أجمل ما قيل في تفسيرها هو تفسير الدكتور بسام جرار
فانظروا لتفسيره على اليويتوب
----------------------------------------
أولاً أبدأ بطرح تساؤلات ؟؟!
يقولون الأعراف هم من تساوت حسناتهم وسيئاتهم ولكننا نجد ما يلي:
- قال الله ( وعلى الأعراف رجال ) ؟؟ ألا يوجد من نساء تساوت حسناتهم وسيئاتهم
وهل لفظ رجال هو لفظ ثناء ومدح أم هو لفظ بسيط لأناس تساوت حسناتهم وسيئاتهم
وكلمة الأعراف تدل على منطقة ذات شأن مرتفع ومكان مشرف وعالي وهو معروف ومن عليه يعرفون الناس
- قال الله في حق أصحاب الأعراف ( ونادى أصحاب الأعراف رجالاً يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون ) أصحاب الأعراف يقرعون على المستكبرين هل هؤلاء قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم وهم مشفقين – كما أنهم يعرفون الناس بسيماهم وهذه ميزة عالية تعطى لأهل الإيمان – قال الله لسيدنا محمد ( ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول ) فمعرفة الناس بسيماهم ميزة عظيمة من الله
فهل هؤلاء القوم الذي يعرفون الناس بسيماهم ويقرعون المستكبرين هم قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم
- قال الله في حق أهل الأعراف بعد تقريعهم على المستكبرين ( أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون ) هم عندهم صلاحيات بإدخال الناس الجنة ؟؟؟ هل هؤلاء قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم
-------------------
ذكر صلاح أبو عرفة كلاما جميلاً وأنا أكره هذا الرجل لكن رأيت صوابا في كلامه
أولا: كل ما عليه المؤمنون جميعا, بسلفهم وخلفهم, مما تواتر عن ربنا ورسوله, أن الآخرة منزلان وحسب, فإما إلى جنة وإما إلى نار {فريق في الجنة وفريق في السعير}.
وأن أهل الآخرة أزواج ثلاثة, لا رابع لهم, أصحاب الميمنة, وأصحاب المشأمة, والسابقون المقربون, فمن أين أتى من أتى بالزوج الرابع فابتدع له منزلة وأوقفهم عليها؟.
ثانيا: تواتر عند المؤمنين جميعا, بنص الكتاب القاطع والحديث الصحيح, أن الموازين يوم الحشر على اثنتين, إما أن تثقل وإما أن تخف, {فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية, وأما من خفت موازينه فأمه هاوية}, ولم يرد من الصحيح القاطع منزلة ثالثة, من مثل الذي يقول به أهل التأويل الأول, بأن ثَمّة منزلة وسط يوقف عليها من تساوت حسناته وسيئاته, وتلك عندهم هي الأعراف!.
بل تواتر من كتاب ربنا وحديث نبيه, ما يرد ذلك كله, من رحمة الله التي تسبق غضبه, وعفوه وتجاوزه الذي يغلب أخذه وعقوبته, وحلمه ومغفرته وجوده وكرمه, هذا كله وهذه الآية الدامغة {إن الله لا يظلم مثقال ذرة, وإن تك حسنة يضاعفها}.
هذا, وما صح وتواتر من عفو الله العظيم عن إخراج الله لأقوام من النار لم يعملوا خيرا قط, يضعهم في الجنة, ثم قبوله للشفاعة لأهل الكبائر والموبقات, فمن يتصور بعد هذا كله, وهذه الرحمة كلها, أن الله يوقف عبدا أعوزته حسنة واحدة؟!.
فإن كان لهذا العبد بضع حسنات, فضاعفها الكريم الجواد الرحيم له حتى تساوت مع سيئاته, أيتركه من أجل حسنة واحدة, وهو الذي يغفر الذنوب جميعا؟!.
وقد صح من حديث النبي عليه الصلاة والسلام أن رجلا ممن كان قبلنا حوسب, فلم ير له من الخير شيء قط, غير أنه كان موسرا وكان يخالط الناس, وكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر, فقال الله: نحن أولى بهذا منه, تجاوزوا عنه!.
فهذا حال الله مع من ليس له حسنة قط, فكيف به مع من أعسر عن حسنة واحدة؟.
ثم لو كان الذي قالوه من عند رسول الله لآمنا وتركنا قولنا ورأينا, أما ولم يقل النبي عليه الصلاة والسلام بما قالوا, فما نعلمه عن ربنا خير مما يقولون.
فمن أين بدأ اللبس والإشكال؟.
لعل ما يتلوه الناس من سورة الأعراف {وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال}, وما يتلونه من سورة الحديد {فضرب بينهم بسور له باب}, ذلك هو الذي لبس على من قال بالقول الأول فهمه. بيد أن ظاهر النص ليس معهم, فالآية تتحدث عن حجاب وعن أعراف, كل على حدة, وهذا شيء, وذلك شيء, فكيف جعلوه شيئا واحدا؟, وجعلوا الأعراف هو الحجاب وهو السور؟, وإنما يصح ما قالوا لو كانت الآية هكذا وبينهما حجاب وعليه رجال, أما الآية الحق فتخالف مذهبهم.
السورة وسياقها, والآية وتعريفها, أعظم مما يقولون..
فما الأعراف إذا؟.
الأعراف بلسان العرب, هو المكان العالي المشرف المطل, ومنها عرف الديك, لعلوه وارتفاعه.
وكل مسميات الله في كتابه ذات حكمة وسداد, فإنما سميت الجنة لوظيفتها, في الستر والنعيم, فنقول عليين لعلوها وشرفها, ونقول باب الريان جزاء لمن صام فظمأ وجف عِرقه, ونقول الحطمة لما تحطمه وتهدمه مما يجمع الناس ويكنزون, وكذلك اللظى والسعير والجحيم, كل واحدة منها يتفق اسمها مع مسماها, وما خلقت له.
فلماذا سميت الأعراف بما سميت به؟.
ونحن سميناها أم الله؟.
وإن كانت الجنة لما نعلم عنها, والنار لما نعلم عنها, فكيف تكون الأعراف –على اعتبار وجوب اتفاق الاسم مع المسمى لأجله- كيف تكون الأعراف لما يقولون؟.
منزل عال مشرف مطل, ما له ولمن تساوت حسناته وسيئاته؟!.
رجل مقصّر في الدنيا, قليل عمل الخير والإحسان, لِمَ يُرفع يوم القيامة على الأعراف؟!.
أما الله فلم يقل بهذا, ولم يرفعه على الأعراف, إنما الناس من قالوا, وإنما الناس من رفعوه.
أليس يُبعث كل عبد على ما مات عليه, كما صح عن رسول الله؟, {ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى}, {وآتيناه في الدنيا حسنة, وإنه في الآخرة من الصالحين}. فكما كان هذا المقصر في الدنيا, غير آبه ولا منافس, فكذلك هو في الآخرة, لا يؤبه به ولا يكرم, فكيف يرفع مكانا عليا؟.
وهذا الحديث الصحيح للنبي عليه الصلاة والسلام, يوحي بالكثير من مثل هذا: أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة.
فمن أولى بالمعروف في الدنيا من الرسل الكرام؟.
فلنقرأ آيات الأعراف ولنعقلها عن ربنا كما أنزلها!.
{ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار, أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا, فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا, قالوا نعم, فأذن مؤذن بينهم, أن لعنة الله على الظالمين, الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة كافرون, وبينهما حجاب, وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم}.
من هنا بدأ الاشكال, فقد ظن من قال بالقول الأول, أن الواقع في الآيات من المناداة والرد, كان بعد دخول أصحاب الجنة الجنة, وأصحاب النار النار!.
والظاهر والأحاديث يرد هذا الفهم كله. أولها أن {بينهما حجاب} أظهر أن تكون بين المتنادين من الفريقين, لا بين الجنة والنار, فمن ذا الذي يقول أن الجنة والنار على أفق سواء؟, وإذا كانت الجنة درجات بعضها فوق بعض, أثم تكون النار بحدها وجانبها؟.
فهذا الحدث, وهذه المناداة كلها في العرض والحشر, وقبل دخول الجنة والنار, وعلى رأس ما زلّت به كتب العلماء الأولين المرتضين, أن جعلوا المناداة بين الفريقين بعد الدخول!.
وهذا دليلنا على ما نقول....
آية سورة هود خير شاهد واصدق دليل, {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا, أولئك يعرضون على ربهم, ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم, ألا لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا, وهم بالآخرة هم كافرون}. فكم تتشابه الكلمات التي سطّرنا تحتها مع كلمات آية الأعراف السابقة, والآية صريحة بأن هذا يوم العرض, وقبل الدخول.
ثم حديث النبي في الصحيح من أن الله يدني المؤمن فيقربه حتى يضع عليه كنفه, ويقرره بذنوبه, حتى إذا ظن العبد في نفسه أنه هلك, قال الله: أنا سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم –وليقارن القارئ بين هذا النص في المغفرة, وبين من يقول بمن تتساوى حسناتهم وسيئاتهم دون أن تدركهم الرحمة-, ثم قال عليه الصلاة والسلام: وأما المنافقون والكافرون, فيقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم إلا لعنة الله على الظالمين.
فهذا حديث النبي الصريح فيما يجري يوم العرض, وهذا استدلاله واستشهاده بآية هود!.
لنرجع إلى الأعراف!.
الآية بالغة دامغة لا لبس فيها, {وعلى الأعراف رجال يعرفون}, وليس على الأعراف رجال متساوون!. فالأعراف للمعرفة, الأعراف للمعرفة, الأعراف للمعرفة, لا للتساوي.
الأعراف, منزلة مشِرفة مشرَّفة عالية, عليها رجال يعرفون كلا بسيماهم, وأفرد الله لها سورة عظيمة طويلة في أول القرآن!..
فنسألكم بالله الذي أنزل الكتاب, إن علمتم هذا, ولم تقرأوا قول أحد من قبل ولم تقرأوا تفسيرا, غير ما تقرأون من كلام الله هذا, كأنما أخذتم الآيات لتوكم من فم النبي الطاهر, فمن منا يقول: إنهم الذين تساوت حسناتهم وسيئاتهم؟.
أجزم أن لا يقول بها منصف متدبر!.
قبل أن نمضي في التدبر والنظر, لنرجع إلى أول سورة الأعراف معتمدين على منهجنا الأول بالاستناد إلى البناء الموحد للسور, وانسجام السياق, فماذا نجد؟.
{فلنسألنّ الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين, فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين, والوزن يومئذ الحق, فمن ثقلت موازينه فؤلئك هم المفلحون, ومن خفت موازينه فؤلئك الذين خسروا أنفسم بما كانوا بآياتنا يظلمون}.
{فلنسألنّ الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين}, هذا مرادنا, أن الناس يوم العرض فريقان, مرسَل ومرسَل إليه, والمرسل إليه أنفسهم فريقان, أصحاب الجنة وأصحاب النار.
فمن منا يظن أن الله سيوقف موسى بن عمران بجانب فرعون وهامان, ويوقف محمدا عليه الصلاة والسلام بجانب أبي جهل وأبي بن خلف؟.
بل لن يجمع الله أقل المؤمنين إيمانا, مع أقل الفاجرين فجرا, {وامتازوا اليوم أيها المجرمون}, فها هي الآية صريحة جلية, تمايز عادل بين المؤمنين والكافرين من الفريق المرسل إليه.
وفي المؤمنين درجات, منهم الصديقون, ومنهم الشهداء, ومنهم من دون ذلك, ومنهم, من تداركته رحمة الله من عوام المؤمنين..
فأين الفريق الأول, وأين الرسل الكرام؟.
لا جرم أن لهم الأعراف وأنهم مكرمون, إنهم هم أهل المنزلة الرفيعة المشرفة العالية لا شك, لا من تساوت حسناتهم وسيئاتهم, ولو أننا لم نسمع بمثل هؤلاء أصلا, إنما هي صنيعة الناس, وإن قال بها الصالحون الأولون, فكلهم جميعا لا يعدلون بمحمد عليه الصلاة والسلام, وإنما الحجة في قوله وحسب!.
{رجال يعرفون كلا بسيماهم}, لعمرو الله, ما الذي رفع المقصرين على الأعراف, وما الذي جعل الجاهلين يعرفون كلا بسيماهم؟, لعمرو الله ذلك قول الناس, لا قول الله ولا رسوله.
رفعوا على الأعراف وعرفوا, كلا بسيماهم..
فشهدوا على هؤلاء وهؤلاء..
فمن هم هؤلاء الأشهاد؟.
إنهم الذين تلونا ذكرهم من قبل في آية هود {ويقول الأشهاد}, إنها يسيرة إذا رجعنا إلى كتاب الله لنقرأ {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد, وجئنا بك على هؤلاء شهيدا}!. إنهم هم الرسل بلا ريب.
{كلا بسيماهم}, {يُعرف المجرمون بسيماهم}, إنها بلا شك عرصات العرض, يوم تبيض وجوه وتسود وجوه, فيعرف كل بسيماهم, ويعرف النبي أمته بسيماهم, غرّا محجلين, في نواصيهم وأقدامهم, و{يعرف المجرمون بسيماهم فيأخذ بالنواصي والأقدام}.
المشكل الثاني
{ونادوا أصحاب الجنة, أن سلام عليكم, لم يدخلوها وهم يطمعون}.
فقد نقلت إلينا التفاسير, أن أصحاب الأعراف ينادون أصحاب الجنة بعدما دخلوا جنتهم, متحسرين على حالهم هم على ما قصّروا, فلم يدخلوها وهم يطمعون!.
وقلنا من قبل, إن الآيات والحديث, تخالفان هذا, فالمناداة كانت في العرض, وقبل الدخول. ولكن لماذا {لم يدخلوها وهم يطمعون}؟, ومن هم الذين لم يدخلوها وهم يطمعون؟.
على سياقنا الأول والانسجام الموضوعي, فالذين لم يدخلوها وهم يمطمعون, هم أصحاب الجنة أنفسهم, لا أصحاب الأعراف, فقد اتفق لنا أنه لم يدخل أحد منزله بعد, وها هم أصحاب الأعراف الأشهاد يعرفون أصحاب الجنة من بين أهل العرض فيشهدون لهم, ويثبتونهم ويؤمنونهم, وهم لم يدخلوها بعد وهم يطمعون, على ما ظهر لهم من البشارة والتثبيت. فمن ابيض وجهه, وأوتي كتابه بيمينه, طمع بالجنة, {إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا أول المؤمنين}, فهذا طمع على ما سلف, وطمع على ما ظهر من التبشير.
{وعلى الأعراف رجال}..
أليس هناك نساء تساوت حسناتهم وسيئاتهم؟!
قد يقول قائل: إنها خرجت مخرج الغالب, كون عامتهم من الرجال.
فنقول وما أدراكم, ولم يكونون كذلك, ولم لا يتساوى الرجال والنساء في الذين تساوت حسناتهم وسيئاتهم, فكلاهما أهل معصية وذنب؟.
وقد يستدل من يقول بإنها خرجت على الغالب, بآية سورة النور {يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال}, فيقول: ألا يسبح فيها النساء؟, فيستدل بها على الغالب!.
فنقول إن الآية حقا حصرت في الرجال وحسب, ولم يرد بها غيرهم, فقد أتبعها الله بسِمة لازمة للحال التي عليها استحقوا الثناء, فكانت {لا تلهيهم تجارة ولا بيع}, فهل هذه للنساء اللواتي يتركن البيوع والصفقات بالاسواق, فيسارعن إلى المساجد؟.
ومثل هذا الدليل, حديث النبي عليه الصلاة والسلام في الصحيح, عن صلاة الجماعة, أن قال :ثم أخالف إلى رجال في بيوتهم فأحرّق عليهم بيوتهم, فهل أراد بالرجال الرجال والنساء, إم الرجال وحسب, إذ الأمر بصلاة الجماعة واقع على الرجال دون النساء!.
المشكل الثالث
{وإذا صُرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين}.
فقد أولها المؤولون الأولون, أنها دلالة تقصيرهم وآية اعترافهم بذنوبهم, فهم يتحاشون النظر إلى ما يستحقون, فتُصرف أبصارهم جبرا وقسرا حتى يقرّعوا ويذكروا بما فرطوا وأجرموا!.
وهذا أيضا لا يصح, ولا يتفق مع تسلسل السياق والموضوع, فليس كل من يصرف بصره إلى العذاب أهل للعذاب!, ثم من أين أتوا بأنهم يتحاشون النظر, فتصرف أبصارهم قسرا, إليها؟!.
بل هي سنة الله وتأديبه لهذه المواطن والظروف, فاقرؤها في حال النبي العظيم محمد عليه الصلاة والسلام من سورة المؤمنون {قل رب إما تريني ما يوعدون, رب فلا تجعلني في القوم الظالمين}!, فمن يجرؤ أن يقول: إن الله أمر النبي بهذا لأنه مَنََّ عليه ونجاه مما يستحق؟, حاش لله!.
ثم إن صُرفت لا تجزم أبدا أن صاحبها كان يغالب نفسه ألا يرى فيغلب عليها, بل قد تكون في حال آمن تنظر أمامك, فيصرف بصرك يمنة أو يسرة, فترى ما شاء الله أن ترى.
من هم هؤلاء.. حتى يثبتوا هؤلاء, ويبكّتوا هؤلاء
ويقضوا بهؤلاء؟!.
{ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم, قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون, أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة, أدخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون}.
ما هذا العلو, وما هذه الرفعة, وما هذه المنزلة المكينة, ومن هم هؤلاء الذين يتكلمون من عال, يوم تخرس الألسن فلا تسمع إلا همسا {لا يملكون منه خطابا, إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا}, فلم يأذن الله لمحمد عليه الصلاة والسلام, واذن للأراذل من الناس, فسكت النبي وقالوا هم صوابا؟!.
{لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون}, لم نسمعها من قبل إلا من الله أو ملائكته الكرام, فكيف صارت هنا من قول الأراذل المقصّرين؟!.
بعد هذا العرض, وهذه الشهادات, يدخل الناس منازلهم.
{ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله}.
الآن صار أصحاب الجنة في الجنة وصار أصحاب النار في النار, بعدما شهد الأشهاد, وقضى أصحاب الأعراف, فهل يكونون هم الأرذلين المقصرين, أم الرسل الكرام؟!.
إنهم هم الرجال بحق, وهم أولى بها {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي أليهم}.
إضافة أخيرة
لم يرد مفرد الأعراف في القرآن كله إلا مرتان, مرة في آخر سورة الأعراف نفسها {خذ العفو وأمر بالعرف}, فكانت هنا متعلقة بالرسول محمد عليه الصلاة والسلام. فعلى رأس الآمرين بالعرف يكون الرسول.
ثم في سورة المرسلات {والمرسلات عرفا}, وعلى اختلاف المفسرين على المراد بالمرسلات, إلا أن تعلقها الظاهر الجلي بالعرف أجلى من التبيان, فالعلاقة بالغة بليغة بين الرسالة والعرف!.
فأصحاب الأعراف هم الرسل الكرام المقربون, وهم الأشهاد, بما يظهر لنا من كتاب الله, لا من كلام الناس, ولا حجة بيننا وبين ربنا غير رسله!.
{لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل}.
فالله الله بيننا وبينكم, أن نقرأ كتاب الله كأنما نزل لتوه, وكأنما نأخذه غضا من فم المبلغ الأمين محمد عليه الصلاة والسلام, ولو كان ما يقولون ويفسرون حقا ملزما, كلازم الكتاب والحديث, فقد ابتدعوا على الله ورسوله الباطل.
ولو كان عبد يسمع هذه الآيات من فم النبي, ولم يكن يومها تفسير ولا تأويل, وكان يتلى يومها في الناس {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي}, فبأي التفاسير نلزمه, وعلى أيها نحمله؟!.
فاللهم إني أشهد, ومعي من المؤمنين كثير, أن نبيك محمدا عليه الصلاة والسلام, ترك الدنيا ولم يبْلُغنا أنه قال في الأعراف شيئا, وبلّغ عنك ما أمرت من الكتاب كله, فترك فينا كتابك وحديثه, فجاء رجال من الناس فاجتهدوا من عند أنفسهم, فحمله الناس عنهم, وآمنوا بما قالوا, وألزموا الناس به, وجعلوه دينا مفروضا, كدينك الذي أنزلت, ونبيك الذي أرسلت!.
فاللهم لا رب لي سواك, ولا نبي غير محمد عليه الصلاة والسلام, ولا حجة في قول أحد بعده {لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} فالحمد لله وكفى.
فاللهم هذا كتابك, وهذا حديث نبيك, حجتك علينا, وحجتنا عندك, ولا ندين لغير هذا, كائنا من كان, على أن لا إله إلا الله محمد رسول الله, فاقبلها منا وثبتنا عليها, إذا زاغ الناس وبدلوا.
اللهم إني أبرأ إليك من كل كتاب غير كتابك, ومن كل حديث غير حديث نبيك, ومن كل قول للناس لست في أوله وآخره, كائنا من كان.
اللهم إن كان هذا حقا فأجرني عليه, وإن كان باطلا فاعذرني عليه.
{ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل}.