، شرح العقيدة الطحاوية ص: 180-180.

([lv]) ابن تيمية،مجموع الفتاوى: 19/ 140-141.

[lvi]) ) الطبري ، تفسير الطبري ، دار المعارف ، 2/530 رجاله ثقات

([lvii])عماد الدين أبي الفداء إسماعيل ابن كثير القرشي الدمشقي(توفي774 هـ)، تفسير القرآن العظيم، دار المعرفة، ط1، 1407هـ، 1987م، 1/401

([lviii]) الترمذي، السنن: 5/ 189.

([lix]) محمد بن جرير الطبري( توفي 310هـ)، تفسير الطبري، طبعة دار إحياء التراث العربي د.ت : .1/ 400-401 ورجاله ثقات.

([lx]) الطبري،تفسير الطبري: 1/ 402-403.

([lxi]) الطبري،تفسير الطبري: 5/ 401، ابن كثير، تفسير ابن كثير: 1/ 309.

(69 ) ابن أبي العز الحنفي، شرح العقيدة الطحاوية ص: 87-88.

([lxiii]) ابن أبي العز الحنفي، شرح العقيدة الطحاوية ص: 87-88.

([lxiv]) كمال الدين محمد بن محمد بن أبي بكر بن علي بن أبي شريف،حاشية كتاب المسامرة شرح المسايرة في العقائد المنجية في الآخرة، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1423 هـ، 2002م.ص:185وانظر د. قحطان الدوري، أصول الدين الإسلامي د. قحطان الدوري، أصول الدين الإسلامي ط2، دار الفكر العربي الأردن عمان ص: 205-206، وانظر: د. محمد الملكاوي وآخرون، عقيدتنا الإسلامية، الأكاديميون للنشر والتوزيع، ط1، 2004م ، ص:227-228

([lxv])سعد الدين التفتازاني،، شرح المقاصد،5/ 5، و انظر: د. عمر سليمان الأشقر، الرسل والرسالات، مكتبة الفلاح الكويت، ط 3، 1405، 1985 م، ص: 15.

([lxvi]) انظر: كمال الدين بن أبي شريف، المسامرة ص: 190- 191 وانظر د. قحطان الدوري ، أصول الدين ص: 212.

([lxvii])الإمام احمد، مسند الإمام احمد، 5/ 265 (22342) وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده ضعيف جداً، وقال الألباني: صحيح.

([lxviii]) انظر: سعد الدين التقتازاني، شرح المقاصد: 5/ 61، و انظر: د. قحطان الدوري أصول الدين ص: 230. وانظر ابن قطلوبغا حاشية على المسايرة ص:193-194، وانظر: عمر سليمان الأشقر، الرسل والرسالات، ص: 86، 89.

([lxix]) الآمدي، أبكار الأفكار، 3/ 149.

([lxx]) سعد الدين التقتازاني شرح المقاصد: 5/ 49- 50، وانظر: د. قحطان الدوري أصول الدين ص: 218-221.

([lxxi]) انظر ابن أبي العز الحنفي ، شرح العقيدة الطحاوية ص: 211-212.

[lxxii] ) ) الآمدي، أبكار الأفكار، 3/ 149

([lxxiii]) الطبري، تفسير الطبري، 25/ 132

([lxxiv]) المصدر السابق، 25/ 134. وانظر يوسف الوابل، اشراط الساعة ، دار ابن الجوزي 1421 ه ص: 384-387،

([lxxv]) انظر ابن حجر: فتح الباري: 13/ 79-80.

([lxxvi]) انظر المصدر السابق: 13/ 325- 329.

([lxxvii]) انظر المصدر السابق: 13/ 91، وانظر محمد بن رسول البرزنجي الحسيني(توفي1103 ه) الإشاعة لأشراط الساعة، دار ابن حزم، بيروت، ط1، 1424 هـ/ 2003م، ص: 203وانظر: أبو الطيب محمد صديق خان القنوجي، ، الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة، بعناية: بسام عبد الوهاب الجابي، دار ابن حزم، بيروت، ط1، 1421 هـ، 2000م، ص: 193.

([lxxviii]) محمد بن حبان بن أحمد بن حبان التميمي(توفي 254هـ)، صحيح ابن حبان ، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 3، 1414هـ تحقيق شعيب الانؤوط: 15/ 211 (6800) وقال: "... والذي معه يرى أنه ماء ولا ماء".

([lxxix]) أخرجه البخاري في صحيح البخاري: 6/ 2606 (6705) ومسلم في صحيح مسلم: 3/ 1693 (2152).

([lxxx]) البرزنجي: الإشاعة لأشراط الساعة ص: 210.

([lxxxi]) أخرجه مسلم في صحيح مسلم: 2/ 2248 (2934).

([lxxxii]) أخرجه محمد بن يزيد ابن ماجه(توفي 275هـ)، سنن ابن ماجه، ترتيب محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر، بيروت، د.ت : 2/ 1340 (4039) قال: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ الْجَنَدِيُّ عَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e قَالَ: (لا يَزْدَادُ الأَمْرُ إِلا شِدَّةً وَلا الدُّنْيَا إِلا إِدْبَارًا وَلا النَّاسُ إِلا شُحًّا وَلا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلا عَلَى شِرَارِ النَّاسِ وَلا الْمَهْدِيُّ إِلا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ).

([lxxxiii]) أخرجه محمد بن عبد الله، أبو عبد الله الحاكم النيسابوري(توفي 405هـ)، المستدرك على الصحيحين، دار الكتب العلمية، بيروت، 1411هـ، 1990م، ط1، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا.:: 4/ 547 (8531) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

([lxxxiv]) أخرجه ابن ماجة، سنن ابن ماجة، 2/ 1366 (4082) قال الشيخ الألباني: ضعيف.

([lxxxv])محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حريز الزرعي ، شمس الدين أبي عبد الله بن قيم الجوزية (توفي751 هـ) المنار المنيف في الصحيح والضعيف تحقيق محمود مهدي استانبولي ص: 145-150، والبرزنجي، الإشاعة لأشراط الساعة:ص: 198- 200.

([lxxxvi]) ابن حجر، فتح الباري: 11/ 353.

([lxxxvii]) أخرجه الترمذي في سنن الترمذي ا4/ 498 (2217) وقال: حديث حسن غريب صحيح.

([lxxxviii]) نعيم بن حماد المروزي أبو عبد الله، الفتن، مكتبة التوحيد القاهرة 1412ط1: 2/ 662.

([lxxxix]) انظر: البرزنجي، الإشاعة لأشراط الساعة: ص: 280-281.

([xc])شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني الالوسي(توفي 1270هـ)، روح المعاني في تفسير القران والسبع المثاني ،دار إحياء التراث العربي بيروت ،د.ت : 15/ 42.

([xci])عبد الرحمن بن الكمال جلال الدين السيوطي ، الدر المنثور ، دار الفكر بيروت: 7/ 458.

([xcii]) المصدر السابق: 7/ 458.

([xciii]) محمد بن جرير، تفسير الطبري: 19/ 498.

([xciv]) السيوطي، الدر المنثور: 7/ 461، وعبد الرحمن بن محمد بن إدريس الرازي ابن أبي حاتم، تفسير بن أبي حاتم ، المكتبة العصرية ، صيدا ،تحقيق اسعد محمد الطيب ،د.ت : 11/ 203.

([xcv]) السيوطي، الدر المنثور: 7/ 461.

([xcvi]) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم: 6/ 213.

([xcvii]) المصدر السابق: 6/ 214.

([xcviii]) الآلوسي، روح المعاني: 15/ 42، وانظر الروايات السابقة جميعها عند البرزنجي في الإشاعة لأشراط الساعة: ص 287- 288.

(100) انظر الإمام احمد بن حنبل مسند الامام احمد شرح وتحقيق احمد شاكر : 15/ 82ا، دار المعارف بمصر1365ه 1975، وانظر:ا.د. محمد نعيم ياسين، الإيمان أركانه حقيقته نوا قضه ط3، جمعية عمال الطابع التعاونية 1982م، ص:97.

101)) انظر هذه الروايات الحاكم المستدرك على الصحيحين رقم (8490) وما بعدها، والطيالسي سليمان بن داود أبو داود الفارسي ، مسند الطيالسي دار المعرفة بيروت : 1 / 144

102) ) انظر هذه الروايات عند نعيم بن حماد الفتن : 2/ 660-667

([cii]) البرزنجي: الإشاعة لأشراط الساعة: ص:290- 292، بتصرف يسير.

([ciii]) ابن أبي العز الحنفي، شرح العقيدة الطحاوية ص: 148، والقرطبي شمس الدين أبى عبد الله بن أبى بكر بن فرح الأنصاري القرطبي، التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة، دار الفكر للنشر والتوزيع عمان، ص: 347.

[civ]) ) راجع هذه الأدلة عند القرطبي في المصدر السابق ص: 348-349.

([cv]) أخرجه ابن حبان، صحيح ابن حبان: 1/ 322 (116) وصححه، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: حديث صحيح رجاله ثقات، رجاله رجال مسلم.

([cvi]) أخرجه الترمذي في سنن الترمذي: 5/ 24 (2639) وقال: حسن غريب، والحاكم في المستدرك على الصحيحين: 1/ 46 (9) وقال: هذا حديث صحيح لم يخرج في الصحيحين وهو صحيح، قال محقق الكتاب مصطفى عبد القادر عطا: قال الذهبي في التلخيص: هذا على شرط مسلم.

([cvii]) أخرجه البخاري محمد بن إسماعيل أبو عبد الله(توفي 256هـ) ، الأدب المفرد، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي دار البشائر بيروت، 11989 ط3: ص: 92 (237).

([cviii])شمس الدين محمد بن احمد بن عثمان الذهبي ( توفي748 هـ) سير أعلام النبلاء، مؤسسة الرسالة، ط7، 1990م، 11/ 371

[cix])) المصدر السابق: 14/ 40.

([cx]) المصدر السابق، 14/ 39-40.

([cxi]) المصدر السابق، 14/ 188.

([cxii]) ابن أبي العز الحنفي، شرح العقيدة الطحاوية، ص: 206.

([cxiii]) أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية بيروت 1411هـ/ 1990 م، 1/ 34.

([cxiv]) راجع قول البيهقي ص: 6/ هامش: 19.

([cxv]) الحافظ أبو القاسم علي بن أبي محمد الحسن بن هبة الله ابن عساكر الدمشقي(توفي 571هـ)، تبيين كذب المفتري، دار الكتاب العربي بيروت 1979م. ص: 149

([cxvi]) علي بن احمد بن حزم الظاهري(توفي 456هـ)، الدرة فيما يجب اعتقاده، تحقيق: أحمد الحمد وسعيد القزقي، مكتبة التراث، مكة المكرمة، ط1، 1408 هـ ص: 414. علي بن احمد بن حزم الظاهري(توفي 456هـ)، الفصل في الملل والنحل، تحقيق: محمد إبراهيم نصر وعبد الرحمن عميرة، شركة عكاظ، جدة، 1402 هـ، 1982م، 3/ 296، 297، راجع هذه الأقوال وغيرها الدكتور عبد العزيز بن محمد بن علي العبد اللطيف، نوا قض الإيمان القولية والعملية، دار الوطن هـ1415، عن تكفير المتأول، وبين أن المجتهد المتأول معذور في تأويله واجتهاده، وقد أورد نصوصًا كثيرة في هذه المسألة، ص: 75-84.

([cxvii]) الغزالي، فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة ص: 85-86.

([cxviii]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: 7/ 271.

([cxix]) المصدر السابق: 14/ 374.

([cxx]) المصدر السابق: 14/ 40.

([cxxi]) المصدر السابق: 19/ 322.

([cxxii]) الشاطبي، الاعتصام: 2/ 168.

([cxxiii]) المصدر السابق: 2/ 200.

([cxxiv])أبو إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المالكي الشاطبي، ( ت: 790هـ ) الموافقات في أصول الشريعة، ضبطه أبو عبيدة مشهور بن حسن السلمان دار ابن عفان ط1، 1977م. 5 / 131.

([cxxv]) أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي( توفي 671هـ)، الجامع لأحكام القرآن: 2/ 16.

([cxxvi]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: 10/ 630.

([cxxvii]) المصدر السابق: 10/ 157، 630.

([cxxviii])الإمام مسعود بن عمر بن عبد الله، سعد الدين التقتازاني( توفي793 هـ )، ، شرح العقائد النسفية، المكتبة الأزهرية، مصر، ط1، 1421 هـ- 2000م، ص: 157-158.

[cxxix])) الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد الغزنوي (توفي593 هـ)، كتاب أصول الدين تحقيق د:عمر وفيق الداعوق، دار البشائر 1998م. ص: 139، 189، 210.

([cxxx]) القحطاني، الدرر السنية: 1/ 43.

([cxxxi])عبد الرحمن السعدي، الإرشاد في معرفة الأحكام، مكتبة المعارف، الرياض، 1400 هـ ص: 207.

([cxxxii]) محمد الغزالي، عقيدة المسلم، دار الكتب المصرية، ط4، 1984م، ص:9

([cxxxiii]) الميداني عبد الرحمن حسن حبنكة، العقيدة الإسلامية وأسسها، دار القلم، بيروت، ط7، 1415 هـ ، ص:221.

([cxxxiv]) د. قحطان الدوري، أصول الدين الإسلامي: راجع ص: 48- 61.

([cxxxv]) ابن تيمية، الاستقامة: 1/ 73.

([cxxxvi]) ابن تيمية، مجموع الفتاوى، 19/ 123.

([cxxxvii]) المصدر السابق، 19/ 17.

([cxxxviii]) المصدر السابق، 19/ 117.

([cxxxix]) المصدر السابق، 19/ 126.

([cxl])مسلم ، صحيح مسلم، حديث رقم (126).

([cxli]) وقد ألف ابن تيمية كتابا سماه: رفع الملام عن الأئمة الأعلام وإن كان موضوع الكتاب في مسائل الفقه إلا انه يتعرض في كثير من مواضع الكتاب إلى مسائل اعتقادية، انظر: ص: 40-42، وكيف أعذر المخالف في قضايا الوعيد بالعذاب. أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية،(توفي 728هـ)، رفع الملام عن الأئمة الأعلام، ط الجامعة الإسلامية المدينة المنورة 1422 هـ.

([cxlii]) أخرجه البخاري بلفظ غيره قريب منه صحيح البخاري: 3/ 1282 (3291) ومسلم بنحوه صيح مسلم:4/ 2109 (2756).

([cxliii]) ابن تيمية، مجموع الفتاوى: 10/ 33- 36.

([cxliv]) المصدر السابق، 19/ 207.

([cxlv])المصدر السابق، 19/ 127-128.

([cxlvi])أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية،(توفي 728هـ)، ابن تيمية، قاعدة في جمع كلمة المسلمين، تحقيق حماد سلامة، المنار، 1988 ص :15 .

([cxlvii]) ابن تيمية، منهاج السنة: 3/ 22، وانظر أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية،(توفي 728هـ)، ابن تيمية، كتاب الإيمان، ط مكتبة أنصار السنة المحمدية، القاهرة ص: 129.

([cxlviii] ) أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية،(توفي 728هـ)، كتاب الإيمان، مكتبة أنس بن مالك: ص: 206.

([cxlix]) رواه أبو يعلى في المسند: 4/ 85 (2111) قال حسين سليم أسد: إسناده صحيح.

([cl]) ابن تيمية، مجموع الفتاوى، 19/ 191.

([cli]) المصدر السابق: 4/ 172– 173.

([clii]) أخرجه البخاري في صحيح البخاري: 4/ 1555 (4021) ومسلم في صحيحه: 1/ 96 (96).

([cliii]) أخرجه مسلم في صحيح مسلم 4/ 2215 (2889).

([cliv]) أخرجه البخاري في صحيح البخاري: 6/ 2667 (6883).

([clv])أحمد بن شعيب النسائي(توفي 303هـ)، السنن الكبرى، تحقيق: د. عبد الغفار البنداري، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1411هـ/ 1991م.: 5/ 388 (9223) والترمذي في سنن الترمذي بنحوه: 4/ 465(2165).

([clvi]) أخرجه الترمذي في سنن الترمذي: 4/ 465 (2165) وقال: حسن صحيح غريب، قال الشيخ الألباني: صحيح.

([clvii]) أخرجه أحمد في مسند الإمام احمد: 5/ 232 (22082).

([clviii]) أخرجه مسلم في صحيح مسلم: 1/ 465 (673).

([clix]) عبد الرزاق أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني(توفي 211هـ)، المصنف ، المكتب الإسلامي،بيروت ط 2، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي: 1/ 227 (879).

([clx]) أخرجه البخاري في صحيح البخاري: 4/ 1640 (4240) ومسلم في الصحيح: 2/ 766 (1090).

([clxi]) ابن تيمية، كتاب الإيمان: ص: 129.
 
لا ادري لماذا سقطت ارقام الحواشي

لا ادري لماذا سقطت ارقام الحواشي

قد سقطت ارقام الحواشي ولا ادري لماذا ولكنني ارسلت البحث بحواشيه للسادة المشرفين رجاء ان يتكرموا بتصويب هذا الامر
واقبلوا التحيات
 
الأخ د جمال حفظك الله هلا أرفقت البحث ليتسنى لنا تنزيله (ملف وورد) فهذا أسهل ويحفظ بذلك أرقام الحواشي .
 
هذه نسخة كاملة من البحث بعث بها الدكتور جمال حفظه الله منذ زمن . ولم يتسن لي الاطلاع على البحث بعدُ.
 
موضوع هذا البحث مهم ، ويحسن تداوله تداولاً علميًا مبنيًا على الدليل من الآثار ، وترك التشنجات والأحكام المسبقة على الآخرين ، فالوصول للحق مطلب كل مسلم ، وكم أتمنى أن يثري رواد الملتقى هذا البحث بالنقاش العلمي المفيد .
تنبيه :
ما ذهب إليه الباحث ـ وفقه الله ـ من أن الطبري يفسر الكرسي بالعلم غير صحيح ، وقد أوهمت عبارة الطبري على غيره من العلماء كابن عطية ، وعنه نقل القرطبي ، وعن القرطبي نقل الشوكاني ، وإليك نص عبارة الطبري : ( قال أبو جعفر: ولكل قول من هذه الأقوال وجه ومذهب، غير أن الذي هو أولى بتأويل الآية ما جاء به الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ما:-
حدثني به عبد الله بن أبي زياد القطواني، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبى إسحاق، عن عبد الله بن خليفة، قال: أتت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: ادع الله أن يدخلني الجنة! فعظم الرب تعالى ذكره، ثم قال: إن كرسيه وسع السموات والأرض، وأنه ليقعد عليه فما يفضل منه مقدار أربع أصابع- ثم قال بأصابعه فجمعها - وإن له أطيطا كأطيط الرحل الجديد، إذا ركب، من ثقله"
حدثني عبد الله بن أبى زياد، قال: حدثنا يحيى بن أبي بكر، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة، عن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بنحوه.
- حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة، قال: جاءت امرأة، فذكر نحوه
وأما الذي يدل على صحته ظاهر القرآن فقول ابن عباس الذي رواه جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، عنه أنه قال:"هو علمه" . وذلك لدلالة قوله تعالى ذكره:"ولا يؤوده حفظهما" على أن ذلك كذلك، فأخبر أنه لا يؤوده حفظ ما علم، وأحاط به مما في السموات والأرض، وكما أخبر عن ملائكته أنهم قالوا في دعائهم:( رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا ) [غافر: 7]، فأخبر تعالى ذكره أن علمه وسع كل شيء، فكذلك قوله:"وسع كرسيه السموات والأرض". )
فقوله ـ رحمه الله : ( ولكل قول من هذه الأقوال وجه ومذهب، غير أن الذي هو أولى بتأويل الآية ما جاء به الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ) قاطع بأنه يذهب إلى أن الكرسي مخلوق ، وليس هو العلم ، ثم عقب بقوله : ( وأما الذي يدل على صحته ظاهر القرآن فقول ابن عباس الذي رواه جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، عنه أنه قال:"هو علمه" ) ، وهذا ليس تراجعًا منه عن ترجيحه ، بل بيان لاحتمال قول ابن عباس فحسب ، والطبري يعمل هذا في بعض المواطن التي يقع فيها تنازع في الترجيح ، فيبن اختياره مع بيانه لاحتمال القول الآخر ، ولولا إطالة المقام لسردت أمثلة لذلك ، لكن اكتفي بإحالة القارئ إلى ترجيحه في قوله تعالى : ( وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله ) فقد بين أن السياق مع مسروق والشعبي من أن الشاهد موسى عليه السلام حيث قال : ( والصواب من القول في ذلك عندنا : أن الذي قاله مسروق في تأويل ذلك أشبه بظاهر التنزيل ) ثم قال : ( غير أن الأخبار قد وردت عن جماعة من أصحاب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بأن ذلك عنى به عبد الله بن سلام وعليه أكثر أهل التأويل، وهم كانوا أعلم بمعاني القرآن، والسبب الذي فيه نزل ، وما أريد به.
فتأويل الكلام إذ كان ذلك كذلك، وشهد عبد الله بن سلام، وهو الشاهد من بني إسرائيل ) ، وظاهر من هذا أنه لولا قول هؤلاء العالمين لذهب إلى قول مسروق .
 
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد ..

أولاً : ينظر في ذلك كتاب التقليد وأحكامه للدكتور سعد بن ناصر الشثري حفظه الله ضو هيئة كبار العلماء .

وثانياً : جزاك الله خيراً يا شيخ مساعد على هذا البيان الجيِّد ونفع بك ، وليته يرفع الإشكال في المسألة .

وثالثاً : الحافظ الكرَجي القصاب رحمه الله ذكر في كتابه ( نكت القرآن ) الرد على من فسر الكرسي بالعلم .

وسيأتي معنا بحول الله تعالى في ( المسائل العقدية ) من كتابه .

والله أعلم
 
[جزاك الله خيرا يادكتور جمال علي تقديم هذا البحث الماتع والاختيار الموفق والذي يساهم في تقريب وجهات النظر واعذار المخالف ويعالج قصور الفهم الذي يعاني منه بعض من أصابته علل التدين ويؤكد علي انه لايلزم من الاختلاف العلمي الترامي بالابتداع اوالفسق الخ
إن هذا البحث وأمثاله تحتاج إليه الصحوة الإسلامية التي نعيشها الآن لنتفرغ للأعداء الحقيقيين وهم كثر
وقد ذكرني هذا البحث القيم ببحث آخر يجري في مجراه بعنوان(شمول الاجتهاد في الدين) للدكتور عبد العزيز عبد الله الحميدي طبعة دار الأندلس الخضراء وطبع في دار عيون المعرفة بمكة المكرمة في مجموع بعنوان (الرسائل الشمولية )
وقد استرشد الدكتور الحميدي في بحثه بأقوال العلماء الربانيين ممن وردت أقوالهم في بحث الدكتور شريف الشيخ صالح احمد الخطيب حفظه الله
كما نقل عن العلماء المعاصرين مثل الإمام ابن باز والعلامة ابن عثيمين و نقل فتوى اللجنة الدائمةللافتاء(3-173)ممايستانس به علي مشروعية الاجتهاد في فروع العقيدة
هذا وقد كتب الدكتور علي حسين مشهور الاستاذ المساعد في قسم العقيدة بكلية الشريعة واصول الدين جامعة الملك خالد بحثا في نفس الموضوع نشر في مجلة الحكمة
والله من وراء القصد وهو هادي السبيل
 
 إن البحث السالف مما يعالج كثيرا من المآسي السيئة التي حدثت قديما وحديثا
والتي جمع الدكتور الفاضل محمد موسي الشريف بعضا منها في بحثه القيم الماتع وعنوانه (نماذج تاريخية ومعاصرة من مآسي الافتراق اقدمه للاخوة تتميما للفائدة مع الدعاء بالتوفيق والسداد للدكتور الشريف




مقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وآله وصحبه أجمعين، وبعد:

فإن قضية الافتراق قضية مزعجة مؤرقة، مؤلمة مقلقة، وذلك لأنها تفصم العروة الوثقى، وتهدم الآمال العظمى، وتبعد النصر، وتزيد القهر، والافتراق مرض مهلك، ومسلك مربك، نهى عنه الشارع في الكتاب الكريم والسنة الشريفة المطهرة المكملة للتنزيل، والتاريخ شاهد على ذلك وبإيضاحه كفيل، وقد كثرت الكتابات التي تتحدث عن الافتراق ومحاذيره، ومشكلاته وعواقبه، وقد ذكر علماء المسلمين من القواعد الضابطة، والإشارات الهادية، للتخلص من هذه المشكلات وتجاوز تلك العقبات وضبط هذه المسالة ما يملأ رَف مكتبة! لكن أين المستجيب؟

لذلك سأسلك في هذه الرسالة مسلكاً آخر عملياً؛ وهو أن أذكر الوقائع التاريخية المعاصرة التي ابتلينا فيها بالافتراق، وترتب على ذلك مآسٍ محزنة، فلعل سوق تلك الأحداث يُوقظ الضمائر، ويهز المشاعر،ويلهب النفوس، ويشد العزائم حتى نخرج من هذا التيه، ونفارق هذا الطريق المعوج.

وأوردت بعض ما وقفت عليه من هذه الوقائع مرتباً مهذباً، واستثنيت ما جرى بين الصحابة، وما وقع لتلك العصابة رضي الله عنها وأرضاها؛ وذلك لأن الكف عما شجر بينها من أصول الدين، والسكوت عما حصل منهم في الفتنة من الكمال المتين، وهذا من طريقة السلف الكرام ألا يخوضوا فيما حدث بين أولئك العظام، أما من دونهم فقد ذكرت لهم وقائع وأحداثاً، وطرائق وأفعالاً تبيِّن شؤم الافتراق، وتنفِّر من تبعات نتائجه، لعله أن يهتدي بها أولو الألباب، ويرتدع بها سالكو هذه المسالك الصعاب.

هذا وقد قسمت البحث إلى أربعة مباحث وذيلت بخاتمة فيها النتائج والتوصيات، والمباحث هي:

المبحث الأول: المآسي المترتبة على الخلاف المذهبي الفقهي.

المبحث الثاني: المآسي المترتبة على الخلاف العقدي.

المبحث الثالث: المآسي المترتبة على الفرقة في العصر الحديث من القسمين السابقين.

المبحث الرابع: المآسي المترتبة على الفرقة السياسية.



والله تعالى أسأل التوفيق من الزلل، وإن كان من خطأ فمني ومن الشيطان، وإن كان من صواب فمن الله العظيم، وبه أستعين، وبحبله أستمسك فهو متين، وصلوات ربي على المختار من كنانة والمبعوث من تهامة، ومن له الفخر والعز آية وعلامة، وآله الأطهار، وأصحابه الأبرار، وتابعيهم إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين.

المبحث الأول

المآسي المترتبة على الخلاف المذهبي الفقهي



من رحمة الله تعالى بالأمة أن نوَّع أفهام علمائها، وفاوت بين مداركهم، ففهم هذا من النص ما لم يفهم ذاك، وصحح هذا شيئاً لم يصححه ذاك، وكان خلافهم في الجملة رحمة، ودلالة على سعة هذه الشريعة، وكمال هذه الطريقة، وأن الإسلام صالح لكل زمان ومكان، وأنه الدين الحق بين الأديان، فمهما اختلف العلماء فهم يرجعون إلى أصل واحد ويستمسكون بعروة وثيقة. وعلى هذا مضى الصدر الأول رضي الله عنهم في المسائل الفقهية والخلافات الفرعية المذهبية، فقد اختلفوا ولكن لم يتركوا الوئام، وتنوعت أفهامهم وفتاواهم وما تفرقت منهم القلوب وما مسهم من الخلاف سقام، وكان كلٌ من كبارهم يمثل اتجاهاً في الاستنباط والتفكير تحوَّل فيما بعد إلى مدرسة لها أتباع وتنظير، فابن عباس له اتجاه، وابن عمر له مسلك آخر، وابن مسعود له طريق ثالثة، وغيرهم رضي الله عنهم سلك مسالك أخرى، ولم يعب واحد منهم الآخر، ورضي كلٌ بما قسم له من الفهم والاستنباط، وهذا هو المسلك الحميد والرأي السديد، وكان خلافهم لنا توسعة، وبنا ورحمة، وعلينا بركة كما قال القاسم بن محمد بن أبي بكر رحمه الله وهو أحد فقهاء المدينة السبعة: "اختلاف الصحابة رحمة"([1])، ثم ما برح الخلاف يفقد آدابه، ويتنكب الطرق السليمة حتى صار علينا عيباً، وبنا شيناً، وأصبح مؤدياً للافتراق، جالباً للبغضاء، محركاً لإحن الصدور، ذاهباً بألباب ذوي العقول، ولا أدري والله ماذا أقول.

وللتاريخ البعيد والقريب شواهد على ما تردى إليه أمر الخلاف المذهبي ومآسي كثيرة مسطورة، وأفعال مكتوبة منكورة، لم نراع فيها الخلاف، ولم نرتق فيها إلى مرتبة الأخوة التي عبر عنها الشافعي الإمام بقولة رائعة، فعن يونس الصدفي ــ وهو أحد أئمة المصريين وعقلائهم ــ قال:

"ما رأيت أعقل من الشافعي، ناظرته يوماً في مسألة ثم افترقنا، ولقيني فأخذ بيدي، ثم قال يا أبا موسى: ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة"([2]).

وقال الإمام الذهبي تعليقاً على هذا الكلام النفيس: هذا يدل على كمال عقل هذا الإمام وفقه نفسه، فما زال النظراء يختلفون.

ومن الأمثلة على الخلاف الذي لم يراع فيه الأدب، وجانب الصواب ولازمه الغضب ما يلي:

- لما دخل الشافعي مصر أتاه أصحاب مالك مقبلين هاشين، لأنه كان تلميذ مالك ولم يظنوا أنه يخالف مالكاً في شيء! فلما رأوه مستقل الفكر، واسع العلم، يخالف مالكاً في أشياء جفوه! وتنكروا له! بل أن العالم الكبير أشهب بن عبد العزيز المالكي المصري كان يقول في سجوده:

اللهم أمت الشافعي؛ لا يذهب علم مالك!([3])

وهذه إحدى العجائب والغرائب الدالة على ضيق الصدر بالخلاف وعدم تقبل الرأي الآخر.

- وهذا بَقيّ بن مَخْلَد، العالم الأندلسي الكبير المتوفى سنة 276 رحمه الله تعالى، كان قد أخذ الحديث من المشرق ودخل به الأندلس ونشره نشراً عظيماً وهاجم به شيوخ الأندلس، فثاروا عليه، لأن علمهم إنما كان بمسائل مالك، وكان بقي يفتي بالأثر فخالفهم في الفتيا مخالفة عظيمة، فعقدوا له المجالس، وبدّعوه، ونسبوه إلى الزندقة، وإلى أشياء أخرى([4])، وكان ذلك في حقه مخالفة تامة لآداب الخلاف، وبعداً كاملاً عن الوئام والوفاق الذي ينبغي أن يكون في مثل هذه الأحوال، ومن قرأ سيرته عرف عظم أحواله وبراءته مما نُسب إليه.

- وهذا الخلاف بين الحنفية و الشافعية، الذي كان له صور كثيرة من أشدها على النفوس وأمرِّها ما ذكره ياقوت الحموي صاحب كتاب "معجم البلدان" الشهير حيث تكلم فيه عن مدينة أصفهان وذكر مجدها القديم ثم قال:

"وقد فشا فيها الخراب في نواحيها لكثرة الفتن، والتعصب بين الشافعية والحنفية والحروب المتصلة بين الحزبين، فكلما ظهرت طائفة نهبت محلة الأخرى، وأحرقتها وخربتها، لا يأخذهم في ذلك إلٌ ولاذمة، وكذلك الأمر في رساتيقها وقراها"([5]) وإنا لله وإنا إليه راجعون.

وقال عن الري بعد مروره بها سنة 617 ومشاهدته خرابها:

"وقعت العصبية بين الحنفية والشافعية، ووقعت الحروب بينهم، كان الظفر في جميعها للشافعية؛ هذا مع قلة عدد الشافعية، وكان أهل الرستاق –وهم الحنفية – يجيئون إلى البلد بالسلاح الشاكي([6]) ويساعدون أهل نحلتهم فلم يغنهم ذلك شيئاً حتى أفنوهم.."([7])!



ولا أريد أن أذكر أكثر من هذا، فحسبك به دلالة على شؤم الافتراق، وأثره البالغ في إضعاف الأمة وإذهاب ريحها، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

المبحث الثاني

المآسي المترتبة على الخلاف العقديّ

وهذا الافتراق هو الأقسى والأقوى أثراً، وهو الأنكى في الأمة، وينقسم إلى افتراق عقدي بين أهل السنة أنفسهم، وافتراق بين أهل السنة وغيرهم من طوائف وفرق المسلمين، والافتراق في القسم الأول أصعب على النفس وأشد وأقسى؛ وذلك أن أهل السنة كان ينبغي لهم أن يكونوا يداً واحدة على من سواهم، فلما حصلت هذه الفرقة أدت إلى تمزق في الصف، وانقسام في الجبهة الواحدة، وتجرأ عليهم غيرهم من أعدائهم وخصومهم وضعفت الأمة تبعاً لذلك.

ومن أمثلة القسم الأول ــ أي الفرقة بين أهل السنة أنفسهم ــ ما يلي:

(1) الخلاف بين الحنابلة والأشاعرة:

وهذا أدي إلى تصدع مريع، وخلاف طويل، بل أدى إلى فرقة خطيرة تركت أسوأ الآثار في المجتمع المسلم، ومن أمثلة ذلك:

ما حصل للإمام الكبير أبي نُعيم الأصبهاني؛ أحمد بن عبد الله، الثقة، شيخ الإسلام المتوفى سنة 430، والذي كان من حفاظ الدنيا، فقد هُجر بسبب المذهب، وقام إنسان مرة في مجلس تحديث يعلن عن مجلس أبي نعيم الأصبهاني فقام إليه أصحاب الحديث بسكاكين الأقلام وكاد الرجل يقتل([8])!

وصدق الذهبي حين علق على الحادثة قائلاً:

"ما هؤلاء بأصحاب الحديث، بل فجرة جهلة، أبعد الله شرهم"([9]).

وقال الذهبي:

"كان بين الأشعرية والحنابلة تعصب زائد يؤدي إلى فتنة، وقيل وقال، وصداع طويل"([10]).

وهذا العالم العلامة الأصولي، شيخ القراء أبو عبد الله محمد بن عتيق التميمي القيرواني المعروف بابن كُدِّية الذي كان متعصباً لمذهب الأشعري، جرت بينه وبين الحنابلة فتن وأوذي غاية الإيذاء"([11]).

وهذا العالم الواعظ أبو بكر عتيق البكري المغربي الأشعري، المتوفى سنة 476، كان قد قدم بغداد، فجلس الناس إليه وامتلأ المجلس، فذكر الحنابلة وحطَّ عليهم، وبالغ، ونبزهم بالتجسيم، فهاجت الفتنة، وكفَّر هؤلاء هؤلاء، والطريف أنه لما عزم البكري على التحديث بجامع المنصور قال نقيب النقباء: قفوا حتى أنقل أهلي فلا بد من قتل ونهب! ثم أغلقت أبواب الجامع، وصعد البكريّ وحوله الأتراك بالقسيّ! إلى آخر القصة المحزنة([12]).

ومن الأمثلة أيضاً على الخلاف بين أهل السنة ما وقع بين أبي نصر عبد الرحيم بن عبد الكريم بن هوازن القشيري الأشعري وهو ابن الإمام أبي القاسم القشيري، المتوفى سنة 514 رحمه الله تعالى، وبين الحنابلة، فقد ورد بغداد سنة 469، وجلس في المدرسة النظامية، وأخذ يذم الحنابلة وينسبهم إلى التجسيم، ومال لنصرته الإمام أبو إسحاق الشيرازي وجماعة، فوقعت الفتنة، وقتل أناس وجرح آخرون! وحصلت مأساة انتهت بتسكين الفريقين وإخراج القشيري من بغداد إلى نيسابور([13]).

ومن المآسي الكبيرة ما وقع لشيخ الإسلام أبي إسماعيل الهروي الأنصاري الحنبلي عبد الله بن محمد بن علي، حيث قدم السلطان الكبير السلجوقي ألب أرسلان إلى هراة ــ بأفغانستان الآن ــ فاجتمع عنده مشايخ البلد ورؤساؤه، وحدَّثوه أن الأنصاري مجسم، وأنه يعبد صنماً يزعم أن الله تعالى على صورته ــ وكانوا قد تمالأوا على وضع صنم في قبلة محراب أبي إسماعيل في داره ــ فبعث السلطان جماعة إلى دار أبي إسماعيل استخرجوا الصنم من قبلة محرابه، وكان صنماً صغيراً من نحاس دسوه تحت سجادته، فغضب السلطان غضباً عظيماً وأحضر أبا إسماعيل وواجهه قائلاً: "ما هذا؟ قال: هذا صنم يعمل من الصُفْر شبه اللعبة. فقال: لست عن هذا أسألك. فقال: عن ماذا يسأل السلطان؟ قال: إن هؤلاء يزعمون أنك تعبد هذا الصنم, وأنك تقول أن الله على صورته، فقال الأنصاري: سبحانك هذا بهتان عظيم، بصوت جَهْوري وصولة، فوقع في قلب السلطان أنهم كذبوا عليه، فأمر به فأخرج إلى داره مكرماً، وقال لهم: اصدقوني القصة أو أفعل بكم وأفعل، وذكر تهديداً عظيماً، فقالوا: نحن في يد هذا الرجل في بليّة من استيلائه علينا بالعامة وأردنا أن نقطع شرّه عنا، فصرفهم السلطان إلى منازلهم بعد إهانتهم وأخذ غرامة منهم مبلغاً عظيماً من المال يؤديه إلى خزانة السلطان عقاباً لهم على جنايتهم([14]).

وفي ذلك الخلاف وتلك الفرقة يقول الإمام الذهبي رحمه الله:

"ينبغي للمسلم أن يستعيذ من الفتن، ولا يَشْغب بذكر غريب المذاهب لا في الأصول ولا في الفروع، فما رأيت الحركة في ذلك تحصل خيراً، بل تثير شراً وعداوة ومقتاً للصلحاء والعباد من الفريقين، فتمسَّك بالسنة، والزم الصمت، ولا تخض فيما لا يعنيك، وما أشكل عليك فردَّه إلى الله ورسوله، وقف وقل: الله ورسوله أعلم"([15]).

وهذا نص ثمين يلخص فيه الذهبي الآثار السيئة للخلاف والافتراق، ويذكر العلاج الناجح.

(2) الخلاف بين أهل الحديث:

ومن أمثلة ذلك أيضاً ما جرى بين الإمام البخاري رحمه الله تعالى وبعض علماء عصره وعلى رأسهم الإمام محمد بن يحيى الذُهْليّ الذي حسد الإمام البخاري على اجتماع الناس عليه، واتهمه بالقول بمسألة: لفظي بالقرآن مخلوق ــ وهي مسألة دقيقة، أُخذ بها البخاريّ بغير وجه حق ــ وهذا أحد تلاميذ البخاري يقول له: يا أبا عبد الله أيش الحيلة لنا فيما بينك وبين محمد بن يحيى؟ كل من يختلف إليك يُطرد، فقال البخاري رحمه الله تعالى: كم يعتري محمد بن يحيى الحسد في العلم، والعلم رزق الله يعطيه من يشاء. فقال له التلميذ: هذه المسألة التي تحكى عنك؟ قال: يا بني هذه مسألة مشؤومة، رأيت أحمد بن حنبل، وما ناله في هذه المسالة، وجعلت على نفسي ألاّ أتكلم فيها.

ثم انتهى بالبخاري الأمر إلى أن أخرج من نيسابور ولم يشيعه إلا واحد فقط([16]). ومات غريباً وحيداً رحمه الله تعالى، ألا قبَّح الله الفرقة والاختلاف.

وما أحسن الذهبي عندما قال: "السكوت عن توسع العبارات أسلم للإنسان"([17]).





(3) الخلاف في العصر الحديث:

وهو بلاء وأي بلاء؛ إذ في الوقت الذي يجتمع فيه أعداء الإسلام على حربه وتحطيمه نجد بين صفوفنا من يساهم في تلك الحروب ويؤجج نارها ويعظم شررها، ولعلي أقتصر في ذكر الطعن العقديّ في العصر الحديث على مثال واحد، وهو الأستاذ حسن البنا ــ رحمه الله تعالى ــ حيث إن بعض من زعم أنه يريد الحق ويرد الباطل قام بالتشنيع على هذا الأستاذ الذي ما سمح الزمان بمثله في مجموع خصاله وآثاره في العصر الحديث، فصار ينال منه ويتهم عقيدته اتهاماً عجيباً باطلاً، والناظر إلى تلك الأقوال يعلم بطلانها لكني أردت بالوقوف عليها بيان حجم المأساة التي أوصلنا أنفسنا بأيدينا إليها:

هذا الرجل قد وُجِّهت إليه سهام مغرضة واتهم في عقيدته بغير حق، كيف لا وهو القائل:"العقيدة أساس العمل"([18]).

وهو القائل أيضاً: "ونحن نعتقد أن رأي السلف من السكوت وتفويض علم هذه المعاني([19]) إلى الله تبارك وتعالى أسلم وأولى بالاتباع حسماً لمادة التأويل والتعطيل، فإن كنت ممن أسعده الله بطمأنينة الإيمان، وأثلج صدره برد اليقين فلا تعدل به بديلاً.."([20]). فماذا بعد هذا يا عباد الله!

وقد قال أيضاً: " وآيات الصفات وأحاديثها الصحيحة وما يليق بذلك من المتشابه نؤمن بها كما جاءت من غير تأويل ولا تعطيل "([21]).

وقال أيضاً وكل بدعة في دين الله لا أًصل لها ــ استحسنها الناس بأهوائهم سواء بالزيادة فيه أو النقص منه ــ ضلالة تجب محاربتها.."([22]).

وقال أيضاً: "لكن الاستعانة بالمقبورين أياً كانوا، ونداءهم لذلك وطلب الحاجات منهم عن قرب أو بعد، والنذر لهم، وتشييد القبور، وإضاءتها، والتمسح بها، والحلف بغير الله، وما يلحق بذلك من المبتدعات كبائر تجب محاربتها، ولا نتأول لهذه الأعمال سداً للذريعة"([23]).

وهذا اتهام آخر عجيب لا أدري وجهه، يقول فيه صاحبه ناعياً على البنا دعوته للجهاد: "قلنا: أي جهاد الذي دعا إليه البنا إذا كان قد أقرَّ الشرك الأكبر المخرج من الملة"([24]).

كيف لعاقل أن يصدق أن البنا أقرَّ الشرك الأكبر؟ إن هذا لشيء عجيب!

ثم يتهم البنا بأنه صوفيّ وأنه بهذا قد ثُلم توحيده، وأتى ببعض ما ظنه شواهد على هذا!

هذا ولقد انبرى شيخ فاضل([25]) للدفاع عن البنا فقال لهذا المتهم: "فأنا أنصحك أيها الشيخ أن تصون لسانك وقلمك عن الوقيعة في هذا الداعية الذي نفع الله به".

فما كان منه إلا أن شن عليه غارة عظيمة، وعدّه صاداً عن سبيل الله بهذه النصيحة، وعدّه خاذلاً للحق، متظاهراً مع أهل الباطل، ثم اتهمه بأنه بدفاعه عن البنا قد خدش توحيده! وقدح فيه، وأمره بالتوبة، ثم أفحش القول في البـنا باتهامه أنه فعل الشرك الأكبر وأقر فاعليه عليه([26]).

وكل تلك الغارة الهائلة بسبب أمور في التصوف ابتدأ بها البنا حياته، مثل الكثرة الكاثرة من صالحي العالم الإسلامي الذين يحيط بهم التصوف من كل جوانبهم([27])، لكن هذا المتهم لم ينظر في أقوال البنا في الصوفية حيث قال بعد كلام عن الصوفية الأولى مادحاً لها ــ كما مدحها شيخا الإسلام من قبل: ابن تيمية وابن القيم ــ: "لكن فكرة الدعوة الصوفية لم تقف عند حدود علم السلوك والتربية، ولو وقفت عند هذا الحد لكان خيراً لها وللناس، ولكنها جاوزت ذلك بعد العصور الأولى إلى تحليل الأذواق والمواجد، ومزج ذلك بعلوم الفلسفة والمنطق ومواريث الأمم الماضية وأفكارها، فخلطت بذلك الدين بما ليس منه، وفتحت الثغرات الواسعة لكل زنديق أو ملحد أو فاسد الرأي والعقيدة ليدخل من هذا الباب باسم التصوف والدعوة إلى الزهد والتقشف.. وأصبح كل ما يكتب أو يقال في هذه الناحية يجب أن يكون محل نظر دقيق من الناظرين في دين الله والحريصين على صفائه ونقائه..".

فهل بعد هذا الإيضاح والبيان مزيد؟

وفي النهاية أقرر أن البنا ليس بمعصوم، وأنه قد أخطأ في أقوال وأفعال لكن ذلك الخطأ لا يخرجه عن كونه قدوة يُقتدى بها، وعلماً من أعلام الإسلام في العصر الحديث، والله تعالى أعلم([28]).

وأظن ــ والله تعالى أعلم ــ أنه لو جُمعت جهود الإخوان والسلفيين وصُبَّت في بوتقة واحدة لتغير وجه التاريخ في العصر الحديث، ولما استطاع أعداؤنا أن يتجرأوا علينا كما هو حاصل اليوم،لكن كان الذي خاف الصالحون أن يكون، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

القسم الثاني: الفرقة بين أهل السنة ومن سواهم:

ومن أمثلة ذلك الخلاف:

(1) الخلاف بين أهل السنة والمعتزلة:

وللمعتزلة أصول عقدية لا يسعنى إيرادها في هذا البحث الموجز، لكني سأذكر قضية خلق القرآن التي أثارها المعتزلة بمساعدة الخليفة العباسي المأمون، وثارت على إثرها فتن طويلة استمرت زمان المأمون والمعتصم والواثق والمتوكل الذي أمر برفع هذه الفتنة عن الناس، وقتل بسببها الشهيد العالم أحمد بن نصر الخزاعي مظلوماً، ومات علماء في السجون وهم مقيدون([29])، وامتحن الإمام أحمد على جلالته وضُرب وسُجن وأُلقي في القيود، وتشدد المعتزلة في هذه القضية حيث إنهم في زمان الواثق بالله العباسي تنمروا للناس، وامتحنوا الأئمة والمؤذنين، وامتحنوا العوام، ومن العجائب أن الواثق بالله العباسي افتدى أربعة آلاف وستمائة أسير مسلم من الروم فقال وزيره المعتزلي المشهور أحمد بن أبي دُؤاد: من لم يقل القرآن مخلوق فلا تَفكّوه([30])!

ومن أمثلة ما حصل بينهما أيضاً:

لما وصل شيخ الإسلام أبو إسماعيل الهروي الأنصاري الحنبلي إلى بَلْخ ــ وهي في أفغانستان اليوم ــ وصل محمولاً على أعناق الرجال، فلما أراد أن يدخل إلى بلخ خرج أهلها إليه، وهمُّوا برجمه، لولا أن الله قيض له من دافع عنه وردَّ عنه كيدهم، وإنما هموا به لأنهم كانوا معتزلة شديدي الاعتزال، وكان شيخ الإسلام مشهوراً في الأفاق بالحنبلة والشدة في السنة([31]).

(2) الخلاف بين أهل السنة والشيعة:

وهذا أيضاً أدى إلى نتائج صعبة وخيمة وحروب كثيرة، فمن ذلك:

(أ) ما وقع في بغداد مراراً بين الفريقين، فمن ذلك ما نقله ابن الأثير في كامله في حوادث سنة 443، حيث ذكر أن الفتنة وقعت بين السنة والشيعة، وعظمت أضعاف ما كانت قديماً، وسببها أن أهل الكرخ ــ محلة ببغداد فيها الشيعة ــ عملوا أبراجاً كتبوا عليها بالذهب: محمد وعلي خير البشر، وأنكر أهل السنة هذا، ثم حصلت أمور أدت إلى قتال ونهب بسبب مقتل هاشمي من أهل السنة، فقصد الناس المشهد ونهبوا ما فيه، وأضرموا حريقاً أتى على كثير من قبور الأئمة، فقصد الشيعة إلى خان الفقهاء الحنفيين فنهبوه، وقتلوا مدرس الحنفية أبا سعد السرخسيّ، وأحرقوا الخان ودور الفقهاء([32]).

(ب) ومما لا ينبغي أن ينسى ما اقترفه الوزير الرافضي ابن العلقمي في بغداد سنة 658، حين سَوّل لهولاكو اقتحام بغداد وكاتبه وأطمعه في العراق، وهذا بسبب نقمته على أهل السنة حين وقعت الفتنة المهولة ببغداد بين السنة والرافضة، فقُتل بسبب صنيعه هذا من الناس ببغداد فوق المليون شخص([33])! وإنا لله وإنا إليه راجعون.

(ج) ولا ينسى ما فعلته الدولة الصفوية الشيعية في إيران من طعن الدولة العثمانية من الخلف في أشد الأوقات وأصعبها؛ حال اشتغال الدولة العثمانية بفتوح أوروبا، وذكر الحروب التي جرت بينهما أمر صعب مؤلم لا يحتمله هذا البحث، ولا تطيقه النفوس المتطلعة إلى الوئام والاجتماع([34]).

(د) الفتن بين السنة والزيدية:

وهي فتن كثيرة متعددة كانت تجري في اليمن، لكني سأجتزئ منها واحدة فقط ذكرها الإمام الشوكاني ــ رحمه الله تعالى ــ متحدثاً عنها، وقد ذكر فتناً كثيرة كانت تجري في صنعاء بسبب التعصب الشيعي، وقد بيَّن الشوكاني ذلك أثناء ترجمته لأحد علماء الفرائض والرياضيات في صنعاء:

السيد يحيى بن محمد الحوثي ثم الصنعاني، ولد تقريباً سنة 1160، ونشأ بصنعاء فاشتغل بعلم الفرائض والحساب والضرب والمساحة، ففاق في ذلك أهل عصره وتفرد به ولم يشاركه فيه أحد، وصار الناس عيالاً عليه في ذلك ولم يكن له بغير هذا العلم إلمام، مع أنه قد توجه إلى الطلب، ولكن كان كل حظه في هذا العلم، وهو رجل خاشع متواضع كثير الأذكار سليم الصدر إلى غاية يعتريه في بعض الأحوال حدة مفرطة، وقد كان حصل معه جنون في أيام شبابه ثم عافاه الله من ذلك، وما زال مواظباً على الخير لكنه قليل ذات اليد بما يضيق صدره لذلك مع كثرة عائلته ويسر الله له ما يقوم به بعد مزيد امتحان، وهو شيخي أخذت عنه علم الفرائض والوصايا والضرب والمساحة.

وفي شهر رمضان سنة 1216 ثارت بسببه فتنة عظيمة بصنعاء وذلك أن بعض أهل الدولة ممن يتظهر بالتشيع مع الجهل المفرط والرفض باطناً أقعد صاحب الترجمة على الكرسي الذي يقعد عليه أكابر العلماء المتصدرون للوعظ، وأمره أن يملي على العامة كتاب "تفريج الكروب" للسيد إسحاق بن يوسف المتوكل، وهو في مناقب علي كرم الله وجهه، ولكن لم يتوقف صاحب الترجمة على ما فيه بل جاوز ذلك إلى سبِّ بعض السلف مطابقة لغرض من حمله على ذلك لقصد الإغاظة لبعض أهل الدولة المنتسبين إلى بني أمية، كل ذلك لما بين الرجلين من المنافسة على الدنيا والمهافتة على القرب من الدولة وعلى جمع الحطام، فكان صاحب الترجمة يصرخ باللعن على الكرسي فيصرخ معه من يحضر لديه من العامة وهم جمع جم، وسبب حضورهم هو النظر إلى ما كان يسرج من الشمع وإلى الكرسي لبعد عهدهم به وليسوا ممن يرغب في العلم، فكان يرتج الجامع ويرتفع الصراخ ومع هذا فصاحب الترجمة لا يفهم ما في الكتاب لفظاً ولا معنى بل يصحِّف تصحيفاً كثيراً ويلحن لحناً فاحشاً، ويعبِّر بالعبارات التي يعتادها العامة ويتحاورون بها في الأسواق، وقد كان في سائر الأيام يجتمع معهم ويملي عليهم في مسجد الإمام صلاح الدين فأراد أن يكون ذلك في جامع صنعاء الذي هو مجمع الناس ومحل العلماء والتعليم لقصد نشر اللعن والثلب والتظاهر به، فلما بلغ ذلك مولانا خليفة العصر حفظه الله جعل إشارة منه إلى عامل الأوقاف، السيد إسماعيل بن الحسن الشامي أن يأمر صاحب الترجمة أن يرجع إلى مسجد صلاح الدين، فأمر السيد المذكور الفقيه أحمد بن محسن حاتم رئيس المأذنة أن يبلغ ذلك إلى صاحب الترجمة فأبلغه.

فحضر العامة تلك الليلة على العادة ومعهم جماعة من الفقهاء الذين وقع الظلم بهذا الاسم بإطلاقه عليهم فإنهم أجهل من العامة، فلما لم يحضر صاحب الترجمة في الوقت المعتاد لذلك وهو قبل صلاة العشاء ثاروا في الجامع ورفعوا أصواتهم باللعن ومنعوا من إقامة صلاة العشاء، ثم انضم إليهم من في نفسه دَغَلٌ للدولة أو متستر بالرفض، ثم اقتدى بهم سائر العامة فخرجوا من الجامع يصرخون في الشوارع بلعن الأموات والأحياء وقد صاروا ألوفاً مؤلفة، ثم قصدوا بيت الفقيه أحمد حاتم فرجموه، ثم بيت السيد إسماعيل بن الحسن الشامي فرجموه، وأفرطوا في ذلك حتى كسروا كثيراً من الطاقات ونحوها، وقصدوه إلى مدرسة الإمام شرف الدين يريدون قتله فنجاه الله وهرب من حيث لا يشعرون، وقد كانوا أيضاً قصدوا قتل الفقيه أحمد حاتم فهرب من الجامع إلى بيتي، ونحن إذ ذاك نملي في شرحي للمنتقى مع حضور جماعة من العلماء، ثم بعد ذلك عزم هؤلاء العامة وقد تكاثف عددهم إلى بيت السيد علي بن إبراهيم الأمين ورجموه وأفزعوا في هذه البيوت أطفالاً ونساءً وهتكوا حرماً، وكان السبب في رجمهم بيت السيد المذكور أنه كان في تلك الأيام يتصدر للوعظ في الجامع ولم يكن رافضياً لعاناً، ثم عزموا جميعاً وهم يصرخون إلى بيت الوزير الحسن بن عثمان العلفي وإلى بيت الوزير الحسن بن علي حنش، والبيتان متجاوران فرجموهما، وسبب رجم بيت الأول كونه أموي النسب ورجم بيت الآخر كونه متظهراً بالسنة متبرياً من الرفض، فأما بيت الفقيه حسن حنش فصعد جماعة من قرابته على سطحه ورجموهم حتى تفرقوا عنه وأصابوا جماعة منهم، أما بيت الفقيه حسن عثمان فرجموه رجماً شديداً واستمروا على ذلك نحو أربع ساعات حتى كادوا يهدمونه وشرعوا في فتح أبوابه ووقع الرمي لهم بالبنادق فلم ينكفوا لكونه لم يظهر لذلك فيهم أثر إذ المقصود بالرمي ليس إلا مجرد الإفزاع لهم، ثم بعد ذلك غار بعض أولاد الخليفة حفظه الله وبعض أصحابه فكفوهم فانكفوا وقد فعلوا ما لا يفعله مؤمن ولا كافر.

وفي اليوم الآخر أرسل الخليفة حفظه الله للوزير والأمراء وقد حصل الخوف العظيم من ثورة العامة وطال الترادد والمشاورة بينهم ومن بعد ذلك أرسل لي حفظه الله فوصلت إليه حفظه الله فاستشارني فأشرت عليه أن الصواب المبادرة بحبس جماعة من المتصدرين في الجامع للتشويش على العوام وإيهامهم أن الناس فيهم من هو منحرف عن العترة وأن التظاهر بما يتظاهرون به من اللعن ليس المقصود به إلا إغاظة المنحرفين ونحو هذا من الخيالات التي لا حامل لهم عليها إلا طلب المعاش والرياسة والتحبب إلى العامة، وكان من أشدهم في ذلك السيد إسماعيل بن عز الدين النعمي، فإنه كان رافضياً جلداً مع كونه جاهلاً مركباً وفيه حدة تفضي به إلى نوع من الجنون، وصار يجمع مؤلفات من كتب الرافضة ويمليها في الجامع على من هو أجهل منه ويسعى في تفريق المسلمين ويوهمهم أن أكابر العلماء وأعيانهم ناصبة يبغضون علياً كرم الله وجهه، بل جمع كتاباً يذكر فيه أعيان العلماء وينفر الناس عنهم، تارة يسميهم سنية وتارة يسميهم ناصبة، ومع هذا فهو لا يدري بنحو ولا صرف ولا أصول ولا فروع ولا تفسير ولا حديث بل هو كصاحب الترجمة في التعطل عن المعارف العلمية لكن صاحب الترجمة يعرف فناً من فنون العلم كما قدمنا وأما هذا فلا يعرف شيئاً إلا مجرد المطالعة لمؤلفات الرافضة الإمامية ونحوهم الذين هم أجهل منه، ويشبه الرجلين رجل آخر هو أحد عبيد مولانا الإمام حفظه الله اسمه ضرغام رأس ماله الاطلاع على بعض كتب الرافضة المشتملة على السب للخلفاء وغيرهم من أكابر الصحابة فصار هذا يقعد في الجامع ويملي سب الصحابة على من هو أجهل منه، هذه الأمور هي سبب ما قدمنا ذكره.

فلما أشرت على مولانا الإمام حفظه الله بحبس هؤلاء وجماعة ممن يماثلهم حصل الاختلاف الطويل العريض في مقامه الشريف بين من حضر من أولاده ووزرائه، ومنشأ الخلاف أن من كان منهم مائلاً إلى الرفض وأهله فهو لا يريد هذا، ومن كان على خلاف ذلك فهو يعلم أنه الصواب وأنها لا تندفع الفتنة إلا بذلك فصمم مولانا حفظه الله على حبس من ذكر، ثم أشرت عليه حفظه الله أن يتتبع من وقع منه الرجم ومن فعل تلك الأفاعيل فوقع البحث الكلي منه ومن خواصه فمن تبيَّن أنه منهم أودع الحبس والقيد وما زال البحث بقية شهر رمضان حتى حصل في الحبس جماعة كثيرة، فلما كان رابع شوال طلب الإمام حفظه الله الفقهاء المباشرين للرجم فبطحوا تحت طاقته وضربوا ضرباً مبرحاً ثم عادوا إلى الحبس، ثم طلب في اليوم الثاني سائر العامة من أهل صنعاء وغيرهم المباشرين للرجم ففعل بهم كما فعل بالأولين وضربت المدافع على ظهور جماعة منهم، ثم بعد أيام جعلوا في سلاسل حديد وأرسل بجماعة منهم إلى حبس زيلع وجماعة إلى حبس كرمان، وفيهم ممن لم يباشر الرجم السيد إسماعيل بن عز الدين النعمي المتقدم وسبب ذلك أنه جاوز الحد في التشديد في الغرض كما قدمنا، وأما صاحب الترجمة ومن شابهه في هذا المسلك فإنه حبس نحو شهرين ثم أطلق هو ومن معه، وبالجملة فهذه فتنة وقى الله شرها بالحزم الواقع بعد أن وجلت القلوب وخاف الناس واشتد الخطب وعظم الكرب وشرحها طويل، وبعد هذه الواقعة بنحو سنة عوَّل صاحب الترجمة في أن يكون أحد أعوان الشرع ومن جملة من يحضر لدي فأذنت له وصار يعتاش بما حصل له من أجرة تحرير الورق وذلك خير له مما كان فيه إن شاء الله([35]).

المبحث الثالث

المآسي المترتبة على الفرقة في العصر الحديث من القسمين السابقين



وفي هذا العصر تأجج الخلاف وعظُم بين أفراد الأمة، هذا الخلاف الذي له جذور تاريخية، ومؤثرات عصرية، من أهمها قوة وسائل الإعلام التي ربطت بين أرجاء العالم الإسلامي فأصبحت الفتاوى المختلفة، والتقريرات المؤثرة من المحيط إلى المحيط تنتقل في اليوم نفسه، أحياناً، إلى المسلمين مسببة لهم كثيراً من البلبلة وعدم الاتفاق نظراً لاختلاف المدارس الفقهية والعقدية التي كانت محصورة، فيما مضى، في مجتمعات محدَّدة ومعروفة، وإن كُتِب لها الانتشار فإنه في حدود ضيقة، وفي أوساط علمية محددة، وليس بين عوام المسلمين كما يحصل اليوم.

ويؤجج هذا الخلاف أيضاً، بروز كثير من الناشئة الذين ليس عندهم العلم الكافي ولا الخبرة للتصدي لأمر عظيم ألا وهو التوجيه الإسلامي للمجتمع في كل مناحيه وليس في الفتاوى فحسب، فكان مما صنعه هؤلاء الناشئة أن ساهموا،بقوة، في تعميق الخلاف بين المسلمين بل إثارة جذور الخلاف الماضي الذي ظُن أنه قد فرغ من البحث فيه.

كل ذلك أدى إلى أن يفزع العلماء والمفكرون إلى كتابة عشرات الأبحاث التي عالجت، على الورق، كثيراً من الجوانب المهمة، ولا زالت تلك الأبحاث بحاجة إلى التطبيق العلمي الذي، بدون تشاؤم، يتعثر كثيراً نتيجة لعوامل كثيرة لا سبيل لذكرها في هذا البحث الموجز.

وإليك، أخي القارئ، بعض الوقائع المؤلمة التي تشي بما عليه مجتمعنا من سوء تطبيق، في أحيان كثيرة، لهذا الأدب الرفيع، أدب الخلاف، وغرضي من ذكر هذه الوقائع أن نعتبر بها فنعف عن أمثالها ونزجر من يجرؤ على ارتكابها:

(1) إمام في مسجد يتقدم ليؤمَّ الناس فيأتي شخص من خلفه ليعيقه عن التقدم بطريقة فظة، غليظة، ويأخذ مكانه إماماً للناس بحجة أنه أولى منه بالإمامة، علماً بأنه لا يحفظ القرآن، وذلك الإمام المنحَّى هو الحافظ المجيد، وقد تم ذلك نظراً للخلاف بينه وبين الإمام في بعض الجوانب التي ظن أنه لا يسوغ غفرانها والمسامحة فيها، أما حال المصلين وما سيحدثه ذلك التصرف فيهم وفيمن سمع الحادثة فذلك آخر اهتمامات ذلك الرجل المريض.

(2) رجل يشي باجتماع بريء لأحد التجمعات الإسلامية التي اختلف معها اختلافاً لا يؤديه إلى فعل ذلك شرعاً وعقلاً، ولكن أدب الخلاف اضمحل عنده ووصل إلى درك سحيق جعله يرتكب تلك الفعلة الدنيئة عرفاً، الآثمة شرعاً.

(3) رجل تتلمذ على شيخ، درس القرآن وبعض العلوم على يديه، فهو إذاً شيخه وأستاذه، فكان أن اختلف معه في مسألة، قد فرغ من أنه يسوغ فيها الخلاف، فما كان منه إلا أن نفض يديه من أستاذه وشيخه وأصبح همه الوحيد هو التشهير به عند الخاصة والعامة، بل سعى بكل جهده أن يخرج أستاذه من مسجده الذي هو إمامه فتكللت مساعيه، غير الحميدة، بالنجاح.

(4) اتفق مجموعة من صالحي الدعاة مع مدير مدرسة أن يتخذوا من مدرسته مركزاً صيفياً لاستيعاب الطلاب وحفظهم من الزيغ والملل، فما كان من فئة مريضة إلا أن حذرت المدير من إخوانهم الذين اختلفوا معهم في بعض الجوانب التي يسوغ فيها الخلاف، وخوَّفته عاقبة ضلال إخوانهم، وتأثيرهم السيئ على الطلاب في زعمهم وهو محض افتراء، فتوجس المدير خوفاً، ومعه كل الحق في الخوف على الطلاب الذين هم أمانة في عنقه يُسأل عنها يوم القيامة، وقام بسحب موافقته السابقة، وأوكل إدارة المركز لمن وشوا بإخوانهم ظلماً وبهتاناً، فهل رأيتم كيف يصل الأمر بمن فرَّط في مراعاة أدب الخلاف؟

(5) سئل رجل عن رأيه في الإمام الفلاني، فأبدى ما يفهم منه أنه مبتدع، وعندما سئل عن السبب قال: إنه قد (شمَّ) من حديثه البدعة! وكان هذا هو السبب لهذه الوصمة لا غير، وهذا الرجل المسؤول مقدَّم عند بعضهم مسموع الكلمة فيهم.

فبربكم هل سمعتم عن جرح مبني على مثل هذا الهراء؟

(6) دافع عالم فاضل عن فئة أخطأت بعض معالم المنهج الصحيح، ولكنها لا زالت في دائرة السنة والجماعة، وكان دفاعه ذلك بسبب أن واحداً من المشايخ أفرط في ذمهم إلى الغاية، فظن المفرط أن هذا العالم منهم فأكد له أنه على خلاف ذلك، وأنه لا يسلك مسلكهم، فلم يعتمد إلا ما ظنه وارتآه، فسلك في الوشاية بهذا الفاضل مسالك أدت إلى إبعاده عن مواقع قيادية في حياته العلمية.

(7) رجل تقدم لامتحان إلى لجنة من اللجان، فسئل: أين حفظت القرآن؟ ومن هم رفقتك؟ فلما أجاب ظن به أنه مبتدع لسوء ظن اللجنة بذلك المسجد وأهله، فحُرم من الغرض الذي أداه إلى المثول أمام تلك اللجنة الظالمة له بظنها الخاطئ فيه أنه من أهل البدع!

(8) وآخر تقدم لجامعة من الجامعات، فلما علم بعض إداريَّيها أنه مزكَّى من طرف فلان ظُنّ به أنه مبتدع، وحُرِم من القبول لأول الأمر، ولم يسمح له بالانتظام في سلك تلك الجامعة إلا بعد لأي شديد.

(9) عالم يحاضر في جمع، ثم بعد الفراغ من محاضرته يتوجه ذلك الجمع إلى المسجد لأداء الصلاة، وبعد الفراغ يفاجأ الجمع بمن يقوم مندداً بهذا العالم مبيناً مساوئه، في زعمه، فيتأثر ذلك العالم ويبكي، فيقوم عالم آخر ليدافع، فيكاد ذلك الاشتباك يفسد الجو العلمي الإيماني الذي عاشه ذلك الجمع المدهوش بما حدث لشيخه.

(10) شاب في مقتبل العمر يحضر محاضرة لشيخ معروف، فيسأل ذلك الشيخ بعد نهاية المحاضرة سؤالاً في القضاء والقدر، فيجيب الشيخ بما قرره أهل السنة والجماعة في هذا، فما كان من ذلك الشاب إلا أن قام في وسط الجمع ليعلن أنه لم يفهم جواب الشيخ، فأعاد الشيخ تقريره للمسألة، ففوجئ الحاضرون بالشاب يقرر أنه لم يفهم المسألة لأن الشيخ لم يقرر مذهب أهل السنة والجماعة فيها، ولم يشرحها بطريقة الشيخ الفلاني.

والشاب على الحقيقة، لم يفهم المسألة، وإنما أساء الأدب في الخطاب، والمسألة أكبر منه.

(11) رجل التزم منذ مدة وجيزة، فيأتي به الثناء الكاذب والتعالم إلى موقع يحاسب فيه أئمة وخطباء ويقوِّمهم، وبعضهم قد التزم الإسلام قبله بثلاثين سنة، فيكتب فيهم تقاريره بأنهم مبتدعة أو ضُلال أو جهلة، وهو، المسكين، لا يدري بأنه جاهل قد استدرج إلى هذه الهوة السحيقة، فنكب به عدد من الأئمة أولي الفضل، ممن أجَّلوا محاسبته حتى يمثلوا معه أمام ملك الملوك سبحانه.

(12) رجل من المتعالمين قد حقق بعض المخطوطات وصنف بعض التصانيف، اعتاد فيها أن يتناول علماء الأمة الذين مضوا باللمز والإساءة، فيصف هذا بأن عقيدته فاسدة جداً، وآخر بأنه جهمي جلد، وآخر بأنه بدت منه الزندقة، أو تجده يدعو على العلماء، أو يمتنع من الترحم عليهم بدعوى أنهم أهل بدع، أو يقلل من شأنهم، والخطير في هذا الأمر أن علماء الأمة وعقلاءها لم يحرِّكوا ساكناً للحد من سفاهة هذا الرجل وقلة أدبه والتقليل من خطره على النشء، إذ هو، كما يُذكر، قدوة لبعض جهلائهم وأغرارهم.

كانت تلك بعض الصور التي لا يستطيع القلب أن يسترسل في بيانها وجلب المزيد منها، ولولا الحاجة إلى التنبيه عليها بذكرها ما أتيت بها، لكني أزعم أن هذا الخلاف المتأجج الموجود في الساحة اليوم أدى إلى نتيجة سيئة وهي تأخير الصحوة عن بلوغ آمالها وأغراضها وزرع في الأمة بذور الفراق المذموم، والإحن التي تشتعل بها القلوب والصدور، والله المستعان.

المبحث الرابع

المآسي المترتبة على الفرقة السياسية

وهو بسبب ما كان من استئثار بعض الحكام بجهته أو مدينته، ورضاه بها عن الاجتماع الإسلامي، والأدهى من ذلك والأمرّ أن صار بعض الحكام يكيد للآخر، ويرضى أن يخدش دينه بمعاونة الكافرين على أخيه المسلم، وهذا من المصائب والدواهي التي ابتليت بها الأمة الإسلامية منذ تسعة قرون إلى الآن، والأمثلة على ذلك كثيرة لا تكاد تنتهي، لكن أجتزئ منها قديماً ما حصل في الأندلس، وهو الذي بأيدينا فقدناه، وبمعاصينا نكبناه، والحديث فيما حصل فيه من فرقة بين حكامه يطول لكن قد يسأل سائل:

ألم يكن هناك دعاة لدين الله تعالى يحذرون الحكام المسلمين من الخلاف وينبهونهم إلى ما سيحل من العقاب؟ وهذا سؤال في محله، والجواب: بلى كان هناك دعاة إلى الاجتماع والاتحاد ولكن الحكام لم يكونوا متعاطفين مع تلك الدعوة؛ لأن معناها التنازل عما هم فيه من الترف والنعيم والتسليم لخليفة واحد لا يرضونه ولا يريدون حكمه.. هذا مع ما جُبلت عليه نفوسهم من حب المعاصي والخيانة وتذبذب الولاء والبراء.

وفي تاريخنا الإسلامي مثل مضيء لداعية من الدعاة لم يعجبه موقف الحكام الأندلسيين من سكوتهم على الخطر المنذر بالنهاية فـ "رفع صوته بالاحتساب، ومشى بين ملوك أهل الجزيرة لصلة ما انبتّ([36]) من تلك الأسباب، فقام مقام مؤمن آل فرعون لو صادف أسماعاً واعية، بل نفخ في عظام ناخرة، وعطف على أطلال داثرة، بيد أنه([37]) كلما وفد على ملك منهم في ظاهر أمره لقيه بالترحيب، وأجزل حظه في التأنيس والتقريب، وهو في الباطن يستجهل نزعته، ويستثقل طلعته، وما كان أفطن الفقيه رحمه الله بأمورهم، وأعلمه بتدبيرهم، لكنه كان يرجو حالاً تثوب([38]) ومذنباً يتوب"([39]).

كان هذا الفقيه هو أبا الوليد الباجي رحمه الله تعالى، ولكنه كما قال المقري: " لم يفد شيئاً، فالله تعالى يجازيه عن نيته"([40])، واستمر رحمه الله تعالى في دعوته تلك ثلاث عشرة سنة حتى "توفي بالمرية سنة 474، وكان جاء إلى المرية سفيراً بين رؤساء الأندلس يؤلفهم على نصرة الإسلام ويروم جمع كلمتهم مع جنود ملك المغرب المرابطين على ذلك فتوفي قبل تمام غرضه رحمه الله"([41]).

ولم يكن في الساحة وحده رحمه الله تعالى بل كان معه نجوم هو شمسهم منهم أبو حيان، وأبو الحزم جَهْور بن محمد بن جهور، وابن حزم، والإلبيري، والعسال الطليطلي، وابن عبد البر، كل هؤلاء شاركوا في جهود الإنقاذ والدعوة إلى الاتحاد والحذر من الخطر القائم، شاركوا بشعرهم وكتابتهم ودروسهم([42]).

لكن كل ذلك لم يُفد، واجتاحت النصارى بلاد الأندلس بلداً بلداً، والأمثلة على المآسي المترتبة على ما حصل من فرقة أكثر من أن تحصر لكن ليسمح لي القارئ بإيراد بعض الأمثلة التي تؤذي القلوب وتُهْمي العيون لكن لا بد حتى تُعرف المأساة المترتبة على الافتراق من ضياع الأوطان بل الدين والعياذ بالله:

(1) بعد أخذ النصارى ــ لعنهم الله ــ طليطلة، شرعوا في تغيير الجامع إلى كنيسة بعد شهرين مع أن نصوص تسليم المدينة قد نُص فيها على "أن يحتفظ المسلمون إلى الأبد بمسجدهم الجامع"، ولما ذهب النصارى إلى الجامع لم يجدوا فيه إلا "الشيخ الأستاذ المغامي آخر من صدر عنه، واعتمده في ذلك اليوم ليتزود منه.. وبين يديه أحد تلامذته يقرأ، فكلما قالوا له: عجل، أشار هو إلى تلميذه بأن أكمل، ثم قام ما طاش ولا تهيب، فسجد فيه واقترب، وبكى عليه ملياً وانتحب، والنصارى يعظمون شأنه ويهابون مكانه، لم تمتد إليه يد، ولا عرض له بمكروه أحد"([43]).

(2) وبعد سقوط بَرْبَشْتْرُ قدر عدد الأسرى والقتلى ما بين خمسين إلى مائة ألف شخص، "وحصل للعدو من الأموال والأمتعة ما لا يحصى، حتى إن الذي خص بعض مقدمي العدو، هو قائد خيل رومة، نحو ألف وخمسمائة جارية أبكاراً، ومن أوقار([44]) الأمتعة والحلي والكسوة خمسمائة جمل، واقتسم الفرنجة الناس وأخذ كل واحد منهم داراً بمن فيها من أهلها، وكان الفرنج ــ لعنهم الله تعالى ــ يفتضون البكر بحضرة أبيها، والثيب بعين زوجها وأهلها، وجرى من هذه الأحوال ما لم يشهد المسلمون مثله قط فيما مضى من الزمان، ومن لم يرض منهم أن يفعل ذلك في خادم أو ذات مهنة أعطاهن خدمه وغلمانه يعيثون فيهن عَيْثة، وبلغ الكفرة منهم يومئذ ما لا تلحقه الصفة على الحقيقة، ولما عزم ملك الروم على القفول إلى بلده تخير من بنات المسلمين الجواري الأبكار والثيبات ذوات الجمال ومن صبيانهم الحسان ألوفاً عدة حملهم معه ليهديهم إلى من هم فوقهم"([45]).

وأورد ابن حيان ــ رحمه الله تعالى ــ قصة تبكي القارئ وتذهل العاقل، وحاصلها أن تاجراً من تجار اليهود جاء بربشتر ليفتدي بعض بنات ذوي الوجوه المسلمين ممن نجين من الحادثة، وكن تلك البنات قد وقعن في سهم رجل من النصارى يعرفه، فقال:

"فهديت إلى منزله فيها، واستأذنت عليه فوجدته جالساً مكان رب الدار، مستوياً على فراشه، رافلاً في نفيس ثيابه، والمجلس والسرير كما خلفهما ربهما يوم محنته لم يغير شيئاً من رياشهما وزينتهما، ووصائفه مضمومات الشعور، قائمات على رأسه، ساعيات في خدمته، فرحب بي وسألني عن قصدي.. فأشرت إلى وفور ما أبذله في بعض اللواتي على رأسه وفيهن كانت حاجتي، فتبسم وقال بلسانه: ما أسرع ما طمعت فيما عرضناه لك، أعرض عمن هنا وتعرَّض لمن شئت ممن صيرته لحصني من سبيي وأسراي أُقارِبْك فيمن شئت منهم.

فقلت له: أما الدخول إلى الحصن فلا رأي لي فيه، وبقربك أنست، وفي كنفك اطمأننت، فسُمْني ببعض من هنا فإني أصير إلى رغبتك.

فقال: وما عندك؟ قلت: العين الكثير الطيب، والبَزّ الرفيع الغريب، فقال، كأنك تشهيني ما ليس عندي،يا مَجّة، ينادي بعض أولئك الوصائف، يريد "يا بهجة" فغيَّره بعجمته، قومي فاعرضي عليه ما في ذلك الصندوق، فقامت إليه وأقبلت بِبَدَر([46]) الدنانير وأكياس الدراهم وأسفاط الحلي، فكُشف وجعل بين يدي العلج([47]) حتى كادت تواري شخصه، ثم قال لها: أدني إلينا من تلك التخوت، فأدنت منه عدة من قطع الوشي والخز والديباج الفاخر مما حار له ناظري وبهت، واسترذلت ما عندي.

ثم قال لي: لقد كثر هذا عندي حتى ما ألذ به، ثم حلف بإلـهه أنه لو لم يكن عنده شيء من هذا ثم بذل له بأجمعه في ثمن تلك ما سخت بها يداه، فهي ابنة صاحب المنزل، وله حسب في قومه، اصطفيتها لمزيد جمالها لولادتي حسبما كان قومها يصنعون بنسائنا نحن أيام دولتهم، وقد رُدّ لنا الكرة عليهم فصرنا فيما تراه، وأزيدك بأن تلك الخودة الناعمة([48]) ــ وأشار إلى جارية أخرى قائمة إلى ناحية أخرى ــ مغنية والدها التي كانت تشدو له على نشواته إلى أن أيقظناه من نوماته، يافلانة، يناديها بلكنته، خذي عودك فغني زائرنا بشجوك.

قال: فأخذت العود، وقعدت تسويه وإني لأتأمل دمعها يقطر على خدها، فتسارق العلج مسحه واندفعت تغني بشعر ما فهمته أنا فضلاً عن العلج، فصار من الغريب أن أظهر الطرب منه، فلما يئست مما عنده قمت منطلقاً عنه، وارتدت لتجارتي سواه، واطلعت لكثرة ما لدى القوم من السبي والمغنم على ما طال عجبي به"([49]).

وكفى بهذه القصة دليلاً على ما أصاب المسلمين من الذل، فإنا لله وإنا إليه راجعون.


يا غافلاً وله في الدهر موعظة

إن كنت في سِنة فالدهر يقظان

وماشياً مرحاً يلهيه موطنه

أبعد حمص([50]) تغر المرء أوطان

تلك المصيبة أنست ما تقدمها

ومالها مع طول الدهر نسيان

ياراكبين عتاق الخيل ضامرة

كأنها في مجال السبق عقْبان([51])

وحاملين سيوف الهند مرهفة

كأنها في ظلام النقع نيران

وراتعين وراء البحر في دَعَة

لهم بأوطانهم عز وسلطان

أعندكم نبأ من أهل أندلس

فقد سرى بحديث القوم ركبان

كم يستغيث بنا المستضعفون وهم

قتلى وأسرى فما يهتز إنسان

ماذا التقاطع في الإسلام بينكم

وأنتمُ يا عباد الله إخــوان

ألا نفوسٌ أبيّات لها همم

أما على الخير أنصار وأعوان

يا من لذلة قوم بعد عزهمُ

أحال حالهمُ كفر وطغيان

بالأمس كانوا ملوكاً في منازلهم

واليوم هم في بلاد الكفر عبدان

فلو تراهم حيارى لا دليل لهم

عليهم من ثياب الذل ألوان

ولو رأيت بكاهم عند بيعهم

لهالك الأمر واستهوتك أحزان

يا رُبَّ أمٍ وطفل حِيل بينهما

كما تفرق أرواح وأبدان

وطَفْلة مثل حسن الشمس إذ طلعت

كأنما هي ياقوت ومرجان([52])

يقودها العلج للمكروه مكرهة

والعين باكية والقلب حيران

لمثل هذا يذوب القلب من كمدإن كان في القلب إسلام وإيمان([53])


(3) وبعد سقوط غرناطة يحدثنا التاريخ عن هذا المشهد:

"صعد الكردنال إلى إحدى الأبراج بالقصر (قصر الحمراء) ونصب فوقه صليباً كبيراً من فضة ولواء الملكية المسيحية.. وما إن أبصرت الملكة الصليب منصوباً فوق قصر الحمراء حتى انحنت نحو الأرض واقفة على ركبتيها وهي تصلي وتوجه الشكر إلى ربها، أثار المشهد الحماس في نفوس أعضاء حاشيتها فعكفوا يرتلون الأناشيد الدينية. عند ذلك بدأ فيرديناند وبعض علية القوم وأعيانهم، يزحفون نحو غرناطة، ولما دخلوا تقدم نحوه أبو عبد الله (ملك غرناطة) ممتطياً جواده ولما دنا من فرناندو تهيأ للنزول عن صهوته ليقدم التحية إلى الملك النصراني لكن هذا الأخير أومأ إليه ألا يفعل، شفقة عليه، فقبّل أبو عبد الله ــ مع ذلك ــ ذراع فيرديناند اليمني وقدم إليه مفاتيح القصر"([54]).

وهذا الذل الذي قبل به أبو عبد الله الصغير كان رجاء أن يوفي النصارى بوعودهم للمسلمين بالحفاظ على شعائر الإسلام وحرية التدين، فماذا حدث بعد هذه الذلة وهذا التنازل للنصارى؟

لا تسأل بعد ذلك عما حدث من الملكين فرديناند وإيزابيلا من نكث الوعود وإحراق كتب المسلمين([55]) لإزهاق الحضارة الإسلامية، ومن فرض التعميد على الأطفال، ومن منع أداء شعائر الإسلام، ومن منع التسمي بأسماء عربية، ومن منع الختان، ومن منع التحدث بالعربية، إلخ..

"ثم بعد ذلك دعاهم (أي ملك غرناطة النصراني) إلى التنصير وأكرههم عليه وذلك في سنة أربع وتسعمائة فدخلوا في دينه كرهاً، وصارت الأندلس كلها نصرانية، ولم يبقَ من يقول فيها لا إله إلا الله محمد رسول الله جهراً إلا من يقولها في قلبه أو خفية من الناس، وجعلت النواقيس في صوامعها بعد الأذان، وفي مساجدها الصور والصلبان بعد ذكر الله تعالى وتلاوة القرآن، فكم فيها من عين باكية وكم فيها من قلب حزين، وكم فيها من الضعفاء والمعدومين، ومن قلوبهم تشتعل ودموعهم تسيل سيلاً غزيراً مدراراً، وينظرون أولادهم وبناتهم يعبدون الصلبان ويأكلون الخنزير ويشربون الخمر.. فلا يقدرون على منعهم.. ومن فعل ذلك عوقب أشد العقاب، فيالها من فجيعة ما أمرها، ومصيبة ما أعظمها"([56]).

الافتراق السياسي في العصر الحديث:

وأما ما حصل من خلاف بين كثير من زعماء الأمة الإسلامية في العصر الحديث فهو أمر مؤسف، ومازال الخلاف مستحكماً بين بعضهم حتى حصل المحذور، وتقاتل بعضهم مع بعض، وأذهبوا شوكتهم، وأضعفوا قوتهم، وداخلهم العدو الكافر، ووطئ بأقدامه الدنسة عدداً من بلدانهم، وما كان ليطمع في هذا لولا الفرقة التي وقعت بين بعض حكامهم، وهذا العدو اليهودي الماكر يهدم البيوت، ويقتل الرجال والنساء والأطفال، وصيحاتهم تتعالى ولا مجيب، وما يحصل في الشيشان وكشمير والعراق من مآسٍ يشيب لهولها الولدان، كل ذلك لأسباب على رأسها الفرقة السياسية والخلاف المستحكم بين كثير من رؤوس الأمة الإسلامية، وقد كان ما خاف الصالحون أن يكون فإنا لله وإنا إليه راجعون.

ومن أنكى وأشد الأمور على النفوس ما حدث في العصر الحديث من افتراق سياسي في أفغانستان بين الأحزاب المختلفة بعد سقوط كابول ودخول المجاهدين، وكانت الدولة الإسلامية قاب قوسين أو أدنى منهم، ولكنهم ضيعوها بسبب ما حدث بينهم من نزاع خطير أدى إلى قيام حرب حقيقية بينهم، والتراشق بآلاف الصواريخ، ومقتل آلاف الناس، كل ذلك بسبب السعي إلى الزعامة والتفرد، والمطامع الدنيوية، وهذا هو الذي أضاع المشروع الإسلامي الذي كان ينتظره مئات الملايين من المسلمين، وضحوا في سبيله بالغالي والنفيس على مدار اثنتي عشرة سنة أو أكثر من عمر الجهاد، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

الخاتمة

وفيها النتائج والتوصيات

ها قد حان أوان ختم هذا البحث الموجز، وقد ظهر في هذا البحث جملة من النتائج أوجزها في الآتي:

(1) إن الخلاف الذي يؤدي إلى الافتراق لهو شر محض، ونكاية في هذه الأمة، وإذهاب لقوتها وريحها، وإطماع للأعداء فيها، وقد ظهر هذا جلياً في مبحث الافتراق السياسي.

(2) قد ترتب على هذا الخلاف ومن ثم الافتراق قتلٌ للعلماء والصلحاء، وإهانة للعباد والزهاد، وتشكيك في الدعاة والعاملين، وفي هذا شر مبين، وزرعٌ للإحن والبغضاء مبير.

(3) إن هذا الخلاف أدى إلى ضعف التوجه نحو الفتوحات ونشر الإسلام في العالمين؛ إذ انشغل صفوة الناس بتلك الفرقة المبيرة والمحنة الكبيرة، وانظر إلى هذا النص الثمين في وصف أثر مهم ترتب على خلاف الصحابة فيما بينهم ــ رضي الله عنهم ــ قاله أحد السلف:

"لما قتل عثمان ووقع الاختلاف لم يكن للناس غزوٌ حتى اجتمعوا على معاوية فـأغزاهم مرات"([57]).

فقد تُرك الجهاد والغزو مدة الفتنة، وتلك بلية عظيمة؛ إذ كان الفتح الإسلامي نشطاً ممتداً يصاحبه حماس كبير، حتى إذا وقعت الفتنة هدأ كل ذلك، وفاتنا ما هنالك.

(4) إن الافتراق يترك في نفوس الدعاة والعاملين والشباب المقبلين آثاراً من الإحباط مريرة، وشعوراً بالإخفاق وتلك جريرة وأية جريرة، ذلك أن هؤلاء إذا اطلعوا على ذلك الاختلاف ــ بَلْهَ المشاركة فيه ــ حصل لهم نوع من الامتعاض والشعور بتأخر النصر، وهذه بلية عظيمة؛ إذ على مثل هؤلاء بعد الله تعالى نعوّل، وفيهم نؤمِّل ما نؤمِّل.

(5) الخلاف في العصر الحديث ورث الخلاف الذي كان منتشراً زمان السلف والخلف، لكن لم يعد في هذا العصر خلاف مذاهب فقهية ــ إلاّ قليلاً ــ بل صار خلافاً بين الجماعات الإسلامية المتعددة التي ما قامت كلها إلا لنصرة الإسلام! فهذه مفارقة عجيبة ومناقضة غريبة.

(6) الخلاف بين أهل السنة أنفسهم أذهب شوكتهم، ومهَّد لطمع المبتدعة فيهم، ومن ثم طمع الكافرين في ديارهم وأموالهم، وما حصل في أفغانستان مثال واضح لما ذكرته، والله المستعان.

التوصيات

أما التوصيات التي أوصي نفسي وإخواني بها فهي الآتي:

(1) التزام تقوى الله تعالى والخوف من عقابه إذا افترقنا وذهبت ريحنا، وضعفت شوكتنا، وسؤال الله تعالى لنا والحالة هذه غير مستبعد عما فرطنا فيه وسلكنا غير المسلك الأحمد.

(2) أن تربَّى الأجيال على حب الوفاق والوئام، وبغض الافتراق، وأن يوقفوا على مثل هذه النصوص، وأن يعذر بعضهم بعضاً في الخلاف السائغ لئلا يكونوا للأعداء كالطعام السائغ.

(3) إنشاء هيئات دعوية يصدر عنها قرارات تصب في مصلحة الدعوة الإسلامية، فكما للفقه مجامع وهيئات، وللحديث والعقيدة والتاريخ جمعيات، فينبغي أن يكون للدعوة هيئات ومجامع وجمعيات يجتمعون فيها وينسقون فيما بينهم فيما يخدم أغراض الدعوة الإسلامية ومقاصدها، ويصدرون في كل ذلك عن نية صالحة وعمل مبارك.

(4) إعادة كتابة الأحداث المؤرقة والفتن التي حدثت في التاريخ الإسلامي كتابة تربوية تقف على مواطن الزلل وتنتقدها وتقومها، وتظهر العيب ليتجنبه الناس، وتبين زلل الأوائل ليتحاشاه الأواخر، وقد قالت العرب قديماً: السعيد من اتعظ بغيره لا من وُعظ به غيره، وهذا يستلزم إعداد أساتذة يحسنون قراءة التاريخ وفي الوقت نفسه يكونون مسلحين بالعلم الشرعي العاصم عن الزلل أو الميل عن القصد.

(5) نشر أدب الخلاف على رؤوس الناس في المنابر والمجامع ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، والإكثار من ذلك حتى يصير خلقاً مشاعاً معتاداً بين الناس، وربط كل ذلك بالإسلام وتعاليمه ليصير مراعاة أدب الخلاف عبادة وتقرباً إلى الله تعالى.

(6) الأخذ على يد كل مفسد يريد شق صف المسلمين والنيل من دعاتهم وعلمائهم وفضلائهم، وفضحه بين الناس حتى يرتدع عن ضلاله، ويعود إلى رشده، وعدم السماح له بنشر ما تريده نفسه الأمارة بالسوء بين الناس.

(7) جمع الجماعات الإسلامية في جبهة واحدة، ورص صفوفهم وتوجيه جهودهم إلى هدف سام واحد، إذ أن الخلاف المستحكم بينهم اليوم أثر كثيراً على مسيرة الدعوة الإسلامية التي لا أظن أنه يكتب لها النجاح الكامل إلا بالاجتماع والاتفاق، خاصة أن هذا الخلاف قد حل محل الخلاف الذي كان شائعاً بين أسلافنا نصرة للمذاهب الفقهية، وتضخم ليكون أكبر عقبة أمام انتشار الإسلام في الخافقين، والله المستعان.



([1]) نزهة الفضلاء تهذيب سير أعلام النبلاء: 2/579، والسير من تأليف الحافظ الذهبي، رحمه الله تعالى. والنزهة لواضع هذا البحث، نشر دار الأندلس الخضراء، جدة.

([2]) المصدر السابق: 2/846.

([3]) نزهة الفضلاء: 2/851.

([4]) نزهة الفضلاء: 2/1086.

([5]) تحاسد العلماء، لعبد الله بن حسين الوجان: 250ــ251، نقلاً عن معجم البلدان: 1/273، طبعة الخانجي والرستاق.

([6]) أي تامّي السلاح.

([7]) المصدر السابق، نقلاً عن معجم البلدان: 4/355.

([8]) نزهة الفضلاء: 3/1349.

([9]) المصدر السابق.

([10]) المصدر السابق.

([11]) المصدر السابق: 4/1495.

([12]) المصدر السابق: 30/1442.

([13]) تحاسد العلماء: 273 وما بعدها، نقلاً عن ذيل طبقات الحنابلة: 19 ــ 23.

([14]) تحاسد العلماء:489-490.

([15]) نزهة الفضلاء: 4/1538.

([16]) المصدر السابق: 3/1017.

([17]) المصدر السابق: 3/1253.

([18]) رسائل الإمام البنا: 270.

([19]) أي العلم بكيفيتها وليس بمعانيها كما ذهب إليه بعض المغرضين في اتهاماتهم.

([20]) رسائل الإمام البنا: 330.

([21]) المصدر السابق: 269.

([22]) المصدر السابق: 270.

([23]) المصدر السابق.

([24]) المورد العذب الزلال:143.

([25]) هو الشيخ عبدالله بن جبرين حفظه الله تعالى.

([26]) المصدر السابق.

([27]) انظر لفهم هذه المسألة بالتفصيل وإعذار من نشأ في العالم الإسلامي محاطاً به التصوف من كل جانب سبيلاً أوحد في كثير من الأحيان خاصة في زمن البنا وقبله. انظر كتاب "العاطفة الإيمانية وأهميتها في الأعمال الإسلامية" لواضع هذه الرسالة ص 76 ــ 95.

([28]) قد زكى الشيخ عدد من أئمة السلفيين في العصر الحديث مثل الشيخ ابن جبرين كما مر سابقاً، ومثل الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي الذي أهدى إليه كتابين له:"تنزيه الدين وحملته مما افتراه القصيمي في أغلاله"، و"القواعد الحسان لتفسير القران" وكتب عليه: إهداء إلى فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين الشيخ حسن البنا، وغيرهما من الرجال المنصفين.

([29]) منهم الإمام البويطي الذي مات مسجوناً مقيداً سنة 231، انظر "نزهة الفضلاء": 2/ 982.

[30] ) "نزهة الفضلاء": 2/ 881.

([31]) تحاسد العلماء: 490 ــ 491.

([32]) تحاسد العلماء: 251 ــ 252، نقلاً عمن نقل عن الكامل: 9/251.

([33]) نزهة الفضلاء: 4/1724.

([34]) انظر في المسألة السابقة رسالة: الصفويون والدولة العثمانية، للأستاذ علوي عطرجي، نشر دار الأندلس الخضراء بجدة.

([35]) البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع، للإمام الشوكاني: 2/ 344 ــ 348.

([36]) انبت: انقطع.

([37]) أي لكنه.

([38]) أي ترجع.

([39]) التاريخ الأندلسي لعبد الرحمن الحجي: 339 نقلاً عن: الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة، لابن بسام.

([40]) المرجع السابق.

([41]) المرجع السابق: 343، نقلاً عن: ترتيب المدارك، للقاضي عياض.

([42]) انظر المرجع السابق: 344 ــ 347.

([43]) التاريخ الأندلسي: 334، نقلاً عن: الذخيرة في محاسن الجزيرة، وغيرها.

([44]) أحمال.

([45])نفح الطيب للمقّري: 6/239 ــ 240 بتصرف.

([46]) أوعية.

([47]) النصراني الكافر.

([48]) أي الفتاة الشابة الناعمة.

([49]) نفح الطيب: 6/240 ــ 242 بتصرف.

([50]) حمص هي: إشبيلية سميت بذلك لشبهها بحمص.

([51]) جمع عقاب وهو طائر معروف.

([52]) الطَفْلة: الفتاة الناعمة البيضاء.

([53]) من فصيدة لأبي البقاء الرندي يرثي فيها الأندلس، وطالعها كاملة في: نفح الطيب: 6/279ــ281.

([54]) الأندلسيون وهجراتهم إلى المغرب:55، نقلاً عن: محنة العرب في الأندلس.

([55]) جمع ما يقارب من مليون كتاب مخطوط من المكتبات العامة والمكتبات الخاصة وأحرقت بأمر أحد الكرادلة السفلة في ميدان غرناطة، وكان هذا العدد من الكتب يفوق كافة الكتب الموجودة في مكتبات أوروبا بكاملها، بل لم تكن في أوروبا آنذاك مكتبة واحدة تمكنت من جمع عشرة آلاف مجلد. موقف الدولة العثمانية: 40، نقلاً عن: تاريخ الدولة العثمانية، لمؤلفه يلماز أوزوتا.

([56]) الأندلسيون وهجراتهم إلى المغرب: 56 ــ 57 بتصرف يسير.

([57]) نزهة الفضلاء: 1/354.


نفلا عن شبكة المشكاة الاسلامية
 
الارشاد الى التحري في كتابة آيات القر آن

الارشاد الى التحري في كتابة آيات القر آن

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على الرسول الكريم الذي قال الله في حقه(وماأرسلناك الارحمة للعالمين)
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين الى يوم الدين
وبعد:السلام عليكم السادة المشرفون على ملتقى أهل التفسير ورحمة الله تعالى وبركاته
أيهاالسادة /:لقدوردت في النص جملة مسوقة على أنهاآية قرآنية من سورة النساء مرقمة ب:83
وهذانصها:ولوردوه الى الله والرسول لعلمه الذين يستنبطونه منهم. ومثل هذا يعدخطأسافرافي حق القرآن سيما أنه يقع
من أناس مصنفون من العلماء.
أمانص الآية كما هو وارد في القرآن وفي سورة النساء بالضبط الآية رقم:83.
فهوكمايلي(ولوردوه الى الرسول والى أولى الأمرمنهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) وهوجزء من الآية
سادتي أرجو التثبت من الآيات القرآنية قبل نشرها في الملتقى وجزاكم الله كل خير ودمتم في خدمة القرآن
 
عودة
أعلى