جمال أبو حسان
New member
هذا بحث قدمه الدكتور شريف الخطيب استاذ العقيدة في جامعة آل البيت وهو يتناول موضوعا مهما جدا وهو يدور حول مشروعية الاجتهاد في فروع العقيدة أضعه لكم لعله يسهم في تقريب وجهات النظر وتقبلوا تحياتي .
[line]
مشروعيّة الاجتهاد في فروع الاعتقاد
إعداد الدكتور شريف "الشيخ صالح" أحمد الخطيب
الأستاذ المساعد بكلية الدراسات الفقهية والقانونية جامعـة آل البيت
قسم أصول الدين
المقدمة
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على أشرف المرسلين سيّدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد..
فإن شريحة من المسلمين تقوم بتكفير المسلمين الذين هم مثلهم، بحجة أن مسائل الاعتقاد لا تقبل الاجتهاد ولا تقبل الخلاف، وكل طائفة من هذه الطوائف تعتقد أنها على الحق وأنها هي الطائفة الناجية وان غيرها على الباطل، وهذا الاعتقاد يسهم إلى حد كبير في تعميق الخلاف بين المسلمين، والذي يبدأ بعدم الإقرار بالخلاف ثم بالتبديع والتفسيق إلى التكفير والقتل؛ لأنه –كما يزعمون-من بدل دينه فاقتلوه.
والحقيقة التي ينبغي أن يعتقد بها المسلمون جميعا بغض النظر عن فرقهم وتوجهاتهم ومدارسهم الفكرية، أن هناك مسائل في العقيدة لا يجوز الخلاف فيها لكونها ليست محلا للاجتهاد وهذه هي أصول العقيدة، ومسائل أخرى يجوز الخلاف فيها لكونها محلا للاجتهاد وهذه هي فروع الاعتقاد.
وانقسام العقيدة إلى أصول وفروع منصوص عليه،وتدل عليه نصوص كثيرة وأقوال للعلماء عديدة.
وإذا كانت نصوص الكتاب والسنة على ما هو معلوم؛ منها ما يقبل الخلاف والاجتهاد ومنها ما لا يقبلهما، ولا فرق بين هذه النصوص سواء أكانت تدل على مسائل علمية وهي مسائل العقيدة، أم كانت تدل على مسائل عملية وهي مسائل الفقه، والنصوص التي جاءت بفرضية الاجتهاد لا تفرق بين هذه النصوص أو تلك، وإذا كان الأمر كذلك فإنا نجد أن الصحابة والتابعين ومن بعدهم اجتهدوا في مسائل فروع الاعتقاد، واختلفت آراؤهم فيها من غير حدوث إنكار من بعضهم على بعضهم الآخر إلى حد التبديع أو التكفير أو القتل، وبقوا محافظين على وحدة كلمتهم واعتصامهم بحبل الله كما أمرهم الله بقوله: )يا أيها الّذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون*واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرّقوا((103: آل عمران). ولم يقعوا فيما نهاهم عنه وحذرهم منه بقوله تعالى: )ولا تكونوا كالّذين تفرّقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البيّنات وأولئك لهم عذاب عظيم( (105:آل عمران)
وهكذا جمعوا بين الاختلاف في مسائل فروع الاعتقاد ووحدة الأمة ووحدة ولائها ووقوفها أمام أعدائها.
ولعل هذا البحث يسهم في إعادة تلك الصورة المشرقة من الاختلاف في الرأي مع وحدة القلوب والمواقف جمعاً بين الأمر بالاجتهاد والأمر بالوحدة وعدم الاختلاف والنظر إلى المخالف على أنه معذور ومأجور وإن أخطأ في اجتهاده.
الدّراسات السّابقة:
لم أطّلع على دراسة مستقلّة تشير إلى مشروعيّة الاجتهاد في مسائل الاعتقاد، وإن كانت هناك نصوص تحدثت عن هذا الموضوع متفرّقة في بطون الكتب كما سيظهر من خلال استعراض بعضها في ثنايا البحث.
منهجيّة الدراسة:
قامت الدّراسة على المنهج العلميّ القائم على الاستقراء والتّحليل والاستنتاج، حيث قام الباحث:
-باستقراء الأدلّة على مشروعيّة الاجتهاد في مسائل الاعتقاد، وتحليلها، واستنتاج هذه المشروعية منها.
-وعزو الآيات إلى مواضعها من السّور، وتخريج الأحاديث النبويّة، والحكم عليها حيث لزم الأمر.
إشكاليّة البحث: ما حكم الاجتهاد في مسائل الاعتقاد ؟ وهل هو نفس الحكم في مسائل الفقه ؟.
وهل في مسائل الاعتقاد ما يجوز الاجتهاد فيه وما لا يجوز كما هو الحال في مسائل الفقه ؟.
وهل يعذر المخطئ والمخالف في مسائل الاعتقاد كما هو الحال في مسائل الفقه؟.
وهل الحكم في المخطئ والمخالف في مسائل الاعتقاد كما هو الحال في مسائل الفقه ؟، وهو عدم التّكفير أو التّبديع هذا ما سيحاول البحث الإجابة عنه.
محددات البحث: سيكون هذا البحث مقتصرا على نظرة أهل السنة والجماعة في هذه المسألة، واقتصر على ذلك خشية الإطالة، وليكون الخطاب من كل طائفة من طوائف المسلمين من خلال علمائها وكتبها؛ وهذا ادعى للإقناع والقبول.
خطّة البحث:
لقد قسم البحث إلى مقدمة وتمهيد، وأربعة مباحث وخاتمة.
التمهيد: مصطلحات البحث: تعريف الاجتهاد والأصل والفرع والعقيدة.
المبحث الأول: حكم الاجتهاد عمومًا وفي مسائل الاعتقاد خصوصًا.
المبحث الثاني: أدلّة وقوع الاجتهاد في فروع الاعتقاد.
المبحث الثالث: أقوال العلماء في حكم المخالف في مسائل الاجتهاد في الاعتقاد.
المبحث الرابع:نظرية ابن تيمية في الاجتهاد في فروع الاعتقاد.
الخاتمة: وفيها أهم النّتائج التي توصّلت إليها.
وختاما، فأسأل الله القدير أن يجعل عملنا خالصًا لوجهه الكريم، إنّه وليّ ذلك والقادر عليه.
التمهيد: تعريف بمصطلحات البحث
1. الاجتهاد لغة واصطلاحًا:
الكلام في مفهوم الاجتهاد يكون في معناه لغة، واصطلاحًا، وذلك ضمن النقاط التالية:
أولا: الاجتهاد لغة: مصدر مأخوذ من الجَهْد، والجُهْد: وهو بالفتح المشقة، وقيل: المبالغة والغاية، وبالضم، الوسع والطاقة، وقيل: هما لغتان في الوسع والطاقة () وهو كما قال الفيروزآبادي: " الجَهْدُ الطاقَةُ، ويضمُّ، والمَشَقَّةُ. واجْهَدْ جَهْدَكَ ابْلُغْ غايَتَكَ" ([ii]).
وغاية الأمر: أن معنى الاجتهاد لغة يدور حول بذل الوسع والطاقة في طلب أمر من الأمور؛ ويصل إلى غايته ونهايته ومقصوده.
وهذا المعنى هو المقصود في تعريفنا الاصطلاحي له حيث يستفرغ المجتهد([iii]) وسعه وطاقته العقلية ضمن قواعد معينة للوصول إلى حكم شرعي باستثماره الأدلة النقلية ([iv]).
ثانيا: الاجتهاد اصطلاحا ([v]):
عرف الأصوليون الاجتهاد اصطلاحًا ([vi]) بتعاريف عدة، ومنها ما عرفه به الإمام الغزالي بقوله: " بذل المجتهد وسعه في طلب العلم بأحكام الشريعة " ([vii]) وعرفه ابن الحاجب بقوله: " هو استفراغ الفقيه الوسع لتحصيل ظن بحكم شرعي"([viii]).
2- تعريف الأصول والفروع لغة واصطلاحا:
ففي اللغة "الأصل واحد الأصول، يقال: أصل مؤصل، واستأصله، أي قلعه من أصله"([ix]).
والفرع في اللغة: "فرع كل شيء أعلاه"([x]) وعلى هذا يكون المعنى اللغوي للأصل والفرع هو الذي يبنى عليه غيره ويكون أساساً له، والفرع هو الذي يقوم على ذلك الأساس ويتشعّب منه.
وأما المعنى الاصطلاحي للأصل في عرف علماء العقيدة، فقد يراد به الأحكام الاعتقادية والتي تتفرع عنها الأحكام العملية، وهذا ما يبدو من تعريف الكلام عند التفتازاني والذي يراد به –علم العقيدة - حيث يقول في تعريفه: "إنه العلم بالقواعد الشرعية الاعتقادية المكتسب من أدلتها اليقينية"([xi]) ويوضح ذلك بقوله: "الأحكام المنسوبة إلى الشرع منها ما يتعلق بالعمل وتسمى فرعية وعملية، ومنها ما يتعلق بالاعتقاد، وتسمى أصلية واعتقادية"([xii]).
وقد يراد بالأصل القاعدة الكلية في العقيدة والمتفق عليها والمجمع عليها والتي تكون قطعية الثبوت والدلالة و التي تتشعب منها فروع تلك العقيدة الكلية وجزئياتها، التي تكون في محل الاجتهاد والاختلاف, وهذا ما أقصده في الفروع في هذا البحث .
وهذا التفريق بين الأصول والفروع في الاعتقاد أمر ثابت عند أهل السنة والجماعة، وغيرهم من الفرق والمذاهب الإسلامية، فهم يفرقون بين الأصول والفروع من حيث المفهوم، ومن حيث حكم المخالف في كل منهما.
فالأصل عندهم هو: ما كان ثابتًا بدليل قطعي الثبوت، قطعي الدلالة، وبالتالي فإن هذا الأصل يكون موضع إجماع من المسلمين، ولا يدخله الاجتهاد ولا التأويل، ويكون معلومًا من الدين بالضرورة([xiii]).
وقد يرى بعضهم مثل المعتزلة: أن الأصل في الدين، هو ما دل العقل عليه دون ما دلّ عليه الشرع([xiv]) والصحيح: أن الأصل في الدين هو ما كان ثابتًا بدليل سمعي شرعي قطعي الثبوت قطعي الدلالة، وأن ما دون ذلك يكون فرعًا يدخله الاجتهاد.
ورتبوا على ذلك أن المخالف في الأصل يعتبر كافرًا، بينما المخالف في الفرع يعتبر مجتهدًا مصيبًا، أو مخطئًا في اجتهاده.
وقد نص العلماء على تقسيم المسائل الاعتقادية إلى أصول وفروع، وإليك بعض أقوالهم في ذلك([xv]): قال ابن تيمية: "وقال المفسرون لمذهبهم – مذهب أهل السنة – أن له أصولاً وفروعًا، وهو مشتمل على أركان وواجبات – ليس بأركان ومستحبات – " وهذا في معرض حديثه عن أهل السنة حيث يعتقدون أن للإيمان أصولاً وفروعًا. وقال: فصل فيما اختلف فيه المؤمنون من الأقوال والأفعال في الأصول والفروع، فان هذا من اعظم أصول الإسلام الّذي هو معرفة الجماعة وحكم الفرقة والتقاتل والتكفير والتلاعن والتباغض وغير ذلك([xvi]) ويقسم ابن تيمية([xvii]) أمور الشرع إلى أصول وفروع ويبين أن الأصول هي ما جاء في حديث جبريل عليه السلام عندما سأل الرسول e عن الإيمان فقال:أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره([xviii]).
-وقال الإمام البغوي: "إن سوء الفهم عن الله ورسوله أصل كل بدعة وضلالة نشأت في الإسلام وهو أصل كل خطأ في الأصول والفروع"([xix]).
-وقال ابن دقيق العيد: " والبداءة في المطالبة بالشهادتين؛ لأن ذلك أصل الدين، الّذي لا يصح شيء من فروعه إلا به "([xx]).
-وقال الإمام السمعاني فيما نقله عنه الإمام ابن القيم: " وبهذا يظهر مفارقة الاختلاف في مسائل الفروع اختلاف العقائد في الأصول " ([xxi])
وقال أحمد بن الحسين البيهقي: "وفي حديث عبد الله بن عمرو: (إلا واحدة، ما أنا عليه وأصحابي) وإنما اجتمع أصحابه على مسائل الأصول، فإنه لم يُرْوَ عن واحدٍ منهم خلاف ما أشرنا إليه في هذا الكتاب. فأما مسائل الفروع فما ليس فيه نص كتاب ولا نص سنة فقد اجتمعوا على بعضه واختلفوا في بعضه، فما اجتمعوا عليه ليس لأحد مخالفتُهم فيه، وما اختلفوا فيه فصاحب الشرع هو الذي سوّغ لهم هذا النوع من الاختلاف؛ حيث أمرهم بالاستنباط وبالاجتهاد مع علمه بأن ذلك يختلف، وجعل للمصيب منهم أجرين، وللمخطئ منهم أجرًا واحدًا، وذلك على ما يحتمل من الاجتهاد، ورُفع عنه ما أخطأ فيه "([xxii]). ونجد إشارات متعددة للعلماء في التفريق بين الأصول والفروع من حيث الحكم بالكفر أو عدمه للمخالف فيرى القرطبي أن التأويل يعتبر باطلا إذا كان في موضع إجماع المسلمين([xxiii]) ويرى ابن حجر أن الكفر إنما يكون فيما خالف المعلوم من الدين بالضرورة([xxiv]) ويجمع ابن دقيق العيد بين الأمرين السابقين وينص على التواتر في النص([xxv]) وكذلك يشير السيوطي إلى المعنى نفسه([xxvi]).
3. الاعتقاد لغة واصطلاحاً:
العقيدة لغة: مشتقة من العقد، ومعناه نقيض الحل، وعقد الحبل شد بعضه إلى بعض، والعقود أوثق العهود
ومنه قوله تعالى: )يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود((1: المائدة) والعقيدة هي فعيل بمعنى مفعول أي المعتقدات، ومادة عقد في اللغة مدارها على اللزوم والتأكد والاستيثاق([xxvii]) ففي القران: )لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان((89: المائدة).
والعقيدة اصطلاحا: "هي القواعد أو الأحكام الشرعية الاعتقادية التي يطلب من المكلف الاعتقاد بها أي الإيمان بصحتها " ([xxviii]) ويمكن تعريف العقيدة: "وهي الأمور التي تصدق بها النفوس،وتطمئن إليها القلوب وتكون يقينا عند أصحابها لا يمازجها ولا يخالطها شك"([xxix]). وبعد أن عرفت الاجتهاد والفرع والاعتقاد يمكن أن اعرف الاجتهاد في فروع الاعتقاد فأقول: بذل المجتهد وسعه في تحصيل حكم شرعي في مسالة من مسائل فروع الاعتقاد.
المبحث الأول
حكم الاجتهاد عمومًا وفي مسائل الاعتقاد خصوصًا.
أولاً: حكم الاجتهاد عمومًا:
مما هو معلوم أن حكم الاجتهاد فرض كفاية على الأمّة إذا قام به بعض المجتهدين فيها، سقط الإثم عن الآخرين، وإلا أثمت الأمّة كلها ([xxx]).
والنصوص الدالة على هذا الحكم من الكتاب والسنة والإجماع مشهورة معروفة، منها قوله سبحانه وتعالى: )ولو ردوه إلى الله والرسول لعلمه الّذين يستنبطونه منهم((83: النساء).
وقوله تعالى: )فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون((122: التوبة).
ومن السنة حديث معاذ t أن رسول الله e لما أراد أن يبعثه إلى اليمن قال: (كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟) قال: أقضي بكتاب الله، قال: (فإن لم تجد في كتاب الله؟) قال: فبسنة رسول الله e قال: (فإن لم تجد في سنة رسول الله e ولا في كتاب الله؟) قال: أجتهد رأيي ولا آلو، فضرب رسول الله e صدره وقال: (الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله)([xxxi]).
وإذا كانت هذه النصوص تدل على فرضية الاجتهاد فإنها ليست مقيدة بأحكام الفقه دون أحكام العقيدة لأن النصوص الشرعية تأتي بالحكم الفقهي والاعتقادي؛ فيجوز الاجتهاد فيهما والتفريق بين هذه الأحكام لم يحدث إلا في العصور المتأخرة من باب التبويب والتقسيم، وإلا فإن الفقهاء كانوا فقهاء الفقه الأكبر وفقه الفروع، كما ذهب إلى ذلك الإمام أبو حنيفة عندما قال في تعريف الفقه: "الفقه هو ما يجب على النفس من معرفة، فإذا كان في الأصول كان الفقه الأكبر، وإذا كان في الفروع كان معرفة الأحكام العملية التفصيلية"([xxxii]). ويسوي ابن تيمية بين الاجتهاد في مسائل الفقه والعقيدة حيث يعطي نفس الحكم لهما بقوله: "وعامة ما تنازعت فيه فرقة المؤمنين من مسائل الأصول وغيرها في باب الصفات والقدر والإمامة وغير ذلك هو من هذا الباب، فيه المجتهد المصيب، وفيه المجتهد المخطئ، ويكون المخطئ باغياً، وفيه الباغي من غير اجتهاد، وفيه المقصر فيما أمر به من الصبر"([xxxiii]).
ومن هنا وجدنا الاجتهاد في مسائل الاعتقاد منذ عهد الصحابة y إلى يومنا هذا.
ثانياً: حكم الاجتهاد في فروع الاعتقاد.
إذ تبين من الفقرة السابقة أن الاجتهاد في النصوص الشرعية لاستخراج الحكم هو فرض كفاية، إلا أن طبيعة النصوص مختلفة، فهناك نصوص لا يمكن الاجتهاد والاختلاف فيها، حيث أنها قطعية الثبوت قطعية الدلالة، وهي المسائل الثابتة التي لا تتغير ولا مجال فيها للتفسير أو التأويل أو المعارضة، أو المخالفة، لكون دلالتها على الأحكام قطعية، مثل المسائل العقائدية الأصلية المتعلقة بأصل الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره؛ وأن القرآن حق، ومنزل من عند الله عز وجل، وأن الرسول e أُرسل للناس كافة، وهي الأحكام الاعتقادية الكلية التي لم يخالف فيها أحد من المسلمين،وكذلك كل ما علم من الدين بالضرورة ([xxxiv]) وكقطعية بعث الرسل بالنسبة للأحكام العقدية، وكقطعية تحريم الأمهات في قوله تعالى: )حرمت عليكم أمهاتكم((23: النساء) بالنسبة للأحكام العملية، ولذلك لم تكن محلا للاجتهاد، وهي محل اتفاق الأمّة سابقها ولاحقها، متقدّمها ومتأخرها.
وهناك نوع آخر من النصوص الشرعية يمكن أن يدخلها التأويل والمعارضة أو المخالفة لكونها ظنيّة الثبوت والدلالة، أو قد تكون ظنيّة الثبوت قطعية الدلالة، أو قطعية الثبوت ظنيّة الدلالة ([xxxv]).
-ومنها: بعض المسائل الاعتقادية الفروعية، وبعض النظريات الكلامية التي اختلف فيها العلماء، وجرت بينهم فيها مناظرات ومناقشات عائدة لظنية الأدلة الدالة على هذا الحكم العقدي([xxxvi]).
وهذه الأحكام يكون فيها مجال للاجتهاد للوصول إلى الرأي الصائب، أو القريب من الصواب، ومعلوم أن هذه الأحكام هي الأحكام الاعتقادية الفرعية، والأحكام العملية الظنية.
وهذا النوع من الأحكام يتجاذبه جملة من القواعد والمبادئ المتصلة بمقاصد الشريعة العامة وكلياتها اعتقادية أو عملية، ([xxxvii]).
و يؤكد الشاطبي ما سبق بقوله: " فان الله تعالى حكم بحكمته أن تكون فروع هذه الملة قابلة للانظارومجالا للظنون وقد ثبت عند النظار أن النظريات لا يمكن الاتّفاق عليها عادة، فالظنيات عريقة في إمكان الاختلاف فيها، لكن في الفروع دون الأصول، وفي الجزئيات دون الكليات، فلذلك لا يضر هذا الاختلاف" ([xxxviii]). ويظهر من النص أن النظربات يقصد بها المعتقدات وانه يصح الخلاف في فروع الاعتقاد دون الأصول.
ويفرق الشاطبي أيضا في الاختلاف بين الأصول والفروع بقوله: "إن هذه الفِرَق إنما تصير فرقًا بخلافها للفرقة الناجية في معنى كلي في الدين وقاعدة من قواعد الشريعة لا في جزئية من الجزئيات إذ الجزئي والفرع الشاذ لا ينشا عنه مخالفة يقع بسببها التفرق شيعا و إنما ينشأ المخالفة في الأمور الكلية " ([xxxix]) ومن هذا النص يظهر أن الشاطبي يرى جواز المخالفة في الفروع والجزئيات دون الأصول والكليات.
ويرى ابن تيمية أن المسائل الأصولية والمجمع عليها والتي دلالة النصوص عليها قطعية لا يجوز الاجتهاد فيها ومنكرها كافر بينما المسائل الفروعية وغير المجمع عليها والتي دلالة النصوص عليها غير قطعية يجوز الاجتهاد فيها ومنكرها ليس كافرًا"([xl]).
ويجعل ابن تيمية "الأصول الثابتة بالكتاب والسنة والإجماع هي بمنزلة الدين المشترك بين الأنبياء، ليس لأحد خروج عنها، ومن دخل فيها كان من أهل الإسلام المحض، وهم أهل السنة والجماعة، وما تنوعوا فيه من الأعمال والأقوال المشروعة فهو بمنزلة ما تنوعت فيه الأنبياء... وإن تنوعت الأفعال في حق أصناف الأمّة فلم يختلف اعتقادهم ولا معبودهم... والمذاهب والطرائق، والسياسات للعلماء والمشايخ والأمراء إذا قصدوا بها وجه الله تعالى دون الأهواء... بحسب الإمكان بعد الاجتهاد التام، هي لهم من بعض الوجوه بمنزلة الشرع والمناهج للأنبياء، وهم مثابون على ابتغائهم وجه الله تعالى وعبادته وحده" ([xli]). ويفرق ابن الوزير بين ما كان معلوما من الدين بالضرورة وما ليس كذلك ولا يرى كفر المتأول والمخالف في ذلك فيقول: والدليل على أنه لا يكفر أحد من المخالفين في التأويل إلا من بلغ الحد في جحد المعاني المعلوم ثبوتها بالضرورة 000 إن الكفر هو تكذيب النبي r إما بالتصريح أو ما يستلزمه استلزامًا ضروريًا لا استدلاليًا([xlii]).
ويقول محمد بن عبد الوهاب: " ثم اعلموا وفقكم الله، إن كانت المسألة إجماعاً فلا نزاع، وإن كانت مسائل اجتهاد فمعلومكم أنه لا إنكار في من يسلك الاجتهاد"([xliii]).
وإذا كانت النصوص القطعية لا مجال للاجتهاد فيها وأما الظنية فيجوز الاجتهاد فيها فانه لابد من وجود الضوابط لهذا الاجتهاد حتى نصل للرأي الصحيح ولا نقع في الخطأ وفي ذلك يبين شارح العقيدة الطحاوية مسوغات الاجتهاد والتأويل الصحيح لذلك الاجتهاد بحيث لا يقع صاحب الاجتهاد في خطأ التأويل الفاسد، وهذا إقرار منه بالاجتهاد والاختلاف في مسائل الاعتقاد فيقول:
" فالتأويل الصحيح هو الّذي يوافق ما جاءت به السنة، والفاسد المخالف له. فكل تأويل لم يدل عليه دليل من السياق، ولا معه قرينة تقتضيه، فإن هذا لا يقصده المبين الهادي بكلامه، إذ لو قصده لحف بالكلام قرائن تدل على المعنى المخالف لظاهره، حتى لا يوقع السامع في اللبس والخطأ، فإن الله أنزل كلامه بياناً وهدى، فإذا أراد به خلاف ظاهره، ولم يحف به قرائن تدل على المعنى الّذي يتبادر غيره إلى فهم كل أحد-لم يكن بياناً ولا هدى. فالتأويل إخبار بمراد المتكلم، لا إنشاء.
وفي هذا الموضع يغلط كثير من الناس، فإن المقصود فهم مراد المتكلم بكلامه، فإذا قيل: معنى اللفظ كذا وكذا، كان إخباراً بالذي عنى المتكلم فإن لم يكن الخبر مطابقاً كان كذباً على المتكلم. ويعرف مراد المتكلم بطرق متعددة، منها: أن يصرح بإرادة ذلك المعنى. ومنها: أن يستعمل اللفظ الّذي له معنى ظاهر بالوضع، ولا يبين بقرينة تصحب الكلام أنه لم يرد ذلك المعنى، فكيف إذا حف بكلامه ما يدل على أنه إنما أراد حقيقته وما وضع له، كقولهِ: )وكلم الله موسى تكليمًا(( 146: النساء ). وكما في الحديث: (أنكم ترون ربكم عياناً كما ترون الشمس في الظهيرة ليس دونها سحاب)([xliv]).
فهذا مما يقطع به السامع له بمراد المتكلم، فإذا أخبر عن مراده بما دل عليه حقيقة لفظه الّذي وضع له مع القرائن المؤكدة، كان صادقاً في إخباره.
وأما إذا تأول الكلام بما لا يدل عليه ولا اقترن به ما يدل عليه، فإخباره بأن هذا مراده كذب عليه، وهو تأويل بالرأي، وتوهم بالهوى " ([xlv]).
المبحث الثاني
أدلة وقوع الاجتهاد في فروع الاعتقاد وأقوال العلماء فيه
وإذا كان العلماء قد أقروا بالاجتهاد كما بينا في المطلب السابق في فروع الاعتقاد دون الأصول من حيث التصور فإن الاجتهاد والاختلاف قد وقعا بين الصحابة والتابعين ومن بعدهم من العلماء، وسأورد بعض الأمثلة في فروع الاعتقاد الثلاثة في الإلهيات والنبوات والسمعيات.
أولا: الإلهيات:
1-الاجتهاد في رؤية النبي r لله عز وجل في معراجه إلى السماء: فقد حكى القاضي عياض في كتابه "الشفا" اختلاف الصحابة ومن بعدهم في رؤيته r، وإنكار عائشة رضي الله عنها أن يكون r رأى ربه بعين رأسه، وإنها قالت لمسروق حين سألها: هل رأى محمد ربه؟ فقالت: لقد قف شعري مما قلت، ثم قالت: من حدثك أن محمداً رأى ربه فقد كذب([xlvi]).
ثم قال: وقال جماعة بقول عائشة رضي الله عنها، وهو المشهور عن ابن مسعود وأبي هريرة واختلف عنه، وقال بإنكار هذا وامتناع رؤيته في الدنيا جماعة من المحدثين والفقهاء والمتكلمين.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه r رآه بعينه، وروى عطاء عنه: إنه رآه بقلبه. ثم ذكر أقوالاً وفوائد، ثم قال: وأما وجوبه لنبينا r والقول بأنه رآه بعينه. فليس فيه قاطع ولا نص، والمعول فيه على آيتي النجم، والتنازع فيهما مأثور، والاحتمال لهما ممكن.
وهذا القول الّذي قاله القاضي عياض رحمه الله هو الحق، فإن الرؤية في الدنيا ممكنة، إذ لو لم تكن ممكنة لما سألها موسى u، لكن لم يرد نص بأنه r رأى ربه بعين رأسه، بل ورد ما يدل على نفي الرؤية، وهو ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي ذر t قال: "سألت رسول الله r هل رأيت ربك؟ فقال: نور أنى أراه" وفي رواية: "رأيت نوراً".
وقد روى مسلم أيضاً عن أبي موسى الأشعري t أنه قال: "قام فينا رسول الله r بخمس كلمات، فقال: (إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور) وفي رواية: (النار، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه) ([xlvii]) فيكون -والله أعلم- معنى قولهِ: لأبي ذر (رأيت نوراً) ([xlviii]): أنه رأى الحجاب، ومعنى قولهِ: (نور أنّى أراه) ([xlix]): النور الّذي هو الحجاب يمنع من رؤيته، فأنّى أراه؟ أي فكيف والنور حجاب بيني وبينه يمنعني من رؤيته فهذا صريح في نفي الرؤية، والله أعلم ([l]).
وقد تقدم ذكر اختلاف الصحابة في رؤيته r ربه عز وجل بعين رأسه، وأن الصحيح أنه رآه بقلبه، ولم يره بعين رأسه.
وقولهِ: )ما كذب الفؤاد ما رأى((11: النجم ) ).... ولقد رآه نزلة أخرى((13: النجم ) صح عن النبي r أن هذا المرئي جبرائيل، رآه مرتين على صورته التي خلق عليها.
وأما قوله تعالى في سورة النجم: )ثم دنى فتدلى(( 8: النجم ) فهو غير الدنو والتدلي المذكورين في قصة الإسراء، فإن الّذي في سورة النجم هو دنو جبرائيل وتدليه كما قالت عائشة وابن مسعود رضي الله عنهما فإنه قال: )علمه شديد القوى، ذو مرة فاستوى، وهو بالأفق الأعلى، ثم دنا فتدلى(( 5-8 النجم ) فالضمائر كلها راجعة إلى هذا المعلم الشديد القوى، وأما الدنو والتدلي الّذي في حديث الإسراء فذلك صريح في أنه دنو الرب تعالى وتدليه. وأما الّذي في سورة النجم أنه رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى، فهذا هو جبرائيل رآه مرتين مرة في الأرض، ومرة عند سدرة المنتهى([li]).
2-الاجتهاد في جواز الإقسام على الله عز وجل: إن كان مراده الإقسام على الله بحق فلان فذلك محذور أيضاً لأن الإقسام بالمخلوق على المخلوق لا يجوز، فكيف على الخالق وقد قال r ( مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ )([lii]) ولهذا قال أبو حنيفة وصاحباه y يكره أن يقول الداعي : "أسألك بحق فلان أو بحق أنبيائك ورسلك وبحق البيت الحرام والمشعر الحرام" ونحو ذلك حتى كره أبو حنيفة ومحمد أن يقول الرجل: "اللهم إني أسألك بمعقد العز من عرشك" ولم يكرهه أبو يوسف لما بلغه الأثر فيه، وتارة يقول بجاه فلان عندكَ أو يقول نتوسل إليكَ بأنبيائك ورسلك وأوليائك، ومراده لأن فلاناً عندك ذو وجاهة وشرف ومنزلة فأجب دعانا ([liii]).
3-الاجتهاد في أول مخلوقات الله عز وجل: ولا يخلو قولهِ : (أول ما خلق الله القلم...) إما أن يكون جملة أو جملتين. فإن كان جملة وهو الصحيح كان معناه أنه عند أول خلقه قال له اكتب، كما في اللفظ (أول ما خلق الله القلم قال له اكتب ) بنصب "أول" والقلم، وإن كان جملتين وهو مروى برفع "أول والقلم" فيتعين حمله على أنه أول المخلوقات من هذا العالم، فيتفق الحديثان، إذ حديث عبد الله بن عمرو صريح في أن العرش سابق على التقدير، والتقدير مقارن لخلق القلم. وفي اللفظ الآخر لما خلق الله القلم قال له: اكتب ([liv]). وسبب الخلاف كما يظهر يعود إلى ناحية الإعراب والى أن هذا النص جملة أو جملتين.
4-الاجتهاد في صفة علو الله عز وجل: يرى ابن تيمية أن الاجتهاد منه الصواب ومنه الخطأ وفي ذلك يقول وكذلك كثير ممن يتنازعون في أن الله في السماء ومقصو دهم بان الله في السماء أو ليس في السماء فالمثبتة تطلق القول بأن الله في السماء كما جاءت به النصوص ودلت عليه بمعنى انه فوق السماوات على عرشه بائن عن خلقه. وآخرون ينفون القول بان الله في السماء ومقصودهم أن السماء لا تحويه ولا تحصره ولا تقله ولا ريب أن هذا المعنى صحيح فان الله لا تحصره مخلوقاته ثم قال ولكن هؤلاء أخطئوا في نفي اللفظ الّذي جاء به الكتاب والسنة وفي توهم أن إطلاقه دال على معنى فاسد ([lv]).
5-الاجتهاد في معنى صفة: " وجه الله عز وجل ": فقد اجتهد الصحابة والتابعون في تفسير قوله تعالى: )ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم (( 115: البقرة ) فعن ابن عمر –رضي الله عنهما- أنه كان يصلي حيث توجهت به راحلته ويذكر أن رسول الله r كان يفعل ذلك ويتأول الآية([lvi]))فأينما تولوا فثم وجه اللـه( . ( 115: البقرة ).
ونقل ابن كثير عن ابن عباس -رضي الله عنهما– في قوله تعالى: )فأينما تولوا فثم وجه اللـه( ( 115: البقرة ) أن معناه: قبلة الله، أينما توجهت شرقا أو غربا، وقال مجاهد: فأينما تولوا فثم وجه الله: حيث ما كنتم فلكم قبلة تستقبلونها الكعبة ([lvii]).
وكما اختلف الصحابة في معنى الوجه في الآية الكريمة، اختلف من بعدهم التابعون، قال الترمذي: ويروى عن مجاهد في هذه الآية، )فأينما تولوا فثم وجه الله(( 115: البقرة ) قال: فثم قبلة الله، وقال حدثنا بذلك أبو كريب، حدثنا وكيع عن النضر بن عربي عن مجاهد بهذا ([lviii]).
ونقل عن طائفة أخرى منهم عامر بن ربيعة عن أبيه الصحابي، وعن حماد عن إبراهيم النخعي أن الوجه هنا بمعنى القبلة ([lix]).
ونقل الرأي الثاني: أن " فثم وجه الله " أي: فثم الله تبارك وتعالى، وقال آخرون: عني بالوجه ذا الوجه ([lx])
وظاهر من هذا الخلاف أن منهم من حملها على الحقيقة ومنهم من حملها على المجاز ثم اختلفوا في تأويلها على آراء.
6-الاجتهاد في حقيقة الكرسي لله عز وجل: فقد اجتهد الصحابة في معنى قوله تعالى: )وسع كرسيه السماوات والأرض(( 255: البقرة ) فاختلفت الآراء في المسألة إلى الآراء التالية: فقال بعضهم: أنه الكرسي علم الله، وذهب آخرون إلى أن الكرسي موضع القدمين، وذهب آخرون إلى أن الكرسي هو العرش نفسه، فذهب على القول الأول من الصحابة ابن عباس – رضي الله عنهما – وابن جبير من التابعين، وذهب إلى القول الثاني: أبو موسى الأشعري والسّدي وطائفة من السلف، وإلى الرأي الثالث: الحسن البصري، نقل هذه الأقوال الطبري وعقب عليها: ولكل من هذه الأقوال وجه ومذهب ثم مال هو إلى تأويل الكرسي بالعلم ([lxi]).
ثانيا: النبوات:
1-الاجتهاد في حقيقة الرسل هل هم من الإنس فقط أم من الإنس والجن معا: فمنهم من ذهب إلى انهم من الإنس والجن وهو ما رواه ابن جرير عن الضحاك بن مزاحم لقوله تعالى: )يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم( ( 130: الأنعام ) وقال مجاهد وغيره من السلف والخلف،الرسل من الإنس فقط، وليس من الجن رسول،، وقال ابن عباس الرسل من بني آدم ومن الجن نذر([lxii]).
وسبب الخلاف في هذه المسالة أن من حمل الآية على عممومها فقد ذهب إلى أن الله يرسل الرسل من الإنس والجن ومن حملها على وجه التخصيص فقد ذهب إلى أن الرسل من الإنس فقط، وفهم الآية السابقة على مثل قول الله تعالى: )يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان(( 22: الرحمن ) والمراد من أحدهما([lxiii]).
2- الاجتهاد في حقيقة الفرق بين النبي والرسول: فقد اختلف في حقيقة النبي والرسول فمن العلماء من ذهب انه لا فرق بين معنى الرسول والنبي، ومنهم من فرق بين النبي والرسول فجعل الرسول من أمر بالتبليغ والنبي من لم يؤمر بالتبليغ ([lxiv]). ومنهم من قال بل من نزلت عليه شريعة مستقلة فهو الرسول لأنه خص بشريعة وكتاب ومن بلغ شريعة الرسول الّذي سبقه فهو النبي ([lxv]).
3- الاجتهاد في عدد الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام -: فقد أختلف في عدد الأنبياء فالبعض ذهب إلى أن عدد الأنبياء غير محصور بعدد ومنهم من حصره بمائة وأربعة وعشرين ألف نبي ورسول ([lxvi]). وقد كان سبب الخلاف هو صحة الحديث الذي ورد بالعدد فعن أبي أمامة قال أبو ذر: قلت: يا رسول الله كم وفاء عدة الأنبياء؟ قال:( مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً من الرسل من ذلك ثلاث مائة وخمسه عشر جماً غفيراً)([lxvii]) ومعارضته لإطلاق العدد في القران الكريم في مثل فوله تعالى ) وان من أمة إلا خلا فيها نذير( ( 24: فاطر )
4- الاجتهاد في نبوة النساء: فقد أختلف في نبوة النساء، فقد ذهب بعض العلماء إلى نبوة بعض النساء، ومن هؤلاء أبو حسن الأشعري والقرطبي وابن حزم، وقد خالفهم في ذلك جمهور العلماء، وهناك من نقل الإجماع على عدم نبوة النساء ([lxviii]).
وهذا الخلاف إنما وقع لان النصوص في هذه المسالة ليست قطعية الدلالة([lxix]).
5 - الاجتهاد فيما عصم الله عز وجل أنبياءه –عليهم الصلاة والسلام- منه: فقد اختلف فيما عصم الله سبحانه وتعالى أنبياءه منه من الكبائر أو من الكفر أو من الصغائر قبل النبوة أو بعدها ويقول التفتازاني: "واستقر الخلاف بين المسلمين في عصمتهم وفي فضلهم على الملائكة ولا قاطع في أحد الجانبين"([lxx]).
6- الاجتهاد في تفضيل الأنبياء وصالحي البشر على الملائكة: فقد نقل ابن أبي العز الحنفي الخلاف في تفضيل الأنبياء وصالحي البشر على الملائكة، فقد ذهب أهل السنة والجماعة إلى تفضيل صالحي الأنبياء فقط على الملائكة، وذهب المعتزلة إلى تفضيل الملائكة، وأما الأشاعرة، فذهب بعضهم إلى التوقف في هذه المسالة، وذهب آخرون إلى الميل لتفضيل الملائكة، وذهب آخرون إلى تفضيل الأنبياء وصالحي البشر على الملائكة، وأما الشيعة، فقد ذهبوا إلى أن الأئمة أفضل من الملائكة.
وقد توقف الإمام أبو حنيفة في هذه المسألة، ولذا، فلم يوردها الطحاوي في نصه، وذهب شارح الطحاوية إلى أن الأدلة في هذه المسالة متكافئة([lxxi]). وقال الامدي بعد أن أورد الخلاف في هذه المسالة قال: ( فهذه المسالة ظنية سمعية والترجيح فيها لكل أحد على حسب ما يتفضل الله تعالى عليه من المنة وجودة القريحة كما في غيرها من المسائل الاجتهادية )([lxxii]).
ثالثا: السّمعيات:
ومن الأدلة على وقوع الاختلاف والاجتهاد في مسائل السمعيات، ما يأتي:
1- الاجتهاد في الدخان والوارد في قوله تعالى: " فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم "( 10-11 الدخان ) وفي المراد بهذا الدخان، وهل وقع، أو من الآيات المرتقبة قولان:
القول الأول: أن هذا الدخان هو ما أصاب قريشا من الشدة والجوع، عندما دعا عليهم النبي e حين لم يستجيبوا له، فأصبحوا يرون في السماء كهيئة الدخان، وإلى هذا القول ذهب عبد الله ابن مسعود t وغيره من التابعين ([lxxiii]) وهذا اجتهاد منه t على واقعة بعينها.
القول الثاني: أن الدخان آية من آيات الله مرسلة على عباده قبل مجيء الساعة، فيأخذ المؤمن كهيئة الزكمة، ويدخل في مسامع الكافر والمنافق حتى يكون كالرأس الحنيذ، وإلى هذا القول ذهب ابن عباس رضي الله عنهما وبعض الصحابة والتابعين([lxxiv]).
2- اجتهاد بعض العلماء في النار التي تخرج في آخر الزمان: ظن بعض الناس عندما ظهرت نار عظيمة في المدينة في جزيرة العرب أنها هي النار المقصودة كعلامة من علامات الساعة الكبرى، ولكن الحقيقة أن الرأي الراجح أن علامة الساعة الكبرى هي النار التي تخرج آخر الزمان وتحشر الناس إلى محشرهم تبيت معهم([lxxv]) وهذا إنزال النص على واقعة معينة ومخالفة الغير في ذلك.
3- الاجتهاد في اسم الدَّجّال وحقيقة ما معه ممن جنة أو نار:
لقد اختلف الصحابة ومن بعدهم من العلماء في من هو الدَّجّال؛ فمنهم من قال: أنه ابن الصياد، ومنهم من قال: أنه الرجل الذي رؤي في حديث الجساسة، وهذا ما رجحه ابن حجر في فتح الباري([lxxvi]).
ومما يدل على أن ابن الصياد هو الدَّجّال حديث جابر t الّذي في البخاري أنه كان يحلف أن ابن الصياد هو الدَّجّال ويقول: سمعت عمر t يحلف عند رسول الله r فلم ينكر عليه.
ولكن الأصح أن الدَّجّال غير ابن صياد وإن شاركه ابن صياد في كونه أعور ومن اليهود وأنه ساكن في يهودية أصبهان إلى غير ذلك؛ وذلك لأن أحاديث ابن صياد كلها محتملة وحديث الجساسة نصّ فيقدم.
ومما يرجح أن الدجال ليس هو ابن الصياد أن ابن الصياد كان في المدينة و قد أشارت الأحاديث أن ابن الدجال في بحر الشام أو بحر اليمن أو هو في قبل المشرق([lxxvii]).
وأما الاجتهاد في حقيقة النار التي معه، هل هي حقيقة أم تخيل؟ مال ابن حبان في صحيحه([lxxviii]) إلى أنه تخيل واستدل بحديث المغيرة بن شعبة في الصحيحين أنه قال: "ما سأل أحد النبي e ما سألته، وأنه قال لي: (ما يضرك منه؟) قلت: لأنهم يقولون: معه جبل خبز ونهر ماء، قال: (هو أهون على الله من ذلك)([lxxix]).
فمعناه: أنه أهون على الله من أن يكون معه ذلك حقيقة بل يرى كذلك وليس بحقيقة.
وقال جماعة منهم القاضي ابن العربي: بل هي على ظاهرها أي: فيكون ذلك امتحاناً من الله لعباده ويكون معنى الحديث: هو أهون من أن يخاف أو أن يضل الله به من يحبه([lxxx]).
ويدل على ذلك: "قولُ رَسُولِ اللَّهِ e: (لأَنَا أَعْلَمُ بِمَا مَعَ الدَّجَّالِ مِنْهُ، مَعَهُ نَهْرَانِ يَجْرِيَانِ أَحَدُهُمَا: رَأْيَ الْعَيْنِ مَاءٌ أَبْيَضُ، وَالآخَرُ: رَأْيَ الْعَيْنِ نَارٌ تَأَجَّجُ، فَإِمَّا أَدْرَكَنَّ أَحَدٌ فَلْيَأْتِ النَّهْرَ الَّذِي يَرَاهُ نَارًا، وَلْيُغَمِّضْ ثُمَّ لْيُطَأْطِئْ رَأْسَهُ فَيَشْرَبَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مَاءٌ بَارِدٌ"([lxxxi]) أساس الخلاف في هذه المسالة كما أرى اعتبار الحقيقة والمجاز.
4-الاجتهاد في المهدي: قال الحافظ ابن القيّم: "قد اختلف الناس في المهدي على أربعة أقوال:
أحدها: أنه المسيح بن مريم عليه السلام وأنه هو المهدي على الحقيقة واحتج أصحاب هذا القول بحديث محمد بن خالد الجندي([lxxxii]) أي المتقدم وقد بينا حاله وأنه لا يصحّ، ولو صحّ لم يكن فيه حجة لان عيسى عليه السلام أعظم مهدي بين يدي الساعة فيصح أن يقال: لا مهدي في الحقيقة سواه إن كان غيره مهدياً يعني هو المهدي الكامل المعصوم.
ثانيها: أنه المهدي الّذي ولي من بني العباس قد انتهى واحتج أصحاب هذا القول بما رواه أحمد في مسنده عن ثوبان مرفوعاً: (إذا رأيتم الرايات السود أقبلت من خراسان فأتوها ولو حبواً على الثلج فإن فيها خليفة الله المهدي)([lxxxiii]) وفيه على بن زيد ضعيف وله مناكير فلا يحتجّ بما ينفرد به.
وبما روى ابن ماجة من حديث الثوري عن ثوبان نحوه وتابعه عبد العزيز بن المختار عن خالد.
وفي سنن ابن ماجة عن عبد الله بن مسعود t مرفوعاً: (إن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاءً وتشريداً وتطريداً حتى يأتي قوم من أهل المشرق ومعهم رايات سود…)([lxxxiv]) الحديث، وفي إسناده يزيد بن أبى زياد وهو سيء الحفظ في آخر عمره وكان يقبل الفلوس.
قال: وهذا الّذي قبله لو صحّ لم يكن فيه دليل على أن المهدي هو الّذي تولى من بني العباس.
ثالثها: أنه رجل من أهل بيت النبي r من ولد الحسن أي: أو ولد الحسين بن علي يخرج في آخر الزمان وقد ملئت الأرض جوراً فيملؤها قسطاً وعدلاً واكثر الأحاديث على هذا.
أقول: وقد ادعى قومَ من السلف في محمد بن عبد الله المحض النفس الزكية أنه المهدي وقد مرّت الإشارة، والله أعلم([lxxxv]).
وفيما سبق يظهر اختلاف الأقوال نظرًا لاعتماد البعض على أحاديث ضعيفة ظنوها صحيحة، واختلاف العلماء في تصحيح الحديث أو تضعيفه.
5- الاجتهاد في أول علامات الساعة وقوعًا ليوم القيامة: فقد ورد في بعض الروايات: أن أول الآيات خروج الدَّجّال.
وفي بعضها: أن أولها طلوع الشمس من مغربها.
وفي بعضها: الدابة.
وفي بعضها: نار تحشر الناس إلى محشرهم.
قال الحافظ ابن حجر: "وطريق الجمع: أن الدَّجّال أول الآيات العظام المؤذنة بتغيير أحوال العامّة في الأرض أي: فلا ينافي تقدّم المهدي عليه. قال: "وينتهي ذلك بموت عيسى بن مريم عليه السّلام ومن بعد القحطاني وغيره، وإن طلوع الشمس من المغرب هو أول الآيات المؤذنة بتغيير أحوال العالم العلوي، وينتهي ذلك بقيام السّاعة أي: والدابة معها فهي والشمس كشيء واحد، وإن النار أول الآيات المؤذنة بقيام الساعة" انتهى([lxxxvi]).
وهذا جمع حسن له رحمه الله تعالى، ويدل على ذلك ما في بعض الروايات: "وآخر ذلك – يعني الآيات- نار تحشر الناس إلى محشرهم" ([lxxxvii]).
وروى نعيم بن حماد عن وهب بن منبه قال: "أول الآيات الروم، ثم الدجال، والثالثة يأجوج ومأجوج، والرابعة عيسى بن مريم، والخامسة الدخان، والسادسة الدابة"([lxxxviii]).
أي: وكون عيسى عليه السلام رابعًا باعتبار تأخره عن يأجوج ومأجوج، وإن كان باعتبار وقت نزوله مقدما عليهما، فهو باعتبار ثالث، وباعتبار أخر رابع.
والخامسة: الدخان – وقد سبق بيانه– والسادسة: الدابة أي وعده هذا باعتبار الآيات الأرضية ومن ثم لم يعد طلوع الشمس فهو أيضا يؤيد ما ذكره الحافظ لكن لو قال: وينتهي ذلك بخروج الدابة بدل قوله: بموت عيسى عليه السلام لكان أولى وأوضح وكون الروم أولا حقيقي وكون الدَّجّال أولا إضافي لأنه أعظم من الروم وكان الروم بالنظر إليه ليس بشيء"([lxxxix]).
والاختلاف في أول العلامات ظهوراً وفي ترتيب تلك العلامات، مرده إلى تعدد الروايات واختلافهم في الجمع أو التوفيق بينها أو صحتها وضعفها.
6- الاجتهاد في وصف الدابة ومكان خروجها:
أما الاجتهاد في وصف الدابة:
فعن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن لها عنقًا مشرفًا –أي طويلاً- يراها من بالمغرب، ولها وجه الإنسان ومنقار كمنقار الطير، ذات وبر وزغب"([xc]).
وعن أبي هريرة t: "أنها ذات عصب وريش"([xci]).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: "زغباء ذات وبر وريش"([xcii]).
وعن حذيفة t: إنها ملمّعة ذات وبر وريش، لن يدركها طالب ولن يفوتها هارب([xciii]).
وعن علي بن أبى طالب كرم الله وجهه وقد قيل له: أن ناساً يزعمون أنك دابة الأرض فقال: والله إن لدابّة الأرض ريشاً وزغباً، ومالي ريش ولا زغب، وإن لها حافراً ومالي حافر، إنها تخرج حضر الفرس الجواد ثلاثاً، وما أخرج ثلثاها"([xciv]).
وعن عمرو بن العاص t: أن رأسها يمسّ السحاب وما خرجت رجلها من الأرض([xcv]).
وعن ابن عمرو رضي الله عنهما: إنها تخرج كجري الفرس ثلاثة أيام لم يخرج ثلثها، وهذا يقرب من رواية علي كرم الله وجهه المارة([xcvi]).
وعن أبى هريرة t: أن فيها من كل لون ما بين قرنيها فرسخ للراكب([xcvii]).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: "أنها مؤلفة ذات زغب وريش فيها من ألوان الدواب كلّها، وفيها من كل أمة سيما، وسيماهم من هذه الأمّة أنها تكلم الناس بلسان عربي مبين تكلمهم بكلامهم"([xcviii]).
هذه الروايات التي ذكرناها عن الصحابة رضي الله عنهم قد يصحّ بعضها وقد يضعف، فيعتمد البعض عليها في إثبات أوصاف الدابة كما فعل البرزنجي حيث ساق هذه الأقوال دون تعليق عليها وكأنه يقرها، مع العلم أنه لم يثبت في وصف الدابة حديث صحيح عن رسول الله e([xcix]).
وأما الاجتهاد في مكان خروجها: فقد اختلفت الروايات الواردة عن رسول الله e ([c]) كما اختلفت الروايات عن الصحابة رضي الله عنهم([ci]) ومن ثم اختلفت آراء العلماء في ذلك، ففي بعضها: أنها تخرج من إنطاكية، وفي بعضها: أنها تخرج من المروة، وفي بعضها: من مدينة قوم لوط، وفي بعضها: من وراء مكة.
ووجه الجمع بين هذه الروايات من وجهين:
أحدهما: أن لها ثلاث خرجات، ففي بعضها تخرج من مدينة قوم لوط، ويصدق أنها من أقصى البادية، وفي بعضها تخرج من بعض أودية تهامة، ويصدق عليها أنه من وراء مكة، ومن اليمن لان الحجاز يمانية، ومن ثم قيل: الكعبة يمانية. وفي المرة الأخيرة تخرج من مكة وهي من أعظم جثتها وطولها يمكن أن تخرج من بين المروة والصفا وأجياد، فإنها تمسك مقدار ثلاثة أيام واكثر وحينئذ يصدق عليه أنها خرجت من المروة ومن الصفا ومن أجياد ومن المسجد، وبالله التوفيق.
الوجه الثاني: أنها تخرج من جميع تلك الأماكن في آن واحد خرقاً للعادة في صور مثالية، وهذا أيضا مبني على تحقيق المثال المحسوس([cii]) وفي هذه المسالة كان الخلاف في مسالة صحة الروايات أو ضعفها أو التوفيق بين الروايات.
7- الاجتهاد في الميزان والحوض أيهما يكون قبل الآخر؟ فهناك أقوال منها: أن الميزان قبل الحوض، وقيل الحوض قبل الميزان، قال أبو الحسن القابسي: والصحيح أن الحوض قبل الميزان، قال القرطبي: "والمعنى يقتضيه، فإن الناس يخرجون عطاشًا من قبورهم كما تقدم فيقدم قبل الميزان والصراط".ويظهر من قول القرطبي انه اعتمد على مرجح عقلي وقد تختلف العقول في ذلك.
قال أبو حامد الغزالي في كتاب كشف علم الآخرة: حكى بعض السلف من أهل التصنيف أن الحوض يورد بعد الصراط، وهو غلط من قائله، قال القرطبي: هو كما قال، وذهب إلى أنَّ الرأي الصحيح هو أن للنبي حوضان: أحدهما: في الموقف قبل الصراط، والثاني: يكون في الجنة ([ciii]). ويظهر أن منشأ هذا الخلاف إنما هو ترجيح دليل على آخر، أو هو على قاعدة الجمع بين الأدلة عند صحتها([civ]).
8- الاختلاف فيما يوزن يوم القيامة: ومن أمثلة ذلك الاجتهاد والاختلاف في الشيء الّذي يوزن يوم القيامة، فمنهم من جمع بين الأدلة التي وردت فيما يوزن، ومنهم من أخذ بحديث واعتمده في المسألة، ومن هنا وقع الخلاف في المسألة.
فقد وردت النصوص على ثلاثة أقسام في هذه المسألة واختلفت الآراء إلى أربعة، وهي: أن الّذي يوزن هو الأعمال نفسها عندما تتحول إلى أعيان ومما يدل على ذلك: حديث النبي r: (أن البقرة وآل عمران يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف)([cv]).
ومما يدل على القول الثاني أن الصحف هي التي توزن هو حديث البطاقة المشهور، وهي أن صحف السيئات توضع في كفة ثم يوضع بطاقة مكتوب عليها: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فلا يثقل شيء باسم الله ([cvi]).
وأما القول الثالث: فهو أن الإنسان نفسه هو الّذي يوزن، ومما يدل عليه حديث رسول الله r عن ثقل ساقي عبد الله بن مسعود عند الله يوم القيامة وأنهما أثقل عند الله من جبل أحد([cvii]) وأما القول الرابع فهو الجمع بين الآراء فقالوا بوزن الأمور الثلاثة على قاعدة العمل بالدليل أولى من إهماله، والملاحظ في هذه أن الأحاديث المتعارضة كلها صحيحة.
أكتفي بهذا القدر من الأمثلة والتي كانت في كافة أقسام العقيدة، وبذلك يظهر بوضوح وقوع الاجتهاد والاختلاف في فروع الاعتقاد بين الصحابة والتابعين والعلماء دون أن يكفر بعضهم بعضاً، وهذا تطبيق عملي في إقرار مشروعية الاجتهاد، نظراً للاختلاف في فهم النصوص أو نظراً للاختلاف في الجمع بين النصوص أو لاعتماد البعض على دليل لم يصل إلى الآخر أو نظراً لتصحيح أو تضعيف يعض الأدلة إلى غير ذلك من مبررات واقعية للاجتهاد والاختلاف، وعلينا أن نسلك مسلك من سبقنا في الإقرار بتلك الشرعية ولا ينكر بعضنا على بعض إذا خالفه الرأي.
المبحث الثالث:
أقوال العلماء في حكم المخالف في مسائل الاجتهاد في الاعتقاد.
وإذا كان العلماء قد أقروا بجواز الاجتهاد في مسائل فروع الاعتقاد من الناحبة النظرية، فقد وقع ذلك منهم فعلا، فاجتهدوا في فروع الاعتقاد كما بينا في المطلب السابق؛ فإنهم قد ارتضوا بنتائج الاجتهاد، فأقروا بأن حكم المخالف والمجتهد في فروع الاعتقاد هو حكم المجتهد في مسائل الفقه، يؤجر على اجتهاده أجرين إن كان صائبا، ويؤجر أجرا واحدا إن كان مخطئا، إذا بذل وسعه في استنباط الحكم من النص، وبناء عليه: فإنهم لم يكفروا صاحب الرأي المخالف في فروع الاعتقاد، وكانوا يصلون وراء من يخالفهم في فروع الاعتقاد، ولم يزيلوا الولاء بين المسلمين للاختلاف في تلك الفروع من الاعتقاد، وإليك بعض أقوال العلماء في بيان هذه المسألة بدءا من الإمام أحمد بن حنبل وانتهاء بالعلماء المعاصرين في زماننا.
يقول الإمام أحمد بن حنبل: "لم يعبر الجسر إلى خراسان مثل إسحاق وإن كان يخالفنا في أشياء، فإن الناس لم يزل يخالف بعضهم بعضاً" ([cviii]).
ويقول: "ولو أنا كلما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأ مغفوراً له قمنا عليه وبدعناه وهجرناه لما سلم معنا لا ابن نصر، ولا ابن منده، ولا من هو أكبر منهما، والله هو هادي الخلق إلى الحق وهو أرحم الراحمين([cix]).
يرى الإمام أحمد – رحمه الله – أنه لا يصح هجر المخالف والمجتهد في فروع الاعتقاد، كما كان يخالفه إسحاق وابن نصر في مسألة خلق القرآن([cx]) وابن مندة في مسألة أمية النبي – e–([cxi]).
وهاتان القضيتان العقديتان من القضايا الاجتهادية المهمة ومع ذلك فقد أعذر الإمام أحمد وهو إمام أهل السنة والجماعة مخالفيه في ذلك.
ويقول الإمام الطحاوي: "ونسمي أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين ما داموا بما جاء به النبي r معترفين، وله بكل ما قاله وأخبر مصدقين "([cxii]) فالمسلم عند الإمام الطحاوي هو من يشهد أن لا اله إلا الله ويؤمن ويصدق بكل ما جاء به الرسول e وإن كانوا متأولاً أو مخالفا في بعض القضايا باجتهاده.
وقال الإمام أبو الحسن الأشعري في بداية كتابه مقالات الإسلاميين قبل أن يورد اختلافات المسلمين في مسائل الاعتقاد ( اختلف الناس بعد نبيهم r في أشياء كثيرة ضلل بعضهم بعضا وبرئ بعضهم من بعض فصاروا فرقًا متباينين وأحزابا مشتتين إلا أن الإسلام يجمعهم ويشمل عليهم ) ([cxiii]).
وقد ذكرت كلام البيهقي في انقسام المسائل إلى أصول وفروع، وقد أعذر من خالف في الفروع ورتب عليه الأجر من الله تعالى([cxiv]).
وروى ابن عساكر عن أبي زاهر علي بن زاهر بن أحمد السرخسي يقول: " لما قرب حضور أجل أبي الحسن الأشعري – رحمه الله – في داري ببغداد دعاني فأتيته، فقال: أشهد أني لا أكفر أحداً من أهل هذه القبلة، لأن الكل يشيرون إلى معبود واحد، وإنما هذا كله، اختلاف العبارات"([cxv]). وفي كلام الأشعري تركيز على القواسم المشتركة بين المسلمين من شهادتهم أن لا اله إلا الله وأن معبودهم واحد وإيمانهم بالإسلام واحد، وعدم اعتبار للقضايا الجزئية التي يخالف بعض المسلمين بعضهم فيها، واعتبارهم مسلمين لا يجوز تكفيرهم، فإذا اعتبرهم مسلمين فانه ينتقد انقسام المسلمين إلى فرق وأحزاب متطاحنة فيجب عند ذلك ولاؤهم ونصرتهم.
ويقرر ابن حزم إعذار المجتهد فيما ذهب إليه في اجتهاده، فيقول: "ومن بلغه الأمر عن رسول الله r من طريق ثابتة وهو مسلم فتأول في خلافه إياه، أو رد ما بلغه بنص آخر، فما لم تقم عليه الحجة في خطئه في ترك ما ترك، وفي الأخذ بما أخذ، فهو مأجور معذور، لقصده على الحق، وجهله به، وإن قامت عليه الحجة في ذلك فعاند، فلا تأويل بعد قيام الحجة " ([cxvi]).
ويذكر ابن حزم مبررات الخلاف بين المجتهدين من حيث النصوص ثبوتا ودلالة ومن حيث وصولها للمجتهد أو عدم وصولها ويعذره فيما يذهب إليه في مخالفته فان أقيمت عليه الحجة فعليه أن يرجع للحجة الراجحة.
ويقدم إلينا الإمام الغزالي رحمه الله نصاً محكماً في الاجتهاد والاختلاف فيقول: " اعلم أن شرح ما يكفر به وما لا يكفر به يستدعي تفصيلا طويلا يفتقر إلى ذكر كل المقالات والمذاهب، وذكر شبهة كل واحد، ودليله، ووجه بعده عن الظاهر، ووجه تأويله، وذلك لا تحويه مجلدات، ولا تتسع لشرح ذلك أوقات، فاقتنع الآن بوصية وقانون، أما الوصية فأن تكف لسانك عن أهل القبلة ما داموا قائلين لا إله إلا الله محمد رسول الله بعذر أو غير عذر، فإن التكفير فيه خطر والسكوت لا خطر فيه، أما القانون فهو أن تعلم أن النظريات قسمان: قسم يتعلق بأصول الدين، وقسم يتعلق بالفروع، وأصول الإيمان ثلاثة: الإيمان بالله وبرسوله واليوم الآخر، وما عداه فروع، وأعلم أنه لا تكفير في الأصول أصلا إلا في مسالة واحدة، وهي أن ينكر أصلا دينيا علم من الرسول r بالتواتر، ولكن في بعضها تخطئة كما في الفقهيات وفي بعضها تبديع كالخطأ المتعلق بالإمامة وأحوال الصحابة " ([cxvii]). ويظهر من كلام الغزالي عدم تكفير المسلم سواء كان خطؤه بعذر أو بغير عذر احتياطا للدين، ويرى انه لا يجوز التكفير للمسلم المخالف إلا في قضايا الأصول من الدين وهي الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر دون الفروع في الدين وهي ما سوى ذلك.
ويقول الذهبي عن التابعي قتادة السدوسي: "كان يرى القدر نسأل الله العفو ومع هذا فما توقف أحد في صدقه وعدالته وحفظه، ولعل الله يعذر أمثاله ممن تلبس ببدعة يريد بها تعظيم الباري وتنزيهه وبذل وسعه.. ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه، وعلم تحريه للحق، واتسع علمه وظهر ذكاؤه وعرف صلاحه وورعه واتباعه يغفر له زللـه ولا نضلله ونطرحه وننسى محاسنه، نعم ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبة من ذلك"([cxviii]).
ويتحدث الذهبي عن ابن خزيمة وتأويله حديث الصورة فيقول: "فليُعذر من تأول بعض الصفات، وأما السلف فما خاضوا في التأويل بل آمنوا وكفوا وفوضوا علم ذلك إلى الله ورسوله، ولو أن كل من أخطأ في اجتهاده مع صحة إيمانه وتوخيه لاتباع الحق أهدرناه وبدعناه لقل من يسلم من الأئمة معنا رحم الله الجميع بمنه وكرمه" ([cxix]).
ويقول: "ولو أنا كلما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأ مغفوراً له قمنا عليه وبدعناه وهجرناه لما سلم معنا لا ابن نصر ولا ابن مندة ولا من هو أكبر منهما، والله هو هادي الخلق إلى الحق وهو أرحم الراحمين فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة"([cxx]).
ويقول الذهبي في تعليقه على اختلاف الناس في أبي حامد الغزالي بين مادح وذام: "مازال العلماء يختلفون ويتكلم العالم في العالم باجتهاده، وكل منهم معذور مأجور، ومن عاند أو خرق الإجماع فهو مأزور، وإلى الله ترجع الأمور" ([cxxi]).
ويظهر من أقوال الذهبي بوضوح انه يقر بالاجتهاد ويعذر المخالف فلا يبدعه أو يكفره ولو كان الخلاف في مسالة تأويل الصفات أو في نفي القدر وهو ما ذهب إليه المعتزلة.
ويبين الشاطبي الفرق بين الخلاف السائغ وغيره " وقد ثبت عند النظار أن النظريات لا يمكن الاتّفاق عليها عادة، فالظنيات عريقة في إمكان الاختلاف فيها، لكن في الفروع دون الأصول، وفي الجزئيات دون الكليات، فلذلك لا يضر هذا الاختلاف" ([cxxii]). ويقول الشاطبي: "إن هذه الفِرَق إنما تصير فرقًا بخلافها للفرقة الناجية في معنى كلي في الدين وقاعدة من قواعد الشريعة لا في جزئي من الجزئيات"([cxxiii]).
ويقول الشاطبي أيضا: "الاجتهاد الواقع في الشريعة ضربان، أحدهما الاجتهاد المعتبر شرعاً، وهو الصادر عن أهله الّذين اضطلعوا بمعرفة ما يفتقر الاجتهاد إليه... والثاني: غير المعتبر، وهو الصادر عمن ليس بعارف بما يفتقر الاجتهاد إليه، لأن حقيقته أنه رأي بمجرد التشهي.. فكل رأي صادر عن هذا الوجه فلا مرية في عدم اعتباره، لأنه ضد الحق الّذي أنزله..."([cxxiv]). ويظهر من كلام الشاطبي إقراره بالاجتهاد في المسائل الظنية وليست القطعية أي في الفروع دون الأصول، وفي المسائل الجزئية دون الكلية، وان هذا الاجتهاد والخلاف معتبر.
ويقول القرطبي مبينا العلاقة بين المسلم وأخيه المسلم ولو كان مخالفا له: " وهذا كله حض على مكارم الأخلاق، فينبغي للإنسان أن يكون قوله للناس ليناً، ووجهه منبسطاً طلقاً مع البر والفاجر والسني والمبتدع من غير مداهنة، ومن غير أن يتكلم معه بكلام يظن أنه يرضي مذهبه،
ثم قال: وقال طلحة بن عمر: قلت لعطاء: إنك رجل يجتمع عندك ناس ذوو أهواء مختلفة، وأنا رجل فيَّ حدة، فأقول لهم بعض القول الغليظ، فقال: لا تفعل، يقول الله تعالى: )وقولوا للناس حسنًا(( 83: البقرة ) فدخل في هذه الآية اليهود والنصارى فكيف بالحنيفي" ([cxxv]) وتبين من كلام القرطبي أن أصحاب الأقوال الخاطئة و أصحاب الأهواء طالما انهم حنفاء فيجب معاملتهم معاملة طيبة وان يقال لهم قولا لينا وفي هذا الكلام دعوة للتسامح بين المسلمين.
وقال محمد بن أحمد الغنجار:" كان لابن سلام مصنفات في كل باب من العلم، وكان بينه وبين أبي حفص أحمد بن حفص الفقيه مودة وأخوة مع تخالفِهِما في المذهب" ([cxxvi]).
فمذهب ابن سلام هو مذهب أهل الحديث والأثر، ومذهب أبي حفص مذهب الحنفية في الإرجاء وغيره، ومع الاختلاف بينهما في مسائل الاعتقاد الفرعية، إلا أنهما كانا على مودة([cxxvii]).
ويقول التفتازاني: "والمجتهد في العقليات والشرعيات الأصلية والفرعية قد يخطئ ويصيب... والمجتهد غير مكلّف بإصابته لغموضه وخفائه فلذلك كان المخطئ معذورًا بل مأجورًا، فلا خلاف على هذا المذهب في أن المخطئ ليس بآثم"([cxxviii]). وكلام التفتازاني ظاهر في إقراره بالاجتهاد وبالتالي بالخلاف وأعذاره وعدم تأثيم المخطئ لأنه غير مكلف بالوصول إلى الحق وان كان مكلفا بالاجتهاد للغموض الذي قد يكون موجودا في النصوص. ونجد الشيخ جمال الدين الغزنوي يعرض الخلاف في مسائل عصمة الأنبياء والخلاف في مسالة القدر وفي مسالة أطفال المشركين ويقول بعد كل مسالة: (والقول السديد..) في هذه المسألة كذا وكذا.. دون أن يشنع على المخالف، وهذا إقرار منه باجتهاد وعدم تكفير المخالف في مثل تلك المسائل الفرعية([cxxix]).
ويقول محمد بن عبد الوهاب: "ثم اعلموا وفقكم الله، إن كانت المسألة إجماعاً فلا نزاع، وإن كانت مسائل اجتهاد فمعلومكم أنه لا إنكار في من يسلك الاجتهاد" ([cxxx]). ويظهر من هذا الكلام تفريقه بين المسائل المجمع عليها وفي الغالب يكون الإجماع على القضايا الكلية والتي دلالة النصوص عليها قطعية،وبين المسائل الاجتهادية فيرى أن الأولى لا يصح الاختلاف فيها و أما الثانية فلا ينكر من اجتهد واختلف معه فيها.
وفيما يلي أورد أقوال ومواقف بعض العلماء المعاصرين في الإقرار بمبدأ الاجتهاد في فروع الاعتقاد وإعذار المخالف وعدم تكفيره:
فيقول الشيخ عبد الرحمن السعدي: " إن المتأولين من أهل القبلة الّذين ضلوا وأخطأوا في فهم ما جاء في الكتاب والسنة مع إيمانهم بالرسول واعتقادهم صدقه في كل ما قال، وأن ما قاله كان حقًا، والتزموا ذلك لكنهم أخطأوا في بعض المسائل الخبرية أو العلمية، فهؤلاء قد دلّ الكتاب والسنة على عدم خروجهم من الدّين، وعدم الحكم لهم بأحكام الكافرين، وأجمع الصّحابة والتابعون ومن بعدهم من أئمة السلف على ذلك"([cxxxi]) ويرى في هذا القول أن المجتهد المتأول المخطئ لا يكفر ولا يخرج من دائرة الإسلام.
ويستنكر الشيخ محمد الغزالي رحمه الله على المسلمين تكفير بعضهم بعضا فيقول " واني لأقرأ في صحفنا الدينية اليوم نزاعاًً بين أتباع السلف والخلف –كما سموا أنفسهم – واسمع ألفاظ الكفر تتبادل كما تتبادل الكرة أرجل اللاعبين فأهز رأسي عجبا "([cxxxii]) وعبارته واضحة بإعذار المخالف في الاجتهاد وعدم تكفيره.
وأجد الشيخ عبد الرحمن حبنكة الميداني يورد الآراء الثلاثة المعتبرة في مسالة الصفات الخبرية من إثباتها أو تفويضها أو تأويلها، ثم يقول في معرض تعليقه على مذهب المؤولة: "وحين نلاحظ أن كبارًا من علماء المسلمين الذين هم مرجع للمسلمين في علوم الفقه والتفسير والحديث قد أخذوا بهذه الطريقة، يتأكد لدينا أن لهم رأيا لا يصح أن نضللهم فيه، مادام لهم وجهة نظر ذات حجة، ولهم نظائر في الشريعة مما اتفق المسلمون جميعا عليه. ولئن كانوا مخطئين في هذا، فهم ضمن شروط الاجتهاد المقبول، ولهم اجر على اجتهادهم الذي بذلوه ليصلوا إلى ما ينشدونه من حق "([cxxxiii]) ويظهر من كلامه أن المكلف به المسلم هو الاجتهاد وليس الوصول إلى الحق أو الصواب؛ فان اخطأ فانه يؤجر على اجتهاده ويعذر في خطئه.
ويفرق أ.د قحطان الدوري بين الأصل الديني وهو المتفق عليه بين المسلمين من الإيمان بالله وبالنبوة واليوم الآخر... والأصل المذهبي الذي يخص فرقة معينة ويرى أن المخالف في الديني كافر وان المخالف في الأصل المذهبي ليس من مذهب مخالفه ولكنه مسلم وليس بكافر([cxxxiv]) وهذا القول يقرر مبدأ الخلاف بين المسلمين وان المخالف في الفروع دون الأصول ليس بكافر.
المبحث الرابع
نظرية ابن تيمية في الاجتهاد في فروع الاعتقاد وضوابطه.
لابن تيمية نظرية في الاجتهاد في فروع الاعتقاد والاختلاف فيها، ويمكن من خلال استقراء النصوص الواردة عن ابن تيمية في هذا الموضوع استخلاص مفاصل هذه النظرية، وذلك وفق النقاط التالية:
أولا: يقرر مشروعية الاجتهاد في فروع الاعتقاد فيقول: " وعامة ما تنازعت فيه فرقة المؤمنين من مسائل الأصول وغيرها في باب الصفات والقدر والإمامة، وغير ذلك، فهو من هذا الباب، فيه المجتهد المصيب، وفيه المجتهد المخطئ "([cxxxv]).
ويظهر من كلام ابن تيمية في الاختلاف في مسائل الصفات في كون الصفات زائدة على الذات، أو غير زائدة، وفي تأويل الصفات الخبرية، وفي مسائل القدر حيث كان الخلاف في التفريق بين القضاء والقدر والتعليل في حكمة القدر، واختلافهم في الإمامة بين أبي بكر وعلي – رضي الله عنهما -، وغير ذلك من مسائل الخلاف بين الأمة في هذه القضايا وأمثالها، أن فيها المجتهد المصيب، والمجتهد المخطئ، فقد سماه مجتهدا، مع كونه مخطئا، وهذا إقرار منه بمشروعية الاجتهاد.
ثانيا: أن اختلاف الصحابة في فروع الاعتقاد مؤيد من مؤيدات المشروعية للاجتهاد في فروع الاعتقاد: وفي ذلك يقول: "وتنازعوا في مسائل علمية اعتقادية، كسماع الميت صوت الحي، وتعذيب الميت ببكاء أهله، ورؤية محمد ربه قبل الموت، مع بقاء الجماعة والألفة. وهذه المسائل منها ما أحد القولين خطأ قطعا،ً ومنها ما المصيب في نفس الأمر واحد عند الجمهور أتباع السلف، والآخر مؤد لما وجب عليه بحسب قوة إدراكه. وهل يقال له: مصيب أو مخطئ؟ فيه نزاع. ومن الناس من يجعل الجميع مصيبين ولا حكم في نفس الأمر، ومذهب أهل السنة والجماعة أنه لا إثم على من اجتهد وإن أخطأ"([cxxxvi]).
فقوله: " وتنازعوا في مسائل علمية اعتقاديه كسماع الميت صوت الحي...: فيه دلالة واضحة على اختلاف الصحابة – رضي الله عنهم – في فروع الاعتقاد من غير نكير بينهم، فدل ذلك على المشروعية.
ثالثا: يرى ابن تيمية عدم التفرقة بين مسائل الاعتقاد والفقه في جواز الاجتهاد فيهما، فيقول: " فمن كان من المؤمنين مجتهدا في طلب الحق، فإن الله يغفر له خطأه كائنا ما كان، سواء كان في المسائل النظرية أو العملية، هذا الذي عليه أصحاب النبي –e– وجماهير أمة الإسلام " ([cxxxvii]).
فقوله سواء كان في المسائل النظرية أو العملية، يدل دلالة صريحة على عدم التفرقة بينهما، حيث عبر عن المسائل الاعتقادية بالنظرية، والمسائل الفقهية بالعملية، ورأى أن القول بعدم التفريق بينهما في جواز الاجتهاد هو قول صحابة النبي –e– وجماهير أمة الإسلام.
رابعا: يفرق ابن تيمية بين الأصول والفروع من حيث جواز الاجتهاد، فيرى جوازه في الفروع دون الأصول، ويعبر عن ذلك بقوله: "الأصول الثابتة بالكتاب والسنة والإجماع هي بمنزلة الدين المشترك بين الأنبياء، ليس لأحد خروج عنها، ومن دخل فيها كان من أهل الإسلام المحض، وهم أهل السنة والجماعة، وما تنوعوا فيه من الأعمال والأقوال المشروعة فهو بمنزلة ما تنوعت فيه الأنبياء "([cxxxviii]).
فقوله: الأصول الثابتة بالكتاب والسنة والإجماع، هي الأصول التي لا يجوز الاجتهاد والاختلاف فيها،وقد شبهها بالدين المشترك بين الأنبياء من توحيد الله عز وجل والإيمان به والجزاء على ذلك يوم القيامة التي لا يجوز الخروج عنها، وأما فروع الاعتقاد فقد شبهها – رحمه الله – باختلاف شرائع الأنبياء، التي تنوعت عندهم، فإقراره بتنوعها يعني إقرارا بجوازالاجتهاد والاختلاف في هذه الفروع.
خامسا: ويضع ابن تيمية شروطا للاجتهاد، أساسها النظر في الأدلة الشرعية المعتبرة بقصد الوصول إلى الحق الذي أراده الله وأراده رسوله e، وعليه: فلا كرامة لمن صدر في رأيه عن العقل المجانب للشرع، أو عن الرؤى المنامية ولا لمن صدر عن الهوى والعصبية، وفي هذا المعنى يقول: "فالمذاهب والطرائق والسياسات للعلماء والمشايخ والأمراء إذا قصدوا بها وجه الله دون الأهواء ليكونوا مستمسكين بالملة والدين الجامع الذي هو عبادة الله وحده لا شريك له، واتبعوا ما أنزل إليهم من ربهم من الكتاب والسنة بحسب الإمكان بعد الاجتهاد التام، هي لهم من بعض الوجوه بمنزلة الشرع والمناهج للأنبياء، وهم مثابون على ابتغائهم وجه الله وعبادته وحده لا شريك له، وهو الدين الأصلي الجامع"([cxxxix]).
ويظهر من خلال هذا النص ما يضع ابن تيمية من شروط للاجتهاد من الإخلاص وعدم اتباع الهوى والتمسك بالملة و الدين الجامع الذي يجمع بين المسلمين ولا يفرقهم من عبادة الله وحده لا شريك له وأن يكون أساس الاجتهاد مبنيا على الكتاب والسنة وليس على العقل أو على غيره من الأدلة غير المعتبرة في الشرع.
سادسا: مسوغات الاجتهاد في فروع الاعتقاد: فيقول: " وكثير من مجتهدي السلف والخلف قد قالوا وفعلوا ما هو بدعة ولم يعلموا أنه بدعة، إما لأحاديث ضعيفة ظنوها صحيحة، وأما لآيات فهموا منها ما لم يُرد منها، وأما لرأي رأوه، وفي المسألة نصوص لم تبلغهم، وإذا اتقى الرجل ربه ما استطاع دخل في قوله تعالى: " ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا" ( 286: البقرة ) وفي الصحيح قال: قد فعلت "([cxl]).
ويظهر من هذا النص مبررات الاجتهاد والاختلاف عند ابن تيمية، نظرا لاختلاف المجتهدين في صحة الأحاديث أو ضعفها، أو أن بعض النصوص لم تصلهم، أو أنهم اختلفوا في فهمهم لتلك النصوص، أو أخطأوا فان الله لا يؤاخذهم، كما أشار دعاء المؤمنين في الآية ويستجيب الله دعاءهم كما اخبر الحديث.
سابعا:أنه يعذر المخالف([cxli]) وفي ذلك يقول: "والخطأ المغفور في الاجتهاد هو في نوعي المسائل الخبرية والعلمية كما قد بسط في غير موضع كمن اعتقد ثبوت شيء لدلالة آية أو حديث وكان لذلك ما يعارضه ويبين المراد ولم يعرفه مثل من اعتقد أن الذبيح إسحاق لحديث اعتقد ثبوته أو اعتقد أن الله لا يُرى لقوله: )لا تدركه الأبصار(( 103: الأنعام ) ولقوله: )وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أو مِن وَرَاء حِجَابٍ(( 51: الشورى ) نقل عن بعض التابعين أن الله لا يرى، وفسروا قوله )وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَىٰ رَبّهَا نَاظِرَةٌ(( 22-23: القيامة) بأنها تنتظر ثواب ربها كما نقل عن مجاهد وأبي صالح.. أو اعتقد أن الله لا يعجب كما اعتقد ذلك شريح لاعتقاده أن العجب إنما يكون من جهل السبب، والله منزه عن الجهل.
وكما أنكر طائفة من السلف والخلف أن الله يريد المعاصي لاعتقادهم أن معناه أن الله يحب ذلك ويرضاه ويأمر به.. وكالذي قال لأهله: (إذا أنا متُّ فأحرقوني ثم ذروني في اليم فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين) ([cxlii]) وكثير من الناس لا يعلم ذلك إما لأنه لم تبلغه الأحاديث وأما لأنه ظن أنه كذب وغلط"([cxliii]).
ويقول: "وأما غير هؤلاء فيقول هذا قول السلف وأئمة الفتوى كأبي حنيفة والشافعي والثوري وداود بن علي وغيرهم لا يؤثمون مجتهدًا مخطئًا في المسائل الأصولية الفروعية كما ذكر عنهم ابن حزم وغيره ولهذا كان أبو حنيفة والشافعي وغيرهما يقبلون شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية ويصححون الصلاة خلفهم" ([cxliv]).
فقوله: "لا يؤثّمون مجتهدًا مخطئًا في المسائل الأصولية الفروعية كما ذكر عنهم ابن حزم وغيره" يدل دلالة صريحة على إعذار المجتهد المخطىء، خاصة إذا بذل جهده في الوصول إلى الحق ثم لم يصل إليه، وفي ذلك يقول: "... إن الله أمر كلاًّ منهم أن يطلب الحق بقدر وسعه وإمكانه، فإن أصابه كان خيرا، وإلا فلا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، وقد قال المؤمنون: )رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أو أَخْطَأْنَا( " (286: البقرة ) وقال الله قد فعلت، وقال تعالى: ) وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ("( 5: الاحزاب ) فمن ذمهم ولامهم على ما لم يؤاخذهم الله عليه، فقد اعتدى، ومن أراد أن يجعل أقوالهم وأفعالهم بمنزلة قول المعصوم وفعله وينتصر لها بغير هدى من الله فقد اعتدى، واتبع هواه بغير هدى من الله، ومن فعل مثلما أمر به بحسب حاله من اجتهاد يقدر عليه أو تقليد إذا لم يقدر على الاجتهاد، وسلك في تقليده مسلك العدل، فهو مقتصد، إذ الأمر مشروط بالقدرة) لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ("( 286: البقرة ) فعلى المسلم في كل موطن أن يسلم وجهه لله وهو محسن، ويدوم على هذا الإسلام "([cxlv]).
وقد كانت عبارته صريحة في إعذار المخالف، وأن عدم الإعذار اعتداء على شرع الله، فقد قال: "فمن ذمهم ولامهم على ما لم يؤاخذهم الله به، فقد اعتدى".
ثامنا: عدم تكفير المجتهد المخالف: يقول في ذلك " ولا يجوز تكفير المسلم بذنب يفعله ولا خطأ أخطأ فيه كالمسائل التي تنازع فيها أهل القبلة"([cxlvi]) ويقول: " وأهل السنة لا يبتدعون قولاً ولا يكفرون من اجتهد فأخطأ، وإن كان مخالفهم مكفراً لهم مستحلاً لدمائهم"([cxlvii]) ويقول: "وكذلك سائر الثنتين والسبعين فرقة... ومن كان منهم مؤمنا بالله ورسوله في الباطن لم يكن كافرا,وإن كان أخطأ التأويل كائنا من كان أخطاؤه ومن قال:إن هذه الثنتين والسبعين كل واحد منهم يكفر كفرا ينقل عن الملة فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع الصحابة, بل وإجماع الأئمة الأربعة وغير الأربعة,فليس فيهم من كفر كل واحد من الثنتين و السبعين فرقة"([cxlviii]) وفي هذه الأقوال يظهر جليًا أن ابن تيمية لا يكفر أحدًا من المسلمين إذا كان قوله صادرًا عن اجتهاد في النص، وإنما يكفر من يخالف كتاب الله عزّ وجلّ وسنة نبيه e وإجماع الأمة.
تاسعا: أن المصيب فيها له أجران، والمخطئ له أجر: وفي ذلك يقول معلقا على حديث النبي e: "خير الكلام كلام الله عز وجل، وخير الهدي هدي محمد e وشر الأمور محدثاتها ([cxlix]) ولم يقل: وكل ضلالة في النار، بل لا يضل عن الحق من قصد الحق واجتهد في طلبه فعجز عنه، فلا يعاقب، وقد يفعل بعض ما أمر به، فيكون له أجر على اجتهاده، وخطؤه الذي ضل فيه عن حقيقة الأمر مغفور له"([cl]).
وظاهر من كلامه أنه رتب الأجر للمجتهد المخطئ، وخطؤه مغفور له عند الله سبحانه وتعالى
عاشرا: الاجتهاد والاختلاف في فروع الاعتقاد لا يزيل الولاء بين المسلمين: ويرى أن الاختلاف في مسائل الاعتقاد لا يفرق الأمّة، ولا يزيل الوحدة بينهم، و يبقي الولاء بين المسلمين، ويصلى المسلم المخالف لهم بصلاتهم ويحضر الأعياد معهم، بل إن الإمام ابن تيميه يمدح ويثني على المخالف المستحق للمدح من أشاعرة وصوفية وغيرهم ونجد في هذه المعاني عدة نصوص منها قوله في وصف السلف.: "كانوا يتناظرون في المسائل العلمية والعملية مع بقاء الألفة والعصمة وأخوة الدين، ولو كان كلما اختلف مسلمان في شيء تهاجرا لم يبق بين المسلمين عصمة ولا أخوة" ([cli]). ثم يورد أدلة واستنباطات تدلل على ما ذهب إليه فيورد قصة أسامة بن زيد حيث قتل رجلاً بعد ما قال: لا إله إلا
الله، وعظم على النبي r ذلك لما أخبره وقال: (يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟) وكرر ذلك عليه حتى قال أسامة: تمنيت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ([clii]). ومع هذا لم يوجب عليه قودًا, ولا دية, ولا كفارة, لأنه كان متأولاً ظن جواز قتل ذلك القائل لظنه أنه قالها تعوذًا و حاميا لنفسه من القتل فقال له النبي e:(هلا شققت عن قلبه).
ومع قتال المسلمين بعضهم لبعض في قتال الفتن فانهم لم يكفروا من قاتلوه وهكذا السلف قاتل بعضهم بعضا من أهل الجمل وصفين ونحوهم وكلهم مسلمون مؤمنون كما قال تعالى: )وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين(( 9: الحجرات ) فقد بين الله تعالى أنهم مع اقتتالهم, وبغي بعضهم على بعض إخوة مؤمنون, وأمر بالإصلاح بينهم بالعدل، ولهذا كان السلف مع الاقتتال يوالي بعضهم بعضا موالاة الدين, لا يعادون كمعاداة الكفار, فيقبل بعضهم شهادة بعض, ويأخذ بعضهم العلم عن بعض ويتوارثون ويتناكحون ويتعاملون بمعاملة المسلمين بعضهم مع بعض, مع ما كان بينهم من القتال والتلاعن وغير ذلك.
وقد ثبت في الصحيح أن النبي r سأل ربه(أن لا يهلك أمته بسنة عامة فأعطاه ذلك, وسأله أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم فأعطاه ذلك, وسأله أن لا يجعل بأسهم بينهم فلم يعط ذلك، وأخبر أن الله لا يسلط عليهم عدوًا من غيرهم يغلبهم كلهم حتى يكون بعضهم يقتل بعضًا وبعضهم يسبي بعضًا)([cliii]).
وثبت في الصحيحين لما نزل قوله تعالى: )قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم(( 65: الأنعام ) قال: "أعوذ بوجهك" )أومن تحت أرجلكم(( 65: الأنعام ) قال "أعوذ بوجهك" )أو يلبسكم شيعًا ويذيق بعضكم بأس بعض(( 65: الأنعام ) قال "هاتان أهون"([cliv]).
هذا مع أن الله أمر بالجماعة والائتلاف, ونهى عن البدعة والاختلاف, وقال: )إن الّذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في شيء(( 159: الأنعام ) وقال النبي r: (عليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة)([clv]) وقال: (الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد) ([clvi]) وقال: (الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم والذئب إنما يأخذ القاصية والنائية من الغنم) ([clvii]).
ثم يبين جوانب الولاء العملي بين المسلمين ويذكر بالواجب على المسلم إذا صار في مدينة من مدائن المسلمين أن يصلي معهم الجمعة والجماعة ويوالي المؤمنين ولا يعاديهم, وإن رأى بعضهم ضالاً أو غاويًا وأمكن أن يهديه ويرشده فعل ذلك, وإلا فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها, وإذا كان قادراً على أن يولي في إمامة المسلمين الأفضل ولاه, وإن قدر أن يمنع من يظهر البدع والفجور منعه. وإن لم يقدر على ذلك فالصلاة خلف الأعلم بكتاب الله وسنة نبيه الأسبق إلى طاعة الله ورسوله أفضل, كما قال النبي r في الحديث الصحيح: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله, فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة, فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة, فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا) ([clviii]).
وإن كان في هجره لمظهر البدعة والفجور مصلحة راجحة هجره, كما هجر النبي r الثلاثة الّذين خلفوا حتى تاب الله عليهم. وأما إذا ولي غيره بغير إذنه وليس في ترك الصلاة خلفه مصلحة شرعية كان تفويت هذه الجمعة والجماعة جهلاً وضلالاً, وكان قد رد بدعة ببدعة.
حتى أن المصلي الجمعة خلف الفاجر اختلف الناس في إعادته الصلاة وكرهها أكثرهم, حتى قال أحمد بن حنبل في رواية عبدوس: من أعادها فهو مبتدع. وهذا أظهر القولين, لأن الصحابة لم يكونوا يعيدون الصلاة إذا صلوا خلف أهل الفجور والبدع, ولم يأمر الله تعالى قط أحدا إذا صلى كما أمر بحسب استطاعته أن يعيد الصلاة. ولهذا كان أصح أقوال العلماء أن من صلى بحسب استطاعته أن لا يعيد حتى المتيمم لخشية البرد ومن عدم الماء والتراب إذا صلى بحسب حاله, والمحبوس وذوو الأعذار النادرة والمعتادة والمتصلة والمنقطعة لا يجب على أحد منهم أن يعيد الصلاة إذا صلى الأولى بحسب استطاعته.
وقد ثبت في الصحيح أن الصحابة صلوا بغير ماء ولا تيمم لما فقدت عائشة عقدها ولم يأمرهم النبي e بالإعادة([clix]) بل أبلغ من ذلك أن من كان يترك الصلاة جهلا بوجوبها لم يأمره بالقضاء, فعمرو وعمار لما أجنبا وعمرو لم يصل وعمار تمرّغ كما تتمرّغ الدابة لم يأمرهما بالقضاء, وأبو ذر لما كان يجنب ولا يصلي لم يأمره بالقضاء, والمستحاضة لما استحاضت حيضة شديدة منكرة منعتها الصلاة والصوم لم يأمرها بالقضاء.
والذين أكلوا في رمضان حتى يتبين لأحدهم الحبل الأبيض من الحبل الأسود لم يأمرهم بالقضاء, وكانوا قد غلطوا في معنى الآية فظنوا أن قوله تعالى: )حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر(( 187: البقرة ) هو الحبل فقال النبي r: (إنما هو سواد الليل وبياض النهار) ([clx]) ولم يأمرهم بالقضاء؛ والمسيء في صلاته لم يأمره بإعادة ما تقدم من الصلوات, والذين صلوا إلى بيت المقدس بمكة والحبشة وغيرهما بعد أن نسخت (بالأمر بالصلاة إلى الكعبة) وصاروا يصلون إلى الصخرة حتى بلغهم النسخ لم يأمرهم بإعادة ما صلوا, وإن كان هؤلاء أعذر من غيرهم لتمسكهم بشرع منسوخ.
ويتضح من أقوال ابن تيمية رأيه بوضوح انه لا يكفر المسلمين عموما سواء كان المخالف من أهل السنة والجماعة أو من غيرهم ([clxi]).
وقد أكثرت من أقوال ابن تيميه لبيان رأيه بوضوح لأن بعض من ينتسب إليه ينسب مبدأ تكفير المخالف ولو في مسائل جزئية إليه، وأن بعض من لم يطلع على مثل هذه الأقوال يتهمه بتكفير المسلمين.
وبعد فهذه هي بعض الأقوال من مختلف المذاهب والمدارس الفكرية سواء المذهب الحنبلي أو الشافعي أو المالكي أو الحنفي أو السلفي أو الأشعري أو الماتردي أو الظاهري أو غيرهم تجمع على حقيقة؛ أنه يجوز الاجتهاد والاختلاف في المسائل الظنية الثبوت أو الدلالة والتي يطلق عليها مصطلح فروع الاعتقاد.
الخاتمة
بعد استكمال عناصر هذا البحث فقد توصل الباحث إلى النّتائج التالية:
أولا: أن الاجتهاد لا يدخل في المسائل الأصوليّة –التي ثبوتها قطعي ودلالتها قطعية - في الاعتقاد كما هو في الفقه.
ثانيا: أن الاجتهادَ فيما كان ظنّيّ الثبوت، ظني الدلالة أو كان قطعي الثبوت ظني الدلالة جائز، ولا خلاف فيه.
ثالثا: إنّه لا فرقَ بين الاجتهاد في مسائل الاعتقاد، ومسائل الفقه فيما يصح الاجتهاد والاختلاف فيه.
رابعا: الخلاف بين الأصول والفروع في الاعتقاد من حيث الاجتهاد لابد من حسمه، فأجاز جمهور العلماء الاجتهاد في فروع الاعتقاد، وأما الاجتهاد في أصول الاعتقاد فلم يجزه أحد من علماء الأمة.
خامساً: أن هناك أدلة من الكتاب والسنة اختلف فيها الصحابة y ومن بعدهم من التابعين والعلماء.
سادساً: إنه كما يؤجر المجتهد المخطئ في مسائل الفقه، كذلك يؤجر المخطئ في مسائل الفروع في الاعتقاد التي تقبل الاجتهاد.
سابعاً: أقر العلماء المحققون بنتائج الاجتهاد في فروع الاعتقاد واعتبروها، ولم يفسقوا المخالف ولم يبدعوه، وأبقوا على الوحدة والموالاة بين المسلمين.
ثامناً: أظهر البحث مبررات الاجتهاد ومسوغاته عموماً، وفي فروع الاعتقاد بوجه خاص.
وبعد فإن الباحث يوصي علماء المسلمين أن يميّزوا للأمة بين أصول الاعتقاد وفروعها، وأن يوضحوا حكم الاختلاف في أصول العقائد وفروعها، وأن يعتبروا الإيمان بأصول الاعتقاد هو الأساس في اعتبار الرجل مسلمًا دون الفروع التي هي محل للاجتهاد والاختلاف، واعتبار هذه الأصول هي مناط الأخوة و الولاء بين المسلمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
--------------------------------------------------------------------------------
()جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور(توفي 711هـ) ، لسان العرب، دار الفكر، بيروت، مادة: "جهد": 3/ 133.
([ii]) محمد بن يعقوب الفيروز آبادي(توفي826 هـ)، القاموس المحيط، مؤسسة الرسالة، بيروت، د.ت: ص: 269.
([iii]) يذكر الأصوليون للمجتهد شروطا لابد من توافرها حتى يكون أهلا للاجتهاد، وهي أن يكون مسلمًا بالغًا عاقلاً، فقيه النفس، صحيح الفهم عالما بمصادر الأحكام من كتاب وسنة وإجماع وقياس، وبالناسخ والمنسوخ، عالما بآيات الأحكام، وعالما بالحديث متنا وسندا عالما باللغة العربية نحوها وصرفها وبلاغتها، عالما بأصول الفقه هذا ما يتعلق بالمجتهد المطلق، أما مجتهد المسألة، فيشترط فيه أن يكون عارفا بما تتطلبه المسألة والحكم الشرعي الخاص، وانظر هذه الشروط: علي محمد الآمدي(توفي 632هـ)، الإحكام في أصول الأحكام، تعليق: عبد الرزاق عفيفي،: 4/ 162-164، وبدر الدين محمد بن بهادر بن عبد الله الشافعي الزركشي، البحر المحيط حرره عبد الستار ابو غدة 1992ط2: 6/ 199-206، و محمد بن علي بن محمد الشوكاني(توفي 1250هـ)، إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، دار المعرفة، بيروت.، ص: 251 –252، والشنقيطي، محمد الأمين، مذكرة أصول الفقه، المكتبة السلفية، باب الرحمة، المدينة النبوية، ص: 311-312، وسليم رستم، شرح المجلة، المطبعة الأدبية، بيروت، ط3. ص: 25-26.
([iv]) يذكر الأصوليون أن معرفة الحكم الشرعي من دليله القطعي لا يسمى اجتهادا، الأنصاري، مسلم الثبوت، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، المصورة من ط1 بالمطبعة الأميرية ببولاق، مصر 1324هـ. 2/ 362.
([v]) انظر تعريف الاجتهاد: ، عثمان بن عمرو ابن الحاجب(توفي 646هـ) ، منتهى الوصول والأمل في علمي الأصول والجدل، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1985م. ص: 209.
([vi]) وانظر تعريفات أخرى للاجتهاد، الشوكاني، إرشاد الفحول، ص: 250-251، ويذكر الفقهاء نوعا آخر من الاجتهاد سوى الاجتهاد في الأدلة الشرعية، وذلك ما يحتاجه المسلم عند قيامه ببعض العبادات عند حصول الاشتباه؛ كأن يجتهد في تحديد القبلة؛ لأجل استقبالها في صلاته، والاجتهاد عند اشتباه الثياب الطاهرة بالنجسة إذا لم يجد غيرها، أو ماء طهور بماء نجس لم يجد غيرهما، وانظر: وزارة الأوقاف الكويتية، الموسوعة الفقهية، 1/ 318.
([vii])الإمام أبو حامد محمد بن محمد الغزالي(توفي505 هـ) المستصفى من علم الأصول، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، المصورة من ط1 بالمطبعة الأميرية ببولاق، مصر 1324هـ.: 2/ 101.
([viii]) ابن الحاجب، ، منتهى الوصول والأمل في علمي الأصول والجدل، ص: 209. ومن أراد التوسع في مفهوم الاجتهاد، ومجالاته، فليرجع إلى بحث الدكتور محمد خالد منصور بعنوان: "دلالة قاعدة لا مساغ للاجتهاد في مورد النص قطعي الثبوت والدلالة عند الأصوليين وتطبيقاتها في الفقه الإسلامي والقانون المدني الأردني، مجلة دراسات، الجامعة الأردنية، علوم الشريعة والقانون، مجلد 27، العدد 2/ 2000.
[ix]) ) اسماعيل بن حماد الجوهري، الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية،تحقيق احمد عبد الغفور عطار، طبع على نفقة السيد حسن عباس الشربتلي 1982، 4/ 1623
[x]) ) المصدر السابق 3/ 1256
[xi]) ) الإمام مسعود بن عمر بن عبد الله سعد الدين التفتازاني ( توفي793 هـ )، شرح المقاصد، تحقيق د: عبد الرحمن عميرة، عالم الكتب بيروت، ط1 1409 هـ -1989م، 1/ 29.
[xii]) ) المصدر السابق 1/ 28
([xiii])أبو حامد محمد بن محمد الغزالي( توفي 505 هـ )، فيصل التفرقة،ضبطه وقدم له: رياض مصطفى العبد الله، دار الحكمة دمشق، 1986م. ص: 147 أبو عبد الله محمد بن المرتضى اليماني بن الوزير،إيثار الحق على الخلق، كتب هوامشه وصححه جماعة من العلماء بإشراف الناشر دار الكتب العلمية بيروت لبنان ط1 1983. ص: 376، محمد بن إبراهيم الوزير اليماني، العواصم من القواصم في الذب عن سنة أبي القاسم، حققه شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، ط 1 1992 م: 4/ 177.
([xiv])أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية(توفي728 ه) ، منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية، مكتبة الرياض الحديثة، الرياض السعودية، 3/ 22-23.
([xv]) وقد توسع في بحث هذه المسألة، ونصوص العلماء في التفريق بين الأصول والفروع في مسائل الاعتقاد أبو العلا بن راشد بن أبي العلا الراشد، في كتابه: عارض الجهل وأثره على أحكام الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة، مكتبة الرشد، الرياض، ط2، 2003 م. " ص: 78-98.
([xvi])أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية (توفي 728هـ)، تحقيق د0 محمد رشاد سالم، الاستقامة، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ط1، 1403هـ، 1983، 1/ 24.
([xvii])أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية(توفي 728هـ) مجموع الفتاوى، جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد العاصمي، تصوير ط 1 1398هـ. 15/ 158- 161.
([xviii])مسلم بن حجاج النيسابوري(توفي 261ه)، صحيح مسلم، طبعة دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1374هـ، 1954م الصحيح: 1/ 36 (8).
([xix]) الحسين بن مسعود البغوي، شرح السنة، المكتب الإسلامي، تحقيق: شعيب الأرناؤوط وزهير الشاويش، د.ت.ط.: 1/ 229.
([xx]) الإمام أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الآمدي (توفي632هـ) ، أبكار الأفكار، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 20023/ 183
([xxi])محمد بن أبى بكر بن أيوب بن سعد بن حريز الزرعي ، شمس الدين أبي عبد الله بن قيم الجوزية (توفي751 هـ)، مختصر القواعد المرسلة على الجهمية والمعطلة، تحقيق سيد إبراهيم، دار الحديث 1994 م، ص: 572.
([xxii])أحمد بن حسين البيهقي(توفي 458هـ) ، الاعتقاد، أحمد عصام الكاتب، دار الآفاق الجديدة، بيروت، 1401هـ، ط1، ص: 234.
([xxiii])شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد ابن أبي بكر، الجامع لأحكام القرآن، ط2 سنة1372، دار الشعب، 15/ 86
([xxiv])أحمد بن علي ابن حجر(توفي 852هـ)، العسقلاني، فتح الباري شرح صحيح البخاري، دار المعرفة، بيروت: 10/ 466.
([xxv]) فتح الباري: 12/ 202.
([xxvi])عبد الرحمن بن الحديثة، أبي بكر السيوطي(توفي 911هـ) ،تدريب الراوي، تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف، مكتبة الرياض الرياض، 1/ 324.
[xxvii]) ) راجع ابن منظور ، لسان العرب 3/ 296-299
[xxviii]) ) د: حسن الشافعي، المدخل إلى دراسة علم الكلام، ص: 25.
[xxix]) ) د:عمر سليمان الأشقر، العقيدة في الله، مكتبة الفلاح الكويت، ط6 1989م، ص: 9.
([xxx]) وليس المجال للتفصيل في حكم الاجتهاد، ولا عرض أدلته، وإنما المقصود التنبيه إلى أصل حكمه.
([xxxi]) أخرجه سليمان بن الأشعث بن اسحق أبو داود السجستاني(توفي 275هـ) فيسنن أبو داود: 3/ 303 (3592) والترمذي في سننه، محمد بن عيسى بن سورة(توفي 279هـ)، الجامع الصحيح (سنن الترمذي) مراجعة أحمد شاكر، دار إحياء التراث العربي، بيروت: 3/ 616 (1327) وقال الألباني: ضعيف، وأحمد بن حنبل في، المسند انظر: الإمام أحمد بن حنبل(توفي 241هـ)، مسند الإمام احمد شرح وتحقيق: أحمد شاكر، دار المعارف بمصر 1365هـ: 5/ 230 (22060).
([xxxii]) أنظر د: حسن الشافعي،المدخل إلى دراسة علم الكلام،إدارة القران والعلوم الإسلامية كراتشي باكستان، 1988م، ص: 26. وقد نسب سعد الدين التفتازاني هذا القول إلى بعض علماء الملة، شرح المقاصد: 1/ 29.
([xxxiii]) ابن تيمية، الاستقامة: 1/ 37.
([xxxiv]) وانظر: هيتو، محمد حسن، الوجيز في أصول التشريع الإسلامي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1983م.، ص: 506، ومحمد سعيد الباني، عمدة التحقيق في التقليد والتلفيق، المكتب الإسلامي، بيروت، 1981م، ص: 49.
([xxxv]) إذا كان النص قرآنًا، فهو قطعي الثبوت، ولكن قد تكون دلالته قطعية أو ظنية، وإذا كان النص سنة فقد يكون قطعي الثبوت والدلالة، وقد يكون ظني الثبوت والدلالة، وقد يكون قطعي الثبوت ظني الدلالة، وقد يكون ظني الثبوت قطعي الدلالة انظر ما سبق بتصرف، شعبان زكي الدين، أصول الفقه الإسلامي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2. ص: 416، والأيوبي، محمد هشام، الاجتهاد ومقتضيات العصر، دار الفكر، عمان. ص: 45- 46.
([xxxvi])محمد الدسوقي، الاجتهاد والتقليد في الشريعة الإسلامية، دار الثقافة، قطر، ط 1: ص: 82.
([xxxvii]) وانظر المعنى السابق بتصرف، محمد الدسوقي، الاجتهاد والتقليد في الشريعة الإسلامية، ص: 78-80.
([xxxviii])أبو إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المالكي الشاطبي، ، ( ت: 790هـ ) الاعتصام، دار إحياء الكتب العربية فيصل عيسى البابي الحلبي.: 2/ 168.
([xxxix]) الشاطبي، الاعتصام: 2/ 200.201
([xl]) ابن تيمية،مجموع الفتاوى: 19/ 117-126.
([xli]) ابن تيمية، مجموع الفتاوى: 19/ 117-126.
([xlii])محمد بن إبراهيم الوزير اليماني، العواصم من القواصم في الذب عن سنة أبي القاسم، حققه شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، ط 1 1992 م: 4 / 176-177.
([xliii]) عبد الرحمن بن القاسم القحطاني النجدي، الدرر السنية ، الدرر السنية، دار العربية للطباعة والنشر، ط 3، 1978م: 1/ 43.
([xliv])أبو عبد الله، محمد بن إسماعيل البخاري(توفي 256هـ)، صحيح البخاري، ترتيب مصطفى ديب البغا، دار ابن كثير، بيروت، 1407هـ = 1988م حديث رقم: (733) 1/ 277، ومسلم ، صحيح مسلم،: 1/ 163 (299).
([xlv])انظر علي بن علي بن محمد بن أبي العزّ الحنفي(توفي 792هـ)، شرح العقيدة الطحاوية، ضبط: أحمد شاكر، الناشر: زكريا علي يوسف، د.ت. ص: 118.
([xlvi])أحمد بن علي بن المثنى أبو يعلى الموصلي التميمي(توفي 307هـ)، مسند أبي يعلى، تحقيق: حسين سليم أسد، دار المأمون للتراث – دمشق، ط 1، 1404 – 1984، الأحاديث مذيلة بأحكام حسين سليم أسد عليها: 8/ 305 (4901) قال حسين سليم أسد: إسناده صحيح.
([xlvii]) أخرجه مسلم في الصحيح: 1/ 161 (179).
([xlviii]) أخرجه مسلم في الصحيح: 1/ 161 (178).
([xlix]) أخرجه مسلم في الصحيح : 1/ 161 (178).
([l]) ابن أبى العز الحنفي، شرح العقيدة الطحاوية ص: 116-117.
([li]) ابن أبي العز الحنفي، شرح العقيدة الطحاوية ص: 145 -146.
55)) الترمذي، السنن :4/110 (1535) وقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
([liii]) ابن أبي العز الحنفي، شرح العقيدة الطحاوية ص: 156-158
([liv]) ابن أبي العز الحنفي، شرح العقيدة الطحاوية ص: 180-180.
([lv]) ابن تيمية،مجموع الفتاوى: 19/ 140-141.
[lvi]) ) الطبري ، تفسير الطبري ، دار المعارف ، 2/530 رجاله ثقات
([lvii])عماد الدين أبي الفداء إسماعيل ابن كثير القرشي الدمشقي(توفي774 هـ)، تفسير القرآن العظيم، دار المعرفة، ط1، 1407هـ، 1987م، 1/401
([lviii]) الترمذي، السنن: 5/ 189.
([lix]) محمد بن جرير الطبري( توفي 310هـ)، تفسير الطبري، طبعة دار إحياء التراث العربي د.ت : .1/ 400-401 ورجاله ثقات.
([lx]) الطبري،تفسير الطبري: 1/ 402-403.
([lxi]) الطبري،تفسير الطبري: 5/ 401، ابن كثير، تفسير ابن كثير: 1/ 309.
(69 ) ابن أبي العز الحنفي، شرح العقيدة الطحاوية ص: 87-88.
([lxiii]) ابن أبي العز الحنفي، شرح العقيدة الطحاوية ص: 87-88.
([lxiv]) كمال الدين محمد بن محمد بن أبي بكر بن علي بن أبي شريف،حاشية كتاب المسامرة شرح المسايرة في العقائد المنجية في الآخرة، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1423 هـ، 2002م.ص:185وانظر د. قحطان الدوري، أصول الدين الإسلامي د. قحطان الدوري، أصول الدين الإسلامي ط2، دار الفكر العربي الأردن عمان ص: 205-206، وانظر: د. محمد الملكاوي وآخرون، عقيدتنا الإسلامية، الأكاديميون للنشر والتوزيع، ط1، 2004م ، ص:227-228
([lxv])سعد الدين التفتازاني،، شرح المقاصد،5/ 5، و انظر: د. عمر سليمان الأشقر، الرسل والرسالات، مكتبة الفلاح الكويت، ط 3، 1405، 1985 م، ص: 15.
([lxvi]) انظر: كمال الدين بن أبي شريف، المسامرة ص: 190- 191 وانظر د. قحطان الدوري ، أصول الدين ص: 212.
([lxvii])الإمام احمد، مسند الإمام احمد، 5/ 265 (22342) وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده ضعيف جداً، وقال الألباني: صحيح.
([lxviii]) انظر: سعد الدين التقتازاني، شرح المقاصد: 5/ 61، و انظر: د. قحطان الدوري أصول الدين ص: 230. وانظر ابن قطلوبغا حاشية على المسايرة ص:193-194، وانظر: عمر سليمان الأشقر، الرسل والرسالات، ص: 86، 89.
([lxix]) الآمدي، أبكار الأفكار، 3/ 149.
([lxx]) سعد الدين التقتازاني شرح المقاصد: 5/ 49- 50، وانظر: د. قحطان الدوري أصول الدين ص: 218-221.
([lxxi]) انظر ابن أبي العز الحنفي ، شرح العقيدة الطحاوية ص: 211-212.
[lxxii] ) ) الآمدي، أبكار الأفكار، 3/ 149
([lxxiii]) الطبري، تفسير الطبري، 25/ 132
([lxxiv]) المصدر السابق، 25/ 134. وانظر يوسف الوابل، اشراط الساعة ، دار ابن الجوزي 1421 ه ص: 384-387،
([lxxv]) انظر ابن حجر: فتح الباري: 13/ 79-80.
([lxxvi]) انظر المصدر السابق: 13/ 325- 329.
([lxxvii]) انظر المصدر السابق: 13/ 91، وانظر محمد بن رسول البرزنجي الحسيني(توفي1103 ه) الإشاعة لأشراط الساعة، دار ابن حزم، بيروت، ط1، 1424 هـ/ 2003م، ص: 203وانظر: أبو الطيب محمد صديق خان القنوجي، ، الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة، بعناية: بسام عبد الوهاب الجابي، دار ابن حزم، بيروت، ط1، 1421 هـ، 2000م، ص: 193.
([lxxviii]) محمد بن حبان بن أحمد بن حبان التميمي(توفي 254هـ)، صحيح ابن حبان ، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 3، 1414هـ تحقيق شعيب الانؤوط: 15/ 211 (6800) وقال: "... والذي معه يرى أنه ماء ولا ماء".
([lxxix]) أخرجه البخاري في صحيح البخاري: 6/ 2606 (6705) ومسلم في صحيح مسلم: 3/ 1693 (2152).
([lxxx]) البرزنجي: الإشاعة لأشراط الساعة ص: 210.
([lxxxi]) أخرجه مسلم في صحيح مسلم: 2/ 2248 (2934).
([lxxxii]) أخرجه محمد بن يزيد ابن ماجه(توفي 275هـ)، سنن ابن ماجه، ترتيب محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر، بيروت، د.ت : 2/ 1340 (4039) قال: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ الْجَنَدِيُّ عَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e قَالَ: (لا يَزْدَادُ الأَمْرُ إِلا شِدَّةً وَلا الدُّنْيَا إِلا إِدْبَارًا وَلا النَّاسُ إِلا شُحًّا وَلا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلا عَلَى شِرَارِ النَّاسِ وَلا الْمَهْدِيُّ إِلا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ).
([lxxxiii]) أخرجه محمد بن عبد الله، أبو عبد الله الحاكم النيسابوري(توفي 405هـ)، المستدرك على الصحيحين، دار الكتب العلمية، بيروت، 1411هـ، 1990م، ط1، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا.:: 4/ 547 (8531) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
([lxxxiv]) أخرجه ابن ماجة، سنن ابن ماجة، 2/ 1366 (4082) قال الشيخ الألباني: ضعيف.
([lxxxv])محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حريز الزرعي ، شمس الدين أبي عبد الله بن قيم الجوزية (توفي751 هـ) المنار المنيف في الصحيح والضعيف تحقيق محمود مهدي استانبولي ص: 145-150، والبرزنجي، الإشاعة لأشراط الساعة:ص: 198- 200.
([lxxxvi]) ابن حجر، فتح الباري: 11/ 353.
([lxxxvii]) أخرجه الترمذي في سنن الترمذي ا4/ 498 (2217) وقال: حديث حسن غريب صحيح.
([lxxxviii]) نعيم بن حماد المروزي أبو عبد الله، الفتن، مكتبة التوحيد القاهرة 1412ط1: 2/ 662.
([lxxxix]) انظر: البرزنجي، الإشاعة لأشراط الساعة: ص: 280-281.
([xc])شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني الالوسي(توفي 1270هـ)، روح المعاني في تفسير القران والسبع المثاني ،دار إحياء التراث العربي بيروت ،د.ت : 15/ 42.
([xci])عبد الرحمن بن الكمال جلال الدين السيوطي ، الدر المنثور ، دار الفكر بيروت: 7/ 458.
([xcii]) المصدر السابق: 7/ 458.
([xciii]) محمد بن جرير، تفسير الطبري: 19/ 498.
([xciv]) السيوطي، الدر المنثور: 7/ 461، وعبد الرحمن بن محمد بن إدريس الرازي ابن أبي حاتم، تفسير بن أبي حاتم ، المكتبة العصرية ، صيدا ،تحقيق اسعد محمد الطيب ،د.ت : 11/ 203.
([xcv]) السيوطي، الدر المنثور: 7/ 461.
([xcvi]) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم: 6/ 213.
([xcvii]) المصدر السابق: 6/ 214.
([xcviii]) الآلوسي، روح المعاني: 15/ 42، وانظر الروايات السابقة جميعها عند البرزنجي في الإشاعة لأشراط الساعة: ص 287- 288.
(100) انظر الإمام احمد بن حنبل مسند الامام احمد شرح وتحقيق احمد شاكر : 15/ 82ا، دار المعارف بمصر1365ه 1975، وانظر:ا.د. محمد نعيم ياسين، الإيمان أركانه حقيقته نوا قضه ط3، جمعية عمال الطابع التعاونية 1982م، ص:97.
101)) انظر هذه الروايات الحاكم المستدرك على الصحيحين رقم (8490) وما بعدها، والطيالسي سليمان بن داود أبو داود الفارسي ، مسند الطيالسي دار المعرفة بيروت : 1 / 144
102) ) انظر هذه الروايات عند نعيم بن حماد الفتن : 2/ 660-667
([cii]) البرزنجي: الإشاعة لأشراط الساعة: ص:290- 292، بتصرف يسير.
([ciii]) ابن أبي العز الحنفي، شرح العقيدة الطحاوية ص: 148، والقرطبي شمس الدين أبى عبد الله بن أبى بكر بن فرح الأنصاري القرطبي، التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة، دار الفكر للنشر والتوزيع عمان، ص: 347.
[civ]) ) راجع هذه الأدلة عند القرطبي في المصدر السابق ص: 348-349.
([cv]) أخرجه ابن حبان، صحيح ابن حبان: 1/ 322 (116) وصححه، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: حديث صحيح رجاله ثقات، رجاله رجال مسلم.
([cvi]) أخرجه الترمذي في سنن الترمذي: 5/ 24 (2639) وقال: حسن غريب، والحاكم في المستدرك على الصحيحين: 1/ 46 (9) وقال: هذا حديث صحيح لم يخرج في الصحيحين وهو صحيح، قال محقق الكتاب مصطفى عبد القادر عطا: قال الذهبي في التلخيص: هذا على شرط مسلم.
([cvii]) أخرجه البخاري محمد بن إسماعيل أبو عبد الله(توفي 256هـ) ، الأدب المفرد، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي دار البشائر بيروت، 11989 ط3: ص: 92 (237).
([cviii])شمس الدين محمد بن احمد بن عثمان الذهبي ( توفي748 هـ) سير أعلام النبلاء، مؤسسة الرسالة، ط7، 1990م، 11/ 371
[cix])) المصدر السابق: 14/ 40.
([cx]) المصدر السابق، 14/ 39-40.
([cxi]) المصدر السابق، 14/ 188.
([cxii]) ابن أبي العز الحنفي، شرح العقيدة الطحاوية، ص: 206.
([cxiii]) أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية بيروت 1411هـ/ 1990 م، 1/ 34.
([cxiv]) راجع قول البيهقي ص: 6/ هامش: 19.
([cxv]) الحافظ أبو القاسم علي بن أبي محمد الحسن بن هبة الله ابن عساكر الدمشقي(توفي 571هـ)، تبيين كذب المفتري، دار الكتاب العربي بيروت 1979م. ص: 149
([cxvi]) علي بن احمد بن حزم الظاهري(توفي 456هـ)، الدرة فيما يجب اعتقاده، تحقيق: أحمد الحمد وسعيد القزقي، مكتبة التراث، مكة المكرمة، ط1، 1408 هـ ص: 414. علي بن احمد بن حزم الظاهري(توفي 456هـ)، الفصل في الملل والنحل، تحقيق: محمد إبراهيم نصر وعبد الرحمن عميرة، شركة عكاظ، جدة، 1402 هـ، 1982م، 3/ 296، 297، راجع هذه الأقوال وغيرها الدكتور عبد العزيز بن محمد بن علي العبد اللطيف، نوا قض الإيمان القولية والعملية، دار الوطن هـ1415، عن تكفير المتأول، وبين أن المجتهد المتأول معذور في تأويله واجتهاده، وقد أورد نصوصًا كثيرة في هذه المسألة، ص: 75-84.
([cxvii]) الغزالي، فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة ص: 85-86.
([cxviii]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: 7/ 271.
([cxix]) المصدر السابق: 14/ 374.
([cxx]) المصدر السابق: 14/ 40.
([cxxi]) المصدر السابق: 19/ 322.
([cxxii]) الشاطبي، الاعتصام: 2/ 168.
([cxxiii]) المصدر السابق: 2/ 200.
([cxxiv])أبو إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المالكي الشاطبي، ( ت: 790هـ ) الموافقات في أصول الشريعة، ضبطه أبو عبيدة مشهور بن حسن السلمان دار ابن عفان ط1، 1977م. 5 / 131.
([cxxv]) أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي( توفي 671هـ)، الجامع لأحكام القرآن: 2/ 16.
([cxxvi]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: 10/ 630.
([cxxvii]) المصدر السابق: 10/ 157، 630.
([cxxviii])الإمام مسعود بن عمر بن عبد الله، سعد الدين التقتازاني( توفي793 هـ )، ، شرح العقائد النسفية، المكتبة الأزهرية، مصر، ط1، 1421 هـ- 2000م، ص: 157-158.
[cxxix])) الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد الغزنوي (توفي593 هـ)، كتاب أصول الدين تحقيق د:عمر وفيق الداعوق، دار البشائر 1998م. ص: 139، 189، 210.
([cxxx]) القحطاني، الدرر السنية: 1/ 43.
([cxxxi])عبد الرحمن السعدي، الإرشاد في معرفة الأحكام، مكتبة المعارف، الرياض، 1400 هـ ص: 207.
([cxxxii]) محمد الغزالي، عقيدة المسلم، دار الكتب المصرية، ط4، 1984م، ص:9
([cxxxiii]) الميداني عبد الرحمن حسن حبنكة، العقيدة الإسلامية وأسسها، دار القلم، بيروت، ط7، 1415 هـ ، ص:221.
([cxxxiv]) د. قحطان الدوري، أصول الدين الإسلامي: راجع ص: 48- 61.
([cxxxv]) ابن تيمية، الاستقامة: 1/ 73.
([cxxxvi]) ابن تيمية، مجموع الفتاوى، 19/ 123.
([cxxxvii]) المصدر السابق، 19/ 17.
([cxxxviii]) المصدر السابق، 19/ 117.
([cxxxix]) المصدر السابق، 19/ 126.
([cxl])مسلم ، صحيح مسلم، حديث رقم (126).
([cxli]) وقد ألف ابن تيمية كتابا سماه: رفع الملام عن الأئمة الأعلام وإن كان موضوع الكتاب في مسائل الفقه إلا انه يتعرض في كثير من مواضع الكتاب إلى مسائل اعتقادية، انظر: ص: 40-42، وكيف أعذر المخالف في قضايا الوعيد بالعذاب. أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية،(توفي 728هـ)، رفع الملام عن الأئمة الأعلام، ط الجامعة الإسلامية المدينة المنورة 1422 هـ.
([cxlii]) أخرجه البخاري بلفظ غيره قريب منه صحيح البخاري: 3/ 1282 (3291) ومسلم بنحوه صيح مسلم:4/ 2109 (2756).
([cxliii]) ابن تيمية، مجموع الفتاوى: 10/ 33- 36.
([cxliv]) المصدر السابق، 19/ 207.
([cxlv])المصدر السابق، 19/ 127-128.
([cxlvi])أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية،(توفي 728هـ)، ابن تيمية، قاعدة في جمع كلمة المسلمين، تحقيق حماد سلامة، المنار، 1988 ص :15 .
([cxlvii]) ابن تيمية، منهاج السنة: 3/ 22، وانظر أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية،(توفي 728هـ)، ابن تيمية، كتاب الإيمان، ط مكتبة أنصار السنة المحمدية، القاهرة ص: 129.
([cxlviii] ) أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية،(توفي 728هـ)، كتاب الإيمان، مكتبة أنس بن مالك: ص: 206.
([cxlix]) رواه أبو يعلى في المسند: 4/ 85 (2111) قال حسين سليم أسد: إسناده صحيح.
([cl]) ابن تيمية، مجموع الفتاوى، 19/ 191.
([cli]) المصدر السابق: 4/ 172– 173.
([clii]) أخرجه البخاري في صحيح البخاري: 4/ 1555 (4021) ومسلم في صحيحه: 1/ 96 (96).
([cliii]) أخرجه مسلم في صحيح مسلم 4/ 2215 (2889).
([cliv]) أخرجه البخاري في صحيح البخاري: 6/ 2667 (6883).
([clv])أحمد بن شعيب النسائي(توفي 303هـ)، السنن الكبرى، تحقيق: د. عبد الغفار البنداري، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1411هـ/ 1991م.: 5/ 388 (9223) والترمذي في سنن الترمذي بنحوه: 4/ 465(2165).
([clvi]) أخرجه الترمذي في سنن الترمذي: 4/ 465 (2165) وقال: حسن صحيح غريب، قال الشيخ الألباني: صحيح.
([clvii]) أخرجه أحمد في مسند الإمام احمد: 5/ 232 (22082).
([clviii]) أخرجه مسلم في صحيح مسلم: 1/ 465 (673).
([clix]) عبد الرزاق أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني(توفي 211هـ)، المصنف ، المكتب الإسلامي،بيروت ط 2، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي: 1/ 227 (879).
([clx]) أخرجه البخاري في صحيح البخاري: 4/ 1640 (4240) ومسلم في الصحيح: 2/ 766 (1090).
([clxi]) ابن تيمية، كتاب الإيمان: ص: 129.
[line]
مشروعيّة الاجتهاد في فروع الاعتقاد
إعداد الدكتور شريف "الشيخ صالح" أحمد الخطيب
الأستاذ المساعد بكلية الدراسات الفقهية والقانونية جامعـة آل البيت
قسم أصول الدين
المقدمة
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على أشرف المرسلين سيّدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد..
فإن شريحة من المسلمين تقوم بتكفير المسلمين الذين هم مثلهم، بحجة أن مسائل الاعتقاد لا تقبل الاجتهاد ولا تقبل الخلاف، وكل طائفة من هذه الطوائف تعتقد أنها على الحق وأنها هي الطائفة الناجية وان غيرها على الباطل، وهذا الاعتقاد يسهم إلى حد كبير في تعميق الخلاف بين المسلمين، والذي يبدأ بعدم الإقرار بالخلاف ثم بالتبديع والتفسيق إلى التكفير والقتل؛ لأنه –كما يزعمون-من بدل دينه فاقتلوه.
والحقيقة التي ينبغي أن يعتقد بها المسلمون جميعا بغض النظر عن فرقهم وتوجهاتهم ومدارسهم الفكرية، أن هناك مسائل في العقيدة لا يجوز الخلاف فيها لكونها ليست محلا للاجتهاد وهذه هي أصول العقيدة، ومسائل أخرى يجوز الخلاف فيها لكونها محلا للاجتهاد وهذه هي فروع الاعتقاد.
وانقسام العقيدة إلى أصول وفروع منصوص عليه،وتدل عليه نصوص كثيرة وأقوال للعلماء عديدة.
وإذا كانت نصوص الكتاب والسنة على ما هو معلوم؛ منها ما يقبل الخلاف والاجتهاد ومنها ما لا يقبلهما، ولا فرق بين هذه النصوص سواء أكانت تدل على مسائل علمية وهي مسائل العقيدة، أم كانت تدل على مسائل عملية وهي مسائل الفقه، والنصوص التي جاءت بفرضية الاجتهاد لا تفرق بين هذه النصوص أو تلك، وإذا كان الأمر كذلك فإنا نجد أن الصحابة والتابعين ومن بعدهم اجتهدوا في مسائل فروع الاعتقاد، واختلفت آراؤهم فيها من غير حدوث إنكار من بعضهم على بعضهم الآخر إلى حد التبديع أو التكفير أو القتل، وبقوا محافظين على وحدة كلمتهم واعتصامهم بحبل الله كما أمرهم الله بقوله: )يا أيها الّذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون*واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرّقوا((103: آل عمران). ولم يقعوا فيما نهاهم عنه وحذرهم منه بقوله تعالى: )ولا تكونوا كالّذين تفرّقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البيّنات وأولئك لهم عذاب عظيم( (105:آل عمران)
وهكذا جمعوا بين الاختلاف في مسائل فروع الاعتقاد ووحدة الأمة ووحدة ولائها ووقوفها أمام أعدائها.
ولعل هذا البحث يسهم في إعادة تلك الصورة المشرقة من الاختلاف في الرأي مع وحدة القلوب والمواقف جمعاً بين الأمر بالاجتهاد والأمر بالوحدة وعدم الاختلاف والنظر إلى المخالف على أنه معذور ومأجور وإن أخطأ في اجتهاده.
الدّراسات السّابقة:
لم أطّلع على دراسة مستقلّة تشير إلى مشروعيّة الاجتهاد في مسائل الاعتقاد، وإن كانت هناك نصوص تحدثت عن هذا الموضوع متفرّقة في بطون الكتب كما سيظهر من خلال استعراض بعضها في ثنايا البحث.
منهجيّة الدراسة:
قامت الدّراسة على المنهج العلميّ القائم على الاستقراء والتّحليل والاستنتاج، حيث قام الباحث:
-باستقراء الأدلّة على مشروعيّة الاجتهاد في مسائل الاعتقاد، وتحليلها، واستنتاج هذه المشروعية منها.
-وعزو الآيات إلى مواضعها من السّور، وتخريج الأحاديث النبويّة، والحكم عليها حيث لزم الأمر.
إشكاليّة البحث: ما حكم الاجتهاد في مسائل الاعتقاد ؟ وهل هو نفس الحكم في مسائل الفقه ؟.
وهل في مسائل الاعتقاد ما يجوز الاجتهاد فيه وما لا يجوز كما هو الحال في مسائل الفقه ؟.
وهل يعذر المخطئ والمخالف في مسائل الاعتقاد كما هو الحال في مسائل الفقه؟.
وهل الحكم في المخطئ والمخالف في مسائل الاعتقاد كما هو الحال في مسائل الفقه ؟، وهو عدم التّكفير أو التّبديع هذا ما سيحاول البحث الإجابة عنه.
محددات البحث: سيكون هذا البحث مقتصرا على نظرة أهل السنة والجماعة في هذه المسألة، واقتصر على ذلك خشية الإطالة، وليكون الخطاب من كل طائفة من طوائف المسلمين من خلال علمائها وكتبها؛ وهذا ادعى للإقناع والقبول.
خطّة البحث:
لقد قسم البحث إلى مقدمة وتمهيد، وأربعة مباحث وخاتمة.
التمهيد: مصطلحات البحث: تعريف الاجتهاد والأصل والفرع والعقيدة.
المبحث الأول: حكم الاجتهاد عمومًا وفي مسائل الاعتقاد خصوصًا.
المبحث الثاني: أدلّة وقوع الاجتهاد في فروع الاعتقاد.
المبحث الثالث: أقوال العلماء في حكم المخالف في مسائل الاجتهاد في الاعتقاد.
المبحث الرابع:نظرية ابن تيمية في الاجتهاد في فروع الاعتقاد.
الخاتمة: وفيها أهم النّتائج التي توصّلت إليها.
وختاما، فأسأل الله القدير أن يجعل عملنا خالصًا لوجهه الكريم، إنّه وليّ ذلك والقادر عليه.
التمهيد: تعريف بمصطلحات البحث
1. الاجتهاد لغة واصطلاحًا:
الكلام في مفهوم الاجتهاد يكون في معناه لغة، واصطلاحًا، وذلك ضمن النقاط التالية:
أولا: الاجتهاد لغة: مصدر مأخوذ من الجَهْد، والجُهْد: وهو بالفتح المشقة، وقيل: المبالغة والغاية، وبالضم، الوسع والطاقة، وقيل: هما لغتان في الوسع والطاقة () وهو كما قال الفيروزآبادي: " الجَهْدُ الطاقَةُ، ويضمُّ، والمَشَقَّةُ. واجْهَدْ جَهْدَكَ ابْلُغْ غايَتَكَ" ([ii]).
وغاية الأمر: أن معنى الاجتهاد لغة يدور حول بذل الوسع والطاقة في طلب أمر من الأمور؛ ويصل إلى غايته ونهايته ومقصوده.
وهذا المعنى هو المقصود في تعريفنا الاصطلاحي له حيث يستفرغ المجتهد([iii]) وسعه وطاقته العقلية ضمن قواعد معينة للوصول إلى حكم شرعي باستثماره الأدلة النقلية ([iv]).
ثانيا: الاجتهاد اصطلاحا ([v]):
عرف الأصوليون الاجتهاد اصطلاحًا ([vi]) بتعاريف عدة، ومنها ما عرفه به الإمام الغزالي بقوله: " بذل المجتهد وسعه في طلب العلم بأحكام الشريعة " ([vii]) وعرفه ابن الحاجب بقوله: " هو استفراغ الفقيه الوسع لتحصيل ظن بحكم شرعي"([viii]).
2- تعريف الأصول والفروع لغة واصطلاحا:
ففي اللغة "الأصل واحد الأصول، يقال: أصل مؤصل، واستأصله، أي قلعه من أصله"([ix]).
والفرع في اللغة: "فرع كل شيء أعلاه"([x]) وعلى هذا يكون المعنى اللغوي للأصل والفرع هو الذي يبنى عليه غيره ويكون أساساً له، والفرع هو الذي يقوم على ذلك الأساس ويتشعّب منه.
وأما المعنى الاصطلاحي للأصل في عرف علماء العقيدة، فقد يراد به الأحكام الاعتقادية والتي تتفرع عنها الأحكام العملية، وهذا ما يبدو من تعريف الكلام عند التفتازاني والذي يراد به –علم العقيدة - حيث يقول في تعريفه: "إنه العلم بالقواعد الشرعية الاعتقادية المكتسب من أدلتها اليقينية"([xi]) ويوضح ذلك بقوله: "الأحكام المنسوبة إلى الشرع منها ما يتعلق بالعمل وتسمى فرعية وعملية، ومنها ما يتعلق بالاعتقاد، وتسمى أصلية واعتقادية"([xii]).
وقد يراد بالأصل القاعدة الكلية في العقيدة والمتفق عليها والمجمع عليها والتي تكون قطعية الثبوت والدلالة و التي تتشعب منها فروع تلك العقيدة الكلية وجزئياتها، التي تكون في محل الاجتهاد والاختلاف, وهذا ما أقصده في الفروع في هذا البحث .
وهذا التفريق بين الأصول والفروع في الاعتقاد أمر ثابت عند أهل السنة والجماعة، وغيرهم من الفرق والمذاهب الإسلامية، فهم يفرقون بين الأصول والفروع من حيث المفهوم، ومن حيث حكم المخالف في كل منهما.
فالأصل عندهم هو: ما كان ثابتًا بدليل قطعي الثبوت، قطعي الدلالة، وبالتالي فإن هذا الأصل يكون موضع إجماع من المسلمين، ولا يدخله الاجتهاد ولا التأويل، ويكون معلومًا من الدين بالضرورة([xiii]).
وقد يرى بعضهم مثل المعتزلة: أن الأصل في الدين، هو ما دل العقل عليه دون ما دلّ عليه الشرع([xiv]) والصحيح: أن الأصل في الدين هو ما كان ثابتًا بدليل سمعي شرعي قطعي الثبوت قطعي الدلالة، وأن ما دون ذلك يكون فرعًا يدخله الاجتهاد.
ورتبوا على ذلك أن المخالف في الأصل يعتبر كافرًا، بينما المخالف في الفرع يعتبر مجتهدًا مصيبًا، أو مخطئًا في اجتهاده.
وقد نص العلماء على تقسيم المسائل الاعتقادية إلى أصول وفروع، وإليك بعض أقوالهم في ذلك([xv]): قال ابن تيمية: "وقال المفسرون لمذهبهم – مذهب أهل السنة – أن له أصولاً وفروعًا، وهو مشتمل على أركان وواجبات – ليس بأركان ومستحبات – " وهذا في معرض حديثه عن أهل السنة حيث يعتقدون أن للإيمان أصولاً وفروعًا. وقال: فصل فيما اختلف فيه المؤمنون من الأقوال والأفعال في الأصول والفروع، فان هذا من اعظم أصول الإسلام الّذي هو معرفة الجماعة وحكم الفرقة والتقاتل والتكفير والتلاعن والتباغض وغير ذلك([xvi]) ويقسم ابن تيمية([xvii]) أمور الشرع إلى أصول وفروع ويبين أن الأصول هي ما جاء في حديث جبريل عليه السلام عندما سأل الرسول e عن الإيمان فقال:أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره([xviii]).
-وقال الإمام البغوي: "إن سوء الفهم عن الله ورسوله أصل كل بدعة وضلالة نشأت في الإسلام وهو أصل كل خطأ في الأصول والفروع"([xix]).
-وقال ابن دقيق العيد: " والبداءة في المطالبة بالشهادتين؛ لأن ذلك أصل الدين، الّذي لا يصح شيء من فروعه إلا به "([xx]).
-وقال الإمام السمعاني فيما نقله عنه الإمام ابن القيم: " وبهذا يظهر مفارقة الاختلاف في مسائل الفروع اختلاف العقائد في الأصول " ([xxi])
وقال أحمد بن الحسين البيهقي: "وفي حديث عبد الله بن عمرو: (إلا واحدة، ما أنا عليه وأصحابي) وإنما اجتمع أصحابه على مسائل الأصول، فإنه لم يُرْوَ عن واحدٍ منهم خلاف ما أشرنا إليه في هذا الكتاب. فأما مسائل الفروع فما ليس فيه نص كتاب ولا نص سنة فقد اجتمعوا على بعضه واختلفوا في بعضه، فما اجتمعوا عليه ليس لأحد مخالفتُهم فيه، وما اختلفوا فيه فصاحب الشرع هو الذي سوّغ لهم هذا النوع من الاختلاف؛ حيث أمرهم بالاستنباط وبالاجتهاد مع علمه بأن ذلك يختلف، وجعل للمصيب منهم أجرين، وللمخطئ منهم أجرًا واحدًا، وذلك على ما يحتمل من الاجتهاد، ورُفع عنه ما أخطأ فيه "([xxii]). ونجد إشارات متعددة للعلماء في التفريق بين الأصول والفروع من حيث الحكم بالكفر أو عدمه للمخالف فيرى القرطبي أن التأويل يعتبر باطلا إذا كان في موضع إجماع المسلمين([xxiii]) ويرى ابن حجر أن الكفر إنما يكون فيما خالف المعلوم من الدين بالضرورة([xxiv]) ويجمع ابن دقيق العيد بين الأمرين السابقين وينص على التواتر في النص([xxv]) وكذلك يشير السيوطي إلى المعنى نفسه([xxvi]).
3. الاعتقاد لغة واصطلاحاً:
العقيدة لغة: مشتقة من العقد، ومعناه نقيض الحل، وعقد الحبل شد بعضه إلى بعض، والعقود أوثق العهود
ومنه قوله تعالى: )يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود((1: المائدة) والعقيدة هي فعيل بمعنى مفعول أي المعتقدات، ومادة عقد في اللغة مدارها على اللزوم والتأكد والاستيثاق([xxvii]) ففي القران: )لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان((89: المائدة).
والعقيدة اصطلاحا: "هي القواعد أو الأحكام الشرعية الاعتقادية التي يطلب من المكلف الاعتقاد بها أي الإيمان بصحتها " ([xxviii]) ويمكن تعريف العقيدة: "وهي الأمور التي تصدق بها النفوس،وتطمئن إليها القلوب وتكون يقينا عند أصحابها لا يمازجها ولا يخالطها شك"([xxix]). وبعد أن عرفت الاجتهاد والفرع والاعتقاد يمكن أن اعرف الاجتهاد في فروع الاعتقاد فأقول: بذل المجتهد وسعه في تحصيل حكم شرعي في مسالة من مسائل فروع الاعتقاد.
المبحث الأول
حكم الاجتهاد عمومًا وفي مسائل الاعتقاد خصوصًا.
أولاً: حكم الاجتهاد عمومًا:
مما هو معلوم أن حكم الاجتهاد فرض كفاية على الأمّة إذا قام به بعض المجتهدين فيها، سقط الإثم عن الآخرين، وإلا أثمت الأمّة كلها ([xxx]).
والنصوص الدالة على هذا الحكم من الكتاب والسنة والإجماع مشهورة معروفة، منها قوله سبحانه وتعالى: )ولو ردوه إلى الله والرسول لعلمه الّذين يستنبطونه منهم((83: النساء).
وقوله تعالى: )فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون((122: التوبة).
ومن السنة حديث معاذ t أن رسول الله e لما أراد أن يبعثه إلى اليمن قال: (كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟) قال: أقضي بكتاب الله، قال: (فإن لم تجد في كتاب الله؟) قال: فبسنة رسول الله e قال: (فإن لم تجد في سنة رسول الله e ولا في كتاب الله؟) قال: أجتهد رأيي ولا آلو، فضرب رسول الله e صدره وقال: (الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله)([xxxi]).
وإذا كانت هذه النصوص تدل على فرضية الاجتهاد فإنها ليست مقيدة بأحكام الفقه دون أحكام العقيدة لأن النصوص الشرعية تأتي بالحكم الفقهي والاعتقادي؛ فيجوز الاجتهاد فيهما والتفريق بين هذه الأحكام لم يحدث إلا في العصور المتأخرة من باب التبويب والتقسيم، وإلا فإن الفقهاء كانوا فقهاء الفقه الأكبر وفقه الفروع، كما ذهب إلى ذلك الإمام أبو حنيفة عندما قال في تعريف الفقه: "الفقه هو ما يجب على النفس من معرفة، فإذا كان في الأصول كان الفقه الأكبر، وإذا كان في الفروع كان معرفة الأحكام العملية التفصيلية"([xxxii]). ويسوي ابن تيمية بين الاجتهاد في مسائل الفقه والعقيدة حيث يعطي نفس الحكم لهما بقوله: "وعامة ما تنازعت فيه فرقة المؤمنين من مسائل الأصول وغيرها في باب الصفات والقدر والإمامة وغير ذلك هو من هذا الباب، فيه المجتهد المصيب، وفيه المجتهد المخطئ، ويكون المخطئ باغياً، وفيه الباغي من غير اجتهاد، وفيه المقصر فيما أمر به من الصبر"([xxxiii]).
ومن هنا وجدنا الاجتهاد في مسائل الاعتقاد منذ عهد الصحابة y إلى يومنا هذا.
ثانياً: حكم الاجتهاد في فروع الاعتقاد.
إذ تبين من الفقرة السابقة أن الاجتهاد في النصوص الشرعية لاستخراج الحكم هو فرض كفاية، إلا أن طبيعة النصوص مختلفة، فهناك نصوص لا يمكن الاجتهاد والاختلاف فيها، حيث أنها قطعية الثبوت قطعية الدلالة، وهي المسائل الثابتة التي لا تتغير ولا مجال فيها للتفسير أو التأويل أو المعارضة، أو المخالفة، لكون دلالتها على الأحكام قطعية، مثل المسائل العقائدية الأصلية المتعلقة بأصل الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره؛ وأن القرآن حق، ومنزل من عند الله عز وجل، وأن الرسول e أُرسل للناس كافة، وهي الأحكام الاعتقادية الكلية التي لم يخالف فيها أحد من المسلمين،وكذلك كل ما علم من الدين بالضرورة ([xxxiv]) وكقطعية بعث الرسل بالنسبة للأحكام العقدية، وكقطعية تحريم الأمهات في قوله تعالى: )حرمت عليكم أمهاتكم((23: النساء) بالنسبة للأحكام العملية، ولذلك لم تكن محلا للاجتهاد، وهي محل اتفاق الأمّة سابقها ولاحقها، متقدّمها ومتأخرها.
وهناك نوع آخر من النصوص الشرعية يمكن أن يدخلها التأويل والمعارضة أو المخالفة لكونها ظنيّة الثبوت والدلالة، أو قد تكون ظنيّة الثبوت قطعية الدلالة، أو قطعية الثبوت ظنيّة الدلالة ([xxxv]).
-ومنها: بعض المسائل الاعتقادية الفروعية، وبعض النظريات الكلامية التي اختلف فيها العلماء، وجرت بينهم فيها مناظرات ومناقشات عائدة لظنية الأدلة الدالة على هذا الحكم العقدي([xxxvi]).
وهذه الأحكام يكون فيها مجال للاجتهاد للوصول إلى الرأي الصائب، أو القريب من الصواب، ومعلوم أن هذه الأحكام هي الأحكام الاعتقادية الفرعية، والأحكام العملية الظنية.
وهذا النوع من الأحكام يتجاذبه جملة من القواعد والمبادئ المتصلة بمقاصد الشريعة العامة وكلياتها اعتقادية أو عملية، ([xxxvii]).
و يؤكد الشاطبي ما سبق بقوله: " فان الله تعالى حكم بحكمته أن تكون فروع هذه الملة قابلة للانظارومجالا للظنون وقد ثبت عند النظار أن النظريات لا يمكن الاتّفاق عليها عادة، فالظنيات عريقة في إمكان الاختلاف فيها، لكن في الفروع دون الأصول، وفي الجزئيات دون الكليات، فلذلك لا يضر هذا الاختلاف" ([xxxviii]). ويظهر من النص أن النظربات يقصد بها المعتقدات وانه يصح الخلاف في فروع الاعتقاد دون الأصول.
ويفرق الشاطبي أيضا في الاختلاف بين الأصول والفروع بقوله: "إن هذه الفِرَق إنما تصير فرقًا بخلافها للفرقة الناجية في معنى كلي في الدين وقاعدة من قواعد الشريعة لا في جزئية من الجزئيات إذ الجزئي والفرع الشاذ لا ينشا عنه مخالفة يقع بسببها التفرق شيعا و إنما ينشأ المخالفة في الأمور الكلية " ([xxxix]) ومن هذا النص يظهر أن الشاطبي يرى جواز المخالفة في الفروع والجزئيات دون الأصول والكليات.
ويرى ابن تيمية أن المسائل الأصولية والمجمع عليها والتي دلالة النصوص عليها قطعية لا يجوز الاجتهاد فيها ومنكرها كافر بينما المسائل الفروعية وغير المجمع عليها والتي دلالة النصوص عليها غير قطعية يجوز الاجتهاد فيها ومنكرها ليس كافرًا"([xl]).
ويجعل ابن تيمية "الأصول الثابتة بالكتاب والسنة والإجماع هي بمنزلة الدين المشترك بين الأنبياء، ليس لأحد خروج عنها، ومن دخل فيها كان من أهل الإسلام المحض، وهم أهل السنة والجماعة، وما تنوعوا فيه من الأعمال والأقوال المشروعة فهو بمنزلة ما تنوعت فيه الأنبياء... وإن تنوعت الأفعال في حق أصناف الأمّة فلم يختلف اعتقادهم ولا معبودهم... والمذاهب والطرائق، والسياسات للعلماء والمشايخ والأمراء إذا قصدوا بها وجه الله تعالى دون الأهواء... بحسب الإمكان بعد الاجتهاد التام، هي لهم من بعض الوجوه بمنزلة الشرع والمناهج للأنبياء، وهم مثابون على ابتغائهم وجه الله تعالى وعبادته وحده" ([xli]). ويفرق ابن الوزير بين ما كان معلوما من الدين بالضرورة وما ليس كذلك ولا يرى كفر المتأول والمخالف في ذلك فيقول: والدليل على أنه لا يكفر أحد من المخالفين في التأويل إلا من بلغ الحد في جحد المعاني المعلوم ثبوتها بالضرورة 000 إن الكفر هو تكذيب النبي r إما بالتصريح أو ما يستلزمه استلزامًا ضروريًا لا استدلاليًا([xlii]).
ويقول محمد بن عبد الوهاب: " ثم اعلموا وفقكم الله، إن كانت المسألة إجماعاً فلا نزاع، وإن كانت مسائل اجتهاد فمعلومكم أنه لا إنكار في من يسلك الاجتهاد"([xliii]).
وإذا كانت النصوص القطعية لا مجال للاجتهاد فيها وأما الظنية فيجوز الاجتهاد فيها فانه لابد من وجود الضوابط لهذا الاجتهاد حتى نصل للرأي الصحيح ولا نقع في الخطأ وفي ذلك يبين شارح العقيدة الطحاوية مسوغات الاجتهاد والتأويل الصحيح لذلك الاجتهاد بحيث لا يقع صاحب الاجتهاد في خطأ التأويل الفاسد، وهذا إقرار منه بالاجتهاد والاختلاف في مسائل الاعتقاد فيقول:
" فالتأويل الصحيح هو الّذي يوافق ما جاءت به السنة، والفاسد المخالف له. فكل تأويل لم يدل عليه دليل من السياق، ولا معه قرينة تقتضيه، فإن هذا لا يقصده المبين الهادي بكلامه، إذ لو قصده لحف بالكلام قرائن تدل على المعنى المخالف لظاهره، حتى لا يوقع السامع في اللبس والخطأ، فإن الله أنزل كلامه بياناً وهدى، فإذا أراد به خلاف ظاهره، ولم يحف به قرائن تدل على المعنى الّذي يتبادر غيره إلى فهم كل أحد-لم يكن بياناً ولا هدى. فالتأويل إخبار بمراد المتكلم، لا إنشاء.
وفي هذا الموضع يغلط كثير من الناس، فإن المقصود فهم مراد المتكلم بكلامه، فإذا قيل: معنى اللفظ كذا وكذا، كان إخباراً بالذي عنى المتكلم فإن لم يكن الخبر مطابقاً كان كذباً على المتكلم. ويعرف مراد المتكلم بطرق متعددة، منها: أن يصرح بإرادة ذلك المعنى. ومنها: أن يستعمل اللفظ الّذي له معنى ظاهر بالوضع، ولا يبين بقرينة تصحب الكلام أنه لم يرد ذلك المعنى، فكيف إذا حف بكلامه ما يدل على أنه إنما أراد حقيقته وما وضع له، كقولهِ: )وكلم الله موسى تكليمًا(( 146: النساء ). وكما في الحديث: (أنكم ترون ربكم عياناً كما ترون الشمس في الظهيرة ليس دونها سحاب)([xliv]).
فهذا مما يقطع به السامع له بمراد المتكلم، فإذا أخبر عن مراده بما دل عليه حقيقة لفظه الّذي وضع له مع القرائن المؤكدة، كان صادقاً في إخباره.
وأما إذا تأول الكلام بما لا يدل عليه ولا اقترن به ما يدل عليه، فإخباره بأن هذا مراده كذب عليه، وهو تأويل بالرأي، وتوهم بالهوى " ([xlv]).
المبحث الثاني
أدلة وقوع الاجتهاد في فروع الاعتقاد وأقوال العلماء فيه
وإذا كان العلماء قد أقروا بالاجتهاد كما بينا في المطلب السابق في فروع الاعتقاد دون الأصول من حيث التصور فإن الاجتهاد والاختلاف قد وقعا بين الصحابة والتابعين ومن بعدهم من العلماء، وسأورد بعض الأمثلة في فروع الاعتقاد الثلاثة في الإلهيات والنبوات والسمعيات.
أولا: الإلهيات:
1-الاجتهاد في رؤية النبي r لله عز وجل في معراجه إلى السماء: فقد حكى القاضي عياض في كتابه "الشفا" اختلاف الصحابة ومن بعدهم في رؤيته r، وإنكار عائشة رضي الله عنها أن يكون r رأى ربه بعين رأسه، وإنها قالت لمسروق حين سألها: هل رأى محمد ربه؟ فقالت: لقد قف شعري مما قلت، ثم قالت: من حدثك أن محمداً رأى ربه فقد كذب([xlvi]).
ثم قال: وقال جماعة بقول عائشة رضي الله عنها، وهو المشهور عن ابن مسعود وأبي هريرة واختلف عنه، وقال بإنكار هذا وامتناع رؤيته في الدنيا جماعة من المحدثين والفقهاء والمتكلمين.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه r رآه بعينه، وروى عطاء عنه: إنه رآه بقلبه. ثم ذكر أقوالاً وفوائد، ثم قال: وأما وجوبه لنبينا r والقول بأنه رآه بعينه. فليس فيه قاطع ولا نص، والمعول فيه على آيتي النجم، والتنازع فيهما مأثور، والاحتمال لهما ممكن.
وهذا القول الّذي قاله القاضي عياض رحمه الله هو الحق، فإن الرؤية في الدنيا ممكنة، إذ لو لم تكن ممكنة لما سألها موسى u، لكن لم يرد نص بأنه r رأى ربه بعين رأسه، بل ورد ما يدل على نفي الرؤية، وهو ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي ذر t قال: "سألت رسول الله r هل رأيت ربك؟ فقال: نور أنى أراه" وفي رواية: "رأيت نوراً".
وقد روى مسلم أيضاً عن أبي موسى الأشعري t أنه قال: "قام فينا رسول الله r بخمس كلمات، فقال: (إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور) وفي رواية: (النار، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه) ([xlvii]) فيكون -والله أعلم- معنى قولهِ: لأبي ذر (رأيت نوراً) ([xlviii]): أنه رأى الحجاب، ومعنى قولهِ: (نور أنّى أراه) ([xlix]): النور الّذي هو الحجاب يمنع من رؤيته، فأنّى أراه؟ أي فكيف والنور حجاب بيني وبينه يمنعني من رؤيته فهذا صريح في نفي الرؤية، والله أعلم ([l]).
وقد تقدم ذكر اختلاف الصحابة في رؤيته r ربه عز وجل بعين رأسه، وأن الصحيح أنه رآه بقلبه، ولم يره بعين رأسه.
وقولهِ: )ما كذب الفؤاد ما رأى((11: النجم ) ).... ولقد رآه نزلة أخرى((13: النجم ) صح عن النبي r أن هذا المرئي جبرائيل، رآه مرتين على صورته التي خلق عليها.
وأما قوله تعالى في سورة النجم: )ثم دنى فتدلى(( 8: النجم ) فهو غير الدنو والتدلي المذكورين في قصة الإسراء، فإن الّذي في سورة النجم هو دنو جبرائيل وتدليه كما قالت عائشة وابن مسعود رضي الله عنهما فإنه قال: )علمه شديد القوى، ذو مرة فاستوى، وهو بالأفق الأعلى، ثم دنا فتدلى(( 5-8 النجم ) فالضمائر كلها راجعة إلى هذا المعلم الشديد القوى، وأما الدنو والتدلي الّذي في حديث الإسراء فذلك صريح في أنه دنو الرب تعالى وتدليه. وأما الّذي في سورة النجم أنه رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى، فهذا هو جبرائيل رآه مرتين مرة في الأرض، ومرة عند سدرة المنتهى([li]).
2-الاجتهاد في جواز الإقسام على الله عز وجل: إن كان مراده الإقسام على الله بحق فلان فذلك محذور أيضاً لأن الإقسام بالمخلوق على المخلوق لا يجوز، فكيف على الخالق وقد قال r ( مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ )([lii]) ولهذا قال أبو حنيفة وصاحباه y يكره أن يقول الداعي : "أسألك بحق فلان أو بحق أنبيائك ورسلك وبحق البيت الحرام والمشعر الحرام" ونحو ذلك حتى كره أبو حنيفة ومحمد أن يقول الرجل: "اللهم إني أسألك بمعقد العز من عرشك" ولم يكرهه أبو يوسف لما بلغه الأثر فيه، وتارة يقول بجاه فلان عندكَ أو يقول نتوسل إليكَ بأنبيائك ورسلك وأوليائك، ومراده لأن فلاناً عندك ذو وجاهة وشرف ومنزلة فأجب دعانا ([liii]).
3-الاجتهاد في أول مخلوقات الله عز وجل: ولا يخلو قولهِ : (أول ما خلق الله القلم...) إما أن يكون جملة أو جملتين. فإن كان جملة وهو الصحيح كان معناه أنه عند أول خلقه قال له اكتب، كما في اللفظ (أول ما خلق الله القلم قال له اكتب ) بنصب "أول" والقلم، وإن كان جملتين وهو مروى برفع "أول والقلم" فيتعين حمله على أنه أول المخلوقات من هذا العالم، فيتفق الحديثان، إذ حديث عبد الله بن عمرو صريح في أن العرش سابق على التقدير، والتقدير مقارن لخلق القلم. وفي اللفظ الآخر لما خلق الله القلم قال له: اكتب ([liv]). وسبب الخلاف كما يظهر يعود إلى ناحية الإعراب والى أن هذا النص جملة أو جملتين.
4-الاجتهاد في صفة علو الله عز وجل: يرى ابن تيمية أن الاجتهاد منه الصواب ومنه الخطأ وفي ذلك يقول وكذلك كثير ممن يتنازعون في أن الله في السماء ومقصو دهم بان الله في السماء أو ليس في السماء فالمثبتة تطلق القول بأن الله في السماء كما جاءت به النصوص ودلت عليه بمعنى انه فوق السماوات على عرشه بائن عن خلقه. وآخرون ينفون القول بان الله في السماء ومقصودهم أن السماء لا تحويه ولا تحصره ولا تقله ولا ريب أن هذا المعنى صحيح فان الله لا تحصره مخلوقاته ثم قال ولكن هؤلاء أخطئوا في نفي اللفظ الّذي جاء به الكتاب والسنة وفي توهم أن إطلاقه دال على معنى فاسد ([lv]).
5-الاجتهاد في معنى صفة: " وجه الله عز وجل ": فقد اجتهد الصحابة والتابعون في تفسير قوله تعالى: )ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم (( 115: البقرة ) فعن ابن عمر –رضي الله عنهما- أنه كان يصلي حيث توجهت به راحلته ويذكر أن رسول الله r كان يفعل ذلك ويتأول الآية([lvi]))فأينما تولوا فثم وجه اللـه( . ( 115: البقرة ).
ونقل ابن كثير عن ابن عباس -رضي الله عنهما– في قوله تعالى: )فأينما تولوا فثم وجه اللـه( ( 115: البقرة ) أن معناه: قبلة الله، أينما توجهت شرقا أو غربا، وقال مجاهد: فأينما تولوا فثم وجه الله: حيث ما كنتم فلكم قبلة تستقبلونها الكعبة ([lvii]).
وكما اختلف الصحابة في معنى الوجه في الآية الكريمة، اختلف من بعدهم التابعون، قال الترمذي: ويروى عن مجاهد في هذه الآية، )فأينما تولوا فثم وجه الله(( 115: البقرة ) قال: فثم قبلة الله، وقال حدثنا بذلك أبو كريب، حدثنا وكيع عن النضر بن عربي عن مجاهد بهذا ([lviii]).
ونقل عن طائفة أخرى منهم عامر بن ربيعة عن أبيه الصحابي، وعن حماد عن إبراهيم النخعي أن الوجه هنا بمعنى القبلة ([lix]).
ونقل الرأي الثاني: أن " فثم وجه الله " أي: فثم الله تبارك وتعالى، وقال آخرون: عني بالوجه ذا الوجه ([lx])
وظاهر من هذا الخلاف أن منهم من حملها على الحقيقة ومنهم من حملها على المجاز ثم اختلفوا في تأويلها على آراء.
6-الاجتهاد في حقيقة الكرسي لله عز وجل: فقد اجتهد الصحابة في معنى قوله تعالى: )وسع كرسيه السماوات والأرض(( 255: البقرة ) فاختلفت الآراء في المسألة إلى الآراء التالية: فقال بعضهم: أنه الكرسي علم الله، وذهب آخرون إلى أن الكرسي موضع القدمين، وذهب آخرون إلى أن الكرسي هو العرش نفسه، فذهب على القول الأول من الصحابة ابن عباس – رضي الله عنهما – وابن جبير من التابعين، وذهب إلى القول الثاني: أبو موسى الأشعري والسّدي وطائفة من السلف، وإلى الرأي الثالث: الحسن البصري، نقل هذه الأقوال الطبري وعقب عليها: ولكل من هذه الأقوال وجه ومذهب ثم مال هو إلى تأويل الكرسي بالعلم ([lxi]).
ثانيا: النبوات:
1-الاجتهاد في حقيقة الرسل هل هم من الإنس فقط أم من الإنس والجن معا: فمنهم من ذهب إلى انهم من الإنس والجن وهو ما رواه ابن جرير عن الضحاك بن مزاحم لقوله تعالى: )يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم( ( 130: الأنعام ) وقال مجاهد وغيره من السلف والخلف،الرسل من الإنس فقط، وليس من الجن رسول،، وقال ابن عباس الرسل من بني آدم ومن الجن نذر([lxii]).
وسبب الخلاف في هذه المسالة أن من حمل الآية على عممومها فقد ذهب إلى أن الله يرسل الرسل من الإنس والجن ومن حملها على وجه التخصيص فقد ذهب إلى أن الرسل من الإنس فقط، وفهم الآية السابقة على مثل قول الله تعالى: )يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان(( 22: الرحمن ) والمراد من أحدهما([lxiii]).
2- الاجتهاد في حقيقة الفرق بين النبي والرسول: فقد اختلف في حقيقة النبي والرسول فمن العلماء من ذهب انه لا فرق بين معنى الرسول والنبي، ومنهم من فرق بين النبي والرسول فجعل الرسول من أمر بالتبليغ والنبي من لم يؤمر بالتبليغ ([lxiv]). ومنهم من قال بل من نزلت عليه شريعة مستقلة فهو الرسول لأنه خص بشريعة وكتاب ومن بلغ شريعة الرسول الّذي سبقه فهو النبي ([lxv]).
3- الاجتهاد في عدد الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام -: فقد أختلف في عدد الأنبياء فالبعض ذهب إلى أن عدد الأنبياء غير محصور بعدد ومنهم من حصره بمائة وأربعة وعشرين ألف نبي ورسول ([lxvi]). وقد كان سبب الخلاف هو صحة الحديث الذي ورد بالعدد فعن أبي أمامة قال أبو ذر: قلت: يا رسول الله كم وفاء عدة الأنبياء؟ قال:( مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً من الرسل من ذلك ثلاث مائة وخمسه عشر جماً غفيراً)([lxvii]) ومعارضته لإطلاق العدد في القران الكريم في مثل فوله تعالى ) وان من أمة إلا خلا فيها نذير( ( 24: فاطر )
4- الاجتهاد في نبوة النساء: فقد أختلف في نبوة النساء، فقد ذهب بعض العلماء إلى نبوة بعض النساء، ومن هؤلاء أبو حسن الأشعري والقرطبي وابن حزم، وقد خالفهم في ذلك جمهور العلماء، وهناك من نقل الإجماع على عدم نبوة النساء ([lxviii]).
وهذا الخلاف إنما وقع لان النصوص في هذه المسالة ليست قطعية الدلالة([lxix]).
5 - الاجتهاد فيما عصم الله عز وجل أنبياءه –عليهم الصلاة والسلام- منه: فقد اختلف فيما عصم الله سبحانه وتعالى أنبياءه منه من الكبائر أو من الكفر أو من الصغائر قبل النبوة أو بعدها ويقول التفتازاني: "واستقر الخلاف بين المسلمين في عصمتهم وفي فضلهم على الملائكة ولا قاطع في أحد الجانبين"([lxx]).
6- الاجتهاد في تفضيل الأنبياء وصالحي البشر على الملائكة: فقد نقل ابن أبي العز الحنفي الخلاف في تفضيل الأنبياء وصالحي البشر على الملائكة، فقد ذهب أهل السنة والجماعة إلى تفضيل صالحي الأنبياء فقط على الملائكة، وذهب المعتزلة إلى تفضيل الملائكة، وأما الأشاعرة، فذهب بعضهم إلى التوقف في هذه المسالة، وذهب آخرون إلى الميل لتفضيل الملائكة، وذهب آخرون إلى تفضيل الأنبياء وصالحي البشر على الملائكة، وأما الشيعة، فقد ذهبوا إلى أن الأئمة أفضل من الملائكة.
وقد توقف الإمام أبو حنيفة في هذه المسألة، ولذا، فلم يوردها الطحاوي في نصه، وذهب شارح الطحاوية إلى أن الأدلة في هذه المسالة متكافئة([lxxi]). وقال الامدي بعد أن أورد الخلاف في هذه المسالة قال: ( فهذه المسالة ظنية سمعية والترجيح فيها لكل أحد على حسب ما يتفضل الله تعالى عليه من المنة وجودة القريحة كما في غيرها من المسائل الاجتهادية )([lxxii]).
ثالثا: السّمعيات:
ومن الأدلة على وقوع الاختلاف والاجتهاد في مسائل السمعيات، ما يأتي:
1- الاجتهاد في الدخان والوارد في قوله تعالى: " فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم "( 10-11 الدخان ) وفي المراد بهذا الدخان، وهل وقع، أو من الآيات المرتقبة قولان:
القول الأول: أن هذا الدخان هو ما أصاب قريشا من الشدة والجوع، عندما دعا عليهم النبي e حين لم يستجيبوا له، فأصبحوا يرون في السماء كهيئة الدخان، وإلى هذا القول ذهب عبد الله ابن مسعود t وغيره من التابعين ([lxxiii]) وهذا اجتهاد منه t على واقعة بعينها.
القول الثاني: أن الدخان آية من آيات الله مرسلة على عباده قبل مجيء الساعة، فيأخذ المؤمن كهيئة الزكمة، ويدخل في مسامع الكافر والمنافق حتى يكون كالرأس الحنيذ، وإلى هذا القول ذهب ابن عباس رضي الله عنهما وبعض الصحابة والتابعين([lxxiv]).
2- اجتهاد بعض العلماء في النار التي تخرج في آخر الزمان: ظن بعض الناس عندما ظهرت نار عظيمة في المدينة في جزيرة العرب أنها هي النار المقصودة كعلامة من علامات الساعة الكبرى، ولكن الحقيقة أن الرأي الراجح أن علامة الساعة الكبرى هي النار التي تخرج آخر الزمان وتحشر الناس إلى محشرهم تبيت معهم([lxxv]) وهذا إنزال النص على واقعة معينة ومخالفة الغير في ذلك.
3- الاجتهاد في اسم الدَّجّال وحقيقة ما معه ممن جنة أو نار:
لقد اختلف الصحابة ومن بعدهم من العلماء في من هو الدَّجّال؛ فمنهم من قال: أنه ابن الصياد، ومنهم من قال: أنه الرجل الذي رؤي في حديث الجساسة، وهذا ما رجحه ابن حجر في فتح الباري([lxxvi]).
ومما يدل على أن ابن الصياد هو الدَّجّال حديث جابر t الّذي في البخاري أنه كان يحلف أن ابن الصياد هو الدَّجّال ويقول: سمعت عمر t يحلف عند رسول الله r فلم ينكر عليه.
ولكن الأصح أن الدَّجّال غير ابن صياد وإن شاركه ابن صياد في كونه أعور ومن اليهود وأنه ساكن في يهودية أصبهان إلى غير ذلك؛ وذلك لأن أحاديث ابن صياد كلها محتملة وحديث الجساسة نصّ فيقدم.
ومما يرجح أن الدجال ليس هو ابن الصياد أن ابن الصياد كان في المدينة و قد أشارت الأحاديث أن ابن الدجال في بحر الشام أو بحر اليمن أو هو في قبل المشرق([lxxvii]).
وأما الاجتهاد في حقيقة النار التي معه، هل هي حقيقة أم تخيل؟ مال ابن حبان في صحيحه([lxxviii]) إلى أنه تخيل واستدل بحديث المغيرة بن شعبة في الصحيحين أنه قال: "ما سأل أحد النبي e ما سألته، وأنه قال لي: (ما يضرك منه؟) قلت: لأنهم يقولون: معه جبل خبز ونهر ماء، قال: (هو أهون على الله من ذلك)([lxxix]).
فمعناه: أنه أهون على الله من أن يكون معه ذلك حقيقة بل يرى كذلك وليس بحقيقة.
وقال جماعة منهم القاضي ابن العربي: بل هي على ظاهرها أي: فيكون ذلك امتحاناً من الله لعباده ويكون معنى الحديث: هو أهون من أن يخاف أو أن يضل الله به من يحبه([lxxx]).
ويدل على ذلك: "قولُ رَسُولِ اللَّهِ e: (لأَنَا أَعْلَمُ بِمَا مَعَ الدَّجَّالِ مِنْهُ، مَعَهُ نَهْرَانِ يَجْرِيَانِ أَحَدُهُمَا: رَأْيَ الْعَيْنِ مَاءٌ أَبْيَضُ، وَالآخَرُ: رَأْيَ الْعَيْنِ نَارٌ تَأَجَّجُ، فَإِمَّا أَدْرَكَنَّ أَحَدٌ فَلْيَأْتِ النَّهْرَ الَّذِي يَرَاهُ نَارًا، وَلْيُغَمِّضْ ثُمَّ لْيُطَأْطِئْ رَأْسَهُ فَيَشْرَبَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مَاءٌ بَارِدٌ"([lxxxi]) أساس الخلاف في هذه المسالة كما أرى اعتبار الحقيقة والمجاز.
4-الاجتهاد في المهدي: قال الحافظ ابن القيّم: "قد اختلف الناس في المهدي على أربعة أقوال:
أحدها: أنه المسيح بن مريم عليه السلام وأنه هو المهدي على الحقيقة واحتج أصحاب هذا القول بحديث محمد بن خالد الجندي([lxxxii]) أي المتقدم وقد بينا حاله وأنه لا يصحّ، ولو صحّ لم يكن فيه حجة لان عيسى عليه السلام أعظم مهدي بين يدي الساعة فيصح أن يقال: لا مهدي في الحقيقة سواه إن كان غيره مهدياً يعني هو المهدي الكامل المعصوم.
ثانيها: أنه المهدي الّذي ولي من بني العباس قد انتهى واحتج أصحاب هذا القول بما رواه أحمد في مسنده عن ثوبان مرفوعاً: (إذا رأيتم الرايات السود أقبلت من خراسان فأتوها ولو حبواً على الثلج فإن فيها خليفة الله المهدي)([lxxxiii]) وفيه على بن زيد ضعيف وله مناكير فلا يحتجّ بما ينفرد به.
وبما روى ابن ماجة من حديث الثوري عن ثوبان نحوه وتابعه عبد العزيز بن المختار عن خالد.
وفي سنن ابن ماجة عن عبد الله بن مسعود t مرفوعاً: (إن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاءً وتشريداً وتطريداً حتى يأتي قوم من أهل المشرق ومعهم رايات سود…)([lxxxiv]) الحديث، وفي إسناده يزيد بن أبى زياد وهو سيء الحفظ في آخر عمره وكان يقبل الفلوس.
قال: وهذا الّذي قبله لو صحّ لم يكن فيه دليل على أن المهدي هو الّذي تولى من بني العباس.
ثالثها: أنه رجل من أهل بيت النبي r من ولد الحسن أي: أو ولد الحسين بن علي يخرج في آخر الزمان وقد ملئت الأرض جوراً فيملؤها قسطاً وعدلاً واكثر الأحاديث على هذا.
أقول: وقد ادعى قومَ من السلف في محمد بن عبد الله المحض النفس الزكية أنه المهدي وقد مرّت الإشارة، والله أعلم([lxxxv]).
وفيما سبق يظهر اختلاف الأقوال نظرًا لاعتماد البعض على أحاديث ضعيفة ظنوها صحيحة، واختلاف العلماء في تصحيح الحديث أو تضعيفه.
5- الاجتهاد في أول علامات الساعة وقوعًا ليوم القيامة: فقد ورد في بعض الروايات: أن أول الآيات خروج الدَّجّال.
وفي بعضها: أن أولها طلوع الشمس من مغربها.
وفي بعضها: الدابة.
وفي بعضها: نار تحشر الناس إلى محشرهم.
قال الحافظ ابن حجر: "وطريق الجمع: أن الدَّجّال أول الآيات العظام المؤذنة بتغيير أحوال العامّة في الأرض أي: فلا ينافي تقدّم المهدي عليه. قال: "وينتهي ذلك بموت عيسى بن مريم عليه السّلام ومن بعد القحطاني وغيره، وإن طلوع الشمس من المغرب هو أول الآيات المؤذنة بتغيير أحوال العالم العلوي، وينتهي ذلك بقيام السّاعة أي: والدابة معها فهي والشمس كشيء واحد، وإن النار أول الآيات المؤذنة بقيام الساعة" انتهى([lxxxvi]).
وهذا جمع حسن له رحمه الله تعالى، ويدل على ذلك ما في بعض الروايات: "وآخر ذلك – يعني الآيات- نار تحشر الناس إلى محشرهم" ([lxxxvii]).
وروى نعيم بن حماد عن وهب بن منبه قال: "أول الآيات الروم، ثم الدجال، والثالثة يأجوج ومأجوج، والرابعة عيسى بن مريم، والخامسة الدخان، والسادسة الدابة"([lxxxviii]).
أي: وكون عيسى عليه السلام رابعًا باعتبار تأخره عن يأجوج ومأجوج، وإن كان باعتبار وقت نزوله مقدما عليهما، فهو باعتبار ثالث، وباعتبار أخر رابع.
والخامسة: الدخان – وقد سبق بيانه– والسادسة: الدابة أي وعده هذا باعتبار الآيات الأرضية ومن ثم لم يعد طلوع الشمس فهو أيضا يؤيد ما ذكره الحافظ لكن لو قال: وينتهي ذلك بخروج الدابة بدل قوله: بموت عيسى عليه السلام لكان أولى وأوضح وكون الروم أولا حقيقي وكون الدَّجّال أولا إضافي لأنه أعظم من الروم وكان الروم بالنظر إليه ليس بشيء"([lxxxix]).
والاختلاف في أول العلامات ظهوراً وفي ترتيب تلك العلامات، مرده إلى تعدد الروايات واختلافهم في الجمع أو التوفيق بينها أو صحتها وضعفها.
6- الاجتهاد في وصف الدابة ومكان خروجها:
أما الاجتهاد في وصف الدابة:
فعن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن لها عنقًا مشرفًا –أي طويلاً- يراها من بالمغرب، ولها وجه الإنسان ومنقار كمنقار الطير، ذات وبر وزغب"([xc]).
وعن أبي هريرة t: "أنها ذات عصب وريش"([xci]).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: "زغباء ذات وبر وريش"([xcii]).
وعن حذيفة t: إنها ملمّعة ذات وبر وريش، لن يدركها طالب ولن يفوتها هارب([xciii]).
وعن علي بن أبى طالب كرم الله وجهه وقد قيل له: أن ناساً يزعمون أنك دابة الأرض فقال: والله إن لدابّة الأرض ريشاً وزغباً، ومالي ريش ولا زغب، وإن لها حافراً ومالي حافر، إنها تخرج حضر الفرس الجواد ثلاثاً، وما أخرج ثلثاها"([xciv]).
وعن عمرو بن العاص t: أن رأسها يمسّ السحاب وما خرجت رجلها من الأرض([xcv]).
وعن ابن عمرو رضي الله عنهما: إنها تخرج كجري الفرس ثلاثة أيام لم يخرج ثلثها، وهذا يقرب من رواية علي كرم الله وجهه المارة([xcvi]).
وعن أبى هريرة t: أن فيها من كل لون ما بين قرنيها فرسخ للراكب([xcvii]).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: "أنها مؤلفة ذات زغب وريش فيها من ألوان الدواب كلّها، وفيها من كل أمة سيما، وسيماهم من هذه الأمّة أنها تكلم الناس بلسان عربي مبين تكلمهم بكلامهم"([xcviii]).
هذه الروايات التي ذكرناها عن الصحابة رضي الله عنهم قد يصحّ بعضها وقد يضعف، فيعتمد البعض عليها في إثبات أوصاف الدابة كما فعل البرزنجي حيث ساق هذه الأقوال دون تعليق عليها وكأنه يقرها، مع العلم أنه لم يثبت في وصف الدابة حديث صحيح عن رسول الله e([xcix]).
وأما الاجتهاد في مكان خروجها: فقد اختلفت الروايات الواردة عن رسول الله e ([c]) كما اختلفت الروايات عن الصحابة رضي الله عنهم([ci]) ومن ثم اختلفت آراء العلماء في ذلك، ففي بعضها: أنها تخرج من إنطاكية، وفي بعضها: أنها تخرج من المروة، وفي بعضها: من مدينة قوم لوط، وفي بعضها: من وراء مكة.
ووجه الجمع بين هذه الروايات من وجهين:
أحدهما: أن لها ثلاث خرجات، ففي بعضها تخرج من مدينة قوم لوط، ويصدق أنها من أقصى البادية، وفي بعضها تخرج من بعض أودية تهامة، ويصدق عليها أنه من وراء مكة، ومن اليمن لان الحجاز يمانية، ومن ثم قيل: الكعبة يمانية. وفي المرة الأخيرة تخرج من مكة وهي من أعظم جثتها وطولها يمكن أن تخرج من بين المروة والصفا وأجياد، فإنها تمسك مقدار ثلاثة أيام واكثر وحينئذ يصدق عليه أنها خرجت من المروة ومن الصفا ومن أجياد ومن المسجد، وبالله التوفيق.
الوجه الثاني: أنها تخرج من جميع تلك الأماكن في آن واحد خرقاً للعادة في صور مثالية، وهذا أيضا مبني على تحقيق المثال المحسوس([cii]) وفي هذه المسالة كان الخلاف في مسالة صحة الروايات أو ضعفها أو التوفيق بين الروايات.
7- الاجتهاد في الميزان والحوض أيهما يكون قبل الآخر؟ فهناك أقوال منها: أن الميزان قبل الحوض، وقيل الحوض قبل الميزان، قال أبو الحسن القابسي: والصحيح أن الحوض قبل الميزان، قال القرطبي: "والمعنى يقتضيه، فإن الناس يخرجون عطاشًا من قبورهم كما تقدم فيقدم قبل الميزان والصراط".ويظهر من قول القرطبي انه اعتمد على مرجح عقلي وقد تختلف العقول في ذلك.
قال أبو حامد الغزالي في كتاب كشف علم الآخرة: حكى بعض السلف من أهل التصنيف أن الحوض يورد بعد الصراط، وهو غلط من قائله، قال القرطبي: هو كما قال، وذهب إلى أنَّ الرأي الصحيح هو أن للنبي حوضان: أحدهما: في الموقف قبل الصراط، والثاني: يكون في الجنة ([ciii]). ويظهر أن منشأ هذا الخلاف إنما هو ترجيح دليل على آخر، أو هو على قاعدة الجمع بين الأدلة عند صحتها([civ]).
8- الاختلاف فيما يوزن يوم القيامة: ومن أمثلة ذلك الاجتهاد والاختلاف في الشيء الّذي يوزن يوم القيامة، فمنهم من جمع بين الأدلة التي وردت فيما يوزن، ومنهم من أخذ بحديث واعتمده في المسألة، ومن هنا وقع الخلاف في المسألة.
فقد وردت النصوص على ثلاثة أقسام في هذه المسألة واختلفت الآراء إلى أربعة، وهي: أن الّذي يوزن هو الأعمال نفسها عندما تتحول إلى أعيان ومما يدل على ذلك: حديث النبي r: (أن البقرة وآل عمران يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف)([cv]).
ومما يدل على القول الثاني أن الصحف هي التي توزن هو حديث البطاقة المشهور، وهي أن صحف السيئات توضع في كفة ثم يوضع بطاقة مكتوب عليها: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فلا يثقل شيء باسم الله ([cvi]).
وأما القول الثالث: فهو أن الإنسان نفسه هو الّذي يوزن، ومما يدل عليه حديث رسول الله r عن ثقل ساقي عبد الله بن مسعود عند الله يوم القيامة وأنهما أثقل عند الله من جبل أحد([cvii]) وأما القول الرابع فهو الجمع بين الآراء فقالوا بوزن الأمور الثلاثة على قاعدة العمل بالدليل أولى من إهماله، والملاحظ في هذه أن الأحاديث المتعارضة كلها صحيحة.
أكتفي بهذا القدر من الأمثلة والتي كانت في كافة أقسام العقيدة، وبذلك يظهر بوضوح وقوع الاجتهاد والاختلاف في فروع الاعتقاد بين الصحابة والتابعين والعلماء دون أن يكفر بعضهم بعضاً، وهذا تطبيق عملي في إقرار مشروعية الاجتهاد، نظراً للاختلاف في فهم النصوص أو نظراً للاختلاف في الجمع بين النصوص أو لاعتماد البعض على دليل لم يصل إلى الآخر أو نظراً لتصحيح أو تضعيف يعض الأدلة إلى غير ذلك من مبررات واقعية للاجتهاد والاختلاف، وعلينا أن نسلك مسلك من سبقنا في الإقرار بتلك الشرعية ولا ينكر بعضنا على بعض إذا خالفه الرأي.
المبحث الثالث:
أقوال العلماء في حكم المخالف في مسائل الاجتهاد في الاعتقاد.
وإذا كان العلماء قد أقروا بجواز الاجتهاد في مسائل فروع الاعتقاد من الناحبة النظرية، فقد وقع ذلك منهم فعلا، فاجتهدوا في فروع الاعتقاد كما بينا في المطلب السابق؛ فإنهم قد ارتضوا بنتائج الاجتهاد، فأقروا بأن حكم المخالف والمجتهد في فروع الاعتقاد هو حكم المجتهد في مسائل الفقه، يؤجر على اجتهاده أجرين إن كان صائبا، ويؤجر أجرا واحدا إن كان مخطئا، إذا بذل وسعه في استنباط الحكم من النص، وبناء عليه: فإنهم لم يكفروا صاحب الرأي المخالف في فروع الاعتقاد، وكانوا يصلون وراء من يخالفهم في فروع الاعتقاد، ولم يزيلوا الولاء بين المسلمين للاختلاف في تلك الفروع من الاعتقاد، وإليك بعض أقوال العلماء في بيان هذه المسألة بدءا من الإمام أحمد بن حنبل وانتهاء بالعلماء المعاصرين في زماننا.
يقول الإمام أحمد بن حنبل: "لم يعبر الجسر إلى خراسان مثل إسحاق وإن كان يخالفنا في أشياء، فإن الناس لم يزل يخالف بعضهم بعضاً" ([cviii]).
ويقول: "ولو أنا كلما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأ مغفوراً له قمنا عليه وبدعناه وهجرناه لما سلم معنا لا ابن نصر، ولا ابن منده، ولا من هو أكبر منهما، والله هو هادي الخلق إلى الحق وهو أرحم الراحمين([cix]).
يرى الإمام أحمد – رحمه الله – أنه لا يصح هجر المخالف والمجتهد في فروع الاعتقاد، كما كان يخالفه إسحاق وابن نصر في مسألة خلق القرآن([cx]) وابن مندة في مسألة أمية النبي – e–([cxi]).
وهاتان القضيتان العقديتان من القضايا الاجتهادية المهمة ومع ذلك فقد أعذر الإمام أحمد وهو إمام أهل السنة والجماعة مخالفيه في ذلك.
ويقول الإمام الطحاوي: "ونسمي أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين ما داموا بما جاء به النبي r معترفين، وله بكل ما قاله وأخبر مصدقين "([cxii]) فالمسلم عند الإمام الطحاوي هو من يشهد أن لا اله إلا الله ويؤمن ويصدق بكل ما جاء به الرسول e وإن كانوا متأولاً أو مخالفا في بعض القضايا باجتهاده.
وقال الإمام أبو الحسن الأشعري في بداية كتابه مقالات الإسلاميين قبل أن يورد اختلافات المسلمين في مسائل الاعتقاد ( اختلف الناس بعد نبيهم r في أشياء كثيرة ضلل بعضهم بعضا وبرئ بعضهم من بعض فصاروا فرقًا متباينين وأحزابا مشتتين إلا أن الإسلام يجمعهم ويشمل عليهم ) ([cxiii]).
وقد ذكرت كلام البيهقي في انقسام المسائل إلى أصول وفروع، وقد أعذر من خالف في الفروع ورتب عليه الأجر من الله تعالى([cxiv]).
وروى ابن عساكر عن أبي زاهر علي بن زاهر بن أحمد السرخسي يقول: " لما قرب حضور أجل أبي الحسن الأشعري – رحمه الله – في داري ببغداد دعاني فأتيته، فقال: أشهد أني لا أكفر أحداً من أهل هذه القبلة، لأن الكل يشيرون إلى معبود واحد، وإنما هذا كله، اختلاف العبارات"([cxv]). وفي كلام الأشعري تركيز على القواسم المشتركة بين المسلمين من شهادتهم أن لا اله إلا الله وأن معبودهم واحد وإيمانهم بالإسلام واحد، وعدم اعتبار للقضايا الجزئية التي يخالف بعض المسلمين بعضهم فيها، واعتبارهم مسلمين لا يجوز تكفيرهم، فإذا اعتبرهم مسلمين فانه ينتقد انقسام المسلمين إلى فرق وأحزاب متطاحنة فيجب عند ذلك ولاؤهم ونصرتهم.
ويقرر ابن حزم إعذار المجتهد فيما ذهب إليه في اجتهاده، فيقول: "ومن بلغه الأمر عن رسول الله r من طريق ثابتة وهو مسلم فتأول في خلافه إياه، أو رد ما بلغه بنص آخر، فما لم تقم عليه الحجة في خطئه في ترك ما ترك، وفي الأخذ بما أخذ، فهو مأجور معذور، لقصده على الحق، وجهله به، وإن قامت عليه الحجة في ذلك فعاند، فلا تأويل بعد قيام الحجة " ([cxvi]).
ويذكر ابن حزم مبررات الخلاف بين المجتهدين من حيث النصوص ثبوتا ودلالة ومن حيث وصولها للمجتهد أو عدم وصولها ويعذره فيما يذهب إليه في مخالفته فان أقيمت عليه الحجة فعليه أن يرجع للحجة الراجحة.
ويقدم إلينا الإمام الغزالي رحمه الله نصاً محكماً في الاجتهاد والاختلاف فيقول: " اعلم أن شرح ما يكفر به وما لا يكفر به يستدعي تفصيلا طويلا يفتقر إلى ذكر كل المقالات والمذاهب، وذكر شبهة كل واحد، ودليله، ووجه بعده عن الظاهر، ووجه تأويله، وذلك لا تحويه مجلدات، ولا تتسع لشرح ذلك أوقات، فاقتنع الآن بوصية وقانون، أما الوصية فأن تكف لسانك عن أهل القبلة ما داموا قائلين لا إله إلا الله محمد رسول الله بعذر أو غير عذر، فإن التكفير فيه خطر والسكوت لا خطر فيه، أما القانون فهو أن تعلم أن النظريات قسمان: قسم يتعلق بأصول الدين، وقسم يتعلق بالفروع، وأصول الإيمان ثلاثة: الإيمان بالله وبرسوله واليوم الآخر، وما عداه فروع، وأعلم أنه لا تكفير في الأصول أصلا إلا في مسالة واحدة، وهي أن ينكر أصلا دينيا علم من الرسول r بالتواتر، ولكن في بعضها تخطئة كما في الفقهيات وفي بعضها تبديع كالخطأ المتعلق بالإمامة وأحوال الصحابة " ([cxvii]). ويظهر من كلام الغزالي عدم تكفير المسلم سواء كان خطؤه بعذر أو بغير عذر احتياطا للدين، ويرى انه لا يجوز التكفير للمسلم المخالف إلا في قضايا الأصول من الدين وهي الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر دون الفروع في الدين وهي ما سوى ذلك.
ويقول الذهبي عن التابعي قتادة السدوسي: "كان يرى القدر نسأل الله العفو ومع هذا فما توقف أحد في صدقه وعدالته وحفظه، ولعل الله يعذر أمثاله ممن تلبس ببدعة يريد بها تعظيم الباري وتنزيهه وبذل وسعه.. ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه، وعلم تحريه للحق، واتسع علمه وظهر ذكاؤه وعرف صلاحه وورعه واتباعه يغفر له زللـه ولا نضلله ونطرحه وننسى محاسنه، نعم ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبة من ذلك"([cxviii]).
ويتحدث الذهبي عن ابن خزيمة وتأويله حديث الصورة فيقول: "فليُعذر من تأول بعض الصفات، وأما السلف فما خاضوا في التأويل بل آمنوا وكفوا وفوضوا علم ذلك إلى الله ورسوله، ولو أن كل من أخطأ في اجتهاده مع صحة إيمانه وتوخيه لاتباع الحق أهدرناه وبدعناه لقل من يسلم من الأئمة معنا رحم الله الجميع بمنه وكرمه" ([cxix]).
ويقول: "ولو أنا كلما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأ مغفوراً له قمنا عليه وبدعناه وهجرناه لما سلم معنا لا ابن نصر ولا ابن مندة ولا من هو أكبر منهما، والله هو هادي الخلق إلى الحق وهو أرحم الراحمين فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة"([cxx]).
ويقول الذهبي في تعليقه على اختلاف الناس في أبي حامد الغزالي بين مادح وذام: "مازال العلماء يختلفون ويتكلم العالم في العالم باجتهاده، وكل منهم معذور مأجور، ومن عاند أو خرق الإجماع فهو مأزور، وإلى الله ترجع الأمور" ([cxxi]).
ويظهر من أقوال الذهبي بوضوح انه يقر بالاجتهاد ويعذر المخالف فلا يبدعه أو يكفره ولو كان الخلاف في مسالة تأويل الصفات أو في نفي القدر وهو ما ذهب إليه المعتزلة.
ويبين الشاطبي الفرق بين الخلاف السائغ وغيره " وقد ثبت عند النظار أن النظريات لا يمكن الاتّفاق عليها عادة، فالظنيات عريقة في إمكان الاختلاف فيها، لكن في الفروع دون الأصول، وفي الجزئيات دون الكليات، فلذلك لا يضر هذا الاختلاف" ([cxxii]). ويقول الشاطبي: "إن هذه الفِرَق إنما تصير فرقًا بخلافها للفرقة الناجية في معنى كلي في الدين وقاعدة من قواعد الشريعة لا في جزئي من الجزئيات"([cxxiii]).
ويقول الشاطبي أيضا: "الاجتهاد الواقع في الشريعة ضربان، أحدهما الاجتهاد المعتبر شرعاً، وهو الصادر عن أهله الّذين اضطلعوا بمعرفة ما يفتقر الاجتهاد إليه... والثاني: غير المعتبر، وهو الصادر عمن ليس بعارف بما يفتقر الاجتهاد إليه، لأن حقيقته أنه رأي بمجرد التشهي.. فكل رأي صادر عن هذا الوجه فلا مرية في عدم اعتباره، لأنه ضد الحق الّذي أنزله..."([cxxiv]). ويظهر من كلام الشاطبي إقراره بالاجتهاد في المسائل الظنية وليست القطعية أي في الفروع دون الأصول، وفي المسائل الجزئية دون الكلية، وان هذا الاجتهاد والخلاف معتبر.
ويقول القرطبي مبينا العلاقة بين المسلم وأخيه المسلم ولو كان مخالفا له: " وهذا كله حض على مكارم الأخلاق، فينبغي للإنسان أن يكون قوله للناس ليناً، ووجهه منبسطاً طلقاً مع البر والفاجر والسني والمبتدع من غير مداهنة، ومن غير أن يتكلم معه بكلام يظن أنه يرضي مذهبه،
ثم قال: وقال طلحة بن عمر: قلت لعطاء: إنك رجل يجتمع عندك ناس ذوو أهواء مختلفة، وأنا رجل فيَّ حدة، فأقول لهم بعض القول الغليظ، فقال: لا تفعل، يقول الله تعالى: )وقولوا للناس حسنًا(( 83: البقرة ) فدخل في هذه الآية اليهود والنصارى فكيف بالحنيفي" ([cxxv]) وتبين من كلام القرطبي أن أصحاب الأقوال الخاطئة و أصحاب الأهواء طالما انهم حنفاء فيجب معاملتهم معاملة طيبة وان يقال لهم قولا لينا وفي هذا الكلام دعوة للتسامح بين المسلمين.
وقال محمد بن أحمد الغنجار:" كان لابن سلام مصنفات في كل باب من العلم، وكان بينه وبين أبي حفص أحمد بن حفص الفقيه مودة وأخوة مع تخالفِهِما في المذهب" ([cxxvi]).
فمذهب ابن سلام هو مذهب أهل الحديث والأثر، ومذهب أبي حفص مذهب الحنفية في الإرجاء وغيره، ومع الاختلاف بينهما في مسائل الاعتقاد الفرعية، إلا أنهما كانا على مودة([cxxvii]).
ويقول التفتازاني: "والمجتهد في العقليات والشرعيات الأصلية والفرعية قد يخطئ ويصيب... والمجتهد غير مكلّف بإصابته لغموضه وخفائه فلذلك كان المخطئ معذورًا بل مأجورًا، فلا خلاف على هذا المذهب في أن المخطئ ليس بآثم"([cxxviii]). وكلام التفتازاني ظاهر في إقراره بالاجتهاد وبالتالي بالخلاف وأعذاره وعدم تأثيم المخطئ لأنه غير مكلف بالوصول إلى الحق وان كان مكلفا بالاجتهاد للغموض الذي قد يكون موجودا في النصوص. ونجد الشيخ جمال الدين الغزنوي يعرض الخلاف في مسائل عصمة الأنبياء والخلاف في مسالة القدر وفي مسالة أطفال المشركين ويقول بعد كل مسالة: (والقول السديد..) في هذه المسألة كذا وكذا.. دون أن يشنع على المخالف، وهذا إقرار منه باجتهاد وعدم تكفير المخالف في مثل تلك المسائل الفرعية([cxxix]).
ويقول محمد بن عبد الوهاب: "ثم اعلموا وفقكم الله، إن كانت المسألة إجماعاً فلا نزاع، وإن كانت مسائل اجتهاد فمعلومكم أنه لا إنكار في من يسلك الاجتهاد" ([cxxx]). ويظهر من هذا الكلام تفريقه بين المسائل المجمع عليها وفي الغالب يكون الإجماع على القضايا الكلية والتي دلالة النصوص عليها قطعية،وبين المسائل الاجتهادية فيرى أن الأولى لا يصح الاختلاف فيها و أما الثانية فلا ينكر من اجتهد واختلف معه فيها.
وفيما يلي أورد أقوال ومواقف بعض العلماء المعاصرين في الإقرار بمبدأ الاجتهاد في فروع الاعتقاد وإعذار المخالف وعدم تكفيره:
فيقول الشيخ عبد الرحمن السعدي: " إن المتأولين من أهل القبلة الّذين ضلوا وأخطأوا في فهم ما جاء في الكتاب والسنة مع إيمانهم بالرسول واعتقادهم صدقه في كل ما قال، وأن ما قاله كان حقًا، والتزموا ذلك لكنهم أخطأوا في بعض المسائل الخبرية أو العلمية، فهؤلاء قد دلّ الكتاب والسنة على عدم خروجهم من الدّين، وعدم الحكم لهم بأحكام الكافرين، وأجمع الصّحابة والتابعون ومن بعدهم من أئمة السلف على ذلك"([cxxxi]) ويرى في هذا القول أن المجتهد المتأول المخطئ لا يكفر ولا يخرج من دائرة الإسلام.
ويستنكر الشيخ محمد الغزالي رحمه الله على المسلمين تكفير بعضهم بعضا فيقول " واني لأقرأ في صحفنا الدينية اليوم نزاعاًً بين أتباع السلف والخلف –كما سموا أنفسهم – واسمع ألفاظ الكفر تتبادل كما تتبادل الكرة أرجل اللاعبين فأهز رأسي عجبا "([cxxxii]) وعبارته واضحة بإعذار المخالف في الاجتهاد وعدم تكفيره.
وأجد الشيخ عبد الرحمن حبنكة الميداني يورد الآراء الثلاثة المعتبرة في مسالة الصفات الخبرية من إثباتها أو تفويضها أو تأويلها، ثم يقول في معرض تعليقه على مذهب المؤولة: "وحين نلاحظ أن كبارًا من علماء المسلمين الذين هم مرجع للمسلمين في علوم الفقه والتفسير والحديث قد أخذوا بهذه الطريقة، يتأكد لدينا أن لهم رأيا لا يصح أن نضللهم فيه، مادام لهم وجهة نظر ذات حجة، ولهم نظائر في الشريعة مما اتفق المسلمون جميعا عليه. ولئن كانوا مخطئين في هذا، فهم ضمن شروط الاجتهاد المقبول، ولهم اجر على اجتهادهم الذي بذلوه ليصلوا إلى ما ينشدونه من حق "([cxxxiii]) ويظهر من كلامه أن المكلف به المسلم هو الاجتهاد وليس الوصول إلى الحق أو الصواب؛ فان اخطأ فانه يؤجر على اجتهاده ويعذر في خطئه.
ويفرق أ.د قحطان الدوري بين الأصل الديني وهو المتفق عليه بين المسلمين من الإيمان بالله وبالنبوة واليوم الآخر... والأصل المذهبي الذي يخص فرقة معينة ويرى أن المخالف في الديني كافر وان المخالف في الأصل المذهبي ليس من مذهب مخالفه ولكنه مسلم وليس بكافر([cxxxiv]) وهذا القول يقرر مبدأ الخلاف بين المسلمين وان المخالف في الفروع دون الأصول ليس بكافر.
المبحث الرابع
نظرية ابن تيمية في الاجتهاد في فروع الاعتقاد وضوابطه.
لابن تيمية نظرية في الاجتهاد في فروع الاعتقاد والاختلاف فيها، ويمكن من خلال استقراء النصوص الواردة عن ابن تيمية في هذا الموضوع استخلاص مفاصل هذه النظرية، وذلك وفق النقاط التالية:
أولا: يقرر مشروعية الاجتهاد في فروع الاعتقاد فيقول: " وعامة ما تنازعت فيه فرقة المؤمنين من مسائل الأصول وغيرها في باب الصفات والقدر والإمامة، وغير ذلك، فهو من هذا الباب، فيه المجتهد المصيب، وفيه المجتهد المخطئ "([cxxxv]).
ويظهر من كلام ابن تيمية في الاختلاف في مسائل الصفات في كون الصفات زائدة على الذات، أو غير زائدة، وفي تأويل الصفات الخبرية، وفي مسائل القدر حيث كان الخلاف في التفريق بين القضاء والقدر والتعليل في حكمة القدر، واختلافهم في الإمامة بين أبي بكر وعلي – رضي الله عنهما -، وغير ذلك من مسائل الخلاف بين الأمة في هذه القضايا وأمثالها، أن فيها المجتهد المصيب، والمجتهد المخطئ، فقد سماه مجتهدا، مع كونه مخطئا، وهذا إقرار منه بمشروعية الاجتهاد.
ثانيا: أن اختلاف الصحابة في فروع الاعتقاد مؤيد من مؤيدات المشروعية للاجتهاد في فروع الاعتقاد: وفي ذلك يقول: "وتنازعوا في مسائل علمية اعتقادية، كسماع الميت صوت الحي، وتعذيب الميت ببكاء أهله، ورؤية محمد ربه قبل الموت، مع بقاء الجماعة والألفة. وهذه المسائل منها ما أحد القولين خطأ قطعا،ً ومنها ما المصيب في نفس الأمر واحد عند الجمهور أتباع السلف، والآخر مؤد لما وجب عليه بحسب قوة إدراكه. وهل يقال له: مصيب أو مخطئ؟ فيه نزاع. ومن الناس من يجعل الجميع مصيبين ولا حكم في نفس الأمر، ومذهب أهل السنة والجماعة أنه لا إثم على من اجتهد وإن أخطأ"([cxxxvi]).
فقوله: " وتنازعوا في مسائل علمية اعتقاديه كسماع الميت صوت الحي...: فيه دلالة واضحة على اختلاف الصحابة – رضي الله عنهم – في فروع الاعتقاد من غير نكير بينهم، فدل ذلك على المشروعية.
ثالثا: يرى ابن تيمية عدم التفرقة بين مسائل الاعتقاد والفقه في جواز الاجتهاد فيهما، فيقول: " فمن كان من المؤمنين مجتهدا في طلب الحق، فإن الله يغفر له خطأه كائنا ما كان، سواء كان في المسائل النظرية أو العملية، هذا الذي عليه أصحاب النبي –e– وجماهير أمة الإسلام " ([cxxxvii]).
فقوله سواء كان في المسائل النظرية أو العملية، يدل دلالة صريحة على عدم التفرقة بينهما، حيث عبر عن المسائل الاعتقادية بالنظرية، والمسائل الفقهية بالعملية، ورأى أن القول بعدم التفريق بينهما في جواز الاجتهاد هو قول صحابة النبي –e– وجماهير أمة الإسلام.
رابعا: يفرق ابن تيمية بين الأصول والفروع من حيث جواز الاجتهاد، فيرى جوازه في الفروع دون الأصول، ويعبر عن ذلك بقوله: "الأصول الثابتة بالكتاب والسنة والإجماع هي بمنزلة الدين المشترك بين الأنبياء، ليس لأحد خروج عنها، ومن دخل فيها كان من أهل الإسلام المحض، وهم أهل السنة والجماعة، وما تنوعوا فيه من الأعمال والأقوال المشروعة فهو بمنزلة ما تنوعت فيه الأنبياء "([cxxxviii]).
فقوله: الأصول الثابتة بالكتاب والسنة والإجماع، هي الأصول التي لا يجوز الاجتهاد والاختلاف فيها،وقد شبهها بالدين المشترك بين الأنبياء من توحيد الله عز وجل والإيمان به والجزاء على ذلك يوم القيامة التي لا يجوز الخروج عنها، وأما فروع الاعتقاد فقد شبهها – رحمه الله – باختلاف شرائع الأنبياء، التي تنوعت عندهم، فإقراره بتنوعها يعني إقرارا بجوازالاجتهاد والاختلاف في هذه الفروع.
خامسا: ويضع ابن تيمية شروطا للاجتهاد، أساسها النظر في الأدلة الشرعية المعتبرة بقصد الوصول إلى الحق الذي أراده الله وأراده رسوله e، وعليه: فلا كرامة لمن صدر في رأيه عن العقل المجانب للشرع، أو عن الرؤى المنامية ولا لمن صدر عن الهوى والعصبية، وفي هذا المعنى يقول: "فالمذاهب والطرائق والسياسات للعلماء والمشايخ والأمراء إذا قصدوا بها وجه الله دون الأهواء ليكونوا مستمسكين بالملة والدين الجامع الذي هو عبادة الله وحده لا شريك له، واتبعوا ما أنزل إليهم من ربهم من الكتاب والسنة بحسب الإمكان بعد الاجتهاد التام، هي لهم من بعض الوجوه بمنزلة الشرع والمناهج للأنبياء، وهم مثابون على ابتغائهم وجه الله وعبادته وحده لا شريك له، وهو الدين الأصلي الجامع"([cxxxix]).
ويظهر من خلال هذا النص ما يضع ابن تيمية من شروط للاجتهاد من الإخلاص وعدم اتباع الهوى والتمسك بالملة و الدين الجامع الذي يجمع بين المسلمين ولا يفرقهم من عبادة الله وحده لا شريك له وأن يكون أساس الاجتهاد مبنيا على الكتاب والسنة وليس على العقل أو على غيره من الأدلة غير المعتبرة في الشرع.
سادسا: مسوغات الاجتهاد في فروع الاعتقاد: فيقول: " وكثير من مجتهدي السلف والخلف قد قالوا وفعلوا ما هو بدعة ولم يعلموا أنه بدعة، إما لأحاديث ضعيفة ظنوها صحيحة، وأما لآيات فهموا منها ما لم يُرد منها، وأما لرأي رأوه، وفي المسألة نصوص لم تبلغهم، وإذا اتقى الرجل ربه ما استطاع دخل في قوله تعالى: " ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا" ( 286: البقرة ) وفي الصحيح قال: قد فعلت "([cxl]).
ويظهر من هذا النص مبررات الاجتهاد والاختلاف عند ابن تيمية، نظرا لاختلاف المجتهدين في صحة الأحاديث أو ضعفها، أو أن بعض النصوص لم تصلهم، أو أنهم اختلفوا في فهمهم لتلك النصوص، أو أخطأوا فان الله لا يؤاخذهم، كما أشار دعاء المؤمنين في الآية ويستجيب الله دعاءهم كما اخبر الحديث.
سابعا:أنه يعذر المخالف([cxli]) وفي ذلك يقول: "والخطأ المغفور في الاجتهاد هو في نوعي المسائل الخبرية والعلمية كما قد بسط في غير موضع كمن اعتقد ثبوت شيء لدلالة آية أو حديث وكان لذلك ما يعارضه ويبين المراد ولم يعرفه مثل من اعتقد أن الذبيح إسحاق لحديث اعتقد ثبوته أو اعتقد أن الله لا يُرى لقوله: )لا تدركه الأبصار(( 103: الأنعام ) ولقوله: )وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أو مِن وَرَاء حِجَابٍ(( 51: الشورى ) نقل عن بعض التابعين أن الله لا يرى، وفسروا قوله )وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَىٰ رَبّهَا نَاظِرَةٌ(( 22-23: القيامة) بأنها تنتظر ثواب ربها كما نقل عن مجاهد وأبي صالح.. أو اعتقد أن الله لا يعجب كما اعتقد ذلك شريح لاعتقاده أن العجب إنما يكون من جهل السبب، والله منزه عن الجهل.
وكما أنكر طائفة من السلف والخلف أن الله يريد المعاصي لاعتقادهم أن معناه أن الله يحب ذلك ويرضاه ويأمر به.. وكالذي قال لأهله: (إذا أنا متُّ فأحرقوني ثم ذروني في اليم فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين) ([cxlii]) وكثير من الناس لا يعلم ذلك إما لأنه لم تبلغه الأحاديث وأما لأنه ظن أنه كذب وغلط"([cxliii]).
ويقول: "وأما غير هؤلاء فيقول هذا قول السلف وأئمة الفتوى كأبي حنيفة والشافعي والثوري وداود بن علي وغيرهم لا يؤثمون مجتهدًا مخطئًا في المسائل الأصولية الفروعية كما ذكر عنهم ابن حزم وغيره ولهذا كان أبو حنيفة والشافعي وغيرهما يقبلون شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية ويصححون الصلاة خلفهم" ([cxliv]).
فقوله: "لا يؤثّمون مجتهدًا مخطئًا في المسائل الأصولية الفروعية كما ذكر عنهم ابن حزم وغيره" يدل دلالة صريحة على إعذار المجتهد المخطىء، خاصة إذا بذل جهده في الوصول إلى الحق ثم لم يصل إليه، وفي ذلك يقول: "... إن الله أمر كلاًّ منهم أن يطلب الحق بقدر وسعه وإمكانه، فإن أصابه كان خيرا، وإلا فلا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، وقد قال المؤمنون: )رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أو أَخْطَأْنَا( " (286: البقرة ) وقال الله قد فعلت، وقال تعالى: ) وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ("( 5: الاحزاب ) فمن ذمهم ولامهم على ما لم يؤاخذهم الله عليه، فقد اعتدى، ومن أراد أن يجعل أقوالهم وأفعالهم بمنزلة قول المعصوم وفعله وينتصر لها بغير هدى من الله فقد اعتدى، واتبع هواه بغير هدى من الله، ومن فعل مثلما أمر به بحسب حاله من اجتهاد يقدر عليه أو تقليد إذا لم يقدر على الاجتهاد، وسلك في تقليده مسلك العدل، فهو مقتصد، إذ الأمر مشروط بالقدرة) لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ("( 286: البقرة ) فعلى المسلم في كل موطن أن يسلم وجهه لله وهو محسن، ويدوم على هذا الإسلام "([cxlv]).
وقد كانت عبارته صريحة في إعذار المخالف، وأن عدم الإعذار اعتداء على شرع الله، فقد قال: "فمن ذمهم ولامهم على ما لم يؤاخذهم الله به، فقد اعتدى".
ثامنا: عدم تكفير المجتهد المخالف: يقول في ذلك " ولا يجوز تكفير المسلم بذنب يفعله ولا خطأ أخطأ فيه كالمسائل التي تنازع فيها أهل القبلة"([cxlvi]) ويقول: " وأهل السنة لا يبتدعون قولاً ولا يكفرون من اجتهد فأخطأ، وإن كان مخالفهم مكفراً لهم مستحلاً لدمائهم"([cxlvii]) ويقول: "وكذلك سائر الثنتين والسبعين فرقة... ومن كان منهم مؤمنا بالله ورسوله في الباطن لم يكن كافرا,وإن كان أخطأ التأويل كائنا من كان أخطاؤه ومن قال:إن هذه الثنتين والسبعين كل واحد منهم يكفر كفرا ينقل عن الملة فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع الصحابة, بل وإجماع الأئمة الأربعة وغير الأربعة,فليس فيهم من كفر كل واحد من الثنتين و السبعين فرقة"([cxlviii]) وفي هذه الأقوال يظهر جليًا أن ابن تيمية لا يكفر أحدًا من المسلمين إذا كان قوله صادرًا عن اجتهاد في النص، وإنما يكفر من يخالف كتاب الله عزّ وجلّ وسنة نبيه e وإجماع الأمة.
تاسعا: أن المصيب فيها له أجران، والمخطئ له أجر: وفي ذلك يقول معلقا على حديث النبي e: "خير الكلام كلام الله عز وجل، وخير الهدي هدي محمد e وشر الأمور محدثاتها ([cxlix]) ولم يقل: وكل ضلالة في النار، بل لا يضل عن الحق من قصد الحق واجتهد في طلبه فعجز عنه، فلا يعاقب، وقد يفعل بعض ما أمر به، فيكون له أجر على اجتهاده، وخطؤه الذي ضل فيه عن حقيقة الأمر مغفور له"([cl]).
وظاهر من كلامه أنه رتب الأجر للمجتهد المخطئ، وخطؤه مغفور له عند الله سبحانه وتعالى
عاشرا: الاجتهاد والاختلاف في فروع الاعتقاد لا يزيل الولاء بين المسلمين: ويرى أن الاختلاف في مسائل الاعتقاد لا يفرق الأمّة، ولا يزيل الوحدة بينهم، و يبقي الولاء بين المسلمين، ويصلى المسلم المخالف لهم بصلاتهم ويحضر الأعياد معهم، بل إن الإمام ابن تيميه يمدح ويثني على المخالف المستحق للمدح من أشاعرة وصوفية وغيرهم ونجد في هذه المعاني عدة نصوص منها قوله في وصف السلف.: "كانوا يتناظرون في المسائل العلمية والعملية مع بقاء الألفة والعصمة وأخوة الدين، ولو كان كلما اختلف مسلمان في شيء تهاجرا لم يبق بين المسلمين عصمة ولا أخوة" ([cli]). ثم يورد أدلة واستنباطات تدلل على ما ذهب إليه فيورد قصة أسامة بن زيد حيث قتل رجلاً بعد ما قال: لا إله إلا
الله، وعظم على النبي r ذلك لما أخبره وقال: (يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟) وكرر ذلك عليه حتى قال أسامة: تمنيت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ([clii]). ومع هذا لم يوجب عليه قودًا, ولا دية, ولا كفارة, لأنه كان متأولاً ظن جواز قتل ذلك القائل لظنه أنه قالها تعوذًا و حاميا لنفسه من القتل فقال له النبي e:(هلا شققت عن قلبه).
ومع قتال المسلمين بعضهم لبعض في قتال الفتن فانهم لم يكفروا من قاتلوه وهكذا السلف قاتل بعضهم بعضا من أهل الجمل وصفين ونحوهم وكلهم مسلمون مؤمنون كما قال تعالى: )وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين(( 9: الحجرات ) فقد بين الله تعالى أنهم مع اقتتالهم, وبغي بعضهم على بعض إخوة مؤمنون, وأمر بالإصلاح بينهم بالعدل، ولهذا كان السلف مع الاقتتال يوالي بعضهم بعضا موالاة الدين, لا يعادون كمعاداة الكفار, فيقبل بعضهم شهادة بعض, ويأخذ بعضهم العلم عن بعض ويتوارثون ويتناكحون ويتعاملون بمعاملة المسلمين بعضهم مع بعض, مع ما كان بينهم من القتال والتلاعن وغير ذلك.
وقد ثبت في الصحيح أن النبي r سأل ربه(أن لا يهلك أمته بسنة عامة فأعطاه ذلك, وسأله أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم فأعطاه ذلك, وسأله أن لا يجعل بأسهم بينهم فلم يعط ذلك، وأخبر أن الله لا يسلط عليهم عدوًا من غيرهم يغلبهم كلهم حتى يكون بعضهم يقتل بعضًا وبعضهم يسبي بعضًا)([cliii]).
وثبت في الصحيحين لما نزل قوله تعالى: )قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم(( 65: الأنعام ) قال: "أعوذ بوجهك" )أومن تحت أرجلكم(( 65: الأنعام ) قال "أعوذ بوجهك" )أو يلبسكم شيعًا ويذيق بعضكم بأس بعض(( 65: الأنعام ) قال "هاتان أهون"([cliv]).
هذا مع أن الله أمر بالجماعة والائتلاف, ونهى عن البدعة والاختلاف, وقال: )إن الّذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في شيء(( 159: الأنعام ) وقال النبي r: (عليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة)([clv]) وقال: (الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد) ([clvi]) وقال: (الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم والذئب إنما يأخذ القاصية والنائية من الغنم) ([clvii]).
ثم يبين جوانب الولاء العملي بين المسلمين ويذكر بالواجب على المسلم إذا صار في مدينة من مدائن المسلمين أن يصلي معهم الجمعة والجماعة ويوالي المؤمنين ولا يعاديهم, وإن رأى بعضهم ضالاً أو غاويًا وأمكن أن يهديه ويرشده فعل ذلك, وإلا فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها, وإذا كان قادراً على أن يولي في إمامة المسلمين الأفضل ولاه, وإن قدر أن يمنع من يظهر البدع والفجور منعه. وإن لم يقدر على ذلك فالصلاة خلف الأعلم بكتاب الله وسنة نبيه الأسبق إلى طاعة الله ورسوله أفضل, كما قال النبي r في الحديث الصحيح: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله, فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة, فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة, فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا) ([clviii]).
وإن كان في هجره لمظهر البدعة والفجور مصلحة راجحة هجره, كما هجر النبي r الثلاثة الّذين خلفوا حتى تاب الله عليهم. وأما إذا ولي غيره بغير إذنه وليس في ترك الصلاة خلفه مصلحة شرعية كان تفويت هذه الجمعة والجماعة جهلاً وضلالاً, وكان قد رد بدعة ببدعة.
حتى أن المصلي الجمعة خلف الفاجر اختلف الناس في إعادته الصلاة وكرهها أكثرهم, حتى قال أحمد بن حنبل في رواية عبدوس: من أعادها فهو مبتدع. وهذا أظهر القولين, لأن الصحابة لم يكونوا يعيدون الصلاة إذا صلوا خلف أهل الفجور والبدع, ولم يأمر الله تعالى قط أحدا إذا صلى كما أمر بحسب استطاعته أن يعيد الصلاة. ولهذا كان أصح أقوال العلماء أن من صلى بحسب استطاعته أن لا يعيد حتى المتيمم لخشية البرد ومن عدم الماء والتراب إذا صلى بحسب حاله, والمحبوس وذوو الأعذار النادرة والمعتادة والمتصلة والمنقطعة لا يجب على أحد منهم أن يعيد الصلاة إذا صلى الأولى بحسب استطاعته.
وقد ثبت في الصحيح أن الصحابة صلوا بغير ماء ولا تيمم لما فقدت عائشة عقدها ولم يأمرهم النبي e بالإعادة([clix]) بل أبلغ من ذلك أن من كان يترك الصلاة جهلا بوجوبها لم يأمره بالقضاء, فعمرو وعمار لما أجنبا وعمرو لم يصل وعمار تمرّغ كما تتمرّغ الدابة لم يأمرهما بالقضاء, وأبو ذر لما كان يجنب ولا يصلي لم يأمره بالقضاء, والمستحاضة لما استحاضت حيضة شديدة منكرة منعتها الصلاة والصوم لم يأمرها بالقضاء.
والذين أكلوا في رمضان حتى يتبين لأحدهم الحبل الأبيض من الحبل الأسود لم يأمرهم بالقضاء, وكانوا قد غلطوا في معنى الآية فظنوا أن قوله تعالى: )حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر(( 187: البقرة ) هو الحبل فقال النبي r: (إنما هو سواد الليل وبياض النهار) ([clx]) ولم يأمرهم بالقضاء؛ والمسيء في صلاته لم يأمره بإعادة ما تقدم من الصلوات, والذين صلوا إلى بيت المقدس بمكة والحبشة وغيرهما بعد أن نسخت (بالأمر بالصلاة إلى الكعبة) وصاروا يصلون إلى الصخرة حتى بلغهم النسخ لم يأمرهم بإعادة ما صلوا, وإن كان هؤلاء أعذر من غيرهم لتمسكهم بشرع منسوخ.
ويتضح من أقوال ابن تيمية رأيه بوضوح انه لا يكفر المسلمين عموما سواء كان المخالف من أهل السنة والجماعة أو من غيرهم ([clxi]).
وقد أكثرت من أقوال ابن تيميه لبيان رأيه بوضوح لأن بعض من ينتسب إليه ينسب مبدأ تكفير المخالف ولو في مسائل جزئية إليه، وأن بعض من لم يطلع على مثل هذه الأقوال يتهمه بتكفير المسلمين.
وبعد فهذه هي بعض الأقوال من مختلف المذاهب والمدارس الفكرية سواء المذهب الحنبلي أو الشافعي أو المالكي أو الحنفي أو السلفي أو الأشعري أو الماتردي أو الظاهري أو غيرهم تجمع على حقيقة؛ أنه يجوز الاجتهاد والاختلاف في المسائل الظنية الثبوت أو الدلالة والتي يطلق عليها مصطلح فروع الاعتقاد.
الخاتمة
بعد استكمال عناصر هذا البحث فقد توصل الباحث إلى النّتائج التالية:
أولا: أن الاجتهاد لا يدخل في المسائل الأصوليّة –التي ثبوتها قطعي ودلالتها قطعية - في الاعتقاد كما هو في الفقه.
ثانيا: أن الاجتهادَ فيما كان ظنّيّ الثبوت، ظني الدلالة أو كان قطعي الثبوت ظني الدلالة جائز، ولا خلاف فيه.
ثالثا: إنّه لا فرقَ بين الاجتهاد في مسائل الاعتقاد، ومسائل الفقه فيما يصح الاجتهاد والاختلاف فيه.
رابعا: الخلاف بين الأصول والفروع في الاعتقاد من حيث الاجتهاد لابد من حسمه، فأجاز جمهور العلماء الاجتهاد في فروع الاعتقاد، وأما الاجتهاد في أصول الاعتقاد فلم يجزه أحد من علماء الأمة.
خامساً: أن هناك أدلة من الكتاب والسنة اختلف فيها الصحابة y ومن بعدهم من التابعين والعلماء.
سادساً: إنه كما يؤجر المجتهد المخطئ في مسائل الفقه، كذلك يؤجر المخطئ في مسائل الفروع في الاعتقاد التي تقبل الاجتهاد.
سابعاً: أقر العلماء المحققون بنتائج الاجتهاد في فروع الاعتقاد واعتبروها، ولم يفسقوا المخالف ولم يبدعوه، وأبقوا على الوحدة والموالاة بين المسلمين.
ثامناً: أظهر البحث مبررات الاجتهاد ومسوغاته عموماً، وفي فروع الاعتقاد بوجه خاص.
وبعد فإن الباحث يوصي علماء المسلمين أن يميّزوا للأمة بين أصول الاعتقاد وفروعها، وأن يوضحوا حكم الاختلاف في أصول العقائد وفروعها، وأن يعتبروا الإيمان بأصول الاعتقاد هو الأساس في اعتبار الرجل مسلمًا دون الفروع التي هي محل للاجتهاد والاختلاف، واعتبار هذه الأصول هي مناط الأخوة و الولاء بين المسلمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
--------------------------------------------------------------------------------
()جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور(توفي 711هـ) ، لسان العرب، دار الفكر، بيروت، مادة: "جهد": 3/ 133.
([ii]) محمد بن يعقوب الفيروز آبادي(توفي826 هـ)، القاموس المحيط، مؤسسة الرسالة، بيروت، د.ت: ص: 269.
([iii]) يذكر الأصوليون للمجتهد شروطا لابد من توافرها حتى يكون أهلا للاجتهاد، وهي أن يكون مسلمًا بالغًا عاقلاً، فقيه النفس، صحيح الفهم عالما بمصادر الأحكام من كتاب وسنة وإجماع وقياس، وبالناسخ والمنسوخ، عالما بآيات الأحكام، وعالما بالحديث متنا وسندا عالما باللغة العربية نحوها وصرفها وبلاغتها، عالما بأصول الفقه هذا ما يتعلق بالمجتهد المطلق، أما مجتهد المسألة، فيشترط فيه أن يكون عارفا بما تتطلبه المسألة والحكم الشرعي الخاص، وانظر هذه الشروط: علي محمد الآمدي(توفي 632هـ)، الإحكام في أصول الأحكام، تعليق: عبد الرزاق عفيفي،: 4/ 162-164، وبدر الدين محمد بن بهادر بن عبد الله الشافعي الزركشي، البحر المحيط حرره عبد الستار ابو غدة 1992ط2: 6/ 199-206، و محمد بن علي بن محمد الشوكاني(توفي 1250هـ)، إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، دار المعرفة، بيروت.، ص: 251 –252، والشنقيطي، محمد الأمين، مذكرة أصول الفقه، المكتبة السلفية، باب الرحمة، المدينة النبوية، ص: 311-312، وسليم رستم، شرح المجلة، المطبعة الأدبية، بيروت، ط3. ص: 25-26.
([iv]) يذكر الأصوليون أن معرفة الحكم الشرعي من دليله القطعي لا يسمى اجتهادا، الأنصاري، مسلم الثبوت، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، المصورة من ط1 بالمطبعة الأميرية ببولاق، مصر 1324هـ. 2/ 362.
([v]) انظر تعريف الاجتهاد: ، عثمان بن عمرو ابن الحاجب(توفي 646هـ) ، منتهى الوصول والأمل في علمي الأصول والجدل، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1985م. ص: 209.
([vi]) وانظر تعريفات أخرى للاجتهاد، الشوكاني، إرشاد الفحول، ص: 250-251، ويذكر الفقهاء نوعا آخر من الاجتهاد سوى الاجتهاد في الأدلة الشرعية، وذلك ما يحتاجه المسلم عند قيامه ببعض العبادات عند حصول الاشتباه؛ كأن يجتهد في تحديد القبلة؛ لأجل استقبالها في صلاته، والاجتهاد عند اشتباه الثياب الطاهرة بالنجسة إذا لم يجد غيرها، أو ماء طهور بماء نجس لم يجد غيرهما، وانظر: وزارة الأوقاف الكويتية، الموسوعة الفقهية، 1/ 318.
([vii])الإمام أبو حامد محمد بن محمد الغزالي(توفي505 هـ) المستصفى من علم الأصول، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، المصورة من ط1 بالمطبعة الأميرية ببولاق، مصر 1324هـ.: 2/ 101.
([viii]) ابن الحاجب، ، منتهى الوصول والأمل في علمي الأصول والجدل، ص: 209. ومن أراد التوسع في مفهوم الاجتهاد، ومجالاته، فليرجع إلى بحث الدكتور محمد خالد منصور بعنوان: "دلالة قاعدة لا مساغ للاجتهاد في مورد النص قطعي الثبوت والدلالة عند الأصوليين وتطبيقاتها في الفقه الإسلامي والقانون المدني الأردني، مجلة دراسات، الجامعة الأردنية، علوم الشريعة والقانون، مجلد 27، العدد 2/ 2000.
[ix]) ) اسماعيل بن حماد الجوهري، الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية،تحقيق احمد عبد الغفور عطار، طبع على نفقة السيد حسن عباس الشربتلي 1982، 4/ 1623
[x]) ) المصدر السابق 3/ 1256
[xi]) ) الإمام مسعود بن عمر بن عبد الله سعد الدين التفتازاني ( توفي793 هـ )، شرح المقاصد، تحقيق د: عبد الرحمن عميرة، عالم الكتب بيروت، ط1 1409 هـ -1989م، 1/ 29.
[xii]) ) المصدر السابق 1/ 28
([xiii])أبو حامد محمد بن محمد الغزالي( توفي 505 هـ )، فيصل التفرقة،ضبطه وقدم له: رياض مصطفى العبد الله، دار الحكمة دمشق، 1986م. ص: 147 أبو عبد الله محمد بن المرتضى اليماني بن الوزير،إيثار الحق على الخلق، كتب هوامشه وصححه جماعة من العلماء بإشراف الناشر دار الكتب العلمية بيروت لبنان ط1 1983. ص: 376، محمد بن إبراهيم الوزير اليماني، العواصم من القواصم في الذب عن سنة أبي القاسم، حققه شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، ط 1 1992 م: 4/ 177.
([xiv])أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية(توفي728 ه) ، منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية، مكتبة الرياض الحديثة، الرياض السعودية، 3/ 22-23.
([xv]) وقد توسع في بحث هذه المسألة، ونصوص العلماء في التفريق بين الأصول والفروع في مسائل الاعتقاد أبو العلا بن راشد بن أبي العلا الراشد، في كتابه: عارض الجهل وأثره على أحكام الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة، مكتبة الرشد، الرياض، ط2، 2003 م. " ص: 78-98.
([xvi])أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية (توفي 728هـ)، تحقيق د0 محمد رشاد سالم، الاستقامة، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ط1، 1403هـ، 1983، 1/ 24.
([xvii])أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية(توفي 728هـ) مجموع الفتاوى، جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد العاصمي، تصوير ط 1 1398هـ. 15/ 158- 161.
([xviii])مسلم بن حجاج النيسابوري(توفي 261ه)، صحيح مسلم، طبعة دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1374هـ، 1954م الصحيح: 1/ 36 (8).
([xix]) الحسين بن مسعود البغوي، شرح السنة، المكتب الإسلامي، تحقيق: شعيب الأرناؤوط وزهير الشاويش، د.ت.ط.: 1/ 229.
([xx]) الإمام أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الآمدي (توفي632هـ) ، أبكار الأفكار، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 20023/ 183
([xxi])محمد بن أبى بكر بن أيوب بن سعد بن حريز الزرعي ، شمس الدين أبي عبد الله بن قيم الجوزية (توفي751 هـ)، مختصر القواعد المرسلة على الجهمية والمعطلة، تحقيق سيد إبراهيم، دار الحديث 1994 م، ص: 572.
([xxii])أحمد بن حسين البيهقي(توفي 458هـ) ، الاعتقاد، أحمد عصام الكاتب، دار الآفاق الجديدة، بيروت، 1401هـ، ط1، ص: 234.
([xxiii])شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد ابن أبي بكر، الجامع لأحكام القرآن، ط2 سنة1372، دار الشعب، 15/ 86
([xxiv])أحمد بن علي ابن حجر(توفي 852هـ)، العسقلاني، فتح الباري شرح صحيح البخاري، دار المعرفة، بيروت: 10/ 466.
([xxv]) فتح الباري: 12/ 202.
([xxvi])عبد الرحمن بن الحديثة، أبي بكر السيوطي(توفي 911هـ) ،تدريب الراوي، تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف، مكتبة الرياض الرياض، 1/ 324.
[xxvii]) ) راجع ابن منظور ، لسان العرب 3/ 296-299
[xxviii]) ) د: حسن الشافعي، المدخل إلى دراسة علم الكلام، ص: 25.
[xxix]) ) د:عمر سليمان الأشقر، العقيدة في الله، مكتبة الفلاح الكويت، ط6 1989م، ص: 9.
([xxx]) وليس المجال للتفصيل في حكم الاجتهاد، ولا عرض أدلته، وإنما المقصود التنبيه إلى أصل حكمه.
([xxxi]) أخرجه سليمان بن الأشعث بن اسحق أبو داود السجستاني(توفي 275هـ) فيسنن أبو داود: 3/ 303 (3592) والترمذي في سننه، محمد بن عيسى بن سورة(توفي 279هـ)، الجامع الصحيح (سنن الترمذي) مراجعة أحمد شاكر، دار إحياء التراث العربي، بيروت: 3/ 616 (1327) وقال الألباني: ضعيف، وأحمد بن حنبل في، المسند انظر: الإمام أحمد بن حنبل(توفي 241هـ)، مسند الإمام احمد شرح وتحقيق: أحمد شاكر، دار المعارف بمصر 1365هـ: 5/ 230 (22060).
([xxxii]) أنظر د: حسن الشافعي،المدخل إلى دراسة علم الكلام،إدارة القران والعلوم الإسلامية كراتشي باكستان، 1988م، ص: 26. وقد نسب سعد الدين التفتازاني هذا القول إلى بعض علماء الملة، شرح المقاصد: 1/ 29.
([xxxiii]) ابن تيمية، الاستقامة: 1/ 37.
([xxxiv]) وانظر: هيتو، محمد حسن، الوجيز في أصول التشريع الإسلامي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1983م.، ص: 506، ومحمد سعيد الباني، عمدة التحقيق في التقليد والتلفيق، المكتب الإسلامي، بيروت، 1981م، ص: 49.
([xxxv]) إذا كان النص قرآنًا، فهو قطعي الثبوت، ولكن قد تكون دلالته قطعية أو ظنية، وإذا كان النص سنة فقد يكون قطعي الثبوت والدلالة، وقد يكون ظني الثبوت والدلالة، وقد يكون قطعي الثبوت ظني الدلالة، وقد يكون ظني الثبوت قطعي الدلالة انظر ما سبق بتصرف، شعبان زكي الدين، أصول الفقه الإسلامي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2. ص: 416، والأيوبي، محمد هشام، الاجتهاد ومقتضيات العصر، دار الفكر، عمان. ص: 45- 46.
([xxxvi])محمد الدسوقي، الاجتهاد والتقليد في الشريعة الإسلامية، دار الثقافة، قطر، ط 1: ص: 82.
([xxxvii]) وانظر المعنى السابق بتصرف، محمد الدسوقي، الاجتهاد والتقليد في الشريعة الإسلامية، ص: 78-80.
([xxxviii])أبو إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المالكي الشاطبي، ، ( ت: 790هـ ) الاعتصام، دار إحياء الكتب العربية فيصل عيسى البابي الحلبي.: 2/ 168.
([xxxix]) الشاطبي، الاعتصام: 2/ 200.201
([xl]) ابن تيمية،مجموع الفتاوى: 19/ 117-126.
([xli]) ابن تيمية، مجموع الفتاوى: 19/ 117-126.
([xlii])محمد بن إبراهيم الوزير اليماني، العواصم من القواصم في الذب عن سنة أبي القاسم، حققه شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، ط 1 1992 م: 4 / 176-177.
([xliii]) عبد الرحمن بن القاسم القحطاني النجدي، الدرر السنية ، الدرر السنية، دار العربية للطباعة والنشر، ط 3، 1978م: 1/ 43.
([xliv])أبو عبد الله، محمد بن إسماعيل البخاري(توفي 256هـ)، صحيح البخاري، ترتيب مصطفى ديب البغا، دار ابن كثير، بيروت، 1407هـ = 1988م حديث رقم: (733) 1/ 277، ومسلم ، صحيح مسلم،: 1/ 163 (299).
([xlv])انظر علي بن علي بن محمد بن أبي العزّ الحنفي(توفي 792هـ)، شرح العقيدة الطحاوية، ضبط: أحمد شاكر، الناشر: زكريا علي يوسف، د.ت. ص: 118.
([xlvi])أحمد بن علي بن المثنى أبو يعلى الموصلي التميمي(توفي 307هـ)، مسند أبي يعلى، تحقيق: حسين سليم أسد، دار المأمون للتراث – دمشق، ط 1، 1404 – 1984، الأحاديث مذيلة بأحكام حسين سليم أسد عليها: 8/ 305 (4901) قال حسين سليم أسد: إسناده صحيح.
([xlvii]) أخرجه مسلم في الصحيح: 1/ 161 (179).
([xlviii]) أخرجه مسلم في الصحيح: 1/ 161 (178).
([xlix]) أخرجه مسلم في الصحيح : 1/ 161 (178).
([l]) ابن أبى العز الحنفي، شرح العقيدة الطحاوية ص: 116-117.
([li]) ابن أبي العز الحنفي، شرح العقيدة الطحاوية ص: 145 -146.
55)) الترمذي، السنن :4/110 (1535) وقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
([liii]) ابن أبي العز الحنفي، شرح العقيدة الطحاوية ص: 156-158
([liv]) ابن أبي العز الحنفي، شرح العقيدة الطحاوية ص: 180-180.
([lv]) ابن تيمية،مجموع الفتاوى: 19/ 140-141.
[lvi]) ) الطبري ، تفسير الطبري ، دار المعارف ، 2/530 رجاله ثقات
([lvii])عماد الدين أبي الفداء إسماعيل ابن كثير القرشي الدمشقي(توفي774 هـ)، تفسير القرآن العظيم، دار المعرفة، ط1، 1407هـ، 1987م، 1/401
([lviii]) الترمذي، السنن: 5/ 189.
([lix]) محمد بن جرير الطبري( توفي 310هـ)، تفسير الطبري، طبعة دار إحياء التراث العربي د.ت : .1/ 400-401 ورجاله ثقات.
([lx]) الطبري،تفسير الطبري: 1/ 402-403.
([lxi]) الطبري،تفسير الطبري: 5/ 401، ابن كثير، تفسير ابن كثير: 1/ 309.
(69 ) ابن أبي العز الحنفي، شرح العقيدة الطحاوية ص: 87-88.
([lxiii]) ابن أبي العز الحنفي، شرح العقيدة الطحاوية ص: 87-88.
([lxiv]) كمال الدين محمد بن محمد بن أبي بكر بن علي بن أبي شريف،حاشية كتاب المسامرة شرح المسايرة في العقائد المنجية في الآخرة، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1423 هـ، 2002م.ص:185وانظر د. قحطان الدوري، أصول الدين الإسلامي د. قحطان الدوري، أصول الدين الإسلامي ط2، دار الفكر العربي الأردن عمان ص: 205-206، وانظر: د. محمد الملكاوي وآخرون، عقيدتنا الإسلامية، الأكاديميون للنشر والتوزيع، ط1، 2004م ، ص:227-228
([lxv])سعد الدين التفتازاني،، شرح المقاصد،5/ 5، و انظر: د. عمر سليمان الأشقر، الرسل والرسالات، مكتبة الفلاح الكويت، ط 3، 1405، 1985 م، ص: 15.
([lxvi]) انظر: كمال الدين بن أبي شريف، المسامرة ص: 190- 191 وانظر د. قحطان الدوري ، أصول الدين ص: 212.
([lxvii])الإمام احمد، مسند الإمام احمد، 5/ 265 (22342) وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده ضعيف جداً، وقال الألباني: صحيح.
([lxviii]) انظر: سعد الدين التقتازاني، شرح المقاصد: 5/ 61، و انظر: د. قحطان الدوري أصول الدين ص: 230. وانظر ابن قطلوبغا حاشية على المسايرة ص:193-194، وانظر: عمر سليمان الأشقر، الرسل والرسالات، ص: 86، 89.
([lxix]) الآمدي، أبكار الأفكار، 3/ 149.
([lxx]) سعد الدين التقتازاني شرح المقاصد: 5/ 49- 50، وانظر: د. قحطان الدوري أصول الدين ص: 218-221.
([lxxi]) انظر ابن أبي العز الحنفي ، شرح العقيدة الطحاوية ص: 211-212.
[lxxii] ) ) الآمدي، أبكار الأفكار، 3/ 149
([lxxiii]) الطبري، تفسير الطبري، 25/ 132
([lxxiv]) المصدر السابق، 25/ 134. وانظر يوسف الوابل، اشراط الساعة ، دار ابن الجوزي 1421 ه ص: 384-387،
([lxxv]) انظر ابن حجر: فتح الباري: 13/ 79-80.
([lxxvi]) انظر المصدر السابق: 13/ 325- 329.
([lxxvii]) انظر المصدر السابق: 13/ 91، وانظر محمد بن رسول البرزنجي الحسيني(توفي1103 ه) الإشاعة لأشراط الساعة، دار ابن حزم، بيروت، ط1، 1424 هـ/ 2003م، ص: 203وانظر: أبو الطيب محمد صديق خان القنوجي، ، الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة، بعناية: بسام عبد الوهاب الجابي، دار ابن حزم، بيروت، ط1، 1421 هـ، 2000م، ص: 193.
([lxxviii]) محمد بن حبان بن أحمد بن حبان التميمي(توفي 254هـ)، صحيح ابن حبان ، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 3، 1414هـ تحقيق شعيب الانؤوط: 15/ 211 (6800) وقال: "... والذي معه يرى أنه ماء ولا ماء".
([lxxix]) أخرجه البخاري في صحيح البخاري: 6/ 2606 (6705) ومسلم في صحيح مسلم: 3/ 1693 (2152).
([lxxx]) البرزنجي: الإشاعة لأشراط الساعة ص: 210.
([lxxxi]) أخرجه مسلم في صحيح مسلم: 2/ 2248 (2934).
([lxxxii]) أخرجه محمد بن يزيد ابن ماجه(توفي 275هـ)، سنن ابن ماجه، ترتيب محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر، بيروت، د.ت : 2/ 1340 (4039) قال: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ الْجَنَدِيُّ عَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e قَالَ: (لا يَزْدَادُ الأَمْرُ إِلا شِدَّةً وَلا الدُّنْيَا إِلا إِدْبَارًا وَلا النَّاسُ إِلا شُحًّا وَلا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلا عَلَى شِرَارِ النَّاسِ وَلا الْمَهْدِيُّ إِلا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ).
([lxxxiii]) أخرجه محمد بن عبد الله، أبو عبد الله الحاكم النيسابوري(توفي 405هـ)، المستدرك على الصحيحين، دار الكتب العلمية، بيروت، 1411هـ، 1990م، ط1، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا.:: 4/ 547 (8531) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
([lxxxiv]) أخرجه ابن ماجة، سنن ابن ماجة، 2/ 1366 (4082) قال الشيخ الألباني: ضعيف.
([lxxxv])محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حريز الزرعي ، شمس الدين أبي عبد الله بن قيم الجوزية (توفي751 هـ) المنار المنيف في الصحيح والضعيف تحقيق محمود مهدي استانبولي ص: 145-150، والبرزنجي، الإشاعة لأشراط الساعة:ص: 198- 200.
([lxxxvi]) ابن حجر، فتح الباري: 11/ 353.
([lxxxvii]) أخرجه الترمذي في سنن الترمذي ا4/ 498 (2217) وقال: حديث حسن غريب صحيح.
([lxxxviii]) نعيم بن حماد المروزي أبو عبد الله، الفتن، مكتبة التوحيد القاهرة 1412ط1: 2/ 662.
([lxxxix]) انظر: البرزنجي، الإشاعة لأشراط الساعة: ص: 280-281.
([xc])شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني الالوسي(توفي 1270هـ)، روح المعاني في تفسير القران والسبع المثاني ،دار إحياء التراث العربي بيروت ،د.ت : 15/ 42.
([xci])عبد الرحمن بن الكمال جلال الدين السيوطي ، الدر المنثور ، دار الفكر بيروت: 7/ 458.
([xcii]) المصدر السابق: 7/ 458.
([xciii]) محمد بن جرير، تفسير الطبري: 19/ 498.
([xciv]) السيوطي، الدر المنثور: 7/ 461، وعبد الرحمن بن محمد بن إدريس الرازي ابن أبي حاتم، تفسير بن أبي حاتم ، المكتبة العصرية ، صيدا ،تحقيق اسعد محمد الطيب ،د.ت : 11/ 203.
([xcv]) السيوطي، الدر المنثور: 7/ 461.
([xcvi]) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم: 6/ 213.
([xcvii]) المصدر السابق: 6/ 214.
([xcviii]) الآلوسي، روح المعاني: 15/ 42، وانظر الروايات السابقة جميعها عند البرزنجي في الإشاعة لأشراط الساعة: ص 287- 288.
(100) انظر الإمام احمد بن حنبل مسند الامام احمد شرح وتحقيق احمد شاكر : 15/ 82ا، دار المعارف بمصر1365ه 1975، وانظر:ا.د. محمد نعيم ياسين، الإيمان أركانه حقيقته نوا قضه ط3، جمعية عمال الطابع التعاونية 1982م، ص:97.
101)) انظر هذه الروايات الحاكم المستدرك على الصحيحين رقم (8490) وما بعدها، والطيالسي سليمان بن داود أبو داود الفارسي ، مسند الطيالسي دار المعرفة بيروت : 1 / 144
102) ) انظر هذه الروايات عند نعيم بن حماد الفتن : 2/ 660-667
([cii]) البرزنجي: الإشاعة لأشراط الساعة: ص:290- 292، بتصرف يسير.
([ciii]) ابن أبي العز الحنفي، شرح العقيدة الطحاوية ص: 148، والقرطبي شمس الدين أبى عبد الله بن أبى بكر بن فرح الأنصاري القرطبي، التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة، دار الفكر للنشر والتوزيع عمان، ص: 347.
[civ]) ) راجع هذه الأدلة عند القرطبي في المصدر السابق ص: 348-349.
([cv]) أخرجه ابن حبان، صحيح ابن حبان: 1/ 322 (116) وصححه، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: حديث صحيح رجاله ثقات، رجاله رجال مسلم.
([cvi]) أخرجه الترمذي في سنن الترمذي: 5/ 24 (2639) وقال: حسن غريب، والحاكم في المستدرك على الصحيحين: 1/ 46 (9) وقال: هذا حديث صحيح لم يخرج في الصحيحين وهو صحيح، قال محقق الكتاب مصطفى عبد القادر عطا: قال الذهبي في التلخيص: هذا على شرط مسلم.
([cvii]) أخرجه البخاري محمد بن إسماعيل أبو عبد الله(توفي 256هـ) ، الأدب المفرد، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي دار البشائر بيروت، 11989 ط3: ص: 92 (237).
([cviii])شمس الدين محمد بن احمد بن عثمان الذهبي ( توفي748 هـ) سير أعلام النبلاء، مؤسسة الرسالة، ط7، 1990م، 11/ 371
[cix])) المصدر السابق: 14/ 40.
([cx]) المصدر السابق، 14/ 39-40.
([cxi]) المصدر السابق، 14/ 188.
([cxii]) ابن أبي العز الحنفي، شرح العقيدة الطحاوية، ص: 206.
([cxiii]) أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية بيروت 1411هـ/ 1990 م، 1/ 34.
([cxiv]) راجع قول البيهقي ص: 6/ هامش: 19.
([cxv]) الحافظ أبو القاسم علي بن أبي محمد الحسن بن هبة الله ابن عساكر الدمشقي(توفي 571هـ)، تبيين كذب المفتري، دار الكتاب العربي بيروت 1979م. ص: 149
([cxvi]) علي بن احمد بن حزم الظاهري(توفي 456هـ)، الدرة فيما يجب اعتقاده، تحقيق: أحمد الحمد وسعيد القزقي، مكتبة التراث، مكة المكرمة، ط1، 1408 هـ ص: 414. علي بن احمد بن حزم الظاهري(توفي 456هـ)، الفصل في الملل والنحل، تحقيق: محمد إبراهيم نصر وعبد الرحمن عميرة، شركة عكاظ، جدة، 1402 هـ، 1982م، 3/ 296، 297، راجع هذه الأقوال وغيرها الدكتور عبد العزيز بن محمد بن علي العبد اللطيف، نوا قض الإيمان القولية والعملية، دار الوطن هـ1415، عن تكفير المتأول، وبين أن المجتهد المتأول معذور في تأويله واجتهاده، وقد أورد نصوصًا كثيرة في هذه المسألة، ص: 75-84.
([cxvii]) الغزالي، فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة ص: 85-86.
([cxviii]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: 7/ 271.
([cxix]) المصدر السابق: 14/ 374.
([cxx]) المصدر السابق: 14/ 40.
([cxxi]) المصدر السابق: 19/ 322.
([cxxii]) الشاطبي، الاعتصام: 2/ 168.
([cxxiii]) المصدر السابق: 2/ 200.
([cxxiv])أبو إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المالكي الشاطبي، ( ت: 790هـ ) الموافقات في أصول الشريعة، ضبطه أبو عبيدة مشهور بن حسن السلمان دار ابن عفان ط1، 1977م. 5 / 131.
([cxxv]) أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي( توفي 671هـ)، الجامع لأحكام القرآن: 2/ 16.
([cxxvi]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: 10/ 630.
([cxxvii]) المصدر السابق: 10/ 157، 630.
([cxxviii])الإمام مسعود بن عمر بن عبد الله، سعد الدين التقتازاني( توفي793 هـ )، ، شرح العقائد النسفية، المكتبة الأزهرية، مصر، ط1، 1421 هـ- 2000م، ص: 157-158.
[cxxix])) الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد الغزنوي (توفي593 هـ)، كتاب أصول الدين تحقيق د:عمر وفيق الداعوق، دار البشائر 1998م. ص: 139، 189، 210.
([cxxx]) القحطاني، الدرر السنية: 1/ 43.
([cxxxi])عبد الرحمن السعدي، الإرشاد في معرفة الأحكام، مكتبة المعارف، الرياض، 1400 هـ ص: 207.
([cxxxii]) محمد الغزالي، عقيدة المسلم، دار الكتب المصرية، ط4، 1984م، ص:9
([cxxxiii]) الميداني عبد الرحمن حسن حبنكة، العقيدة الإسلامية وأسسها، دار القلم، بيروت، ط7، 1415 هـ ، ص:221.
([cxxxiv]) د. قحطان الدوري، أصول الدين الإسلامي: راجع ص: 48- 61.
([cxxxv]) ابن تيمية، الاستقامة: 1/ 73.
([cxxxvi]) ابن تيمية، مجموع الفتاوى، 19/ 123.
([cxxxvii]) المصدر السابق، 19/ 17.
([cxxxviii]) المصدر السابق، 19/ 117.
([cxxxix]) المصدر السابق، 19/ 126.
([cxl])مسلم ، صحيح مسلم، حديث رقم (126).
([cxli]) وقد ألف ابن تيمية كتابا سماه: رفع الملام عن الأئمة الأعلام وإن كان موضوع الكتاب في مسائل الفقه إلا انه يتعرض في كثير من مواضع الكتاب إلى مسائل اعتقادية، انظر: ص: 40-42، وكيف أعذر المخالف في قضايا الوعيد بالعذاب. أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية،(توفي 728هـ)، رفع الملام عن الأئمة الأعلام، ط الجامعة الإسلامية المدينة المنورة 1422 هـ.
([cxlii]) أخرجه البخاري بلفظ غيره قريب منه صحيح البخاري: 3/ 1282 (3291) ومسلم بنحوه صيح مسلم:4/ 2109 (2756).
([cxliii]) ابن تيمية، مجموع الفتاوى: 10/ 33- 36.
([cxliv]) المصدر السابق، 19/ 207.
([cxlv])المصدر السابق، 19/ 127-128.
([cxlvi])أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية،(توفي 728هـ)، ابن تيمية، قاعدة في جمع كلمة المسلمين، تحقيق حماد سلامة، المنار، 1988 ص :15 .
([cxlvii]) ابن تيمية، منهاج السنة: 3/ 22، وانظر أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية،(توفي 728هـ)، ابن تيمية، كتاب الإيمان، ط مكتبة أنصار السنة المحمدية، القاهرة ص: 129.
([cxlviii] ) أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية،(توفي 728هـ)، كتاب الإيمان، مكتبة أنس بن مالك: ص: 206.
([cxlix]) رواه أبو يعلى في المسند: 4/ 85 (2111) قال حسين سليم أسد: إسناده صحيح.
([cl]) ابن تيمية، مجموع الفتاوى، 19/ 191.
([cli]) المصدر السابق: 4/ 172– 173.
([clii]) أخرجه البخاري في صحيح البخاري: 4/ 1555 (4021) ومسلم في صحيحه: 1/ 96 (96).
([cliii]) أخرجه مسلم في صحيح مسلم 4/ 2215 (2889).
([cliv]) أخرجه البخاري في صحيح البخاري: 6/ 2667 (6883).
([clv])أحمد بن شعيب النسائي(توفي 303هـ)، السنن الكبرى، تحقيق: د. عبد الغفار البنداري، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1411هـ/ 1991م.: 5/ 388 (9223) والترمذي في سنن الترمذي بنحوه: 4/ 465(2165).
([clvi]) أخرجه الترمذي في سنن الترمذي: 4/ 465 (2165) وقال: حسن صحيح غريب، قال الشيخ الألباني: صحيح.
([clvii]) أخرجه أحمد في مسند الإمام احمد: 5/ 232 (22082).
([clviii]) أخرجه مسلم في صحيح مسلم: 1/ 465 (673).
([clix]) عبد الرزاق أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني(توفي 211هـ)، المصنف ، المكتب الإسلامي،بيروت ط 2، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي: 1/ 227 (879).
([clx]) أخرجه البخاري في صحيح البخاري: 4/ 1640 (4240) ومسلم في الصحيح: 2/ 766 (1090).
([clxi]) ابن تيمية، كتاب الإيمان: ص: 129.